حكايات دمشقية 7
جبل قاسيون...تاريخ وحكايات
أحمد بوبس
قاسيون..ذلك الجبل الذي يطل على دمشق بحنو. وتغفو المدينة على سفحه، كما تغفو الحبيبة على صدر حبيبها. جبل قاسيون هذا كان مهد الإنسان الأول. فعليه هبط أبو البشر آدم من السماء. وفي إحدى مغاراته شهدت الإنسانية أول حادثة قتل. ومنه انطلق أبناء آدم يملؤون الدنيا. وفوق ذلك كلها فإن الدمشقيين يتخذون من سفوحه متنزهات يهربون إليها من حر الصيف.
وجبل قاسيون يقع في شمال مدينة دمشق، ويطل عليها باتجاه الجنوب. ويبلغ ارتفاعه قمته عن سطح البحر /1153/ متراً. وسمي قاسيون بهذه التسمية لطبيعته القاسية. فهو في معظمه جبل صخري. وكلمة قاسيون جاءت من القساوة. ويقول ابن طولون في كتابه (القلائد الجوهرية) أن جبل قاسيون كان غنياً بأشجار النخيل والأرز، إذ كان عليه اثنا عشر ألف نخلة، قطعها تيمورلنك عندما حاصر دمشق عام /1400/م.
ونظراً لما اشتهر به الجبل من خضرة وماء اختاره عدد من الملوك والأمراء مصيفاً لهم. وسكنه الخلفاء الأمويون. وقام الخليفة يزيد بن معاوية بشق فرع يزيد من نهر بردى ليروي أراضي سفوح قاسيون.
ولجبل قاسيون أهمية دينية عند أهل دمشق، لما ضمه من أضرحة ومزارات ومغارات لها حكايات تاريخية ودينية. ونسجت حول هذه المزارات والمغارات الحكايات التي امتزج فيها الحقيقة بالخيال. فأصبحت أشبه بالأساطير.
ومن أهم معالم جبل قاسيون (مغارة الدم) التي عرفت أول حادثة قتل في تاريخ البشرية، عندما قتل قابيل أخاه هابيل. وحتى يصل المرء إلى المغارة عليه أن يصعد /750/ درجة. وتقول الروايات أن قابيل وهابيل كانا في المغارة. وفي جوفها قتل قابيل أخاه. وتدل أجواء المغارة على معالم القصة. فإلى يمين باب المغارة يمثل الصخر فماً مفتوحاً صارخاً بوضوح. ويقال إن الجبل فتح فمه ساعة وقوع حادثة القتل من هولها. وفي زاوية أخرى من المغارة يرشح الماء باستمرار قطرات تسقط الواحدة تلو الأخرى منذ قديم الزمان وحتى اليوم. وتقول الروايات أن هذه القطرات هي دموع الجبل الذي بكى من هول الحادثة. وفي سقف المغارة نقش على الصخر للفظة الجلالة (الله) باللغة العربية. وإلى جانب اللفظة أخاديد تمثل آثار يد ضاغطة على الصخر، وتقول الروايات إنها اصابع الملك جبريل عليه السلام حين أمسك سقف المغارة حتى لا يقع على قابيل ويقتله انتقاماً منه لهذه الجريمة. وفي المغارة حجر أحمر اللون، يقال إنه الحجر الذي ضرب به قابيل رأس هابيل فاصطبغ باللون الأحمر الذي يبس على الحجر، وتلون الحجر بلون الدم.
وعلى مقربة من مغارة الدم يوجد (كهف جبريل). ويتعقد بأنه الكهف الذي ورد ذكره في سورة الكهف بالقرآن الكريم، وآوى إليه الفتية الذين روت السورة حكايتهم. وما يروى أيضاً عن هذا الكهف أن أبا البشرية آدم كان يسكن فيه. وكانت الملائكة تأتيه لتعزيته بابنه هابيل. وعند مدخل الكهف صخرة يقال إنها مستحاثة للكلب المذكور في سورة الكهف ضمن قصة أهل الكهف (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد).
ومن المعالم الهامة في جبل قاسيون (مغارة الجوع) التي يقال أن أربعين نبياً ماتوا فيها. ويروي أحمد بن حنبل أن الرسول صلى الله عليه وسلم سماهم الأبدال، وقال فيهم (الأبدال في الشام وهم أربعون رجلاً، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً، يسقى بهم الغيث، ويصرف بهم عن أهل الشام العذاب). وما يروى عن مغارة الجوع أنه لجأ إليها أربعون نبياً خوفاً من الكفار، ولم يكن معهم إلا رغيف واحد. فلم يزل كل واحد منهم يؤثر صاحبه على نفسه في الرغيف حتى ماتوا جميعاً من الجوع.
