ورد الشام

ورد الشام
عزيزي الزائر
هنالك فرق في التصفح كـ زائر والتصفح كــ صديق مسجل مع أننا أتحنا كل أقسام ورد الشام لكي يستفاد بها الجميع الزائرين
كثيرة المنتديات التي يسجل بها البعض ولكن قد يهمل دخولهم وتسجيلهم
هنا في ورد الشام
جرب أن تهتم وسوف نهتم


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ورد الشام

ورد الشام
عزيزي الزائر
هنالك فرق في التصفح كـ زائر والتصفح كــ صديق مسجل مع أننا أتحنا كل أقسام ورد الشام لكي يستفاد بها الجميع الزائرين
كثيرة المنتديات التي يسجل بها البعض ولكن قد يهمل دخولهم وتسجيلهم
هنا في ورد الشام
جرب أن تهتم وسوف نهتم

ورد الشام

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أجتماعي ثقافي أدبي ترفيهي


3 مشترك

    (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ


    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    عدد الرسائل : 5243
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 15:33

    عدة الملك في سفره أو نزهته


    ومن حق الملك إذا خرج لسفرٍ أو نزهةٍ، أن لا يفارقه خلع للكساء، وأموال للصلات، وسياط للأدب، وقيود للعصاة، وسلاح للأعداء، وحماة يكونون من ورائه وبين يديه، ومؤنس يفضي إليه بسره، وعالم يسأله عن حوادث أمره، وسنة شريعته، وملهٍ يقصر ليله، ويكثر فوائده.

    وعلى هذا كانت ملوك الأعاجم، أولها وآخرها.

    وأيضاً، فإن ملوك العرب لم تزل تمتثل هذا وتفعله.

    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    عدد الرسائل : 5243
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 15:35

    خلال الندماء وملاعبة الملوك

    ولندماء الملك وبطانته خلال يساوون فيها الملك ضرورةً. ليس فيها نقص على الملك، ولا ضعة في الملك. منها: اللعب بالكرة، وطلب الصيد، والرمي في الأغراض، واللعب بالشطرنج، وما أشبه ذلك.

    ومن الحق على الملك أن لا يمنع ملاعبه ما يجب له من طلب النصفة في هذه الأقسام التي عددنا. ومن حق الملاعب له المشاحة والمطالبة والمساواة والممانعة، وترك الإغضاء والأخذ من الحق بأقصى حدوده؛ غير أن ذلك لا يكون معه بذاء ولا كلام رفثٍ ولا معارضة بما يزيل حق الملك، ولا صياح يعلو كلامه، ولا نخير ولا قذف ولا ماهو خارج عن ميزان العدل.

    وفيما يحكى عن سابور أنه لاعب ترباً كان له بالشطرنج إمرة مطاعة. فقمره تربه، فقال له سابور: ما إمرتك؟ فقال: أركبك حتى أخرج بك إلى باب العامة. فقال له سابور: بئس موضع الدالة وضعتك، فرد غير هذا.

    فقال: بهذا جرى لفظي. فأسف لذلك سابور، وقام فدعا ببرقع، فتبرقع، ثم جثا لتربه، فامتنع أن يعلو ظهر الملك إجلالاً له وإعظاماً. فنادى سابور بعد ذلك بسنةٍ في الرعية: لا يلعبن أحد لعبةً على حكمٍ غائبٍ، فمن فعل، فدمه هدر.

    فأما إذا كانت المشاحة على طلب الحق في هذه الأقسام التي ذكرنا بمعارضة شعر، وتوبيخٍ في مثلٍ ونادرٍ من الكلام، وإخبارٍ عن سوء لعب اللاعب، وتأنيبٍ له، فهذا مما يخاطب به الملك، ويعارض فيه. فأما إذا خرج عن هذا، فدخل في باب الجرأة كما فعل ترب سابور، فإنه خطأ من فاعله، وجهل من قائله، وجرأة على ملكه. وليس للرعية الجرأة على الراعي.

    ومن حق الرجل على الملك، إذا ضرب معه بالكرة، أن يتقدم بدابته على دابة

    الملك، وصولجانه على صولجان الملك، وأن يعمل جهده في أن لا يبخس حظه ولا يفتر في مسابقةٍ ولا مراكضةٍ ولا التفاف كرةٍ ولا سبقٍ إلى حدٍ ونهاية وما أشبه ذلك. وكذلك القول في الرماية في الأغراض، وطلب الصيد، ولعب الشطرنج.

    سمعت محمد بن الحسن مصعب يقول: كان لي صديق من بني مخزوم، وكان لاعباً بالشطرنج. فذكرته لأبي العباس، عبد الله بن طاهر، فقال: أحضره. فقلت للمخزومي: تهيأ للقاء أبي العباس وكان متصرفاً، كثير الأدب، فغدوت به، فدخل.

    فلما وقعت عين أبي العباس عليه، وقف؛ فرآه من بعيد، ثم انصرف من غير أن يكلمه؛ فقال: هذا رجل من أهل الأدب، فاغد به ولاعبه الشطرنج بحضرتي

    حتى أبوره؛ وعابثه حتى يخرج إلى باب الهزل والشتيمة.

    فلما قعدنا، دارت عليه ضربة، فقلت: خذها، وأنا الغلام البوشنجي! وهو ساكت.

    ثم دارت عليه ضربة، فقلت: خذها، وأنا مولى مخزوم، فسكت.

    ثم دارت عليه ضربة، فقلتك خذها يا ابن مخزوم، في خرم مخزوم!، فسكت.

    واستؤذن لرجلٍ من آل عبد الملك بن صالح، وكان خاصاً بأبي العباس، فأمر بالأذن له. فلما دخل الهاشمي وقعد، قال لي المخزومي: ليس فيك موضع شرف ولا عز، فأفاخرك: أنت بوشنجي ثمن دانق! ولكن قل لهذا الهاشمي يفاخرني حتى ينظر ما يكون حاله.

    فأما أنت، فمن أنت حتى أفاخرك؟ فضحك أبو العباس حتى فحص برجليه، وأمر له بخمسمائة دينار، وقربه وآنسه.

    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    عدد الرسائل : 5243
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 15:37

    آداب الندماء عند نعاس الملك

    ومن أخلاق الملك إذا غلبته عيناه، أن من ينهض حضره من صغيرٍ أو كبير، بحركةٍ لينةٍ خفيفة، حتى يتوارى عن قرار مجلسه، ويكون بحيث يقرب منه إذا انتبه. ولا يقولن إنسان في نفسه: لعل الملك، إن هب من سنته لا يسأل عني، أو لعله أن يمتد به النوم أو يعرض له شغل. فإن هذا من أكبر الخطأ.

    وقد قتل بعض الملوك رجلاً في هذه الصفة.

    وليس من الحزم أن يجعل الحكيم للملك على نفسه طريقاً، وهو إن سلم من عذل الملك ولائمته لكرم الملك وشيمته، قدح ذلك في نفس الملك، واضطغن عليه. وبالحرى أن لا يسلم من عذلٍ وتأنيب.

    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    عدد الرسائل : 5243
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 15:58

    إمامة الملك للصلاة

    ومن حق الملك، إذا حضرت الصلاة، فالملك أولى بالإمامة،

    لخصالٍ: منها أنه الأمام، والرعية مأمونة؛ ومنها أنه المولى وهم العبيد؛ ومنها أنه أولى بالصلاة في قرار داره وموطيء بساطة، ولو حضر مجلسه أزهد الخلق وأعلمهم.

    فإذا قام للصلاة، فمن حقه أن يكون بينه وبين من يصلي خلفه عشرة أذرع، وأن لا يتقدمه أحد بتكبير ولا بركوعٍ ولا سجودٍ ولا قيامٍ.

    وهذا، وإن كان يجب لكل من أم قوماً من صغير أو كبير أو شريف أو وضيع، فهو للملك أوجب. فإذا سلم الملك، فمن حقه أن يقوم كل من صلى خلفه قائماً، فإنهم لا يدرون أيريد تنفلاً أو دخولاً أو قعوداً في مجلسه.

    فإن قام لنافلةٍ، فليس من حقه أن يتنفلوا، لأنهم لا يدرون لعله أن يسبقهم أو يقطع صلاته لحدثٍ، فيكون يحتاج إلى أن يسبقهم، وهو قيام يصلون بإزائه، وهو قاعد.

    ولكن من حقه أن يكونوا بحالهم حتى يعلموا ما الذي يفعل.

    فإن قعد، انحرفوا إلى حيث لا يراهم، فصلوا نوافلهم،

    وإن دخل في الصلاة، صلوا على مكاناتهم.

    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    عدد الرسائل : 5243
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 15:59

    آداب مسايرة الملك

    وقد قلنا إن من حق الملك أن لا يبتدئه أحد بمسايرة. وإن طلب ذلك منه من يستحق المسايرة، فالذي يجزئه من ذلك أن يقف بحيث يراه ويتصدى له. فإن أومأ إليه، سايره، وغن أمسك عن الإيماء، علم أن إمساكه هو ترك الإذن له في مسايرته.

    ومن حقه، إذا سايره، أن لايمس ثوبه ثوب الملك، ولايدني دابته من دابته، ويتوخى أن يكون رأس دابته بإزاء سرج الملك، غير أنه لا يكلفه أن يلتفت إليه. ولا ينبغي له أن يبتدئه بكلام.

    وإن كان لا يثق بلين عنان دابته حتى يصرفه كيف شاء ومتى شاء، فالرأي لا أن لا يسايره. فإن في مسايرته وصمةً عليه وعلى الملك. أما عليه، فإنه يحتاج إلى حركة متواترة يتعب بها نفسه ودابته، ويخرج بها عن حد أهل الأدب والمروءة والشرف، ولعله في خلال ذلك أيضاً أن لا يبلغ ما يريد.

    وأما على الملك، فإنه وهن في المملكة، لأن الملك، إن طلب الصبر عليه وعلى سير دابته، كان إنما يسير عند ذلك بسيره، وليس في آيين المملكة أن يسير الأعظم بسير من هو دونه.

    ولذلك كانت رؤساء الأكاسرة والأساورة والدبيربذ وموبذان موبذ ومن أشبه هؤلاء من خاصة الملك، إذا هم الملك بالمسير في نزهة أو لبعض أموره، وعرضوا دوابهم على راضة الملك وصاحب دوابه. وكان كل واحدٍ منهم لا يأمن أن يدعو به الملك للمسايرة والمحادثة، فيحتاج إلى معاناة دابته لبلادةٍ أو كثرة نفورٍ أو عثارٍ أو جماحٍ، فيكون على الملك من ذلك بعض ما يكره. وكان الرائض يمتحن دابةً دابةً من دواب هؤلاء العظماء. فما اختار منها ركب، وما نفى أرجيء.

    وأيضاً إن من حق الملك، إذا سايره واحد، أن لا تروث دابته ولا تبول ولا تتحصن ولا تتشغب، ولا يطلب المحاذاة لسير دابة الملك، وإن أراد ذلك منعه راكبه.

