ورد الشام

ورد الشام
عزيزي الزائر
هنالك فرق في التصفح كـ زائر والتصفح كــ صديق مسجل مع أننا أتحنا كل أقسام ورد الشام لكي يستفاد بها الجميع الزائرين
كثيرة المنتديات التي يسجل بها البعض ولكن قد يهمل دخولهم وتسجيلهم
هنا في ورد الشام
جرب أن تهتم وسوف نهتم


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ورد الشام

ورد الشام
عزيزي الزائر
هنالك فرق في التصفح كـ زائر والتصفح كــ صديق مسجل مع أننا أتحنا كل أقسام ورد الشام لكي يستفاد بها الجميع الزائرين
كثيرة المنتديات التي يسجل بها البعض ولكن قد يهمل دخولهم وتسجيلهم
هنا في ورد الشام
جرب أن تهتم وسوف نهتم

ورد الشام

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أجتماعي ثقافي أدبي ترفيهي


    المهندس جورج فارس رباحية


    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع

    عدد الرسائل : 29437
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    18092013

    المهندس جورج فارس رباحية  - صفحة 2 Empty المهندس جورج فارس رباحية

    مُساهمة من طرف waell

    لسبت 10 كانون الثاني 2009


    «كلمات متقاطعة بأسماء أدباء وروايات هي أول ما نشرت على الرغم من أني كنت أكتب خواطري باستمرار». هذه الكلمات للكاتب والباحث في تاريخ "حمص" الأستاذ "جورج فارس رباحية" هذا الرجل الذي قسّم حياته ما بين الهندسة الزراعية التي درسها وعمل بها أكثر من ثلاثين عاماً وبين نشاطه المتميز في البحوث التاريخية التي تخصّ مدينته "حمص".

    المهندس جورج فارس رباحية  - صفحة 2 085302_2009_01_10_12_08_49
    حيث كتب مئات المقالات الأدبية والتاريخية والعملية ويعد أحد المراجع الهامة في تاريخ "حمص" لأنه يملك أرشيفاً متميزاً من الصور الأثرية للمدنية. موقع eHoms التقى المهندس "جورج فارس رباحية" بتاريخ 9/1/2009 لنتعرف على حياته حيث قال عن بدايات اهتمامه بالكتابة: «أنا من عائلة تعشق القراءة وتأثرت جداً بعمي "سليم رباحية" حيث كان يعيش من مهنة النجارة ويمارس القراءة لأكثر من /8/ ساعات يومياً أما أنا فقد بدأت بالكتابة منتصف الستينيات تقريباً حيث قمت بتركيب كلمات متقاطعة بأسماء أدباء وروايات ونشرتها بمجلة "الفصائل" على الرغم من أني كنت أكتب خواطري وأقوم بتلخيص لحياة الكثير من الأدباء وخصوصاً أدباء المهجر حيث كنت أحب الشاعر الحمصي "نسيب عريضة" جداً وأمير الشعراء "أحمد شوقي" من "مصر"».

    اختار الشاب "جورج" أن يدرس في كلية الزراعة بـ"حلب" عام
    المهندس جورج فارس رباحية  - صفحة 2 085302_2009_01_10_12_08_49.image1
    الشهادة التي نالها بأستراليا
    /1963/ لأن مجموعه في الثانوية العامة لم يسمح له إلا بذلك وفي السنوات الأولى لم يتأقلم مع فكرة أنه سيصبح مهندساً زراعياً لكنه فيما بعد أحبها وتخرج من الكلية /1967/ عن هذا الموضوع قال: «أحببت مهنتي لأنها أصبحت مصدر رزقي فبعد تدريس لمادة العلوم لسنة واحدة في ثانوية الحرس القومي بدأت بالعمل مع مديرية زراعة "حلب" عينت رئيساً لمصلحة زراعة "اعزاز" وبقيت فيها عاماً واحداً ثم انتقلت إلى مديرية زراعة "درعا" وبقيت حتى عام/1973/ ثم إلى مديرية "حمص" حتى عام /2002/ في هذه السنوات أجريت العديد من الدراسات على البادية وعملت مع المركز العربي لدراسة المناطق الجافة (أكساد) التابع للجامعة العربية وتصنيف نباتات البادية إلى أن أصبحت خبيراً محلفاً لدى المحاكم بالشؤون الزراعية وشؤون البادية».

    حصل المهندس "جورج" على المركز الأول بدارسته
    المهندس جورج فارس رباحية  - صفحة 2 085302_2009_01_10_12_08_49.image2
    المقارنة بين البادية السورية والاسترالية في "استرالية" وكانت باللغة الانكليزية عام/1981/م كما أجرى العديد من الدورات في المجال الزراعي بكل من (مصر وأستراليا والأردن) من جانب آخر كان الأستاذ "جورج" يهتم بآثار "حمص" ويبحث في تاريخها يتحدث عن ذلك فيقول: «أعتبر نفسي باحثاً تاريخياً قبل أي شيء آخر وبداياتي كانت بنشر المقالات في جريدة "حمص" وكتبت عن الأمثال في الفصول والأشهر ثم بجريدة العروبة حيث نشرت مقالات أدبية وخواطر وسلسلة "أحداث لا تنساها حمص" ومنذ نهايات التسعينيات كنت أعمل على تدوين الأمثال الشعبية المتداولة في "حمص" (الريف والمدينة) واستطعت من خلال رحلاتي أن أوثق الأمثال عند البدو وسكان الريف وهنا في المدنية».

    رأى كتاب "أمثال حمص الشعبية" النور عام /2006/ كأول كتاب من هذا النوع يوثق الأمثال الحمصية أما عن الكتاب
    المهندس جورج فارس رباحية  - صفحة 2 085302_2009_01_10_12_08_49.image3
    الذي يحضّر له حالياً الأستاذ "جورج" فقال: «هو كتاب بعنوان "اسم على مسمى" يبحث في تاريخ الأسماء ومعانيها ونستطيع تسميته بدليل الأسماء اعتمدت بشرحه على معاجم مثل "المنجد" كما هناك أفكار لكتب كثيرة مثل كتاب مشترك بيني وبين الباحث الأستاذ "فيصل شيخاني" عن تاريخ مساجد وكنائس "حمص" أشعر أن لدي الكثير من المشاريع التي لم أنجزها بعد».

    ولابد من الإشارة المهندس "جورج رباحية" مهتم جداً بالصور الضوئية ولديه أكثر من /350/ صورة عن تاريخ وآثار "حمص" وأجرى عدداً من المعارض بهذا الشأن كما أن له عدداً من الأبحاث في المجال الزراعي مثل "كتاب الإبل" (سفينة الصحراء) كتاب "عروق الأغنام في الدول العربية". وأخيراً الأستاذ "جورج" متزوج من السيدة "جورجيت طانيوس شمّاس" وله من الأولاد: (هبة ـ هلا ـ فارس ـ دانا) وهو من مواليد 9/1/1942.
    مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

    مُساهمة السبت 28 سبتمبر 2013 - 11:53 من طرف المهندس جورج فارس رباحية

    تعجز الأنامل عن شكركم لهذه البادرة الرائعة
    اتمنى لموقعكم كل التقدم والنجاح

    مُساهمة السبت 5 أكتوبر 2013 - 9:39 من طرف عبد الوهاب الريس

    a2 a2 a2 

    مُساهمة الأحد 10 نوفمبر 2013 - 15:25 من طرف waell

    المهندس جورج فارس رباحية  - صفحة 2 Empty من طرف المهندس جورج فارس رباحية اليوم في 12:57 pm




    النابِغَة الذبياني
    535 ـ 604 م
    المهندس جورج فارس رباحية  
       هو زياد بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن غيظ بن مرّة بن عوف بن ســــعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر ، والدته عاتكــة بنت أنيس الأشجي وعرف من بناته  أمامة و تمامة وعقربة  ويُكَنّى بابي أمامة وأبي تمامة  ابنتـــاه على عادة العرب آنذاك . وُلِدَ في قبيلة بني ذبيان وعاش على الأغلب ما بيـــن أعوام ( 535 ـ 604 ) م وعاش في بيئة نصرانية بين أهله على الوفاء والولاء لهم والتفــاخر بقبيلته وحلفائها وشِعره يُثبِت ذلك  وهو من أشراف القبيلة ، كما لُقِّب بالنابغة الذبياني وهنــاك عدة آراء حول سبب هذا اللقب منها :
    1" ـ لُقِّب بالنابغة لأنه نبغ في الشِعر دفعة واحدة .
    2" ـ يقول أبو قتيبة إن سبب لقبه بالنابغة لقوله :
    وحلّت في بني القين بن جسر *****  فقد نبغت لهم منا شؤون
    3" ـ وفي رأي البغدادي : أن هذا اللقب لحقه لأنّه لم ينظم الشعر حتى أصبح رجلاً
    4" ـ وعلى حد قول العرب  ربما كان اللقب مجازاً : فنبغت الحمامة ، إذا أرسلت صـــــوتها في الغناء ونبغ الماء إذا غزر ، ونبغ الشاعر ، والشاعر نابغة ، إذا غزر شعره  وكثر .
    5" ـ ويُروى أنه لم يقل الشعر إلاً بعد أن تجاوز عمره الأربعين تقريباً ولهذا يصفونه بالنبوغ .
    6" ـ وجاء في كتاب الأغاني : انه بفضل أدباء يثرب استقام شـــــــعر النابغة حيث قال : دخلت يثرب وفي شعري عاهة وخرجت منها وأنا أشعر الناس .
    والنابغة لقب لشعراء عديدين ، منهم النابغة الجعدي والنابغة الشيباني وشاعرنا النابغة الذبياني ، هو أشعرهم دون مُنازع .شبَّ شاعرنا في نجد بين قيبلته ونشأته غامضة في حداثته وشبابه ، إلاّ حادثة حبه لمعاوية زوجة حاتـــــم الطائي . كان يحتـــــرم أمّه عاتكة بنت أنيس الأشجي ورثاها بقصيدة عند وفاتها .
    قد ذكر بعض المؤرخين أن النابغة اتصل بالغساسنة قبل أن يتّصل بالمناذرة بيـــد أن الثابت أنه اتصل بملوك الحيـرة  (جنوب العراق) وأقام فيها منذ عام 530 م حيث عقد صلة وثيقة بأميرها المنذر بن ماء السماء ( 514 ـ 554 ) م ومدحه ولمّا آل العرش إلى عمرو بن هند عام 554 م وقعت بينهما وحشة ونفور فغادر الذبياني الحيرة إلى جُلّق في حوران ولما قتل عمرو بن هنـــد عام 578 م عاد النابغة إلى الحيرة  ودخل قصر لنعمان بن المنذر أبو قابوس ( 580ـ 602 ) م فاســـتخصّه وأسبغ نعمته وجوائزه عليه حتى أكل وشرب في آنية الذهب والفضـــــة واســـتمّر على هذا النعيــم حتى دخـــل بينهما بعض حســـاّده متذرّعين للوشاية بقصــــــيدته في وصف  (المُتجرّدة ) زوجة النعمان فغضب الملك وتوعّده بالقتل فنجا شــاعرنا بنفســــه ولاذ بعمرو بن الحارث الأصـغر الغساني بالشام فزاد حقد النعمان عليه لالتجائه إلى أعدائه ومنافسيه وبقي عند بني غســـان يمدحهم ويُغدقون عليه المال والذهب حتى بلغه مرض النعمان فرجـــــع إليه يطلب منة الشفاعة ويرجو البراءة عنده مقدّما قصائده الخالدة بالاعتذار منه فقبلها وعــــادت مكانته في القصر .
     بعد أن مات النعمان ترك النابغة البلاط راجعاً إلى ديار بين ذبيان وهناك اعتزل الشعر ومات سنة 604 م . وقد ذكر المستشرق ( ديرنبرغ ) أن النابغة توفّي عام 605 م قبل الهجرة بـ 18 عاماً متأثراً بمرض الحمّى ، حيث قضى أواخر أيامه في أرض اليمن فقيراً معدماً وقد جلّلـــــه الشيب وضعفت قواه  .
     كان النابغة الذبياني شعر وناقد في آن واحد ، فقد كانت تُضرَب له من جلد أحمر خيمة تنصبها قريش وملوك الغساسنة في سوق عكاظ  بمكة وفيها يجري النقد لأهم مظاهر الثقافة الجمـــالية ، فتقصده الشعراء وتعرض عليه أشعارها وكان من بين الشعراء الذين يعرضون شــــعرهم على النابغة ( الأعشى وحسان بن ثابت والخنساء ) وكان هو الحَكَم فيها وكذلك كانت مجالســـــه في يثرب ، وقال عنه ابن سلام الجمحي في الطبقات ( كان النابغة أحسن الشعراء ديباجة شــــــعر ويمتاز شعره بالرونق والطلاوة والمتانة وجزيل اللفظ وليس فيه تكلّف ) . وامتاز شــعره برقة المشاعر وقوة العاطفة في آن واحد كما في خياله الخصب في الصور والتشابيه والاستعراضات الجمالية لهذا الخيال . يعتَبَر النابغة أحد فحول الشعراء في الجاهلية وَعَدّه ابن سلام في الطـــبقة وقارنه بامرئ القيس والأعشى وزهير وتقدم الخلاف في أيّهم أشـــــعر وهو الذي كان أحســنهم ديباجة وأكثرهم رونقاً وكلاماً وأجزلهم بيتاً .
     تراوحت أشعار النابغة بين النُتَف والقصائد الطِوال رَبَت على السبعين وهي ممّا وُثِّقَ به أنه له لأن شعره تعرّض إلى أكثر من محاولة للدسّ والنحل ، فنجد في ديوانه قصـــائد مؤلّفة من بيتين اثنين كم نجد مطوّلات تزيد على أربعين بيتاً مثل المعلّقــــــة التي تُعَدّ من عيون شعره خاصـــة والشعر العربي عامة .
      تنوّعت أغراض الشعر لدى النابغة في موضوعات شتّى وأشهرها المديح والهجاء إلى جانب الاعتذار والرثاء والغزل والوصف  . وسنذكر بعض أعماله :
    1 ـ أن شاعرنا من أصحاب المعلّفات (1) ، نبدأ أعمله بمعلّقته الشهيرة :
    يَـا دَارَ مَيَّـةَ بالعَليْـاءِ ، فالسَّنَـدِ  *****  أَقْوَتْ ، وطَالَ عَلَيهَا سَالِـفُ الأَبَـدِ

    وقَفـتُ فِيـهَا أُصَيلانـاً أُسائِلُهـا  *****  عَيَّتْ جَوَاباً ، ومَا بالرَّبـعِ مِنْ أَحَـدِ

    إلاَّ الأَوَارِيَّ لأْيـاً مَـا أُبَـيِّـنُــهَا  *****  والنُّؤي كَالحَوْضِ بالمَظلومـةِ الجَلَـدِ

    رَدَّتْ عَليَـهِ أقَـاصِيـهِ ، ولـبّــدَهُ  ***** ضَرْبُ الوَلِيدَةِ بالمِسحَـاةِ فِي الثَّـــأَدِ

    خَلَّتْ سَبِيـلَ أَتِـيٍّ كَــــــانَ يَحْبِسُـــــهُ  *****  ورفَّعَتْهُ إلـى السَّجْفَيـنِ ، فالنَّضَــــدِ

    أمْسَتْ خَلاءً ، وأَمسَى أَهلُهَا احْتَمَلُوا  *****  أَخْنَى عَليهَا الَّذِي أَخْنَـــى عَلَى لُبَـدِ

    فَعَدِّ عَمَّا تَرَى ، إِذْ لاَ ارتِجَـــــاعَ لَـهُ  *****  وانْـمِ القُتُـــودَ عَلَى عَيْرانَـــــةٍ أُجُـدِ