وعلى السفح الشرقي لقاسيون يربض مقام النبي ابراهيم الخليل الذي ولد في مغارة في المقام. وبني حول المقام مسجد حمل اسم (ابراهيم الخليل)، وهو قائم حتى الآن في منطقة برزة. وكان الناس من أنحاء دمشق وريفها يذهبون إليه للإيفاء بالنذور والاشتراك بالمهرجان الذي كان يقام كل يوم جمعة باسم (جمعة برزة) أو(النوبة)، حيث تقام الاحتفالات وعروض الشيش واستعراضات الخيل.
وعلى الطرف الغربي لقاسيون مرصد فلكي لرصد الكواكب والنجوم، أمر ببنائه الخليفة المأمون. وفي رواية أخرى أن باني المرصد هو الأمير سيار الشجاعي، ومن هنا جاء اسم المرصد بقبة السيار كما هو معروف حالياً. وكان في الجبل قبة ثانية حملت اسم (قبة النصر). وشيدت تذكاراً لانتصار نائب السلطنة الأمير المملوكي برقوق الثائر على سلطة الدولة العباسية. وتهدمت القبة بفعل زلزال أصاب دمشق عام 1759م. وزالت عن الوجود.
وتنتثر في أماكن مختلفة من الجبل أبنية مقدسة، منها (دير مران) وقبر النبي ذي الكفل ومقام النبي يونس وضريح الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، و(دير الرهبان) الذي زال عن الوجود، إضافة إلى العديد من المزارات والأضرحة.
ويروى عن جبل قلسيون نصاً شعرياً مجهول ناظمه، يذكر معظم هذه المعالم الدينية في قاسيون، يقول النص:
يا صاح كم في قاسيون وسفحه
من مشهد يستوجب التعظيما
والنيرب المشهور يعرف فضله
من زاره أو ذاق فيه نعيما
ومغارة الدم فضلها متواتر
مازلت أسمعه هديت عظيما
ولكهف جبريل الأمين فضيلة
مذكورة وقعت إليّ قديما
ومقام برزة ليس ينكر فضله
أعني مقام أبيك ابراهيما
وبه قبور الأنبياء فمن أتى
ليزورهم فقد ابتغى التكريما
جبل قاسيون...تاريخ وحكايات
أحمد بوبس
قاسيون..ذلك الجبل الذي يطل على دمشق بحنو. وتغفو المدينة على سفحه، كما تغفو الحبيبة على صدر حبيبها. جبل قاسيون هذا كان مهد الإنسان الأول. فعليه هبط أبو البشر آدم من السماء. وفي إحدى مغاراته شهدت الإنسانية أول حادثة قتل. ومنه انطلق أبناء آدم يملؤون الدنيا. وفوق ذلك كلها فإن الدمشقيين يتخذون من سفوحه متنزهات يهربون إليها من حر الصيف.
وجبل قاسيون يقع في شمال مدينة دمشق، ويطل عليها باتجاه الجنوب. ويبلغ ارتفاعه قمته عن سطح البحر /1153/ متراً. وسمي قاسيون بهذه التسمية لطبيعته القاسية. فهو في معظمه جبل صخري. وكلمة قاسيون جاءت من القساوة. ويقول ابن طولون في كتابه (القلائد الجوهرية) أن جبل قاسيون كان غنياً بأشجار النخيل والأرز، إذ كان عليه اثنا عشر ألف نخلة، قطعها تيمورلنك عندما حاصر دمشق عام /1400/م.
ونظراً لما اشتهر به الجبل من خضرة وماء اختاره عدد من الملوك والأمراء مصيفاً لهم. وسكنه الخلفاء الأمويون. وقام الخليفة يزيد بن معاوية بشق فرع يزيد من نهر بردى ليروي أراضي سفوح قاسيون.
ولجبل قاسيون أهمية دينية عند أهل دمشق، لما ضمه من أضرحة ومزارات ومغارات لها حكايات تاريخية ودينية. ونسجت حول هذه المزارات والمغارات الحكايات التي امتزج فيها الحقيقة بالخيال. فأصبحت أشبه بالأساطير.
