ورد الشام

ورد الشام
عزيزي الزائر
هنالك فرق في التصفح كـ زائر والتصفح كــ صديق مسجل مع أننا أتحنا كل أقسام ورد الشام لكي يستفاد بها الجميع الزائرين
كثيرة المنتديات التي يسجل بها البعض ولكن قد يهمل دخولهم وتسجيلهم
هنا في ورد الشام
جرب أن تهتم وسوف نهتم


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ورد الشام

ورد الشام
عزيزي الزائر
هنالك فرق في التصفح كـ زائر والتصفح كــ صديق مسجل مع أننا أتحنا كل أقسام ورد الشام لكي يستفاد بها الجميع الزائرين
كثيرة المنتديات التي يسجل بها البعض ولكن قد يهمل دخولهم وتسجيلهم
هنا في ورد الشام
جرب أن تهتم وسوف نهتم

ورد الشام

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أجتماعي ثقافي أدبي ترفيهي


2 مشترك

    خمسون النبوية الشاملة


    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    عدد الرسائل : 29437
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف waell الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 22:10

    مااااري
    أكتر من يسلموا إيديكي
    ما بتكفي حتى
    شفتي وين مضيعين وقتنا نحن
    بتمنى كتير التمعن بالأحاديث والمعاني لكل من يدخل بنشد الفائدة
    شكرا مااري

    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    عدد الرسائل : 29437
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف waell الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 22:10

     خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Maryyy10

    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    عدد الرسائل : 8386
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 23:17

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Images?q=tbn:ANd9GcS5mX1kSDOca0Y0bq-UIxIaS2kEQ-mwWISA_wMGGMH8MB4N2E7l

    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    عدد الرسائل : 8386
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 10:04

    الحديث السادس عشر
    عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «لَوْ يَعْلَمُ النّاسُ مَا في النِّدَاءِ والصّفِّ الأوّلِ ثُمّ لمْ يَجدُوا إلّا أنْ يَسْتَهِمُوا عَليه لاسْتَهَمُوا، ولوْ يعْلَمونَ ما في التَّهْجِيرِ لاسْتَبقُوا إليه، ولوْ يَعْلَمُونَ ما في العَتَمَةِ والصُّبْحِ لأَتَوْهُما ولوْ حَبْوًا» أخرجه البخاري ومسلم[].


    راوي الحديث:
    سبقتْ ترجمته في الحديث الرابع عشر، ويضاف إليها: ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة – رضي الله عنه -: «كنتُ أدعو أُمّي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يومًا فأسمعتني في رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  ما أكره، فأتيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أُمّ أبي هريرة.
     
    فقال رسول الله صلى عليه وسلم: «اللهم أهدِ أُمّ أبي هريرة» فخرجتُ مستبشرًا بدعوة نبي الله - صلى الله عليه وسلم- ، فلما جئت فصرتُ إلى الباب، فإذا هو مجاف، فسمعتْ أمّي خشف قدميّ، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعتُ خضخضة الماء، قال: فاغتسلتْ ولبستْ درعها، وعجلتْ عن خمارها، ففتحتِ الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
     
    قال: فرجعتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أمّ أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرًا. قال: قلت: يا رسول الله ادعُ الله أن يُحبّبني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ويُحبّبهم إلينا، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «اللهم حبِّبْ عُبَيْدك هذا - يعني: أبا هريرة - وأُمّه إلى عبادك المؤمنين، وحبِّب إليهم المؤمنين» فما خُلق مؤمن يسمع بي ولا يراني، إلا أحبّني»[].
     
    معاني الكلمات:
    1- النداء: الأذان.
    2- يستهموا: يقترعوا.
    3- التهجير: التبكير.
    4- العتمة: صلاة العشاء.
    5- حبوًا: مشيًا على اليدين والركبتين - أوْ زحفًا -.
     
    الشـرح:
    يبين الرسول -صلى الله عليه وسلم-  في هذا الحديث بعض الفضائل المتعلقة بالأذان والصلاة، «لو يعلم الناس ما في النداء والصف  الأول» أي لو يعلمون ما في الأذان، والصف الأول من الأجر العظيم: «ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا..» ثم لم يجدوا حلًا مرضيًا لهم إلا القرعة لفعلوا ذلك.
     
    «ولو يعلمون ما في التهجير..»، وأيضًا لو علموا ما في التبكير إلى الصلاة من الفضل العظيم لاستبقوا إليه، وأيضًا «لو يعلمون ما في العتمة..» أي: صلاة العشاء «والصبح» لأتى إليها الناس ولو زحفًا لعظم ما فيهما من الأجر.
     
    وهما أثقل الصلاة على المنافقين «ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا، ولقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم، ثم آمر رجلًا يؤمّ الناس، ثم آخذ شعلًا من نار فأحرّق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد»[].
     
    وقد ورد في فضل المذكورات في الحديث أحاديث كثيرة منها: ففي الأذان: قوله - صلى الله عليه وسلم- : «المؤذنون أطول الناس أعناقْا يوم القيامة»[.
     
    قال العلماء: والحكمة في طول أعناقهم - والله أعلم - حتى لا يلجمهم العرق. ومنها: «لا يسمع مدى صوت المؤذّن جنّ ولا إنس ولا شيء إلا شهدَ له يوم القيامة»[، ولذا قال عمر - رضي الله عنه -: «لو كنت أطيق الأذان مع الخليفا (الخلافة) لأذّنت»[. وقال لرجل: من مؤذنكم اليوم؟ قال: موالينا وعبيدنا. فقال: إن ذلك بكم لنقص كبير].
     
    وذكر البخاري في صحيحه تعليقًا: «أن أقوامًا اختلفوا في الأذان فأقرعَ بينهم سعد»[. يعني ابن أبي وقاص وذلك يوم القادسية. «والصف الأول» وقد أخبر -صلى الله عليه وسلم -  بأن «خير صفوف الرجال أولها»[].
     
    قال العلماء: في الحضّ على الصف الأول المسارعة إلى خلاص الذمة، والسبق لدخول المسجد، والقرب من الإمام، واستماع قراءته، والتعلم منه، والفتح عليه، والتبليغ عنه، والسلامة من اختراق المارة بين يديه، وسلامة البال من رؤية من يكون قدامه، وسلامة موضع سجوده من أذيال المصلين»[].
     
    وسبق في شرح الحديث الخامس ذكر بعض القصص عن السلف في حرصهم على المبادرة إلى الصف الأول.
     
    «لاستهموا»، أي: اقترعوا، وفي رواية عند مسلم: «لكانت قرعة».
     
    «ولو يعلمون ما في التهجير»: قيل: المراد الإتيان إلى صلاة الظهر أول وقتها، لأنه مشتق من الهاجرة وهي شدة الحرّ. وقيل: المراد التبكير إلى الصلاة مطلقًا.
     
    «لاستبقوا إليه» ولم يقل: لاستهموا؛ لأن الاقتراع يكون حيث الاختيار، أما والأمر ميسر للجميع فهنا المبادرة «فاستبقوا الخيرات».
     
    «ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا» أي كما يحبوا الصغير، ولكن غُيّبَ الأجر في هذه الأعمال ليشتدّ الحرص عليها.
     
    ومن العجب أن تجد من حرص الكثير من الناس على أمور الدنيا والسعي لها ما لا تجده منهم عند طلب أمور الآخرة، فالمنبّه يُضبط على وقت الدوام، أمّا صلاة الفجر فعند الاستيقاظ، والله غفور رحيم. وهو جل وعلا كذلك، وأيضًا: شديد العقاب. قال أبو حازم سلمة بن دينار رحمه الله: «عجبًا لقوم يعملون لدار يرحلون عنها كل يوم مرحلة ويدعون أن يعملوا لدارٍ يرحلون إليها كل يوم مرحلة»[1].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- فضل الأذان، وعِظَمُ أجر المؤذّن.
    2- فضل الصف الأول، والترغيب فيه.
    3- الحثّ على التبكير إلى الصلاة.
    4- فضل صلاة العشاء، وصلاة الفجر.
    5- مشروعية القرعة.
    6- تغييب الأجر على بعض الأعمال دليل على عظيم أجرها، وترغيبًا للمبادرة إليها.

    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    عدد الرسائل : 8386
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 10:05

    الحديث السابع عشر

    عن جابرِ بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلى مَا مَاتَ عَليْه». أخرجه مسلم [12].


    راوي الحديث:
    جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري، أحد السبعة المكثرين من الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -. شهد وأبوه بيعة العقبة الثانية. وتغيّب عن غزوة أُحد طاعةً لأبيه؛ لأجل أخواته. زاره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  في بيته فلمّا أراد الانصراف نادته زوج جابر: يا رسول الله صلّ عليّ وعلى زوجي، فقال: «صلى الله عليك وعلى زوجك»[13]، وأضافَ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-  والمسلمين يوم الخندق وهم ألف.
     
    أصبح مفتي المدينة في زمانه بعد وفاة ابن عمر. رحل من المدينة إلى الشام مسيرة شهر إلى عبد الله بن أُنيس ليسأله عن حديث واحد![14]. مات في المدينة سنة 78، وهو ابن أربع وتسعين سنة ت.
     
    معاني الكلمات:
    1- كلّ عبد: كل مكلَّف، حرًا كان أو عبدًا، رجلًا أو امرأة.
    2- على ما مات عليه: أي على الحالة التي مات عليها.
     
    الشرح:
    يبيّن - صلى الله عليه وسلم -  في الحديث أن كل إنسان يُبعث يوم القيامة على الحالة التي مات عليها، كما في قصة الرجل الذي سقط من ناقته في حجة الوداع فقال -صلى الله عليه وسلم- : «اغسلوه بماء وسدر وكفّنوه في ثوبين، ولا تُمِسوه طيبًا، ولا تخمّروا رأسه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيًا»[15] الله أكبر! ما أعظم هذه الهيئة في ذلك اليوم العظيم.
     
    وكذا من مات مجاهدًا في سبيل الله «لا يُكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يُكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب، اللون لون دم، والريح ريح مسك»[16] (يُكلم: يجرح. يثعب: يجري متفجرًا.
     
    ومثله من مات وهو يصلّي، أو يقرأ القرآن، أو غيرهما من العبادات يبعث يوم القيامة على هذه الهيئة الشريفة التي تشرئبُّ لها الأعناق.
     
    وفي المقابل - ولا سواء - من مات وهو متلبّس بمعصية، يُبعث يوم القيامة كحاله يوم مات! وأيّ خزي في ذلك اليوم أعظم من حال من يكون كذلك. نسأل الله حسن الخاتمة.
     
    قال ابن كثير رحمه الله تعالى: «الذنوب والمعاصي تخذل صاحبها عند الموت مع خذلان الشيطان له فيجتمع عليه الخذلان مع ضعف الإيمان فيقع في سوء الخاتمة.. وسوء الخاتمة لا يقع فيها من صلح ظاهره وباطنه مع الله»[17].
     
    والحديث فيه حثّ للمسلم على أن يكون في كل أحواله على هيئة ترضي الله، حتى إذا بغتة الموت بُعث على حال حسنة. قال بعض السلف: «كلّ أمرٍ كرهتَ الموت لأجله فدعه، ثم لا يضرّك متى متّ»[18].
     
    وأختم بذكر قصتين إحداهما في ذكر خاتمة حسنة، والأخرى بضدّها:
    أما الأولى: فقد جاء في ترجمته الإمام الكبير أبي زُرعة الرازي عبيد الله ابن عبد الكريم (ت264).. وكان في السَّوق (الاحتضار) وعنده أبو حاتم ومحمد بن مسلم والمنذر بن شاذان وجماعة من العلماء، فذكروا حديث التلقين وقوله -صلى الله عليه وسلم- : «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله» قال: فاستحيوا من أبي زرعة وهابوه أن يلقّنوه، فقالوا: تعالوا نذكر الحديث. فقال محمد ابن مسلم: حدثنا الضحاك بن مخلد عن عبد المجيد بن جعفر عن صالح، وجعل يقول ولم يجاوز، وقال أبو حاتم: حدثنا بُندار حدثنا أبو عاصم عن عبد المجيد بن جعفر عن صالح، ولم يجاوز، والباقون سكتوا، فقال أبو زرعة - وهو في السَّوْق -: حدثنا بُندار حدثنا أبو عاصم، حدثنا عبد المجيد بن جعفر عن صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة الحضرمي عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة» وتوفي رحمه الله[19]!
     
    نسأل الله الكريم من فضله، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها.
     
    أما التي بضدّها: فهي لشخص عشق غلامًا اسمه أسْلَم، وتمكن حُبّه من قلبه، حتى لزم الفراش بسببه، وتمنّع الآخر عليه...حتى اشتد الأمر بالعاشق، وقد طمع أن يزوره محبوبه، فلم يَحْدُثْ، حتى ظهرت عليه دلائل الموت فجعل يقول في تلك الحال:
    أسلمُ يا راحة العليل خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Space
    رفقًا على الهائم النحيل خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Space
    وصْلُكَ أشْهى إلى فُؤادِي خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Space
    مِنْ رَحْمَةِ الخَالِقِ الجَليل! خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Space
    فقال له مَنْ عنده: اتق الله ما هذه العظيمة؟
    فقال: قد كان ما كان، فخرج عنه فما توسّط الطريق حتى سمع الصياح عليه[20].
    نعوذ بالله من سوء الخاتمة.
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- الحثّ على حسن العمل.
    2- الابتعاد عن ما نهى الله عنه.
    3- الموت يأتي فجأة، فالعاقل من استعدّ له.
    4- يُبعث العبد على الحال التي مات عليها، إن خيرًا، وإن شرًا.
     




    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    عدد الرسائل : 8386
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 10:05

    حديث الثامن عشر
    عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنّما الشَّدِيدُ الذّي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضِب» متفقٌ عليه[].


    راوي الحديث:
    سبقت ترجمته - رضي الله عنه - في الحديث الرابع عشر، وزيادة عليها في الحديث السادس عشر.
     
    معاني الكلمات:
    1- الشديد: القوي.
    2- الصُّرَعَة: الذي يصرع الناس كثيرًا.
     
    الشــرح:
    يبيّن - صلى الله عليه وسلم-  في هذا الحديث المفهوم الصحيح للرجل الشديد، أنه الذي يملك نفسه عند الغضب«لأن هذه هي القوة الحقيقية، قوة داخلية معنوية يتغلب بها الإنسان على الشيطان، لأن الشيطان هو الذي يلقي الجمرة في قلبك من أجل أن تغضب[]» وقد أثنى الله جل وعلا على من يكظم غيظه: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134] ، وقال تعالى ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُو ﴾ [الشورى: 43]. ولما طلب رجل الوصية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم-  قال له: «لا تغضب» فردد مرارًا قال: «لا تغضب»[]. وهذا من جوامع كلامه - صلى الله عليه وسلم- ، فالإنسان إذا غضب ربّما اعتدى على غيره، وربما أتلف ماله، وربما طلّق زوجه، بل وربما قتل، أو تلفّظ بالكفر. ولهذا عدّه الإمام ابن القيم رحمه الله أحد أركان الكفر الأربعة: الكبْر، والحسد، والغضب، والشهوة. فالغضب مثل السّبُع إذا أفلته صاحبه بدأ بأكله[].
     
    وأخبر - صلى الله عليه وسلم-  بالأجر العظيم لمن كظم غيظه مع قدرته على إنفاذه فقال: «من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفِّذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يُخيّره من أي الحور العين شاء»[]، وسيرته -صلى الله عليه وسلم-  معطّرة بقصص حلمه وإعراضه عن الجاهلين. منها قصة ذي الخويصرة لما قال: يا رسول الله اعدل، فقال - صلى الله عليه وسلم- : «ويلك، من يعدل إذا لم أعدل» فاستأذنه عمر في قتله، فقال: «لا» الحديث. متفق عليه. وكذا في سيرة أصحابه ي وسيرة السلف الصالح.
     
    ولما قال عُيينة بن حصن لعمر بن الخطاب: هِيْ يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى همّ به فقال له الحرّ بن قيس: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم- ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199] ، وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافًا عند كتاب الله[].
     
    وفي ترجمة سبرة بن فاتك الأسدي ت أن رجلًا سبّه فكظم غيظه متحرجًا من جوابه حتى بكى من الغيظ[]!
    وليس حليمًا من تُقبَّل كفّه 

    فيرضى ولكنْ من تُعضّ فيحلم خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Space
     
    ويكون الغضب محمودًا بل مطلوبًا في حالة واحدة: إذا كان لأمر الله تعالى.قالت عائشة ل: «ما انتقم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  لنفسه إلاّ أن تُنتهك حرمة الله فينتقم لله بها»[].
     
    وعلاج الغضب يكون بأمور منها:
    1- ما أرشدنا إليه ربنا جل وعلا بقوله تعالى ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [فصلت: 36]. وما أرشدنا إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم-  لذاك الرجل الذي غضب حتى احمرّ وجهه وانتفخت أوداجه: «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد»[].
     
    2- ترويض النفس على كبح جماح الغضب، كما قال -صلى الله عليه وسلم- : «إنما العلم بالتعلّم، والحلم بالتحلّم»[].
     
    3- تغيير الهيئة: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلاّ فليضطجع»[]. وقد فعل ذلك الصحابي الجليل أبو ذر ت لما أغضبه رجل فجلس ثم اضطجع، فلما سئل عن ذلك ذكر هذا الحديث[].
     
    4- السكوت، قال -صلى الله عليه وسلم- : «إذا غضب أحدكم فليسكت» قالها مرتين[].
     
    5- ورُوي أنه يتوضأ، «إن الغضب من الشيطان، والشيطان خُلق من النار، وإنما تُطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ»[].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- بيانه -صلى الله عليه وسلم-  لمعنى القوة الحقيقية.
    2- ذمّ الغضب، والتحذير منه.
    3- الحثّ على الحِلْم.
     