    مَقذوفَةٍ بِدَخِيسِ النَّحـضِ ، بَازِلُهَــــا  *****  لَهُ صَريفٌ ، صَريفُ القَعْـوِ بالمَسَـدِ

    كَأَنَّ رَحْلِي ، وَقَدْ زَالَ النَّــــهَارُ بِنَـا  *****  يَومَ الجليلِ ، عَلَى مُســـتأنِـسٍ وحِـدِ

    مِنْ وَحشِ وَجْرَةَ ، مَوْشِيٍّ أَكَارِعُـهُ  *****  طَاوي المَصِيرِ كَسَيفِ الصَّيقل الفَرَدِ

    سَرتْ عَلَيهِ  مِنَ الجَـوزَاءِ  سَارِيَـةٌ  *****  تُزجِي الشَّمَالُ عَلَيـهِ جَامِــــــدَ البَـرَدِ

    فَارتَاعَ مِنْ صَوتِ كَلاَّبٍ فَبَاتَ لَـهُ  *****  طَوعَ الشَّوَامتِ مِنْ خَوفٍ ومِنْ صَرَدِ

    فبَـثّـهُـنَّ عَلَيـــــهِ ، واسـَــــمَـرَّ بِـهِ  *****  صُمْعُ الكُعُوبِ بَرِيئَـــــاتٌ مِنَ الحَـرَدِ

    وكَانَ ضُمْرانُ مِنـهُ حَيـثُ يُوزِعُـهُ  *****  طَعْنَ المُعارِكِ عِندَ المُحْجَـــرِ النَّجُـدِ

    شَكَّ الفَريصةَ بالمِـدْرَى ، فَأنفَذَهَـا  *****  طَعْنَ المُبَيطِرِ ، إِذْ يَشفِي مِنَ العَضَـدِ

    كَأَنَّه ، خَارجَا مِنْ جَنـبِ صَفْحَتِـهِ  *****  سَفّودُ شَرْبٍ نَسُــــــوهُ عِنـدَ مُفْتَــــــأَدِ

    فَظَـلّ يَعْجُمُ أَعلَى الـرَّوْقِ مُنقبضـاً *****  فِي حالِكِ اللّونِ صَدْقٍ ، غَيرِ ذِي أَوَدِ

    لَمَّا رَأَى واشِـقٌ إِقعَـاصَ صَاحِبِـه  *****  وَلاَ سَبِيلَ إلـى عَقْـــــلٍ ، وَلاَ قَـــــوَدِ

    قَالَتْ لَهُ النَّفسُ إنِّي لاَ أَرَى طَمَـعاً  *****  وإنَّ مَولاكَ لَمْ يَســـــلَـمْ ، ولَمْ يَصِـدِ

    فَتِلكَ تُبْلِغُنِي النُّعمَانَ  إنَّ لهُ فَضـلاً  *****  عَلَى النَّاس فِي الأَدنَى ، وفِي البَعَـدِ

    وَلاَ أَرَى فَاعِلاً  فِي النَّاسِ  يُشبِهُـهُ  *****  وَلاَ أُحَاشِي ، مِنَ الأَقوَامِ ، مِنْ أحَـدِ

    إلاَّ سُــــليـمَانَ ، إِذْ قَـــالَ الإلـهُ لَـهُ  *****  قُمْ فِي البَرِيَّة ، فَاحْدُدْهَـا عَنِ الفَنَـــدِ

    وخيّسِ الجِنّ ! إنِّي قَدْ أَذِنْـــتُ لَهـمْ  *****  يَبْنُـونَ تَدْمُــــرَ بالصُّفّـــــاحِ والعَمَـدِ

    فَمَـن أَطَاعَـكَ ، فانْفَعْـهُ بِطَاعَتِـهِ  *****  كَمَا أَطَاعَكَ ، وادلُلْــــــهُ عَلَى الرَّشَـدِ

    وَمَـنْ عَصَـاكَ ، فَعَاقِبْـهُ مُعَاقَبَـةً  *****  تَنهَى الظَّلومَ ، وَلاَ تَقعُدْ عَلَى ضَمَـــدِ

    إلاَّ لِمثْـلكَ ، أَوْ مَنْ أَنـتَ سَابِقُـهُ  *****  سَبْقَ الجَوَادِ ، إِذَا استَولَى عَلَى الأَمَـدِ

    أَعطَـى لِفَارِهَـةٍ ، حُلـوٍ تَوابِعُـهَا  *****  مِنَ المَواهِـبِ لاَ تُعْطَـى عَلَى نَكَـــــدِ

    الوَاهِـبُ المَائَـةِ المَعْكَـاءِزَيَّنَـــهَا  *****  سَعدَانُ تُوضِـــــحَ فِي أَوبَارِهَـا اللِّبَـدِ

    والأُدمَ قَدْ خُيِّسَـتْ فُتـلاً مَرافِقُـهَا  *****  مَشْـدُودَةً بِرِحَـــــــالِ الحِيـرةِ الجُـدُدِ

    والرَّاكِضاتِ ذُيـولَ الرّيْطِ فانَقَـهَا  *****  بَرْدُ الهَوَاجـرِ ، كالغِـزْلاَنِ بالجَـرَدِ

    والخَيلَ تَمزَعُ غَرباً فِي أعِنَّتهَا كالطَّيـرِ *****تَنجـو مِـنْ الشّؤبـوبِ ذِي البَـرَدِ

    احكُمْ كَحُكمِ فَتاةِ الحَيِّ ، إِذْ نظـرَتْ  *****  إلـى حَمَامِ شِـرَاعٍ ، وَارِدِ الثَّمَـــدِ

    يَحُفّـهُ جَـانِبـا نِيـقٍ ، وتُتْبِعُـــــــهُ  *****  مِثلَ الزُّجَاجَةِ ، لَمْ تُكحَلْ مِنَ الرَّمَـدِ

    قَالَتْ : أَلاَ لَيْتَمَا هَـذا الحَمَـامُ لَنَـا  *****  إلـى حَمَــــــامَتِنَـا ونِصفُـــــهُ ، فَقَـدِ

    فَحَسَّبوهُ ، فألفُـوهُ ، كَمَا حَسَبَـتْ  *****  تِسعاً وتِسعِينَ لَمْ تَنقُـصْ ولَمْ تَــــزِدِ

    فَكَمَّلَـتْ مَائَـةً فِيـهَا حَمَامَتُــــــهَا  *****   وأَسْرَعَتْ حِسْبَةً فِـي ذَلكَ العَــــــدَدِ

    فَلا لَعمرُ الَّذِي مَسَّحتُ كَعْبَتَهُ وَمَـا ***** هُرِيقَ ، عَلَى الأَنصَابِ ، مِنْ جَسَـدِ

    والمؤمنِ العَائِذَاتِ الطَّيرَ ، تَمسَحُـهَا  *****  رُكبَانُ مَكَّةَ بَيـنَ الغَيْـلِ والسَّعَـدِ

    مَا قُلتُ مِنْ سيّءٍ مِمّـا أُتيـتَ بِـهِ  *****  إِذاً فَلاَ رفَعَتْ ســـَوطِـي إلَـيَّ يَـدِي

    إلاَّ مَقَـالَـةَ أَقـوَامٍ شَـــــقِيـتُ بِهَـا  *****  كَانَتْ مقَالَتُهُـمْ قَرْعـاً عَلَى الكَبِـــــدِ

    إِذاً فعَـاقَبَنِـي رَبِّـي مُعَـاقَـبَــــــةً  *****  قَرَّتْ بِهَا عَيـنُ مَنْ يَأتِيـــــكَ بالفَنَـدِ

    أُنْبِئْـتُ أنَّ أبَـا قَابُـوسَ أوْعَدَنِـي  *****  وَلاَ قَـرَارَ عَلَـى زَأرٍ مِـنَ الأسَــــدِ

    مَهْلاً ، فِـدَاءٌ لَك الأَقـوَامُ كُلّهُـمُ  *****  وَمَا أُثَمّـرُ مِنْ مَـــــالٍ ومِـنْ وَلَـــــدِ

    لاَ تَقْذِفَنّـي بُركْـنٍ لاَ كِفَـاءَ لَـــهُ  *****  وإنْ تأثّـفَـــــكَ الأَعـــــدَاءُ بالـــرِّفَـدِ

    فَمَا الفُراتُ إِذَا هَـبَّ الرِّيَـاحُ لَـهُ  *****  تَرمِـي أواذيُّـــــهُ العِبْرَيـنِ بالـزَّبَـدِ

    يَمُـدّهُ كُـلُّ وَادٍ مُتْـــــرَعٍ ، لجِـبٍ *****  فِيهِ رِكَـــامٌ مِنَ اليِنبـوتِ والخَضَـدِ

    يَظَلُّ مِنْ خَوفِـهِ المَلاَّحُ مُعتَصِـماً  ***** بالخَيزُرانَة ، بَعْـدَ الأيـنِ والنَّجَــدِ

    يَوماً ، بأجـوَدَ مِنـهُ سَيْـبَ نافِلَــةٍ  *****  وَلاَ يَحُولُ عَطـاءُ اليَـومِ دُونَ غَـدِ

    هَذَا الثَّنَـاءُ ، فَإِنْ تَسمَعْ بِـهِ حَسَنـاً  *****  فَلَمْ أُعرِّضْ  أَبَيتَ اللَّعنَ بالصَّفَـدِ

    هَا إنَّ ذِي عِذرَةٌ إلاَّ تَكُــنْ نَفَعَـتْ  *****  فَـإِنَّ صَاحِبَــــــها مُشَـارِكُ النَّكَـدِ
    2 ـ وهاهو ذا تخونه الأيام وترمي به وحيداً يطوي على همٍّ كبير ونفْسٍ كسيرة فيقول :
    المَرْءُ يأمُـــلُ أن يعيشَ  *****  وطولُ عيشٍ قَد يَضُرُّه
    تَفْنى بشـــــاشَتُهُ ويبقى  *****  بَعْدَ حُلـــــوِ العَيْشِ مُرُّه
    وَتَخُونُهُ الأيَــــــام حَتّى  *****  لا يَـــــرى شَيْئاً يَسُــرُّه
    كم شامِتٍ بي إِن هَلِكْتُ  ***** وقائِـــــــل للـّــــــه دَرُّه
    3 ـ وأنشد في مدح النعمان بن المنذر في قصيدة : له بحرٌ يُقَمَّصُ بالعَدَوْلي ، قال فيها :
    نَهضْتُ إلى عُذافِرَةٍ صَمُوتٍ ،  *****  مُذَكَّرَةٍ ، تَجِـــــلّ عَنِ الكَلالِ
    فِداءٌ ، لامرئٍ ســـــارت إلــيه  *****  بِعَذرَةِ رَبها ، عمّي وخــالي
    ومَن يَعْرفْ من النعمان سَجلاً  *****  فليسَ كمنْ يُتَيِّهُ في الضـلالِ
    فإنْ كنتَ امرأً قد ســـؤتَ ظَنّاً  *****  ولا تَعْجَلْ إليّ عنِ الســــؤالِ
    لَمَا أغفَلْتُ شُكْرَكَ فانتصِحني  *****  وكيفَ  ومِنْ عطائكَ جُلُّ مالي
    لهُ بحـــــرٌ يُقَمِّصُ بالعَدَوْلي ،  *****  وبالخَلَــــجِ المُحَمَّـــلَةِ ، الثّقالِ
    4 ـ وهذه قصيدته الجميلة : بانت سعاد ، قال فيها :
    بانت سُعــــــاد وأمسى حبْلها انجذما  *****  واحتلّت الشرع فالأجزاع من إضما
    ليست من السّودِ أعقاباً إذا انصرفت  *****  ولا تبيــــــع بجنبي نخــــــلة البرما
    غراء أكمل من يمشــــي على قَـــدِمٍ  *****  حسنا وأملح من حاورته الكلمـــــــا
    قالت : أراكَ أخا رحـــل وراحــــلة  *****  تغشى متالف لن ينطرنّك الهـــــرما
    حيّــــاك ربي فإنـــــا لا يحـــــل لنا  *****  لهو النســـــاء وإن الدين قد عزمـــا
    من قول حرميــــة قالت وقد طعنوا  *****  هل في مخفيــــــكم من يشتري أدما
    قلت لها وهي تســــــعى تحت لبتها  *****  لا تحطّمــــنك إن البيــــــع قد زرما
    باتت ثلاث ليـــــــال ثم واحـــــــدة  *****  بذي المجـــــــاز تراعي منزلا زيما
    فانشقّ عنها عمـــود الصبح جافلة  *****  عدو النحوص تخاف القانص اللحما
    5 ـ ويُنْشِد قصيدة أطلال هِنْد فيقول :
    تُذَكّرني أطـــــلالُ هنــــدٍ مع الهـوى  *****  دعــــائم منـــها قائـــــم وَمُنــــــَزَّعُ
    على العُصُـــــرِ الخالي كأنّ رسومها  *****  بتهنيَـــــةِ الرّكنيـــن وشيٌ مُرَجــــّعُ
    وعَنْسٍ بـــــــراها رحلتــــي فكـــأنّما  *****  إذا جنــــــأت فوق الذراعيْنِ شرجَعُ
    أناخـــــت بِغُبْرِ البـــيدِ مغشيةِ الردى  ***** على كلّ نَشــــــزٍ هامــــُها يتفجَّـــــعُ
    غِشاشاً كَنَوْمِ العينِ تفضى على القذى  *****  وقد شقَّ أعلى الصبْحِ أو كاد يسْطَعُ
    وقد قلبتْ عن لــــونٍ أحمــــرَ قاتــــمٍ  *****  أســــــابي ليْـــــلٍ لم تـــكدْ تتــــرفَّعُ
    6 ـ وقال في قصيدة : حَسْبُ الخليلين ، يرثي فيها أمُه عاتكة بنت أنيس الاشجي :
    ( ماذا رُزِئْنا بهِ من حيّــــــة ذكَرٍ ،  *****  نَضناضةٍ بالرذايا ، صِلّ أصلالِ )
    لا يهنىءِ الناسَ ما يرْعَونَ من كلإٍ  *****  وما يســــوقون من أهلٍ ومن مالِ
    بعدَ ابنِ عاتكةَ الثاوي على أبَوَى ،  *****  أضحى بـــــبلدةٍ لا عَــــمّ ولا خالِ
    حسبُ الخليلينِ نأيُ الأرضِ بينهما  *****  هذا عليــــها ، وهذا تحتــــَها باليِ
    7 ـ  وهجا النعمان بن المنذر بقصيدة  حَدِّثوني ، قال فيها :
    حّدِّثــــــوني بني الشقيقــةِ ما يَمـ  *****    ـنَعُ فَقْـــــعاً بقرقـــرٍ أن يزولا
    لا أرى الفـــارسَ المُدَجَّجَ فيـــــكم  *****  آل نصـــــــر ولا الفتى البهلولا
    جمعــــوا من نوافل الناس ســــيباً  *****  وحميــــراً موســــومةً وخيولا
    وبراذــــين كابيـــــاتٍ رأُتْنـــــــــاً  *****  وخنـــــاذيذ خِصْيـــــــَةً وفحولا
    لا أرى حـــاجزاً عن الفحش فيهم  *****  وحمــــــاراً عن أمّه مشـــكولا
    قد رأينـــا مكان أمّكَ إذ تمــــــــ    ***** ـنع من دِرَّةِ اللّـــــــــقوح فصيلا
    قَبَّــــحَ اللــــــهُ ثمّ ثَنَّــــى بلَــــعْنٍ  *****  وارثَ الصائغِ الجبـــانَ الجهولا
    مَنْ يضرّ الأدنى ويعجزُ عن ضرِّ  *****  الأقاصي ، ومن يخونُ الخَلــــيلا
    يجمعُ الجيشَ ، ذا الألوفَ  ويغزو  *****  ثمّ لا يرزأُ العَــــــدوَّ فَتيــــــــلا
    الشقيقة : جدّة النعمان . الفقع : الكمأة . القرقر : الأرض المستوية . نصر : الجد الأكبر للنعمان . الخناذيذ : الخيول الكريمة . الصائغ : هي عطية أبي سلمى لأم النعمان ، وكان ابو سلمى صائغاً
    8 ـ وقال مُفْتَخِراً بابياتٍ شعرٍ مطلعها : إنَّا نُقَدِّمُ
    إنّا نُقّدّــــــِمُ للفَخَـــــارِ ثلاثـــةً  ***** هَرِماً وعَوْفاً عمّه وســـنانا
    ونعدُّ خارجَةَ المكارِمِ إذْ سعى  *****  بِحَمالةٍ فاستخلَصَتْ غطفانا
    والحارِثَيْن معاً نَعُدُّ وهاشِــــماً  *****  ويزيدَ إن عُدَّ الكُمَاةُ طِـعانا  
    الكُماة : جمع كَمِيّ وهو الرجل المقاتل .
    8 ـ وقال في قصيدة : هم خَيْرُ مَنْ يشربُ ، يمدح فيها العمان بن الحارث الأصغر الغساني :
    هذا غُــلامٌ حَســـــَنٌ وَجهُهُ ،  *****  مُسْتَقْبِلُ الخَيْرش ، سريعُ التّمامْ
    للحارِثِ الأكبرِ ، والحـــارِثِ   ***** الأصغرِ ، والأعرجِ خيـــــرِ الأنامْ
    ثُمَّ لهـــــندٍ ، ولهـــــندٍ ، وقد  *****  أسرع ، في الخيراتِ ، منه إمامْ
    خمســــــةُ آبائِــــهِمُ ما هُمُ ؟  ***** هُمْ خيرُ مَن يشربُ صوبَ الغمامْ
    هند : الأولى هي بنت عمرو آكل المرار الكندي ، وهند : الثانية هي أمامة بنت سلمى بن الحارث
    9 ـ ولما بلغ النابغة مرض النعمان ، اتاه وكان يُحْمَلُ النعمان في مرضه على ســــرير يُنْقَلُ بين قصوره في الحيرة ، ولما اراد الدخول دفعه عصام بن شهبرة الجرمي حاجب النعمان بحجّة أنه عليل فأنشد قصيدة : ولكنْ ، ما وراءَك يا عصامُ ؟ :
    ألَمْ أُقْسِمْ عليْكَ لتُخْبِرَني ،  *****  أمَحْمُولٌ ، على النّعشِ ، الهُمامِ
    فإنّي لا أُلامُ على دُخُولٍ ؛  *****  ولكِن ما وراءَكَ يا عِصــــــامُ ؟
    فإنْ يَهْلِكْ أبُو قابوسَ يَهْلِكْ  *****  ربيعُ النّاسِ ، والشهرُ الحرامُ
    ونُمْسِكُ ، بعدَه ، بذِبابِ عَيْشٍ  *****  اجبّ الظَّ÷ْرِ ، ليسَ لهُ سنَامُ
    أبو قابوس : كنية النعمان . ربيع الناس : كناية عن العطاء كما يخصب ويعطي الربيع . أجب الظهر : أي لا سنام له . ذناب الشيء : طرفه ونهايته .