    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    عدد الرسائل : 5243
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 16:01

    مسايرة الموبذ لقباذ


    وفيما يحكى عن ملوك الأعاجم أن قباذ، بينا هو يسير والموبذ يسايره، إذ راثت دابة الموبذ، وفطن لذلك قباذ. فاغتم الموبذ بذلك،

    فقال له في كلام بينهما: ما أول ما يستدل به على سخف الرجل، أيها الموبذ؟

    فقال: أن يعلف دابته في الليلة التي يركب في صبيحتها الملك.

    فضحك قباذ حتى افتر عن نواجذه، وقال: لله أنت! ما أحسن ما ضمنت كلامك بفعل دابتك! وبحق ما قدمك الملوك، وجعلوا أزمة أحكامهم في يدك!.

    ووقف، ثم دعا بدابة من خاص مراكبه، فقال له: تحول عن ظهر هذا الجاني عليك إلى ظهر هذا الطائع لك.

    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    عدد الرسائل : 5243
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 16:03

    مسايرة شرحبيل لمعاوية

    وهكذا يحكى عن معاوية بن أبي سفيان، بينا هو يسير وشرحبيل ابن السمط يسايره، إذ راثت دابة شرحبيل؛ فقال معاوية: يا أبا يزيد! إنه يقال إن الهامة إذا عظمت، دلت على وفور الدماغ، وصحة العقل. قال: نعم، يا أمير المؤمنين، إلا هامتي فإنها عظيمة، وعقلي ضعيف ناقص.

    فتبسم معاوية، وقال: كيف ذلك، ولله أنت!

    قال: لإطعامي هذا النائل أمه البارحة مكوكي شعير. فضحك معاوية،

    وقال: كيف ذلك، ولله أنت! قال: لإطعامي هذا النائل أمه البارحة مكوكي شعيرٍ.

    فضحك معاوية، وقال: أفحشت، وما كنت فاحشاً! وحمله على دابة من مراكبه.

    فليتنكب من يساير الملوك ما يقذي أعينهم بكل جهده. فإن لمسايرتهم شروطاً يجب على من طلبها أن يستعملها ويتحفظ فيها. وقلما حظي أحد بمسايرة ملك حتى يكون قلبها مقدمات يجب بها الخطوة.

    فأما نفس المسايرة للملك المتصلة، فإن الأعاجم كلها كانت تتطير منها وتكرها.

    وأيضاً فإن الملك لم يكن يثابر على مسايرة أحد من بطانته بعينه، لما كان يعلم من طيرتهم من ذلك، وكراهتم له.




    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    عدد الرسائل : 5243
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 16:05

    صاحب الشرطة والهادي

    ويقال إن سعيد بن سلم بينا هو يساير موسى أمير المؤمنين، وعبد الله بن مالك الخزاعي أمامه، والحربة في يده، فكانت الريح تسفي التراب الذي تثيره دابة عبد الله في وجه موسى، وعبد الله لا يشعر بذلك، وموسى يحيد عن سنن التراب، وعبد الله في خلال ذلك يلحظ موسى وموضعه، فيطلب أن يحاذيه؛ فإذا حاذاه، ناله من ذلك التراب ما يؤذيه. حتى إذا كثر ذلك من عبد الله، ونال موسى أذى ذلك التراب، قال لسعيدٍ: أما ترى ما نلقى من هذا الخائن في مسيرنا هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين! والله ما قصر في الاجتهاد، ولكنه حرم حظ التوفيق.

    ما قاله عبد الله بن الحسن للسفاح: وفيما يذكر عن عبد الله بن حسن أنه بينا هو يساير أبا العباس السفاح، بظاهر مدينة الأنبار، وهو ينظر إلى بناء قد بناه، فقال أبو العباس له: هات ما عندك، يا أبا محمد!، وهو يستطعمه الحديث بالأنس منه، فأنشده:

    ألم تر مالكاً لما تبنى ... بناءً نفعه لبني بقيله؟

    يرجي أن يعمر عمر نوحٍ ... وأمر الله يحدث كل ليله!

    فتبسم أبو العباس كالمغضب، وقال: لو علمنا، لاشترطنا حق المسايرة!

    فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين، بوادر الخواطر وإغفال المشايخ!

    قال: صدقت، خذ في غير هذا

    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    عدد الرسائل : 5243
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 16:06

    ما قاله الهاشمي للخراساني

    وذكر المدايني أن عيسى بن موسى، بينا هو يساير أبا مسلمٍ عند منصرفه إلى أبي جعفر في اليوم الذي قتل فيه، إذ أنشد عيسى:

    سيأتيك ما أفنى القرون الأولى ... وما حل في أكناف عادٍ وجرهم

    ومن كان أنأى منك عزاً ومفخراً ... وأنهد بالجيش اللهام العرمرم

    فقال أبو مسلم: هذا مع الأمان الذي أعطيت؟

    قال عيسى: أبداه لساني

    قال: فبئس الخاطر، والله إذن!
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 16:08

    عدم تسمية أو تكنية الملك

    ومن حق الملك أن لا يسمى ولا يكنى في جدٍ أو هزل، ولا أنسٍ ولا غيره. ولولا أن القدماء من الشعراء كنت الملوك وسمتهم في أشعارها، وأجازت ذلك واصطلحت عليه، ما كان جزاء من كنى ملكاً أو خليفةً إلا العقوبة. على أن ملوك آل ساسان لم يكنها أحد من رعاياها قط، ولا سماها في شعرٍ ولا خطبةٍ ولا تفريطٍ ولا غيره؛ وإنما حدث هذا في ملوك الحيرة.

    والدليل على ذلك أنه لو سمى أحد من الخطباء والشعراء في كلامه المنثور ملكاً أو خليفةً، وهو يخاطبه باسمه، كان جاهلاً ضعيفاً خارجاً من باب الأدب. ولولا أن الاصطلاح منعنا إيجاب المنع من ذلك، كان أول ما يجب.

    ولا أدري لم فعل القدماء ذلك، كما أني لا أدري لم أجازته ملوكها، ورضيت به، إذ كانت صفة الملوك ترتفع عن كل شيء، وترقى عنه.

    وكانت الجفاة من العرب بسوء أدبها وغلظ تركيبها، إذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، خاطبوه ودعوه باسمه وكنيته.

    فأما أصحابه، فكانت مخاطبتهم إياه: يا رسول الله! ويا نبي الله!

    وهكذا يجب للملوك أن يقال في مخاطبتهم: يا خليفة الله! ويا أمين الله! ويا أمير المؤمنين!
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 16:09

    عند تشابه الأسماء

    ومن حق الملك، إذا دخل عليه رجل، وكان اسم ذلك الرجل الداخل أحد صفات الملك، فسأله الملك عن اسمه، أن يكني عنه، ويجيب باسم أبيه؛ كما فعل سعيد بن مرة الكندي، حين أتى معاوية،

    فقال له: أنت سعيد؟

    فقال: أمير المؤمنين السعيد، وأنا ابن مرة!

    وكما قال السيد بن أنس الأزدي، وقد سأله المأمون عن اسمه،

    فقال: أنت السيد؟

    قال: أمير المؤمنين السيد، وأنا ابن أنس!.

    وهكذا جاءنا الخبر عن العباس بن عبد المطلب، عم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وصنو أبيه.

    قيل له: أنت أكبر أم رسول الله؟

    فقال: هو أكبر مني، وولدت أنا قبله.

    ألا تراه، رحمه الله، كيف تخلص إلى أحسن الأحوال في الأدب، فاستعمله؟

    وعلى هذا المثال يجب أن تكون مخاطبة الملوك، إذ كانت صيغتهم غير صيغ العامة، كما قال أردشير بن بابك في عهده إلى الملوك.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 16:11

    ما يتفرد به الملك

    في عاصمتهومن حق الملك أن يتفرد في قرار داره بثلاثة أشياء، فلا يطمع طامع في أن يشركه فيها:

    فمنها الحجامة، والفصد، وشرب الدواء، فليس لأحدٍ من الخاصة والعامة ممن في قصية دار المملكة أن يشركه في ذلك.

    وكانت ملوك الأعاجم تمنع من هذا وتعاقب عليه، وتقول: إذا أراق الملك دمه، فليس لأحد أن يريق دمه في ذلك اليوم حتى يساوي الملك في فعله، بل على الخاصة والعامة الفحص عن أمر الملك، والتشاغل بطلب سلامته، وظهور عافيته، وكيف وجد عاقبة ما يصالح به.

    وليس الاقتضاء بفعل الملك في هذا وما أشبهه من فعل من تمت طاعته وصحت نيته وحسنت معونته، لن في ذلك استهانةً بأمر الملك والمملكة.

    ومن قصد إلى أن يشرك الملك في شيء، يجد عنه مندوحةً ومنه بداً، بالمهل المبسوطة والأيام الممدودة، فهو عاصٍ مفارق للشريعة.

    ويقال إن كسرى أنوشروان كان أكثر ما يحتجم في يوم السبت، وكان المنادى، إذا اصبح في كل يوم سبت، نادى: يا أهل الطاعة! ليكن منكم ترك الحجامة في هذا اليوم على ذكر! ويا حجامون، اجعلوا هذا اليوم لنسائكم وغسل ثيابكم!.

    وهكذا كان يفعل في يوم فصد العرق وأخذ الدواء.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 16:12

    دعاء الملك وتعزيته

    ومن حق الملك، إذا عطس، أن لا يشمت، وإذا دعا، لم يؤمن على دعائه. وكانت ملوك الأعاجم تقول: حقيق على الملك الصالح أن يدعو للرعية الصالحة، وليس بحقيق للرعية الصالحة أن تدعو للملك الصالح، لأن أقرب الدعاء إلى الله دعاء الملك الصلح.

    ومن حق الملك أن لا يعزيه أحد من حاشيته وحامته وأهل بيته وقرابته. وإنما جعلت التعزية لمن غاب عن المصيبة، أو لمن قارب الملك في العز والسلطان، والبهاء والقدرة. فأما من دون هؤلاء، فينهون عن التعزية أشد النهي.

    وفيما يذكر عن عبد الملك بن مروان أنه مات بعض بنيه وهو صغير، فجاءه الوليد فعزاه،

    فقال: يا بني! مصيبتي فيك أقدح في بدني من مصيبتي بأخيك! ومتى رأيت ابناً عزى أباه؟

    قال: يا أمير المؤمنين! أمي أمرتني بذلك!

    قال: ذاك يا بني أهون علي! وهذا لعمري من مشورة النساء.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 16:13

    غضب الملك ورضاه

    ومن أخلاق الملك سرعة الغضب، وليس من أخلاقه سرعة الرضى.

    فأما سرعة الغضب، فإنما تأتي الملك من جهة دوام الطاعة، وذلك لأنه لا يدور في سمعه ما يكره في طول عمره.

