إن كان الداخل من الأشراف والطبقة العالية، فمن حق الملك أن يقف منه بالموضع الذي لا ينأى عنه، ولا يقرب منه، وأن يسلم عليه قائماً. فإن استدناه، قرب منه، فأكب على أطرافه يقبلها، ثم تنحى عنه قائماً، حتى يقف في مرتبة مثله. فإن أومأ إليه بالقعود، قعد. فإن كلمه، أجابه بانخفاض صوتٍ، وقلة حركة. وإن سكت، نهض من ساعته، قبل أن يتمكن به مجلسه بغير تسليمٍ
3 مشترك
(( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 1
(( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
دخول الأشراف :
إن كان الداخل من الأشراف والطبقة العالية، فمن حق الملك أن يقف منه بالموضع الذي لا ينأى عنه، ولا يقرب منه، وأن يسلم عليه قائماً. فإن استدناه، قرب منه، فأكب على أطرافه يقبلها، ثم تنحى عنه قائماً، حتى يقف في مرتبة مثله. فإن أومأ إليه بالقعود، قعد. فإن كلمه، أجابه بانخفاض صوتٍ، وقلة حركة. وإن سكت، نهض من ساعته، قبل أن يتمكن به مجلسه بغير تسليمٍ
إن كان الداخل من الأشراف والطبقة العالية، فمن حق الملك أن يقف منه بالموضع الذي لا ينأى عنه، ولا يقرب منه، وأن يسلم عليه قائماً. فإن استدناه، قرب منه، فأكب على أطرافه يقبلها، ثم تنحى عنه قائماً، حتى يقف في مرتبة مثله. فإن أومأ إليه بالقعود، قعد. فإن كلمه، أجابه بانخفاض صوتٍ، وقلة حركة. وإن سكت، نهض من ساعته، قبل أن يتمكن به مجلسه بغير تسليمٍ
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 2
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
دخول الأوساط :
وإن كان الداخل من الطبقة الوسطى، فمن حق الملك، إذا رآه، أن يقف، وإن كان نائياً عنه. فإن استدناه، دنا خطى ثلاثاً أو نحوها، ثم وقف أيضاً. فإن استدناه، دنا نحواً من دنوه الأول، ولا ينظر إلى تعب الملك في إشارة أو تحريك جارحة؛ فإن ذلك، وإن كان فيه على الملك معاناة، فهو من حقه وتعظيمه.
وإن كان الداخل من الطبقة الوسطى، فمن حق الملك، إذا رآه، أن يقف، وإن كان نائياً عنه. فإن استدناه، دنا خطى ثلاثاً أو نحوها، ثم وقف أيضاً. فإن استدناه، دنا نحواً من دنوه الأول، ولا ينظر إلى تعب الملك في إشارة أو تحريك جارحة؛ فإن ذلك، وإن كان فيه على الملك معاناة، فهو من حقه وتعظيمه.
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 3
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
كيفية الدخول على الملك :
وإن كان دخوله عليه من الباب الأول الذي يقابل وجه الملك ويحاذيه - وكان له طريق عن يمينه أو شماله - عدل نحو الطريق الذي لا يقابله فيه بوجهه، ثم انحرف نحو مجلس الملك، فسلم قائماً ملاحظاً للملك. فإن سكت عنه، انصرف راجعاً من غير سلام ولا كلام؛ وإن استداناه، دنا خطى وهو مطرق، ثم رفع رأسه. فإن استدناه، دنا خطى أيضاً ثم رفع رأسه حتى إذا أمسك الملك عن إشارة أو حركةٍ، وقف في ذلك الموضع الذي يقطع الملك فيه إشارته، قائماً. فإن أومأ إليه بالقعود، قعد مقعياً أو جاثياً. فإن كلمه، أجابه بانخفاض صوتٍ، وقلة حركة، وحسن استماع. فإذا قطع الملك كلامه، قام فرجع القهقرى. فإن أمكنه أن يستتر عن وجهه بجدارٍ أو مسلكٍ لا يحاذيه إذا ولى، مشى كيف شاء.
وإن كان دخوله عليه من الباب الأول الذي يقابل وجه الملك ويحاذيه - وكان له طريق عن يمينه أو شماله - عدل نحو الطريق الذي لا يقابله فيه بوجهه، ثم انحرف نحو مجلس الملك، فسلم قائماً ملاحظاً للملك. فإن سكت عنه، انصرف راجعاً من غير سلام ولا كلام؛ وإن استداناه، دنا خطى وهو مطرق، ثم رفع رأسه. فإن استدناه، دنا خطى أيضاً ثم رفع رأسه حتى إذا أمسك الملك عن إشارة أو حركةٍ، وقف في ذلك الموضع الذي يقطع الملك فيه إشارته، قائماً. فإن أومأ إليه بالقعود، قعد مقعياً أو جاثياً. فإن كلمه، أجابه بانخفاض صوتٍ، وقلة حركة، وحسن استماع. فإذا قطع الملك كلامه، قام فرجع القهقرى. فإن أمكنه أن يستتر عن وجهه بجدارٍ أو مسلكٍ لا يحاذيه إذا ولى، مشى كيف شاء.
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 4
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
استقبال الملك للملوك :
وعلى الملك، إذا دخل عليه من يساويه في السلطان والتبع والعز والولادة والبيت، أن يقوم فيخطو إليه خطىً ويعانقه، ويأخذ بيده فيقعده في مجلسه، ويجلس دونه؛ لأن هذه حال يحتاج الملك إلى مثلها، من الداخل عليه، إذا زاره؛ فإن بخسه حظه ومنعه ما يجب له، لم يأمن الملك أن يفعل به مثل ذلك. ومتى فعل كل واحدٍ منهما بصاحبه ماهو خارج عن النواميس والشرائع، تولد من ذلك فساد، وحدثت ضغائن بين الملوك يقع بسببها التباغض والتعادي والتحاسد. وإذا اجتمع ذلك في المملكة، كان سبباً للبوار، وداعيةً إلى التجارب.
وعلى الملك، إذا دخل عليه من يساويه في السلطان والتبع والعز والولادة والبيت، أن يقوم فيخطو إليه خطىً ويعانقه، ويأخذ بيده فيقعده في مجلسه، ويجلس دونه؛ لأن هذه حال يحتاج الملك إلى مثلها، من الداخل عليه، إذا زاره؛ فإن بخسه حظه ومنعه ما يجب له، لم يأمن الملك أن يفعل به مثل ذلك. ومتى فعل كل واحدٍ منهما بصاحبه ماهو خارج عن النواميس والشرائع، تولد من ذلك فساد، وحدثت ضغائن بين الملوك يقع بسببها التباغض والتعادي والتحاسد. وإذا اجتمع ذلك في المملكة، كان سبباً للبوار، وداعيةً إلى التجارب.
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 5
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
وداع الملك للملوك :
وعلى الملك، إذا أراد هذا الذي قدمنا صفته، الأنصراف، أن يقوم معه إذا قام، ويدعو بدابته ليركب حيث يراه، ويشيعه ماشياً، قبل ركوبه، خطى يسيرةً، ويأمر حشمه بالسعي بين يديه.
وعلى هذا كانت أخلاق آل ساسان من الملوك وأبنائهم، وبهذه السياسة أخذهم أردشير بن بابك، فلم تزل فيهم حتى ملك كسرى أبرويز، فغيرها؛ فكان مما اعتد عليه شيرويه، ابنه، في ذكر مثالبه ومعايبه وقد قلنا إن من حق الملك أن لا يطيل أحد عنده القعود؛ فإن اخطأ مخطيء في ذلك، فمن إذن الملك له بالانصراف أن يلحظه. فإذا عرف ذلك فلم يقم، كان ممن يحتاج إلى أدبٍ، وكان الذي وصله بالملك ظالماً له ولنفسه.
وعلى الملك، إذا أراد هذا الذي قدمنا صفته، الأنصراف، أن يقوم معه إذا قام، ويدعو بدابته ليركب حيث يراه، ويشيعه ماشياً، قبل ركوبه، خطى يسيرةً، ويأمر حشمه بالسعي بين يديه.
وعلى هذا كانت أخلاق آل ساسان من الملوك وأبنائهم، وبهذه السياسة أخذهم أردشير بن بابك، فلم تزل فيهم حتى ملك كسرى أبرويز، فغيرها؛ فكان مما اعتد عليه شيرويه، ابنه، في ذكر مثالبه ومعايبه وقد قلنا إن من حق الملك أن لا يطيل أحد عنده القعود؛ فإن اخطأ مخطيء في ذلك، فمن إذن الملك له بالانصراف أن يلحظه. فإذا عرف ذلك فلم يقم، كان ممن يحتاج إلى أدبٍ، وكان الذي وصله بالملك ظالماً له ولنفسه.
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 6
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
ومن حق الملك، :
إذا تبذل مع أحد، وأنس به حتى طاعمه، أن لا ينبسط بين يديه في مطعمه؛ فإن في ذلك خلالاً مذمومةً: منها، أن انبساطه يدل على شرهه؛ ومنها، أن في ذلك سوء أدب، وقلة تمييز؛ ومنها، أن فيه جرأةً على الملك ببسط اليد، ومدها، وكثرة الحركة.
وليس في كثرة الأكل مع الملك معنىً يحمد، إلا أن يكون الآكل كميسرة التراس أو حفصٍ الكيال، الذين إنما يحضرون لكثرة الأكل فقط. فاما أهل الأدب، وذوو المروءة، فإنما حظهم من مائدة الملك المرتبة التي رفعهم إليها، والأنس الذي خصهم به.
إذا تبذل مع أحد، وأنس به حتى طاعمه، أن لا ينبسط بين يديه في مطعمه؛ فإن في ذلك خلالاً مذمومةً: منها، أن انبساطه يدل على شرهه؛ ومنها، أن في ذلك سوء أدب، وقلة تمييز؛ ومنها، أن فيه جرأةً على الملك ببسط اليد، ومدها، وكثرة الحركة.
وليس في كثرة الأكل مع الملك معنىً يحمد، إلا أن يكون الآكل كميسرة التراس أو حفصٍ الكيال، الذين إنما يحضرون لكثرة الأكل فقط. فاما أهل الأدب، وذوو المروءة، فإنما حظهم من مائدة الملك المرتبة التي رفعهم إليها، والأنس الذي خصهم به.
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 7
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
المنصور والفتى الهاشمي :
قال: وحدثني ابراهيم بن السندي بن شاهك، عن أبيه، قال: دخل شاب من بني هاشم على المنصور، فاستجلسه ذات يومٍ، ودعا بغدائه، وقال للفتى: أدنه فقال الفتى: قد تغديت. فكف عنه الربيع، حتى ظننت أنه لم يفطن لخطاه. فلما نهض للخروج، أمهله.