    17/7/2013                                         المهندس جورج فارس رباحية
    المفـــــــــــردات :
    (1) ـ المعلّقات : إن تسميتها بالمعلّقات أو المُذَهَّبات ، أو السُّموط ( العقود ) فمختلف فيه ، إذ قال بعضهم  أنّ العرب لشدّة إعجابهم بها ، كتبوها بمــــاء الذهب ، وعـــلّقوها على جدران الكعبة  ، فَسُمِّيت بذلك المُعلَّقات أو المُذهّبات . ونفى بعضهم تعليقـــها على جدران الكعبة وزعم آخرون أنّ حمّاداً الراوية  هو الذي جمع القصـائد الطِّوال، وقال للناس : هذه هي المشهورات وقال آخرون إنّها سُمِّيَت بذلك لأنها من القصائد المســتجادة التي كانت تُعَلَّق في خزائن الملوك . والراجح اليوم انها سُمِّيَت أيضـــاً بالمعلَّقات لتشبيهها بالسّــــموط ، أي العقود التي تُعَلَّق بالأعناــــق ، وقد سُمِّيَت أيضاً بالمذهّبات لأنها جـــديرة بأن تُكْتَب بماء الذّهب لنفاستها . والمعلّقات هي من أجمل صور الشعر الجاهلي وأعذبه وكان ( حماد الراوية ) أوّل من جمعها في أواخـــــر عصر بني أميّة في الشــــــــام ( 660 ـ 750 ) م وأواخر العصـر العباسي ( 750 ـ 1258 ) م وأصحاب المعلّقات هم : امرؤ القيس ـ طرفة بن العبد ـ زهير بن ابي سّلمى ـ لبيد بن أبي ربيعة ـ عمرو بن كلثوم ـ عنترة بن شدّاد ـ الحارث بن حلزة ـ النابـــغة الذبياني ـ الأعشى الأكبر ـ عبيد بن الأبرص .
    المصـــــــادر والمــــراجع :
    ـــ شعراء النصرانية في العصر الجاهلي ج 1 : الأب لويس شيخو اليسوعي ، بيروت 1890
    ـــ ديوان النابغة الذبياني : حمدو طماس ، بيروت ، الطبعة الثانية 2005
    ـــ النابغة الذبياني : سلسلة الروائع فؤاد أفرام البستاني ، بيروت   1930
    ـــ المنجد في اللغة والأعلام : بيروت 1973
    ـــ مواقع على الإنترنت :

    للذهاب للموضوع ألأصلي والتعليق عليه
    المهندس جورج فارس رباحية  - صفحة 2 A7ssass.comfe07d011aa

