بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله عدة للقائه
قال أبو محمد: وقول هذه الفرقة ساقط، يكفي من الرد عليه وإبطاله إجماع كل من ذكرنا على بطلانه. والقرآن والسنة قد وردا بإيجاب الإمام. من ذلك قول الله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} مع أحاديث كثيرة صحاح في طاعة الأئمة وإيجاب الإمامة. وأيضا فإن الله عز وجل يقول: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} فوجب اليقين بأن الله تعالى لا يكلف الناس ما ليس في بنيتهم واحتمالهم، وقد علمنا بضرورة العقل وبديهته أن قيام الناس بما أوجبه الله تعالى من الأحكام عليهم في الأموال والجنايات والدماء والنكاح والطلاق وسائر الأحكام كلها ومنع الظالم وإنصاف المظلوم وأخذ القصاص على تباعد أقطارهم وشواغلهم واختلاف آرائهم وامتناع من تحرى في كل ذلك ممتنع غير ممكن، إذ قد يريد واحد أو جماعة أن يحكم عليهم إنسان ويريد آخر أو جماعة أخرى أن لا يحكم عليهم إما لأنها ترى في اجتهادها خلاف ما رأى هؤلاء وإما خلافا مجردا عليهم وهذا الذي لا بد منه ضرورة. وهذا مشاهد في البلاد التي لا رئيس لها فإنه لا يقام هناك حكم حق ولا حد حتى قد ذهب الدين في أكثرها، فلا تصح إقامة الدين إلا بالإسناد إلى واحد أو إلى أكثر من واحد، فإذ لا بد من أحد هذين الوجهين فإن الاثنين فصاعدا بينهما ما ذكرنا فلا يتم أمر البتة. فلم يبق وجه تتم به الأمور إلا بالإسناد إلى واحد فاضل عالم حسن السياسة قوي على الإنفاذ، إلا أنه وإن كان بخلاف ما ذكرنا فالظلم والإهمال معه أقل منه مع الاثنين فصاعدا. وإذ ذلك كذلك ففرض لازم لكل الناس أن يكفوا من الظلم ما أمكنهم، إن قدروا على كف كله لزمهم ذلك، وإلا فكف ما قدروا على كفه منه ولو قضية واحدة لا يجوز غير ذلك.
ثم اتفق من ذكرنا ممن يرى فرض الإمامة على أنه لا يجوز كون إمامين في وقت واحد في العالم ولا يجوز إلا إمام واحد، إلا محمد بن كرام السجستاني وأبا الصباح السمرقندي وأصحابهما فإنهم أجازوا كون إمامين في وقت وأكثر في وقت واحد. واحتج هؤلاء بقول الأنصار ومن قال منهم يوم السقيفة للمهاجرين: منا أمير ومنكم أمير. واحتجوا أيضا بأمر علي والحسن مع معاوية رضي الله عنهم.
قال أبو محمد: وكل هذا لا حجة لهم فيه لأن قول الأنصار رضي الله عنهم ما ذكرنا لم يكن صوابا بل كان خطأ إذ أداهم إليها الاجتهاد وخالفهم فيه المهاجرون، ولا بد إذ اختلف القائلان على قولين متنافين من أن يكون أحدهما حقا والآخر خطأ، وإذ ذلك كذلك فواجب رد ما تنازعوا فيه إلى ما افترض الله عز وجل الرد إليه عند التنازع إذ يقول الله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} فنظرنا في ذلك فوجدنا رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قد قال: "إذا بويع لإمامين فاقتلوا الآخر منهما" وقال تعالى: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا} وقال تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} فحرم الله عز وجل التفرق والتنازع، وإذا كان إمامان فقد حصل التفرق المحرم فوجد التنازع ووقعت المعصية لله تعالى وقلنا ما لا يحل لنا.
وأما من طريق النظر والمصلحة فلو جاز أن يكون في العالم إمامان لجاز أن يكون فيه ثلاثة وأربعة وأكثر ، فإن منع من ذلك مانع كان متحكما بلا برهان ومدعيا بلا دليل، وهذا الباطل الذي لا يعجز عنه أحد. وإن جاز ذلك زاد الأمر حتى يكون في كل عمل إمام أو في كل مدينة إمام أو في كل قرية إمام، ويكون كل أحد إماما وخليفة في منزله، وهذا هو الفساد المحض وهلاك الدين والدنيا. فصح أن قول الأنصار رضي الله عنهم وهلة وخطأ قد رجعوا عنه إلى الحق وعصمهم الله تعالى من التمادي عليه.
وأما أمر علي والحسن ومعاوية فقد صح عن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أنه أنذر بخارجة تخرج من طائفتين من أمته يقتلها أولى الطائفتين بالحق، فكان قاتل تلك الطائفة علي رضي الله عنه، فهو صاحب الحق بلا شك. وكذلك أنذر عليه السلام بأن عمارا تقتله الفئة الباغية، فصح أن عليا هو صاحب الحق، وكان علي السابق إلى الإمامة، فصح بعد أنه صاحبها وأن من نازعه فيها فمخطئ، فمعاوية رحمه الله مخطئ مأجور مرة لأنه مجتهد، ولا حجة في خطأ المخطئ، فبطل قول هذه الطائفة.
وأيضا فإن قول الأنصار رضي الله عنهم: "منا أمير ومنكم أمير" يخرج على أنهم إنما أرادوا أن يلي وال منهم، فإذا مات ولي من المهاجرين آخر وهكذا أبدا، لا على أن يكون إمامان في وقت، وهذا هو الأظهر من كلامهم.
وأما علي ومعاوية رضي الله عنهما فما سلّم قط أحدهما للآخر بل كل واحد منهما يزعم أنه المحق. وكذلك كان الحسن رضي الله عنه إلى أن أسلم الأمر إلى معاوية. فإذا هذا كذلك فقد صح الإجماع على بطلان قول ابن كرام وأبي الصباح وبطل أن يكون لهم تعلق في شيء أصلا. وبالله تعالى التوفيق.
ثما.