    فإذا ألفت النفس هذا العز الدائم، صار أحد صفاتها.

    فمتى قرع حس النفس مالا تعرفه في خلقها، نفرت منه نفوراً سريعاً، فظهر الغضب، أنفةً وحميةً.

    وأما رضى الملك فبطيء جداً، لأنه شيء تمانعه النفس أن يفعله، وتدفعه عن نفسها، إذ كان في ذلك جنس من أجناس الاستخذاء، وخلق من أخلاق العامة.

    وهكذا عن أبي العباس أنه غضب على رجل ذهب عني اسمه، فذكره ليلةً من الليالي،

    فقال له بعض سماره: يا أمير المؤمنين! فلان لو رآه أعدى خلق الله له، لرحمه وانعصر له قلبه.

    قال: ولم ذاك؟

    قال: لغضب أمير المؤمنين عليه.

    قال: ماله من الذنب ما يبلغ به من العقوبة هذا الموضع.

    قال: فمن عليه، يا أمير المؤمنين، برضاك.

    قال: ما هذا وقت ذاك!

    قال: قلت إنك يا أمير المؤمنين لما صغرت ذنبه، طمعت في رضاك عنه.

    قال: إنه من لم يكن بين غضبه ورضاه مدة طويلة، لم يحسن أن يغضب ولا يرضى.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 16:15

    وعلى هذا أخلاق الملوك وصنيعهم

    وكذا جرى لعبد الله بن مالك الخزاعي مع الرشيد، حين غضب عليه: أمر أهله وحشمه وجميع قرابته أن يجتنبوا كلامه وخدمته ومعاطاته حتى أثر ذلك في نفسه وبدنه، فتحاماه أقرب الناس منه من ولدٍ وأهل، فلم يدن منه أحد، ولم يطف به.

    فجاءه محمد بن إبراهيم الهاشمي، وهو كان أحد أدوائه، في جوف الليل، فقال له: يا أبا العباس! إن لك عندي يداً لا أنساه، ومعروفاً ما أكفره، وقد علمت ما تقدم به أمير المؤمنين في أمرك، وهاأنذا بين يديك، ونصب عينيك! فمرني بأمرك، فوالله لأجعلن نفسي وقاية نفسك، وأسوقها في كل ما نكأها أو جرحها.

    فقال له عبد الله خيراً، وأثنى عليه، وأخبره بعذره في موجدة أمير المؤمنين عليه. فوعده محمد أن يكلم أمير المؤمنين، ويخبره باعتذاره.

    فلما أصبح محمد، وافاه رسول أمير المؤمنين، فركب.

    فلما دخل عليه، قال: من أتيت في هذه الليلة؟

    قال: عبدك، يا أمير المؤمنين، عبد الله بن مالك، وهو يحلف بطلاق نسائه، وعتق مماليكه، وصدقة ماله مع عشرين نذراً يهديها إلى بيت الله الحرام حافياً راجلاً، والبراءة من ولاية أمير المؤمنين إن كان ما بلغ أمير المؤمنين سمعه الله من عبد الله بن مالك، أو اطلع عليه أو هم به، أو أضمره أو أظهره.

    قال: فأطرق الرشيد ملياً مفكراً؛ وجعل محمد يلحظه، ووجهه يسفر ويشرق حتى زال ما وجده. وكان قد حال لونه حين دخل عليه؛ ثم رفع رأسه

    فقال: أحسبه صادقاً، يا محمد؛ فمره بالرواح إلى الباب.

    قال: وأكون معه، يا أمير المؤمنين؟

    قال: نعم.

    فانصرف محمد إلى عبد الله، فبشره بجميل أمره، وأمره بالركوب رواحاً، فدخلا جميعاً؛ فلما بصر عبد الله بالرشيد، انحرف نحو القبلة، فخر ساجداً، ثم رفع رأسه، فاستدناه الرشيد، فدنا وعيناه تهملان. فأكب عليه، فقبل رجله وبساطه وموطيء قدميه، ثم طلب أن يأذن له في الاعتذار. فقال: ما بك حاجة إلى أن تعتذر، إذ عرفت عذرك. قال: فكان عبد الله، بعد، إذا دخل على الرشيد، رأى فيه بعض الإعراض والانقباض. فشكا ذلك إلى محمد بن إبراهيم،

    فقال محمد: يا أمير المؤمنين! إن عبد الله يشكو أثراً باقياً من تلك النبوة التي كانت من أمير المؤمنين، ويسأل الزيادة في بسطه له.

    فقال الرشيد: يا محمد! إنامعشر الملوك، إذا غضبنا على أحدٍ من بطانتنا، ثم رضينا عنه بعد ذلك، بقى لتلك الغضبة أثر لا يخرجه ليل ولا نهار.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 16:17

    أسرار الملك

    ومن حق الملك أن يكتم أسراره عن الأب والأم والأخ والزوجة والصديق.

    فإن الملك يحتمل كل منقوص ومأنوف، ولا يحتمل ثلاثةً: صفة أحدهم أن يطعن في ملكه، وصفة الآخر أن يذيع أسراره، وصفة الآخر أن يخونه في حرمه.

    فأما من وراء ذلك، فمن أخلاق الملوك أن تلبس خاصتها، ومن قرب منها على ما فيهم، وأن تستمع منهم إذا سلموا من هذه الصفات الثلاث.

    وكان كسرى أبرويز يقول: يجب على الملك السعيد أن يجعل همه كله في امتحان أهل هذه الصفات، إذ كانت أو كان الملك ودعائمه، فكانت محنته في إذاعة السر عجيبة.

    وللقائل أن يقول فيها: إنها خارجة من باب العدل، داخلة في باب الظلم والجور، وللآخر أن يقول: إنها محن الحكماء من الملوك.

    وكان إذ عرف من رجلين من بطانته وخاصته التحاب والألفة والاتفاق في كل شيء، خلا بأحدهما فأفضى إليه بسر في الآخر، وأعلمه أنه عازم على قتله، وأمره بكتمان ذلك عن نفسه، فضلاً عن غيره، وتقدم إليه، في ذلك، بوعيده.

    ثم جعل محنته في إذاعة سره ملاحظة صديقه في دخوله عليه وخروجه من عنده، وفي إسفار وجهه ولقائه للملك، فإن وجد آخر أمره كأوله في أحواله، علم أن الآخر لم يفض إليه بسره ولم يظهره عليه، فقربه واجتياه، ورفع مرتبته وحباه، ثم خلا به، فقال: إني كنت أردت قتل فلانٍ لشيء بلغني عنه، فبحثت في أمره، فوجدته باطلاً.

    وإن رأى من صاحبه نفور نفسٍ، وازورار جانب، وإعراض وجهٍ، علم أنه قد أذاع سره، فأقصاه واطرحه وجفاه، وأخبر صاحبه أنه أراد محنته بما أودعه من سره. فإن كان هذا من أهل المراتب، وضع مرتبته، وإن كان من الندماء، أمر أن يحجب عنه، وإن كان من أصحاب الأعمال، أمر أن لا يستعان به، وإن كان من سدنة بيوت النيران، أمر بعزله وإسقاط أرزاقه.

    ويقول: من لم يصلح لملكه، لا يصلح لنفسه، ومن لم يصلح لنفسه، فلا خير عنده.

    ويقول: إن القلب اعدل على القلب شهادةً من اللسان، وقل شيء يكون في القلب إلا ظهر في العينين، إذ كانت الأعضاء مشتركةً يتعلق بعضها ببعض.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 16:18

    حفظ حرم الملك

    فأما محنته في الحرم، فكان إذا خف الرجل على قلبه، وقرب من نفسه، وكان عالماً يظهر التأله، وكان عنده ممن يصلح للأمانة في الدماء والفروج والأموال على ظاهره، أحب أن يمتحنه بمحنةٍ باطنة فيأمر به أن يحول إلى قصره، ويفرغ له بعض الحجر التي تقرب منه، ولا يحول إليها امرأةً ولا جاريةً ولا حرمةً، ويقول له: إني أحب الأنس بك في ليلي ونهاري، ومتى كان معك بعض حرمك، قطعك عني، وقطعني عنك.

    فاجعل منصرفك إلى منزل نسائك في كل خمس ليالٍ ليلةً. فإذا تحول الرجل، وخلابه، وآنسه، وكان آخر من ينصرف من عنده، فيتركه على هذه الحال أشهراً.

    فامتحن رجلاً من خاصته بهذه المحنة في الحرم، ثم دس إليه جاريةً من خواص جواريه، ووجه معها إليه بألطافٍ وهدايا. وأمرها أن لا تقعد عنده في أول ما تأتيه. فلما أتته بألطاف الملك، قامت. فلم تلبث أن انصرف. حتى إذا كانت المرة الثانية، أمرها أن تقعد هنيهةً، وأن تبدي بعض محاسنها، حتى يتأملها، ففعلت، ولاحظها الرجل، وتأملها، ثم انصرف.

    فلما كانت المرة الثالثة، أمرها أن تقعد عنده، وتطيل القعود وتحادثه، وإن أرادها على الزيادة من المحادثة، أجابته، ففعلت، وجعل الرجل يحد النظر إليها، ويسر بحديثها. ومن شأن النفس أن تطلب، بعد ذلك، الغرض من هذه المطايبة، فلما أبدى ما عنده، قالت: إني أخاف أن يعثر علينا، ولكن دعني أدبر في هذا ما يتم به امرنا. ثم انصرف.

    فأخبرت الملك بكل ما دار بينهما، فوجه أخرى من خاص جواريه وثقاتهن بألطافه وهداياه، فلما جاءته، قال لها: ما فعلت فلانة؟ قالت: اعتلت. فاربد لون الرجل، ثم لم تطل القعود عنده، كما فعلت الأولى في المرة الأولى، ثم عاودته بعد ذلك، فقعدت أكثر من المقدار الأول، وأبدت بعض محاسنها، حتى تأملها. وعاودته في المرة الثالثة، فأطالت عنده القعود والمضاحكة والمهازلة. فدعاها إلى ما في تركيب النفس من الشهوة. فقالت: إنا من الملك على خطى يسيرة، ومعه في دار واحدة.

    ولكن الملك يمضي بعد ثلاثٍ إلى بستانه الذي بموضع كذا، فيقيم هناك، فإن أرادك على الذهاب معه، فأظهر أنك عليل، وتمارض. فإن خيرك بين الانصراف إلى دور نسائك أو المقام ههنا إلى رجوعه، فاختر المقام، وأخبره أن الحركة تصعب عليك. فإذا أجابك إلى ذلك، جئت في أول الليل، ولبثت عندك إلى آخره.

    فسكن الرقيع إلى هذه الأنسة، وانصرف الجارية إلى الملك، فأخبرته بكل ما دار بينها وبينه.

