القيمريـــــــــــــة
.................
إذا كانت مدينة "دمشق" هي أقدم عواصم العالم، فإن حّي "القيمرية" هو قلبها، وأزقته الضيقة هي شرايينه الأصيلة التي مازالت تنبض بالحياة... ذلك الحي الذي تحوّل إلى أحد المقاصد الرئيسية للسياح، ولمَن يريد الاستمتاع بسحر "دمشق" القديمة، والاسترخاء في رحاب بيوتها المشرّعة أمام الزوار.
يعود اسم "القيمرية" إلى رجل عاش في زمن الفتوحات الإسلامية، وكان يدعى الشيخ "قيمر"، ويقطن في هذا الحّي اليوم حوالي \27000\ نسمة، وهو من أكبر أحياء المدينة العتيقة، يحده من الشرق حي "باب توما"، ومن الغرب الجامع "الأموي" بدءاً من منطقة "النوفرة" حيث يقع أشهر مقاهي "دمشق" التاريخية، أما من الشمال فيحده حارة "الجورة"، ومن الجنوب شارع "مدحت باشا" بين الـ"كنيسة المريمية" و"سوق الخياطين"، وليس لحي "القيمرية" أي إطلالة على سور المدينة القديمة فهو بالنسبة لها بمثابة القلب من الجسد.
وتضم "القيمرية" عشر حارات أساسية تعود إليها قيود أهل الحي على سجلات الأحوال المدنية لــ "دمشق"، وعدداً من هذه الحارات يحمل أسماء العائلات العريقة التي سكنتها فعرفت بها، كــ "المتولي"، و"الشهبندر"؛ «نسبة إلى د. "عبد الرحمن الشهبندر" زعيم الكتلة الوطنية في عهد الاستقلال»، و" أبو بكر"..
وهناك أيضاً حارة "النارنجة": «ويقال أن أصل تسميتها يعود إلى شجرة "نارنج" عتيقة، كان سكان الحّي والأحياء المجاورة يتبركّون بها وبثمارها».
و"سوق القاضي": «كنايةً عن حارة تقع على تلّةٍ صغيرة في جنوب "القيمرية"، وفيها سوق صغير ينتسب إلى أحد القضاة ممن سكنوا الحي».
أما الــ "شاويش بصملة": فيقال أنها «أخذت اسمها من أحد المسؤولين في العهد العثماني سكن في تلك الحارة، وكان برتبة شاويش».
وحارة "السيدة رابعة" أو "ستي رابعة": «تنتسب إلى السيدة "رابعة الشامية"، وهي من أولياء الله الصالحين عاشت في هذه الحارة ودفنت فيها، حيثما يزال مقامها يزار إلى الآن».
و"المنكلانة": «نسبةً إلى "عبد الله المنكلاني الشافعي" الذين عاش في هذه الحارة، ودفن فيها، وله مقام ومدرسة سميت باسمه؛ المدرسة "المنكلائية"».
أما "قناية الحطب": فأخذت اسمها من «قناة مياه قديمة كانت تروي الحي، وجفّت منذ زمنٍ بعيد».
وآخر حارات "القيمرية" هي "النقاشات": «وهي عبارة عن زقاقٍ اشتهر بوجود نساءٍ كنّ يعملن بالوشم».
وحيثما اتجه الزائر لحي "القيمرية" يجد معالم أثريةً تشهد على الحضارات التي عاشت واستقرت في "دمشق"، كـباب "جيرون" أحد أبواب معبد "جوبيتر" العائد للحقبة الوثنية من العهد الروماني، ولاتزال هناك بعض الأعمدة والأقواس التاريخية التي ترسم حدود ذلك المعبد القديم، وعند حدود "القيمرية" الجنوبية تقع الـكنيسة "المريمية" إحدى أقدم كنائس الروم الأرثوذكس في العالم، وتنتشر في أزقة الحي المساجد والزوايا ومنها:
الزاوية "السعدية" التي تفتح أبوابها في المناسبات الدينية فقط كـليلة الإسراء والمعراج.
كما يضم عدداً من الحمامات التقليدية التي ما زالت عامرةً إلى الآن كـالــ "البكري" و"القيمرية" الذي يتم ترميمه في هذه الفترة، و"نور الدين الشهيد" أحد أشهر حمامات "دمشق" التاريخية الذي بناه السلطان "نور الدين زنكي"..
وللــ "القيمرية" أيضاً حصتها من أشهر أسواق "دمشق" كـسوق "الخياطين"، و"البزورية"، وفيه يقع أشهر خانات المدينة العتيقة كخان "أسعد باشا"، والــ" سفرجلاني".