فلما كان من وراء الستر، دفع في قفاه. فلما رأى الحجاب ذلك منه، دفعوا في قفاه حتى أخرجوه من الدار.
فدخل رجال من عمومة الفتى، فشكوا الربيع إلى المنصور. فقال المنصور: إن الربيع لا يقدم على مثل هذا، إلا وفي يده حجة؛ فإن شئتم أغضيتم على ما فيها، وإن شئتم سألته، وأنتم تسمعون. قالوا: فسله.
فدعا الربيع، وقصوا قصته. فقال الربيع: هذا الفتى كان يسلم من بعيد، وينصرف. فاستدناه أمير المؤمنين، حتى سلم عليه من قريب، ثم أمره بالجلوس. ثم تبذل بفضيلة المرتبة التي صيره فيها أن قال، حين دعاه إلى طعامه: قد فعلت. وإذن ليس عنده لمن أكل مع أمير المؤمنين إلا سد خلة الجوع. ومثل هذا لا يقومه القول دون الفعل
قال: وحدثني ابراهيم بن السندي بن شاهك، عن أبيه، قال: دخل شاب من بني هاشم على المنصور، فاستجلسه ذات يومٍ، ودعا بغدائه، وقال للفتى: أدنه فقال الفتى: قد تغديت. فكف عنه الربيع، حتى ظننت أنه لم يفطن لخطاه. فلما نهض للخروج، أمهله.
فلما كان من وراء الستر، دفع في قفاه. فلما رأى الحجاب ذلك منه، دفعوا في قفاه حتى أخرجوه من الدار.
فدخل رجال من عمومة الفتى، فشكوا الربيع إلى المنصور. فقال المنصور: إن الربيع لا يقدم على مثل هذا، إلا وفي يده حجة؛ فإن شئتم أغضيتم على ما فيها، وإن شئتم سألته، وأنتم تسمعون. قالوا: فسله.
فدعا الربيع، وقصوا قصته. فقال الربيع: هذا الفتى كان يسلم من بعيد، وينصرف. فاستدناه أمير المؤمنين، حتى سلم عليه من قريب، ثم أمره بالجلوس. ثم تبذل بفضيلة المرتبة التي صيره فيها أن قال، حين دعاه إلى طعامه: قد فعلت. وإذن ليس عنده لمن أكل مع أمير المؤمنين إلا سد خلة الجوع. ومثل هذا لا يقومه القول دون الفعل
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 8
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
على مائدة اسحق بن ابراهيم
حدثني أحمد بن عبد الرحمن الحراني، قال: كنت أحضر على مائدة اسحق بن إبراهيم، أنا وهاشم ابن أخي الأبرد والناقدي؛ فكنت أعد على مائدته ثلاثين طائراً. فأما الحلو والحامض والحار والقار، فاكثر من أن أحصيه. فلا نرزأ من ذلك كله إلا مقدار ما يأكل الطائر. إنما نكسر الخبز بأظفارنا.
قلت: فما كان ينشطكم؟
قال: لا ولو فعل ما فعلناه.
قال: فما هو إلا أن نتوارى عن عينه حتى ننتهب.
حدثني أحمد بن عبد الرحمن الحراني، قال: كنت أحضر على مائدة اسحق بن إبراهيم، أنا وهاشم ابن أخي الأبرد والناقدي؛ فكنت أعد على مائدته ثلاثين طائراً. فأما الحلو والحامض والحار والقار، فاكثر من أن أحصيه. فلا نرزأ من ذلك كله إلا مقدار ما يأكل الطائر. إنما نكسر الخبز بأظفارنا.
قلت: فما كان ينشطكم؟
قال: لا ولو فعل ما فعلناه.
قال: فما هو إلا أن نتوارى عن عينه حتى ننتهب.
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 9
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
شرف مؤاكلة الملوك
وكذلك يجب للملوك أن لا يشره أحد إلى طعامهم، ولا يكون غرضه أن يملأ بطنه، وينصرف إلى رحله، إلا أن يكون الآكل أخا الملك، أو ابنه، أو عمه، أو ابن عمه، أو من أشبه هؤلاء؛ ويكون أيضاً ممن يقصر بعد الأكل ويطيل المنادمة، ويجعل ما يأكل غذاء يومه وليلته، إذ كان لا يمكنه الانصراف متى شاء.
والملك، وإن بسط الرجل لطعامه، فمن حقه على نفسه، وحق الملك عليه أن لا يترك استعمال الأدب، ولا يميل إلى ما تهوى طبيعته؛ فإنه من عرف بالشره، لم يجب له اسم الأدب، ومن عرف بالنهم، زال عنه اسم التمييز.
وإذا وضع الملك بين يدي أحدٍ طعاماً، فليعلم ذلك الرجل أنه لم يضعه بين يديه ليأتي عليه، بل لعله، إن كان لم يقصد بذاك إلى إكرامه أو مؤانسته، أن يكون أراد أن يعرف ضبطه نفسه، إذا رأى ما يشتهي من بسطه لها.
وحسب الرجل، إذا أتحفه الملك بتحفة على مائدته، أن يضع يده عليها. فإن ذلك يجزئه، ويزيد في آدابه.
وكذلك يجب للملوك أن لا يشره أحد إلى طعامهم، ولا يكون غرضه أن يملأ بطنه، وينصرف إلى رحله، إلا أن يكون الآكل أخا الملك، أو ابنه، أو عمه، أو ابن عمه، أو من أشبه هؤلاء؛ ويكون أيضاً ممن يقصر بعد الأكل ويطيل المنادمة، ويجعل ما يأكل غذاء يومه وليلته، إذ كان لا يمكنه الانصراف متى شاء.
والملك، وإن بسط الرجل لطعامه، فمن حقه على نفسه، وحق الملك عليه أن لا يترك استعمال الأدب، ولا يميل إلى ما تهوى طبيعته؛ فإنه من عرف بالشره، لم يجب له اسم الأدب، ومن عرف بالنهم، زال عنه اسم التمييز.
وإذا وضع الملك بين يدي أحدٍ طعاماً، فليعلم ذلك الرجل أنه لم يضعه بين يديه ليأتي عليه، بل لعله، إن كان لم يقصد بذاك إلى إكرامه أو مؤانسته، أن يكون أراد أن يعرف ضبطه نفسه، إذا رأى ما يشتهي من بسطه لها.
وحسب الرجل، إذا أتحفه الملك بتحفة على مائدته، أن يضع يده عليها. فإن ذلك يجزئه، ويزيد في آدابه.
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 10
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
بين معاوية والحسن بن علي
ألا ترى إلى معاوية بن أبي سفيان، حين وضع بين يدي الحسن عليه السلام، دجاجةً، ففكها،
نظر إليه معاوية، فقال: هل كان بينك وبينها عداوة؟
فقال له الحسن: هل كان بينك وبين أمها قرابة؟.
إن هذا الكلام الذي دار بينهما قد قرح في قلب كل واحدٍ منهما. ومعاوية لم يقل هذا القول، لأنه كان يعظم عليه قدر الدجاجة.
فكيف يكون ذلك، وهو يكتب إلى أطرافه وعماله، ولى زيادٍ بالعراق بإطعام السابلة، والفقراء، وذوي الحاجة؟ وله في كل يومٍ أربعون مائدة يتقسمها وجود جند الشام؟
ولكن علم أن من حق الملك توقير مجلسه وتعظيمه، وليس من التوقير والتعظيم مد اليد، وإظهار القرم، وشدة النهم، وطلب التشبع بين يدي الملوك وبحضرتها.
وعلى هذا كانت ملوك الأعاجم من لدن أردشير بن بابك إلى يزدجرد.
ألا ترى إلى معاوية بن أبي سفيان، حين وضع بين يدي الحسن عليه السلام، دجاجةً، ففكها،
نظر إليه معاوية، فقال: هل كان بينك وبينها عداوة؟
فقال له الحسن: هل كان بينك وبين أمها قرابة؟.
إن هذا الكلام الذي دار بينهما قد قرح في قلب كل واحدٍ منهما. ومعاوية لم يقل هذا القول، لأنه كان يعظم عليه قدر الدجاجة.
فكيف يكون ذلك، وهو يكتب إلى أطرافه وعماله، ولى زيادٍ بالعراق بإطعام السابلة، والفقراء، وذوي الحاجة؟ وله في كل يومٍ أربعون مائدة يتقسمها وجود جند الشام؟
ولكن علم أن من حق الملك توقير مجلسه وتعظيمه، وليس من التوقير والتعظيم مد اليد، وإظهار القرم، وشدة النهم، وطلب التشبع بين يدي الملوك وبحضرتها.
وعلى هذا كانت ملوك الأعاجم من لدن أردشير بن بابك إلى يزدجرد.
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 11
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
شره القضاة
ويقال إن سابورذا الأكتاف، لما مات موبذان موبذ، وصف له رجل من كورة إصطخر، يصلح لقضاء القضاة في العلم والتأله والأمانة. فوجه إليه، فلما قدم، دخل عليه، ودعا بالطعام إليه، فدنا، فأكل معه.
فأخذ سابور دجاجةً فنصفها،ووضع نصفها بين يدي الرجل، ونصفها بين يديه, ثم أومأ إليه أن كل من هذه، ولا تخلط بها طعاماً، فإنه أمرأ لطعامك، وأخف على معدتك.
وأقبل سابور على النصف، فأكل كنحو ما كان يأكل. ففرغ الرجل من النصف، قبل فراغ سابور، ثم مد يده إلى طعام آخر، وسابور يلحظه.
فلما رفعت المائدة، قال له: ودع وانصرف إلى بلدك. فإن آباءنا وسلفنا من الملوك، كانوا يقولون: من شره بين يدي الملك إلى الطعام، كان إلى أموال الرعية والسوقة والوضعاء أشد شرهاً. فلم يستكفه على ما كان أحضره له.
ويقال إن سابورذا الأكتاف، لما مات موبذان موبذ، وصف له رجل من كورة إصطخر، يصلح لقضاء القضاة في العلم والتأله والأمانة. فوجه إليه، فلما قدم، دخل عليه، ودعا بالطعام إليه، فدنا، فأكل معه.
فأخذ سابور دجاجةً فنصفها،ووضع نصفها بين يدي الرجل، ونصفها بين يديه, ثم أومأ إليه أن كل من هذه، ولا تخلط بها طعاماً، فإنه أمرأ لطعامك، وأخف على معدتك.
