أبو فراس الحمداني
هو الحارث بن سعيد بن حمدان، كنيته "أبو فراس". ولد في الموصل واغتيل والده وهو في الثالثة من عمره على يد ابن أخيه جرّاء طموحه السياسي، لكنّ سيف الدولة قام برعاية أبي فراس.
استقرّ أبو فراس في بلاد الحمدانيين في حلب. درس الأدب والفروسية، ثم تولّى منبج وأخذ يرصد تحرّكات الروم. وقع مرتين في أسر الروم. وطال به الأسر وهو أمير ، فكاتب ابن عمه سيف الدولة ليفتديه، لكنّ سيف الدولة تباطأ وظلّ يهمله.
كانت مدة الأسر الأولى سبع سنين وأشهراً على الأرجح. وقد استطاع النجاة بأن فرّ من سجنه في خرشنة، وهي حصن على الفرات. أما الأسر الثاني فكان سنة 962 م. وقد حمله الروم إلى القسطنطينية، فكاتب سيف الدولة وحاول استعطافه وحثّه على افتدائه، وراسل الخصوم . وفي سنة (966) م تم تحريره.
وفي سجنه نظم الروميات، وهي من أروع الشعر الإنساني وأصدقه.
لماذا تأخّر سيف الدولة في تحريره؟
علم سيف الدولة أن أبا فراس فارس طموح، فخاف على ملكه منه، ولهذا أراد أن يحطّ من قدره وان يكسر شوكته ويخذله ويذلّه بإبقائه أطول فترة ممكنة في الأسر.
ولهذا قام بمساواته مع باقي الأسرى، رغم انه ابن عمه، وله صولات وجولات في الكرم والدفاع عن حدود الدولة وخدمة سيف الدولة الحمداني.
أبو فراس الحمداني بين فكّي التاريخ
سقوط الفارس في ساحة الميدان
بعد سنة من افتداء الشاعر، توفي سيف الدولة (967) م وخلفه ابنه أبو المعالي سعد الدولة، وهو ابن أخت الشاعر. وكان أبو المعالي صغير السن فجعل غلامه التركي فرعويه وصياً عليه.
وعندها عزم أبو فراس الحمداني على الاستيلاء على حمص، فوجّه إليه أبو المعالي مولاه فرعويه، فسقط الشاعر في أوّل اشتباك في الرابع من نيسان سنة 968 م وهو في السادسة والثلاثين من عمره.
وهكذا نجد أنّ رأي سيف الدولة الحمداني فيه كان صادقاً وفي محله. فقد كان أبو فراس الحمداني طموحاً الأمر الذي جرّ عليه الويلات.
أشعاره :
من آخر أشعاره مخاطبته ابنة أخيه:
أبنيّتي لا تحزني
كل الأنام إلى ذهابْ
أبنيّتي صبراً جميلاً
للجليل من المصابْ
نوحي عليّ بحسرةٍ
من خلفِ ستركِ والحجابْ
قولي إذا ناديتني
وعييتُ عن ردِّ الجوابْ
زين الشباب أبو فراسٍ
لم يمتَّعْ بالشبابْ
ومن روائع شعره ما كتبه لأمه وهو في الأسر:
لولا العجوز بمنبجٍ
ما خفت أسباب المنيّهْ
ولكان لي عمّا سألت
من فدا نفس أبيّهْ
وأثناء أسره في القسطنطينية بعث إلى سيف الدولة يقول:
بمن يثق الإنسان فيما نواه؟
ومن أين للحرّ الكريم صحاب؟
وفي قصيدة "أراك عصيّ الدمع" الشهيرة يقول:
أراك عصيّ الدمع شيمتك الصبر
أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمر؟
نعم أنا مشتاق وعنديَ لوعةٌ
ولكنّ مثلي لا يُذاع له سرُّ
إذا الليل أضواني بسطتُ يدَ الهوى
وأذللتُ دمعاً من خلائقهِ الكِبْرُ
كلمة أخيرة
أبو فراس الحمداني الشاعر والفارس الذي لا يهاب الموت عاني الكثير من سيف الدولة الذي خاف من فروسيته وشعبيته فأحبّ أن يبقيه في أسر الروم. أما نحن القراء فأمتعنا ما كتبه الشاعر من كتابة صادقة في الحب والفخر والرثاء والشكوى.