    فلما كان الوقت الذي وعدته أن يخرج الملك فيه، دعاه الملك، فقال للرسول: أخبره أني عليل. فلما جاءه الرسول وأخبره، تبسم أبرويز، وقال: هذا أول الشر. فوجه إليه بمحفةٍ، فحمل فيها حتى أتاه، وهو معصب الرأس. فلما بصر به من بعيد، قال: والعصابة الشر الثاني. وتبسم.

    فلما دنا من الملك، سجد، فقال له أبرويز: متى حدثت بك هذه العلة؟ قال: في هذه الليلة. قال: فأي الأمرين احب إليك: الانصراف إلى منزلك ونسائك ليمرضنك، أو المقام ههنا إلى وقت رجوعي؟ قال: ههنا، أيها الملك، أرفق لي، لقلة الحركة.

    فتبسم أبرويز، وقال: ما صدقت! حركتك ههنا، إن خلفتك، أكثر من حركتك في منزلك.

    ثم أمر أن تخرج له عصا الزناة التي كان يوسم بها من زنى. فأيقن الرجل بالشر.

    وأمر أن يكتب ما كان من أمره حرفاً حرفاً، فيقرأ على الناس إذا حضروا، وأن ينفى إلى أقصى حد المملكة، ويجعل العصا في رأس رمحٍ تكون معه حيث كان، ليحذر منه من لا يعرفه.

    فلما أخرج بالرجل عن المداين، متوجهاً به نحو فارس، أخذ مديةً كانت مع بعض الأعوان الذين وكلوا به، فجب بها ذكره،

    وقال: من أطاع عضواً من أعضائه صغيراً، أفسد عليه أعضاءه كلها، صغارها وكبارها، فمات من ساعته.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 21:06

    امتحان من يطعن في المملكة

    وكان قد نصب رجلاً يمتحن به من فسدت نيته، وطعن في المملكة، فكان الرجل يظهر التأله والدعاء إلى التخلي عن الدنيا، والرغبة في الآخرة، وترك أبواب الملوك.

    وكان يقص على الناس ويبكيهم ويشوب في خلال ذلك كلامه بالتعريض بذم الملك، وتركه شرائع ملته وسنن دينه ونواميس آبائه. وكان هذا الرجل الذي نصبه لهذا، أخاه من الرضاعة، وتربه في الصبا. فكان إذا تكلم هذا الرجل بهذا الذي قد مثله له أبرويز، وأمره به ليمتحن بذلك خاصته، أخبر به. وأنا أعلم به. وإن كان كذلك فإنه لا يقصدني بسوءٍ، ولا المملكة بما يوهنها.

    فيظهر الاستهانة بأمره، والثقة من الطمأنينة إليه. ثم يوجه إليه في خلال ذلك من يدعوه غليه، فيأبى أن يجيبه، ويقول: لاينبغي لمن يخاف الله أن يخاف أحداً سواه. فكان الطاعن على الملك والمملكة يكثر الخلوة بهذا الرجل في الزيارة له والأنس به. فإذا خلوا تذاكروا أمر الملك، وابتدأ الناسك يطعن على الملك، وفي صلب المملكة.

    فأعانه الخائن، وطابقه على ذلك، وشايعه عليه، فيقول له الناسك: إياك أن تظهر هذا الجبار على كلامك! فإنه لا يحتمل لك ما يحتمله لي. فحصن منه دمك. فيزداد الآخر إليه استنامةً، وبه ثقةً. فإذا علم الناسك أنه قد بلغ من الطعن على الملك ما يستوجب به القتل في الشريعة، قال له: إني عاقد غداً مجلساً للناس، أقص عليهم، فاحضره! فإنك رجل رقيق القلب عند الذكر، حسن النية، ساكن الريح، بعيد الصوت، وإن الناس إذا رأوك قد حضرت مجلسي، زادت نياتهم خيراً، وسارعوا إلى استجابتي.

    فيقول له الرجل: إني أخاف هذا الجبار، فلا تذكره إن حضرت مجلسك.

    وكانت العلامة فيما بينه وبين أبرويز أن ينصرف الرجل عن مجلس الناسك إذا ابتدأ في قصة الملك، وكان أبرويز قد وضع عيوناً تحضر مجلس الناسك، متى جلس. فبكر الناسك، وقص على العامة، وزهد في الدنيا، ورغب في الآخرة. وحضره الرجل الخائن، فلما فرغ من قصصه، وأخذ في ذكر الملك، نهض الرجل، وجاءت عيون أبرويز فأخبرته بما كان. فإذ زال عنه الشك في أمره، وجهه إلى بعض البلدان، وكتب إلى عامله: قد وجهت إليك رجلاً وهو قادم عليك بعد كتابي هذا في كذا وكذا. فأظهر بره، والأنس به، والثقة بناحيته. فإذا اطمأنت به الدار، فاقتله قتلةً تحيي بها بيت النار، وتصل بها حرمة النوبهار. فإنه من فسدت نيته لغير علةٍ في الخاصة والعامة، لم يصلح بعلة.


    عدل سابقا من قبل محمد منسى في الجمعة 17 مايو 2013 - 21:09 عدل 1 مرات
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 21:07

    تقاضي الملك عن الصغائر


    ومن أخلاق الملك التغافل عما لا يقدح في الملك، ولا يجرح المال، ولا يضع من العز، ويزيد في الأبهة. وعلى ذلك كانت شيم ملوك آل ساسان.

    وفيما يحكى عن بهرام جور أنه خرج يوماً لطلب الصيد، فعار به فرسه حتى وقع إلى راعٍ تحت شجرة، وهو حاقن. فقال للراعي: احفظ علي عنان دابتي، حتى أبول.

    فأخذ بركابه حتى نزل، وأمسك عنان الفرس. وكان لجامه ملبساً ذهباً، فوجد الراعي غفلةً من بهرام، فأخرج من خفه سكيناً، فقطع بعض أطراف اللجام. فرفع بهرام رأسه، فنظر غليه، فاستحيا، ورمى بطرفه إلى الأرض، وأطال الاستبراء ليأخذ الراعي حاجته من اللجام. وجعل الراعي يفرح بإبطائه عنه، حتى إذا ظن أنه قد أخذ حاجته من اللجام، قام، فقال: يا راعي، قد إلي فرسي، فإنه قد دخل في عيني مما في هذه الريح، فما اقدر على فتحهما.

    وغمض عينيه لئلا يوهمه أنه يتفقد حلية اللجام. فقرب الراعي فرسه، فركبه. فلما ولى، قال له الراعي: أيها العظيم، كيف آخذ إلى موضع كذا وكذا؟ لموضع بعيد.

    قال بهرام: وما سؤالك عن هذا الموضع؟ قال: هناك منزلي، وما وطئت هذه الناحية قط غير يومي هذا، ولا أراني أعود إليه ثانية.

    فضحك بهرام، وفطن لما أراد، فقال: أنا رجل مسافر، وأنا أحق بأن لا أعود إلى ههنا أبداً.

    ثم مضى. فلما نزل عن فرسه، قال لصاحب دوابه ومراكبه: إن معاليق اللجام قد وهبتها لسائلٍ مربي، فلا تتهمن بها أحداً.

    وهكذا يحكى عن أنوشروان انه قعد ذات يومٍ في نيروز أو مهرجان، ووضعت الموائد، ودخل وجوه الناس الإيوان على طبقاتهم ومراتبهم. وقام الموكلون بالموائد على رؤوس الناس، وكسرى بحيث يراهم.

    فلما فرغ الناس من الطعام، جاؤوا بالشراب في آنية الفضة، وجامات الذهب. فشرب الأساورة وأهل الطبقة العالية في آنية الذهب. فلما انصرف الناس، ورفعت الموائد، أخذ بعض القوم جام ذهبٍ، فأخفاه في قبائه، وأنوشروان يلحظه. فصرف وجهه عنه.

    وافتقد صاحب الشراب الجام، فصاح: لا يخرجن أحد من الدار حتى يفتش.

    فقال كسرى: لاتتعرض لأحد! وأذن للناس فانصرفوا. فقال صاحب الشراب: أيها الملك! إنا فقدنا بعض آنية الذهب! فقال الملك: صدقت! قد أخذها من لا يردها عليك، وقد رآه من لا ينم عليه. فانصرف الرجل بالجام. وهكذا فعل معاوية بن أبي سفيان في يوم عيدٍ، وقد قعد للناس، ووضعت الموائد وبدر الدراهم والدنانير للجوائز والصلات فجاء رجل من الجماعة، والناس يأكلون، فقعد على كيس فيه دنانير. فصاح به الخدم: تنح! فليس هذا بموضع لك.

    فسمع معاوية،

    فقال: دعوا الرجل يقعد حيث انتهى به المجلس فأخذ كيساً، فوضعه بين بطنه وحجزة سراويله،

    وقام. فلم يجسر أحد أن يدنو منه. فقال الخادم: أصلح الله أمير المؤمنين! إنه قد نقص من المال كيس دنانير. فقال: أنا صاحبه، وهو محسوب لك.

    وهذه أخلاق الملوك معروفة في سيرهم وكتبهم. وإنما يتفقد مثل هذا من هو دون الملك. فأما الملك، فيجل عن كل شيءٍ، ويصغر عنده كل شيء
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 21:10

    رد على العامة

    والعامة تضع هذا وما أشبهه في غير موضعه؛ وإنما هو شيء ألقاه الشيطان في قلوبهم، وأجراه على ألسنتهم، حتى قلوا في نحوٍ من هذا في البائع والمشتري: المغبون لا محمود ولا مأجور. فحملوا الجهلة على المنازعة للباعة، والمشاتمة للسفلة والسوقة، والمقاذفة للرعاع والوضعاء، والنظر في قيمة حبةٍ، والاطلاع في لسان الميزان، وأخذ المعايير بالأيدي.

    وبالحرى أن يكون المغبون محموداً ومأجوراً، اللهم إلا أن يكون قال له: اغبني. بل لو قالها، كانت أكرومة وفضيلة، وفعلةً جميلة تدل على كرم عنصر القائل، وطيب مركبه.

    ولذلك قالت العرب: السرو التغافل.

    وأنت لا تجد أبداً أحداً يتغافل عن ماله إذا خرج، وعن مبايعته إذا غبن، وعن التقصي إذا بخس، إلا وجدت له في قلبك فضيلةً وجلالةً ما تقدر على دفعها.

    وكذا أدبنا نبينا صلى الله عليه وسلم، فقال: يرحم الله سهل الشراء، سهل البيع، سهل القضاء، سهل التقاضي. وهذا الأدب خارج من قولهم: المغبون لامحمود ولا مأجور.

    وقال معاوية في نحوٍ من هذا: إني لأجر ذيلي على الخدائع.

    وقال الحسن عليه السلام: المؤمن لا يكون مكاساً.