وأقبل سابور على النصف، فأكل كنحو ما كان يأكل. ففرغ الرجل من النصف، قبل فراغ سابور، ثم مد يده إلى طعام آخر، وسابور يلحظه.
فلما رفعت المائدة، قال له: ودع وانصرف إلى بلدك. فإن آباءنا وسلفنا من الملوك، كانوا يقولون: من شره بين يدي الملك إلى الطعام، كان إلى أموال الرعية والسوقة والوضعاء أشد شرهاً. فلم يستكفه على ما كان أحضره له.
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 12
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
الملك وضيوفه على المائدة
ومن حق الملك أن لا يرفع أحد إليه طرفه، إذا أكل، ولا يحرك يده معه في صحفة.
ومن قوانين الملك أن توضع بين يدي كل رجلٍ صحفة، فيها كالذي بين يدي الملك من طعام غليظٍ أو دقيقٍ أو حارٍ أو قار، ولا يخص الملك نفسه بطعام دون أصحابه، لأن في ذلك ضعةً على الملك، ودليلاً على الاستئثار.
ومن حق الملك أن لا يغسل أحد بحضرته يديه من خاصته وبطانته، إلا أن يكون معه من يساويه في الجاه، والعز، والبيت والولادة. فقد بينا ما يجب لأولئك آنفاً.
ومن العدل أن يعطي الملك كل أحد قسطه وكل طبقةٍ حقها، وأن تكون شريعة العدل في أخلاقه كشريعة ما يقتدي به من أداء الفرائض والنوافل التي تجب عليه رعايتها والمثابرة على التمسك بها، وإيناس الناس في بسط أيديهم في الطعام، حتى يسوي في ذلك بين الملوك والنمط الأوسط والعامة.
وليس أخلاق الملوك كأخلاق العامة. وكانوا لا يشبهون في شيء. وإنما تحسن كثرة الأكل مع الصديق والعشير والمساوي في منازل الدنيا من الرفعة والضعة. فأما الملوك، فيرتفعون عن هذه الصفة، ويجلون عن هذا المقدار.
ومن حق الملك، إذا رفع يديه عن الطعام، أن ينهض عن مائدته كل من الحاف بها، حتى يواروا عنه بجدارٍ أو حائلٍ غيره. فإن أراد الدخول، كان ذلك بحيث لا يرون قيامه، وإذا أراد القعود لهم، دخلوا إليه بإذن ثانٍ.
ومن قوانين الملك أن يكون منديل غمره كمنديل وجهه، في النقاء والبياض، وأن لا يعاد إليه إلا أن يغسل أو يجدد.
ومن حق الملك أن لا يرفع أحد إليه طرفه، إذا أكل، ولا يحرك يده معه في صحفة.
ومن قوانين الملك أن توضع بين يدي كل رجلٍ صحفة، فيها كالذي بين يدي الملك من طعام غليظٍ أو دقيقٍ أو حارٍ أو قار، ولا يخص الملك نفسه بطعام دون أصحابه، لأن في ذلك ضعةً على الملك، ودليلاً على الاستئثار.
ومن حق الملك أن لا يغسل أحد بحضرته يديه من خاصته وبطانته، إلا أن يكون معه من يساويه في الجاه، والعز، والبيت والولادة. فقد بينا ما يجب لأولئك آنفاً.
ومن العدل أن يعطي الملك كل أحد قسطه وكل طبقةٍ حقها، وأن تكون شريعة العدل في أخلاقه كشريعة ما يقتدي به من أداء الفرائض والنوافل التي تجب عليه رعايتها والمثابرة على التمسك بها، وإيناس الناس في بسط أيديهم في الطعام، حتى يسوي في ذلك بين الملوك والنمط الأوسط والعامة.
وليس أخلاق الملوك كأخلاق العامة. وكانوا لا يشبهون في شيء. وإنما تحسن كثرة الأكل مع الصديق والعشير والمساوي في منازل الدنيا من الرفعة والضعة. فأما الملوك، فيرتفعون عن هذه الصفة، ويجلون عن هذا المقدار.
ومن حق الملك، إذا رفع يديه عن الطعام، أن ينهض عن مائدته كل من الحاف بها، حتى يواروا عنه بجدارٍ أو حائلٍ غيره. فإن أراد الدخول، كان ذلك بحيث لا يرون قيامه، وإذا أراد القعود لهم، دخلوا إليه بإذن ثانٍ.
ومن قوانين الملك أن يكون منديل غمره كمنديل وجهه، في النقاء والبياض، وأن لا يعاد إليه إلا أن يغسل أو يجدد.
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 13
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
الحديث على المائدة
ومن حق الملك أن لا يحدث على طعامه بحديث جدٍ ولا هزل. وإن ابتدأ بحديثٍ، فليس من حقه أن يعارض بمثله. وليس فيه أكثر من الاستماع لحديثه، والأبصار خاشعة.
ولشيءٍ ما، كانت ملوك آل ساسان، إذا قدمت موائدهم، زمزموا عليها، فلم ينطق ناطق بحرفٍ حتى ترفع. فإن اضطروا إلى كلام، كان مكانه إشارة وإيماء يدل على الغرض الذي أرادوا، والمعنى الذي قصدوا.
ومن حق الملك أن لا يحدث على طعامه بحديث جدٍ ولا هزل. وإن ابتدأ بحديثٍ، فليس من حقه أن يعارض بمثله. وليس فيه أكثر من الاستماع لحديثه، والأبصار خاشعة.
ولشيءٍ ما، كانت ملوك آل ساسان، إذا قدمت موائدهم، زمزموا عليها، فلم ينطق ناطق بحرفٍ حتى ترفع. فإن اضطروا إلى كلام، كان مكانه إشارة وإيماء يدل على الغرض الذي أرادوا، والمعنى الذي قصدوا.
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 14
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
طبقات الندماء
ومن أخلاق الملك أن يجعل ندماءه طبقات ومراتب، وأن يخص ويعم، ويقرب ويباعد، ويرفع ويضع، إذ كانوا على أقسامٍ وأدوات. فإنا قد نرى الملك يحتاج إلى الوضيع للهوه، كما يحتاج إلى الشجاع لبأسه، ويحتاج إلى المضحك لحكايته، كما يحتاج إلى الناسك لعظته، ويحتاج إلى أهل الهزل، كما يحتاج إلى أهل الجد والعقل ويحتاج إلى الزامر المطرب، كما يحتاج إلى العالم المتقن. وهذه أخلاق الملوك، أن يحضرهم كل طبقةٍ، إذ كانوا ينصرفون من حال جدٍ إلى حال هزلٍ، ومن ضحك إلى تذكير، ومن لهوٍ إلى عظةٍ. فكل طبقةٍ من هذه الطبقات ترفع مرةً وتحط أخرى، وتعطي مرةً وتحرم أخرى، خلا الأشراف والعلماء، فإن الذي يجب لهم رفعة المرتبة، وإعطاء القسط من الميزة، والنصفة من المعاشرة، ما لزموا الطاعة ورعوا حقها.
ومن أخلاق الملك أن يجعل ندماءه طبقات ومراتب، وأن يخص ويعم، ويقرب ويباعد، ويرفع ويضع، إذ كانوا على أقسامٍ وأدوات. فإنا قد نرى الملك يحتاج إلى الوضيع للهوه، كما يحتاج إلى الشجاع لبأسه، ويحتاج إلى المضحك لحكايته، كما يحتاج إلى الناسك لعظته، ويحتاج إلى أهل الهزل، كما يحتاج إلى أهل الجد والعقل ويحتاج إلى الزامر المطرب، كما يحتاج إلى العالم المتقن. وهذه أخلاق الملوك، أن يحضرهم كل طبقةٍ، إذ كانوا ينصرفون من حال جدٍ إلى حال هزلٍ، ومن ضحك إلى تذكير، ومن لهوٍ إلى عظةٍ. فكل طبقةٍ من هذه الطبقات ترفع مرةً وتحط أخرى، وتعطي مرةً وتحرم أخرى، خلا الأشراف والعلماء، فإن الذي يجب لهم رفعة المرتبة، وإعطاء القسط من الميزة، والنصفة من المعاشرة، ما لزموا الطاعة ورعوا حقها.
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 15
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
في حضرة الملك
وليس من حق الملك أن يبرح أحد من مجلسه إلا لقضاء حاجة. فإذا أراد ذلك، فمن الواجب أن لا يلاحظه، فإن سكت الملك قام بين يديه، ثم لاحظه، فإن نظر إليه، مضى لحاجته. فإذا رجع، قام ماثلاً بين يديه أبداً، وإن طال ذلك، حتى يوميء إليه بالقعود، فإذا قعد، فمقعياً أو جاثياً. فإن نظر إليه، بعد قعوده، فهو إذنه له بالتمكن في قعوده. وليس له أن يختار كمية ما يشرب ولا كيفيتها، إنما هذا إلى الملك، إلا أن من حقه على الملك أن يأمر بالعدل عليه، والنصفة له، ولا يجاوز به حد طاقته، ولا وسع استطاعته، فيخرج به من ميزان القسط، وحد القصد: لأنه لا يأمن أن يتلف نفساً، وهو يجد إلى إحيائها سبيلاً. ومن أخلاق الملك السعيد أن يحرص على إحياء بطانته، حرصه على إحياء نفسه، إذ كان بهم نظامه
وليس من حق الملك أن يبرح أحد من مجلسه إلا لقضاء حاجة. فإذا أراد ذلك، فمن الواجب أن لا يلاحظه، فإن سكت الملك قام بين يديه، ثم لاحظه، فإن نظر إليه، مضى لحاجته. فإذا رجع، قام ماثلاً بين يديه أبداً، وإن طال ذلك، حتى يوميء إليه بالقعود، فإذا قعد، فمقعياً أو جاثياً. فإن نظر إليه، بعد قعوده، فهو إذنه له بالتمكن في قعوده. وليس له أن يختار كمية ما يشرب ولا كيفيتها، إنما هذا إلى الملك، إلا أن من حقه على الملك أن يأمر بالعدل عليه، والنصفة له، ولا يجاوز به حد طاقته، ولا وسع استطاعته، فيخرج به من ميزان القسط، وحد القصد: لأنه لا يأمن أن يتلف نفساً، وهو يجد إلى إحيائها سبيلاً. ومن أخلاق الملك السعيد أن يحرص على إحياء بطانته، حرصه على إحياء نفسه، إذ كان بهم نظامه
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 16
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
مراتب الندماء والمغنين لدى الفرس وفي الإسلام
وإذ قد انتهينا إلى هذا القانون من القول، فبنا حاجة إلى الإخبار عن مراتب الطبقات الثلاث من الندماء والمغنين، وإن كانت مراتبهم في كتاب الأغاني محصورة، فقد يجب ذكرها في هذا الموضع أيضاً، لأنها داخلة في أخلاق الملوك.