ولما تحرر من أسره حاول ردّ اعتباره واستعادة مجده لكنّ يد الموت كانت أطول . وفي معركة غير متكافئة سقط شاعرنا ومات وهو يلفظ الشعر الصادق .
من أعذب وأرق قصائده :
أراك عصي الدمع
أراك عصي الدمع شيمتك الصبرأما للهوي نهي عليك ولا أمر ؟
بلي أنا مشتاق وعندي لوعهولكن مثلي لا يذاع له سر
إذا الليل أضواني بسطت يد الهوىوأذللت دمعا من خلائقه الكبر
تكاد تضئ النار بين جوانحيإذا هي أذكتها الصبابة والفكر
معللتي بالوصل والموت دونهإذا مت ظمآناً فلا نزل القطر
حفظت وضيعت المودة بينناوأحسن من بعض الوفاء لك العذر
وما هذه الأيام إلا صحائفلأحرفها من كف كاتبها بشر
بنفسي من الغادين في الحي غادةهواي لها ذنب وبهجتها عذر
تروغ إلى الواشين في وان ليلأذنا بها عن كل واشية وقر
بدوت وأهلي حاضرون لأننيأري أن دارا لست من أهلها قفر
وحاربت قومي في هواك وانهموإياي لولا حبك الماء والخمر
فإن كان ما قال الوشاة ولم يكنفقد يهدم الإيمان ما شيد الكفر
وفيت وفي بعض الوفاء مذلةلآنسة في الحي شيمتها الغدر
وقور وريعان الصبا يستفزهافتارن أحيانا كما أرن المهر
تسألني " من أنت؟ " وهي عليمةوهل بفتي مثلي علي حاله نكر؟
فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى :"قتيلك !" قالت : أيهم ؟ فهم كثر
فقلت لها :" لو شئت لم تتعنتيولم تسالي عني ، وعندك بي خبر !"
فقالت : "لقد أزري بك الدهر بعدنا !"فقلت : معاذ الله ، بل أنتِ لا الدّهر
وما كان للأحزان لولاك مسلكإلي القلب ، لكن الهوى للبلى جسر
وتهلك بين الهزل والجد مهجةإذا ما عداها البين عذبها الفكر
فأيقنت أن لا عز بعدي لعاشقوأن يدي مما علقت به صفر
وقلبت أمري لا أري لي راحةإذا الهم أسلانى ألح بي الهجر
فعدت إلى حكم الزمان وحكمهالها الذنب لا تجزي به ولي العذر
كأني أنادي ميثاء ظبيةعلي شرف ظمياء جللها الذعر
تجفل حينا ثم تدنو كأنماتنادي طلا بالواد أعجزه الحُضر
فلا تنكريني يا ابنة العم إنهليعرف من أنكرته البدو والحضر
ونحن أناسٌ لا توسط بيننالنا الصدر دون العالمين أو القبر
تهون علينا في المعالي نفوسناومن خطب الحسناء لم يغلها المهر
أعز بني الدنيا وأعلى ذوي العلاوأكرم من فوق التراب ولا فخر
أبو فراس الحمداني
ناحت بقربي حمامة
أقول وقد ناحت بقربي حمامة:
أياجارتا هل بات حالك حالي؟
-
معاذ الهوى؟ماذقت طارقة النوى
ولا خطرت منك الهموم ببال
-
أتحمل محزون الفؤاد قوادم
على غصن نائي المسافة عال
-
أياجارتا، مأنصف الدهر بيننا
تعالي أقاسمك الهموم تعالي
-
تعالي تري روحاًلدي ضعيفة
تردد في جسم يعذب بالا
-
أيضحك مأسور وتبكي طليقة
ويسكت محزون ويندب سال
-
لقد كنت أولى منك بالدمع مقلةً
ولكن دمعي في الحوادث غال
أبو فراس الحمداني كان شاعراً وأميراً وفارساً شامخ النفس لذلك لم يكن سهلاً ان يؤسر بيد الروم , هذه القصيدة أرسلها إلى سيف الدولة ليحثه على طلب الفداء حين طلب الروم إطلاق سراح "بودرس" ابن أخت ملك الروم الذي كان أسيرا لدى سيف الدولة.