    النابغة الذبياني


    المهندس جورج فارس رباحية

    مُساهمة الثلاثاء 19 نوفمبر 2013 - 13:05 من طرف waell

    حـــــاتم الطَـــــائي

    المهندس جورج فارس رباحية
      
       هو حاتم بن عبد الله بن سَعد بن الحشْرَج بن امرئ القيس بن عَدِيّ بن أخزَم بن أبي أخْزَم _ واسمه هرومة ـــ  بن ربيعة بن جَرْوَل بن ثُعَل بن عمرو بن الغَوْث بن طئ الطائي القحطـاني . يُكَنّى أبا سفّانة وأباعدي . وُلِدَ حاتم في أواخر النصف الأول من القرن الســـادس الميلادي أي حوالي عام 544 م وسكن وقومه وعاش على نصرانيته بين جبــلي ( أجا وسلمى) وتـــوفّي في بلدة (توارن) في منطقة حائل شمال السعودية (1) عام 605 م. ولا يُعْرَف شـــيئاً عن أبيه عبد الله ويعود ذلك لكونه توفّي وكان حاتم صغيراً ، فاسـتلمه جدّه سعد بن الحَشْرَج واعتنى بأمـــره ويقي عنده حتى شَبَّ وذهب في الجود مَذهَبه المعروف فاعتزله جدّه وتحوّل عنه لِما رأى من إفراطه .وأمّا أمّــه غَنِيَّة بنت عفيف بن عمرو بن امرئ القيس بن عدِيّ بن أخزم ، يلتــــــــقي نســبها مع نسـب أبيه امرئ القيس بن عدي ، كانت ســــخيّة اليد لا ترُدّ سائلاً، ولا تُليقُ شيئاً لجودها ، وهــذا ما أغضب إخوتَها ، فمنعوها مالها وحجروا عليها ســـنة يُطعمونها قوتها لا يزيدون ، وإذا مـا وجدوها كفّت عن جودها ، أعطوها عدداً من الإبــل ، لكن تصرّف إخوتها زاد من عزهما أن لا تقصُر ، وكيف تترك الكرَم والجود وقد عانت ما يُقاســــــيه كل أرمـــل محتـاج من ألم الفقر . فقد أتتها امرأةٌ من (هوزان) تطلب حاجـــة منها ، فوهبتـــــها ما أعطاه لها أخوتها من الإبل وقالت :
    لَعَمْري لَقِدْ ما عَضّني الجوعُ عضَّةً  *****  فآلَيْتُ ألا أمنــــعَ الدَّهـــــرَ جائعا
    فماذا عَسَيْتم أن تقـــــولوا لأختِكـــمْ  *****  سوى عَذْلِكم أوعَذْلِ مَنْ كانَ مانِعا
    فقولا لهذا اللّائمي اليوم : أعفنـي ،  *****  وإن أنت لم تفعلْ فعّضِّ الأصابعا
    ولا ما تروْنَ اليـــــــومَ إلاّ طبيعـة ً  *****  فكيف بتَرْكي يا ابن أُمِّ الطَّبـــائعا  
    أما امرأته : فلم يُعْرَف لحاتم سوى زوجتين هما  : ماوية بنت حجرالغسانية والنوَّار هي بنـــت ثُرْمُلة البحترية من بني سلامان ثُعَل . وهناك أراء متباينــــة حول حاتم هل تزوّج ماوية قبــــل النَّوار أم بالعكس ، ولن ندخل بالتفاصيل لتشعّبها . أما أولاده فهـــم : سفّانة  وعّدي ( رُوِي أن عدي كان يُشاهد وفي عنقه صليب من ذهب ) وعبـدا لله وينـفرد ابن كَثِير بذكر ولد رابع عن أقوال بعض المُحَدِّثين اسمه ثَوابة , فابنته سفّانــــــة وابنه عَدِي فقد أدركـا الإسلام ودخلاه أمـا ابنه عبدالله  فلم يُعْرَف عنـه بشيء يُذكَرْ . وأيضاً لن ندخـل بالتفاصيل عن الأولاد للتبـــاين في رأي المؤرّخين هل يعودوا إلى ماوية أم إلى النَّـوار أم لكلتيهما  إن أول ملك من ملوك الحيرة اتصل به حاتم كان عمرو بن هند ( توفي 578 م ) وكان حـــاتم في مقتبل العمر وهو بـــــهذه السن حقّق لنفسه مكانة واحترام  والدليل على ذلك أنه حين دخــــل على عمرو بن هند، قال له ( بايعني ) ، ولا يُعقَل أن يسأل الملك شخصاً مغمورا من سُـــــوقَة قومه أن يُبايعه ، والأشبه ان يكون من نجباء قومه ، الكلمة بينهم ،فإذا بايع الملك ، سمع قومـه وأطاعوا وألزموا أنفســـهم ما أعطى صاحبهم من العهد والبيعة . هذا وليس لحاتم أخبـــار مع مَنْ خلَفوا عمرو بن هند ، حتى نصل إلى أبي قابوس النعمان بن المنذر ( 580 ـ 602 ) م ، حيث قــال لجلسائه يوماً : لأفسِدن بين حــــاتم الطائي و أوس بن حارثة ـــ وهو ســيد مـن سادات قومه ــ قــالوا لا تقدر على ذلك . قال بلى ، فدخل عليه أوس . فقال : يا أوس ما الذي يقول ؟ قال : وما يقـول؟ قال : إنه أفضل منك وأشــــرف . قال : أَبَيْتَ اللعنَ ، صــدق . والله لو كنت أنا وأهلي وولدي لحاتم لأنْهَبَنَا في مجلس واحد . ثم دخل عليه حاتم ، فقـال له النعمان مثلمـا قال لأوس فقـال حاتم : صدق ، وأين أقع من أوس ، له عشرة ذكور أخَسّـهم أفضل مني ، ثم خرج وهــو يقول :
    يُسائلني النعمان كي يســـتزلني  *****  وهيهات لي أن أُستضام فأُصرعا
    كفاني نقصاً أن أُضيم عشيرتي  *****  بقول أرى في غيـــــره متوســـعا
    فدهش النعمان وتحقّقت له مظاهر هذه السيادة ، وأعطى كل واحد منهم مائة من الإبل .
     إن أخبار حاتم مع أمراء المناذرة قليلة على الرغم من الصِــــلات الطيبة التي كانت تربطــهم بطيء ، خاصة في عهد النعمان بن المنذر الذي أصهر إليهم  ، كما كانت علاقة طيء بملــــوك الفرس وطيدة ، فالمعروف أن كسرى2" أبرويز ( 590 ـ 628 ) م قرَّبَ سيِّداً من ســــــــادات طيء ، وهو إياس بن قَبِيصة ، و ولاّه على عين التمر وأقطعه ثلاثين قرية على شاطئ الفرات ، ولما مات عمرو بن هند ولاّه الحيرة إلى أن جاء النعمان بن المنذر . ولما قُتِلَ النعمان عَيَّـــن كِســـرى إياس بن قبيصة ملكاً على الحيرة ، وجعله قائد جنده يوم ذي قار ( 610 ) م
     وإذا كنّا لا نجد لحاتم شِعْراً في المناذرة ، فإننا نرى له مديحاً في الغساســــنة . وأن حاتماً لم يمدح هؤلاء ولا هؤلاء طمعاً في المال أو مَحبّة للعطاء ، وإنما كان يتشفّع بشِعره لقومـــــــه . فصِلات طيء بالمناذرة كانت قوية يشوبها السلام خلا الغارة التي شنّها عمرو بن هند. فلم يكن لحاتم أن يمدحهم ، حيث لا مُبَرِّر للمديح . أما علاقة طيء بالغساسنة فكانت غير مُستقرّة ، وقد حاول الحارث بن جبلة ( 529 ـ 569 ) م أن يُصْلِح بين عشائرها ليضع حداً للحــــــرب ضد بعضها ، لكن طيئاً عادت للحرب فيما بينها بعد موت الحارث . كما أغارت على الغســـاسنة ، وأغاروا عليها بدورهم وأسروا منهم .
     وكان مديح حاتم في ملوك عصره ، فيه ترَفُّع وإباء ، شِعْر رئيس شــــريف ، جاء يفكّ عُناة قومه ، وليس شعر مُجْتَد عافٍ كما يتبيّن من من مخاطبة ابن عمّه : وَهْم بن عمـــرو وهو في الأسر :
    فأبشِرْ وقَرَّ العين منك ، فإنّني  *****  أجيء كريماً ، لا ضعيفاً ولا حَصِر
     كان حاتم مولعاً بكريم الفِعال ، ما ترك شيئاً محموداً إلاّ أتاه ، وما رأى أمراً معيباً إلاّ تحاشاه ، فطر على حب الخير ، واجتناب الشر ، وتلك مكرمة لا تتحقّق إلاّ لأفذاذ الرجال فالجود صفة لازمة للإنسان الكريم اكتسبها من أمّه غَنِيَّة ، فالجــواد يُعطي مَنْ يقصده ، عرفه أو لم يعرفه ، ويبذل ما فــي يده على شدّة حاجته إليه . وقال العرب أن أجوَد العـــرب ثلاثة حـــــاتم الطائي وكعب بن إمامة وهَرِم بن سنان . وقد أنصفَ أبو هلال العسـكري حين قـــال : (( وقد علمت أن حاتماً وكعباً وهَرِماً لم يُجعلوا أمثالاً في الجود لِعِظَم عطاياهم في القدر، لأن الواحـــد منهم إنما كان يقري ضيفاً أو يهب بعيراً ، أو عدداً من الشاة ، ولكن ذهب صيتهم في السماح ، وبَعُدَ ذكرهم في الجود لأنهم كانوا يعطون وهم محتاجين )) . ولكرم حاتم ونبله أبى أن يطعم ضيفه في وقت الجدب إلاّ ما يُطعمه الضيفان في وقت الرخاء ، فكان فعله شاهداً لقوله :
    أَلَمْ تَعْلَمِي أنّي إذا الضيف نابني  *****  وعَزَّ القِرَى ، أقري السَّديفَ المُسَرْهَدا
    وهذا ما تبيّن لنا من أن جود حاتم إنما صدر عن حب لفعل الخير ورغبة في مساعدة المحتاج ، فالوسيلة الأولى لجلب الضيف كانت إيقاده النار بمكان مرتَفع حتى يراها المُدْلِج فيأوي اليها ، فإيقاده النار ليس مقصوراً في زمن الرخاء ، بل أكثر ما كان في وقت الجدب والمجاعة فقال :
    أوْقِدْ ، فإنَّ الليــلَ ليلٌ قَرُّ  *****  والريحُ يا موقِدُ ريحٌ صِرُّ
    عَسَى يرى نارك مَن يَمُرَّ *****  إنْ جَلَبْتَ ضيفاً فأنتَ حُرُّ
      أما الوسيلة الثانية لجلب ضيفه ، كانت كلابه  فتُحَقّق له أمانيه في إغاثة الناس وعونـــهم  ، فتخرج كلاب حاتم وقد أحسّت أن عليها عملاً وُكِّلَ بها فتدلّهم بنباحها وتهديهم إلى مكانه .
      ومن قصص جوده وكرَمه ، فقد ضافه ضيف في سنة مَحْل وجَـــهَد الناس ، وتعلّقوا بما في أيديهم من يسير القوت  وضَنّوا به ، ووقفت كلابهم للطُرَّاق كأنها تُشارك أصحابها في الحفاظ على زهيد القوت ، فلم يمسك حاتم يده كما أمسكوا ، ولم يُبقِ هذا القليل الذي يملك بل جادَ به . فلم يكن عنده سوى ناقة ــ يُقال لها أَفْعَى ــ يُسافر عليها ، فنحرها ، فكيف أن يطيق الكريم بأن يرى ضرّاً قد حاق بالناس ، ولا يرفعه :
    لمّا رايتُ الناسَ هَرَّت كِلابُهُم  *****  ضربتُ بسيفي ساقَ أَفْعَى فَخَرَّتِ
    ولا يتْركُ المرءُ الكريمُ عِيالَه  *****  وأضيافَهُ ما ســـــاقَ مالاً بِضَرَّتِ
    وكان مما تكلفه حاتم فَقْده امرأته ماويّة ، وقد تكاتفت ماوية مع النَّوار ــ رغم ما يكون عادة بين الضرّتين من تبــــاعد وتباغض ــ على عذل حاتم ولومه ، فقد رأيا في جــــوده خطراً يُهَدّدهما فاشتدّا عليه وألحّتا على أن يُغَيّر من إلْفه الذي ألِف . فلم يأبه بكلامهما . وأتى ماوية ابن عــــمٍ لها فقال لها ما تصنعين بحاتم ؟ فو الله لن يُغَيّر من جوده وكرمه  ، فأصرّت ماوية على فعلــها حتى هجرته ، أما النَّوار فلم تهجره كما فعلت ماوية ، فأكثرت من لومـــــه وأطالت في عذله ، ورأت أن أهله وعياله أحقّ بما يُعطيه للناس ، فما الذي يخافه عليه هذا البذل ؟ قفال لها حاتم : هل المـــال ــ إذا أبقاه ــ نافع له ؟ كلا ، سيأخذه غيره إذا مات ، ولن يبقى له غير سـوء الثناء كلما  ذُكِر لبخله وامتناعه عن عون المحتاج :
    مهلا نوار ، أقلي  اللوم والعـذلا  *****  ولا تقــــولي لشيء فات : ما فعــــلا
    ولا تقولي لمـــال كنت مهلكـه :  *****  مهلا ، وإن كنت أعطي الجنَّ والخَبَلاَ
    يرى البخيل سبيل المـــــال واحدة  *****  إنّ الجواد يرى ، في ماله ، ســـبلا
    ليت البخــــــيل يراه النـــاس كلّهم  *****  كما يراهم ، فلا يقرى ، إذا نـــــزلا
    إن البخيـــل إذا ما مات يتبـــــــعه  *****  سوءُ الثناء ، ويحوي الوارثُ الإبـلاَ
     وعن الوضّاح بن معبد الطائي قال : وَفَدَ حاتم الطائي على النعمان بن المنذر فأكرَمه وأدناه ، ثم زوّده عند انصرافه جملين ذهباُ ، وورقاً غير ما أعطاه من طرائف بلده فرحل ، فلما أشرف على أهله تلقّته أعاريب طيء ، فقالت : يا حاتم أتيت من عند الملك وأتينا من عند أهلنا بالفقر ! فقال حاتم : هلم فخذوا ما بين يدي فَتَوَزّعوه ، فوثبوا إلى ما بين يديه من حباء النعمان فاقتسموه فخرجت إلى حاتم جاريته طريفة فقالت له : اتّق الله وابقِ على نفْسك ، فما يدع هؤلاء دينــــاراً ولا درهماً ولا شاة ولا بعيراً . فقال :
    قالت طريفة ما تبقي دراهمـــنا  *****  وما بنا ســــرف فيها ولا خرق
    إن يفنِ ما عنـــــدنا فالله يرزقنا  *****  ممن ســوانا ولسنا نحن نرتزق
    ما يألف الدرهم الكاري خِرقَتَنا  *****  إلا يمــــرّ عليــــها ثم ينطـــــلق
    إنا إذا اجتمعت يومـــاً دراهمنا  *****  ظلت إلى سبل المعروف تستبقُ
     وقيل عن كرم وجود حاتم إن أحد قياصرة الروم بلغته أخبار جود حاتم فأستغربها فبلغه أن لحاتم فرسا من كرام الخيل عزيزة عنده فأرسل إليه بعض حجابه يطلبون الفرس فلمــا دخل
    الحاجب دار حاتم أستقبله أحسن استقبال ورحب به وهو لا يعلم أنه حاجب القيصر وكـــانت المواشي في المرعى فلم يجد إليها سبيلا لقرى ضيفه فنحر الفرس وأضرم النار ثم دخل إلى ضيفه يحادثه فأعلمه أنه رسول القيصر قد حضر يستميحه الفرس فساء ذلك حاتم وقال :هل أعلمتني قبل الآن فأنى فد نحرتها لك إذ لم أجــد جزورا غيرها فعجب الرسول من ســـخائه وقال: والله لقد رأينا منك أكثر مما سمعنا .
      إن جرثومة الجود والكرم التي انتقلت من غَنِيَّة إلى حاتم ما لبثت أن أصابت ابنته ســـــفّانة أيضاً ويُقال إنها كانت  من أجوَد نساء العرب ، فقد ذكر احدهم أن أباها كان يُعطيها الصــرمة ( جزء من الإبل ) من إبله ولكنها لم تكن تحتفظ بها بل تهبها للناس ، وذات يوم اســـــــتدعاها والدها وقال لها : يا بُنَيّة ، إن القرينين إذا اجتمعا في المال اتلفاه ، فإما أن أعطي وتمســكي أو امسك وتُعطي ، فإنه لا يبقى على هذا شيء ، فاجابته : والله لا أمسك أبداً قال : وأنا لا امـسك . قالت : لا نتجاور فقاسمها ماله وتباينا . أما ابنه عَدِي شديد الوفاء ـ ســـــليم الفطرة ،متواضعاً وكريمـــاً كآل حاتم ، كان يُكَنّى أبا طريف ، وأبا وَهْب وكان طويلا جســـيماً ، إذا ركب الفرس كادت رجـــلاه تَخُطَّان في الأرض ، وقيل عن كرَمه : أن الشعث بن قيس أرسل إليه يســـتعير قُدُر حاتم ، فملأها عَدِي وحملها إليه . فقال الأشعث : إنما أردناها فارغة .
     هذا غيض من فيض عن كرم وجود حاتم وعائلته . فقد كان حاتم : كريم ، جواد ، صـــفوح ، عفيف ، صدوق ، وَفِيّ ، مُسالِم ، مُتواضِع ، أبِيّ ، شريف ، طويل الصمت مُحِبّ لقومـــــــه . ولقد صــــدق قول العرب أنه كان كريماً في حياته وفي مماته ، حتى ضُرِبَ فيه المثل فقال أبو بكــر الخرائطي عن مُحَدّثيه : مَرَّ نفَرٌ من عبد القيس بقبر حاتم طيء فنزلوا قريبـــــاً منه ، فقام إليه بعضهم يُقــــال له : أبو الخيبري فجــــعل يركض قبره (2) برجله . ويقول : يا أبا جــــعد أقرنا  فقال له بعض أصحابه : ما تُخاطب من رمّــــة وقد بُلِيَت ؟ وأجنهم الليل فناموا ، فقـــام صاحب القول فَزِعاً يقول : يا قوم عليكم بمطيــــكم فإن حاتماً أتاني في النوم وأنشدني شـــعراً وقد حفظته يقول :
    أبا الخيبــري وأنت امــــرؤ  *****  ظلوم العشـــيرة شتّــــامها
    أتيت بصــحبك تبغي القِرى  *****  لدى حفرة قد صَدَت هامَها
    أتبغي لي الذنْب عند المبيت  *****  وحولك طيء وأنعـــــامها
    وإنا لنشــــــبع أضيـــــــافنا  *****  وتأتي المطي فنعتــــــامها
    قال  وإذا ناقة صاحب القول تكوس ( تتكوّم ) عقيراً فنحروها  وقاموا يشتوون ويأكلـون وقالوا : والله لقد أضافنا حاتم حياً وميتاً . قال : وأصبح القوم وأردفوا صاحبهم وساروا ، فإذا رجـــل ينوه بهم راكباً جمَلاً ويقود آخر . فقال : أيكم أبو الخيبري ؟ قال : أنا. قال : إن حاتماً أتاني في النـوم فأخبرني أنه قراكم بناقتك ، وأمرني أن أحملك وهذا بعير فخذه ، ودفعه إليه . بعد هــذه الحادثة ، أنّ ابنَ دَارَةَ أتى عَدِيّ بن حاتمٍ فقال :
    أبوكَ أبو سَفَّانــــة الخَيْرِ لَم يَــزَلْ  *****  لَدُنْ شَبَّ حتى ماتَ في الخيرِ راغبا
    بهِ تُضْرَبُ الأمثالُ في الناس ميّتاً  *****  وكان له ، إذْ كانَ حَيَّاً ، مُصــــاحِبا
    قَرَى قبرُهُ الأضيــافَ إذ نَزَلوا بهِ  *****  ولم يَقْـــــرِ قيرٌ قَبْلَـــــه قَطُّ راكِــــبا
     بقي أن نذكر وصيّة حاتم ، فيُروى عن أبي صـــالح أن حاتماً أوصــــى عند مـوته فقال : إني أعهدكم من نفسي بثلاث :
    1 ـ ما خاتلت جارة لي قط أريدها عن نفسها .
    2 ـ ولا اؤتمنتُ على أمانة إلاّ قضيتها .
    3 ـ ولا أُتيَ أحدٌ من قبلي بسوءة أو قال بسوء .
    لقد ذكرنا الكثير من شعره في هذه العُجالة ونذكر الآن مقتطفات أخرى :
    مقتطفـــــــــات من أعمـــــاله :
    1 ـ روى أبو صالح عن مُحَدِّثيه أن حاتم قال :
    أم والذي لا يَعْــــــلُمُ الغَيْــبَ غَيْـــرَهُ  *****  ويُحْي العِظامَ البيضَ وهْيَ رميمُ
    لقدْ كنتُ أطوي البطْنَ والزادُ يُشْتَهَى  *****  مَخَافَــــةَ يومـــاً أن يُقالَ : لَئيــمُ
    وما كان بي ما كان والّليـــــلُ مُلْبِسٌ  *****  رِواقٌ لهُ فَــــوْقَ الإكــــارِمِ بَهيمُ
    أَلُفُّ بحلسي الزادَ مِن دونِ صحْبَتي  *****  وقَــــد آبَ نَجْمٌ واستـــــقَلَّ نُجُومُ
    2 ـ وحاتم يرثي ملحان بن حارثة بن سعد بن حشرج ، الذي كان لا يُفارق حاتماً :
    لبَيْكِ على مِلْحَــــانَ ضيــفٌ مُدَفَّعٌ  *****  وأرمَلَةٌ تُزْجي مع الليــــلِ أرْمَلا
    إذا ارْتَحَــــــلا لمْ يجـــدا بيتَ ليْلةٍ  *****  وَلَمْ يَلْبَســــا إلاّ بِجاداً وَخَيْــــعَلا
    وأوصَيْتَني أن أرفَع الظن صاعداً  *****  وصاتَكَ واستُودِعْتَ تُرْباً وجندَلا
    فلا انْفَكَّ رَمْسٌ بينَ أضْرُعَ فالّلوَى *****  يَصُــــبُّ عليه اللهُ وَدْفاً مُجَـــــلّلا
    3 ـ وهذا حاتم يخاطب الحرث بن عمر الجفني ، وكان قد اسر عدداً من قومه :
    أتْبَعْ بَني عبدِ شَمْسٍ أمْرَ إخوَتهِمْ  *****  أهلي فِداؤكَ إن ضَرُّوا وإن نَفَعوا
    لا تَجْعَلنَّا ، أبيْتَ الّعنَ ، ضاحيةً  ***** كَمَعْشَرٍ صُلِمــُوا الآذانُ أو جُدِعوا
    أو كالجَناحِ إذا سُلَّتْ قَوادِمُــــــهُ  *****  صار الجناحُ لفَضـلِ الرِّيشِ يَتَّبِع‘
    4 ـ ويقول لزوجته ماويّة أن تسأله وتسأل الأعراب عن كرَمه وجوده :
    سَلي الأقوامَ يا مــــاويَّ عَنّي  ***** وإن لم تســــأليهُمْ فاســـأليني
    يُخَبِّرْكِ المُعاشِرُ والمُصــافي  *****  وذو الرِّحْمِ الذي قد يَجْتَديني
    بأني لا يَهِرُّ الكَلْبُ ضيـــــفي  *****  ولا يُقْضَى نجِيُّ القَوْمِ دُونِي
    ولا أعتَـــلُّ مِن فَنَــــعٍ بمَنــعٍ  *****  إذا نابــتْ نوائــبُ تَعْتريــني
    وإنيّ ، قد عَلِمْتِ ، إزاءُ طيٍّ  *****  وتأبى طَــــيٌّ أن تسْتَـــطِني
    إذا أنا لمْ أرَ ابنَ العَـــمِّ فوقي  *****  فإنيّ لا أرى ابنَ العمِّ دُوني
    ومِنْ كَرَمٍ يجورُ عليّ قومـي  *****  وأيُّ الدَّهْرِ ذُو لمْ يَحْسـِدُوني
    5 ـ أبيـــــات متفرّقـــــة :
    إذا قَلَّ مالي أو نُكِبْتُ بنكبةٍ  *****  قَنَيْتُ حيائي عِفَّةً وتَكَرُّما
                            --------------------------