    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    عدد الرسائل : 8386
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 10:06

    الحديث التاسع عشر

    عن عثمانَ بن عفّان – رضى الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :«خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَه» أخرجه البخاري[].


    راوي الحديث:
    أمير المؤمنين عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أُمية بن عبد شمس القرشي الأُموي، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وثالث الخلفاء الراشدين. من السابقين الأولين للإسلام. وُلد بعد عام الفيل بست سنين. تزوج رقية بنت الرسول -صلى الله عليه وسلم - ، وهاجرا معًا إلى الحبشة، ومرضتْ ل قبل غزوة بدر، فتخلّف عن الغزوة ليمرِّضها. وضربَ له الرسول - صلى الله عليه وسلم-  بسهمه وأجره. ولما ماتت زوجُه رقيّة أيام بدر، زوّجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم-  بابنته الأخرى أم كلثوم؛ فلذا عُرف بـ: ذي النورين.
     
    كان من الأسخياء، جهّز جيش العسرة، واشترى بئر أرومة. كان شديد الحياء، حتى قال -صلى الله عليه وسلم- : «ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة»[]. تولى الخلافة عام 23 بعد مقتل عمر. وجمع المسلمين على مصحف واحد.
     
    شهد له النبي -صلى الله عليه وسلم-  بالجنة في عدة أحاديث. ابتلي ببعض الخارجين عليه، وحاصروا داره. ورفض ت أن تسيل قطرة دم واحدة من أجله. حتى تمكن البُغاة من الدخول عليه وقتلِه فمات شهيدًا.
     
    وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم-  قد أخبره بأنه سيبتلى ويُقتل مظلومًا. كما في حديث أبي موسى: «..ائذن له وبشّره بالجنة على بلوى ستُصيبه»[]، وقال له: «إن الله مقمِّصك قميصًا (يعني الخلافة) فإذا أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه»[].
     
    وعن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  ذكر فتنة فقال: «يُقتل هذا فيها مظلومًا» يعني عثمان[]، وقُتل – رضي الله عنه-  وهو يقرأ القرآن، فكانت أول قطرة من دمه وقعت على قوله تعالى: ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾ [البقرة: 138][]، وانتقم الله له من قتلته.
     
    قال ابن كثير: «وقد أقسم بعض السلف بالله أنه ما مات أحد من قتلة عثمان إلا مقتولًا»[] وكان قتله في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين. وهو ابن اثنتين وثمانين سنة ت.
     
    شرح الحديث:
    القرآن كلام الله عز وجلّ وعلا منه بدأ وإليه يعود. و«من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف ولكن: ألفٌ حرف، ولام حرف، وميم حرف»[].
     
    وقال -صلى الله عليه وسلم- : «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه»[]، وقال: «يُقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها»[].
     
    والعجب من إعراض كثير من الناس عن قراءة القرآن فالبعض لا يقرؤه إلا في كل جمعة، والبعض أكثر من ذلك، بل ربما اكتفى بالقراءة فيه من رمضان إلى رمضان، نعوذ بالله من الخسران. قال الله تعالى على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - : ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورً ﴾ [الفرقان: 30].
     
    وهجر القرآن نوعان: عدم العمل بما فيه من أحكام، والآخر عدم قراءته. وقد عظمت عناية السلف بتعلم القرآن وتعليمه لأبنائهم.
     
    قال ابن أبي حاتم: «لم يدعني أبي أطلب الحديث حتى قرأت القرآن»[]، وسأل الميموني الإمام أحمد: أيّما أحبّ إليك: أبدأ ابني بالقرآن، أو بالحديث؟ قال له: لا، بالقرآن، القرآن»[].
     
    ولما مات ابن المبارك رآه رجل في المنام فقال: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي برحلتي في الحديث، عليك بالقرآن، عليك بالقرآن»[].
     
    «وتكرار القراءة للقرآن يفتح أفاقًا من المعرفة لطالب العلم، فقد ذكر عبّاس بن عبد الدايم المصري الكناني عن شيخ ضرير أنّه أوصاهم بوصايا، منها:...أكثر من قراءة القرآن، ولا تتركه، فإنّه يتيسّر لك الذي تطلبه على مقدار ما تقرأ، قال: فرأيت ذلك وجرّبته كثيرًا، فكنت إذا قرأت تيسّر لي من سماع الحديث وكتابته الكثير، وإذا لم أقرأ لم يتيسّر لي »[].
     
    و: «أهل القرآن هم أهل الله وخاصّته»[]. ولذا كان عمر بن عبد العزيز لا يستعمل على الأعمال إلا أهل القرآن، فإنْ لم يكن عندهم خير فغيرهم أولى أن لا يكون عنده خير[].
     
    قال ابن القيّم: «فما أشدّها من حَسْرة وأعظمها من غَبْنَة على من أفنى أوقاته في طلبِ العلم ثم يخرج من الدنيا وما فهم حقائق القرآن، ولا باشرَ قلبُه أسرَارَه ومعانيه فالله المستعان»[]، فإذا كان ابن القيم يقول هذا عمن أفنى أوقاته في طلب العلم وانشغل به عن تدبر القرآن وفهم حقائقه، فما القول فيمن انشغل بقراءة الصحف والمجلات المبتذلة، يمضي الساعات كل يوم في تصفحها، وليس لكلام الله عز وجلّ من وقته نصيب، وكذا من أحرق وقته بمتابعة الفضائيات، والشبكة العنكبوتية، وهلمّ جرًا..
     
    وتجد البعض من هذا الصنف يتأثر بما يشاهده ويقرأه ويسمعه تأثرًا شديدًا، حتى ربّما بكى مِنْ أحداث مُسْلسَلة أو فلم أو قصة! ولكن هذا التأثر لا يكون عند قراءة كتاب الله! قال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24].


    لكن كما قال بعض السلف - قد قيل له: إن قومًا يجدون قلوبهم في القصائد، ولا يجدونها في القرآن؟ - فقال: إنّ القرآن عزيز، ويريد عقلًا عزيزًا، وهؤلاء عقولهم فيها ضعف[].
     
    وصدق ذو النورين عثمان ت لما قال: «لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من كلام ربّنا»[].
     
    وينبغي لمن وفّقه الله لتعلّم كتابه الكريم أن يُعنى بأمور منها:
    1- المراجعة المستمرة لما حَفِظَه: «تعاهدوا القرآن فو الذي نفسي بيده لهو أشدّ تفصِّيًا من الإبل في عُقُلها»[].
    2- العمل بما فيه، من اتباع أوامره واجتناب نواهيه.
    3- التحلي بسمت أهل القرآن، والتأدب بآدابهم.
    4- تعليم القرآن لغيره، حتى يجمع الفضْلَيْن: تعلم القرآن وتعليمه، وهو من أفضل القربات، حتى أن الإمام سفيان الثوري لما سئل عن الجهاد وإقراء القرآن، رجّح الثاني، واستدل بحديث عثمان[].
     
    وليتذكر كل منّا قوله - صلى الله عليه وسلم- : «إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين»[]. قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: «وبه نعرف فضيلة الحِلَق الموجودة الآن في كثير من البلاد، ولله الحمد...فمن أسهم فيها بشيء فله أجر، ومن أدخل أولاده فيها فله أجر، ومن تبرّع، وعلّم فيها فله أجر، كلهم داخلون في قوله: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه»[].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- فضل تعلم القرآن وتعليمه.
    2- من تعلّم القرآن وعلّمه فهو من خير هذه الأمة.





    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    عدد الرسائل : 8386
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 10:09

    الحديث  العشرون

    عن عمّار بن ياسر -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «إنَّ الرَّجُلَ لينْصَرِفُ ومَا كُتِبَ له إلّا عُشْرُ صَلَاتِه، تُسْعُها، ثُمْنُها، سُبْعُها، سُدُسُها، خُمُسُها، رُبُعها، ثلُثها، نِصْفُها» أخرجه أبو داود[].


    ترجمة الراوي:
    عمار بن ياسر بن عامر بن مالك أبو اليقظان العنْسي. كان وأُمُّه من السابقين إلى الإسلام، ثم أسلم أبوه. قيل: لم يُسلم أبوا أحد من السابقين المهاجرين سوى عمار وأبو بكر[].
     
    وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم-  يمرُّ بعمّار وأمّه وأبيه وهم يعذّّبون فيقول: «صبرًا يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة»[، «واتفقوا على أنه نزل فيه: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [النحل: 107][]. شهد المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، ثم شهد معركة اليمامة ضد المرتدين فقُطعت أُذُنه بها.
     
    عيّنه عمر واليًا على الكوفة. من فضائله: ما أخرجه النسائي وابن ماجه عن علي -كرم الله وجهه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «مُلئَ عمّار إيمانًا إلى مُشَاشِه»[]، ومنها: «جاء عمار بن ياسر يستأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم-  فقال: «ائذنوا له مرحبًا بالطيّب المطيّب»[].
     
    توفي ت مقتولًا في معركة صفين عام 37للهجرة. وله ثلاث وتسعوَن سنة. وقد تواتر عنه -صلى الله عليه وسلم-  قوله: «ويْحَ عمّار تقتله الفئة الباغية»[].
     
    معاني الكلمات:
    1- لينصرف: أي من صلاته.
    2- عشر صلاته: أي عُشر الأجر.
     
    الشرح:
    الصلاة عمود الإسلام، والخشوع هو لبّ الصلاة. وفي هذا الحديث يبيّن -صلى الله عليه وسلم-  كيف أن الرجل - وكذا المرأة - ينصرف من صلاته ولم يُكتب له من الثواب إلا عُشر صلاته، أو أكثر من ذلك، أو ربما أقل، بل قد ينصرف ولم يكتب له منها شيء. فتبرأ ذمته بذلك، فلا يُطالب بإعادتها على الراجح من قولي العلماء، لكن لا ثواب له بتلك الصلاة[].
     
    أخرج البخاري عن شقيق (ابن سلمة) أن حذيفة – رضي الله عنه- رأى رجلًا لا يُتم ركوعه ولا سجوده، فلما قضى صلاته دعاه حذيفة فقال له: ما صليتَ، قال (شقيق): وأحسبه قال: ولو متَّ متّ على غير الفطرة التي فطر الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- [].
     
    بل جعل - صلى الله عليه وسلم-  «أسوأُ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته» قالوا: يا رسول الله: وكيف يسرق من صلاته؟ قال: «لا يُتمُّ ركوعها ولا سجودها». أخرجه أحمد.
     
    وجعل هذه الصلاة غير مُجزية: «لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود» أخرجه الأربعة.
     
    وقد مدح الله عز وجل الخاشعين في صلاتهم: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1-2]، وصحّ عنه -صلى الله عليه وسلم-  أنه قال: «أول ما يُحاسب به العبد الصلاة»[].
     
    وهاك بعضًا من أخبار الخاشعين:
    فهذا سيّد الخاشعين وإمام المتقين -صلى الله عليه وسلم-  يقول عنه عبد الله بن الشّخّير  ت: «أتيتُ النبي -صلى الله عليه وسلم-  وهو يصلي ولجوفه أزيزٌ كأزيزِ المِرْجَل من البكاء»[]. وصاحبه الصّديق قالت عنه ابنته عائشة - رضي الله عنها - تخاطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  وهو في مرض موته -: «إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يُسمع الناس من البكاء»[].
     
    وقال عبد الله بن شدّاد: «سمعتُ نشيجَ عمر وأنا في آخر الصفوف فقرأ: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [يوسف: 86][]،  «وكان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود»[]، وحتى أثناء حصار الحَجّاج له، يقول ابن المنكدر: «لو رأيتَ ابن الزبير يصلّي تحت ظلّ شجرة كأنه غصن من أغصانها، ويجيئه المنجنيق من ها هنا وها هنا، فما يَلتفتُ إليه»[].
     
    «وكان أبو صالح ذَكْوان السَّمَّان إذا أمَّ قومه لا يُجيز الصلاة من الرقّة»[]، وسعيد بن عبد العزيز الدمشقي إذا دخل صلاة الجماعة بكى، فقال له رجل: ما هذا البكاء الذي يعرض لك في الصلاة؟ فقال: يا ابن أخي، وما سؤالك عن ذلك؟ فقال: لعل الله أن ينفعني به، فقال: ما قمتُ إلى صلاة إلاّ مُثّلتْ لي جهنم[]. إلى غير ذلك من أخبار الخاشعين.
     
    ومن تأمل صلاة كثير من المسلمين اليوم - هداهم الله - لا يجد فيها إلا الاسم فقط، «وعجبًا لابن آدم كيف يلعب به الشيطان وهو واقف بين يدي الله عز وجل يناجي الله ويتقرّب إليه بكلامه وبالثناء عليه وبالدعاء ثم كأنّه ملحوقٌ في صلاته، كأنّ عَدوًّا لاحقٌ له فتراه يهرب من الصلاة.
     
    أنت لو وقفتَ بين يدي ملك من ملوك الدنيا يناجيك ويخاطبك لو بقيت معه ساعتين تكلمه لوجدتَ ذلك سهلًا.. فكيف وأنت تناجي ربّك الذي خلقك ورزقك وأمدّك وأعدك تناجيه وتهرب هذا الهروب»!؟[].
     
    قال الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى -: «للعبد بين يدي الله موقفان: موقف بين يديه في الصلاة وموقف بين يديه يوم لقائه، فمن قام بحق الموقف الأول هُوّن عليه الموقف الآخر، ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفه حقُه شُدّد عليه ذلك الموقف..»[].
     
    فعلينا جميعًا أن نسعى لإقامة الصلاة وأدائها كما ينبغي. وأُحيل القارئ الكريم إلى ثلاث رسائل نافعة في هذا الباب: الأولى: الخشوع في الصلاة، أوْ الذلّة والانكسار، للإمام ابن رجب، الثانية: 33سببًا للخشوع في الصلاة، للشيخ محمد المنجد، والثالثة: كيف تخشعين في صلاتك؟ للدكتورة رقية المحارب.
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- عظم شأن الصلاة.
    2- تفاوت أجور المصلين بحسب خشوعهم فيها.
    3- الحثّ على تحصيل الثواب الأكبر من الصلاة.
     

    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    عدد الرسائل : 8386
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 10:15

    الحديث الحادي والعشرون
    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انْظُرُوا إلى مَنْ هو أسْفَلَ مِنْكُم، ولا تَنْظُروا إلى مَنْ هو فَوْقَكُم، فهو أجْدَرُ أنْ لا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ الله» أخرجه مسلم، والبخاري بنحوه[].




    راوي الحديث:
    سبق التعريف به في الحديث الرابع عشر، والحديث السادس عشر.
     
    معاني الكلمات:
    أسفل منكم: أي: دونكم في أمور الدنيا.
    أجدر: أحقّ.
    تزدروا: تحتقروا.
     
    الشـرح:
    هذا الحديث من الأحاديث الجامعة للخيرات، ففيه توجيهه صلى الله عليه وسلم وإرشاده بالنظر إلى من هو دون الإنسان في الأمور الدنيوية، وفي المقابل نهيه عن النظر إلى من هو فوقه في حظوظ الدنيا، ثم بيّن العلّة بأن ذلك خشية أن لا يحتقر ويستصغر ما أنعم الله به عليه. فـ: «يا لها من وصية نافعة، وكلمة شافية وافية، فهذا يدل على الحثّ على شكر الله بالاعتراف بنعمه والتحدّث بها، والاستعانة بها على طاعة المنْعِم، وفعلِ جميع الأسباب المعينة على الشكر.
     
    وقد أرشد صلى الله عليه وسلم إلى هذا الدواء العجيب والسبب القوي لشكر نعم الله، وهو أن يلحظ العبد من هو دونه في العقل والنسب والمال وأصناف النعم، فمتى استدام هذا النظر اضطره إلى كثرة شكر ربه والثناء عليه. فإنه لا يزال يرى خلقًا كثيرًا دونه بدرجات في هذه الأوصاف.. فيحمد الله على ذلك حمدًا كثيرًا، ويقول: الحمد لله الذي أنعم عليّ وفضّلني على كثير ممن خلق تفضيلًا. ينظرُ إلى خلقٍ كثيرٍ ممن سُلبوا عقولهم، فيحمد ربه على كمال العقل. ويشاهد عالمًا كثيرًا ليس لهم قوت مدّخر، ولا مساكن يأوون إليها، وهو مطمئن في مسكنه، موسّع عليه رزقه. ويرى خلقًا كثيرًا قد ابتلوا بأنواع الأمراض، وأصناف الأسقام وهو معافى من ذلك.. ويتأمل أناسًا كثيرين قد استولى عليهم الهمّ، وملكهم الحزن والوساوس، وضيق الصدر، ثم ينظر إلى عافيته من هذا الدواء، ومنّه الله عليه براحة القلب، حتى ربما كان فقيرًا يفوق بهذه النعمة ـ نعمة القناعة وراحة القلب ـ كثيرًا من الأغنياء.
     
    ثم من ابتلي بشيء من هذه الأمور يجد عالمًا كثيرًا أعظم منه وأشدّ مصيبة، فيحمد الله على وجود العافية وعلى تخفيف البلاء، فإنه ما من مكروه إلا ويوجد مكروه أعظم منه. فمن وفّق للاهتداء بهذا الهدي الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل شكره في قوة ونمو، ولم تزل نعم الله عليه تترى وتتوالى. ومن عكس القضية فارتفع نظره فصار ينظر إلى من هو فوقه في العافية والمال والرزق وتوابع ذلك، فإنه لا بدّ أن يزدري نعمة الله، ويفقد شكره، ومتى فقد الشكر ترحّلتْ عنه النعم، وتسابقت إليه النقم. وامتحن بالغم الملازم والحزن الدائم، والتسخط لما هو فيه من الخير.
     