ولنبدأ بملوك العجم،
إذ كانوا هم الأول في ذلك، وعنهم أخذنا قوانين الملك والمملكة، وترتيب الخاصة والعامة، وسياسة الرعية، وإلزام كل طبقة حظها، والاقتصار على جديلتها: كان أردشير بن بابك أول من رتب الندماء، وأخذ بزمام سياستهم، فجعلهم ثلاث طبقات:
الطبقة الأولى فكانت الأساورة وأبناء الملوك في الطبقة الأولى، وكان مجلس هذه الطبقة من الملك على عشرة أذرع من الستارة؛ ثم
الطبقة الثانية
الطبقة الثانية، كان مجلسها من هذه الطبقة على عشرة أذرع وهم بطانة الملك وندماؤه ومحدثوه من أهل الشرف والعلم.
الطبقة الثالثة
الطبقة الثالثة، كان مجلسهم على عشرة أذرع من الثانية، وهم المضحكون وأهل الهزل والبطالة. غير أنه لم يكن، في هذه الطبقة الثالثة، خسيس الأصل ولا وضيعه ولا ناقص الجوارح، ولا فاحش الطول والقصر، ولا مؤوف، ولا مرسي بأبنةٍ، ولا مجهول الأبوين، ولا ابن صناعة دنيئة، كابن حائك أو حجام، ولو كان يعلم الغيب مثلاً.
وكان أردشير يقول:
ما شيء أضر على نفس ملكٍ من معاشرة سخيفٍ، أو مخاطبة وضيعٍ؛ لأنه كما أن النفس تصلح على مخاطبة الشريف الأديب الحسيب، كذلك تفسد بمعاشرة الدنيء الخسيس حتى يقدح ذلك فيها، ويزيلها عن فضيلتها؛ وكما أن الربح إذا مرت بطيبٍ، حملت طيباً تحيا به النفس، وتقوى به جوارحها، كذلك إذا مرت بالنتن، فحملته، ألمت له النفس، وأضر بأعلاقها أضراراً تاماً.
وإذ قد انتهينا إلى هذا القانون من القول، فبنا حاجة إلى الإخبار عن مراتب الطبقات الثلاث من الندماء والمغنين، وإن كانت مراتبهم في كتاب الأغاني محصورة، فقد يجب ذكرها في هذا الموضع أيضاً، لأنها داخلة في أخلاق الملوك.
ولنبدأ بملوك العجم،
إذ كانوا هم الأول في ذلك، وعنهم أخذنا قوانين الملك والمملكة، وترتيب الخاصة والعامة، وسياسة الرعية، وإلزام كل طبقة حظها، والاقتصار على جديلتها: كان أردشير بن بابك أول من رتب الندماء، وأخذ بزمام سياستهم، فجعلهم ثلاث طبقات:
الطبقة الأولى فكانت الأساورة وأبناء الملوك في الطبقة الأولى، وكان مجلس هذه الطبقة من الملك على عشرة أذرع من الستارة؛ ثم
الطبقة الثانية
الطبقة الثانية، كان مجلسها من هذه الطبقة على عشرة أذرع وهم بطانة الملك وندماؤه ومحدثوه من أهل الشرف والعلم.
الطبقة الثالثة
الطبقة الثالثة، كان مجلسهم على عشرة أذرع من الثانية، وهم المضحكون وأهل الهزل والبطالة. غير أنه لم يكن، في هذه الطبقة الثالثة، خسيس الأصل ولا وضيعه ولا ناقص الجوارح، ولا فاحش الطول والقصر، ولا مؤوف، ولا مرسي بأبنةٍ، ولا مجهول الأبوين، ولا ابن صناعة دنيئة، كابن حائك أو حجام، ولو كان يعلم الغيب مثلاً.
وكان أردشير يقول:
ما شيء أضر على نفس ملكٍ من معاشرة سخيفٍ، أو مخاطبة وضيعٍ؛ لأنه كما أن النفس تصلح على مخاطبة الشريف الأديب الحسيب، كذلك تفسد بمعاشرة الدنيء الخسيس حتى يقدح ذلك فيها، ويزيلها عن فضيلتها؛ وكما أن الربح إذا مرت بطيبٍ، حملت طيباً تحيا به النفس، وتقوى به جوارحها، كذلك إذا مرت بالنتن، فحملته، ألمت له النفس، وأضر بأعلاقها أضراراً تاماً.
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 17
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
أقسام الناس
وكذلك جعل الناس على أقسام أربعة، وحصر كل طبقة على قسمتها:
فالأول، الأساورة من أبناء الملوك؛
الثاني، النساك وسدنة بيوت النيران،
والقسم الثالث، الأطباء والكتاب والمنجمون،
والقسم الرابع، الزراع والمهان وأضرابهم.
وكان أردشير يقول:
ما شيء أسرع في انتقال الدول، وخراب المملكة من انتقال هذه الطبقات عن مراتبها، حتى يرفع الوضيع إلى مرتبة الشريف، ويحط الشريف إلى مرتبة الوضيع. وكان الذي يقابل الطبقة الأولى من الأساورة وأبناء الملوك، أهل الحذاقة بالموسيقيات والأغاني، فكانوا بإزاء هؤلاء نصب خط الاستواء.
وكان الذي يقابل الطبقة الثانية من ندماء االملك وبطانته، الطبقة الثانية من أصحاب الوسيقيات.
وكان الذي يقابل الطبقة الثالثة، من أصحاب الفكاهات والمضحكين أصحاب الونج والمعارف والطنابير، وكان لا يزمر الحاذق من الزامرين إلا على الحاذق من المغنين. وإن أمره الملك بذلك، راجعه واحتج عليه. وقلما كانت ملوك الأعاجم خاصة تأمر أن يزمر على المغني إلا من كان معه في أسلوب واحد، إذ لم يكن من شأنهم أن ينقلوا أحداً من طبقة وضيعة إلى طبقة
رفيعة. إلا أن الملك كان ربما غلب عليه السكر حتى يؤثر فيه، فيأمر الزامر الطبقة الثانية أو الثالثة أن يزمر على المغني من الطبقة الأولى، فيأبى ذلك، حتى إنه ربما ضربه الخدم بالمراوح والمذاب فيكون من اعتذاره أن يقول: إن كان ضربي بأمر الملك وعن رأيه، فإنه سيرضى عني إذا صحا، بلزومي مرتبتي.
وكان أردشير قد وكل غلامين ذكيين، لا يفارقان مجلسه، بحفظ ألفاظه عند الشرب والمنادمة. فأحدهما يمل والآخر يكتب حرفاً حرفاً، وهذا إنما يفعلانه، إذا غلب عليه السكر، فإذا أصبح، ورفع عن وجهه الحجاب، قرأ عليه الكاتب كل ما لفظ به في مجلسه إلى أن نام. فإذا قرأ به الزامر، ومخالفة الزامر أمره، دعا بالزامر، فخلع عليه وجزاه الخير، وقال: أصبت فيما فعلت، وأخطأ الملك فيما أمرك به. فهذا ثواب صوابك، وكذلك العقوبة لمن أخطأ، وعقوبتي أن لا نزمزم اليوم غلا على خبز الشعير والجبن. فلم يطعم في يومه ذلك غيرهما.
وما ذاك إلا حثاً على لزوم سنتهم، وحفظ نواميسهم، وأخذ العامة بالسياسة التامة، والأمر اللازم.
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 18
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
انقلاب الحال في عهد بهرام جور
فلم يزل على ذلك ملوك الأعاجم، حتى ملك بهرام جور بن يزدجرد، فأقر مرتبة الأشراف وأبناء الملوك، وسدنة بيوت النيران على ما كانت، وسوى بين الطبقتين من الندماء والمغنين، ورفع من أطربه، وإن كان في أوضع الدرجات، إلى الدرجة الأولى، وحط من قصر عن إرادته إلى الطبقة الثانية، فأفسد سيرة أردشير في المغنين وأصحاب الملاهي خاصةً، فلم يزل الأمر على ذلك، حتى ملك كسرى أنوشروان، فرد الطبقات إلى مراتبها الأولى.
الستار بين ملوك الأعاجم كلها من لدن أردشير بن بابك إلى يزدجرد تحتجب عن الندماء بستارة، فكان يكون بينه وبين أول الطبقات عشرون ذراعاً لأن الستارة من الملك على عشرة أذرع، والستارة من الطبقة الأولى على عشرة أذرع.
وكان الموكل بحفظ الستارة رجلاً من أبناء الأساورة، يقال له خرم باش، فإذا مات هذا الرجل، وكل بها آخر من أبناء الأساورة، وسمي بهذا فكان خرم باش، إذا جلس الملك لندمائه وشغله، أمر رجلاً أن يرتفع على أعلى مكان في قرار دار الملك، ويغرد بصوت رفيع يسمعه كل من حضر، فيقول: يا لسان، احفظ رأسك فإنك تجالس في هذا اليوم ملك الملوك! ثم ينزل.
فكان هذا فعلهم في كل يوم يجلس فيه الملك للهوه، ولا يجتريء أحد من خلق الله أن يدير لسانه في فيه بخير ولا غيره، حتى تحرك الستارة، فيطلع القائم عليها، فيؤمر بأمرٍ فينفذه، ويقول: افعل يا فلان كذا، وتغني، يا فلان، كذا وكذا.
وكان الندماء من العظماء والأشراف وأبناء الملوك وإخوة الملك وعمومته وبني عمه، وأوضع الطبقات في مجلس الملك في نقابٍ واحدٍ إطراقاً وإخباتاً وسكون طائر، وقلة حركة.
فلم يزل أمر الملوك من الأعاجم كذلك، حتى ملك الأردوان الأحمر، فكان يقول: من كانت له منكم حاجة، فليكتبها في رقعة، وليرفعها قبل شغلي، فأفهم ما فيها،
ويخرج إليه أمري، وعقلي صحيح، وفكري جامع.
فمن سأل، في غير هذا الوقت، حاجةً، ضربت عنقه، وهو أول من فتح هذا. وكان لا يرد سائلاً، ولا يعطي مبتدئاً. فلم يزل الأمر على ذلك، حتى ملك بهرام جور، فكان يقول للندماء: إذا رأيتموني قد طربت، وخرجت من باب الجد إلى باب الهزل، فسلوا حوائجكم.