    ما ضـــر جـــاراً لي أجاوره  *****  أن لا يكون لبابه ســـــــتر
    أغضي إذا ما جارتي برزت  *****  حتى يواري جارتي الخدر
                            ---------------------------
    سِلاحُكَ مَرْقِيٌّ ، فلا أنت ضائرٌ  *****  عَدُوّاً ، ولكن وَجهَ مولاكَ تَقْطِفُ
                             ------------------------
    إذا ما عَزَمْتَ اليأسَ ألفيْتَهُ الغِنى  *****  إذا عرفَتْهُ النَّفْسُ ، والطَّمعُ الفَقْرُ
    1/10/2013                                           المهندس جورج فارس رباحية
    المفــــــــــــــردات :
    (1) ـ منطقة حائل : تقع شمال المملكة العربية الســـــعودية وشمال منطقة القصـــيم وعلى السفح الشرقي من جبل شُمَّر وتُحاذي من الشمال صحراء النفوذ الكبرى ، هي المنطقة التي عاش فيها حاتم وسكن وقومه بين جبلي ( أجا وسلمى) . إن بين أطلال الآثـار في حائل وهي كثيرة كان قصر للطائي موجوداً في توارن  ، لكن عاتيات الزمن لم تترك منه إلاّ القليل ويكاد يتداعى .
    (2) ـ قبر حاتم : يقع القبر في بلدة توارن التي تبعد عن حائل المدينة بحوالي 42كم باتجاه شمال غرب وتقع بين جبلي أجا وسلمى المجاورين لصحراء النفوذ الكبرى . وقبــــره ليس ككل القبور لأنه طويل أكثر مما ينبغي والتأكيد بأنه للطائي كما ذكر مدير السياحة والآثار بمنطقة حائل
    المصــــــــادر والمــــــــــراجع :  
     ــــ شعراء النصرانية في العصر الجاهلي ج 1 : الأب لويس شيخو اليسوعي ، بيروت 1890
    ــــ ديوان حاتم الطائي : دراسة وتحقيق د. عادل سليمان جمال – القاهرة
    ــــ حاتم الطائي : سلسلة الروائع ، فؤاد إفرام البستاني ـ بيروت 1930
    ــــ المنجد في اللغة والأعلام : بيروت 1973
    ــــ مواقع على الإنترنت :

    لمتابعة الموضوع الأصلي للمهندس جورج والرد عليه
    المهندس جورج فارس رباحية  - صفحة 2 Aalove10
    حاتم الطائي

    مُساهمة الإثنين 6 يناير 2014 - 3:51 من طرف waell

    المهندس جورج فارس رباحية  - صفحة 2 Empty من طرف المهندس جورج فارس رباحية أمس في 12:15
    عَنْتَــــرة العَبْســي
    525 ـ 615 م
    المهندس جورج فارس رباحية
    هو عنترة بن شدّاد وقيل ابن عمرو بن شدّاد وقيل عنترة بن شدّاد بن عمرو بن معاوية بن قواد ( وقيل قراد بالراء ) بن مخزوم بن ربيعة وقيل مخزوم بن عوف بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن الريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيـلان بن مضر . وله لقب يُقــــال له ( الفلحاء ) لوجود فلح أي شقّ في شفته الســـــفلى ، وُلَقّب أيضاً ( بأبي المغلس ) لسواده والغلس جمع أغلاس وهو ظلمة آخر الليل . ويُقال له : بأبي أوفى ، بأبي عبلة وبعنترة الفوارس ، وكلمة عنتر هو نوع من الذباب وإن كانت النون فيه زائدة فهو من العَتْر ، والعَتْر يعني الذبح . وكلمـــة العنترة : تعني السلوك في الشدائد والشجاعة في الحرب . وجدير بالذكْر أنّ اســم عنترة ورد في معلّقته في مكانين بحذف التاء المربوطة وذلك في قوله :
    ولقدْ شَفى نفْسي وأبْرَأ سُقْمَها ***** قيل الفوارسِ وَيكَ عَنْتَرَ أقْدِمِ
    يدعونَ عنْتَرَ والرِّمـاحُ كأنّها ***** أشـــطانُ بِئْرٍ في لَبانِ الأدْهمِ كانت أمّه أمَةٌ سوداء حبشية مسيحية الديانة ( قيل اسمها تاتا ابنة ميجو ) ويُقال لها زبيبة ســـباها أبوه في إحدى غزواته فأنجبت له عنترة أســـــود اللون من جهة أمّه وكان لها وُلْدٌ عبيد من غـير عنترة وكانوا إخوته لأمّه ، وكانت العرب تُعَيّره بذلك بدليل ذلك قوله :
    يُعيبون لوني بالسّــــواد جهــالةً ***** ولولا سواد الليل ما طلع الفجرُ
    وإن كان لوني أسوَداً فخصائلي ***** بياضٌ ومن كفيَّ يستنزل القطرُ
    ولمّا كثرت الأقاويل في ذلك قال يشرح حاله بهذين البيتين :
    لَئن أكُ اسوداً فالمسك لوني ***** وما لســـواد جلدي من دواءِ
    ولكن تبعد الفحشــــاءَ عنّي ***** كبعد الأرض عن جوّ السّماءِ
    وها هو عنترة نفسه يُحدّثنا في شعره عن أمّه وأنّها من آل حام فقال :
    إِنِّي لَتُعْرَفُ في الحُروبِ مواطِني ***** في آلِ عبْسٍ مَشْهَدي وفِعالي
    مِنْهُــــمْ أبي حقَــــا فهُمْ لي والـــدُ ***** والأمُ من حـــامٍ فهم أخــوالي
    بعد الرجوع للعديد من المصادر تم التأكّد من أنّ عنترة حضر حرب داحس والغبراء (1) بــين عبس وذبيان وشارك فيها من أول يوم الذي سُمّي يوم المريقب ( من أيام العرب ) حتى آخر يوم فيها الذي سُمّي بيوم شعواء وقد دامت الحرب 40 عاماً حيث بدأت حــــوالي منتصف القرن 6" الميلادي أي بحدود550 ـ 555 م وانتهت قبل نهاية القرن الســـادس بين 590 ـ 595 م وأنّ عنترة كان عمره يقرب من 30 عاماً عند بدء الحرب فولادته كانت بين أعـوام 520 ـ 525 م
    كانت العرب في الجاهلية إذا كان للرجل ولد من أمَةٍ استعبده ويبقى على العبودية حتى تُرْفَع عنه باعتراف الوالد . كان أبوه ينكره ولا ابناً له أنفة منه لكونه ابن أمَةٍ فكـان عنده بمنزلة العبيد يرعى الإبل والغنم مع العبيد وهو يأنف من ذلك ،فانطلق يرعى وباع منها ذوداً واشـترى بثمنه سيفاً ورمحاً وتُرْساً ودرعاً ومغفراً ودفنها في الرمل وكان له مهر يسقيه ألبان الإبـل ، حتى أغار بعض الأحياء من طيّ على بني عبس وكانت منازل عبس يومئذٍ بأرض الشــربة والعلم السعدي ( هو مكان بأطراف نجد على حدود بلاد الحجاز بين مكة ويثرب ) فأصابوا منهم وقتلوا أنفــاراً من الحيّ وسبوا نساءً كثيرة ، وكــــان عنترة مُعتزلاً عنهم فتقاعد عن المُدافعة حتّى مَرَّ به أبوه فقال : ويك يا عنتر كرّ ، فقال عنترة : العبد لا يُحسِن الكرّ وإنّما يُحسِن الحَلب والصَرّ فقال أبوه : كرّ وأنت حُرّ ، فَكرّ وهو يقول :
    كلُ امرىءٍ يحمي حِره ***** أســـودَهُ وأحمَــــرَهْ
    والوارِداتِ مِشْفَرهْ
    وما زال به حتى ثار في أوجه القوم وهبّت في إثــره رجال عبس فهزم السرية المغيرة وردَّ الغنائم والسبايا التي اكتسبها القوم . فاشتهرت شجاعته بين العرب من ذلك اليوم .
    كان عنترة أحسن العرب شيمة وأعلاهم همّة وأعزّهم نفْساً ، وكان مع شدّة بطشه حليماً كريماً شديد النخوة لطيف المحاضرة رقيق الشعر ، لا يأخذ مأخذ الجاهلية في ضخامة الألفاظ ونفورها وكان بصيراً بأساليب الشعر وفنونه وحسن التصرّف في المعاني ويتّصف بالخلق الكريم والعفّة السامية والشجاعة الفذّة والبطولة الرائعة ، وكثيراً ما يتوقّف الإنسان عند قوله :
    وأغضّ طرفي ما بدت لي جارتي ***** حتى يُواري جارتي مأواها
    أو قوله :
    أغشى فتاة الحيّ عند حليلها ***** وإذا غزا في الحرب لا أغشاها
    وهذا ما يسعنا ننظر في واقعنا ، وحياة شبابنا اليوم فيتملّكنا العجب العجاب ، أيعفّ ذلك الجاهلي ونركب نحن متن الدنيّة ؟
    نشأ عنترة بتعلّم فنون القتال والتمرّس عليها وقد أورثه هذا التمرّس خبرة استخدمها في حروبه مع أعدائه وأكسبته شهرة عظيمة وجعلت منه فارساً مرمــــوقاً يتحدّث عنه وتُضْرَب بشـــجاعته الأمثال . وكانت حروب داحس والغبراء بين قبيلتي عبس وذبيان ، الميدان الفسيح الذي ظــهرت فيه فروسيته وشجاعته ، وليس هذا غريباً فشاعرنا من فرسان فبيلة عبس المعدودين الذين دافعوا عن وجودهم كما دافعوا عن قبيلتهم . عاش عنترة على نصرانيته كما جاء في مصادر كثيرة وباعترافه بأمر الله وقدره فقـــــــال في إحدى قصائده :
    إذا كــــان أمــــر اللهِ أمْرا يُقــــدّرْ ***** فكيفَ يفِرُّ المرءُ منه ويحْذرُ
    وَمَنْ ذا يردُّ الموْتَ أو يدفع القضا ***** وضرْبَتْهُ محتومةٌ ليسِ تعبرُ
    لقد هانَ عنـــدي الدّهرُ لمّا عرفتُهُ ***** وإني بما تأتي الملمّات أخبرُ
    وقال في قصيدته التي يرثي فيها الملك زهير بن جذيمة العبسي :
    قسماً بالذي أمات وأحيا ***** وتَوَلّى الأرواح والأجساما
    الذي يقصد فيه الله عزّ وجلّ فهو الذي يُحيي ويُميت .
    وقال أيضا قي قصيدة يصف فيها حسامه ويذكر فيها الله عزّ جلاله :
    ولي من حسامي كل يوم على الثرى ***** نقوش دم تغني الندامى عن الورد ِ
    وليسَ يعيب الســــيف أخــلاق غمده ***** إذا كان في يوم الوغى قاطع الحدِّ
    فَلِلَّهِ دَرّي كـــمْ غُبــــــار قطعتـــــــه ***** على ضـــامر الجنبين مُعتدلِ القَدِّ
    وهنا يُقسمُ بالله عزّ وجلّ في بيت من قصيدة يُرثي تماضر زوجة الملك زهير بن جذيمة :
    باللهِ ما بال الأحبّة أعرضت ***** عنا ورامت بالفراقِ صدودها
    إن الأخبار عن فروسيّته وشجاعته كثيرة ولم تكن عبثاً عند عنترة ، وإنما هي نتيجــــــة الخبرة الطويلة التي اكتسبها في القتال والتي وأعطته الشهرة . فقيل لعنترة : ( أنت أشجع الناس وأشدّها ؟! قال : لا قيل : فبم إذاً شاع لك هذا في الناس ؟ قال : كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزماً ،وأحجم إذا رأيت الإحجام حزماً ولا أدخل موضعاً لا أرى لي فيه مخرجاً ، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشجاع ، فأثني علية فأقتله )
    لقد بلغ من شهرة عنترة في فروسيّته أن هابته الفرسان والأبطال ، وحســبت له حساباً ،وخافت على حياتها منه ، وهذا ما قال عنه الفرس الشجاع عمرو بن معد يكرب : ( ما أبالي من لقيت من فرســـان العرب ما لم يلقني حراها وهيجانها ) ، ويقصـــد بالحرين " عامر بن الطفيل وعتبة بن الحارث " وبالهجينين " عنترة والسليك بن السلكة " . والفروســــية عند عنترة كثيـــرة الجوانب والمظاهر ، فهو لا يضع فروسيّته وشجاعته دائماً في خدمة قبيلته ، بل قد يجعل في خدمة غيرها ، إذا اضطرته إلى ذلك الظروف وقد يعدل عن القتال إلى التهديد والوعيد ونقرأ ذلك في الكثيـــر من قصائده ، وقد يجمع إلى صفة البطولة صفات أخرى تُتَمّم صورة البطل الفارس وكانت معظم قصائد عنترة التهديد والوعيد لأعدائه ووصف الوقعات والمعـــــارك التي نقع بين عبس والقبائل الأخرى مثل طئ وبني زبيد والعجم ووعامر وبني حريقة وغـــــيرهم وطبعاً لا تخلو قصيدة من قصائده إلاّ ويذكر فيها عبلة . ولشــهرته في الفروسية كُتِبَت عنه السِـيَرْ المعروفة بسيرة عنترة (2) فلا يسـع المجال هنا لذكرها بالتفصيل . وقبل أن نتـرك حديثنا عن فروسيّته لا بدّ أن نتطرّق للحديث عن أفراسه ، لما لها من صـلة بوجود عنترة فارساً وبطلاً ، فقد ذكــــر هذه الأفراس في قصائده :
    فأوّل أفراسه الأبجر ، فقال فيه :
    لا تَعْجَلي . أشدد حزامَ الأبْجَرِ ***** إني إذا الموتُ دنا لَمْ أضْجَرِ
    ( ولم أُمنِّ النَّفْسَ بالتأخّرِ )
    وثاني أفراسه الأدهم وهو من خيل غطفان بن سعد ، فقال فيه :
    يدعون عَنْتَرَ والرِماحُ كأنّها ***** أشطانُ بئرٍ في لَبانِ الأدْهَمِ
    وثالث أفراسه الأغَرّ ، فهذا عنترة يذكره وإحسانه إليه :
    أراه أهْلَ ذلك حين يَسْعى ***** رعاءُ الناسِ في طَلَبِ الحَلوبِ
    فيخفقُ مَرَّةً ويفيد أُخـرى ***** ويفجـــع ذا الضــغائِنِ بالأريبِ
    إن الحديث عن زواج عنترة أمر معجب ، فالذين ترجموا للشــــاعر كابن قتيبة والأصمعي وان الكلبي ، والمفضل وابن حبيب وأبي عبيدة ، لم بتطرّقوا لأمر زواجـــــه ، ربما كانوا يرون هذه الناحية من الأمور البسيطة وركّزوا اهتمامهم على شعره . لكن هناك بعض النصوص تذكر أمر زواجه . منها عند أبي هلال العسكري في كتابه ( ديوان المعاني ) عندما ذكر خبر اتنزاع عنترة لحريته فقال : ( فاستلحقه أبوه وزوّجه عمّه عبلة ابنته ) وهذا السـيوطي ينقل قول عم عنتـــــرة : ( إنّك ابن أخي وقد زوّجتك ابنتي عبلة ) وفي مصدر ثلث نقله الميداني على لســــان والد عنترة وهو (قال له كرّ وقد زوّجتك عبلة فكرَّ وأبلى ، ووفى له أبوه بذلك فزوّجه عبلة) من تلك الأقوال التي ذكرناها يظن المرء أن عنتــــرة تزوّج عبلة ، لولا أننا نجد في إحدى قصــائده أنه لا يزال متعلّقاً بعبلة ولا يزال يُنشدها الهوى ويطلب ودّها فيقول :
    لا تصرميني يا عُبَيْل وراجعي ***** فِيَّ البصـيرةَ نظرةَ المُتأمِّلِ
    فلربَّ أمــــلحَ منك دلاً فاعلمي ***** وأقرَّ في الدنيا لعينِ المُجْتَلي
    وَصَلَتْ حِبالي بالذي أنا أهْلُـــهُ ***** مِنْ وُدِّها وأنا رَخِيُّ المِطْوَلِ
    كانت امراة من بيت كندة سألته يوماً أن يُقيمَ معها في ديار قومها ووعدته بأن تزوّجه بمن يريد من بناتها فقال هذه الأبيات التي أنشدتها المطربة فيروز :
    لو كان قلبي معي ما اخترتُ غيركم ***** ولا رضيتُ سِواكم في الهوى بدلا
    لكـــــنه راغــــبُ في مــن يُعَــــذّبه ***** فليس يقبـــــل لا لومـــــاً ولا عذلا
    أحب عنترة عبلة بنت عمه مالك بن قراد العبسي ، وكانت من أجمل نساء قومها في نضــارة الصبا وشرف الأرومة ، وكان عمه قد وعده بها ولكنه لم يف بوعده، وإنمـــا كان يتنقل بها في قبائل العرب ليبعدها عنـــه. وحب عبلة كان له تأثير عظيم في نفس عنترة وشـــعره، وهي التي صيرته بحبها، ذلك البطل المغامر في طلب المعالي، وجعلته يزدان بأجمل الصــــفات وأرفعها، والتي رققت شعره كما رققت عاطفته، ونفحته بتلك العذوبة، وكان سبب تلك المرارة واللوعـــة اللتين ربما لم تكونا في شعره لولا حرمانه إياها. وجاء ذكر زواجه من عبلة في كتــــاب ( ديوان عنتر ) إصدار مكتبة الجامعة ببيروت بما يلي : ( وكان يهوى ابنة عمه عبلة بنت مالك بن قراد وكثيراً ما يذكرها في شعره حتى لا تكاد قصيدة له من ذكرها وكان أبوها يمنعه من زواجها فهام بها واشتدّ وجده ثم تزوّج بها بعد جهد طويل ومات عنها فعاشت بعده زمناً يسيراً ) .
    فيبقى عدم زواج عنترة من عبلة . هو أمر معقول ، وهناك رأي آخر بزواجه من امــرأة أخرى من بجيلة ، وقصة هذا الزواج غير معروفة إلا أن ابن السكيت يقول ( كان لعنترة امرأة بخيلة ، لا تزال تلومه في فرس كان يؤثره بالغبوق ـ وهو شرب العشي ـ في قوله :
    لا تذكري فَرَسي وما أطْعَمْتُه ***** فيكون جلدُكِ مثلَ جِلدِ الأجْرَبِ
    إن الْغبوقَ له وأنت مســـوءة ***** فتأوّهي ما شــــئتِ ثم تَحَـــوَّبي
    كذب العتيقُ ومــاءُ شَنٍّ بارِدٍ ***** إن كنتِ ســائلتي غَبوقاً فاذهبي
    فالأصمعي وأبو عبيدة ينكران كون هذه الأبيات لعنترة ويجعلانها لخزز بن لوزان ( شاعر جاهلي ) فضلاً عن معانيه التي لا تتناسب مع طريقة محادثة عنترة للمرأة ، وعلى الأرجح أن عنترة قد تزوّج بمحض طبيعة الحياة القبلية آنذاك ، ولكنه لم يتزوّج عبلة على التخصيص .
    إن كتب الأدب والأخبار قد خلت تقريباً من ذكر وجود أولاد لعنترة أو إذا وُجِدوا لم يكن لهم أيّة مكانة . ونجد أن كل من الأب لويس شيخو في ( شعراء النصرانية ) ومكتبة الجامعة في بيروت التي أصدرت عام 1893 ( ديوان عنتر) ذكرا أن عنترة بلغه أسْر ولديه غصوب وميســــرة مع صديقه عروة بن الورد (أمير الصعاليك ت616م) من بني عبس في اليمن بحصن العقاب فخرج يريد خلاصهم وقال في ذلك :
    أحرقني نـــــار الجــوى والبعادِ ***** بعد فقد الأوطــــان والأولادِ
    شابَ رأسي فصــار أبيض لونِ ***** بعد ما كان حالكاً بالســـــوادِ
    وتذكّــــرت عبلــةً يوم جـــاءتِ ***** لوداعـي والهـمّ والوجـد بــادِ
    وهي تذري من خيفة البعد دمعاً ***** مســـــتهلاً بلوعـــةٍ وسُـــهادِ
    قلت كفّي الدّمـــــوع عنك فقلبي ***** ذاب حزناً ولوعتي في ازدياد
    ويح هذا الزمــــان كيف رماني ***** بسهامٍ أصــابت صميم فؤادي
    قلَّ صبري على فراقِ غصوبٍ ***** وهو قد كان عدّتي واعتمادي
    وكذا عــــروةٌ وميســرةٌ حـــــا ***** مي حمانا عند اصطدامِ الجيادِ
    لأفُكْنَ أســــرهم عن قريـــــبِ ***** من أيـــادي الأعـــدا والحُسّـادِ
    عاش عنترة من العمر تسعين عاماً وتوفّي قتيلاً قبل ظهور الإسلام بـ 7 سنوات أي في عام 615 م . واختلفوا بقاتله والأصحّ أن قاتله ( وزر بن جابر النبهاني ) الملقّب بالأسد الرهيص ، وذلك أن عنترة كان قد أغار على بني نبهان فأطرد لهم طريدة وهو إذ ذاك شيخ كبير وكان وزر بن جابر في فتوة فرماه بسهم مســـموم وقال خذها وأنا ابن سلمى فقطع صلبه ( ظهره ) فتحامل
    بالرمية حتى أتى أهله مجروحاً وهو يقول :
    وإن ابن سلمى عنده فاعلموا دمي ***** وهيهات لا يُرجى ابن سلمى ولا دمي
    رمـــــاني ولم يدهش بأزرق لهذَمٍ ***** عشــــــيةَ حَلوا بين نعْـــفِ ومخْــــرمِ
    وفي رواية أخرى : فبعد أن أحسّ أنه ميت لا محالة، فاتخذ خطة المناضل - حتى بعد مماته - فظل ممتطيًا صهوة جواده، مرتكزًا على رمحه السمهري، وأمر الجيش بأن يتراجع القهقـــرى وينجو من بأس الأعداء، وظل في وقفته تلك حاميًا ظهر الجيش والعدو يبصر الجيش الهارب ، ولكنه لا يستطيع اللحاق به لاستبسال قائده البطل في الذود عنه ووقوفه دونه ، حتى نجا الجيش وأسلم عنترة الروح ، باقيًا في مكانه ، متكئًا على الرمح فوق جواده الأبجر .
    مقتطفـــــات من أعمــــاله :
    1 ـ أول ما نبدأ ذكر أعماله هي معلّقته الشهيرة ،وهو من أصحاب المعلّقات (3) فقد بدأ عنترة حياته الأدبية شاعراً مقــلاً حتى عيّره رجل من بني عبس بسواده وسواد أمّه وإخوته وبأنّه لا يقول الشعر ، فردّ عنترة عن نفسه وابتدر بنشر المعلّقة فصار بعدها من فطاحل الشعراء . والمعلقة على بحر الكامل وعــدد أبيتها يتراوح بين 75 و 69 بيتاَ حسب المصدر الواردة فيه ، ننشرها بأبيات عددها 75 بيتاً :
    هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ منْ مُتَـرَدَّمِ = أم هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بعدَ تَوَهُّـمِ