وفي قلب الحي يقع "مكتب عنبر" أو ما يسمى بـ (قصر الثقافة)، والذي كان دائرة حكومية في فترة الاحتلال الفرنسي لسورية، ويقول (أبوعلي) أنّ هذا المكتب؛ «تحوّل بعد الاستقلال إلى مدرسة إعدادية وثانوية، قبل أن تجعل منه محافظة "دمشق" مقراً لدائرة خدمات المدينة القديمة».
ولبيوت "القيمرية" خصائصها العمرانية المميزة حيث تتجلى فيها سمات البيت الدمشقي، كما تضم عدداّ من القصور الفريدة كقصر "العظم" الذي يعود إلى العهد العثماني، و«يعرف في جميع الأنحاء العالم كمعلم إنساني وعمراني فريد».
كما أن أكثر ما يميز هذه البيوت سعة المساحة، والترتيب الجميل, فأغلب بيوت الحي مقسمة إلى قسمين، قسم أرضي صيفي، وآخر علوي تسكنه العائلة شتاءً، أما الطابق الأرضي فيتميز بباحته السماوية الدائرية, وبالبحرة الموجودة في وسطه الباحة، وغالباً ما تبنى من الحجر المزّاوي النادر – نسبةً إلى منطقة "المزّة" بـ "دمشق"، كما يتميز البيت العربي بـالــ "ليوان"، وقوسه المميز، و"القاعة" التي يطلق عليها أهل "القيميرية" تسمية الــ "تظر"، كنايةّ عن المساحة المرتفعة من الأرض التي تتوسط قاعة الاستقبال، وتضم في أحد جنباتها (قعدة عربية) تتألف من سجادة ممدودة، ووسائد للجلوس، ووسائد خاصة لإسناد الظهر، ويتوسط الجلسة أدوات الضيافة العربية، وهي عبارة عن مصب وفناجين للقهوة.
قصور "القيمرية" وبيوتها التي اشتاقت إلى أهلها تحول معظمها اليوم إلى مطاعم أو فنادق، وبالرغم من أن قيمتها الأثرية والمادية لا تقدر بثمن، فإن عدداً منها أصبح ملكاً لشخصيات عربيةٍ وأجنبية، كــ «بيت "المجلّد" الذي كان حتى فترة قريبة ملكاً للنائب اللبناني "وليد جنبلاط" قبل أن يباع بمبلغٍ مالي ضخمٍ جداً، وهناك أيضاً بيت المحدّث الأكبر الشيخ "بدر الدين الحسني"، وابنه الشيخ "تاج" الذي تولى رئاسة دولة سورية في عهد الاحتلال الفرنسي، وتملك البيت اليوم سيدةً عربية، أما قصر الدكتور "عبد الرحمن الشهبندر" زعيم الكتلة الوطنية وأحد صنّاع الاستقلال فتحوّل قصره منذ فترةٍ قريبة إلى فندق من أكثر فنادق "دمشق" فخامةً».
وحّي "القيمرية" يضم اليوم \43\ مطعم و مقهى بعضها أثري كـ "مقهى النوفرة"، ومقهى "دمشق القديمة" الذي كان حمّاماً، أما بقيّة المطاعم فكان أغلبها بيوت سكنية أو مخازن أو مستودعات، وساق لنا عدداً من الأمثلة على ذلك كــ: «مطعم "موليا" الذي كان "ياخور"؛ إسطبل خيول لعائلة "آغا خير"، ثم تحول إلى مستودع خشب لعائلة "المحايري" قبل أن يتم استثماره كمطعم».
و"عالبال"؛ «كان فرناً يسمى "فرن الشاويش"».
"تمر حنة"؛ «كان منزلاً تسكنه عائلة "الحلبي", ثم تحول إلى نزلٍ يؤجّر بالغرفة، ثم اشتراه احد التجار وحوله إلى مطعم».
"صباح ومسا"؛ «كان ورشة نجارة».
"قصر النرجس" «كان عبارة عن منزل فارغ لعائلةٍ من النبك، ثم قاموا بترميمه وتحويله إلى مطعم».
"بيت المملوكة"؛ «كان ملكاً لعائلة "اليازجي"، وبعدها جاءت امرأة ايطالية واشترته، وحولته إلى فندق».
"بيت الياسمين"؛ «كان منزلاً لآل "العضل"، والمطعم الذي بجانبه؛ الـ"باب العتيق" كان ملكاً لعائلة "الجيرودي"».
و"سيلينا"؛ «كان منزلاً لـ"أبو حمزة بلوق" كما استخدمه لتجارة السجّاد العجمي، ثم اشتراه "أبو فهد زهوة" ليسكنه فترة قبل أن يحوله إلى مطعم».
مطعم "أوراق الزمن"، ويقول أنّه كان منزلاً مهملاً فجاء رجل يدعى "سليم هزيم" وعمل على ترميمه من الداخل والخارج فأضفى على الحاره طابعا غاية في الروعه
............
...... مــــاهر
الحارة طابعاً جميلاً.