    واعلم أن من تفكّر في كثرة نعم الله... استحى من ربّه أن يستعين بشيء من نعمه على ما لا يحبّه ويرضاه، وأوجب له الحياء من ربّه الذي هو من أفضل شعب الإيمان، فاستحى من ربّه أن يراه حيث نهاه، أو يفقده حيث أمره»[].
     
    ما يستفاد من  الحديث:
    1- عنايته صلى الله عليه وسلم بتوجيه أمّته إلى ما فيه صلاح دينها ودنياها.
    2- حثّ الشارع على أن ينظر الإنسان إلى من هو دونه لا إلى من هو فوقه، وذلك في الأمور الدنيوية.
    3- وعلّل ذلك: حتى لا يحتقر الإنسان ويستصغر ما أنعم الله به عليه.
    4- يُفْهَمُ من الحديث أن ما يتعلق بأمور الدين أن ينظر الإنسان إلى من فوقه حتى يكون دافعًا له على بذل المزيد واستباق الخيرات.
     
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 10:15

    الحديث الثاني والعشرون
    عن النُّعْمان بن بشيرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَرَى المؤمنينَ في تَرَاحُمِهمْ وتَوادِّهِمْ وتَعَاطُفِهمْ كمَثَلِ الجسَدِ، إذا اشْتكَى عُضْوًا تَدَاعى له سَائِرُ جَسَدِه بالسَّهَرِ والحُمّى» متفقٌ عليه].



    راوي الحديث:
    سبق التعريف به في الحديث الرابع.
     
    معاني الكلمات:
    تداعى: دعا بعضه بعضًا.
     
    الشــرح:
    يبيّن صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ما ينبغي أن يكون عليه المؤمنون من رحمة بعضهم ببعض وعطفهم ومودتهم، وذلك ببذل الأسباب المعينة على ذلك، من تقديم العون والمساعدة خاصة عند المحن والمصائب، وكذا تقديم ما يجلب المحبة والمودة بالتزاور والتهادي ونحوهما. وما أجمل هذا التشبيه وأحسنه منه صلى الله عليه وسلم، حيث شبه المؤمنين بأنهم كجسد واحد إذا اشتكى عضوًا دعا بعض الجسد بعضه إلى المشاركة في تحمل هذا الألم، فلا يتمكن من الراحة والنوم، فيبقى ساهرًا قد أصابته الحمّى.
     
    وفي رواية للإمام مسلم «..إذا اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد..»، وفي أخرى: «.. إن اشتكى عينه اشتكى كله..».
     
    وهذا الحديث وأمثاله من الأحاديث الصحيحة تغني عن بعض الأحاديث الضعيفة والواهية، ومن أشهرها في هذا المعنى حديث: «من لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم» ولا يصح سنده[].
     
    قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - معلقًا على أحداث البوسنة وما جرى من مذابح للمسلمين ـ والمشهد يتكرر، بل لم ينقطع، وإنما يتغيّر المكان، أمّا الضحية فهم المسلمون! ـ قال رحمه الله:
    «..ولا أدلّ على ذلك ـ أي: من ضعف المسلمين وتخاذلهم ـ مما نحن فيه اليوم، ففي بلد الإسلام اليوم من تُنتهك أعراضهم، وتُهدم مساجدهم، وتغنم أموالهم، وتسبى ذريتهم من قِبَل النصارى، ونحن أمّة لا نتكلم بما يجب علينا أن نتكلم به، وما يُفعل بالمسلمين اليوم في البوسنة أمر يفطر الأكباد في الواقع، فلو أن الإنسان منا تصوّر ـ لا قدّر الله علينا إلا الخير ـ أن عَدُّوه على أشراف المدينة، أو دخل المدينة، وأن صبيانه وفتيانه الصغار ينادون: جاءنا الصِّرْب، جاءنا الصِّرْب، ويبْكون من هولِ ذلك المشهد، وهو قد تقطّع كبده دمًا لكنه لا يستطيع أن يفعل شيئًا، فهل نحن نشعر بهذا الشعور الآن؟ أبدًا كل واحد منّا على فراشه مع أهله، ولا كأنّ شيئًا يجري على إخوانه.. والله إنّ الإنسان أحيانًا لا ينام سريعًا كما ينام في العادة إذا تذكّر هؤلاء الإخوان المحصورين على يد هؤلاء الصرب المعتدين الظالمين...ولا سمعنا أحدًا رفع صوته مدوّيًا من رؤساء المسلمين ينكر هذا الفعل.
     
    فأين التناصر بين المسلمين؟!
    أين الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر؟!
    وكيف يُمكن أن نُنْصَرَ ونحن متخاذلون هذا التخاذل؟»[].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- تقريبُ الأفهام بضربِ الأمثلة.
    2- عِظَمُ حقِّ المسلمين بعضهم على بعض.
    3- الحثّ على الرحمة بين المؤمنين وتعاطفهم ومودتهم.
    4- عنايته صلى الله عليه وسلم بإرشاد أمته إلى ما يزيد ألفتهم ومحبتهم.
    5- توجيه المسلم إلى تحقيق مبدأ الجسد الواحد بالتألّم لمصاب إخوانه المسلمين والشعور بآلامهم، ومدّ العون لهم.
     
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 10:16

    الحديث الثالث والعشرون




    عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: «مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغيّرْهُ بِيَدِهِ، فَإنْ لمْ يَسْتطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لمْ يستطِعْ فبِقَلْبِهِ، وذلكَ أَضْعَفُ الإيمانِ» أخرجه مسلم[].




    راوي الحديث:
    سعد بن مالك بن سنان بن عبيد الأنصاري الخزرجي، اشتهر بكنيته، ردّه الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أُحد لصغر سنه، واستشهد أبوه بها. وشهد أبو سعيد الخندق وما بعدها. وهو أحدُ السبعة المكْثرين من رواية الحديث. وكان من علماء الصحابة وفقهائهم. اختلف في سنة وفاته، فقيل سنة64، وقيل 74 ت.
     
    معاني الكلمات:
    رأى: علم، سواء رآه بعينه، أو لم يره.
    أضعف الإيمان: أقله ثمرة.
     
    الشــرح:
    هذا الحديث من الأحاديث العظيمة، والأصول المهمة لهذا الدين، فأحكام الشرع بين معروف يؤمر به، ومنكر يُنهى عنه. وقد أثنى الله على هذه الأمة المصطفاة بإقامة هذه الشعيرة بل جعلها أول الصفات في هذه الأمة: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران: 110].
     
    ووصف المؤمنين والمؤمنات بقوله تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر [التوبة: 71]، والمتّصفون بذلك هم من يحفظ المجتمع من أن تغرق سفينته، كما في حديث النعمان بن بشير: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة..» الحديث. وفي آخره: «فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوْا، ونجوا جميعًا»[].
     
    «وقوله صلى الله عليه وسلم:«فلْيغيّره» أمر إيجاب بإجماع الأمة. وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهو أيضًا من النصيحة التي هي الدين»[].
     
    ولابدّ للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من أمور ثلاثة: «العلم، والرفق، والصبر، العلم قبل الأمر والنهي، والرفق معه، والصبر بعده»[ ومراتب تغيير المنكر بيّنها الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: باليد، وذلك لمن كان له سلطة، كالرَّجُل في بيته، والمدير في دائرته، والحاكم في بلده، وباللسان لمن عجز عن المرتبة الأولى، دون تشهير أو تحقير، وأدنى المراتب بالقلب، فيكره هذا المنكر، ويتمنى زواله. وليس بعد ذلك مرتبة في الإنكار.
     
    قال النووي ـ رحمه الله تعالى ـ:«واعلم أن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضُيّع أكثره من أزمان متطاولة، ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدًا..» []!! فإذا كان هذا كلامه رحمه الله وقد عاش في القرن السابع الهجري (ت 676) فما عسى أن نقول عن هذه الشعيرة العظيمة في هذا العصر؟! وما يتعرض له أهل الحسبة ـ صمام أمن المجتمع ـ من قدح وطعن فيهم من قِبَل بعض ضعاف النفوس؟!
     
    قال العلّامة محمد البشير الإبراهيمي ـ رحمه الله ـ: «لو لم يكن من أصول دينكم أيها الإخوة وتعاليمه إلا هذا الأصل ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ لكفاه دلالة على أنه دين اجتماع وعمران وحياة وبقاء، ولو لم نُضعْ ـ فيما أضعنا من تلك الأصول ـ إلّا هذا الأصل لكفانا مقتًا واستحقاقًا لغضبه، واستبداله بنا قومًا غيرنا»[].
     
    ومن المؤسف أن هذه الأمة ـ التي هي خير أمة أُخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ـ لا يوجد في دُولها جهة تُعنى بإقامة هذه الشعيرة عبر هيئة أو مؤسسة أو إدارة، فضلًا عن وزارة، إلا هذا البلد المبارك، المملكة السعودية[].
     
    وفّق الله ولاتها لكل خير، وأعزّهم بالإسلام. فهم منذ نشأة هذه الدولة يولون جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عناية عظيمة.
     
    وأكتفي بذكر بعض الأمثلة على ذلك: قال مؤسس الدولة السعودية الثانية الإمام تركي بن عبد الله ـ رحمه الله تعالى ـ في نصيحة قيمة له: «وأنا مطلق الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، ويَنْصَحُ أولًا، ويُؤدّبُ ثانيًا، ومن عارضه خاص أو عام فأدبه الجلاء من وطنه»[].
     
    وقال المؤسس الملك عبد العزيز ـ رحمه الله تعالى ـ في نصيحة قيّمة له: «.. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله من أعظم الواجبات، وأهم المهمات.. فكونوا من تركه على حذر عظيم.. فلا صلاح للخاصة والعامة، في جميع القرى، إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وبتركه والتغافل عنه يكثر الشر والفساد»[]. وقال في برقية لابنه سعود ـ رحمهما الله تعالى ـ بعد تعيينه وليًا للعهد عام1352: «..وعليك بالحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يكون ذلك كله على برهان وبصيرة في الأمر، وصدق في العزيمة.. وأوصيك بعلماء المسلمين خيرًا احرص على توقيرهم ومجالستهم، وأخذ نصيحتهم..» [].
     
    واعلم أنه ليس من شروط الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون كامل الحال، بل هذا من مداخل الشيطان ليصرف الناس بحجة أنهم لا يخلون من منكرات.
     
    قال عمر بن عبد العزيز  ـ رحمه الله تعالى ـ: «لو أنّ المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى يُحكم أمر نفسه لتواكل الناس الخير، ولذهب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»[].
     
    ومن العجب أن البعض يظن ـ جهلًا منه ـ أن ظهور المنكرات مع السكوت عن إنكارها لا تضر إلا صاحبها ويستدلون بقوله تعالى: ﴿ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُم [المائدة:١٠٥]، مع أن هذا المفهوم الخطأ لهذه الآية قد صححه أبو بكر الصديق فقال رضي الله عنه: أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: ﴿ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُم [المائدة:١٠٥]، وإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أو أوشك أن يعمّهم الله بعقاب منه»، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي، قال النووي: بأسانيد صحيحة[].
     
    فائدة:
    نقل الشيخ بكر أبو زيد ـ رحمه الله تعالى[] ـ في كتابه القيّم: (معجم المناهي اللفظية) عند كلمة: فُضُولي، قوله:«في (حاشية ابن عابدين) أن من قال هذا اللفظ لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فهو مرتدّ»[].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
    2- وجوب تغيير المنكر حسب الاستطاعة.
    3- مراعاة الشارع أحوال المكلفين، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
    4- إنكار المنكَر لا يستلزم زواله.


    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 10:16

    الحديث الرابع والعشرون




    عن أبي قَتَادَة رضي الله عنه قال: سمعتُ النّبي صلى الله عليه وسلم يقول:«الرُّؤيا الحَسَنَةُ مِنَ الله، فَإذَا رَأَى أَحَدُكُمْ ما يُحِبُّ فَلا يُحدِّثْ به إلّا مَنْ يُحِبّ، وإذَا رَأى ما يَكْرَهُ فَلْيتَعَوَّذْ بِالله مِنْ شَرِّهَا، ومِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ، وليَتْفِلْ ثَلاثًا، ولا يُحدِّثْ بها أحَدًا فإنّها لَنْ تَضُرّه»[] أخرجه البخاري ومسلم.




    راوي الحديث:
    أبو قتادة بن رِبْعي الأنصاري الخزرجي، اشتهر بكنيته، واسمه الحارث، وقيل: النعمان، وقيل: عمرو. اختلف في شهوده بدرًا وشهد أحدًا وما بعدها، وكان يُقال له: فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأثنى عليه يوم غزوة ذي قرد بقوله: «كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة»[]. ودعا له صلى الله عليه وسلم بقوله: «حفظك الله بما حفظتَ به نبيّه». في قصة أخرجها الإمام مسلم]. ووصفه أبو بكر الصديق رضي الله عنه بمحضر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه: «أَسد من أُسد الله»[]. مات رضي الله عنه وأرضاه سنة40للهجرة، وقيل: بعدها.
     
    معاني الكلمات:
    الرؤيا: الحُلم.
     
    الشـرح:
    يرشد الرسول صلى الله عليه وسلم أمته إلى كل ما فيه صلاح شأنهم في دينهم ودنياهم، حتى ما يعرض لهم في حال نومهم.
     
    وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن الرؤيا ثلاثة أقسام:
    1- الرؤيا الحسنة الصالحة، التي يُسر بها الرائي هي من الله، وهي من المبشّرات، كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم بقوله: «لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة، يراها المسلم أو تُرى له»[] فمن رأى رؤيا صالحة فليحمد الله عليها[]، ولا يُحدّث بها إلا من يُحبّ.
     
    2- الرؤيا المكروهة، وهي من الشيطان «بمعنى أنها تناسب صفته من الكذب والتهويل وغير ذلك»[]، وهذه أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم من يراها إلى أمور هي:
    1- التعوذ بالله من شرها، ومن شرّ الشيطان. فيقول: أعوذ بالله من شرّ الشيطان ومن شرّ ما رأيت، ثلاث مرات.
     
    2- أن يتفل ثلاثًا عن شماله.
     
    3- أن يتحول عن جنبه الذي كان عليه[].
     
    4- أن لا يحدّث بها أحدًا.
     
    5- أن يقوم فيصلي[].
     
    فهذا هو الهدي النبوي لمن رأى رؤيا يكرهها« وبعض الناس إذا رأى شيئًا يكرهه ذهب يتلمّس من يفسّر له هذه الرؤيا، ونحن نقول له: لا تفعل ذلك، وكان الصحابة ي يرون الرؤيا يكرهونها، فلمّا حدّثهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث استراحوا..»[].
     
    قال أبو سلمة بن عبد الرحمن ـ رحمه الله -:«إن كنتُ لأرى الرؤيا فتُمرضني. فلقيتُ أبا قتادة فقال:وأنا إن كنت لأرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:...» وذكر الحديث.
     
    وقسم ثالث من الرؤى هو:
    3- حديث النفس: ويكون غالبًا عند تعلق قلب الإنسان وفكره بأمر من الأمور.
     
    ومن العجب ما نراه من حرص كثير من الناس على السؤال عن رؤاهم، وبحثهم عن معبِّر لها، ولا تجد من هذا الصنف في الغالب هذا الحرص في أمور دينه! جاء في ترجمة الشيخ علي بن محمد السناني (ت1339) ـ رحمه  الله -: «.. واشتهر في التعبير فكان الناس يفدون إليه من بلدان كثيرة ليعبر لهم، وإذا خرج من بيته وجدهم ينتظرون خروجه من رجال ونساء، وفي المسجد يملؤن رحبته للتعبير عن مرائيهم، وكان يقول: لو أن الناس يسألون عن دينهم جزءًا مما يسألون عن مناماتهم لصاروا فقهاء»[].
     
    ذكر لي أحد المعبّرين أنه يملك هاتفين محمولين (جوّال) جعل أحدهما للسائلين عن الرُّؤى، وأنه ربّما تلقى في اليوم الواحد قرابة (400) اتصال! نسأل الله أن يرزقنا الفقه في الدين. آمين.
     



    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 10:17

    الحديث الخامس والعشرون




    عن تميمٍ الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةَ» قُلْنا: لِمَنْ؟ قال: «لله وَلِكِتَابِه ولِرَسُولِه وَلِأَئمَّةِ المسْلِمينَ وعَامّتِهِم» أخرجه مسلم[].




    راوي الحديث:
    تميم بن أوس بن خارجة أبو رقية الداري. كان نصرانيًا ثم قدم المدينة في السنة التاسعة فأسلم، وذكر للرسول صلى الله عليه وسلم قصة الجساسة والدجال فحدّث بها الرسول صلى الله عليه وسلم عنه. ولم يحدّث صلى الله عليه وسلم عن أحد غيره. فعدّ ذلك من مناقبه. وكان كثير العبادة والصلاة بالليل. قام ليلة بآية حتى أصبح، وهي قوله تعالى: ﴿ سَاءَ مَا يَحْكُمُون [الجاثية : 21][]، وكان يختم القرآن في كل سبعة أيام. مات سنة 40 للهجرة ت.
     
    معاني الكلمات:
    النصيحة: أصل النصح في اللغة الخلوص، يقال: نصحتُ العَسَل إذا خلّصْته من الشمع.
    أئمة المسلمين: حكامهم وعلماؤهم.
     
    الشرح:
    هذا الحديث عدّه بعض العلماء من الأحاديث العظيمة التي يدور عليها الدين، فقوله صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة» دالٌ على ذلك، فكأنما جعل النصيحة هي الدين لعظم شأنها، كقوله صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة». وقد أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أهمية النصيحة في أكثر من حديث، قال جرير بن عبد الله  ت: بايعتُ النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم»[] وحديث: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا...». وذكر منها: «وأن تناصحوا من ولّاه الله أمركم» وغيرها من الأحاديث.
     