وهي:
" قصيدة الفداء "
دَعوتـُكَ للجَفــن القريـْــحِ المسهـَّــدِ
لــديّ، وللنـــوم القليــل المُشـــرَّدِ
ومـــا ذاك بُخــلا بالحيــــاةِ وإنهــا
لأولُ مبــــذولٍ لأولِ مُــجـتـــــــدِ
وما الأسر مما ضقت ذرعا بحمله
وما الخطب مما أن أقول له قـَـــدِ
وما زل عني أن شخصا معرضــا
لنبل العد ىإن لم يصب فكأنْ قـَـدِ
ولســـت أبالي إنْ ظفــرت بمطلبٍ
يكونُ رخيصًا أو بوسْــمٍ مُــــزوَّدِ
ولكنني أختــــار مـــوت بنــي أبي
على صهوات الخيل غيـــر موسدِ
وتأبى وآبـــى أن أمــــوتَ مـُـوسدًا
بأيدي النصارى موتَ أكمـــدَ أكبدِ
نضوت على الأيام ثـوب جــلادتي
ولكنني لـــم أنـض ثـــوب التجلــدِ
دعوتك والأبــواب ترتـــجُ دوننـــا
فكن خيــــرَ مدعــــوٍّ وأكرمَ منجدِ
فمثلك مــن يـُـدعى لكــلِّ عظيمــة
ومثلي منْ يفدى بكــــلِّ مُسـَـــــوَّدِ
أناديكَ لا أني أخافُ من الـــرَّدى
ولا أرتجيْ تأخيرَ يومٍ إلى غَــــــدِ
متى تـُخلفُ الأيامُ مثلي لكـُــمْ فتى
طويلَ نجادِ السيف رحبَ المقلـَّـــدِ
متى تلدُ الأيـــام مثـلي لكــــم فتى
شديدًا على البأســـاءِ غيـــرَ مُلَهَّـــدِ
يطاعنُ عن أعـراضكم بلســـانـِـهِ
ويضربُ عنكمْ بالحســـامِ المُهنــَّـدِ
فما كلُّ منْ شاء المعالي ينــالهـــا
ولا كل سيَّارٍ إلى المجد يَهتــَـــدِي
وإنك للمولى الــذي بــكَ أقتـــدي
وإنك للنجمُ الــــذي بـــه أهتــَــدي
وأنت الذي عرَّفتني طـُــرقَ العلا
وأنت الــــــذي أهويتني كلَّ مقصدِ
وأنت الـــذي بلغتني كـــل رتبــة
مشيت إليهـــــا فوق أعناق حُسَّدي
فيا مُلبسي النعمى التي جلَّ قدرها
لقد أخـْـلـَقـَتَ تلـك الثيــــابُ فجَـدِّدِ!
أما لجميلٍ عندكنّ ثواب
أما لِجَميلٍ عِنْدكُنَّ ثَوابُولا لِمُسيءٍ عِنْدَكُنّ مَتَابُ
إذا الخِلُّ لَمْ يَهْجُركَ إلا مَلالةً .فَلَيْسَ لهُ ، إلا الفِرَاقَ ، عِتابُ
إذا لم أجد من خُلَّةٍ ما أُرِيدُهُفعندي لأُخْرى عَزْمَةٌ وَرِكابُ
وليس فِراقٌ ما استطعتُ فإن يَكُنْفِراقٌ على حَالٍ فليس إيابُ
صَبورٌ ولو لم يبقَ مني بقيةٌقَؤُولٌ وَلوْ أنَّ السيوفَ جَوابُ
وَقُورٌ وأحداثُ الزمانِ تَنوشنيوَلِلموتِ حولي جِيئةٌ وَذَهَابُ
بِمنْ يَثِقُ الإنسانُ فيما يَنُوبهُومِنْ أينَ لِلحُرِّ الكَريم صِحابُ
وقدْ صَارَ هذا الناسُ إلا أقَلَّهُمْذِئابٌ على أجْسَادِهنَّ ثِيابُ
تَغَابيتُ عن قومٍ فَظَنوا غَباوةًبِمَفْرِقِ أغبانا حصًى وَتُرابُ!