    يَا دَارَ عَبْلـةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمِـي = وَعِمِّي صَبَاحاً دَارَ عبْلةَ واسلَمِي

    فَوَقَّفْـتُ فيها نَاقَتي وكَأنَّهَـا = فَـدَنٌ لأَقْضي حَاجَةَ المُتَلَـوِّمِ

    وتَحُـلُّ عَبلَةُ بِالجَوَاءِ وأَهْلُنَـا = بالحَـزن ِ فَالصَّمَـانِ فَالمُتَثَلَّـمِ

    حُيِّيْتَ مِنْ طَلَلٍ تَقادَمَ عَهْـدُهُ = أَقْـوى وأَقْفَـرَ بَعدَ أُمِّ الهَيْثَـمِ

    حَلَّتْ بِأَرض الزَّائِرينَ فَأَصْبَحَتْ = عسِراً عليَّ طِلاَبُكِ ابنَةَ مَخْـرَمِ

    عُلِّقْتُهَـا عَرْضاً وأقْتلُ قَوْمَهَـا = زعماً لعَمرُ أبيكَ لَيسَ بِمَزْعَـمِ

    ولقـد نَزَلْتِ فَلا تَظُنِّي غَيْـرهُ = مِنّـي بِمَنْـزِلَةِ المُحِبِّ المُكْـرَمِ

    كَـيفَ المَزارُ وقد تَربَّع أَهْلُهَـا = بِعُنَيْـ زَتَيْـنِ وأَهْلُنَـا بِالغَيْلَـمِ

    إنْ كُنْتِ أزْمَعْتِ الفِراقَ فَإِنَّمَـا = زَمَّـت رِكَائِبُكُمْ بِلَيْلٍ مُظْلِـمِ

    مَـا رَاعَنـي إلاَّ حَمولةُ أَهْلِهَـا = وسْطَ الدِّيَارِ تَسُفُّ حَبَّ الخِمْخِمِ

    فِيهَـا اثْنَتانِ وأَرْبعونَ حَلُوبَـةً = سُوداً كَخافيةِ الغُرَابِ الأَسْحَـمِ

    إذْ تَسْتَبِيْكَ بِذِي غُروبٍ وَاضِحٍ = عَـذْبٍ مُقَبَّلُـهُ لَذيذُ المَطْعَـمِ

    وكَـأَنَّ فَارَةَ تَاجِرٍ بِقَسِيْمَـةٍ = سَبَقَتْ عوَارِضَها إليكَ مِن الفَمِ

    أوْ روْضـةً أُنُفاً تَضَمَّنَ نَبْتَهَـا = غَيْثٌ قليلُ الدَّمنِ ليسَ بِمَعْلَـمِ

    جَـادَتْ علَيهِ كُلُّ بِكرٍ حُـرَّةٍ = فَتَرَكْنَ كُلَّ قَرَارَةٍ كَالدِّرْهَـمِ

    سَحّـاً وتَسْكاباً فَكُلَّ عَشِيَّـةٍ = يَجْـرِي عَلَيها المَاءُ لَم يَتَصَـرَّمِ

    وَخَلَى الذُّبَابُ بِهَا فَلَيسَ بِبَـارِحٍ = غَرِداً كَفِعْل الشَّاربِ المُتَرَنّـمِ

    هَزِجـاً يَحُـكُّ ذِراعَهُ بذِراعِـهِ = قَدْحَ المُكَبِّ على الزِّنَادِ الأَجْـذَمِ

    تُمْسِي وتُصْبِحُ فَوْقَ ظَهْرِ حَشيّةٍ = وأَبِيتُ فَوْقَ سرَاةِ أدْهَمَ مُلْجَـمِ

    وَحَشِيَّتي سَرْجٌ على عَبْلِ الشَّوَى = نَهْـدٍ مَرَاكِلُـهُ نَبِيلِ المَحْـزِمِ

    هَـل تُبْلِغَنِّـي دَارَهَا شَدَنِيَّـةَ = لُعِنَت ْ بِمَحْرُومِ الشَّرابِ مُصَـرَّمِ

    خَطَّـارَةٌ غِبَّ السُّرَى زَيَّافَـةٌ = تَطِـسُ الإِكَامَ بِوَخذِ خُفٍّ مِيْثَمِ

    وكَأَنَّمَا تَطِـسُ الإِكَامَ عَشِيَّـةً = بِقَـريبِ بَينَ المَنْسِمَيْنِ مُصَلَّـمِ

    تَأْوِي لَهُ قُلُصُ النَّعَامِ كَما أَوَتْ = حِـزَقٌ يَمَانِيَّةٌ لأَعْجَمَ طِمْطِـمِ

    يَتْبَعْـنَ قُلَّـةَ رأْسِـهِ وكأَنَّـهُ = حَـرَجٌ على نَعْشٍ لَهُنَّ مُخَيَّـمِ

    صَعْلٍ يعُودُ بِذِي العُشَيرَةِ بَيْضَـةُ = كَالعَبْدِ ذِي الفَرْو الطَّويلِ الأَصْلَمِ

    شَرَبَتْ بِماءِ الدُّحرُضينِ فَأَصْبَحَتْ = زَوْراء َ تَنْفِرُ عن حيَاضِ الدَّيْلَـمِ

    وكَأَنَّما يَنْأَى بِجـانبِ دَفَّها الـ = وَحْشِيِّ مِنْ هَزِجِ العَشِيِّ مُـؤَوَّمِ

    هِـرٍّ جَنيبٍ كُلَّما عَطَفَتْ لـهُ = غَضَبَ اتَّقاهَا بِاليَدَينِ وَبِالفَـمِ

    بَرَكَتْ عَلَى جَنبِ الرِّدَاعِ كَأَنَّـما = بَرَكَتْ عَلَى قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ

    وكَـأَنَّ رُبًّا أَوْ كُحَيْلاً مُقْعَـداً = حَشَّ الوَقُودُ بِهِ جَوَانِبَ قُمْقُـمِ

    يَنْبَاعُ منْ ذِفْرَى غَضوبٍ جَسرَةٍ = زَيَّافَـةٍ مِثـلَ الفَنيـقِ المُكْـدَمِ

    إِنْ تُغْدِفي دُونِي القِناعَ فإِنَّنِـي = طَـبٌّ بِأَخذِ الفَارسِ المُسْتَلْئِـمِ

    أَثْنِـي عَلَيَّ بِمَا عَلِمْتِ فإِنَّنِـي = سَمْـحٌ مُخَالقَتي إِذَا لم أُظْلَـمِ

    وإِذَا ظُلِمْتُ فإِنَّ ظُلْمِي بَاسِـلٌ = مُـرٌّ مَذَاقَتُـهُ كَطَعمِ العَلْقَـمِ

    ولقَد شَربْتُ مِنَ المُدَامةِ بَعْدَمـا = رَكَدَ الهَواجرُ بِالمشوفِ المُعْلَـمِ

    بِزُجاجَـةٍ صَفْراءَ ذاتِ أَسِـرَّةٍ = قُرِنَتْ بِأَزْهَر في الشَّمالِ مُقَـدَّمِ

    فإِذَا شَـرَبْتُ فإِنَّنِي مُسْتَهْلِـكٌ = مَالـي وعِرْضي وافِرٌ لَم يُكلَـمِ

    وإِذَا صَحَوتُ فَما أَقَصِّرُ عنْ نَدَىً = وكَما عَلمتِ شَمائِلي وتَكَرُّمـي

    وحَلِـيلِ غَانِيةٍ تَرَكْتُ مُجـدَّلاً= تَمكُو فَريصَتُهُ كَشَدْقِ الأَعْلَـمِ

    سَبَقَـتْ يَدايَ لهُ بِعاجِلِ طَعْنَـةٍ = ورِشـاشِ نافِـذَةٍ كَلَوْنِ العَنْـدَمِ

    هَلاَّ سأَلْتِ الخَيـلَ يا ابنةَ مالِـكٍ = إنْ كُنْتِ جاهِلَةً بِـمَا لَم تَعْلَمِـي

    إِذْ لا أزَالُ عَلَى رِحَالـةِ سَابِـحٍ = نَهْـدٍ تعـاوَرُهُ الكُمـاةُ مُكَلَّـمِ

    طَـوْراً يُـجَرَّدُ للطَّعانِ وتَـارَةً = يَأْوِي إلى حَصِدِ القِسِيِّ عَرَمْـرِمِ

    يُخْبِـركِ مَنْ شَهَدَ الوَقيعَةَ أنَّنِـي = أَغْشى الوَغَى وأَعِفُّ عِنْد المَغْنَـمِ

    ومُـدَّجِجٍ كَـرِهَ الكُماةُ نِزَالَـهُ = لامُمْعـن ٍ هَـرَباً ولا مُسْتَسْلِـمِ

    جَـادَتْ لهُ كَفِّي بِعاجِلِ طَعْنـةٍ=بِمُثَقَّـف ٍ صَدْقِ الكُعُوبِ مُقَـوَّمِ

    فَشَكَكْـتُ بِالرُّمْحِ الأَصَمِّ ثِيابـهُ = ليـسَ الكَريمُ على القَنا بِمُحَـرَّمِ

    فتَـركْتُهُ جَزَرَ السِّبَـاعِ يَنَشْنَـهُ = يَقْضِمْ ـنَ حُسْنَ بَنانهِ والمِعْصَـمِ