    ثم سأل  الصحابة: لمن؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «لله»: «والنصيحة لله عز وجل تكون بالإخلاص له تعالى، والتعبد له محبه وتعظيمًا.. وأن تكون غيرته لله إذا انتهكت محارمه.. وأن يذبّ عن دين الله تعالى.. فيبطل كيد الكائدين، ويردّ على الملحدين الذين يعرضون الدين، وكأنه قيود.. ومن النصيحة لله أن يكون باثًّا دين الله في عباد الله، لأن هذا مقام الرسل..»[].
     
    «ولكتابه» أي بتلاوته وحفظه وتدبره، والعمل بما فيه، وأن تسعى لتعليمه ونشره، وبيان معانيه للناس[].
     
    «ولرسوله» وتكون بالإيمان أنه رسول الله حقًا، وأنه خاتم المرسلين وأفضلهم، وأن الله أرسله إلى الناس كلهم، بل إلى الثقلين، الإنس والجن.
     
    ومنها: طاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر. وتقديم محبته على محبة النفس والأهل.
     
    «ولأئمة المسلمين» «وهم ولاتهم من الإمام الأعظم إلى الأمراء والقضاة.. فباعتقاد ولايتهم والسمع والطاعة لهم، وحثّ الناس على ذلك..» وكذا «حبّ صلاحهم ورشدهم وعدلهم، وحبّ اجتماع الأمة عليهم.. والتدين بطاعتهم في طاعة الله عز وجل، والبغض لمن رأى الخروج عليهم..»[].
     
    «ومن النصح لعلماء المسلمين أن لا يتتبع الإنسان عوراتهم وزلاّتهم، وما يخطئون فيه، لأنهم غير معصومين»[].
     
    «وعامتهم» والنصيحة لعامة المسلمين بأن تحب لهم ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكرهه لنفسك. وأن تُعلّم جاهلهم، وترشد ضالهم، ترحم صغيرهم، وتوقّر كبيرهم.
     
    ومما ينبغي التنبه له أن النصيحة لأخيك المسلم تكون سرًّا بينك وبينه، وليس على رؤوس الأشهاد. فالأولى هي النصيحة، وأدعى أن يقبل المنصوح، أما الأخرى فهي التعيير والفضيحة.
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- عِظَم شأن النصيحة.
    2- حرص الصحابة رضوان الله عليهم على السؤال عما ينفعهم.
    3- وجوب النصيحة على كل مسلم.
     
    فائدة:
    للإمام ابن رجب (ت 795) ـ رحمه الله تعالى ـ رسالة نافعة في هذا الباب، بعنوان: «الفرق بين النصيحة والتعيير».
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 19:51

    الحديث السادس والعشرون


    عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أتَدْرُونَ مَا المُفْلِسْ؟ قَالُوا: المُفْلِسُ فينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا متَاع، فقال: «إنَّ المُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأتِي يَوْمَ القِيامَة بِصَلاةٍ وصِيَامٍ وزَكَاةٍ، ويَأْتي قَدْ شَتَمَ هَذا، وقَذَفَ هَذَا، وأكَلَ مَالَ هَذَا، وَسفَكَ دَمَ هَذا، وضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وهَذا مِنْ حسَناتهِ، فإنْ فَنِيتْ حسَناتُه قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عَلَيْه أُخِذَ مِنْ خَطَاياَهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثمّ طُرِحَ في النَّارِ» أخرجه مسلم[].



    راوي الحديث:
    سبق التعريف به في الحديث الرابع عشر، والحديث السادس عشر.
     
    معاني الكلمات:
    1- قذف: رمى بالفاحشة.
    2- سَفَك: أراق.
    3- فَنِيت: انتهت.
     
    الشرح:
    في هذا الحديث يطرح الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه سؤالًا بقوله: «ما المفلس» وذلك حتى يشوّقهم لسماع الإجابة. فقالوا: من لا درهم له ولا متاع. هذا هو المفهوم المتعارف عليه بين الناس، فصحّح لهم - صلى الله عليه وسلم - المفهوم الصحيح للمفلس، فذاك وإن كان مفلسًا في الدنيا، فإن المفلس الحقيقي هو مفلس الآخرة، من يأتي بأعمال صالحة من صلاة وصيام وزكاة، ولكنه يأتي بما يُذهبها، «يأتي قد شتم هذا وقذف هذا....» فهو قد اعتدى على غيره وظلمه، وقد حذّر الله عزّ وجلّ منه، ومن عاقبة الظالمين في أكثر من آية، فقال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ[إبراهيم:٤٢]، وقال تعالى: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ[الحج:٧١]، وقال:وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر:١٨]، وقال في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا...» []، وحذّر منه - صلى الله عليه وسلم - في عدة أحاديث منها: «إن الله ليملي الظالم فإذا أخذه لم يُفلته. ثم قرأ: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:١٠٢][]، وقال: «الظلم ظلمات يوم القيامة»[، وقال: «من ظلم قِيد شبر طُوّقه من سبع أرضين»[]، وقال: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرّم عليه الجنة»، فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ فقال: «وإنْ قضيبًا من أرَاك»[].
     
    وحذّر من دعوة المظلوم «..واتّقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب»].
     
    حتى ولو كان هذا المظلوم فاجِرًا: «دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجرًا؛ ففجوره على نفسه»[]، وأوجب رد المظالم إلى أهلها «من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلّله منها، فإنه ليس ثَمّ دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات أخيه فطُرحت عليه»[.
     
    فيا شقاء وبؤس من يأتي يوم القيامة بهذه الأعمال الصالحة، ثم يرى تلك الحسنات تُؤخذ منه شيئًا فشيئَا حتى تفنى، ليس هذا فحسب؛ بل بعد ذلك يؤخذ من سيئاتهم فتُطرح عليه ثم يطرح في النار! أعاذنا الله منها.
     
    واعلم أن الظلم ثلاثة أنواع: «نوع لا يغفره الله، وهو الشرك بالله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا[النساء: ١١٦]، ونوع لا يترك الله منه شيئاَ، وهو ظلم العباد بعضهم لبعض، فمن كمال عدله أن يقتص بعضهم من بعض بقدر مظالمهم. ونوع تحت مشيئة الله، إن شاء عاقب عليه، وإن شاء عفا عن أهله، وهو الذنوب التي بين العباد وبين ربّهم فيما دون الشرك»[].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- حرصه - صلى الله عليه وسلم - على توجيه أمّته لما فيه صلاحهم.
    2- طَرْحُ الأسئلة على السامع ليتشوّق للإجابة، من وسائل التعليم النافعة.
    3- تصحيحه - صلى الله عليه وسلم - للمفاهيم.
    4- التحذير من الظلم بأنواعه، واستحضار عاقبته.
    5- تَجِبُ المبادرة إلى ردّ مظالم العباد قبل فوات الأوان.
     



    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 19:51

    الحديث السابع والعشرون


    عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنّه رَكِبَ خَلْفَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا فقال له الرسولُ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا غُلَامُ إنّي مُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ: احْفَظ الله يَحْفَظك، احْفَظ الله تَجِدْهُ تِجَاهَكَ، إذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ الله، وإذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله، واعْلَمْ أنَّ الأُمّةَ  لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أنْ يَنْفَعُوكَ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلّا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ، ولَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أنْ يَضُّرُّوكَ لَمْ يَضُّرُّوكَ إلّا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الأَقْلامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ»[]أخرجه أحمد، والترمذي.



    راوي الحديث:
    سبقت ترجمته - رضي الله عنه -في الحديث الثاني عشر، ويضاف إلى ما هناك قصّته في طلبه العلم وعلوِّ همّته، قال - رضي الله عنه -: لما قُبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلتُ لرجلٍ من الأنصار: هلمّ فلنسأل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنّهم اليوم كثير، قال فقال: واعجبًا لك يا ابن عباس أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس مِنْ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَنْ فيهم؟ قال: فتركتُ ذلك وأقبلتُ أسأل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحديث، فإنْ كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائلٌ، فأتوسّد ردائي على بابه تَسفي الريح عليّ التراب فيخرجُ فيراني فيقول لي: يا ابن عمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما جاء بك؟ ألَا أرسلتَ إليّ فآتيك؟ فأقول: لا، أنا أحقّ أن آتيك، فأسأله عن الحديث، فعاشَ ذلك الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألوني، فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني[].
     
    معاني الكلمات:
    1- رُفِعَتْ الأقلام وجَفّتْ الصحف: أي أن ما كتبه الله قد انتهى.
    2- يحفظك: أي يحفظ دينك وبدنك ومالك وأهلك.
    3- تجاهك: أي معك يحفظك ويسدّدك.
    4- احفظ الله: أي احفظ دينه وشرعه، بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
     
    الشرح:
    هذا الحديث يتضمّن وصايا عظيمة نافعة، قالها الرسول - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس وهي له ولكل فرد في الأمة. فقال: «احفظ الله يحفظك» احفظ حدوده وحقوقه وأوامره ونواهيه، فلا يراك حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك، فإذا فعلتَ ذلك حفظكَ الله.
     
    وحِفْظُ الله للعبد قسمان:
    أحدهما: حِفْظُه في دنياه، فيحفظ له بدنه وماله وأهله وولده، وذلك مثل ما ذُكر عن أحد السلف[] - رحمهم الله - أنه قَفَز قفْزة لا يستطيعها الشّباب، فقيل له: ما هذا يا أبا الطيّب؟ فقال: هذه أعضاؤنا حفظناها في الشبيية فنفعَتْنَا في الكِبرَ[]، ولهذا كان بعضهم[] يقول: «إني لأعصى الله فاعرفُ ذلك في خُلُقِ حماري، وخادمي، وامرأتي، وفأر بيتي».
     
    والقِسْم الثاني وهو الأهم: حِفْظُه في دينه، فيسْلَم من الضّلال، ومن الشُّبهات والشُّهوات، ومن الفتن وغير ذلك. فالجزاء من جنس العمل. ومثلُه قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ[محمد:٧]. وعلى الضدّ من ذلك: ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[التوبة:٦٧].
     
    «احفظ الله تجده تجاهك» وفي رواية «تجده أمامك» ومعناهما واحد، أي أن الله يوفقك لكل خير، ويُسدّدك ويعينك.
     
    «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله» أي اجعل تعلّقك بالخالق، لا بالمخلوقين، واسألْ ملِكَ الملوك واطرقْ بابه، ودعْ عنك ذلّ مسْألة الناس. وكن مستعينًا بالله في كل أحوالك: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: ٥].
     
    «واعلم أن الأمة لو اجتمعوا...» «فإذا وقع منهم نفعٌ لك فاعلم أنه مِنَ الله؛ لأنّه هو الذي كتبه، فلم يقُلْ النبي - صلى الله عليه وسلم -: لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك؛ بل قال: «لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك»[]، وكذا في الضرّ لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. كما قال تعالى: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[التوبة:٥١]، فإذا علم العبد ذلك واستيقنه صار تعلّقه بالله وحده في خوفه ورجائه، وفي أموره كلها.
     
    «رفعت الأقلام وجفّت الصحف» أي أن ما كتبه الله عز وجلّ قد فُرغ منه، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة»[].
     
    وقد تضمّن حديث ابن عباس هذا وصايا عظيمة نافعة، وهو من جوامع كلامه - صلى الله عليه وسلم -، ولأهميته أفرد بعض العلماء رسالة في شرحه[].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- حرصه - صلى الله عليه وسلم - على توجيه أمته، وتعليمهم، حتى الغلمان منهم.
    2- أهمية حفظ حدود الله.
    3- الجزاء من جنس العمل.
    4- على المسلم أن لا يسأل ولا يستعين إلا بالله فيما لا يقدر عليه إلا هو عز وجل.
    5- التوكل على الله من أعظم ما ينبغي على المؤمن تحقيقه.
     
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 19:52

    الحديث الثامن والعشرون


    عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كُلُّ أُمّتي مُعَافَى إلّا المُجَاهِرينَ، وإنَّ مِنَ المجَاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللّيْلِ عَمَلًا، ثمَّ يُصْبِحُ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ فَيَقُولُ: يا فُلانُ عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ»[] أخرجه البخاري ومسلم.


    راوي الحديث:
    سبقت ترجمته - رضي الله عنه - في الحديث الرابع عشر، والحديث السادس عشر.
     
    معاني الكلمات:
    1- معافى: من المعافاة، أي سالم.
    2- المجاهرين: أي المعلنين بالقول أو الفعل، من جَهَر.
     
    الشرح:
    في هذا الحديث يبيّن - صلى الله عليه وسلم - أن كل إنسان من أمته قد عافاه الله إلا من فعل معصية وجاهر بها، «..وهم ينقسمون إلى قسمين:
    الأول: أن يعمل المعصية وهو مجاهر بها، فيعمل بها أمام الناس، وهم ينظرون إليه...
     
    الثاني: أن يعمل الإنسان العمل السيئ في الليل فيستره الله..ولو تاب فيما بينه وبين ربّه لكان خيرًا له، ولكنه إذا قام في الصباح واختلط بالناس قال: عملتُ البارحة كذا، وعملتُ كذا، فهذا ليس معافى، هذا والعياذ بالله قد ستر الله عليه، فأصبح يفضح نفسه»[]، «بل من الناس من يفتخر ويفاخر بالمعصية كما يوجد من الفسقة الذين يذهبون إلى بلاد كلها فجور وخمور ثم يأتي مفتخرًا فيتحدث أنه فجر بكم امرأة، وأنه شرب كم كأسًا من الخمر فتكون السيئة عنده حسنة، ويكون مستهترًا بأحكام الله عز وجل. ومثل هذا يُستتاب فإن تاب وإلا قُتل، لأن هذا من أعظم السخرية بدين الله عز وجل، يأتي يتبجّح بما وصفه الله بأنه فاحشة كالزنى، ويأتي يتبجح بشرب من لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - شاربه، فأين الدين؟ وأين الإيمان؟ وإذا عومل مثل هذا بما يستحق ارتدع كثير من الناس عن مثل هذه الأمور. والله المستعان»[]، فإذا كان من يُخبر بما فعل من معاصي من المجاهرين، ولو كان المخبَر واحدًا، فماذا يقال عن من ينشر ذلك على الملأ في كُتُبٍ ورواياتٍ تُدين صاحبها في الدنيا قبل الآخرة؟!


    قال أهل العلم:
    في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين، وفيه ضربٌ من العناد لهم، وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف؛ لأن المعاصي تذل أهلها، ومن إقامة الحدّ عليه إن كان فيه حدّ، ومن التعزير إن لم يوجب حدًّا... [].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- عِظَمُ ذنب من يجاهر بالمعصية.
    2- إذا بُلي الإنسان بذنب فليستترْ بسترِ الله عليه، ويبادر بالتوبة.
    3- فِعلُ السَّيِّئة معصية، والجهر بها معصية أخرى.
    4- في الجهر بالمعصية استخفاف بالله عز وجل، واستثارة لمشاعر المؤمنين.
    5- المجاهرُ بالمعصية من: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النور: ١٩].
     


    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 19:53

    الحديث التاسع والعشرون


    عن عُمَرَ بن أبي سَلَمَةَ - رضي الله عنه - قال: كُنْتُ غُلَامًا في حَجْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا غُلَامُ سَمِّ اللهَ تعَالى، وكُلْ بِيَمِينِكَ، وكُلْ ممّا يَلِيكَ» فَمازَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. أخرجه البخاري واللفظ له، ومسلم[].


    راوي الحديث:
    عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد القرشي المخزومي. وُلد قبل الهجرة بسنتين أو أكثر، ولما تُوفيّ أبوه - رضي الله عنه - تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأمّه أمّ سلمة - رضي الله عنها -. فكان ربيب النبي - صلى الله عليه وسلم -. تولى إمارة البحرين زمن علي ابن أبي طالب - رضي الله عنه -. ومات بالمدينة سنة 83، في خلافة عبد الملك ابن مروان.
     
    معاني الكلمات:
    1- حَجْر: الحجر هو  الحضن، أي في تربيته وتحت نظره.
    2- تطيش: تدور يمينًا وشمالًا، ولا تقتصر على موضع واحد.
    3- الصحفة: الإناء.
    4- الغلام: هو الصبي من ولادته إلى بلوغه الحلم.
     
    الشرح:
    الإسلام دين متكامل، شامل لكل جوانب الحياة. وهنا يوجه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ربيبه عمر بن أبي سلمة إلى بعض آداب الأكل، وذلك بأسلوب هيّن ليّن، وبعبارات مختصرة، وذكر له - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة من آداب الأكل أولها: «سمّ الله» أي عند ابتداء الأكل قل: بسم الله، ولو زاد: الرحمن الرحيم، فلا حرج. وذلك حتى يُبارك له في طعامه، ولا يشاركه الشيطان فيه، كما في الحديث «إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله، وعند طعامه، قال الشيطان لأصحابه: لا مبيت لكم ولا عشاء..»[]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الشيطان يستحلُّ الطعام ألّا يُذكر اسم الله تعالى عليه»[ «والتسمية على الأكل واجبة إذا تركها الإنسان [عمدًا] فإنه يأثم، ويشاركه الشيطان في أكله..»[] «فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أولّه فليقلْ: بسم الله أولّه وآخره»[] كما أرشد إلى ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
     
    «وكُل بيمينك» «وهذا أمر على سبيل الوجوب، فيجب على الإنسان أن يأكل بيمينه، وأن يشرب بيمينه.. والأكل بالشمال أو الشرب بالشمال حرام.. ومع كونه من هدي الشيطان فهو أيضًا من هدي الكفار.. ثم إنّ بعض الناس إذا كان على الأكل وأراد أن يشرب فإنه يُمسك الكأس باليسار ويشرب، ويقول: أخشى أن تتلوّث الكأس إذا شربتُ باليمين، فنقول: لتتلوّث، فإنها إذا تلوثت فإنما تتلوث بالطعام، ولم تتلوث ببول ولا غائط. تلوثت بطعام ثم تغسل.. ولا عذر لأحد بالشرب بالشمال من أجل هذا؛ لأن المسألة على سبيل التحريم، والحرام لا يجوز إلا عند الضرورة، والضرورة مثل أن تكون اليد اليمنى شلاّء، لا يمكن أن يرفعها إلى فيه..»[]، «ويدل على وجوب الأكل باليمين ورود الوعيد في الأكل بالشمال، ففي صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا يأكل بشماله فقال: «كل بيمينك» قال: لا أستطيع. قال: «لا استطعت، [ما مَنَعَه إلّا الكِبْر][] فما رفعها إلى فيه»[].
     