وكان يوكل بحوائجهم صاحب الستارة. فكان إذا سكر، مد الناس أيديهم برقاعهم، فأخذها صاحب الستارة، فأنفذها إليه، فأخذها بيده، وضمها عليها، ثم رمى بها من غير أن ينظر في شيء منها، ويقول: أنفذوا كل ما فيها. فكان ذلك ربما بلغ في ليلة واحدة من سؤالٍ في إقطاع أو قضاء دينٍ أو طلب منحة ألف ألفٍ أو أكثر، إلا أن ذلك لم يكن تباعاً.
وكان إذا رفع أحدهم في رقعته ما ليس يجوز لمثله، وهو خارج من حد القصد وادخل في باب الإفراط، لم تقض له حاجة، وسمي جاهلاً، ولم تؤخذ له رقعة بعدها أبداً.
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 19
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
في عهد الأمويين
ثم لم يكن ذلك، بعد، في أخلاق الملوك من الأعاجم والعرب حتى ملك يزيد بن عبد الملك، فسوى بين الطبقة العليا والسفلى، وأفسد أقسام المراتب، وغلب عليه اللهو، واستخف بآيين المملكة، وأذن للندماء في الكلام والضحك والهزل في مجلسه والرد عليه. وهو أول من شتم في وجهه من الخلفاء، على جهة الهزل والسخف.
قلت لإسحق بن إبراهيم: هل كانت الخلفاء من بني أمية تظهر للندماء والمغنين؟.
قال: أما معاوية ومروان وعبد الملك والوليد وسليمان وهشام ومروان بن محمد، فكان بينهم وبين الندماء ستارة. وكان لا يظهر أحد من الندماء على ما يفعله الخليفة، إذا طرب للمغنى والتذه، حتى ينقلب ويمشي ويحرك كتفيه، ويرقص، ويتجرد حيث لا يراه إلا خواص جواريه. إلا أنه كان، إذا ارتفع من خلف الستارة، صوت أو نعير طرب أو رقص أو حركة بزفيرٍ تجاوز المقدار، قال صاحب الستارة: حسبك يا جارية! كفي! انتهى! أقصري! يوهم الندماء أن الفاعل لذلك بعض الجواري. فأما الباقون من خلفاء بني أمية، فلم يكونوا يتحاشون أن يرقصوا أو يتجردوا، ويحضروا عراةً بحضرة الندماء والمغنين. وعلى ذلك، لم يكن أحد منهم في مثل حال يزيد بن عبد الملك، والوليد بن يزيد في المجون والرفث بحضرة الندماء، والتجرد، ما يباليان ما صنعا.
قلت: فعمر بن عبد العزيز؟
قال: ما طن في سمعه حرف غناء، منذ أفضت الخلافة إليه إلى أن فارق الدنيا. فأما قبلها، وهو أمير المدينة، فكان يسمع الغناء، ولا يظهر منه إلا الأمر الجميل. وكان ربما صفق بيديه، وربما تمرغ على فراشه، وضرب برجليه وطرب. فأما أن يخرج عن مقدار السرور إلى السخف، فلا.
ثم لم يكن ذلك، بعد، في أخلاق الملوك من الأعاجم والعرب حتى ملك يزيد بن عبد الملك، فسوى بين الطبقة العليا والسفلى، وأفسد أقسام المراتب، وغلب عليه اللهو، واستخف بآيين المملكة، وأذن للندماء في الكلام والضحك والهزل في مجلسه والرد عليه. وهو أول من شتم في وجهه من الخلفاء، على جهة الهزل والسخف.
قلت لإسحق بن إبراهيم: هل كانت الخلفاء من بني أمية تظهر للندماء والمغنين؟.
قال: أما معاوية ومروان وعبد الملك والوليد وسليمان وهشام ومروان بن محمد، فكان بينهم وبين الندماء ستارة. وكان لا يظهر أحد من الندماء على ما يفعله الخليفة، إذا طرب للمغنى والتذه، حتى ينقلب ويمشي ويحرك كتفيه، ويرقص، ويتجرد حيث لا يراه إلا خواص جواريه. إلا أنه كان، إذا ارتفع من خلف الستارة، صوت أو نعير طرب أو رقص أو حركة بزفيرٍ تجاوز المقدار، قال صاحب الستارة: حسبك يا جارية! كفي! انتهى! أقصري! يوهم الندماء أن الفاعل لذلك بعض الجواري. فأما الباقون من خلفاء بني أمية، فلم يكونوا يتحاشون أن يرقصوا أو يتجردوا، ويحضروا عراةً بحضرة الندماء والمغنين. وعلى ذلك، لم يكن أحد منهم في مثل حال يزيد بن عبد الملك، والوليد بن يزيد في المجون والرفث بحضرة الندماء، والتجرد، ما يباليان ما صنعا.
قلت: فعمر بن عبد العزيز؟
قال: ما طن في سمعه حرف غناء، منذ أفضت الخلافة إليه إلى أن فارق الدنيا. فأما قبلها، وهو أمير المدينة، فكان يسمع الغناء، ولا يظهر منه إلا الأمر الجميل. وكان ربما صفق بيديه، وربما تمرغ على فراشه، وضرب برجليه وطرب. فأما أن يخرج عن مقدار السرور إلى السخف، فلا.
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 20
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
في عهد العباسيين
قلت: فخلفاؤنا؟ قال: كان أبو العباس في أول أيامه يظهر للندماء، ثم احتجب عنهم بعد سنة. أشار بذلك عليه أسيد بن عبد الله الخزاعي؛ وكان يطرب ويبتهج ويصيح من وراء الستارة: أحسنت والله! أعد هذا الصوت! فيعاد له مراراً.
فيقول في كلها: أحسنت. وكانت فيه فضيلة لا تجدها في أحد كان لا يحضره نديم ولا مغنٍ ولا ملهٍ، فينصرف، إلا بصلةٍ أو كسوةٍ، قلت أم كثرت.
وكان لا يؤخر إحسان محسنٍ لغدٍ، ويقول: العجب ممن يفرح أنساناً، فيتعجل السرور، ويجعل ثواب من سره تسويفاً وعدةً؛ فكان في كل يومٍ وليلة يقعد فيه لشغله، لا ينصرف أحد ممن حضره إلا مسروراً. ولم يكن هذا لعربي ولا عجمي قبله؛ غير أنه يحكى عن بهرام جورٍ ما يقارب هذا.
فأما أبو جعفر المنصور، فلم يكن يظهر لنديم قط، ولا رآه أحد يشرب غير الماء. وكان بينه وبين الستارة عشرون ذراعاً، وبين الستارة والندماء مثلها؛ فإذا غناه المغني فأطربه، حركت الستارة بعض الجواري، فاطلع إليه الخادم صاحب الستارة فيقول: قل له: أحسنت، بارك الله فيك! ؛ وربما أراد أن يصفق بيديه، فيقوم عن مجلسه، ويدخل بعض حجر نسائه، فيكون ذاك هناك، وكان لا يثيب أحداً من ندمائه وغيرهم درهماً، فيكون له رسماً في ديوان. ولم يقطع أحداً ممن كان يضاف إلى ملهيةٍ أو ضحك أو هزلٍ، موضع قدم من الأرض. وكان يحفظ كل ما أعطى واحداً منهم عشر سنين، ويحسبه، ويذكره له.
وكان أبو جعفر المنصور يقول: من صنع مثل ما صنع إليه، فقد كافأ، ومن أضعف، كان مشكوراً، ومن شكر، كان كريماً، ومن علم أن ما صنع، فإلى نفسه صنع، لم يستبطيء الناس في شكرهم، ولم يستزدهم في مودتهم. ولا تلتمس في غيرك شكر ما أتيته إلى نفسك ووقيت به عرضك. وأعلم أن الطالب إليك الحاجة، لم يكرم وجهه عن مسألتك، فأكرم وجهك عن رده.
وكان المهدي في أول أمره يحتجب عن الندماء، متشبهاً بالمنصور نحواً من سنة، ثم ظهر لهم. فأشار عليه أبو عونٍ بأن يحتجب عنهم، فقال: إليك عني، يا جاهل!
إنما اللذة في مشاهدة السرور وفي لدنو من سرني. فأما من وراء وراء، فما خيرها ولذتها؟ ولو لم يكن في الظهور للندماء والإخوان إلا أني أعطيهم من السرور بمشاهدتي مثل الذي يعطونني من فوائدهم، لجعلت لهم في ذلك حظاً موفراً.
وكان كثير العطايا، وافرها، قل من حضره إلا أغناه. وكان لين العريكة، سهل الشريعة، لذيذ المنادمة، قصير المناومة، ما يمل نديماً ولا يتركه إلا عن ضرورة، قطيع الخنا، صبوراً على الجلوس، ضاحك السن، قليل الأذى والبذاء. وكان الهادي شكس الأخلاق، صعب المرام، قليل الإغضاء، سيء الظن. قل من توقاه وعرف أخلاقه، إلا أغناه. وما كان شيء أبغض إليه من ابتدائه بسؤال. وكان يأمر للمغني بالمال الخطير الجزيل، فيقول: لا يعطيني بعدها شيئاً، فيعطيه، بعد أيام، مثل تلك العطية.
ويقال: إنه قال يوماً، وعنده ابن جامع وإبراهيم الموصلي ومعاذ ابن الطبيب، وكان أول من دخل عليه معاذ، وكان حاذقاً بالأغاني، عارفاً بها: من أطربني اليوم منكم، فله حكمه.
فغناه ابن جامع غناءً لم يحركه، وكان إبراهيم قد فهم غرضه، فغناه:
سليمى أجمعت بينا ... فأين تظنها أينا
فطرب، حتى قام عن مجلسه، ورفع صوته، وقال: أعد بالله، وبحياتي!.
فأعاد، فقال: أنت صاحبي، فاحتكم.
فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين، حائط عبد الملك بن مروان وعينه الخرارة بالمدينة قال: فدارت عيناه في رأسه، حتى صارتا كأنهما جمرتان، ثم قال: يا ابن اللخناء! أردت أن تسمع العامة أنك أطربتني، وأني حكمتك فأقطعتك! أما والله، لولا بادرة جهلك التي غلبت على صحيح عقلك وفكرك، لضربت الذي فيه عيناك! ثم سكت هنيهةً.
قال إبراهيم: فرأيت ملك الموت قائماً بيني وبينه ينتظر أمره. ثم دعا إبراهيم الحراني، فقال: خذ بيد هذا الجاهل، فأدخله بيت المال، فليأخذ منه ما شاء!.
فأخذ الحراني بيدي، حتى دخل بي بيت
المال. فقال: كم تأخذ؟ فقلت: مائة بدرة. فقال: دعني أؤامره.
قلت: فآخذ تسعين. قال: حتى أؤامره.
قلت: فثمانين. قال: لا.
