ومن حق الملك أن لا يعاب عنده أحد، صغر أو كبر غير أن من أخلاقها التحريش بين اثنين، والاغراء بينهما.
فمن الملوك من يدبر في هذا تدبيراً يجب في السياسة؛ وذاك أنه يقال: قل إثنان استويا في منزلة عند الملك والجاه والتبع والعز والحظوة عند السلطان فاتفقا، إلا كان ذلك الاتفاق وهنأ على المملكة والملك، كانا، متى شاءا أن ينقصنا ما ابرم الملك ويحلا ما عقد، ويوهيا ما أكثر، قدراً على ذلك للاتفاق والمجامعة.
ومتى انفصلا حتى يتباينا أو يتحاربا، كان تباينهما أثبت في نظام الملك، وأوكد في عز المملكة.
وكان متى أراد هذا شيئاً، أراد الآخر خلافه. فإذا تباينا في ذات أنفسهما، اجتمعا على نصيحة الملك، شاءا أم أبيا، وآثرها كل واحد منهما على هوى نفسه، وانتظم للملك تدبيره، وتم له أمره.
ومن الملوك من لا يقصد إلى هذا، ولا يكون غرضه الإغراء بين وزرائه وبطانته لهذه العلة، بل ليعرف معايب كل واحدٍ منهما. فإن معرفة ذلك تقطع الوزير عن الانبساط في حوائجه، والتحسب على ملكه.