    «وكُلْ ممّا يليك» أي إذا كنت تأكل مع غيرك فلا تتجاوز جهتك، لأنّ في هذا سوء أدب وتعدِّ على حق الآخرين، وهذا إذا كان الطعام من نوع واحد، أما إذا اختلفت الأصناف فلا بأس. قال عمر بن أبي سلمة ت: «فما زالت تلك طِعمتي بعد» أي أنه استجاب لما أُمر به وأُرشد إليه.
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- توجيه الأولاد وإرشادهم.
    2- حُسن خلُقه - صلى الله عليه وسلم - ورفقه في التعليم، فعلينا التأسي به.
    3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى حال الأكل.
    4- وجوب التسمية عند الأكل، والشّرب.
    5- وجوب الأكل والشرب باليمين.
    6- سُرعة امتثال الصحابة - رضي الله عنهم - للأوامر الشرعية، والمداومة عليها.
     



    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 19:54



    الحديث الثلاثون


    عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:«لا تَدْخُلُونَ الجَنّةَ حتى تُؤمِنُوا، وَلَا تُؤمِنُوا حَتّى تَحَابُّوا، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلى شَيْءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُم» أخرجه مسلم[].


    راوي الحديث:
    سبقت ترجمته في الحديث الرابع عشر، وفي الحديث السادس عشر.
     
    معاني الكلمات:
    1- أفشوا: أظهِروا وانشروا.
     
    الشرح:
    يخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أننا لن ندخل الجنة حتى نؤمن بالله، وأننا لن نحقق الإيمان الكامل حتى نتحابّ فيما بيننا، ثم أرشدنا - وهو المعلم الأول - صلى الله عليه وسلم -  إلى أمرٍ إذا فعلناه حصل التحابُّ بيننا، ألا وهو: إفشاء السّلام، والسلام هو تحية أهل الجنة: ﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا [الأحزاب: ٤٤]، وهو التحيّة التي ارتضاها الله لعباده المؤمنين: «خَلَقَ الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعًا، فلما خلقه قال: اذهب فسلِّم على أولئك النفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيّونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله»[]. وهو من شرائع الإسلام العظيمة، سأل رجل رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الإسلام خير؟ قال: «تُطعم الطعام، وتَقْرَأ السلام على من عرفتَ ومن لم تعرف»[]، وقد أخبر - صلى الله عليه وسلم -«إنّ مِنْ أشراط الساعة أن يُسلِّم الرجل على الرجل، لا يُسلِّم عليه إلا للمعرفة»[].
     
    وأرشدنا - صلى الله عليه وسلم - من يبدأ بالسلام «يُسلّم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير» متفق عليه[]، وفي رواية للبخاري: «والصغير على الكبير» قال الإمام النووي - رحمه الله - «والسلام أول أسباب التآلف ومفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائه تمكّن ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس، ولزوم التواضع، وإعظام حرمات المسلمين»[].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- الإيمان سبب في دخول الجنة.
    2- لا يتحقق الإيمان الكامل إلا بالتحابّ بين المؤمنين.
    3- إفشاء السلام سبب في تحقق المحبّة بين المؤمنين.
    4- عناية الشرع المطهّر بما يؤلف بين قلوب أفراده.
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 19:59

    الحديث الحادي والثلاثون

    عن جرير بن عبد الله-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ سَنَّ في الإسْلَامِ سُنّةً حَسَنَةً، فعُمِلَ بها بَعْدَهُ، كُتِبَ له مِثْلُ أجْرِ مَنْ عَمِلَ بها، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أجُورِهِمْ شَيْءٌ، ومَنْ سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئةً فعُملَ بها بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بها، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أوْزَارِهِمْ شَيْءٌ» أخرجه مسلم[].




    راوي الحديث:
    جرير بن عبد الله بن جابر بن مالك البجلي، قدم المدينة النبوية مُسْلمًا عام الوفود سنة تسع، ولما دخل المسجد رماه الناس بأبصارهم، فسألهم: هل ذكرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قالوا: نعم، ذكرك بأحسن ذِكْر فقال: «يدخل عليكم رجلٌ من خَيْرِ ذي يَمَن، على وجهه مَسْحَةُ مَلِكٍ»[].
     
    كان جميلًا؛ ولذا كان عمر الفاروق ينعته بـ: يوسف هذه الأمة. وكان يقول: «ما حجبني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ أسلمت، ولا رآني إلا ضحك»[. أرسله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى صنم ذي الخلصة ليهدمه، فشكا أنه لا يثبت على الخيل، قال: فضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده في صدري وقال: «اللهم ثبِّته، واجعله هاديًا مهديًا»[]. توفي-رضي الله عنه-سنة 15 هـ وقيل بعدها.
     
    معاني الكلمات:
    1- سنّ: ابتدأ أمرًا، بقوله أو فعله. 
    2- وِزْر: إثم.
     
    الشرح:
    يبيّن -صلى الله عليه وسلم- في الحديث أهمية الدلالة على أمر الخير، وأجْر من سنّ ذلك، والتحذير من الدعوة إلى أمور الشر. قال النووي - رحمه الله تعالى -: «سواء كان ذلك الهدى والضلالة هو الذي ابتدأه أم كان مسبوقًا إليه، وسواء كان ذلك تعليم علمٍ، أو عبادةٍ، أو أدبٍ، أو غيرِ ذلك»[]، وسبب الحديث: أن قومًا فقراء جاءوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتأثّر لمّا رآهم، فخطب في أصحابه يدعوهم إلى الصدقة «فجاء رجل من الأنصار بصّرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس..» حتى سُرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك وتهلّل وجهه، فقال: «من سنّ..» الحديث، وليس المراد أن يبتدع الإنسان في دين الله، وإنما أن يجدِّد سُنَّةً مِنْ سُنن الإسلام، كنشر العلم الشرعي في منطقة يغلب الجهل على أهلها، وكذا إيجاد حِلَق لتحفيظ القرآن عند من تخلو أحياؤهم أو ديارهم، ومثلها الدور النسائية لتحفيظ القرآن الكريم، وغير ذلك من السنن التي لها أصل في الشرع.
     
    فكم من الأجور العظيمة في ميزان من سن سنة حسنة دون أن ينقص ذلك من أجر العالمين، وهذا من فضل الله العظيم.
     
    وبضدّ ذلك من سنّ سنة سيئة، فعليه إثمها وإثم كل من اتبعها دون أن ينقص ذلك من آثامهم. فليحذر المرء أن يكون من دعاة الضلالة بقوله أو بفعله، وممن يسنّون سنة سيئة. وكم من صاحب بدعة وهوى، وفسق وفجور استنّ ودعا إلى سنة سيئة فباء بوزرها، وبوزر من أجابه إليها: ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [النحل: 25].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- الحثّ على المبادرة إلى الخيرات، والدعوة إليها.
    2- التحذير من سنّ السنن السيئة أو الدعوة إليها.
    3- عِظَمُ أجر من سن سنة حسنة.
    4- عِظَمُ جُرم وإثم من سنّ سنة سيئة.
    5- سعة فضل الله عزّ وجل، وكمال عدله.
     
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 20:00

    الحديث الثاني والثلاثون


    عن أبي هريرة-رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ [أحَدٌ] إلّا غَلَبَهُ» أخرجه البخاري[.



    راوي الحديث:
    سبقت ترجمته-رضي الله عنه-في الحديث الرابع عشر، والحديث السادس عشر.
     
    معاني الكلمات:
    1- يشادّ: يغالب.
     
    الشرح:
    يبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أن «الدين يسر» أي دين الإسلام، كما قال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185] ، فهو دين «ميسّر مسهّل في عقائده وأخلاقه، وأعماله، وفي أفعاله وتروكه..»[].
     
    قال ابن حجر: «والمعنى لا يتعمّق أحدٌ في الأعمال الدينية ويترك الرِّفق إلا عجز وانقطع فيُغلَب. قال ابن المنيِّر: في هذا الحديث عَلَم من أعلام النبوة، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أنّ كلَّ متنطّعٍ في الدِّين ينقطع..»[]، وقد أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعاقبة التنطّع بقوله «هلكَ المتنطعون» قالها ثلاثًا[]، ودعا إلى التيسير، ولماّ بعث معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن للدعوة قال لهما: «يسّرا ولا تعسرا، وبشّرا ولا تنفّرا»[].
     
    ومن القواعد الفقهية المعروفة: «المشقّة تجلب التيسير». والناس مع أوامر الشرع ثلاثة أصناف: إفراط وتفريط ووسط، وخير الأمور الوسط، وهو هدي أورع الناس واتقاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أعلم الناس بالله وأخشاهم له.
     
    ومن تورّع من شيء فلا حرج عليه، لكنه لا يحرمّه على غيره، ولا ينكره عليه دون دليل شرعي، وعليه ألّا يضيقَ بالرأي المخالف له، ما دامت له أدلّته الشرعية، وهذا من سماحة هذا الدين. جاء رجل إلى الإمام أحمد - رحمه الله - وقال: صنّفتُ كتابًا سميته: كتاب الاختلاف، فقال الإمام أحمد: سمّه: كتاب السَّعَة[].
     
    ولذا كان هذا الإمام يُعلّم أصحابه أن لا يضيّقوا واسعًا، وكان يقول لهم: لو أن رجلًا لم يرَ الوضوء من الدّمِ ثم صلّى، ألم تكن تُصلّي خلفه؟ أفلا نصلي خلف سعيد بن المسيب، ومالك ممّن سهّل الوضوء من الدم؟ قال: بلى نصلي. وكذا لو أن رجلًا لم يرَ المسح على الخفين، فقد كان مالكٌ لا يرى المسح على الخفيّن في الحَضَر، لا ينبغي أن يُصلى خلفه؟ قال: بلى[].
     
    ولا يعني أن الدين يسر أن يتبّع الإنسان الرُّخَص. فكما قال أهل العلم: مَنْ تتبّعَ الرخص تَزَنْدَق.
     
    وقال بعضهم: إذا أخذتَ برخصة كلّ عالم اجتمع فيك الشرّ كلّه.
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- سماحة دين الإسلام ويُسر أحكامه.
    2- من غالب الدين وشدّد على نفسه غُلب.
    3- من ترك شيئًا تورّعًا فلا يحرّمه على غيره.
     
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 20:00

    الحديث الثالث والثلاثون

    عن أمِّ المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ في شَيْءٍ إلّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إلّا شَانَهُ» أخرجه مسلم[].




    راوي الحديث:
    سبقتْ ترجمتها-رضي الله عنها-في الحديث الثالث، ويضاف إليها: ما أخرجه الشيخان عن أنس-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«فَضْلُ عائشةَ على النِّساء كفضل الثَّرِيد على سائر الطعام»[]، وقال لها: «إنّ جبريل يُقرِئك السلام»[]، وتوفيّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مستند إلى صدرها في بيتها، وفي يومها.
     
    معاني الكلمات:
    1- زَانَه: حسّنه.
    2- شَانه: عَابَه.
     
    الشرح:
    جاء الإسلام بالحثّ على الرّفق والترغيب فيه، والنهي عن ضدّه، والتحذير منه. وبيّن -صلى الله عليه وسلم- «أنَّ من يُحرَم الرِّفق يُحرم الخير»[]، وأنّ الله «يُعطي على الرِّفق ما لا يُعطي على العنف»[]. قال الله عزّ وجلّ في وصف نبيه -صلى الله عليه وسلم-:﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]، والإنسان يحتاج إلى الرفق في كل أحواله، في معاملة مع أهله، ومع إخوانه وأصدقائه، ومع الناس أجمعين.
     
    وهو مهم جدًا للداعية إلى الله، ومن أهم عوامل نجاحه.
     
    ولهذا فإن الإنسان إذا عامل الناس بالرّفق يجد لذّةً وانشراحًا، وإذا عاملهم بالشِّدَّة والعنف ندم، ثم قال: ليتني لم أفعل، لكن بعد فوات الأوان أما إذا عاملهم بالرفق واللين والأناة انشرح صدره، ولم يندم على شيء فعله.
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- الحثّ على الرفق، وهو من الخصال التي يحبّها الله.
    2- كلّ عمل يخلو من الرفق فإنه مُعاب.
    3- التحذير من العنف، والنهي عنه.
     

    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 20:01

    الحديث الرابع والثلاثون
    عن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ العَبْدَ ليَتكَلّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ لا يُلْقِي لهَا بَالًا يَرْفَعُ اللهُ بِها دَرَجَاتٍ، وإنَّ العَبْدَ ليَتكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخِطِ اللهِ لَا يُلْقِي لهَا بَالًا يَهْوي بِها في جَهَنَّمَ» أخرجه البخاري[].


    راوي الحديث:
    سبقت ترجمته-رضي الله عنه-في الحديث الرابع عشر، والحديث السادس عشر.
     
    معاني الكلمات:
    1- لا يلقي لها بالًا: لا يهتمّ بها، ولا يفكّر في عاقبتها.
    2- يهوي: ينزل.
     
    الشرح:
    أرشد الحديث إلى أهمية حفظ اللسان، وأن المرء محاسب على ما يقول: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18]. بل بيّن -صلى الله عليه وسلم- أن حفظَ اللّسان من أسباب دخول الجنة: «من يضمن لي ما بين لَحييه وما بين رِجْليه أضمن له الجنة»[].
     
    «إنّ العبد ليتكلم بالكلمة» وليس المراد كلمة واحدة، وإنّما: «الكلام المشتمل على ما يُفْهِمُ الخير أو الشرّ سواء طال أو قصر، كما يقال: كلمة الشهادة..»[]. «لا يُلقي لها بالًا»، أي: «لا يتأمّلها بخاطره، ولا يتفكر في عاقبتها ولا يظن أنها تؤثِّر شيئًا، وهو من نحو قوله تعالى: ﴿ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 15].
     
    «يهوي» قال عِيَاض: المعنى ينزل فيها ساقطًا[]. «قال ابن عبد البرّ: الكلمة التي يهوي صاحبها بسببها في النار هي التي يقولها عند السلطان الجائر، وزاد ابن بطّال: بالبغي أو بالسعي على المسلم فتكون سببًا لهلاكه، وإن لم يُردْ القائل ذلك، لكنها ربّما أدّت إلى ذلك فيكتب على القائل إثمها. والكلمة التي ترفع بها الدرجات ويُكتب بها الرضوان هي التي يدفع بها عند المسلم مظلمة أو يفرّج بها عنه كربة، أو ينصر بها مظلومًا.
     
    وقال غيره في الأُولى: هي الكلمة عند ذي السلطان يرضيه بها فيما يُسخط الله. قال ابن التِّين: هذا هو الغالب، وربّما كانت عند غير ذي السلطان ممن يتأتّى منه ذلك»[].
     
    وقد عُني السلف - رحمهم الله - بحفظ اللسان، وكثرت ألفاظهم في ذلك، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: «ما على الأرض شيءٌ أحوج إلى طول سجن من لسان»[].
     
    وقال مَعْروف الكَرْخي: «كلامُ العبد فيما لا يعنيه خذلان من الله»[]، وقال حاتم الأصمّ: لو أنّ صاحب خبر جلس إليك ليكتبَ كلامك لاحترزتَ منه، وكلامك يُعرض على الله فلا تحترز[]! ولماّ رَوى علقمة ابن وقّاص حديث بلال بن الحارث-رضي الله عنه-عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنّ الرَّجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله...وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله..» كان يقول: كَمْ من كلامٍ مَنَعنيه حديث بلال بن الحارث[]!.
     
    ألاَ فليتذكرّ كل واحد منّا أنه سيحاسب عند كل قولٍ قاله، إن خيرًا فخير وإن شرًا، وليتذكر كل كاتب أنه محاسب على ما يكتب، فليتقّ الله كتّاب الصحف، والمجلات، والمواقع الالكترونيّة فيما يسطرونه في زواياهم ومقالاتهم، والمتحدثون في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة فيما يلفظونه في برامجهم وحواراتهم: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18].


    ما يستفاد من الحديث:
    1- أنّ العبد مُحاسبٌ على كل لفظ يقوله.
    2- الحرص على رضوان الله، والحذر من سخطه.
    3- قد يرتقي المرء درجات الجنة، وقد يهوي في مدارك النار بكلام يقوله.
    4- العاقل من يتوقّى عثراتَ لسانه، أشدّ من توقيّه عثرات قدمه.
     
     


    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 20:01

    الحديث الخامس والثلاثون


    عن ابن عمرَ-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» أخرجه  أحمد وأبو داود[].




    راوي الحديث:
    سبقت ترجمته-رضي الله عنه-في الحديث الثاني، والحديث السادس.
     
    شرح الحديث:
    من مقاصد الشريعة أن يتميّز المسْلم عن غيره، فلا يتشبّه بغير المسلمين، لأنّ له شخصيته المستقلّة، فهو معتزٌّ بدِينه، لا يشعر بالهوان ولا المذلّة، ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139]. والتشبّه بالغير يكون سببه الإعجاب، ويُورث -غالبًا- المحبة.
     