ولو عَرفوني بَعْضَ مَعرِفَتي بِهمْإذاً عَلِموا أني شَهِدتُ وغابوا
إلى الله أشكو أننا بِمنازلٍتَحكَّمَ في آسادِهنّ كِلابُ
تَمُرُّ الليالي لَيْسَ لِلنَّقْعِ مَوْضِعٌلَديَّ ولا لِلمُعْتَفِين جَنَابُ
ولا شُدَّ لي سَرْجٌ على مَتنِ سابحٍولا ضُرِبتْ لي بِالعراءِ قِبابُ
ولا بَرقتْ لي في اللقاءِ قواطعٌولا لمعتْ لي في الحروبِ حِرابُ
سَتَذكر أيامي نُميرٌ وعَامرٌوكعبٌ ، على عِلاتها ، وكِلابُ
أنا الجارُ لا زادي بَطِيءٌ عليْهِمُولا دونَ مالي في الحَوادثِ بَابُ
ولا أطلبُ العَوراءَ مِنها أُصِيبهاولا عورتي لِلطالبينَ تُصابُ
بَني عَمِّنا ، ما يَفْعَلُ السيفُ في الوغىإذا قلَّ مِنْهُ مَضرِبٌ وَذُبابُ
بَني عَمِّنا ، نحنُ السَّواعِدُ وَالظُّبَاوَيُوشِكُ يوماً أن يكونَ ضِرابُ
وما أدَّعِي ما يَعلَمُ الله غَيرهُرِحَابٌ عَلِيٍّ لِلعُفاةِ رِحابُ
وأفعالهُ لِلراغبين كَرِيمةٌوأموالهُ للطالبين نِهَابُ
ولكنْ نَبَا مِنهُ بِكَفِّيَ صَارمٌوأظلمَ في عَيْنَيَّ مِنهُ شِهابُ
وأبطأَ عَنِّي والمنايا سريعةٌوَلِلموتِ ظِفْرٌ قد أطلَّ ونابُ
فإن لم يَكنْ وِدٌ قَرِيبٌ تَعُدُّهُولا نَسَبٌ بين الرجَالِ قِرابُ
فأحوطُ للإسلام أنْ لا يُضِيعنيولي عَنْهُ فِيهِ حَوْطةٌ وَمَنابُ
ولكنني راضٍ على كلِّ حالةٍلِنَعْلَمَ أيَّ الخُلَّتينِ سَرابُ
وما زِلتُ أرضى بالقليلِ محبةًلَدَيْهِ ، ومادون الكثير حِجابُ
وأطلُبُ إبقاءً على الوُد أرضَهُوذِكرى مِني في غيرها وطلابُ
كذاكَ الوِداد المحضُ لا يرتجى لهُثوابٌ ، ولا يُخشى عَليهِ عقابُ
وقدْ كُنتُ أخشى الهجرَ والشمْلُ جَامِعٌوفي كُلِّ يَوْمٍ لُقْيَةٌ وخِطَابُ
فكيف وفيما بيننا مُلْكُ قَيْصَرٍولِلْبَحْرِ حولي زَخْرَةٌ وَعُبَابُ ؟
أَمِنْ بَعْدِ بَذْلِ النفس فيما تُرِيدُهُأثابُ بِمُرِّ العَتبِ حِينَ أُثابُ
فليتك تحلو والحياةُ مريرةٌوليتك ترضى والأنامُ غِضابُ
وليتَ الذي بيني وبينك عَامرٌوبيني وبين العالمين خَرابُ
إذا صحَّ مِنكَ الوِدُّ فالكُلُّ هَيّنٌوكُلُّ الذي فوقَ التُّرابِ تُرابُ
هو الحارث بن سعيد بن حمدان، كنيته "أبو فراس". ولد في الموصل واغتيل والده وهو في الثالثة من عمره على يد ابن أخيه جرّاء طموحه السياسي، لكنّ سيف الدولة قام برعاية أبي فراس.