فأبى إلا أن يؤامره، فعرفت غرضه، فقلت له: آخذ سبعين لي، ولك ثلاثون.
قال: شأنك.
قال: فانصرف بسبعمائة ألف، وانصرف ملك الموت عن الدار.
قال: وكان الرشيد في أخلاق أبي جعفر المنصور، يمتثلها كلها إلا في العطايا والصلات والخلع. فإنه كان يقفو فعل أبي العباس والمهدي. ومن خبرك أنه رآه قط وهو يشرب إلا الماء، فكذبه. وكان لا يحضر شربه إلا خاص جواريه، وربما طرب للغناء، فتحرك حركةً بين الحركتين في القلة والكثرة. وهو، من بين خلفاء بني العباس، من جعل للمغنين مراتب وطبقات، على نحو
ما وضعهم أردشير بن بابك وأنوشروان. فكان إبراهيم الموصلي، واسماعيل أبو القاسم بن جامع، وزلزل منصور الضارب في الطبقة الأولى وكان زلزل يضرب، ويغني هذان عليه.
والطبقة الثانية: سليم بن سلام أبو عبيد الله الكوفي، وعمرو الغزال ومن أشبههما.
والطبقة الثالثة: أصحاب المعازف والونج والطنابير.
وعلى قدر ذلك كانت تخرج جوائزهم وصلاتهم. وكان إذا وصل واحداً من الطبقة الأولى بالمال الكثير الخطير، جعل لصاحبه اللذين معه في الطبقة، نصيباً منه، وجعل للطبقتين اللتين تليانه منه أيضاً نصيباً. وإذا وصل أحداً من الطبقتين الأخريين بصلة، لم يقبل واحد من الطبقة العالية منه درهماً، ولا يجتريء أن يعرض ذلك عليه. قال: فسأل الرشيد يوماً برصوما الزامر، فقال له: يا إسحق! ما تقول في ابن جامع؟ فحرك رأسه، وقال: خمر قطربل، يعقل الرجل، ويذهب العقل.
قال: فما تقول في إبراهيم الموصلي؟
قال: بستان فيه خوخ وكمثرى وتفاح وشوك وخرنوب.
قال: فما تقول في سليم بن سلام؟
فقال: ما أحسن خضابه!
قال: فما تقول في عمرو الغزال؟
قال: ما أحسن بنانه!
قال: وكان منصور زلزل من أحسن وأحذق من برأ الله بالجس؛ فكان إذا جس العود، فلو سمعه الأحنف ومن تحالم في دهره كله، لم يملك نفسه حتى يطرب.
قال إبراهيم: فغنيت، يوماً، على ضربه، فخطأني.
فقلت لصاحب الستارة: هو، والله، اخطأ!.
قال: فرفع الستارة،
ثم قال: يقول لك أمير المؤمنين: أنت، والله، أخطأت!.
فحمي زلزل، وقال: يا إبراهيم، تخطئني؟ فوالله ما فتح أحد من المغنين فاه بغير لفظٍ إلا عرفت غرضه! فكيف أخطيء، وهذه حالي؟.
فأداها صاحب الستارة، فقال الرشيد: قل له: صدقت! أنت كما وصفت نفسك، وكذب إبراهيم وأخطأ.
قال إبراهيم: فغمني ذلك، فقلت لصاحب الستارة: أبلغ أمير المؤمنين، سيدي ومولاي، أن بفارس رجلاً يقال له سنيد، لم يخلق لله أضرب منه بعود، ولا أحسن مجساً، وغن بعث إليه أمير المؤمنين فحمله، عرف فضله، وتغنيت على ضربه. فغن زلزلاً يكايدني مكايدة القصاص والقرادين.
قال: فوجه الرشيد إلى الفارسي، فحمل على البريد، فأقلق ذلك زلزلاً وغمه. فلما قدم بالفارسي، أحضرنا، وأخذنا مجالسنا، وجاؤوا بالعيدان قد سويت. وكذلك كان يفعل في مجلس الخلافة، ليس يدفع إلى أحدٍ عوده، فيحتاج إلى أن يحركه، لأنها قد سويت وعلقت مثالثها مشاكلةً للزيرة على الدقة والغلظ.
قال: فلما وضع عود الفارسي في يديه، نظر إليه منصور زلزل فأسفر وجهه، وأشرق لونه، فضرب وتغنى عليه إبراهيم. ثم قال صاحب الستارة لزلزل: يا منصور، إضرب.
قال: فلما جس العود، ما تمالك الفارسي أن وثب من مجلسه بغير إذن، حتى قبل رأس زلزلٍ وأطرافه، وقال: مثلك، جعلت فداك
لايمتهن ويستعمل. مثلك يعبد.
فعجب الرشيد من قوله، وعرف فضيلة زلزل على الفارسي، فأمر له بصلةٍ، ورده إلى بلده.
وكان منصور زلزل من أسخى الناس وأكرمهم؛ نزل بين ظهراني قومٍ، وقد كان يحل لهم اخذ الزكاة. فما مات حتى وجبت عليهم الزكاة.
وكان إسحق برصوما في الطبقة الثانية. قال: فطرب الرشيد يوماً لزمره، فقال له صاحب الستارة: يا إسحق! أزمر على غناء ابن جامع. قال: لا أفعل.
قال: يقول لك أمير المؤمنين، ولا تفعل؟ قال: إن كنت أزمر على الطبقة العالية، رفعت إليها. فأما أن أكون في الطبقة الثانية، وأزمر على الأولى، فلا أفعل.
فقال الرشيد لصاحب الستارة: ارفعه إلى الطبقة الأولى؛ فإذا قمت، فادفع البساط الذي في مجلسهم إليه. فرفع إسحق إلى الطبقة العالية، وأخذ البساط، وكان يساوي ألفي دينار. فلما حمله إلى منزله، استبشرت به أمه وأخواته، وكانت أمه نبطية لكناء.
فخرج برصوما عن منزله لبعض حوائجه، وجاء نساء جيرانه يهنئن أمه بما خص به، دون أصحابه، ويدعون لها. فأخذت سكيناً، وجعلت تقطع لكل من دخل عليها قطعة من البساط، حتى أتت على أكثره.
فجاء برصوما، فإذا البساط قد تقسم بالسكاكين. فقال: ويلك ما صنعت؟ قالت: لم أدر، ظننت أنه كذا يقسم فحدث الرشيد بذلك، فضحك، ووهب له آخر.
وزعم سعيد بن وهب أن إبراهيم الموصلي غنى أمير المؤمنين هارون صوتاً، فكاد
يطير طرباً، فاستعاده عامة ليله،
وقال: ما رأيت صوتاً يجمع السخاء والطرب وجودة الصنعة والسخف غير هذا الصوت! فأقبل إبراهيم، فقال: يا أمير المؤمنين! لو وهب لك إنسان مائة ألف درهم، أو لو وجدت مائة ألف درهم مطروحةً، كنت أسر بها أو بهذا الصوت؟
قال: والله، لأنا أسر بهذا الصوت مني بألف ألف، ألف ألف. قال: فلو فقدت من بيت مالك مائة ألف كان أشد عليك، أو لو فقدت هذا الصوت وفاتك هذا السرور؟ قال: بل ألف ألف، وألف ألف أهون علي.
قال: فلم لا تهب مائة ألف أو مائتي ألف لمن أتاك بشيءٍ فقد ألفي ألفٍ أهون عليك منه؟ فأمر له بمائتي ألف درهم.
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 21
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
الخليفة الأمين
قلت لإسحق: فالمخلوع، أين كان ممن ذكرت؟
قال: ما كان أعجب أمره كله! فأما تبذله، فما كان يبالي أين قعد، ومع من قعد. وكان، لو كان بينه وبين ندمائه مائة حجاب، خرقها كلها، وألقاها عن وجهه، حتى يقعد حيث قعدوا. وكان من أعطى الخلق لذهبٍ وفضة، وأنهبهم للأموال إذا طرب أو لها.
وقد رأيته، وقد أمر لبعض أهل بيته في ليلةٍ بوقر زورق ذهباً، فانصرف به.
وأمر لي، ذات ليلة، بأربعين ألف دينار، فحملت أمامي. ولقد غناه إبراهيم بن المهدي غناءً لم أرتضه. فقام عن مجلسه، فأكب عليه، فقبل رأسه. فقام
إبراهيم، فقبل ما وطئت رجلاه من بساطه. فأمر له بمائتي ألف درهم.
ولقد رأيته يوماً، وعلى رأسه بعض غلمانه، فنظر إليه، فقال: ويلك! ثيابك هذه تحتاج إلى أن تغسل. انطلق، فخذ ثلاثين بدرة، فاغسل بها ثيابك.
ولقد حدثني علويه عنه، قال: لما أحيط به، وبلغت حجارة المنجنيق بساطه، كنا عنده، فغنته جارية له بغناءٍ تركت فيه شيئاً لم تجد حكايته. فصاح: يا زانية! تغنينني الخطأ! خذوها!.
فحملت، وكان آخر العهد بها.
قلت لإسحق: فالمخلوع، أين كان ممن ذكرت؟
قال: ما كان أعجب أمره كله! فأما تبذله، فما كان يبالي أين قعد، ومع من قعد. وكان، لو كان بينه وبين ندمائه مائة حجاب، خرقها كلها، وألقاها عن وجهه، حتى يقعد حيث قعدوا. وكان من أعطى الخلق لذهبٍ وفضة، وأنهبهم للأموال إذا طرب أو لها.
وقد رأيته، وقد أمر لبعض أهل بيته في ليلةٍ بوقر زورق ذهباً، فانصرف به.
وأمر لي، ذات ليلة، بأربعين ألف دينار، فحملت أمامي. ولقد غناه إبراهيم بن المهدي غناءً لم أرتضه. فقام عن مجلسه، فأكب عليه، فقبل رأسه. فقام
إبراهيم، فقبل ما وطئت رجلاه من بساطه. فأمر له بمائتي ألف درهم.
ولقد رأيته يوماً، وعلى رأسه بعض غلمانه، فنظر إليه، فقال: ويلك! ثيابك هذه تحتاج إلى أن تغسل. انطلق، فخذ ثلاثين بدرة، فاغسل بها ثيابك.
ولقد حدثني علويه عنه، قال: لما أحيط به، وبلغت حجارة المنجنيق بساطه، كنا عنده، فغنته جارية له بغناءٍ تركت فيه شيئاً لم تجد حكايته. فصاح: يا زانية! تغنينني الخطأ! خذوها!.
فحملت، وكان آخر العهد بها.
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 22
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
الخليفة المأمون
قلت: فالمأمون؟.