    ومِشَكِّ سابِغةٍ هَتَكْتُ فُروجَهـا = بِالسَّيف عنْ حَامِي الحَقيقَة مُعْلِـمِ

    رَبِـذٍ يَـدَاهُ بالقِـدَاح إِذَا شَتَـا = هَتَّـاكِ غَايـاتِ التَّجـارِ مُلَـوَّمِ

    لـمَّا رَآنِي قَـدْ نَزَلـتُ أُريـدُهُ = أَبْـدَى نَواجِـذَهُ لِغَيـرِ تَبَسُّـمِ

    عَهـدِي بِهِ مَدَّ النَّهـارِ كَأَنَّمـا = خُضِـبَ البَنَانُ ورَأُسُهُ بِالعَظْلَـمِ

    فَطعنْتُـهُ بِالرُّمْـحِ ثُـمَّ عَلَوْتُـهُ = بِمُهَنّدٍ صافِي الحَديدَةِ مِخْـذَمِ

    بَطـلٌ كأَنَّ ثِيـابَهُ في سَرْجـةٍ = يُحْذَى نِعَالَ السِّبْتِ ليْسَ بِتَـوْأَمِ

    ياشَـاةَ ما قَنَصٍ لِمَنْ حَلَّتْ لـهُ = حَـرُمَتْ عَلَيَّ وَلَيْتَها لم تَحْـرُمِ

    فَبَعَثْتُ جَارِيَتي فَقُلْتُ لها اذْهَبـي = فَتَجَسَّسِ ي أَخْبارَها لِيَ واعْلَمِـي

    قَالتْ : رَأيتُ مِنَ الأَعادِي غِـرَّةً = والشَاةُ مُمْكِنَةٌ لِمَنْ هُو مُرْتَمـي

    وكـأَنَّمَا التَفَتَتْ بِجِيدِ جَدَايـةٍ = رَشَـاءٍ مِنَ الغِـزْلانِ حُرٍ أَرْثَـمِ

    نُبّئـتُ عَمْراً غَيْرَ شاكِرِ نِعْمَتِـي = والكُـفْر ُ مَخْبَثَـةٌ لِنَفْسِ المُنْعِـمِ

    ولقَدْ حَفِظْتُ وَصَاةَ عَمِّي بِالضُّحَى = إِذْ تَقْلِصُ الشَّفَتَانِ عَنْ وَضَحِ الفَمِ

    في حَوْمَةِ الحَرْبِ التي لا تَشْتَكِـي = غَمَـرَات ِها الأَبْطَالُ غَيْرَ تَغَمْغُـمِ

    إِذْ يَتَّقُـونَ بـيَ الأَسِنَّةَ لم أَخِـمْ = عَنْـها ولَكنِّي تَضَايَقَ مُقْدَمـي

    لـمَّا رَأيْتُ القَوْمَ أقْبَلَ جَمْعُهُـمْ = يَتَـذَا مَرُونَ كَرَرْتُ غَيْرَ مُذَمَّـمِ

    يَدْعُـونَ عَنْتَرَ والرِّماحُ كأَنَّهـا = أشْطَـانُ بِئْـرٍ في لَبانِ الأَدْهَـمِ

    مازِلْـتُ أَرْمِيهُـمْ بِثُغْرَةِ نَحْـرِهِ = ولِبـانِهِ حَتَّـى تَسَـرْبَلَ بِالـدَّمِ

    فَـازْوَرَّ مِنْ وَقْـعِ القَنا بِلِبانِـهِ = وشَـكَا إِلَىَّ بِعَبْـرَةٍ وَتَحَمْحُـمِ

    لو كانَ يَدْرِي مَا المُحاوَرَةُ اشْتَكَى = وَلَـكانَ لو عَلِمْ الكَلامَ مُكَلِّمِـي

    ولقَـدْ شَفَى نَفْسي وَأَذهَبَ سُقْمَهَـا = قِيْلُ الفَـوارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْـدِمِ

    والخَيـلُ تَقْتَحِمُ الخَبَارَ عَوَابِسـاً = مِن بَيْنَ شَيْظَمَـةٍ وَآخَرَ شَيْظَـمِ

    ذُللٌ رِكَابِي حَيْثُ شِئْتُ مُشَايعِي = لُـبِّي وأَحْفِـزُهُ بِأَمْـرٍ مُبْـرَمِ

    ولقَدْ خَشَيْتُ بِأَنْ أَمُوتَ ولَم تَـدُرْ= للحَرْبِ دَائِرَةٌ على ابْنَي ضَمْضَـمِ

    الشَّـاتِمِيْ عِرْضِي ولَم أَشْتِمْهُمَـا = والنَّـاذِرَيْـنِ إِذْ لَم أَلقَهُمَا دَمِـي

    إِنْ يَفْعَـلا فَلَقَدْ تَرَكتُ أَباهُمَـا = جَـزَرَ السِّباعِ وكُلِّ نِسْرٍ قَشْعَـمِ
    2 ـ قال عنترة في صباه يصف ابنة عمه عبلة بنت مالك وكان مغرماً بها :
    رمـــت الفؤادَ مليحة عـــذراءُ ***** بســهامِ لحظٍ ما لهُــــنَّ دواءُ
    مـــرت أوان العيد بين نواهــد ***** مثل الشموسِ لحاظِهِّنَّ ظباءُ
    ورنت فقلت غزالة مذعــــورة ***** قد راعها وسط الفلاة بــلاءُ
    وبدت فقلت البــــدر ليـــلة تمه ***** قد قلّدته نجومها الجــــوزاءُ
    بسمت فلاح ضياءُ لؤلؤِ ثغرها ***** فيه لداءِ العاشــــقين شـــفاءُ
    سجدت تعظـــــم ربها فتمايلت ***** لجـــلالها أربابنا العظمـــاءُ
    يا عبلَ مثلُ هواكِ أو أضـعافه ***** عندي إذا وقع الاياس رجاءُ
    إن كان يسعدني الزمان فإنّني ***** في همّتي لصــــروفه إزراءُ
    3 ـ وكان في بعض أسفاره مع الأمير شأس بن زهير فرأى في المنام طيف عبلة فاستفاق حائراً مدهوشاً وقال في ذلك :
    زار الخيال خيال عبلة في الكرى ***** لمتيّم نشوان محلول العــــــرى
    فنهضتُ أشـــــكو ما لقيت لبعدها ***** فتنفست مسـكاً يُخالِط عنبــــــرا
    عربيـــــةً يهتــــــزُ لين قوامــــها ***** فتخاله العشّاق رمحاً أســــــتمرا
    وكشــــفت برقعها فأشرق وجهها ***** حتى أعاد الليل صبحاً مســـــفرا
    يا عبلَ أن هواكِ قد جـــاز المدى ***** وأنا المعنى فيكِ من دون الورى
    4 ـ وقال في إغارته على بني عامر :
    سَـلي يا عبْلَ عَنَّا يوْمَ زُرْنا ***** قبائلَ عامـــر وَبَني كِــــــلابِ
    وَكَم من فارسٍ خليْت مُلْقى ***** خضيبَ الراحتينِ بلا خِضابِ
    يُحَرِّكُ رِجــــله رعباً وفيه ***** ســــنان الرّمحِ يَلْمَعُ كالشّهابِ
    قتلنــــا منهمُ مئَتينِ حُـــرّا ***** وألفاً في الشّعاب وفي الهضابِ
    5 ـ وقال يمدح الملك كسرى أنو شروان :
    يا أيهـــــا الملك الذي راحاتــــهُ ***** قامت مقام الغيث في أزمانهِ
    يا قبلة القصــــاد يا تاج العُــــلا ***** يا بدر هذا العصر في كيوانهِ
    يا خاجِلاً نوَ الســــّماءِ بجــــودهِ ***** يا مُنقذ المحزون من أحزانه ِ
    ملكٌ حوى رتب المعــــالي كلّها ***** بســــموّ مجدٍ حلَّ في إيوانهِ
    ملكٌ إذا ما جــــــال في يومِ اللقا ***** وقف العدوّ محيراً في شانهِ
    والنصر من جلسائه دون الورى ***** والسعد والاقبال من أعوانهِ
    فلا شكرن صنيــــعهُ بين الورى ***** وأطاعن الفرسان في ميدانهِ
    6 ـ وقال يرثي الملك زهير بن جذيمة العبسي :
    خُسِــفَ البَدْرُ حيـــنَ كانَ تماما ***** وخَفِي نورهُ فعاد ظلامـــا
    وَدَرَاري النجومِ غارت وغابتْ ***** وضِياءُ الآفاقِ صارَ قَتاما
    حين قالــــوا زُهَيْـــر ولّى قتيلا ***** خيّمَ الحـــزنُ عندنا وأقاما
    قد ســــــقاهُ الزّمـــــانُ كأس حِمامٍ ***** وكذاك الزمانُ يسقي الحمــاما
    قســــماً بالـــــــذي أمــــات وأحيا ***** وتَــــوَلّى الأرواح والأجســـاما
    لا رفعتُ الحسامَ في الحربِ حتّى ***** أترُك القوْم في الفياــــفي عظاما
    يا بني عامـــــر ستلقــــون بـــرقاً ***** من حُسامي يجري الدّماء سحاما
    وَتَضجُّ النســــــاء من خيفة السّبي م وتبكي على الصّـــــغار اليتامــى
    7 ـ وهنا يفتخر ويعتَزّ بنفْسه فيقول :
    أنا العبدُ الذي بديـــــــارِ عبس ***** ربيتُ بعِـــزَّةِ النفْس الأبيّه
    سلوا النّعمانَ عنّي يوْمَ جاءتْ ***** فوارس عُصْبةِ النَّار الحميّه
    أقمتُ بِصارمي ســـوق المنايا ***** ونِلْتُ بذابلي الرُّتبِ العاليه
    ============
    12/12/2013 المهندس جورج فارس رباحية
    المفــــــــــــردات :
    (1) ـ حرب داحس والغبراء : هي حرب من حروب الجاهليـــــة كانت بين قبيلتي بين عبس وذبيان . و داحس والغبراء: هما اسما فرسين و قد كان " داحس" حصانا لـ قيس بن زهير ، و " الغبراء " فرسا لـ حمل بن بدر . اتفق قيس و حمل على رهان قدره مائة من الإبل لمن يسبق من الفرسين . كانت المسافة كبيرة تستغرق عدة ايام تقطع خلالها شعب صـــحراوية وغابات, أوعز حمل ابن بدر نفر من أتباعه يختبئوا في تلك الشعاب قائلا لهم : إذا وجدتم داحس متقدما على الغبراء في السباق فردوا وجهه كي تسبقه الغبراء فلما فعلوا تقدمت (الغبراء ) حينــــــما تكشف الأمر بعد ذلك اشتعلت الحرب بين عبس وذبيان التي عرفت باسم ( داحس و الغبراء) دامت تلك الحرب أربعين سنة وهي الحرب التي أظهرت قدرات عنترة بن شداد القتالية . بدأت في منتصف القرن السادس الميلادي أي حوالي عام 550 م .
    (2) ـ سيرة عنترة : قيل أنه نشأ بمصر رجل من أفاضــــل الرواة يُقال له الشـــــــيخ يوسف بن اسماعيل وكان بتصل بباب العزيز بالقاهرة . فاتفق أن حدثت ريبة في دار العزيز ولهجت الناس بها في المنازل والأسواق فساء العزيز ذلك وأشار إلى الشيخ يوسف أن يطرف الناس بما عساه أن يُشغلهم عن هذا الحديث . وكان الشيخ يوسف واسع الرواية في أخبار العرب ، كثيــر النوادر والأحاديث . وكان قد أخذ روايات شتّى عن أبي عبيدة ونجد بن هشام وجُهينة اليمــــاني المُلَقّب بجُهينة الأخبار وعبد الملك بن قريب المعروف بالأصمعي وغيرهـــم من الـــرواة . فأخذ يكتب قصة لعنترة ويوزّعها على الناس فأُعْجِبوا بها واشتغلوا عما سواها .ومن تلطّفه في الحيـــلة أنه قسّمها إلى اثنين وسبعين كتاباً ، والتزم في آخر كل كتاب أن يقطع الكلام عند معظم الأمر الذي يشتاق القارئ إلى الوقوف على تمامه فلا يفترعن طلب الكتاب الذي يليه ، فإذا وقف عليه انتهى بهِ إلى مثل ما انتهى الأول ، وهكذا إلى نهاية القصة . وقد أثبت في هذه الكتب ما وردَ من أشعار العرب المذكورين فيها . غير أنه لكثرة تداول الناسخين لها ، فسدت روايتها بما وقــــع فيها من الأغلاط المكرّرة بتكرار النسخ . وتتشابه هذه السيرة مع السيرة الهلالية وسيرة الظاهر بيبرس
    (3) ـ المعلّقات : هي من أجمل صور الشعر الجاهلي وأعذبه وكان ( حماد الراوية ) أوّل من جمعها في أواخر عصـــــر بني أميّة في الشــام ( 660 ـ 750 ) م وأواخر العصــــر العباسي ( 750 ـ 1258 ) م وأصــــحاب المعلّقات هم : امرؤ القيس ـ طرفة بن العبد ـ زهير بن ابي سّلمى ـ لبيد بن أبي ربيعة ـ عمرو بن كلثوم ـ عنتـــرة بن شدّاد ـ الحارث بن حلزة ـ النابـــغة الذبياني ـ الأعشى الأكبر ـ عبيد بن الأبرص إن تسميتها بالمعلّقات أو المُذَهَّبات ، أو السُّـــموط ( العقود ) فمختلف فيه ، إذ قال بعضهم أنّ العــرب لشــدّة إعجابهم بها ، كتبوها بمــاء الذهب ، وعلّقوها على جدران الكـعبة فَسمــِّيت بذلك المُعلَّقات أو المُذهّبات ونفى بعضـــهم تعليقها على جدران الكعبة وزعم آخـرون أنّ حمّاداً الراوية هوالذي جمع القصائد الطِّوال، وقال للناس : هذه هي المشهورات وقال آخرون إنّها سُمِّيَت بذلك لأنها من القصـــائد المســـتجادة التي كانت تُعَلَّق في خـــزائن الملـــوك والراجح اليوم انها سُمِّيَت أيضاً بالمعلَّقـات لتشبيهها بالسّـموط ، أي العقود التي تُعَلَّق بالأعناق ، وقد سُمِّيَت أيضاً بالمذهّبات لأنها جـديرة بأن تُكْتَب بماء الذّهب لنفاستها .
    المصــــــادر والمـــــــراجع :
    ــ شعراء النصرانية في العصر الجاهلي : الأب لويس شيخو اليسوعي ، بيروت 1890
    ــ مجاني الأدب الجزء 6 : الأب لويس شيخو اليسوعي ، بيروت 1888
    ــ ديوان عنتر : مكتبة الجامعة ، بيروت 1893
    ــ عنترة بن شدّاد : فؤاد افرام البستاني ، سلسلة الروائع . بيروت 1930
    ــ ديوان عنترة : محمد سعيد مولوي ، القاهرة 1970
    ــ شرح القصائد العشر : الإمام الخطيب التبريزي
    ــ شرح المعلّقات العشر : الإمام أبو عبد الله وتحسين الحسين . بيروت 1983
    ــ المنجد في اللغة والأعلام : بيروت 1973
    ــ مواقع على الإنترنت :