    وفيما يحكى عن سليمان بن عبد الملك أنه خرج في حياة أبيه لمتنزهه، فبسط له في صحراء، فتغدى مع أصحابه، فلما حان انصرافه، تشاغل غلمانه بالترحال، وجاء أعرابي، فوجد منهم غفلةً، فأخذ دواج سليمان، فرمى به على عاتقه، وسليمان ينظر إليه.

    فبصر به بعض حشمه، فصاح به: ألق ما عليك! فقال الأعرابي: لا لعمري! لا ألقيه ولا كرامة! هذا كسوة أمير المؤمنين وخلعته.

    فضحك سليمان، وقال: صدق، أنا كسوته. فمر كأنه إعصار الريح.

    وأحسن من هذا ما فعله جعفر بن سليمان بن علي بالأمس، وقد عثر برجلٍ سرق درةً رائعةً، أخذها من بين يديه.

    فطلبت بعد أيامٍ، فلم توجد. فباعها الرجل ببغداد، وقد كانت وصفت لأصحاب الجوهر. فأخذ وحمل إلى جعفر، فلما بصر به، استحيا منه، وقال: ألم تكن طلبت هذه الدرة مني، فوهبتها لك؟ قال: بلى.

    قال: لاتعرضوا له. فباعها بمائتي ألف درهم.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 21:12

    إكرام الأوفياء

    ومن أخلاق الملك إكرام أهل الوفاء وبرهم والاستنامة إليهم والثقة بهم والتقدمة لهم على الخاص والعام، والحاضر والبادي.

    وذلك انه لا يوجد في الإنسان فضيلة أكبر ولا أعظم قدراً، ولا أنبل فعلاً من الوفاء. وليس الوفاء شكر اللسان فقط، لأن شكر اللسان ليس على أحدٍ منه مؤونة.

    واسم الوفاء مشتمل على خلال:

    فمنها أن يذكر الرجل من أنعم عليه، بحضرة الملك فمن دونه. فإن كان الملك

    فيه سيء الرأي، فليس من الوفاء أن يعينه على سوء رأيه. فإن خاف سوط الملك وسيفه، فأحس صفاته أن يمسك عن ذكره بخيرٍ أو شرٍ.

    ومنها المواساة للصاحب في المال، حتى يقاسمه الدرهم بالدرهم، والنعل بالنعل، والثوب بالثوب.

    ومنها الحفظ له في خلفه وعياله، ما كان في الدنيا، حتى يجعلهم أسوةً بعياله في الجدب والخصب.

    ومنها الشكر له باللسان والجوارح.

    وكانت ملوك الأعاجم كلها، أولها وآخرها، لا تمنع أحداً من خاصتها وعامتها شكر من أنعم عليها أو على أحدٍ منها، وتقريظه وذكر نعمه وإحسانه، وإن كانت الشريعة قد قتلته، والملك قد سخط عليه. بل كانوا يعرفون فضيلة من ظهر ذلك منه، ويأمرون بصلته وتعهده.

    ويقال إن قباذ أمر بقتل رجلٍ كان من الطاعنين على المملكة، فقتل. فوقف على رأسه رجل كان من جيرانه، فقال: رحمك الله! إن كنت، ما علمت، لتكرم الجار، وتصبر على أذاه، وتواسي أهل الحاجة، وتقوم بالنائبة! والعجب كيف وجد الشيطان فيك مساغاً حتى حملك على عصيان ملكك، فخرجت من طاعته المفروضة إلى معصيته! وقديماً ما تمكن ممن هو أشد منك قوةً وأثبت عزماً.

    فأخذ الرجل

    صاحب الشرطة فحبسه. وانتهى كلامه إلى قباذ، فوقع قباذ: يحسن إلى هذا الذي شكر حساناً فعل به، وترفع مرتبته، ويزاد في عطائه.

    وهكذا فعل سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة المخزومي، حين حمل رأس مروان الجعدي إلى أبي العباس السفاح بالكوفة، فقعد له مجلساً وجاؤوا بالرأس.

    فقام سعيد بن عمرو بن جعدة، فأكب عليه قياماً طويلاً، ثم قال: هذا رأس

    أبي عبد الملك، خليفتنا بالأمس، رحمه الله! فوثب أبو العباس، فطعن في حجره. وانصرف ابن جعدة إلى منزله، وتحدث الناس بكلامه. فلامه بنوه وأهله،

    وقالوا: عرضتنا ونفسك للبوار.

    فقال: اسكتوا. قبحكم الله! ألستم الذين أشاروا علي بالأمس بحران بالتخلف عن مروان، ففعلت في ذلك غير فعل أهل الوفاء والشكر؟ وما ليغسل عني عار تلك الفعلة إلا هذه. فإنما أنا شيخ هامة، فإن نجوت يومي هذا من القتل، مت غداً.

    قال: فجعل بنوه يتوقعون رسل أبي العباس أن تطرقه في جوف الليل؛ فأصبحوا، ولم يأته أحد. وغدا الشيخ، فإذا هو بسليم بن مجالد. فلما بصر به،

    قال: يا ابن جعده! ألا أبشرك بجميل رأي أمير المؤمنين؟ إنه ذكر في هذه الليلة، ما كان منك، فقال: والله ما أخرج ذلك الكلام من الشيخ إلا الوفاء، ولهو أقرب منا قرابةً، وأمس بنا رحماً منه بمروان، إن أحسنا إليه. قال: أجل، والله.

    وهكذا فعل قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري بمعاوية بن أبى سفيان، حين دعاه إلى مفارقة علي بن أبى طالب، والدخول في طاعته. فكتب إليه قيس بن سعد: يا وثن بن وثن! تكتب إلي تدعوني إلى مفارقة علي بن أبي طالب، والدخول في طاعتك، وتخوفني بتفرق أصحابه عنه، وإقبال الناس عليك وإجفالهم إليك! فوالله الذي لا إله غيره! لو لم يبق له غيري، ولم يبق لي غيره، وما سالمتك أبداً، وأنت حربه، ولا دخلت في طاعتك وأنت عدوه، ولا اخترت عدو الله على وليه، ولا حزب الشيطان على حزب الله. والسلام!
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 21:13

    وفي سيرة الاسكندر ذي القرنين أنه لما قصد نحو فارس، تلقاه جماعة من أساورتهم برأس ملكهم، ومن انضم عليهم، وقال: من غدر بملكه، كان بغيره أغدر! وفيما يحكى عن شيرويه أن رجلاً من الرعية وقف له يوماً، وقد رجع من الميدان، فقال: الحمد لله الذي قتل أبرويز على يدك، وملكك ما كنت أحق به منه، وأراح آل ساسان من جبريته وعتوه وبخله ونكده. فإنه كان ممن يأخذ بالحبة،

    ويقتل بالظن، ويخيف البريء، ويعمل بالهوى.

    فقال شيرويه للحاجب: احمله إلي.

    فحمل، فقال له: كم كانت أرزاقك في حياة أبرويز كنت في كفاية من العيش.

    فكم زيد في أرزاقك اليوم؟ ما زيد في رزقي شيء.

    فهل وترك أبرويز، فانتصرت منه بما سمعت من كلامك؟ لا.

    قال: فما دعاك إلى الوقوع فيه، ولم يقطع عنك مادة رزقك، ولا وترك في نفسك؟ وما للعامة والوقوع في الملوك، وهم رعية؟ فأمر أن ينزع لسانه من قفاه، وقال: بحق ما يقال: إن الخرس خير من البيان فيما لا يجب.

    وحدثني صباح بن خاقان، قال: حدثني أبي أن أبا جعفر المنصور لما أتي برأس

    إبراهيم بن عبد الله، فوضع بين يديه، جاء بعض أولئك الرويدية، فضرب الرأس بعمودٍ كان في يده. فقال المنصور للمسيب: دق وجهه! فدق المسيب أنفه. ثم قال المنصور له: يا ابن اللخناء! تجيء إلى رأس ابن عمي وقد صار إلى حال لا يدفع ولا ينفع تضر به بعمودك، كأنك رايته وهو يريد نفسي، فدفعته عني. اخرج إلى لعنة الله وأليم عذابه.

    ويقال أن أبا جعفر وجه إلى شيخٍ من أهل الشام، وكان من بطانة هشام، فسأله عن تدبير هشام في بعض حروبه الخوارج، فوصف له الشيخ ما دبر، فقال: فعل، رحمه الله، كذا، وضع، رحمه الله، كذا.

    فقال المنصور: قم، عليك لعنة الله! تطأ بساطي، وتترحم على عدوي؟ فقام الرجل، فقال وهو مول: إن نعمة عدوك لقلادة في عنقي، لا ينزعها غلا غاسلي. فقال له المنصور: ارجع، يا شيخ! فرجع. فقال له: أشهد أنك نهيض حرةٍ وغراس شريف! عد إلى حديثك! فعاد الشيخ إلى حديثه، حتى إذا فرغ، دعا له بمالٍ ليأخذه،

    فقال: والله يا أمير المؤمنين، ما بي من حاجةٍ إليه؟ ولقد مات عني من كنت في ذكره آنفاً، فما أحوجني إلى وقوفٍ على باب أحدٍ بعده. ولولا جلالة عز أمير المؤمنين، وإيثار طاعته، ما لبست لأحدٍ بعده نعمةً.

    فقال المنصور: مت إذا شئت، فلله أنت! فلو لم يكن لقومك غيرك، لكنت قد أبقيت لهم مجداً مخلداً.

    ويقال إن الرجل كان من شيبان.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 21:14

    أدب سماع الملك ومحادثته

    ومن حق الملك، إذا حضره سماره أو محدثوه، أن لا يحرك أحد منهم شفتيه مبتدئاً، ولا يقطع حديثه بالاعتراض فيه، وإن كان نادراً شهياً، وأن يكون غرضهم حسن الاستماع، وإشغال الجوارح بحديثه؛ فإذا فرغ من الحديث فنظر إلى بعضهم، فقد أذن له أن يحدثه بنظير ذلك الجنس من الحديث. وليس له أن يأخذ في غير جنس حديثه.

    وليس لمن حدث الملك أن يفسد ألفاظه وكلامه، بأن يقول في حديثه: فاسمع مني أو افهم عني أو يا هذا أو ألا ترى.

    فإن هذا وما أشبهه عي من قائله، وحشو في كلامه، وخروج من بسط اللسان، ودليل على الفدامة والغثاثة. وليكن كلامه كلاماً سهلاً، وألفاظه عذبةً متصلة، وسقط كلامه قليلاً.

    فإذا فرغ من الحديث، فليس له أن يصله بحديث آخر، وإن كان شبيهاً بالحديث الأول، حتى يرى أن الملك قد أقبل عليه بوجهه، وأصغى إلى حديثه.

    فإن أعرض لشغل يعرض له، فليس له أن يمر في حديثه، وأن يصل كلامه، فيحتاج الملك إلى الإصغاء إليه، ويحتاج إلى التشاغل بما عرض له، فيجمع عليه أمرين. فإن اتصل شغل الملك، ترك الحديث؛ وإن انقطع فنظر إليه، فقد أذن له في إتمامه وإعادته.