استقرّ أبو فراس في بلاد الحمدانيين في حلب. درس الأدب والفروسية، ثم تولّى منبج وأخذ يرصد تحرّكات الروم. وقع مرتين في أسر الروم. وطال به الأسر وهو أمير ، فكاتب ابن عمه سيف الدولة ليفتديه، لكنّ سيف الدولة تباطأ وظلّ يهمله.
كانت مدة الأسر الأولى سبع سنين وأشهراً على الأرجح. وقد استطاع النجاة بأن فرّ من سجنه في خرشنة، وهي حصن على الفرات. أما الأسر الثاني فكان سنة 962 م. وقد حمله الروم إلى القسطنطينية، فكاتب سيف الدولة وحاول استعطافه وحثّه على افتدائه، وراسل الخصوم . وفي سنة (966) م تم تحريره.
وفي سجنه نظم الروميات، وهي من أروع الشعر الإنساني وأصدقه.
لماذا تأخّر سيف الدولة في تحريره؟
علم سيف الدولة أن أبا فراس فارس طموح، فخاف على ملكه منه، ولهذا أراد أن يحطّ من قدره وان يكسر شوكته ويخذله ويذلّه بإبقائه أطول فترة ممكنة في الأسر.
ولهذا قام بمساواته مع باقي الأسرى، رغم انه ابن عمه، وله صولات وجولات في الكرم والدفاع عن حدود الدولة وخدمة سيف الدولة الحمداني.
أبو فراس الحمداني بين فكّي التاريخ
سقوط الفارس في ساحة الميدان
بعد سنة من افتداء الشاعر، توفي سيف الدولة (967) م وخلفه ابنه أبو المعالي سعد الدولة، وهو ابن أخت الشاعر. وكان أبو المعالي صغير السن فجعل غلامه التركي فرعويه وصياً عليه.
وعندها عزم أبو فراس الحمداني على الاستيلاء على حمص، فوجّه إليه أبو المعالي مولاه فرعويه، فسقط الشاعر في أوّل اشتباك في الرابع من نيسان سنة 968 م وهو في السادسة والثلاثين من عمره.
وهكذا نجد أنّ رأي سيف الدولة الحمداني فيه كان صادقاً وفي محله. فقد كان أبو فراس الحمداني طموحاً الأمر الذي جرّ عليه الويلات.
أشعاره :
من آخر أشعاره مخاطبته ابنة أخيه:
أبنيّتي لا تحزني
كل الأنام إلى ذهابْ
أبنيّتي صبراً جميلاً
للجليل من المصابْ
نوحي عليّ بحسرةٍ
من خلفِ ستركِ والحجابْ
قولي إذا ناديتني
وعييتُ عن ردِّ الجوابْ
زين الشباب أبو فراسٍ
لم يمتَّعْ بالشبابْ
ومن روائع شعره ما كتبه لأمه وهو في الأسر:
لولا العجوز بمنبجٍ
ما خفت أسباب المنيّهْ
ولكان لي عمّا سألت
من فدا نفس أبيّهْ
وأثناء أسره في القسطنطينية بعث إلى سيف الدولة يقول:
بمن يثق الإنسان فيما نواه؟
ومن أين للحرّ الكريم صحاب؟
وفي قصيدة "أراك عصيّ الدمع" الشهيرة يقول:
أراك عصيّ الدمع شيمتك الصبر
أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمر؟
نعم أنا مشتاق وعنديَ لوعةٌ
ولكنّ مثلي لا يُذاع له سرُّ
إذا الليل أضواني بسطتُ يدَ الهوى
وأذللتُ دمعاً من خلائقهِ الكِبْرُ
كلمة أخيرة
أبو فراس الحمداني الشاعر والفارس الذي لا يهاب الموت عاني الكثير من سيف الدولة الذي خاف من فروسيته وشعبيته فأحبّ أن يبقيه في أسر الروم. أما نحن القراء فأمتعنا ما كتبه الشاعر من كتابة صادقة في الحب والفخر والرثاء والشكوى.