    والتشبه على قسمين:
    الأول: مندوب إليه مثل: التشبّه بأهل الفضل والصلاح، قال الله عزّ وجلّ بعد أن ذَكَرَ بعضَ أنبيائه: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ [الأنعام: ]. والنظر في سِيَرِ الأنبياء والعلماء وأخبارِهم ممّا يُرغَّب فيه؛ للتأسّي بهم:
    وتَشَبَّهُوا إنْ لَمْ تَكونُوا مِثْلَهُمْ 

    إنَّ التَشَبَّهَ بِالكِرَامِ فَلَاحٌ خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Space
    القسم الآخر: مَنْهيٌ عنه، مثل: التشبّه بالكافرين والفاسقين، قال الإمام ابن تيمية عن الحديث: «وهذا الحديث أقلّ أحواله أن يقتضي تحريم التشبّه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كُفْرَ المتشبِّه بهم»[] وقال - رحمه الله -: «المشابهة في الظاهر تورث نوعَ مودّةٍ ومحبةٍ، وموالاةٍ في الباطن، كما أن المحبّة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يَشْهَد به الحسُّ والتجربة..» [].
     
    ومن التشبّه المحرّم: تشبه الرجال بالنساء والعكس. قال ابن عباس-رضي الله عنه-: «لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال»[] قال ابن تيمية: «والرجل المتشبّه بالنساء يكتسب من أخلاقهن بحسب تشبّهه.. ولماّ كان الغِنَاءُ مقدمةَ ذلك، وكان من عمل النّساء كانوا يُسمُّون الرجال المغنين مخانيث، والمرأة المتشبهة بالرجال تكتسب من أخلاقهم، حتى يصير فيها من التبرّج والبروز ومشاركة الرجال، ما قد يفضي ببعضهن إلى أن تُظْهِرَ بدنها كما يُظْهِرُه الرَّجل..» [].
     
    وإنّك لتعجَبُ مِنْ رجل يلبس لِبْسَة المرأة، ثم يخرج -بعد أن يزيل كلّ شعرة من وجهه، ووضع المساحيق- على الملأ في الأفلام والمسلسلات والمسرحيات، وما عَلِمَ هذا المنكُوسُ والمصفقونَ له أنَه مَلعُونٌ على لسان الصادقِ المصدوقِ -صلى الله عليه وسلم-.
     
    ومن التشبّهِ المذموم: التشبّه بالبهائم. وقد ذكر الإمام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- ستّة أوجه في منع ذلك[]. لكنْ قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: «...فإنْ كان المقصود بذلك - التشبّه بالحيوانات- التعليم، أوْ مجرّد اللعب معهم (الأطفال) فإنّه لا يُعدُّ متشبِّهًا بالحيوان؛ لأنّه لم يقصد»[].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- التشبّه بالكافرين محرّم، وقد يصل إلى درجة الكفر.
    2- على المسْلِم أنْ يعتزّ بدِينه.
    3- مَنْ أحَبَّ قومًا حُشِر معهم.
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 20:09

    الحديث السادس والثلاثون


    عن عبد الله بن عَمْرِو بن العاصِ-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اللَّهُمَّ مُصِرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنا عَلى طَاعَتِكَ» أخرجه مسلم.




    راوي الحديث:
    سبقتْ ترجمتُه-رضي الله عنه-في الحديث الثالث عشر.
     
    معاني الكلمات:
    1- مصرّف: مغيّر.
     
    الشرح:
    يوجّه -صلى الله عليه وسلم- إلى أهميّة الدّعاء في أن يُصرّف الله عزّ وجل قلبَ العبد على طاعته سبحانه، وقد أخرج الترمذي عن أمِّ المؤمنين أمّ سلمة-رضي الله عنها-أنها قالت: كان أكثر دعائه -صلى الله عليه وسلم-: «يا مقلّبَ القلوبِ ثبّتْ قلبي على دِينك»[، فإذا كان هذا حال سيّد ولد آدم، وقد غَفَر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فكيف يكون حال غيره؟ فحريٌّ بالمسلم أن يداوم على الدّعاء بأن يُصرّف اللهُ قلبه على طاعته. ويزداد تأكّد ذلك زمن الفتن: «بادِروا بالأعمال الصالحة فستكون فتنٌ كَقِطَعِ اللّيل المظلم يُصبح الرجل مؤمنًا ويُمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيعُ دِينَه بِعَرَضٍ من الدنيا»[].
     
    وقد أدرك السلف - رحمهم الله - ذلك، فهذا نوف البِكَالي (مات بين التسعين والمئة هـ) رحمه الله يقول - وقد ذُكر الدّجال -: إنّي لغيرِ الدَّجَّال أخوف مني من الدجال، فقال أبو الدرداء-رضي الله عنه-: وما هو؟ قال: أخاف أن أُستلبَ إيماني وأنا لا أشعر، فقال أبو الدرداء:... والذي نفسي بيده ما أَمِنَ عبدٌ على إيمانه إلا سُلِبَه[]، وكان سفيانُ الثوريّ (161هـ) رحمه الله يبْكي ويقول: إني أخاف أن أُسلبَ الإيمان قبل أن أموت[]،ولذا كان من دعاء عباده المؤمنين: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- أهميّة الدعاء في حياة المسلم.
    2- الحذر من تقلّب القلب على غير طاعة الله، وتعاهد ذلك.
    3- الحذر من العُجب.
     
    تنبيه:
    زيادة: (والأبصار)، لا أصل لها في الحديث.
     
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 20:10

    الحديث السابع والثلاثون


    عن أبي هريرة-رضي الله عنه-أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، ومَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ واليَوْمِ والآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ» متفقٌ عليه].





    راوي الحديث:
    سبقتْ ترجمته في الحديث الرابع عشر، وفي الحديث السادس عشر.
     
    الشرح:
    الإسلام دينٌ شاملٌ لكلّ جوانب الحياة، يدعو إلى مكارم الأخلاق، ما من خير إلا أَمَرَ به، وما من شرّ إلا نهى عنه. وفي هذا الحديث النهي الشديد عن أذيّة الجار«سواء كان ذلك بالقول أو الفعل، أما بالقول فان يسمع منه ما يزعجه ويقلقه، كالذين يفتحون الراديو أو التلفزيون أو غيرها مما يُسمع فيزعج الجيران، فإن هذا لا يحلّ له، حتى لو فتحه على كتاب الله وهو مما يزعج الجيران بصوته فإنه معتدٍ عليهم، ولا يحلّ له أن يفعل ذلك[]، وأما بالفعل فيكون بإلقاء الكناسة حول بابه، والتضييق عليه عند مداخل بابه، أو بالدقّ، أو ما أشبه ذلك مما يضرّه، ومن هذا أيضًا إذا كان له نخلة أو شجرة حول جدار جاره فكان يسقيها حتى يؤذي جاره بهذا السقي، فإن ذلك من بوائق[][]. الجار فلا يحلّ له».
     
    وقد أمر الله عز وجلّ بالإحسان إلى الجار. ﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ﴾ [النساء: 36]، وأمر بذلك الرسولُ -صلى الله عليه وسلم-، كما في أحاديث كثيرة، من أعظمها: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيورّثه»[].
     
    قال أهل العلم: والجيران ثلاثة: جار قريب مسلم، فله حِق الجوار والقرابة والإسلام. وجار مسلم غير قريب، فله حق الجوار والإسلام. وجار كافر، فله حق الجوار، وإن كان قريبًا فله حق القرابة أيضًا[]، وأدرك السلف رحمهم الله تعالى عِظَمَ حقّ الجار، فكانت الدار يزيد ثمنها أو يقلّ بحسب الجار.  جاء في ترجمة أبي حمزة السُّكري (ت167هـ) أن جارًا له أراد أن يبيع داره، فقيل له: بكم؟ قال: بألفين ثمن الدار، وبألفين جوار أبي حمزة. فبلغ ذلك أبا حمزة، فوجّه إليه بأربعة آلاف، وقال: لا تبعْ دارك[].
     
    وأراد أحد جيران سعيد بن العاص أن يبيع داره فقال: بكمْ تشترون مني جوار سعيد؟.. فبلغ ذلك سعيدًا فوجّه إليه مئة ألف درهم، وقال له: أمسكْ عليك دارك[]، حتى الجار الكافر كانوا يعرفون حقّه، فجاء عن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما-: «أنه ذُبحت له شاة، فلما جاء قال: أهديتمْ لجارنا اليهودي؟ أهديتمْ لجارنا اليهودي؟»[].
     
    وقوله: «فليكرم ضيفه» وإكرام الضيف من خصال العرب المحمودة في الجاهلية، وجاء الإسلام بتعزيزها والحثّ عليها، بل جعلها من مكملات الإيمان. وإكرام الضيف واجب على الصحيح[]، وكانت الشعراء - وما زالت - تتغنى بالأجواد، وتخلّد ذكرهم في التاريخ بأبيات الشِّعْر.
    فالناس أكْيس مِنْ أن يمدحوا رجلًا
    مِنْ غَيْرِ أنْ يَجِدُوا آثَارَ إحْسَانِ خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Space

     
    وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «..فليقل خيرًا أو ليصمت» سبق الكلام على آفات اللسان، وأهمية حفظه[].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- عناية الإسلام بتنظيم علاقة المسلم بالآخرين.
    2- التحذير من أذيّة الجار والإساءة إليه، وأن ذلك ينافي كمال الإيمان.
    3- الحثّ على إكرام الضيف.
    4- الترغيب في السكوت إذا كان الكلام لا خير فيه.
     
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 20:12

    الحديث الثامن والثلاثون



    عن أبي سعيد وأبي هريرة-رضي الله عنهما-عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:«مَا يُصِيبُ المسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا أَذَى وَلَا غَمٍّ، حَتى الشَّوْكَةَ يَشُاكُهَا إلّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» أخرجه البخاري واللفظ له. ومسلم[].




    راوي الحديث:
    أبو سعيد-رضي الله عنه-سبقتْ ترجمته في الحديث الثالث والعشرين. وأبو هريرة سبقتْ ترجمته في الحديث الرابع عشر، وزيادة عليها في الحديث السادس عشر.
     
    معاني الكلمات:
    1- نصب: تعب.
    2- وصب: مرض.
    3- غمّ: ما يضيق على القلب.
     
    الشرح:
    الإنسان بطبعه مخلوق ضعيف، تصيبه الأدواء والأسقام، والأحزان والهموم والغموم. فإن كان مسلمًا وصبر واحتسب ذلك عند الله كان على خير، وإن جزع وسخط فله السخط.وأشد الناس بلاءً هم الأنبياء - على نبينا وعليهم الصلاة والسلام - وأخبر -صلى الله عليه وسلم- أنه: «ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلا حطّ الله به سيئاته، كما تحطّ الشجرة ورقها»[]. وقال: «من يُرد الله به خيرًا يُصب منه»[].
     
    وقد بيّن الله جلّ وعلا الموقف المشروع للمسلم عند حلول مصيبة به: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 156- 157].
     
    فالمصائب تكون على وجهين: إذا صبر واحتسب كُفّر من سيئاته وزيد في حسناته. وتارة يغفل عن هذا ويصيبه ضجر وضيق صدر فيكون في ذلك تكفير لسيئاته دون زيادة درجاته[].
     
    فعلى من يُصَبْ بشيءٍ من البلاء أن يصبر ويحتسب الأجر عند الله تعالى، ويعلمَ أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- المصائب والأمراض التي تصيب المسلم خير له، فهي مكفّرةٌ لخطاياه.
    2- أنّ المصائب تكفّر بعض الخطايا والذنوب، لأنّ بعضها يحتاج إلى توبة.
    3- أَمْرُ المؤمن كله خير إن أصابته سّراء شكر، وإن أصابته ضرّاء صبر، وليس ذلك لأحدٍ إلاّ للمؤمن[].
     
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 20:13

     
    الحديث التاسع والثلاثون


    عن أبي ذرٍّ-رضي الله عنه-قال: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-:«لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أنْ تَلْقَى أخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» أخرجه مسلم[].




    راوي الحديث:
    سبقت ترجمته-رضي الله عنه-في الحديث الخامس عشر.
     
    معاني الكلمات:
    1- لا تحقرنّ: لا تستهن ولا تستقلّ.
    2- طلق: سهل منبسط.
     
    الشرح:
    يرشد -صلى الله عليه وسلم- المسلمَ أن لا يحتقر شيئًا من الأعمال، وإن كان العمل لا يشق على صاحبه، ومن ذلك أن يلقى أخاه المسلم بوجه منبسط مسرور، فهو مما يثاب عليه، ولا يكلّفه شيئًا. وهو مما يُدخل  السرور على أخيه المسلم. وكان هذا هو هديه -صلى الله عليه وسلم-، قال جرير بن عبد الله البجلي-رضي الله عنه- : «ما حجبني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ أسلمتُ، ولا رآني إلا تبسّم في وجهي»[]، وقد وصفه الله تبارك وتعالى بقوله: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159]. فمن يلقى إخوانه بوجه عبوس، وجبين مقطّب، مخالف للهدي النبوي، قد حرم نفسه من الأجر، ومن الاقتداء بسيد البشر.
     
    قال الإمام الذهبي - رحمه الله -: «هذا هو خُلُق الإسلام فأعلى المقامات من كان بكّاء بالليل بسّامًا بالنهار...[و] ينبغي لمن كان ضحوكًا بسّامًا أن يقصّر من ذلك ويلوم نفسه حتى لا تمجّه الأنفس، وينبغي لمن كان عبوسًا منقبضًا أن يبتسم، ويحسّن خلقه، ويمقت نفسه على رداءة خلقه، وكل انحراف عن الاعتدال فمذموم، ولابدّ للنفس من مجاهدة وتأديب»[].
     
    ولا ينبغي للمسلم أن يكون طلْق الوجه مع إخوانه وأصحابه دون أهل بيته فهم أولى بذلك. كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»[]، فمن الناس من يلقى خلاّنه بوجه منبسط بشوش، يلين لهم القول، ويضاحكهم، ويؤانسهم، فإذا عاد إلى بيته، إلى والديه، أو زوجه وأولاده، انقلب رأسًا على عقب. فلا حول ولا قوة إلا بالله.نسأل الله الهداية للجميع.
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- عدم احتقار أيّ عمل من أعمال الخير.
    2- الحثّ على الانبساط والتبسم مع الآخرين، مما يزيد الألفة بين المسلمين.
    3- كثرة طرق الخير.
     
    فائدة:
    «طلق» قال النووي - رحمه الله -: روي على ثلاثة أوجه: إسكان اللام، وكسرها، وطليق بزيادة ياء. (شرح مسلم 16\177).
     



    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 20:14

    الحديث الأربعون

    عن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذَا اسْتَأذَنَ أحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ» متفق عليه[].




    راوي الحديث:
    سبقت ترجمته - رضي الله عنه - في الحديث الحادي عشر.
     
    الشرح:
    يرشد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمته إلى أدب من الآداب المهمة في تعاملها مع الآخرين، ألا وهو الاستئذان قبل الدخول، فإن لم يؤذن له بعد المرة الثالثة فليرجع. فلو طرق إنسان باب غيره فلا يزد على ثلاث مرات، لا كما يفعله بعض من لم يتأدب بهذا الأدب النبوي من استمرار رنّ جرس المنزل، وطرق الباب عدة مرات، خاصة إذا علم بوجود أحد في المنزل، وهذا ليس من حقّه «لأن الإنسان قد يكون في حاجة، وقد يكون غير مستعدٍ لاستقبال الناس، فلا يمكن أن تلجئه وتحرجه»[]، «وإن لم يأذن لك فلا تدخل حتى لو قال لك بصراحة: ارجع، فارجع كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ﴾ [النور: 28]، وأنت يا صاحب البيت لا تستحي أن تقول: ارجع، وأنت أيها المستأذن لا تغضب عليه إذا قال لك: ارجع»[].
     
    ومن آداب الاستئذان غير ما سبق: أن لا يقف الشخص في مكان يرى منه داخل البيت إذا فُتح الباب. وإذا قيل له: من؟ فلا يقل: أنا، بل يذكر اسمه. وينبغي أن يعلّم الوالدان أبناءهم وبناتهم على الاستئذان، حتى لو داخل البيت، فلا يدخل أحدهم غرفة أبويه، أو أخته، أو أخيه حتى يستأذن. والحكمة من الاستئذان قد بيّنها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «إنّما جُعل الاستئذان من أجل البصر»[].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- وجوب الاستئذان قبل الدخول.
    2- إذا لم يؤذن للمستأذن بعد المرة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة فليرجع.
    3- الاستئذان فوق ثلاث مخالف لأمره -صلى الله عليه وسلم-.
     
    للفائدة:
    ذكر الإمام البخاري - رحمه الله تعالى - جملةً من الأحاديث والآثار في كتابه: «الأدب المفرد»، فلتراجع لأهميتها في: صحيح الأدب المفرد للألباني - رحمه الله تعالى - من باب 426 حتى باب 446.
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 20:17

    الحديث الحادي والأربعون

    عن أبي هريرة- رضي الله عنه - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  قال:«مَنْ قاَل لا إِلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الملْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، في يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ كَانَ لَهُ عِدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِئَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِئَةُ سَيّئةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أحَدٌ بِأَفْضَلَ ممّا جَاءَ بِهِ إلّا أحَدٌ عَمِلَ أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ في يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ» أخرجه البخاري ومسلم[].


    راوي الحديث:
    سبقتْ ترجمته- رضي الله عنه - في الحديث الرابع عشر، وزيادة عليها في الحديث السادس عشر.
     
    معاني الكلمات:
    1- عِدْل: أي ما يساوي.
    2- حِرْزًا: حفظًا ووقاية.
     
