من طرف waell الأحد 29 سبتمبر 2013 - 3:48
موشح ساحر، يزداد جمالاً كلّما تُعيد قراءته، قاله إبن زيدون وهو يتذكر قرطبة ومجالس أنسه فيها:
سَقى الغَيْثُ أطلالَ الأحِبَّةِ بالحِمَى
وحاكَ عليْها ثوبَ وَشْيٍ مُنـَمْنما
وأطلعَ فيها للأزَاهِيرِ أنجُمَا
فكم رَفَلَتْ فيها الخَرَائِدُ كالدُّمَى ...
إذِ العَيْشُ غَضٌّ والزَّمانُ غُلامُ
***
أهِيمُ بجَبَّارٍ يَعِزُّ وأخْضَعُ
شَذا المِسْكِ مِنْ أرْدانِهِ يَتَضَوَّعُ
إذا جِئْتُ أشْكوهُ الجَوَى ليْسَ يَسْمَعُ
فما أنا في شيءٍ مِنَ الوَصلِ أطمَعُ
ولا أن يَزورَ المُقلَتَيْنِ مَنامُ
***
قضِيبٌ مِنَ الرَّيْحانِ أثمَرَ بالبَدرِ
لَوَاحِظُ عَيْنيْهِ مُلِئنَ مِنَ السِّحْرِ
ودِيباجُ خَدَّيْهِ حَكَى رَوْنقَ الخَمْرِ
وألْفَاظُهُ في النـُّطقِ كاللّؤلؤ النّثرِ
وَرِيقَتُهُ في الارْتِشَافِ مُدامُ
***
سَقَى جَنباتِ القَصْرِ صَوْبُ الغَمَائِمِ
وغَنـَّى على الأغْصَانِ وُرْقُ الحَمائِمِ
بِقُرْطُبَةَ الغَرَّاءِ دَارِ الأكارمِ
بلادٌ بِهَا شَقَّ الشَّبابُ تَمائِمي
وَأنْجَبَني قَومٌ هُناكَ كِرامُ
***
فكَمْ لِي فِيهَا مِنْ مَساءٍ وَإصباحِ
بِكُلِّ غَزَالٍ مُشرِقِ الوَجْهِ وَضَّاحِ
يُفدِّمُ أفْوَاهَ الكؤُوسِ بِتُـُفـَّاحِ
إذا طَلَعَتْ في رَاحِهِ أنجُمُ الرَّاحِ
فإنـَّا لإعظامِ المُدامِ قِيامُ
***
وَيَومٍ لَدَى النـَّبتِيِّ في شاطِىءِ النـَّهْرِ
تُدارُ عَليْنَا الرَّاحُ في فِتيَةٍ زُهْرِ
وَلَيْسَ لَنَا فَرْشٌ سِوَى يانِعِ الزَّهرِ
يَدُورُ بِهَا عَذبُ اللّما أهْيَفُ الخَصْرِ
بِفِيهِ مِن الثـَّغرِ الشَّنِيبِ نِظامُ
***
وَيَومٍ بِجَوْفيِّ الرُّصَافةِ مُبْهِجِ
مَرَرْنا بِرَوضِ الأقحُوانِ المُدَبَّجِ
وقابَلَنَا فيهِ نسِيمُ البَنفسجِ
ولاحَ لَنَا وَرْدٌ كَخَدٍّ مُضَرَّجِ
نراهُ أمَامَ النـَّورِ وهو إمامُ
***
وأكْرِمْ بأيَّامِ العُقابِ السَّوالِفِ
وَلَهْوٍ أثَرْناهُ بتِلكَ المَعَاطِفِ
بسُودِ أثِيثِ الشَّعْرِ بِيضِ السَّوالِفِ
إذا رَفَلُوا فِي وَشْيِ تِلكَ المَطارِفِ
فليْسَ على خَلْعِ العِذارِ مَلامُ
***
وَكَمْ مَشْهَدٍ عِندَ العَقيقِ وَجِسْرِهِ
قَعَدْنا عَلَى حُمْرِ النـَّباتِ وَصُفْرِهِ
وَظَبْيٍ يُسَقـِّينَا سُلافَةَ خَمْرِهِ
حَكَى جَسَدِي في السّقْمِ رِقـَّة خَصْرهِ
لَوَاحِظُهُ عِندَ الرُّنـُوِّ سِهَامُ
***
فَقُلْ لِزَمَانٍ قَدْ تَـَوَلـَّى نَعِيمُهُ
وَرَثـَّتْ على مَرِّ اللـَّيالي رُسُومُهُ
وَكمْ رَقَّ فيهِ بالعَشِيِّ نسِيمُهُ
وَلاحَتْ لِسَارِي اللـَّيْلِ فِيهِ نـُجُومُهُ:
عَليكَ مِنَ الصَّبِّ المَشُوقِ سَلامُ!