    ومن حق الملك أن لا يضحك من حديثه إذا حدث، لأن الضحك بحضرة الملك جرأة عليه؛ ولا يظهر التعجب بفائدة حديثه.

    وإنما هذا إلى الملك. فإن ضحك الملك من الحديث، وأظهر السرور به، فذاك غرض حديثه، وإليه قصد؛ وإن سكت، فلم يكن في الحديث ما يلهيه ويطر به أو يستفيد منه فائدة، كان قد سلم من العيب، إذ لم يضحك ولم يعجب.



    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 21:17

    إعادة الحديث

    ومن حق الملك أن لا يعاد عليه الحديث مرتين، وإن طال بينهما الدهر، وغبرت بينهما الأيام؛ إلا أن يذكره الملك؛ فإن ذكره، فهو إذن منه في إعادته.

    وكان روح بن زنباعٍ يقول: أقمت مع عبد الملك سبع عشرة سنة من أيامه، ما أعدت عليه حديثاً.

    وكان الشعبي يقول: ما حدثت بحديث مرتين لرجلٍ بعينه قط.

    وكان أبو العباس يقول: ما رأيت أحداً أغزر علماً من أبي بكر الهذلي، لم يعد علي حديثاً قط.

    وكان ابن عياش يقول: حدثت المنصور أكثر من عشرة آلاف حديث. فقال لي ليلةً، وقد حدثته عن يوم ذي قارٍ: قد اضطررت إلى التكرار، يا ابن عياش! قلت: ما هذا منها يا أمير المؤمنين قال: أما تذكر ليلة الرعد والأمطار، وأنت تحدث عن ذي قار، فقلت لك: ما يوم ذي قار بأصعب من هذه الليلة؟

    وكان الشرقي بن الفطامي يعيد الحديث مراراً، وذلك أن أكثر أحاديثه مضاحيك، وكانت تعجب المهدي فيستعيده.

    وكان ابن وأب، إذا حدث موسى أمير المؤمنين بالحديث، أعاده عليه في القابلة حتى يحفظه.

    ويقال إنه لم يسامر الخلفاء أحد كان أنبل من عيسى بن دأب، ولا أتم صنعةً، ولا أحسن ألفاظاً، ولا أفكه مجلساً، ولا أعظم أبهةً وقدراً منه. وكان عيسى بن دأب يتكيء في مجلس أمير المؤمنين.

    ولم يكن هذا لأحدٍ. غير أنه يحكى أن روح بن زنباع مرض فكان يدعو له عبد الملك بن مروان بمتكأ. وعلى المحدث للملك أن لا يجعل في كلامه، وأن يدمج ألفاظه، ولا يشير بيده،

    ولا يحرك رأسه، ولا يزحف من مجلسه، ولا يراوح بين قعدته، ولا يرفع صوته، ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً، ولا يقبل على غير الملك بملاحظته، ولا يكون غرضه أن يسمع حديثه أو يفهم عنه سواه.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 21:18

    أمارات الذهاب من مجلس الملك

    ومن حق الملك، إذا تثاءب أو ألقى المروحة أو مد رجليه أو تمطى أو اتكأ أو كان في حالٍ فصار إلى غيرها مما يدل على كسله أو وقت قيامه، أن يقوم كل من حضره.

    وكان يستاسف إذا دلك عينيه، قام من حضره.

    وكان يزدجرد الأثيم إذا قال: شب بشد، قام سماره.

    وكان بهرام جور إذا قال: خرم خفتار، قام سمارة.

    وكان قباذ إذا رفع رأسه إلى السماء، قام سمارة.

    وكان سابور إذا قال: حسبك يا إنسان، قام سمارة.

    وكان أنوشروان إذا قال: قرت أعينكم قام سمارة.

    وكان عمر بن الخطاب إذا قال: الصلاة، قام سمارة. وكان ينهى عن السمر بعد صلاة العشاء.

    وكان عثمان إذا قال: العزة لله!، قام سمارة.

    وكان معاوية إذا قال: ذهب الليل! قام سماره ومن حضره.

    وكان عبد الملك إذا ألقى المخصرة، قام من حضره.

    وكان الوليد إذا قال: أستودعكم الله، قام من حضره.

    وكان الهادي إذا قال: سلام عليكم!، قام من حضره.

    وكان الرشيد إذا قال: سبحانك اللهم وبحمدك! قام سماره.

    وكان المعتصم إذا نظر إلى صاحب النعل، قام من حضره.

    وكان الواثق إذا مس عارضيه، وتثاءب، قام سماره.

    وكان المأمون إذا استلقى على فراشه، قام من حضره.

    غير أن بعض من ذكرنا كان ربما قام بجنسٍ آخر من الإشارة والكلام، وإنما أضفنا إلى كل واحدٍ منهم أغلب أفعاله كانت عليه.



    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 21:19

    اغتياب الآخرين أمام الملك

    ومن حق الملك أن لا يعاب عنده أحد، صغر أو كبر غير أن من أخلاقها التحريش بين اثنين، والاغراء بينهما.

    فمن الملوك من يدبر في هذا تدبيراً يجب في السياسة؛ وذاك أنه يقال: قل إثنان استويا في منزلة عند الملك والجاه والتبع والعز والحظوة عند السلطان فاتفقا، إلا كان ذلك الاتفاق وهنأ على المملكة والملك، كانا، متى شاءا أن ينقصنا ما ابرم الملك ويحلا ما عقد، ويوهيا ما أكثر، قدراً على ذلك للاتفاق والمجامعة.

    ومتى انفصلا حتى يتباينا أو يتحاربا، كان تباينهما أثبت في نظام الملك، وأوكد في عز المملكة.

    وكان متى أراد هذا شيئاً، أراد الآخر خلافه. فإذا تباينا في ذات أنفسهما، اجتمعا على نصيحة الملك، شاءا أم أبيا، وآثرها كل واحد منهما على هوى نفسه، وانتظم للملك تدبيره، وتم له أمره.

    ومن الملوك من لا يقصد إلى هذا، ولا يكون غرضه الإغراء بين وزرائه وبطانته لهذه العلة، بل ليعرف معايب كل واحدٍ منهما. فإن معرفة ذلك تقطع الوزير عن الانبساط في حوائجه، والتحسب على ملكه.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 21:21

    بحث آداب رسول الملك

    ومن الحق على الملك أن يكون رسوله صحيح الفطرة والمزاج، ذا بيانٍ وعبارة، بصيراً بمخارج الكلام وأجوبته، مؤدياً لألفاظ الملك ومعانيها، صدوق اللهجة، لا يميل إلى طمع ولا طبع، حافظاً لما حمل.

    وعلى الملك أن يمتحن رسوله محنةً طويلةً، قبل أن يجعله رسولاً.

    وكانت ملوك الأعاجم، إذا آثرت أن تختار من رعيتها من تجعله رسولاً إلى بعض ملوك الأمم، تمتحنه أولاً، بأن توجهه رسولاً إلى بعض خاصة الملك، ومن في قرار داره في رسائلها.

    ثم تقدم عيناً عليه، يحضر رسالته ويكتب كلامه. فإذا رجع الرسول الرسالة، جاء العين بما كتب من ألفاظه وأجوبته. فقابل بها الملك ألفاظ الرسول. فإن اتفقت أو اتفقت معانيها، عرف الملك صحة عقله، وصدق لهجته، ثم جعله الملك رسولاً إلى عدوه، وجعل عليه عيناً يحفظ ألفاظه ويكتبها، ثم يرفعها إلى الملك. فإن اتفق كلام الرسول وكلام عين الملك، وعلم أن رسوله قد صدقه عن عدوه ولم يتزيد عليه للعداوة بينهما، جعله رسوله إلى ملوك الأمم، ووثق به. ثم كان بعد ذلك يقيم خبره مقام الحجة.

    وكان أردشير بن بابك يقول: كم من دمٍ قد سفكه الرسول بغير حله! وكم من جيوش قد قتلت، وعساكر قد هزمت، وحرمةٍ قد انتهكت، ومال قد انتهب، وعهدٍ قد نقض بخيانة الرسول وأكاذيبه!

    وكان يقول: على الملك، إذا وجه رسولاً إلى ملك آخر، أن يردفه بآخر.

    وإن وجه رسولين، أتبعهما باثنين، وإن أمكنه أن لا يجمع بين رسولين في طريقٍ ولا ملاقاةٍ ولا يتعارفان فيتواطآ، فعل. ثم عليه، إن أتاه رسوله بكتاب أو رسالة من ملك في خير أو شر، أن لا يحدث في ذلك خيراً أو شراً، حتى يكتب إليه مع رسول ربما حرم بعض ما أمل، فافتعل الكتب، وحرض المرسل على المرسل إليه، فأغراه به، وكذب عليه.

    ويقال إن الأسكندر وجه رسولاً إلى بعض ملوك الشرق، فجاءه برسالة شك في حرفٍ منها فقال له الاسكندر: ويلك! إن الملوك لا تخلو من مقوم ومسدد، إذا مالت.

    وقد جئتني برسالةٍ صحيحة الألفاظ، بينة العبارة؛ غير أن فيها حرفاً ينقضها؛ أفعلى يقين أنت من هذا الحرف أم شاك فيه؟ فقال الرسول: بل على يقين أنه قاله. فأمر الاسكندر أن تكتب ألفاظه حرفاً حرفاً، ويعاد إلى الملك مع رسولٍ آخر، فيقرأ عليه ويترجم له.

    فلما قريء الكتاب على الملك، فمر بذلك الحرف، أنكره فقال للمترجم: ضع يدي على هذا الحرف فوضعها.

    فأمر أن يقطع ذلك الحرف بسكينة، فقطع من الكتاب. وكتب إلى الإسكندر: إن رأس المملكة صحة فطرة الملك، ورأس الملك صدق لهجة رسوله، إذ كان عن لسانه ينطق، وإلى أذنه يؤدي. وقد قطعت بسكينتي ما لم يكن من كلامي، إذ لم أجد إلى قطع لسان رسولك سبيلاً.

    فلما جاء الرسول بهذا إلى الإسكندر، دعا الرسول الأول، فقال: ما حملك على كلمةٍ أردت بها فساد ملكين؟ فأقر الرسول أن ذلك كان لتقصير رآه من الموجه إليه. فقال الاسكندر: فأراك لنفسك لسعيت، لا لنا! فلما فاتك بعض ما أملت، جعلت ذلك ثأراً في الأنفس الخطيرة الرفيعة! فأمر بلسانه، فنزع من قفاه.



    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 21:24

    احتياط الملك


    ومن أخلاق الملك أن يكون لمنامه في ليل ولا نهار موضع يعرف به، ولا حوى يقصد إليه؛ إذ كانت أنفس الملوك هي المطلوب غرتها، والموكل برعاية سنتها، وساعة غفلتها.