    الشرح:
    في هذا الحديث عظم فضل التهليل والتسبيح والحمد، فقد بيّن - صلى الله عليه وسلم -  أن من قال: «لا إله إلا الله.. في يوم مئة مرة كأنما أعتق عشر رقاب، وكُتبت له مئة حسنة ومُحيت عنه مئة سيئة، وكانت وقاية وحماية له من الشيطان طيلة يومه حتى يمسي، فهو في حصن حصين بهذا الذِّكْر العظيم، الذي لا يجد الإنسان مشقّة في قوله له. وذكرُ الله جل وعلا من أعظم القربات، والآيات والأحاديث في فضله كثيرة جدًا، منها قوله تعالى: ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [العنكبوت: 45]، وقوله: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ[البقرة: ١٥٢]، وقوله: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾.
     
    ومن الأحاديث قوله - صلى الله عليه وسلم - : «مثلُ الذي يذْكُر ربّه والذي لا يَذْكُر ربّه مثل الحيّ والميت»[، وقوله: «لأنْ أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس»[ وقوله: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم»] وغيرها من الأحاديث الكثيرة. وقد بسط الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - الكلام على فضل الذكر وفوائده، حتى ذكر ما يقرب من ثلاثٍ وسبعين فائدة[].
     
    والذِّكْرُ حِصْنٌ للمسلم، يقيه - بإذن الله - من الشرور والآفات، من شياطين الإنس والجنّ. أخرج الإمام البخاري - رحمه الله تعالى - في «الأدب المفرد» عن أبَانَ بن عثمان بن عفان قال: سمعت عثمان قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  يقول: «من قال صباح كل يوم ومساء كل ليلة ثلاثًا ثلاثًا: بسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، لم يضرّه شيء» وكان أبان بن عثمان أصابه طَرَفٌ من الفَالِج، فجعل الرجل ينظر إليه، ففطِنَ له فقال: إن الحديث كما حدّثتك، ولكني لم أقله ذلك اليوم، ليمضي قدر الله»].
     
    ومِنَ العَجَبِ ما تجده من زهد كثير من الناس في هذه الأذكار، وهي لا تكلّفه شيئا، لا من الجهد ولا المال ولا الوقت «الآن الناس يسافرون ويقطعون الفيافي والصحاري والمهالك والمفاوز من أجل أن يربحوا شيئًا قليلًا من الدنيا قد يتمتّعون به، وقد يُحرمون إياه، وهذه الأعمال العظيمة يتعاجز الإنسان عنها؛ لأن الشيطان يكسّله ويخذّله ويثبّطه عنها، و إلّا فهي كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -  أحبّ إلى الإنسان مما طلعت عليه الشمس. وإذا فرضنا أن عندك مُلْك الدنيا كلها، ثم حضر الموت، ماذا تستفيد؟ لا تستفيد شيئًا، لكن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هي الباقيات الصالحات، قال تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف: ٤٦]، فينبغي لنا أن نغتنم الفرصة بهذه الأعمال الصالحة»[.
     
    وينبغي أن يقتصر المسلم على الأذكار الصحيحة الواردة عنه - صلى الله عليه وسلم -  ويدع ما سوى ذلك.
     
    تنبيه:
    تكفير الذنوب، وحطّ الخطايا إنّما هو للصغائر، أما الكبائر فلا بُدَّ لها من توبة[].
     
    وآخر: قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى ـ: «التدبّر في الذِّكْرِ مطلوب كما هو في القراءة.... واعلم أنّ الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها، واجبة كانت أو مستحبّة لا يحسب شيء منها ولا يعتدّ به حتى يتلفظ به بحيث يُسمع نفسه إذا كان صحيح السمع لا عارض له»[].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- عِظَمُ فضل ذكرُ الله جلّ وعلا.
    2- كَثْرة طرق الخير، ويسرها.
    3- الحرص على المداومة على الأذكار الشرعية.
    4- الأذكار الشرعية حصن للمسلم من الشيطان.
    5- تحصيل الأجر العظيم بالعمل اليسير.
     
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 20:21

    الحديث الثاني والأربعون


    عن النُّعْمانِ بن بشيرٍ - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -  قال: «الُّدعَاءُ هُوَ العُبَادَةِ» ثُمَّ قاَلَ: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾. أخرجه أبو داود والترمذي وقال: حسنٌ صحيحٌ[].


    راوي الحديث:
    سبقتْ ترجمته- رضي الله عنه - في الحديث الرابع.
     
    الشرح:
    الدُّعاء عبادة عظيمة، وصفها النبي - صلى الله عليه وسلم -  في هذا الحديث بقوله: «هو العبادة» أي: هو لبُّ العبادة وجوهرها، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الحج عرفة» أي: أن أهمّ أركان الحج الوقوف بعرفة.
     
    والدعاء سلاح معطّلٌ - للأسف - لدى كثيرٍ من المسلمين، مع أنّه من أعظم العبادات، وأيسرها، ويستطيعه كل مسلم. وقد وعد تبارك وتعالى بإجابة دعوة من يدعوه، كما في الآية التي استشهد بها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكما في قوله: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة: ١٨٦]، والمسائل المتعلقة بالدعاء كثيرة جدًا، منها - غير ما سبق -:
    1- تحرّي أوقات الإجابة.
    2- الحرص على الجوامع من الدعاء، وعلى المأثور الصحيح من الدعوات.
     
    3- عدم الاستعجال، كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «يستجاب لأحدكم ما لم يَعْجَل، يقول: قد دعوتُ فلم يستجبْ لي» متفقٌ عليه[]، وكان بعض السلف يقول: دعوتُ ربي في حاجة عشرين سنة فلم يقضها لي، ولم أيأس منها[].
     
    4- المال الحلال من أسباب الإجابة، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - : «أيها الناس إن الله طيّب لا يقبل إلا طيبًا... ثم ذَكَرَ الرَّجل يطيل السفر، أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السماء، يا ربّ يا ربّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك» أخرجه مسلم[].
     
    5- الحذر من الدعاء على النفس أو الولد، قال - صلى الله عليه وسلم - : «لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإنّ الملائكة يؤمّنون على ما تقولون»[]، وقال: «لا تَدْعُوا على أنفسكم، ولا تَدْعُوا على أولادكم، ولا تَدْعُوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعةً يُسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم»[].
    وهذا للأسف يقع فيه البعض من الناس - هداهم الله - ولو أن الأب أو الأمّ دعا لولده بدل أن يدعو عليه، لكان له في ذلك خير كثير.
     
    6- أن يعلم الداعي أنه: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث، إما أن تعجّل له دعوته، وإما أن يدّخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها» قالوا: إذا نُكْثِرْ، قال: «الله أكثر»[].
     
    7- عدم الاعتداء في الدّعاء، أخرج أبو داود أنّ عبد الله بن مغفّل- رضي الله عنه - سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، قال: يا بني سلْ الله الجنة وتعوذ به من النار، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  يقول: «سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور، والدعاء»[].
     
    قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: «فالاعتداء في الدعاء تارة بأن يسأل الله ما لا يجوز له سؤاله من الإعانة على المحرمات، وتارة بأن يسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة، أو يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب.. وفُسّر الاعتداء برفع الصوت في الدعاء...ومن العدوان أن يدعوه غير متضرع، بل دعاء مدلّ كالمستغني بما عنده..»[].
     
    قال ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -: «العدوان في الدعاء يدور على أمرين: أن يسأل ما لا يمكن شرعًا، أو ما لا يمكن قَدَرًا»[].
     
    8- قال ابن تيمية - رحمه الله ـ: «إجابة الدعاء تكون  عن صحة الاعتقاد، وعن كمال الطاعة»[]، ولذا قال يحيى بن معاذ - رحمه الله ـ: «لا تَسْتَبْطِئْ الإجابة إذا دعوتَ وقد سَدَدتَ طريقها بالذنوب»[].
     
    9- يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ[النمل:٦٢]، فدعاء الإنسان لنفسه هو المشروع، وأولى بالإجابة من دعاء غيره له.
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- عِظَمُ شأن الدعاء.
    2- الدعاء هو لبّ العبادة.
    3- تسمية الله للدعاء: عبادة.
    4- من يتكبّر عن دعاء ربّه مصيره النار.
     
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 20:23

    الحديث الثالث والأربعون


    عن أبي هريرة- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إنَّ اللهَ تَعَالى قاَلَ: مَنْ عَادَى لي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إليَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أحَبَّ إليَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيهِ، وَمَا زَالَ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إليَّ بِالنَوَافِلِ حَتّى أحْبَبْتُهُ[]، فَكُنْتُ سَمْعَهُ الذّي يَسْمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الذّي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ التي يَبْطِشُ بِهَا، ورِجْلَهُ التّي يَمْشِي بِها، وإنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئنْ اسْتَعَاذَني لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفسِ المؤمِنِ يَكْرَهُ الموتَ وأنَا أكْرَهُ مَسَاءَتَهُ» أخرجه البخاري[].


    راوي الحديث:
    سبقت ترجمته في الحديث الرابع عشر، وزيادة عليها في الحديث السادس عشر.
     
    معاني الكلمات:
    1- وليًا: الوليّ بمعنى الناصر، وهو مشتقٌّ من الولاء وهو القُرب.
    2- آذنته: أعلمته.
    3- النوافل: جمع نافلة، وهي لغة: الزيادة.
    4- يبطش: يضرب.
     
    الشرح:
    هذا حديث قدسي، وهو ما يرويه الرسول - صلى الله عليه وسلم -  عن ربّه تبارك وتعالى، «وهل هو من كلام الله عزّ وجل لفظًا ومعنى؟ أو هو كلام الله معنى واللفظ من الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟ اختلف المحدِّثون في هذا على قولين، والسلامة في هذا أن لا نتعمّق في البحث في هذا، وأن نقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -  فيما يَرْويه عن ربّه عزّ وجلّ، وكفى»[].
     
    ويفترق الحديث القدسي عن القرآن الكريم من وجوه ذكرها أهل العلم[].
     
    «من عادى لي وليًا»، أي: اتخذه عدوًا له. «وولي الله بيّنه سبحانه وتعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:٦٢-٦٣]، هؤلاء هم أولياء الله، فمن كان مؤمنًا تقيًا، كان لله وليًا»[].
     
    قوله: «فقد آذنته بالحرب»، أي: أعلنتُ عليهم الحرب، وفي هذا تهديدٌ شديدٌ، ووعيدٌ عظيمٌ؛ لأنّ من حاربَه اللهُ أهلكَه.
     
    «وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه»، أي: أن الفرائض التي أمر الله عباده بها هي أحبّ شيء يُتقرب به إليه، فصلاة الفريضة أحبّ إليه من النافلة، والزكاة أحبّ إليه من الصدقة، فصوم رمضان أحبّ إليه من صوم التطوع، وهكذا.
     
    «وما زال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل..»، وفي رواية: «وما يزال» بصيغة المضارع، مما يدلّ على استمرار الفعل، ولا يزال العبد كذلك حتى يحبّه الله، وهنيئًا لمن حاز هذه المرتبة العالية، فإذا أحبّه الله: «فكنتُ سَمْعَه الذي يَسْمَع به»، أي: أُسدِّدَه في سَمْعِه، فلا يسمعُ إلّا ما يرضي الله«وبصرَه» أُسدِّدهَ في بَصَرِه، فلا يُبْصر إلّا ما يحبّ الله,«ويده التي يبطش بها» فلا يعمل بيده إلا ما يرضي الله، «ورِجْلَه التي يمشي بها» فلا يمشي برجله إلّا لما يرضي الله عزّ وجلّ، فيكون مُسَددًا في أقواله وأفعاله»[له: «وإنْ سألني لأعطينّه» أُعطيه ما سألني إياه.
     
    «ولئن استعاذني لأعيذنّه»، أي: لئن اعتصم بي ولجأ إليّ من شرّ كلّ ذي شرّ لأعيذنّه، فيحصل له بإعطائه مسؤوله وإعاذته مما يتعوّذ منه المطلوب، ويزول عنه المرهوب[].
     
    وهذا الحديث العظيم هو أشرفُ حديثٍ روي في صِفَةِ الأوْلياء[]، «وليس لأولياءِ الله شيءٌ يتميّزون به عن الناس في الظاهر... بل يوجدون في جميع أصناف أمّة محمّد - صلى الله عليه وسلم -  إذا لم يكونوا من أهل البدع الظاهرة والفجور. فيوجدون في أهل القرآن وأهل العلم، ويوجدون في أهل الجهاد والسيف، ويوجدون في التّجار والصّنّاع والزّرّاع..»[] «وليس من شرط وليّ الله أنْ يكونَ مَعصومًا لا يغلط، ولا يخطئ، بلْ يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين...»[] «فليس من شرط أولياء الله المتقين أن لا يكونوا مخطئين في بعض الأشياء خطًا مغفورًا لهم، بل ولا من شرطهم ترك الصغائر مطلقًا، بل ولا من شرطهم ترك الكبائر، أو الكفر الذي تَعْقبه التوبة»[].
     
    قال الشيخ حمد بن عتيقت1301 رحمه الله تعالى: «قد عُلم وتحقق بالعادة الجارية، والأدلة القاطعة، أنه ما مِنْ طائفةٍ قامتْ في عداوة أهل هذا الدِّين، ونصبتْ لهم الحرب، إلا أوقع الله بها بأسه، ونوّع عليها العقوبات، هذا أمرٌ ثابتٌ يعرفه من نظر واعتبر، ويدلّ عليه قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا * سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا[الإسراء:٧٦-٧٧][].
     
    ويؤخذ منه أنه لا يُحكم لإنسان آذى وليًا، ثم لم يُعَاجَلْ بمصيبة في نفسه، أو ماله، أو ولده بأنه سلِم من انتقام الله، فقد تكون مصيبته في غير ذلك ممّا هو أشدّ عليه، كالمصيبة في الدِّين مثلًا[].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- إثبات أولياء الله، وهو أمر ثابت بالقرآن والسنة.
    2- معاداة أولياء الله من كبائر الذنوب.
    3- مُحاربة الله لمن عادى له وليًّا.
    4- إثبات المحبّة لله، وأنها تتفاضل.
    5- الأعمال الصالحة سبب محبّة الله لعبده.
    6- إذا أحبّ الله  عبدًا سدّده في أقواله وأفعاله، وأجاب دعوته.
    7- «وفي هذا الحديث عِظَمُ قَدْرِ الوليّ، لكونه خَرَجَ عنْ تدبيره إلى تدبير ربّه، وعن انتصاره لنفسه إلى انتصار الله له، وعن حوله وقوته، بِصِدْقِ توكلّه»[.
    8- هذا الوعيد في حقّ من عادى وليًّا واحدًا، فكيف بمن عادى اثنين؟ فكيف بمن عادى أكثر؟
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 20:24

    الحديث الرابع والأربعون


    عن أبي هريرة- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «سَتَكُونُ فِتَنٌ القَاعِدُ فِيها خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ، والقَائِمُ فِيها خَيْرٌ مِنَ المَاشِي، والماشِي فِيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجًَا أوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ» متفق عليه[].


    معاني الكلمات:
    1- فتن: جَمْعُ فتنة، وأصل الفَتْن: إدخال الذهب في النار؛ لتظهر جودته من رداءته. وقيل: أصل الفتنة الاختبار، ثم أُطلقتْ على كلّ مكروه.
    2- تشرّف: تطلّع وتعرّض لها.
    3- تستشرفه: تهلكه، بأن يشرف منها على الهلاك.
    4- معاذًا: بمعنى الملجأ.
     
    الشرح:
    يُخبر - صلى الله عليه وسلم -  بأنه ستكون في هذه الأمة فتن عظيمة، تدع الحليمَ حيرانَ، وبيّن أنّ القاعد في هذه الفتن خيرٌ من القائم فيها، وأنّ القائم فيها الذي لا يستشرفها خير من الماشي فيها وفي أسبابها، فربما وقع فيها، وأن الماشي خير ممن يسعى في هذه الفتنة، فَهُمْ درجات، وكل درجة شرّ من التي قبلها. «من تشرّف لها»، أي: تصدّى وتطلّع لها، ولم يُعرض عنها «تستشرفه»، أي: تهلكه.
     
    ثم أرشدَ - وهو المعلّم والموجّه لأمّته - صلى الله عليه وسلم -  - أن من وَجَدَ مكانًا فليلتجئْ إليه. وجَاء في رواية عند الإمام مسْلم: «فإذا نزلتْ أوْ وقعتْ، فَمَنْ كان له إبلٌ فليلحقْ بإبِلِه، ومَنْ كانتْ له غنمٌ فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه» فقال رجل: يا رسول الله: أرأيتَ من لم تكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال: «يعمد إلى سيفه فيدقّ على حدّه بحَجَرٍ ثم لينجُ إنْ استطاع النَّجاء، اللّهم هل بلّغت؟ قالها ثلاثًا فقال رجل: يا رسول الله: أرأيتَ إنْ أُكرهتُ حتى يُنطلق بي إلى أحدِ الصفّيْن، أو إحدى الفئتين، فضربني رجلٌ بسيفه، أو يجئ سَهْمٌ فيقتلني؟ قال: «يبوءُ بإثمه وإثمِك، ويكون من أصحاب  النار»[].
     
    وقد أخبر - صلى الله عليه وسلم  - وهو الصادق المصدوق - أن الفتن بعده كثيرة جدًا، فعن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: أَشرف النبي - صلى الله عليه وسلم -  على أُطُمٍ من آطام المدينة، فقال: «هل ترون ما أرى؟» قالوا: لا. قال: «فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كمواقع القطر»[].
     
    وأمر بالمبادرة بالأعمال قبل الفتن: «بادروا بالأعمال فتنًا كَقِطع اللّيل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع أحدهم دينه بعَرَضٍ من الدنيا»[].
     