ولما تحرر من أسره حاول ردّ اعتباره واستعادة مجده لكنّ يد الموت كانت أطول . وفي معركة غير متكافئة سقط شاعرنا ومات وهو يلفظ الشعر الصادق .
من أعذب وأرق قصائده :
أراك عصي الدمع
أراك عصي الدمع شيمتك الصبرأما للهوي نهي عليك ولا أمر ؟
بلي أنا مشتاق وعندي لوعهولكن مثلي لا يذاع له سر
إذا الليل أضواني بسطت يد الهوىوأذللت دمعا من خلائقه الكبر
تكاد تضئ النار بين جوانحيإذا هي أذكتها الصبابة والفكر
معللتي بالوصل والموت دونهإذا مت ظمآناً فلا نزل القطر
حفظت وضيعت المودة بينناوأحسن من بعض الوفاء لك العذر
وما هذه الأيام إلا صحائفلأحرفها من كف كاتبها بشر
بنفسي من الغادين في الحي غادةهواي لها ذنب وبهجتها عذر
تروغ إلى الواشين في وان ليلأذنا بها عن كل واشية وقر
بدوت وأهلي حاضرون لأننيأري أن دارا لست من أهلها قفر
وحاربت قومي في هواك وانهموإياي لولا حبك الماء والخمر
فإن كان ما قال الوشاة ولم يكنفقد يهدم الإيمان ما شيد الكفر
وفيت وفي بعض الوفاء مذلةلآنسة في الحي شيمتها الغدر
وقور وريعان الصبا يستفزهافتارن أحيانا كما أرن المهر
تسألني " من أنت؟ " وهي عليمةوهل بفتي مثلي علي حاله نكر؟
فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى :"قتيلك !" قالت : أيهم ؟ فهم كثر
فقلت لها :" لو شئت لم تتعنتيولم تسالي عني ، وعندك بي خبر !"
فقالت : "لقد أزري بك الدهر بعدنا !"فقلت : معاذ الله ، بل أنتِ لا الدّهر
وما كان للأحزان لولاك مسلكإلي القلب ، لكن الهوى للبلى جسر
وتهلك بين الهزل والجد مهجةإذا ما عداها البين عذبها الفكر
فأيقنت أن لا عز بعدي لعاشقوأن يدي مما علقت به صفر
وقلبت أمري لا أري لي راحةإذا الهم أسلانى ألح بي الهجر
فعدت إلى حكم الزمان وحكمهالها الذنب لا تجزي به ولي العذر
كأني أنادي ميثاء ظبيةعلي شرف ظمياء جللها الذعر
تجفل حينا ثم تدنو كأنماتنادي طلا بالواد أعجزه الحُضر
فلا تنكريني يا ابنة العم إنهليعرف من أنكرته البدو والحضر
ونحن أناسٌ لا توسط بيننالنا الصدر دون العالمين أو القبر
تهون علينا في المعالي نفوسناومن خطب الحسناء لم يغلها المهر
أعز بني الدنيا وأعلى ذوي العلاوأكرم من فوق التراب ولا فخر
أبو فراس الحمداني
ناحت بقربي حمامة
أقول وقد ناحت بقربي حمامة:
أياجارتا هل بات حالك حالي؟
-
معاذ الهوى؟ماذقت طارقة النوى
ولا خطرت منك الهموم ببال
-
أتحمل محزون الفؤاد قوادم
على غصن نائي المسافة عال
-
أياجارتا، مأنصف الدهر بيننا
تعالي أقاسمك الهموم تعالي
-
تعالي تري روحاًلدي ضعيفة
تردد في جسم يعذب بالا
-
أيضحك مأسور وتبكي طليقة
ويسكت محزون ويندب سال
-
لقد كنت أولى منك بالدمع مقلةً
ولكن دمعي في الحوادث غال
أبو فراس الحمداني كان شاعراً وأميراً وفارساً شامخ النفس لذلك لم يكن سهلاً ان يؤسر بيد الروم , هذه القصيدة أرسلها إلى سيف الدولة ليحثه على طلب الفداء حين طلب الروم إطلاق سراح "بودرس" ابن أخت ملك الروم الذي كان أسيرا لدى سيف الدولة.