    ويقال إن ملوك آل ساسان لم يعرف مبيت أحد منهم قط، ولا مقيله.

    فأما أردشير بن بابك، وسابور، وبهرام، ويزدجرد، وكسرى أبرويز، وكسرى أنوشروان، فكان يفرش للملك منهم أربعون فراشاً، في أربعين موضعاً، ليس منها فراش إلا ومن رآه من بعيد على الانفراد، لا يشك أنه فراش الملك خاصةً، وأنه نائم فيه. ولعله أن لا يكون على واحد منها، بل لعله ينام على مجلس رقيق، وربما توسد ذراعه، فنام.

    ولو لم يجب على ملوكنا حفظ منامهم، وصيانته عن كل عين تطرف، وأذن تسمع، غلا النبي صلى الله عليه وسلم، فعله، وهو من الله بمكانه المخصوص من كلاءته إياه، وحراسة الروح الأمين له، لقد كان يحق عليهم أن يقتدوا به، ويمتثلوا فعله. وقد كان المشركون هموا بقتله، فأخبره جبريل، صلى الله عليهما، عن الله، جل ثناؤه، بذلك، فدعا علي بن أبي طالب عليه السلام، فأنامه على فراشه، ونام هو، صلى الله عليه وسلم، بمكان آخر. فلما جاء المشركون إلى فراشه، فنهض منه علي، انصرفوا عنه.

    ففي هذا أكبر الأدلة، وأوضح الحجة على ما ذكرنا، إذ كانت أنفس الملوك هي الأنفس الخطيرة الرفيعة التي توزن بنفوس كل من أظلت الخضراء، وأفلت الغبراء.

    وكانت الأعاجم تقول: " لا ينبغي للملك أن يطلع على موضع منامه إلا الوالدان فقط؛ فأما من دونهما، فالوحشة منه وترك الثقة به أبلغ في باب الحزم وأوكد في سياسة الملك، وأوجب في الشريعة، وأوقع في الهوينا.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 21:26

    معاملة ابن الملك للملك

    ومن حق الملك أن يعامله ابنه كما يعامله عبده، وأن لا يدخل مداخله إلا عن أذنه، وأن يكون الحجاب عليه أغلظ منه على من هو دونه من بطانة الملك وخدمه، لئلا تحمله الدالة على غير ميزان الحق.

    فإنه يقال أن يزدجرد رأى بهرام ابنه بموضعٍ لم يكن له، فقال: مررت بالحاجب؟ قال: نعم. قال: وعلم بدخولك؟ قال: نعم. قال: فاخرج إليه واضربه ثلاثين سوطاً، ونحه عن الستر، ووكل بالحجابة أرادمرد.

    ففعل ذلك بهرام، وهو إذ ذاك ابن ثلاث عشرة؛ ولم يعلم الحاجب فيم غضب الملك عليه.

    فلما جاء بهرام، بعد ذلك ليدخل،أرادمرد في صدره دفعةً وقذه منها، وقال: إن رأيتك بهذا الموضع ثانيةً، ضربتك ستين سوطاً: ثلاثين منها لجنايتك على الحاجب أمس، وثلاثين لئلا تطمع في الجناية علي. فبلغ ذلك يزدجرد، فدعا أرادمرد، فخلع عليه وأحسن إليه.

    ويقال أن يزيد بن معاوية كان بينه وبين أبيه باب. فكان إذا أراد الدخول عليه قال: يا جارية! انظري هل تحرك أمير المؤمنين.

    فجاءت الجارية مرة حتى فتحت الباب، فإذا معاوية قاعد، وفي حجره مصحف، وبين يديه جارية تصفح عليه. فأخبرت يزيد بذلك.

    فجاء يزيد، فدخل على معاوية. فقال له: أي بني! إني إنما جعلت بيني وبينك باباً، كما بيني وبين العامة. فهل ترى أحداً يدخل من الباب إلا بإذنٍ؟ قال: لا قال: فكذلك فليكن بابك! فإذا قرع عليك فهو إذنك.

    وهكذا ذكر لنا أن موسى الهادي دخل على أمير المؤمنين المهدي، فزبره، وقال: إياك أن تعود إلى مثلها إلا أن يفتح بابك! وذكر لنا أن المأمون لما استعر به الوجع، سأل بعض بنيه الحاجب أن يدخله عليه ليراه، فقال: لا والله! ما إلى ذلك سبيل. ولكن إن شئت أن تراه من حيث لا يراك، فاطلع عليه من ثقبٍ في ذلك الباب. فجاء حتى اطلع عليه، وتأمله، ثم انصرف.

    وذكر لنا أن إيتاخ بصر بالواثق في حياة المعتصم واقفاً في موضعٍ لم يكن له أن يقف فيه، فزبره، وقال: تنح! فوالله لولا أنى لم أتقدم إليك في ذلك، لضربتك مائة عصاً.

    وليس لابن الملك من الملك إلا ما لعبده من الاستكانة والخضوع والخشوع، ولا له أن يظهر دالة الأبوة وموضع الوراثة. فإن هذا إنما يجوز في النمط الأوسط من الناس، ثم الذين يلونهم.

    فأما الملوك، فترقى عن كل شيء يمت به.

    وليس لابن الملك أن يسفك دماً، وإن أوجبت الشريعة سفكه، وجاءت الملة به، إلا عن إذن الملك ورأيه، لأنه متى تفرد بذلك، كان هو الحاكم دون الملك. وفي هذا وهن على الملك، وضعف في المملكة.

    وكذلك ليس له أن يحكم في الحلال والحرام والفروج والأحكام، وإن كان ولي عهد الملك، والمقلد إرث أبيه، والمحكوم له بالطاعة، إلا عن أمره ورأيه.

    وليس له، إذا جمعته والملك دار واحدة، أن يأكل إلا بأكل الملك. ولا أن يشرب إلا بشربه، ولا أن ينام إلا بمنامه. وكذا يجب عليه، في كل شيء من أموره السارة والضارة أن يكون له تابعاً، ولحركته تالياً.

    وليس هذا على من دون ابن الملك من بطانته وسائر رعيته. لأن ابن الملك عضو من أعضائه، وجزء من أجزائه، والملك اصل، والابن فرع، والفرع تابع للأصل، والأصل مستغنٍ عن الفرع.

    وليس لابن الملك أن يرضى عمن سخط عليه الملك، وإن كان المسخوط عليه لا ذنب له عنده، لأن من العدل والحق عليه أن يوالي من والى الملك، ويعادي من عاداه. ولا ينظر في هذا إلى خط نفسه، وارادة طبعه، حتى يبلغ من حق الملك ما أن وجد إلى غيلته سبيلاً أن يقتله، وعلى هذا ينبغي أن يكون نظام العامة لملكها.

    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 21:27

    شهوة الاستبدال لدى الملك: وقد تحدث في أخلاق الملك ملالة لشهوة الاستبدال فقط. فليس لصاحب الملك، إذا أحدث الملك خلقاً، أن يعارضه بمثله، ولا إذا رأى نبوةً وازورارةً، أن يحدث مثله، فإنه متى فعل ذلك فسدت نيته، ومن فسدت نيته عادت طاعته معصيةً، وولايته عداوةً. ومن عادى الملك، فنفسه عادى، وإياها أهان.

    ولكن عليه، إذا أحدث الملك الخلق الذي عليه بنية أكثر الملوك، أن يحتال في صرف قلبه إليه. والحيلة في ذلك يسيرة: إنما هو يطلب خلوته، فيلهيه بنادرةٍ مضحكة، أو ضرب مثلٍ نادرٍ، أو خيرٍ كان عنه مغطى، فيكشفه له. كما فعل بعض سمار ملوك الأعاجم: أظهر الملك له جفوة الملالة فقط، فلما رأى ذلك، تعلم نباح الكلاب، وعواء الذئاب، ونهيق الحمير، وصياح الديوك، وشحيج البغال، وصهيل الخيل.

    ثم احتال حتى دخل موضعاً يقرب من مجلس الملك وفراشه يخفي أمره. فنبح نباح الكلاب، فلم يشك الملك أنه كلب وابن كلب. فقال: انظروا ما هذا؟ فعوى عواء الذئاب، فنزل الملك عن سريره.

    فنهق نهيق الحمار، ومر الملك هارباً.

    وجاء غلمانه يتبعون الصوت، فلما دنوا منه، أحدث معنىً آخر، فأحجموا عنه. ثم اجتمعوا فاقتحموا عليه، فأخرجوه وهو عريان مختبئ.

    فلما نظروا إليه، قالوا للملك:

    هذا مازيار المضحك! فضحك الملك حتى تبسط، وقال: ويلك! ما حملك على هذا؟ قال: إن الله مسخني كلباً وذئباً وحماراً، لما غضب علي الملك.

    فأمر أن يخلع عليه، ويرد إلى موضعه.

    وهذا لا يفعله إلا أهل الطبقة السفلى. فأما الاشراف، فلهم حيل غير هذه، مما يشبه أقدارهم.

    كما فعل روح بن زنباع، وكان أحد دهاة العرب. رأى من عبد الملك بن مروان نبوةً وإعراضاً. فقال للوليد: ألا ترى ما أنا فيه من إعراض أمير المؤمنين عني بوجهه، حتى لقد فغرت السباع أفواهها نحوي، وأهوت بمخالبها إلى وجهي؟ فقال له الوليد: احتل في حديث يضحكه! فقال روح: إذا اطمأن بنا المجلس، فسلني عن عبد الله بن عمر، هل كان يمزح أو يسمع مزاحاً؟ فقال الوليد: أفعل.

    وتقدم، فسبقه بالدخول، وتبعه روح. فلما اطمأن بهم المجلس، فقال الوليد لروح: هل كان ابن عمر يسمع المزاح؟ قال: حدثني ابن أبي عتيق أن امرأته عاتكة بنت عبد الرحمن هجته فقالت:

    ذهب الإله بما تعيش به ... وقمرت ليلك أيما قمر

    أنفقت مالك غير محتشمٍ ... في كل زانيةٍ وفي الخمر!

    قال: وكان ابن أبي عتيق صاحب غزل وفكاهة، فأخذ هذين البيتين، وهما في رقعة، فخرج بهما، فإذا هو بعبد الله بن عمر، فقال: يا أبا عبد الرحمن! انظر في هذه الرقعة، وأشر علي برأيك فيها.

    فلما قرأها، استرجع عبد الله. فقال: ما ترى فيمن هجاني بهذا؟ قال عبد الله: أرى أن تصفو وتصفح! قال: والله، يا أبا عبد الرحمن، لئن لقيت قائلها لأنيلنه نيلاً جيداً! فأخذ ابن عمر أفكل واربد لونه، وقال: ويلك، أما تستحي أن تعصي الله؟ قال: هو والله ما قلت لك! وافترقا. فلما كان بعد ذلك بأيام، لقيه فأعرض ابن عمر بوجهه. فقال: بالقبر ومن فيه، إلا ما سمعت كلامي! فتحوب عبد الله، فوقف وأعرض عنه بوجهه. فقال: علمت، يا أبا عبد الرحمن، أني لقيت قائل ذلك الشعر فنلته؟ فصعق ابن عمر، ولبط به. فلما رأى ما حل به، دنا من أذنه فقال: إنها امرأتي.

