وهذا هو حقيقة دين الإسلام الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه وهو أن يستسلم العبد لله لا لغيره فالمستسلم له ولغيره مشرك والممتنع عن الاستسلام له مستكبر
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : [ أن الجنة لا يدخلها من في قلبه مثقال ذرة من كبر ] كما أن النار لا يدخلها من في قلبه مثقال ذرة من إيمان فجعل الكبر مقابل الإيمان فإن الكبر ينافى حقيقة العبودية كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ يقول الله : العظمة إزارى والكبرياء ردائى فمن نازعنى واحدا منهما عذبته ] فالعظمة والكبرياء من خصائص الربوبية والكبرياء أعلى من العظمة ولهذا جعلها بمنزلة الرداء كما جعل العظمة بمنزلة الإزار
ولهذا كان شعار الصلاة والأذان والأعياد هو التكبير وكان مستحبا في الأمكنة العالية كالصفا والمروة وإذا علا الإنسان شرفا أو ركب دابة أو نحو ذلك وبه يطفأ الحريق وإن عظم وعند الأذان يهرب الشيطان قال الله تعالى [ 60 غافر ] : { ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين }
وكل من استكبر عن عبادة الله لا بد أن يعبد غير الله فإن الإنسان حساس متحرك بالإرادة
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ أصدق الأسماء حارث وهمام ] والحارث الكاسب الفاعل والهمام فعال من الهم والهم أول الإرادة فالإنسان له إرادة دائما وكل إرادة فلا بد لها من مراد تنتهى إليه فلا بد لكل عبد من مراد محبوب هو منتهى حبه وإرادته فمن لم يكن الله معبوده ومنتهى حبه وإرادته بل استكبر عن ذلك فلا بد أن له مراد محبوب يستعبده غير الله فيكون عبدا لذلك المراد المحبوب إما المال والجاه وإما الصور وإما ما يتخذه إلها من دون الله كالشمس والقمر والكواكب والأوثان وقبور الأنبياء والصالحين أو من الملائكة والأنبياء الذين يتخذهم أربابا أو غير ذلك مما عبد من دون الله
الاستقراء يدل على أنه كلما كان الرجل أعظم استكبارا عن عبادة الله كان أعظم إشراكا بالله