وهي:
" قصيدة الفداء "
دَعوتـُكَ للجَفــن القريـْــحِ المسهـَّــدِ
لــديّ، وللنـــوم القليــل المُشـــرَّدِ
ومـــا ذاك بُخــلا بالحيــــاةِ وإنهــا
لأولُ مبــــذولٍ لأولِ مُــجـتـــــــدِ
وما الأسر مما ضقت ذرعا بحمله
وما الخطب مما أن أقول له قـَـــدِ
وما زل عني أن شخصا معرضــا
لنبل العد ىإن لم يصب فكأنْ قـَـدِ
ولســـت أبالي إنْ ظفــرت بمطلبٍ
يكونُ رخيصًا أو بوسْــمٍ مُــــزوَّدِ
ولكنني أختــــار مـــوت بنــي أبي
على صهوات الخيل غيـــر موسدِ
وتأبى وآبـــى أن أمــــوتَ مـُـوسدًا
بأيدي النصارى موتَ أكمـــدَ أكبدِ
نضوت على الأيام ثـوب جــلادتي
ولكنني لـــم أنـض ثـــوب التجلــدِ
دعوتك والأبــواب ترتـــجُ دوننـــا
فكن خيــــرَ مدعــــوٍّ وأكرمَ منجدِ
فمثلك مــن يـُـدعى لكــلِّ عظيمــة
ومثلي منْ يفدى بكــــلِّ مُسـَـــــوَّدِ
أناديكَ لا أني أخافُ من الـــرَّدى
ولا أرتجيْ تأخيرَ يومٍ إلى غَــــــدِ
متى تـُخلفُ الأيامُ مثلي لكـُــمْ فتى
طويلَ نجادِ السيف رحبَ المقلـَّـــدِ
متى تلدُ الأيـــام مثـلي لكــــم فتى
شديدًا على البأســـاءِ غيـــرَ مُلَهَّـــدِ
يطاعنُ عن أعـراضكم بلســـانـِـهِ
ويضربُ عنكمْ بالحســـامِ المُهنــَّـدِ
فما كلُّ منْ شاء المعالي ينــالهـــا
ولا كل سيَّارٍ إلى المجد يَهتــَـــدِي
وإنك للمولى الــذي بــكَ أقتـــدي
وإنك للنجمُ الــــذي بـــه أهتــَــدي
وأنت الذي عرَّفتني طـُــرقَ العلا
وأنت الــــــذي أهويتني كلَّ مقصدِ
وأنت الـــذي بلغتني كـــل رتبــة
مشيت إليهـــــا فوق أعناق حُسَّدي
فيا مُلبسي النعمى التي جلَّ قدرها
لقد أخـْـلـَقـَتَ تلـك الثيــــابُ فجَـدِّدِ!
أما لجميلٍ عندكنّ ثواب
أما لِجَميلٍ عِنْدكُنَّ ثَوابُولا لِمُسيءٍ عِنْدَكُنّ مَتَابُ
إذا الخِلُّ لَمْ يَهْجُركَ إلا مَلالةً .فَلَيْسَ لهُ ، إلا الفِرَاقَ ، عِتابُ
إذا لم أجد من خُلَّةٍ ما أُرِيدُهُفعندي لأُخْرى عَزْمَةٌ وَرِكابُ
وليس فِراقٌ ما استطعتُ فإن يَكُنْفِراقٌ على حَالٍ فليس إيابُ
صَبورٌ ولو لم يبقَ مني بقيةٌقَؤُولٌ وَلوْ أنَّ السيوفَ جَوابُ
وَقُورٌ وأحداثُ الزمانِ تَنوشنيوَلِلموتِ حولي جِيئةٌ وَذَهَابُ
بِمنْ يَثِقُ الإنسانُ فيما يَنُوبهُومِنْ أينَ لِلحُرِّ الكَريم صِحابُ
وقدْ صَارَ هذا الناسُ إلا أقَلَّهُمْذِئابٌ على أجْسَادِهنَّ ثِيابُ
تَغَابيتُ عن قومٍ فَظَنوا غَباوةًبِمَفْرِقِ أغبانا حصًى وَتُرابُ!