ومن أهم معالم جبل قاسيون (مغارة الدم) التي عرفت أول حادثة قتل في تاريخ البشرية، عندما قتل قابيل أخاه هابيل. وحتى يصل المرء إلى المغارة عليه أن يصعد /750/ درجة. وتقول الروايات أن قابيل وهابيل كانا في المغارة. وفي جوفها قتل قابيل أخاه. وتدل أجواء المغارة على معالم القصة. فإلى يمين باب المغارة يمثل الصخر فماً مفتوحاً صارخاً بوضوح. ويقال إن الجبل فتح فمه ساعة وقوع حادثة القتل من هولها. وفي زاوية أخرى من المغارة يرشح الماء باستمرار قطرات تسقط الواحدة تلو الأخرى منذ قديم الزمان وحتى اليوم. وتقول الروايات أن هذه القطرات هي دموع الجبل الذي بكى من هول الحادثة. وفي سقف المغارة نقش على الصخر للفظة الجلالة (الله) باللغة العربية. وإلى جانب اللفظة أخاديد تمثل آثار يد ضاغطة على الصخر، وتقول الروايات إنها اصابع الملك جبريل عليه السلام حين أمسك سقف المغارة حتى لا يقع على قابيل ويقتله انتقاماً منه لهذه الجريمة. وفي المغارة حجر أحمر اللون، يقال إنه الحجر الذي ضرب به قابيل رأس هابيل فاصطبغ باللون الأحمر الذي يبس على الحجر، وتلون الحجر بلون الدم.
وعلى مقربة من مغارة الدم يوجد (كهف جبريل). ويتعقد بأنه الكهف الذي ورد ذكره في سورة الكهف بالقرآن الكريم، وآوى إليه الفتية الذين روت السورة حكايتهم. وما يروى أيضاً عن هذا الكهف أن أبا البشرية آدم كان يسكن فيه. وكانت الملائكة تأتيه لتعزيته بابنه هابيل. وعند مدخل الكهف صخرة يقال إنها مستحاثة للكلب المذكور في سورة الكهف ضمن قصة أهل الكهف (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد).
ومن المعالم الهامة في جبل قاسيون (مغارة الجوع) التي يقال أن أربعين نبياً ماتوا فيها. ويروي أحمد بن حنبل أن الرسول صلى الله عليه وسلم سماهم الأبدال، وقال فيهم (الأبدال في الشام وهم أربعون رجلاً، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً، يسقى بهم الغيث، ويصرف بهم عن أهل الشام العذاب). وما يروى عن مغارة الجوع أنه لجأ إليها أربعون نبياً خوفاً من الكفار، ولم يكن معهم إلا رغيف واحد. فلم يزل كل واحد منهم يؤثر صاحبه على نفسه في الرغيف حتى ماتوا جميعاً من الجوع.
وعلى السفح الشرقي لقاسيون يربض مقام النبي ابراهيم الخليل الذي ولد في مغارة في المقام. وبني حول المقام مسجد حمل اسم (ابراهيم الخليل)، وهو قائم حتى الآن في منطقة برزة. وكان الناس من أنحاء دمشق وريفها يذهبون إليه للإيفاء بالنذور والاشتراك بالمهرجان الذي كان يقام كل يوم جمعة باسم (جمعة برزة) أو(النوبة)، حيث تقام الاحتفالات وعروض الشيش واستعراضات الخيل.
وعلى الطرف الغربي لقاسيون مرصد فلكي لرصد الكواكب والنجوم، أمر ببنائه الخليفة المأمون. وفي رواية أخرى أن باني المرصد هو الأمير سيار الشجاعي، ومن هنا جاء اسم المرصد بقبة السيار كما هو معروف حالياً. وكان في الجبل قبة ثانية حملت اسم (قبة النصر). وشيدت تذكاراً لانتصار نائب السلطنة الأمير المملوكي برقوق الثائر على سلطة الدولة العباسية. وتهدمت القبة بفعل زلزال أصاب دمشق عام 1759م. وزالت عن الوجود.
وتنتثر في أماكن مختلفة من الجبل أبنية مقدسة، منها (دير مران) وقبر النبي ذي الكفل ومقام النبي يونس وضريح الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، و(دير الرهبان) الذي زال عن الوجود، إضافة إلى العديد من المزارات والأضرحة.
ويروى عن جبل قلسيون نصاً شعرياً مجهول ناظمه، يذكر معظم هذه المعالم الدينية في قاسيون، يقول النص:
يا صاح كم في قاسيون وسفحه
من مشهد يستوجب التعظيما
والنيرب المشهور يعرف فضله
من زاره أو ذاق فيه نعيما
ومغارة الدم فضلها متواتر
مازلت أسمعه هديت عظيما
ولكهف جبريل الأمين فضيلة
مذكورة وقعت إليّ قديما
ومقام برزة ليس ينكر فضله
أعني مقام أبيك ابراهيما
وبه قبور الأنبياء فمن أتى
ليزورهم فقد ابتغى التكريما