    فقام ابن عمر، فقبل ما بين عينيه.

    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 21:29

    صلاح الجفوة في التأديب

    وعلى أنه ربما كانت جفوة الملك أصلح في تأديب الصاحب من اتصاله بالأنس، وإن كان ذلك لا يقع بموافقة المجفو، لأن فيها فراغ المجفو لنفسه، وتخلصه لأمره، ولما كان لا يمكنه الفراغ له من مهم أمره. وفيها أيضاً أنه إن كان المجفو من أهل السمر، وأصحاب الفكاهات، فبالحرى أن يستفيد بتلك الجفوة علماً طريفاً محدثاً له بالكتب ودراستها أو بالمشاهدة والملاقاة، وربما كان لا يمكنه قبل ذلك، وهو في شغله. ومنها أن جفوة الملك ربما أدبت الصاحب الأدب الكبير.

    وذاك أنه كل من أنفس الملك مجلسه، وطال معه قعوده، وبه أنسه تمنى الفراغ، وطلبت منه نفسه التخلص والراحة والخلوة لإرادة نفسه. كما أنه من كثر فراغه وقل أناسه، جفي واطرح، وطلب الشغل والأنس وما أشبه ذلك. فبهذه الأخلاق ركبت الفطر، وجبلت النفوس.

    فإذا جاءه الفراغ الذي كان يطلبه ويتمناه من الجهة التي لم يقدرها، طلبت نفسه الموضع الذي يمله، والشغل الذي كان يهرب منه.

    ومنها أنه كان في عز ومنعةٍ، وأمرٍ ونهيٍ، وكان مرغوباً إليه، مرهوباً منه، ثم لما حدثت جفوة الملك، أنكرها ما كان يعرف، وعصاه من كان له مطيعاً، وجفاه من كان به براً.

    ومنها أن جفوة الملك تحدث رقة على العامة، ورأفةً بهم، وتحدث للمجفو حسن نيةٍ.

    ومنها أن الرضى، إذا كان يعقب الجفوة، وجب على المجفو شكر الله تعالى على ما ألهم الملك فيه، فتصدق وأعطى، وصام وصلى.

    فكل شيءٍ من أمر الملك حسن في الرضا والسخط، والأخذ والمنع، والبذل والإعطاء، والسراء والضراء. غير أنه يجب على الحكيم المميز أن يجهد بكل وسع طاقته أن يكون من الملك بالمنزلة بين المنزلتين. فإنها أحرى المنازل بدوام النعمة، واستقامة الحال، وقلة التنافس، ومصارعة أهل الحسد والوشاة.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 21:30

    صفات المقربين من الملك


    وليس من أخلاق الملك أن يدني من عظم قدره، واتسع علمه، وطاب مركبه، أو ظهرت أمانته، أو كملت آدابه.

    وهذه الصفات هي جنس آخر يحتاج الملك إلى أصحابه ضرورة، لحاجته من القضاة إلى الفقه والأمانة، وحاجته من الطبيب إلى الحذق بالصناعة والركانة، وحاجته من الكاتب تحبير الألفاظ، ومعرفة مخارج الكلام، والإيجاز في الكتب، وما أشبه ذلك.

    فأما القرناء والمحدثون وأصحاب الملاهي ومن أشبههم، فكل من دنا منهم من الملك، وعلق به، كائناً من كان، ومن حيث كان.

    وكذا وجدنا في كتب الأعاجم وملوكها.

    وفيما يذكر عن أنوشروان انه قال: صاحبك من علق بثوبك.

    وكذا وجدنا في أمثال كليلة ودمنة أن الملك مثل الكرم الذي لا يتعلق بأكرم الشجر، إنما يتعلق بمن دنا منه. وقد نجد مصداق ذلك عياناً في كل دهر، وأخبار كل زمان.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 21:31

    سخاء الملك وحياؤه


    ومن أخلاق الملك الكرم والسخاء.

    فهما قرينا كل ملكٍ كان على وجه الأرض. ولو قال قائل إنهما ركبا في الملوك كتركيب الأعضاء والجوارح، كان له أن يقول؛ إذ كنا لم نشاهد، ولم يبلغنا عمن مضى من الملوك، ملوك العجم ومن كان قبلهم، وملوك الطوائف وغيرهم، القحة والبخل.

    فأما السخاء، فلو لم يكن أحد طبائع الملوك، كان يجب أن يكون باكتسابٍ إن كان الملك من أهل التمييز؛ وذلك انه يفيد أكثر مما ينفق. فإذا كانت هذه صفة كل ملك، فما عليه من اتخاذ الصنائع، وعم المنن، والإحسان إلى من نأى عنه أو دنا منه من أو ليائه، والرحمة للفقير والمسكين، والعائدة إلى أهل الحاجة. وأما الحياء، فهو من أجناس الرحمة.

    وحقيق للملك، إذ كان الراعي، أن يرحم رعيته؛ وإذ كان الإمام، أن يرق على المؤتم به، وإذ كان المولى، أن يرحم عبده.

    فقد تخطي العامة، وكثير من الخاصة، في الملوك، حتى يسمونهم بغير أسمائهم، ويصفونهم بغير صفاتهم، وينحلونهم البخل والإمساك، إذا رأوا الملك على سننٍ من القصد، وعدلٍ من حد الإنفاق، ويغفلون عما أدب الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم، بقوله عز وجل: " ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ".

    وبمدحه الصالحين من عباده بالقصد في ذات أيديهم، بعلمهم أن أرضى الأحوال عنده، ما دخل في باب الاقتصاد، بقوله: " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً ".

    وقد ذكر بعض من لا يعلم، في كتاب ألفه في البخلاء من الملوك، أن هشام بن عبد الملك بن مروان، ومروان بن محمد، وأبا جعفر المنصور وغيره منهم. ولولا أنا احتجنا إلى الأخبار عن جهل هذا، لم يكن لذكره معنى، ولا للتشاغل بالرد عليه. وكيف يكون المنصور ممن دخل في جملة هذا القول، ولا يعلم أن أحداً من خلفاء الإسلام، ولا ملوك الأمم، وصل بألف ألفٍ لرجلٍ واحدٍ غيره! ولقد فرق على جماعة من أهل بيته عشرة آلاف ألف درهم. ذكر ذلك الهيثم بن عدي والمدايني.

    وحدثني بعض أصحابنا عن أبيه عن زيد مولى عيسى بن نهيك، قال: دعاني المنصور، بعد موت مولاي،

    فقال: يا زيد! قلت: لبيك يا أمير المؤمنين! قال: كم خلف أبو يزيد من المال؟ قلت: ألف دينار أو نحوها. قال: فأين هي؟ قلت: أنفقتها الحرة في مأتمه.

    قال: فاستعظم ذلك، وقال: أنفقت في مأتمه ألف دينار! ما أعجب هذا! ثم قال: كم خلف من البنات؟ قلت: ستاً! فأطرق ملياً، ثم رفع رأسه وقال: أغد إلى باب المهدي.

    فغدوت، فقيل لي: معك بغال؟ فقلت: لم أؤمر بإحضار بغلٍ ولا غيره، ولا أدري لم دعيت.

    قال: فأعطيت ثمانين ومائة ألف دينار، وأمرت أن أدفع لكل واحدةٍ من بنات عيسى ثلاثين ألف دينار. ففعلت. ثم دعاني المنصور فقال: قبضت ما أمرنا به لبنات أبي يزيد؟ قلت: نعم، يا أمير المؤمنين! قال: أغد علي بأكفائهن، حتى أزوجهن منهم.

    قال: فغدوت عليه بثلاثة من ولد العكي وثلاثة من آل نهيكٍ من بني عمهن. فزوج كل واحدة منهن على ثلاثين ألف درهم، وأمر أن يجعل صداقهن من ماله. وأمرني أن أشتري بما أمر لهن ضياعاً يكون معاشهن منها.

    فلما سمع هذا الجاهل المائن بمثل هذه المكارم لعربي أو أعجمي! ولو أردنا أن نذكر محاسن المنصور على التفصيل والتقصي، لطال بها الكتاب، وكثرت فيه الأخبار.

    وقلما استعملت العامة وكثير من الخاصة التمييز، إيثاراً للتقليد. إذ كان أقل في الشغل، وأدل على الجهل، وأخف في المؤونة. وحسبك من جهل العامة أنها تفضل السمين على النحيف، وإن كان السمين مأفوناً، والنحيف ذا فضائل؛ وتفضل الطويل على القصير، لا للطول ولكن لشيء آخر لا ندري ما هو، وتفضل راكب الدابة على راكب البغل، وراكب البغل على راكب الحمار، اقتصاراً على التقليد إذ كان أسهل في المأتى، وأهون في الاختيار.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23915
    تم شكره : 24
    القوس

    ((  التاج في أخلاق الملوك  ))  للجاحظ - صفحة 3 Empty رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى الجمعة 17 مايو 2013 - 21:32

    اعتلال الملك


    ومن حق الملك إذا اعتل، أن لا تطلب خاصته الدخول عليه في ليل ولا نهار، حتى يكون هو الذي يأمر بالإذن لمن حضر، وأن لا يرفع إليه الحاجب أسماءهم مبتدئاً، حتى يأذن له. فإذا أذن له بالدخول، فمن حقه أن لا تدخل عليه الطبقة العالية مع التي دونها، ولا يدخل عليه من هذه الطبقة جماعة، ومن غيرها جماعة.

    ولكن على الحاجب أن يحضر الطبقات الثلاث كلها أو من حضر منها، ثم يأذن للعليا جملةً. فإذا دخلت، قامت بحيث مراتبها، فلم تسلم عليه، فتحوجه إلى رد السلام، فإذا علمت أنه قد لاحظها، دعت له دعاءً يسيراً موجزاً، ثم خرجت.

    ودخلت التي تليها، فقامت على مراتبها أقل من قيام الأولى، ودعت دعاءً أقل من دعاء الأولى، ثم دخلت بعدهما الثالثة، فكان حظها أن يراها فقط. وليس من عادة الملوك وقوف هذه الطبقة الثالثة، تتأمل الملك، وتدعو له، وتنظر إليه. وإنما مراتبها أن يراها فقط.


    ومن حق الملك أن لا ينصرف أحد من هذه الطبقات إلى رحله إلا في اليوم الذي كان فيه ينصرف في صحة الملك. وبالحرى ينبغي أن يبرح فناءً سيده ومالكه، انتظاراً لإفاقته من علته، وفحصاً عن ساعات مرضه.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء 27 نوفمبر 2024 - 12:19