ولو عَرفوني بَعْضَ مَعرِفَتي بِهمْإذاً عَلِموا أني شَهِدتُ وغابوا
إلى الله أشكو أننا بِمنازلٍتَحكَّمَ في آسادِهنّ كِلابُ
تَمُرُّ الليالي لَيْسَ لِلنَّقْعِ مَوْضِعٌلَديَّ ولا لِلمُعْتَفِين جَنَابُ
ولا شُدَّ لي سَرْجٌ على مَتنِ سابحٍولا ضُرِبتْ لي بِالعراءِ قِبابُ
ولا بَرقتْ لي في اللقاءِ قواطعٌولا لمعتْ لي في الحروبِ حِرابُ
سَتَذكر أيامي نُميرٌ وعَامرٌوكعبٌ ، على عِلاتها ، وكِلابُ
أنا الجارُ لا زادي بَطِيءٌ عليْهِمُولا دونَ مالي في الحَوادثِ بَابُ
ولا أطلبُ العَوراءَ مِنها أُصِيبهاولا عورتي لِلطالبينَ تُصابُ
بَني عَمِّنا ، ما يَفْعَلُ السيفُ في الوغىإذا قلَّ مِنْهُ مَضرِبٌ وَذُبابُ
بَني عَمِّنا ، نحنُ السَّواعِدُ وَالظُّبَاوَيُوشِكُ يوماً أن يكونَ ضِرابُ
وما أدَّعِي ما يَعلَمُ الله غَيرهُرِحَابٌ عَلِيٍّ لِلعُفاةِ رِحابُ
وأفعالهُ لِلراغبين كَرِيمةٌوأموالهُ للطالبين نِهَابُ
ولكنْ نَبَا مِنهُ بِكَفِّيَ صَارمٌوأظلمَ في عَيْنَيَّ مِنهُ شِهابُ
وأبطأَ عَنِّي والمنايا سريعةٌوَلِلموتِ ظِفْرٌ قد أطلَّ ونابُ
فإن لم يَكنْ وِدٌ قَرِيبٌ تَعُدُّهُولا نَسَبٌ بين الرجَالِ قِرابُ
فأحوطُ للإسلام أنْ لا يُضِيعنيولي عَنْهُ فِيهِ حَوْطةٌ وَمَنابُ
ولكنني راضٍ على كلِّ حالةٍلِنَعْلَمَ أيَّ الخُلَّتينِ سَرابُ
وما زِلتُ أرضى بالقليلِ محبةًلَدَيْهِ ، ومادون الكثير حِجابُ
وأطلُبُ إبقاءً على الوُد أرضَهُوذِكرى مِني في غيرها وطلابُ
كذاكَ الوِداد المحضُ لا يرتجى لهُثوابٌ ، ولا يُخشى عَليهِ عقابُ
وقدْ كُنتُ أخشى الهجرَ والشمْلُ جَامِعٌوفي كُلِّ يَوْمٍ لُقْيَةٌ وخِطَابُ
فكيف وفيما بيننا مُلْكُ قَيْصَرٍولِلْبَحْرِ حولي زَخْرَةٌ وَعُبَابُ ؟
أَمِنْ بَعْدِ بَذْلِ النفس فيما تُرِيدُهُأثابُ بِمُرِّ العَتبِ حِينَ أُثابُ
فليتك تحلو والحياةُ مريرةٌوليتك ترضى والأنامُ غِضابُ
وليتَ الذي بيني وبينك عَامرٌوبيني وبين العالمين خَرابُ
إذا صحَّ مِنكَ الوِدُّ فالكُلُّ هَيّنٌوكُلُّ الذي فوقَ التُّرابِ تُرابُ