    ولما وقعت الفتنة بين عليّ ومعاوية - رضي الله عنهما - اجتنبها بعض الصحابة كسعد بن أبي وقاص وابن عمر ومحمد بن مسلمة وأبي بَكْرة، وغيرهم رضي الله عنهم.
     
    ولما أخذ الناس في الطعنِ على عثمان بن عفان- رضي الله عنه - قام عامرُ ابن ربيعة رضي الله عنه يصلّي من الليل ثم دعا: «اللهم قني الفتنة بما وقيتَ به الصالحين من عبادك» فما خرج ولا أصبح إلا بجنازته[].
     
    «والفتنة إذا أقبلت شبّهت، وإذا أدبرت تبيّنت» كما قال أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -[].
     
    قال الشيخ ابن باز - رحمه الله تعالى -: «الأحاديث التي فيها التحذير من الفتن محمولة على الفتن التي لا يُعرف فيها المحقّ من المبْطِل.. وهي التي قصدها النبي - صلى الله عليه وسلم - .. أما الفتن التي يُعرف فيها المحقّ من المبطل، والظالم من المظلوم فليست داخلة في الأحاديث المذكورة، بل قد دلّت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على وجوب نصرة المحقّ، والمظلوم على الباغي والظالم»[].
     
    واعلم - وفقني الله وإياك - أنّ من الجهل وقلة العقل تمنّي لقاء العدو، قال - صلى الله عليه وسلم - : «لا تَتَمَنَّوْا لقاء العدو، وسَلُوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا»[]، ولا ينافي هذا حبّ الجهاد في سبيل الله، وتمني الموت من أجله، فهذا أمر، وذاك أمر.
     
    ومما ينبغي على المسلم فعله زمن الفتنة أمور، منها:
    1- الدعاء بأن يقيه الله شرّ هذه الفتنة، وغيرها من الفتن.
    2- سؤال أهل العلم الراسخين: ﴿ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ [النساء: 83].
    3- الاجتهاد في العبادة.
    4- كفّ اللسان، واليد وسائر الجوارح.
    5- لزوم البيوت.
    6- الابتعاد عن مكان الفتنة إلى ملجأ آمن.
    7- الصبر.
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- إرشاده - صلى الله عليه وسلم -  أمته إلى ما يجب فعله حال الرخاء، وحال الشدة.
    2- تفاوت درجات المشاركين في الفتنة.
    3- النهي عن التطلّع للفتن ومواجهتها.
    4- الفرار من مواطن الفتن.
     
    فائدة:
    للشيخ عبد العزيز السدحان رسالة مهمّة في هذا الباب، بعنوان: معالم في أوقات الفتن والنوازل قدّم لها معالي الشيخ صالح الفوزان.
     



    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 20:24

    الحديث الخامس والأربعون

    عن أبي هريرة- رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  قال: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلاّ عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أحَدٌ للهِ إلّا رَفَعَهُ اللهُ» أخرجه مسلم[].


    الشرح:
    يرشد - صلى الله عليه وسلم -  إلى ثلاث خصال حميدة: الصدقة، العفو، التواضع. «فالصدقة لا تُنقص المال؛ لأنه لو فُرض أنه نقص من جهة، فقد زاد من جهات أُخر، فإنّ الصدقة تبارك المال، وتدفع عنه الآفات وتنميه، وتفتح للمتصدق من أبواب الرزق وأسباب الزيادة أمورًا ما تُفتح على غيره، فهل يقابل ذلك النقص بعض هذه الثمرات الجليلة؟ فالصدقة لله التي في محلها لا تنفد المال قطعًا، ولا تنقصه بنص النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وبالمشاهدات والتجربات المعلومة، هذا كله سوى ما لصاحبها عند الله من الثواب الجزيل، والخير والرفعة»[].
     
    وقد أخبرنا الحق تبارك وتعالى عن ذلك بقوله: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ [سبأ:٣٩].
     
    «وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا»: والعفو عن أخطاء الآخرين وتجاوزاتهم من الخصال الحميدة، التي مدحها الله جلّ وعلا: ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران: ١٣٤]، ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:٤٠]، وقد يوسوس الشيطان - من الجنّ والإنس - أنّ العفو يعني العجز والضعف، والذلّ عند الآخرين، فأخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -  أنّ ذلك لا يزيده إلا عزًا في الدنيا والآخرة. وقد ضرب - صلى الله عليه وسلم -  أعلى الأمثلة في العفو، عند دخوله مكة عام الفتح، فعفى عن أهلها، وهم الذين ساموه وأصحابه صنوفًا من العذاب لأكثر من عشر سنوات. وقد سار سلف الأمة وصالحوها على ذلك، فهذا الإمام أحمد رحمه الله تعالى جعل كل من آذاه في حلّ إلا أهل البدعة، وكان يتلو في ذلك: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا [النور:٢٢]. ويقول: ماذا ينفعك أن يُعذّب أخوك المسلم بسببك[]؟
     
    وقال أبو بكر المرُّوذي: «بتّ مع أبي عبد الله - يعني: أحمد بن حنبل - ليلة، فلم أره ينام إلا يبكي إلى أن أصبح، فقلت: يا أبا عبد الله كثر بكاؤك فما السبب؟ فقال: يا أبا بكر، ذكرتُ ضرب المعتصم إياي، وقد مرّ بي في الدرس: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:٤٠]، فسجدتُ وأحللته في السجود»[].
     
    وأوذي الإمام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - وسُجن مرارًا، واستفتاه السلطان في قتل من آذاه ووشى به، فلم يقبل رحمه الله أن ينتصر لنفسه وقال: «من آذاني فهو في حلّ، ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه، وأنا لا أنتصر لنفسي»[].
     
    وما زاد الله هذين الإمامين إلا عزًّا في الدنيا، وما زالت الرحمات تتوالى عليهما منذ مئات السنين، وكتب الله لما خلّفاه من العلم القبول والانتشار، وما عند الله خير وأبقى.
     
    لكن بقي هنا مسألة، وهي: هل العفو مطلوب عن كل إنسان؟
     
    يقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -: «إذا أساء إليك شخص معروف بالإساءة والتمرد والطغيان على عباد الله، فالأفضل أن لا تعفو عنه، وأن تأخذ بحقك، لأنك إذا عفوتَ ازداد شره، أما إذا كان الإنسان الذي أخطأ عليك قليل الخطأ، قليل العدوان، لكن أمر حصل على سبيل الندرة، فهنا الأفضل أن تعفو، ومن ذلك حوادث السيارات اليوم التي كثرت، فإن بعض الناس يتسرع ويعفو عن الجاني الذي حصل منه الحادث، وهذا ليس بالأحسن، الأحسن أن تتأمل وتنظر، هل هذا السائق متهور ومستهتر، لا يبالي بعباد الله، ولا يبالي بالأنظمة؟ فهذا لا ترحمه، خذ بحقك منه كاملًا، أما إذا كان إنسانًا معروفًا بالتأني، وخشية الله، والبعد عن أذيّة الخلق، والتزام النظام... فالعفو هنا أفضل...» [].
     
    وثالثة الخصال: «وما تواضع أحدٌ لله إلّا رفعه الله» والتواضع هو التذلل والانكسار، عكس التكبّر، وهو «الانقياد الكامل للحق، والخضوع لأمر الله ورسوله، امتثالًا للأمر، واجتنابًا للنهي، مع التواضع لعبادِ الله، وخفضِ الجناح لهم، ومراعاة الصغير والكبير، والشريف والوضيع..»[]. «وكلاهما سبب للرفعة، سواء تواضعتَ لله بامتثال أمره واجتناب نهيه، وذلَلْتَ له وعبدته، أو تواضعتَ لعباد الله من أجل الله لا خوفًا منهم، ولا مداراة لهم، ولا طلبًا لمال أو غيره، إنما تتواضع من أجل الله عزّ جلّ، فإن الله تعالى يرفعك في الدنيا وفي الآخرة»[].
     
    وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  سيّد المتواضعين، فإذا كان في بيته كان في مهنة أهله - يعني: خدمتهم - فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة[]، وفي رواية: «كان بَشَرًا مِنَ البَشَر، يَفْلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه»[]. «وكان يَخْصِفُ نعله، ويرقع ثوبه». قال ابن عثيمين - رحمه الله تعالى ـ: «...الإنسان إذا كان في بيته فمن السُّنة أن يصنع الشاي مثلًا لنفسه، ويطبخ إذا كان يعرف، ويغسل ما يحتاج إلى غسله، كل هذا من السنة، أنت إذا فعلت ذلك تثاب عليه ثواب سُنّة، إقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -  وتواضعًا لله عزّ وجلّ؛ ولأن هذا يوجد المحبة بينك وبين أهلك...» [].
     
    وانظر إلى صورٍ من تواضع السلف رحمهم الله تعالى:
    1- قال مجاهد - رحمه الله تعالى -: «صحبتُ ابن عمر وأنا أريد أن أخْدِمَه، فكان هو الذي يخدمني»[].
     
    2-وهذا الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - وقد قيل له: ما أكثر الداعين لك، فتغَرْغَرتْ عيناه، وقال: أخاف أن يكون هذا استدراجًا. وقال: قال محمد بن واسع: لو أنّ للذنوب ريحًا ما جلس إليّ منكم أحد[].
     
    3- والإمام سفيان الثوري - رحمه الله تعالى - وقد اجتمع الناس عليه - يقول: لقد خِفْتُ أنّ الأمة قد ضاعتْ إذا احتاج الناس إليّ[].
     
    4- ولما كان الشيخ العلامة عبد الله أبا بطين- رضي الله عنه - 1282 - رحمه الله تعالى - في شقراء وَفَدَ إليه محمد بن عمر بن سَليم ومحمد بن عبد الله بن سَليم لتلقّي العلم عنه، فلما حلّ شهر رمضان كان يحمل لهما السحور بنفسه، فقالا له: إذا أردت أن تعطينا شيئًا فأخبرنا، نأتي، ولا تكلف نفسك، فردّ: يا أبنائي لا تحْرِماني الأجر[].
     
    5- وسئل الشيخ العلامة سعد بن حمد بن عتيق- رضي الله عنه - 1349رحمه الله تعالى عن مسألة فقال - قبل جوابه السائل ـ: «وإني لمعترف - والصدق منجاة - بأن طلب الإفادة ممن هو مثلي من عجائب الدهر..»[] وقال مرة: «فسؤال مثلي يدلّ على انقراض العلم وانتقال أهله، لما اتصفنا به من قلّة العلم وقصور الفهم..»[]، وقال في جواب آخر: «ولا شك أن مسيس الحاجة إلى مثلي في كشف المشكلات يدل على انقراض العلم، وتقوّض خيامه، لعدم الأهلية في ذلك..»[].
     
    يقول هذا الكلام رحمه الله تعالى مع أنه من أعلم أهل زمانه، إن لم يكن أعلمهم. لكنه تواضع العلماء.
     
    تنبيه:
    يزيد بعضهم في أول جملة من الحديث: «ما نقصت صدقة من مال» قول: «بل تزده، بل تزده» وهذه الزيادة لا صِحّة لها[].
     
    «وهذه الثلاث المذكورات في هذا الحديث مقدماتُ صفات المحسنين، فهذا محسن في ماله، ودَفَع حاجة المحتاجين، وهذا محسن بالعفو عن جنايات المسيئين، وهذا محسن إليهم. بحلمه وتواضعه، وحسن خلقه مع الناس أجمعين، وهؤلاء قد وسعوا الناس بأخلاقهم وإحسانهم، ورفعهم الله فصار لهم المحل الأشرف بين العباد، مع ما يدّخر الله لهم من الثواب»[].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- الحثّ على الصدقة، وأن الله يبارك للمتصدق.
    2- الترغيب في العفو، وأنه يزيد صاحبه عزًّا ومكانة.
     
    التواضع من الخصال التي يحبها الله، إذا فعلها العبد لله، فيرفعه بها في الدنيا والآخرة.




     
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23938
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة - صفحة 2 Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 20:28

    الحديث السادس والأربعون

    عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفَكُمْ فِيها، فَيَنْظَرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيا، واتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإنَّ أَوَّلَ فِتْنَةَ بَنِي إسْرَائيلَ كَانَتْ في النِّسَاءِ» أخرجه مسلم[].


    راوي الحديث:
    سبقتْ ترجمته - رضي الله عنه - في الحديث الثالث والعشرين.
     
    معاني الكلمات:
    1- حلوة خضرة: حَسَنة نضرة كالفاكهة الخضراء الحلوة.
    2- مستخلفكم: جعلكم خلائف فيها، يخلف بعضكم بعضًا.
    3- اتّقوا: احذروا.
     
    الشرح:
    يخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث أن: «الدنيا حلوة خضرة» والنفس بطبعها تميل إلى ما كان كذلك، وإنما ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذلك حتى ينبّه إلى الأمر المهم في الحديث - بعد أنّ بيّن أنّنا مستخلفون فيها، فكيف يكون عملنا - «فاتقوا الدنيا»، أي: بالحذر من الاغترار بها: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [الحديد:20] والركون إليها وهي دار ممّر، وليست دار مستقر، «كُنْ في الدُّنيا كأنَّك غريبٌ أو عابرُ سبيل»[]، ويا حسْرَةَ من شغلته الحياة الفانية عن الحياة الباقية الآخرة.
     
    قال عون بن عبد الله (ت بضع عشرة ومئة) رحمه الله تعالى: «إنّ مَنْ كان قَبْلَنا كانوا يجعلون للدنيا ما فضل عن آخرتهم، وإنكم تجعلون لآخرتكم ما فضل عن دنياكم»[3].
     
    فإذا كان هذا في القرن الثاني، فكيف الحال الآن في القرن الخامس عشر؟!
     
    قال الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى -: «طَلَبُ فُضُول الدّنيا عقوبة عاقب الله بها أهل التوحيد»[]، وقال تلميذه الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى -: «عزيزٌ عليّ أن تُذيب الدنيا أكباد رجال وَعَتْ صُدُورُهم القرآن»].
     
    وما أشبه كلام الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - بحال بعض الشباب والرجال ممن وعتْ صدورهم القرآن، وأقبلوا على طلب العلم، ثم انصرفوا عنه! طلبًا لزخرف الحياة الدنيا، وتغيّر - تبعًا لذلك - ظاهرهم، وما خَفِي كان أعظم!
     
    قال الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله تعالى - معلّقًا على حديث: «يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل، فترك قيام الليل»[] قال: «...ومن ذلك وهو أعظمُ منه أن يبدأ الإنسان بطلب العلم الشرعي، ثم إذا فتح الله عليه...تركَه، فإنّ هذا كُفْر نعمة أنعمها الله عليه...»].
     
    جاء في ترجمة: محمد بن عبد الرحمن الأسنائي (ت739): «وكان ذكيًّا جدًّا حتى كان شيخه يقول له: إن اشتغلت (يعني بطلب العلم) ما يقال لك إلا الإمام.. ثم ترك الاشتغال وأقبل على تحصيل المال، ففاته هذا ولم يظفر بذاك»[]!!.
     
    وهذا خَلَفُ الواسطي (ت401) كان عالمًا بالحديث، وصنّف أطرافًا على الصحيحين في ثلاثة مجلدات، قال ابن كثير: «واشتغل بالتجارة، وتركَ النّظر في العلم، حتى توفي سامحه الله»! نسأل الله أن لا يجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا. آمين. ولا يعني ذلك أن لا يلتفت الإنسان إلى الدنيا ولا يسعى لكسب الرزق، لا، بل هو مأمور بذلك، وبطَلَبِه من حِلّه؛ ليقوت نفسه، ومن يعول، قال تعالى:﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77]، فالأصل هو طلب الدار الآخرة مع عدم نسيان الدنيا.
     
    «واتقوا النساء»، أي: احذروهنّ.
     
    قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى -: «وتدخل في النساء الزوجات وغيرهنّ، وأكثرهنّ فتنة الزوجات، ودوام فتنتهنّ وابتلاء أكثر الناس بهنّ»، وليس هذا دائمًا فكمْ من الزوجات من كانت سببًا في صلاح زوجها واستقامته، أو إعانته على الدعوة، وطلب العلم، وإنّما المراد فتنة النساء عمومًا، وهو ما يسعى له أعداء الإسلام وأذنابهم من دعاة التبرِّجِ والسُّفور؛ ليجعلوا المرأة تخالط الرجل بتوظيفها معه في مكان واحد، و«يحدثُ بتوظيفهن مع الرجال مَفْسَدُة الاختلاط، ومَفْسدة الزنا والفاحشة، سواء في زنى العين، أو زنى اللسان، أو زنى اليد، أو زنى الفرج، كل ذلك محتمل إذا كانت المرأة مع الرجل في الوظيفة».
     
    يقول موحّد هذه البلاد المباركة على الكتاب والسنة الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى: «...وأقبح من ذلك في الأخلاق: ما حصل من الفساد في أمر اختلاط النساء، بدعوى تهذيبهنّ، وترقيتهنّ، وفتح المجال لهنّ في أعمال لم يخلقن لها، حتى نبذوا وظائفهن الأساسية من تدبير المنزل، وتربية الطفل...».
     
    ولذا صدر الأمر بمنع النساء من العمل في الوظائف التي تؤدي إلى اختلاطهن بالرجال في 22/12/1399هـ، برقم 1960/8. ثم صدر التأكيد على ذلك، برقم 11575 وتاريخ 19/5/1401هـ. نسأل الله أن يجنّب بلادنا وبلاد المسلمين الشرور والفتن. آمين.
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- حرصه - صلى الله عليه وسلم - على توجيه أمته إلى ما ينفعهم، وتحذيره ممّا يضرّهم.
    2- الحذر من الاغترار بالدنيا وزينتها.
    3- الحذر من فتنة النساء.
    4- الاعتبار بالأمم السابقة.


      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين 20 مايو 2024 - 5:20