هل انتهت العبودية في العالم العربي ؟
هل انتهت العبودية في العالم العربي ؟مع المرأة أن تنال كل حقوقها ، و مع المرأة أن تحصل على أكثر من حقوقها ، و مع المرأة أن تحتج لأنها لم تنل حقوقها ، كل حقوقها ، و أكثر من حقوقها ، و لكن لست مع هذا المنطق الذي يقول أن الرجل هو من يعطى للمرأة حقوقها ، كل حقوقها ، و لست مع المنطق الذي يقول أنني كرجل مدين لأي كان بأي حقوق ، بل أريد أن أعلنها عالية صريحة هادئة أن على المرأة البحث عن حقوقها بعيدا عن الرجال لسبب بسيط جدا أن فاقد الشيء …لا يعطيه .
لا أبحث عن المناكفة أو الجدل ، و لا أريد استعداء من يمثلون النصف الآخر من الإنسان و الإنسانية ، و لا أبحث عن شهرة زائفة أو فرقعة إعلامية ، الأمر و ما فيه أن هناك إحساس يراودني بأن الرجل العربي لم يتخلص من العبودية إلى حد الساعة ، و أن الحاكم العربي مع أنه قد أمضى كل الاتفاقيات الدولية الرافضة للعبودية فهو لا يزال يمارس نفس المواقف و الطقوس و الانتهاكات التي مارسها أقوام كثيرون في السابق باسم حق العبودية و استعباد البشر ، و لان من يقفون اليوم على هذه الأنظمة الشمولية الفاسدة لا يعترفون بالحريات فمن باب أولى و أحرى أن نتفهم أنهم مع العبودية الشاملة للأفراد بصرف النظر عن الجنس و الهوية و المعتقد و مستوى التحصيل العلمي أو الثقافي ، و لذلك فإنكم ترون كل هذه المظاهرات و تشاهدون كل تلك العصي و خراطيم المياه الحارقة و قنابل الغاز السام المسيل للدموع بمعنى أن هناك عبيد بلا حقوق و قيادات أنظمة شمولية تعاند الحرية و تريد أن تبقى الحال على ما هو عليه.
من يعطى الحريات ، من يطلق الحريات ، من ؟ .. متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ، بمعنى أنني قد ولدت من أم حرة ، بمعنى أنني ولدت حرا ، بمعنى أنني اكتسبت حق الحرية بدون مزية من أحد ، و مع ذلك فهناك من أعتقل حريتنا الشخصية المكتسبة شرعا و قانونا ، هناك من يعاند منطق الطبيعة الإنسانية ، هناك من يسعى إلى التشكيك في شرعيتنا كأمة حرة لا عبودية فيها ، إذا هناك حرية مغتصبة من حاكم يريد إقناعنا أننا أمة من العبيد ، من السبايا ، من الذين اشتراهم من سوق العبيد ليحكمهم و يتحكم فيهم كما يشتهى و يريد.
إذن هناك مشكلة في توصيف الحالة ، و هناك منطق مغلوط ، و هناك حالة اشتباه في المسؤولية و في الطرف المتهم ، و الحرب الأخلاقية القانونية المنطقية التي يجب أن تشن بلا هوادة هي الحرب ضد منطق الأنظمة التي تريد أن نتنازل لها عن حقنا المكتسب لتعطينا إن أرادت بعض الفتات أو ما يسمى بالديمقراطية التايوانية الزائفة، لذلك يجب التصدي لكل القوانين و “الفرامانات” التي صنعها الحكام العرب لإشعارنا بكوننا مواطنين درجة عاشرة ، بكوننا قطيع بلا هوية و لا بوصلة ، بكوننا لا نستحق إلا حياة العبودية ذكورا و إناثا.
بعضهم يظن أن المشكلة في الزوج ، في الأفراد ، في المجتمع ، في الثقافة ، في بعض المفاهيم المغلوطة أو في أماكن مختلفة أخرى ، و لكن الحقيقة مخالفة تماما لان من يشرف على أمرنا هو سبب أزمتنا ، لان ما أحدثه من قوانين مخالفة لقانون الطبيعة يجعل بعض الرجال يستعدون المرأة و يضعونها في مراتب دنيا بحجة تطبيق القانون ، لان هذا “القانون” الذي حاول النظام العربي تمييز الذكور به عن الإناث في مقصد خبيث حتى يضمن بعض صمتهم و غرورهم هو الذي يدفع بعض الحرائر للقول أن هناك مشكلة مع الرجل في حين أن الواقع يقول بوجود مشكلة مع القانون.
الرجل نفسه فريسة مستعبدة من هذا النظام العربي ، الرجل العربي لا يحتكم على القدر الأدنى المسموح به من الكرامة و الحريات العامة و من حق تقرير” مصيره”، الرجل العربي مجرد عبد مقهور بأغلال حديدية كثيرة يحاول أن يظهر أمام المرأة بمظهر سى ” السيد” في فيلم يشبه في كثير من التفاصيل رائعة الكاتب المصري العملاق نجيب محفوظ ” بين القصرين” ، الرجل العربي يحتاج إلى كثير من الجهد و”القتال” حتى يستعيد حريته المسلوبة بفعل فاعل و لذلك فهو مجرد مفعول به في لعبة يظن الكثيرون أنه فاعل .
عندما يسترجع الرجل العربي كرامته و حريته ، عندما يخرج الرجل العربي من سجن الأنظمة العربية الكبير ، عندما تتكاتف كل الأطراف المغلوبة على أمرها و تنزل إلى حلبة الصراع مع حكام هذه الأنظمة العربية المتعفنة الآيلة للسقوط ، عندما يعلن
النفير في بعض الأذهان الخانعة المستعبدة ( بفتح الباء ) ، عندما تقدم التضحيات بلا حساب ، عندما تفهم المرأة أن صراع الوجود لا يكتسب في الصالونات المغلقة المرفهة، عندما تصبح الثورة السلمية على القيود فرض عين ، عندما يقتنع البعض أن هناك معركة ضد العبودية ، عندما تصبح الشهادة في سبيل سحق العبودية نيشانا على الصدر ، عندما تكون الطبقات المتنورة المتعلمة في الطليعة ، عندما يستفيق بعض شيوخ الإسلام الصامتون ، عندما تكون المعركة معركة الجميع لنيل الحرية للجميع ، عندما يقف الشعب في مواجهة سياط السلطة ، عندها فقط ستسقط العبودية و ستسترجع كل الأطراف حقوقها التي وضعها الحاكم في دهاليز أحكم إغلاقها حتى لا تنتشر الحرية و تعم الأصوات المطالبة بالديمقراطية .
بطبيعة الحال هذه المعركة الجدلية بين الرجل و المرأة في مجتمعاتنا العربية لن تنتهي مادام كل طرف في حالة اتهام و اشتباك مع الآخر ، و بطبيعة الحال علينا الانتباه أن هذه المعركة لا طائل من وراءها أبدا ، و بطبيعة الحال علينا الانتباه أن “العدو” ليس الذي نظن بل هو هذا النظام الفاقد للشرعية الذي يحكم كل الرقاب.
من يظن أننا كسرنا سلاسل العبودية فهو واهم ، العبودية حالة مستشرية ،نحتاج إلى كثير من الصلابة و الجهد لنكسر قيودها.
أحمد الحباسى تونس
بانوراما الشرق الاوسط