قال: أقام بعد قدومه عشرين شهراً لم يسمع حرفاً من الغناء. ثم سمعه من وراء حجابٍ، متشبهاً بالرشيد. فكان كذلك سبع حججٍ ثم ظهر للندماء والمغنين.
قال: وكان حين أحب السماع ظاهراً بعينه، أكبر ذاك أهل بيته وبنو أبيه.
ويقال أنه سأل عن إسحق بن إبراهيم الموصلي، فغمزه بعض من حضر، وقالوا: يغادر تيهاً وبأواً. فأمسك عن ذكره. قال: فجاءه زرزر يوماً،
فقال له: يا اسحق! نحن اليوم عند أمير المؤمنين! فقال إسحق: فغنه بهذا الشعر:
يا سرحة الماء قد سدت موارده ... أما إليك طريق غير مسدود
لحائمٍ حام حتى لا حراك به ... محلأٍ عن سبيل الماء مطرود
فلما غناه به زرزر أطربه وأبهجه وحرك له جوارحه، وقال: ويلك! من هذا؟!
قال: عبدك المجفو المطرح، ياسيدي إسحاق قال: يحضر الساعة.
فجاءه رسوله، وإسحق مستعد، قد علم انه إن سمع الغناء من مجيدٍ مودٍ أنه سيبعث إليه فجاءه الرسول؛ فحدثت انه لما دخل عليه، ودنا منه، مد يده غليه،
ثم قال: ادن مني. فأكب عليه واحتضنه المأمون، وأدنا، واقبل عليه بوجهه مصغياً إليه، ومسروراً به.
قلت: فالمأمون؟.
قال: أقام بعد قدومه عشرين شهراً لم يسمع حرفاً من الغناء. ثم سمعه من وراء حجابٍ، متشبهاً بالرشيد. فكان كذلك سبع حججٍ ثم ظهر للندماء والمغنين.
قال: وكان حين أحب السماع ظاهراً بعينه، أكبر ذاك أهل بيته وبنو أبيه.
ويقال أنه سأل عن إسحق بن إبراهيم الموصلي، فغمزه بعض من حضر، وقالوا: يغادر تيهاً وبأواً. فأمسك عن ذكره. قال: فجاءه زرزر يوماً،
فقال له: يا اسحق! نحن اليوم عند أمير المؤمنين! فقال إسحق: فغنه بهذا الشعر:
يا سرحة الماء قد سدت موارده ... أما إليك طريق غير مسدود
لحائمٍ حام حتى لا حراك به ... محلأٍ عن سبيل الماء مطرود
فلما غناه به زرزر أطربه وأبهجه وحرك له جوارحه، وقال: ويلك! من هذا؟!
قال: عبدك المجفو المطرح، ياسيدي إسحاق قال: يحضر الساعة.
فجاءه رسوله، وإسحق مستعد، قد علم انه إن سمع الغناء من مجيدٍ مودٍ أنه سيبعث إليه فجاءه الرسول؛ فحدثت انه لما دخل عليه، ودنا منه، مد يده غليه،
ثم قال: ادن مني. فأكب عليه واحتضنه المأمون، وأدنا، واقبل عليه بوجهه مصغياً إليه، ومسروراً به.
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 23
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
أخلاق الملك السعيد
ومن أخلاق الملك السعيد ترك القطوب في المنادمة، وقلة التحفظ على ندمائه، ولا سيما إذا غلب أحدهم على عقله، وكان غيره أملك به منه بنفسه.
وللسكر حد، إذا بلغه نديم الملك، فأجمل الأمور وأحراها بأخلاقه أن لا يؤاخذه بزلةٍ إن سبقته، ولا بلفظةٍ إن غلبت لسانه، ولا بهفوةٍ كانت إحدى خواطره.
والحد في ذلك أن لا يفعل ما يقول، ولا ما يقال له؛ وإن خلي ونفسه، رمى بها في مهواة، وإن أراد أحد أخذ ثيابه لم يمانعه.
فأما إذا كان ممن يعرف ما يأتي وما يذر، وكان إذا رام أحد اخذ ما معه، قاتله دونه؛ وكان إذا شتم، غضب وانتصر، وإذا تكلم أفصح، وقل سقطه؛ فإذا كانت هذه صفته، ثم جاءت منه زلة، فعلى عمدٍ أتاها، وبقصدٍ فعلها.
فالملك جدير أن يعاقبه بقدر ذنبه. فإن ترك عقوبة هذا ومن أشبهه، قدح في عزه وسلطانه.
ومن الحق على الملك أن لا يجاوز بأهل الجرائم عقوبة جرائمهم. فإن لكل ذنبٍ عقوبةً. إما في الشريعة والنواميس، وإما في الإجماع والاصطلاح. فمن ترك العقوبة في موضعها، فبالحرى أن يعاقب من لا ذنب له. وليس بين ترك العقوبة، إذا وجبت، وعقوبة من لا ذنب له، فرق. وإنما وضع الله الملوك بهذه المواضع الرفيعة، ليقوموا كل ميل، ويدعموا كل إقامة.
تطيب الملك وتجمله: ومن أخلاق الملك أن لا يشارك بطانته وندماءه في مس طيبٍ ولا مجمرٍ؛ فإن هذا وما أشبهه يرتفع الملك فيه عن مساواة أحد. وكذا يجب على بطانة الملك وقرابته أن لا يمسوا طيباً إذا تطيب، لنفرد الملك بذلك دونهم. وليس الطيب كالطعام والشراب اللذين لا بد من مشاركة الندماء فيهما.
فأما كل ما أمكن الملك أن ينفرد به دون خاصته وحامته؛ فمن أخلاقه أن لا يشارك أحداً فيه. وكذا حكي عن أنوشروان ومعاوية بن أبي سفيان. وبعض أهل العلم يحكي عن الرشيد ما يقرب من هذا.
وأولى الأمور بأخلاق الملك، إن أمكنه التفرد بالماء والهواء، أن لا يشرك فيهما أحداً؛ فإن البهاء والعز والأبهة في التفرد.
ألا ترى أن الأمم الماضية من الملوك، لم يكن شيء أحب إليهم من أن يفعلوا شيئاً تعجز عنه الرعية، أو يتزيوا بزي ينهون الرعية عن مثله؟! فمن ذلك أردشير بن بابك، وكان أنبل ملوك بني ساسان. كان إذا وضع التاج على رأسه، لم يضع أحد في المملكة على رأسه قضيب ريحانٍ متشبهاً به؛ وكان إذا ركب في لبسةٍ، لم ير على أحدٍ مثلها؛ وإذا تختم بخاتمٍ، فحرام على أهل المملكة أن يتختموا بمثل ذلك الفص، وإن بعد في التشابه.
وهذه من فصائل الملوك. وطاعة أهل المملكة أن تتحامى أكثر زي الملك، وأكثر أحواله وشيمه، حتى لا يأتي مالا بد لها منه.
ومن أخلاق الملك السعيد ترك القطوب في المنادمة، وقلة التحفظ على ندمائه، ولا سيما إذا غلب أحدهم على عقله، وكان غيره أملك به منه بنفسه.
وللسكر حد، إذا بلغه نديم الملك، فأجمل الأمور وأحراها بأخلاقه أن لا يؤاخذه بزلةٍ إن سبقته، ولا بلفظةٍ إن غلبت لسانه، ولا بهفوةٍ كانت إحدى خواطره.
والحد في ذلك أن لا يفعل ما يقول، ولا ما يقال له؛ وإن خلي ونفسه، رمى بها في مهواة، وإن أراد أحد أخذ ثيابه لم يمانعه.
فأما إذا كان ممن يعرف ما يأتي وما يذر، وكان إذا رام أحد اخذ ما معه، قاتله دونه؛ وكان إذا شتم، غضب وانتصر، وإذا تكلم أفصح، وقل سقطه؛ فإذا كانت هذه صفته، ثم جاءت منه زلة، فعلى عمدٍ أتاها، وبقصدٍ فعلها.
فالملك جدير أن يعاقبه بقدر ذنبه. فإن ترك عقوبة هذا ومن أشبهه، قدح في عزه وسلطانه.
ومن الحق على الملك أن لا يجاوز بأهل الجرائم عقوبة جرائمهم. فإن لكل ذنبٍ عقوبةً. إما في الشريعة والنواميس، وإما في الإجماع والاصطلاح. فمن ترك العقوبة في موضعها، فبالحرى أن يعاقب من لا ذنب له. وليس بين ترك العقوبة، إذا وجبت، وعقوبة من لا ذنب له، فرق. وإنما وضع الله الملوك بهذه المواضع الرفيعة، ليقوموا كل ميل، ويدعموا كل إقامة.
تطيب الملك وتجمله: ومن أخلاق الملك أن لا يشارك بطانته وندماءه في مس طيبٍ ولا مجمرٍ؛ فإن هذا وما أشبهه يرتفع الملك فيه عن مساواة أحد. وكذا يجب على بطانة الملك وقرابته أن لا يمسوا طيباً إذا تطيب، لنفرد الملك بذلك دونهم. وليس الطيب كالطعام والشراب اللذين لا بد من مشاركة الندماء فيهما.
فأما كل ما أمكن الملك أن ينفرد به دون خاصته وحامته؛ فمن أخلاقه أن لا يشارك أحداً فيه. وكذا حكي عن أنوشروان ومعاوية بن أبي سفيان. وبعض أهل العلم يحكي عن الرشيد ما يقرب من هذا.
وأولى الأمور بأخلاق الملك، إن أمكنه التفرد بالماء والهواء، أن لا يشرك فيهما أحداً؛ فإن البهاء والعز والأبهة في التفرد.
ألا ترى أن الأمم الماضية من الملوك، لم يكن شيء أحب إليهم من أن يفعلوا شيئاً تعجز عنه الرعية، أو يتزيوا بزي ينهون الرعية عن مثله؟! فمن ذلك أردشير بن بابك، وكان أنبل ملوك بني ساسان. كان إذا وضع التاج على رأسه، لم يضع أحد في المملكة على رأسه قضيب ريحانٍ متشبهاً به؛ وكان إذا ركب في لبسةٍ، لم ير على أحدٍ مثلها؛ وإذا تختم بخاتمٍ، فحرام على أهل المملكة أن يتختموا بمثل ذلك الفص، وإن بعد في التشابه.
وهذه من فصائل الملوك. وطاعة أهل المملكة أن تتحامى أكثر زي الملك، وأكثر أحواله وشيمه، حتى لا يأتي مالا بد لها منه.
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 24
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
وهذا أبو أحيحة سعيد بن العاص: كان إذا اعتم بمكة، لم يعتم أحد بعمةٍ ما دامت على رأسه.
وهذا الحجاج بن يوسف؛ كان إذا وضع على رأسه طويلة، لم يجتريء أحد من خلق الله أن يدخل، وعلى رأسه مثلها.
وهذا عبد الملك بن مروان؛ كان إذا لبس الخف الأصفر، لم يلبس أحد من الخلق خفاً أصفر حتى ينزعه.
وهذا إبراهيم بن المهدي، بالأمس: دخل على أحمد بن أبي دؤاد بن علي، وعليه مبطنة ملونة من أحسن ثوبٍ في الأرض، وقد اعتم على رأسه رصافيةً بعمامة خزٍ سوداء، لها طرفان خلفه وأمامه، وعليه خف أصفر، وفي يده عكازة آبنوس ملوحٍ بذهبٍ، وفي إصبعه فص ياقوتٍ تضيء يده منه. فنظر إلى هيئةٍ ملت قلبه، وكان جسيماً، فقال: يا إبراهيم! لقد جئتني في لبسةٍ وهيئةٍ ما تصلح إلا لواحدٍ من الخلق.
وحدثني أبو حسان الزيادي وذكر الفضل بن سهلٍ، فترحم عليه، وقال: وجه إلي في ليلة، وقد أويت إلى فراشي، رسولاً، فقال: يقول لك ذو الرياستين:
لا تعتم غداً على قلنسوة إذا حضرت الدار.
قال: فبت واجماً، وأنا لا أعلم ما يريد بذلك. وغدوت، وغدا الناس على طبقاتهم ومراتبهم؛ فجاء الحسين بن أبي سعيد إلى من في الدار، فقال: إن أمير المؤمنين يقعد في هذا اليوم، ويعتم على قلنسوة، فانزعوا عمائمكم. وحدثني بعض أصحابنا عن الحسن بن قريش، قال: لما مات القاسم بن الرشيد، وجه إلي المأمون رسولاً، فأتيته. فجعل يسألني عن عياله وعن أمواله، ويشكوه إلي، ويقول: كان يفعل كذا، ويفعل كذا، فكان في تلك الشكاية أن قال: وكان إذا ركب بمروٍ في رصافية.
الملك في مجلس الشراب: ومن أخلاق الملك، إذا علم أن بعض الندماء قد بلغ غاية مجهوده في الشرب، وأن الزيادة بعد ذلك تضر ببدنه وجوارحه، أن يأمر بالكف عنه، وأن لا يكلف فوق وسعه. فإنه من تجاوز حق العدل عن الخاصة، لم تطمع العامة في إنصافه.
ومن حق الملك أن لا يكلمه أحد من الندماء مبتدئاً ولا سائلاً لحاجة، حتى يكون
هو المبتديء بذلك. فإن جهل أحد ما يلزمه في ذلك، تقدم إليه فيما يجب عليه. فإن عاد، فعلى الموكل بأمر الدار أن يحسن أدبه، وأن لا يأذن له في الدخول، حتى يكون الملك يبتديء ذكره، ثم يوعز إليه أنه، إن عاد، أسقطت مرتبته، فلم يطأ بساط الملك.
وكان شيرويه بن أبرويز يقول: إنما تعذر البطانة برفع حوائجها إلى الملوك عند ضيقةٍ تكون، أو عند جفوةٍ تنالهم من ملوكهم، أو عند موتٍ يحدث لهم، أو عند تتابع أزمةٍ. فإذا كان ذلك، فعلى الملك تعهد ذلك من خاصته، حتى يصلح لهم أمورهم، ويسد خلتهم. فإذا كانوا من الكفاية في أقصى حدودها، ومن خفض العيش في أرفع خصائصه، ومن ذات اليد وإدرار العطايا في أتم صفاتها، ثم فتح أحد فاه بطلب ما فوق هذه الدرجة، فالذي حداه على ذلك الشره والمنافسة. ومن ظهرت هاتان منه، كان جديراً أن تنزع كفايته من يده، وتصير في يد غيره، وينقل إلى الطبقة الخسيسة، فيلزم أذناب البقر، وحراثة الأرض.
وهذا الحجاج بن يوسف؛ كان إذا وضع على رأسه طويلة، لم يجتريء أحد من خلق الله أن يدخل، وعلى رأسه مثلها.
وهذا عبد الملك بن مروان؛ كان إذا لبس الخف الأصفر، لم يلبس أحد من الخلق خفاً أصفر حتى ينزعه.
وهذا إبراهيم بن المهدي، بالأمس: دخل على أحمد بن أبي دؤاد بن علي، وعليه مبطنة ملونة من أحسن ثوبٍ في الأرض، وقد اعتم على رأسه رصافيةً بعمامة خزٍ سوداء، لها طرفان خلفه وأمامه، وعليه خف أصفر، وفي يده عكازة آبنوس ملوحٍ بذهبٍ، وفي إصبعه فص ياقوتٍ تضيء يده منه. فنظر إلى هيئةٍ ملت قلبه، وكان جسيماً، فقال: يا إبراهيم! لقد جئتني في لبسةٍ وهيئةٍ ما تصلح إلا لواحدٍ من الخلق.
وحدثني أبو حسان الزيادي وذكر الفضل بن سهلٍ، فترحم عليه، وقال: وجه إلي في ليلة، وقد أويت إلى فراشي، رسولاً، فقال: يقول لك ذو الرياستين:
لا تعتم غداً على قلنسوة إذا حضرت الدار.
قال: فبت واجماً، وأنا لا أعلم ما يريد بذلك. وغدوت، وغدا الناس على طبقاتهم ومراتبهم؛ فجاء الحسين بن أبي سعيد إلى من في الدار، فقال: إن أمير المؤمنين يقعد في هذا اليوم، ويعتم على قلنسوة، فانزعوا عمائمكم. وحدثني بعض أصحابنا عن الحسن بن قريش، قال: لما مات القاسم بن الرشيد، وجه إلي المأمون رسولاً، فأتيته. فجعل يسألني عن عياله وعن أمواله، ويشكوه إلي، ويقول: كان يفعل كذا، ويفعل كذا، فكان في تلك الشكاية أن قال: وكان إذا ركب بمروٍ في رصافية.
الملك في مجلس الشراب: ومن أخلاق الملك، إذا علم أن بعض الندماء قد بلغ غاية مجهوده في الشرب، وأن الزيادة بعد ذلك تضر ببدنه وجوارحه، أن يأمر بالكف عنه، وأن لا يكلف فوق وسعه. فإنه من تجاوز حق العدل عن الخاصة، لم تطمع العامة في إنصافه.
ومن حق الملك أن لا يكلمه أحد من الندماء مبتدئاً ولا سائلاً لحاجة، حتى يكون
هو المبتديء بذلك. فإن جهل أحد ما يلزمه في ذلك، تقدم إليه فيما يجب عليه. فإن عاد، فعلى الموكل بأمر الدار أن يحسن أدبه، وأن لا يأذن له في الدخول، حتى يكون الملك يبتديء ذكره، ثم يوعز إليه أنه، إن عاد، أسقطت مرتبته، فلم يطأ بساط الملك.
وكان شيرويه بن أبرويز يقول: إنما تعذر البطانة برفع حوائجها إلى الملوك عند ضيقةٍ تكون، أو عند جفوةٍ تنالهم من ملوكهم، أو عند موتٍ يحدث لهم، أو عند تتابع أزمةٍ. فإذا كان ذلك، فعلى الملك تعهد ذلك من خاصته، حتى يصلح لهم أمورهم، ويسد خلتهم. فإذا كانوا من الكفاية في أقصى حدودها، ومن خفض العيش في أرفع خصائصه، ومن ذات اليد وإدرار العطايا في أتم صفاتها، ثم فتح أحد فاه بطلب ما فوق هذه الدرجة، فالذي حداه على ذلك الشره والمنافسة. ومن ظهرت هاتان منه، كان جديراً أن تنزع كفايته من يده، وتصير في يد غيره، وينقل إلى الطبقة الخسيسة، فيلزم أذناب البقر، وحراثة الأرض.
محمد منسى- أسرة ورد الشام
- البلد : مصــــــــــــــــر
العمر : 45
صديقة مقربة : مــآآآري
صديقة مقربة : سما فكري
عدد الرسائل : 5243
العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
تاريخ التسجيل : 09/06/2009
مستوى النشاط : 23907
تم شكره : 24
- مساهمة رقم 25
رد: (( التاج في أخلاق الملوك )) للجاحظ
أنعام الملوك ومنتهم
ومن أخلاق الملك أن لا يمن بإحسان سبق منه، ما استقامت له طاعة من أنعم عليه، ودامت له ولايته، إلا أن يخرج من طاعةٍ إلى معصيةٍ، فإذا فعل ذلك، فمن
أخلاقه أن يمن عليه أولاً بإحسانه، ويذكره بلاءه عنده، وقلة شكره ووفائه، ثم يكون من وراء ذلك عقوبته بقدر ما يستحق ذلك الذنب في غلظه ولينه.
وحدثني محمد بن الجهم، وداود بن أبي دواد قالا: جلس الحسن ابن سهل في مصلى الجماعة لنعيم بن خازم، فأقبل نعيم حافياً حاسراً، وهو يقول: ذنبي أعظم من السماء! ذنبي اعظم من الهواء! ذنبي أعظم من الماء! قالا: فقال له الحسن بن سهل: على رسلك! تقدمت منك طاعة، وكان آخر أمرك إلى توبة. وليس للذنب بينهما مكان. وليس ذنبك في الذنوب بأعظم من عفو أمير المؤمنين في العفو.
ومن أخلاق الملك أن لا يمن بإحسان سبق منه، ما استقامت له طاعة من أنعم عليه، ودامت له ولايته، إلا أن يخرج من طاعةٍ إلى معصيةٍ، فإذا فعل ذلك، فمن
أخلاقه أن يمن عليه أولاً بإحسانه، ويذكره بلاءه عنده، وقلة شكره ووفائه، ثم يكون من وراء ذلك عقوبته بقدر ما يستحق ذلك الذنب في غلظه ولينه.
وحدثني محمد بن الجهم، وداود بن أبي دواد قالا: جلس الحسن ابن سهل في مصلى الجماعة لنعيم بن خازم، فأقبل نعيم حافياً حاسراً، وهو يقول: ذنبي أعظم من السماء! ذنبي اعظم من الهواء! ذنبي أعظم من الماء! قالا: فقال له الحسن بن سهل: على رسلك! تقدمت منك طاعة، وكان آخر أمرك إلى توبة. وليس للذنب بينهما مكان. وليس ذنبك في الذنوب بأعظم من عفو أمير المؤمنين في العفو.