    المهندس جورج فارس رباحية


    لمعاينة الموضوع الأصلي والتعليق عليه

    المهندس جورج فارس رباحية  - صفحة 2 Aalove10
    عنترة العبسي

    مُساهمة الإثنين 10 فبراير 2014 - 23:22 من طرف waell

    المهندس جورج فارس رباحية كتب:خليل مردم بك

    1895 ـ 1959
    المهندس جورج فارس رباحية

    وُلِدَ خليل بدمشق سنة 1895 والده أحمد مختار مردم بك والدته فاطمة محمود الحمزاوي مفتي دمشق وعلاّمتها . ينحدر خليل من أسرة تركية عريقة تناسلت من جدّهم التركي : (مصطفى لالا باشا ) (1).لم يكن لخليل إخوة ذكور وإنما كان له خمس شقيقات .
    بدأ الدراسة في الكُتَّاب في سن السابعة ، وفي العاشرة من عمره التحق بمدرسة " الملك الظاهر " الابتدائية الرسمية وبعد ثلاث سنوات انتقل إلى المدرسة الإعدادية الرسمية حيث مكث فيها سنة ونيّفاً ثم تركها وارتأى أن يأخذ علوم اللغة والدين عند ثلاثة من أشهر علماء دمشق فدرس الحديث على يد المحدّث الشيخ بدر الدين الحسني ، والفقه من مفتي الشام عطا الكسم والصرف والنحو من الشيخ عبد القادر الإسكندراني ، وبدأ ينظم الشِعْر قبل أن يبلغ الخامسة عشرة من عمره . توفي والده ولم يُتِم الخامسة عشرة من عمره ، وبعد أربع سنوات توفّيت والدته . وقد طبعه اليتم بطابع الصمت والعزلة والحياء والانطواء على النفس والابتعاد المجتمع ، ولازمه هذا الطبع طوال حياته .
    وبجلاء الأتراك عن سورية عام 1918 وقيام الحكومة العربية (السبت في 5/10/1918برئاسة رضا الركابي ) عُيِّنَ مُميّزاً لديوان الرسائل العامة ، وفي عام 1919 عُيِّنَ مدرّساً في مدرسة الكتاب والمُنشئين التي أنشأتها الحكومة لتدريب موظّفيها ، ولما أُعْلِن استقلال سورية وبويع الملك فيصل الأول ملكاً عليها ( الإثنين في 8/3/1920 ) وتألّفت أول وزارة سورية ، نُقِلَ من ديوان الرسائل العامة ، وسُمّيَ معاوناً لمدير ديوان مجلس الوزراء ، وبعد أن دخل الجيش الفرنسي سورية الأحد في 25 تموزعام 1920، صُرِفَ من العمل في الحكومة.
    في عام 1921 أسّس مع مجموعة من الأدباء (2) جمعية "الرابطة الأدبية" على غِرار الرابطة القلمية (3) في نيويورك ، وانتُخبَ رئيساً لها وعقدت أول اجتماع لها يوم الجمعة في 4 آذار 1921 ، وكانت أهدافها توحيد قوى الأدباء المتفرّقة وتنظيم صفوفهم ليتسنى لهم الفوز في معترك الحياة الأدبية . ولإظهار نشاط الأدباء أنشأت الرابطة مجلة ناطقة باسمها دعتها : ( مجلة الرابطة الأدبية ) وصدر العدد الأول منها يوم الخميس في 1 إيلول 1921 لكنها توقّفت بعد العدد التاسع لأن الاحتلال الفرنسي بدأ يُضيق الخناق على الرابطة والمجلة معاً ، فحلّ الرابطة وأغلق المجلة .
    في عام 1925 انتُخِبَ عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق بعد أن تقدّم إليه برسالة عن شعراء الشام في القرن الثالث الهجري ، وفي هذا العام اندلعت نيران الثورة السورية ، فأخذ يغذيها بقصائده الوطنية التي تدعو إلى إثارة الشعب ، ورد الطغيان ، ورفع الظلم ، فطاردته السلطات الفرنسية ففر إلى لبنان وتخفّى بقرية المروج بمساعدة الشاعر أديب مظهر،ولما علِمَت بوجوده هناك غادر إلى الإسكندرية عام 1926 وأقام عند صهره الدكتور أحمد قدري ، وبعد أربعة أشهر غادر الإسكندرية إلى لندن لدراسة اللغة الإنكليزية وآدابها ، فمكث فيها ثلاث سنوات حصل في نهايتها على شهادة عُليا تعادل الدكتوراه . وفي عام 1929 عاد إلى دمشق مٌشتاقاً لها ولغوطتها الغنّاء .
    حين استقرّ به المقام في دمشق عُيِّنَ مساعداً لرئيس الأدب العربي في " الكلية العلمية الوطنية " وبقي فيها تسع سنوات ( 1929 ـ 1938 ) ألّف خلالها سلسلة " أئمّة الأدب العربي " نشر منها خمسة أجزاء هي : الجاحظ ، ابن المقفّع ، ابن العميد ، الصاحب بن عباد , الفرزدق .
    في عام 1933 أصدر مع الدكاترة جميل صليبا وكامل عياد وكاظم الداغستاني مجلة : "الثقافــة" فعاشت سنة واحدة . وفي عام 1941 انتخبَ أمين سر عام للمجمع العلمي العربي فعمل مع رئيسه محمد كرد علي بمنتهى الإخلاص والانسجام والصفاء ، وفي عام 1942 عُيِّنَ وزيراً للمعارف والشؤون الاجتماعية لكنه لم يلبث أن عاد إلى الأدب والبحث في كتب التراث العربي فأنجز :
    ديوان ابن عنين عام 1946 وديوان علي بن الهجم عام 1949 وديوان ابن حيوس عام 1951 وديوان ابن الخيّاط عام 1958 ووضع لكل ديوان مقدّمة في حوالي خمسين صفحة .
    بعد أن عمّت شهرته العالم العربي وأوروبا ، تهافتت عليه المجامع اللغوية تطلب منه قبول عضويتها ، فانتخبه مجمع اللغة العربية بمصر عضواً عام 1948 ، والمجمع العلمي العراقي عضواً عام 1949 ، ودائرة المعارف الإسلامية للمستشرقين عضواً في تحريرها عام 1951 ، ومدرسة الدراسات الشرقية بلندن عضواً عام 1951 ومجمع البحر المتوسط في مدينة "باليرمو Palermo " بإيطاليا عضواً عام 1952 ، والمجمع العلمي السوفياتي عضواً عام 1958 .
    في عام 1951 عُيِّنَ وزيراً مفوّضاً في السفارة السورية ببغداد ، فتحوّلت السفارة خلال السنوات الثلاث التي قضاها هناك إلى منتدى أدبي للطبقة العالية من رجال الفكر والسياسة والأدب ، بعدها استدعته الحكومة السورية عام 1953 ليتسلّم وزارة الخارجية ، وانتخب عام 1953 رئيساً للمجمع العلمي العربي بدمشق بعد وفاة مؤسسه محمد كرد علي .
    بلغ خليل مردم بك أعلى ما يطمح به عالم وأديب ، ثم اعتزل السياسة والناس والاجتماعات إلاّ ما دعت الضرورة القصوى إليه حتى أنس بهذه الوحدة واطمأنّ إليها ليتفرّغ إلى الأدب حيث اقتصر في أواخر حياته على التنقّل بين المجمع العلمي وداره القريبة منه مختاراً الطريق الأقصر والبعيد عن الزحام .
    لكن القدر كان له بالمرصاد فاعتلّت صحته وحدّت من نشاطه إثرَ مرض لازمه شهوراً إلى أن توفي يوم الثلاثاء في 21 تموز 1959 ، ودُفِنَ في مقبرة ( الباب الصغير ) بدمشق .
    كان لنشأة خليل وحياته مع عائلته الميسورة مادياً والعزلة التي رغبها سبباً في تهيئة تقافته الذاتية ، وكان طبيعياً أن يستمدّ من الأدب العربي القديم ـ نثره وشعره ـ نسغ شاعريته ، وعناصر طريقته الشعرية ، فهو كما يقول الدكتور إبراهيم الكيلاني :" لم يتأثر بأي ثقافة أو فكر أجنبيين ، ولم يذهب إلى لندن للدراسة إلا بعد أن تحدّدت شخصيّته نهائياً ، ولم يقرأ نتاج الفكر الأوروبي ، وكان بحكم محافظته لا يحب الأجانب ، ولا يعجب بثقافتهم أو لغاتهم أو آدابهم ، وهو مثال واضح للأديب العربي المحافظ التقليدي" . تأثر خليل وأُعْجِبَ بالبحتري إلى حد بعيد لأنه زعيم الطريقة الشامية التي تقوم على الوصف أوّلاً ، ولأن أسلوبه يقوم على العناية بالموسيقا والديباجة وأحكام الصنعة والاهتمام باللفظ دون الغوص في المعاني المُبتكَرة والأفكار المُختَرعَة ثانياً ، وقد سألة الشاعر حافظ إبراهيم :" مَن تُفَضّل من الشعراء : أبا تمّام أم البحتري أم المتنبي ؟ فأجاب دون تردّد : البحتري ". فكان في نظره مقياساً للجودة فسلك سبيله وتأثّر في خطاه . لم يكن شاعراً صخّاباً ولا قائد جماهير فإن قارئ شعره يجد كيف تدرّج هذا الإنسان الهادئ من موضوعات المناسبات التي عجّت في صدره إبان صباه وإقباله على الحياة إلى شعر أوسع آفاقاً ، يجمع الفلسفي والاجتماعي والسياسي والقومي . كان شاعراً مُرهَفاً وطنياً مُخلِصاً لعروبته وأديباً تعمّق في دراسة تاريخ أدبنا العربي وبحاثة حقّق ونشر جملة من المخطوطات النفيسة ، وإدارياً برزت مواهبه في السفارة والوزارة ، وكاتباً فحلاً لم يرعف قلمه إلاّ لغير العربية والعروبة . فكانت شخصيّته تتميّز : بهدوء الطبع وسماحة النفس وصلابة الإرادة وقوة الإصرار .
    وتكريماً لأعماله الأدبية والوطنية فقد أقامت له وزارة الثقافة والإرشاد القومي يوم الخميس في 10 آذار 1960 حفلة تأبين على مدرّج جامعة دمشق شارك فيها أدباء وشعراء من سورية والوطن العربي مع أسرة الفقيد (4) ألقوا فيها كلمات وقصائد ، ذكروا فيها ما يستحق هذا الأديب والشاعر والوطني كل تقدير وإجلال . وهو الذي نظم كلمات النشيد الوطني لسورية .
    مــؤلّفاتــه :
    ـ ديوان خليل مردم بك : طبع عام 1960 بعد وفاته .
    ـ شعراء الشام في القرن الثالث الهجري( العتابي ، ديك الجن الحمصي ، أبو تمام ،البحتري)
    ـ شعراء الإعراب : وقد ضم أربعين شاعراً من شيوخ العربية ورواد فقه اللغة منــهم :
    النابغة الشيباني ، مالك بن الريب ، بيهس الجرمي ، أبو نخيلة ، جرير ، مزاحم العقيلي ،
    ميسون بنت بحدل الكلبية زوجة معاوية وأم يزيد .
    ـ الشعراء الشاميون : ضم هذا الكتاب سبعة من شعراء الشام الذين عاشوا في عصـــور
    مختلفة : الطرماح بن عدي ، ابن حيوس ، ابن الخياط ، ابن عنين ، عبد الملك بن عبد
    الرحيم الحارثي ، الوليد بن يزيد ، عدي بن الرقاع .
    ـ سلسلة أئمة الأدب العربي : صدر منها : الجاحظ ، إبن المقفّع ، إبن العميد ، الصاحب ،
    الفرزدق .
    ـ دمشق والقدس في العشرينات : ضم مجموعة من المقالات التي نشرها الصحف والمجلات
    في عشرينات القرن الماضي .
    ـ الشاعر أبو نواس .
    ـ الشاعر ابن الرومي .
    ـ يوميات الخليل
    ـ رسائل الخليل الدبلوماسية .
    ـ محاضرات الخليل في الإنشاء العربي .
    ـ جمهرة المغنين .
    ـ الإعرابيات .
    ـ مجلة الرابطة الأدبية 1921
    ـ مجلة الثقافة 1933
    مقتطفات من أعمـاله :
    1 ـ تعبيراً لوطنيته وعروبته فقد نظم كلمات النشيد الوطني لسورية ولحّنه : محمد فليفل :
    حُمــاة الديــارِ عليــــكم ســلام ***** أبت أن تذِلَّ النفـــــــوسُ الكرام
    عرين العـــروبة بيتٌ حَــــرام ***** وعرش الشموسِ حِمىً لا يُضام
    ربوع الشـــآمِ بروجُ العُـــــــلا ***** تُحاكي السماءَ بعــــــــالي السَّنا
    فأرضٌ زهتْ بالشّموسِ الوِضا ***** سماءٌ لَعَمْـــرِكَ أو كالسَـــــــــما
    رفيفُ الأماني وخَفقُ الفـــــؤادْ ***** على علَمٍٍ ضـمَّ شَمْلَ البــــــلادْ
    أما فيهٍ منْ كُلِّ عينٍ ســـــــوادْ ***** ومن دمِ كُلِّ شَــهيدٍ مِــــــتتداد ؟
    نفــوسٌ أُباةٌ وماضٍ مجيـــــــدْ ***** وروحُ الأضــاحي رقيـبٌ عَتيـدْ
    فمِنّـَا الوليـدُ ومِنّـَا الرَّشيــــــدْ ***** فلـِمَ لا نَســـــــودُ ولِـمَ لا نُشيدْ ؟
    2 ـ لما عاد إلى دمشق مُشتاقاً لها ولغوطتها قال :
    تلاقوا بعد ما افترقوا طويلاً ***** فما ملكوا المدامع أن تسيلا
    بقيــة فتنة لم تبـقِ منــــــهم ***** صروف زمانهم إلاّ قليـــلا
    دمشق ولست بالباغي بديلا ***** وعن عهد الأحبة لن أحولا
    ذكرتك واللهيب له وميـض ***** ينشر من شائقـه ذيـــــــولا
    3 ـ لم يترك نازلة بالأمة والأرض العربية ألاّ وجدت أصداءها في حنايا قلبه فقال
    في معركة ميسلون :
    مصيبة ميسلون وإن أمضّت ***** أخف وقيعة مما تــــلاها
    فما من بقعة من دمشـق إلاّ ***** تمثل ميسلون وما دهاها
    فسـل عما تصبب من دماء ***** تخبرك الحقيقة غوطتاها
    ولم أر جنــة أمســى بنوها ***** وقود النار فائرة ســواها
    عبدناها نعيمـاً أو جحيمـاً ***** وألهمت النفوس بها هداها
    4 ـ ويلوي على فلسطين فيقول :
    ياليت شعري ماذا يستفــــــزّكم ***** حمى مبــــــاح واذلال وافقــار
    أرى الحجارة أحمى من أنوفكم ***** كم ارسلت شرراً بالقدح أحجار
    إخوانكم في فلسطين تنــــــالهم ***** بالسوء والعسف أنياب وأظفـار
    5 ـ كان دقيق الملاحظة في تصوير الطبيعة ومخلوقاتها كما في قصيدته ( الفراشتان ):
    الناظرين تسـرّ فراشتــــان ***** بـروض ناعــم تتغـــــــــازلان
    تبرّجتــا بنفض من ســـواد ***** على أعطـاف حلة أرجـــــوان
    تحيــّرتا هنا وهناك طيشــاً ***** كما في الريح حارت ريشتــان
    وضمت من جناحيها فكانت ***** كعرف الديك أو حرف السنـان
    ودومتا صعوداً أو هبـــوطاً ***** كأنــهما هنـالك معـــــــــــزلان
    فما يرتدّ طـرف العـــتين إلاّ ***** دراكاً تعــلوان وتهـــــــــويان
    6 ـ وبعد أن انطوى على نفسه وتراءت له الدنيا على حقيقتها فرآها دار همٍّ وفجائع
    وأحزان فقال :
    ولم أر كالدنيا ولا مثل شأنــها ***** على كل حال دار هم وأحزان
    فجعت بنفسي إن تراءت منيّتي ***** وإن مدّ بعمري فجعت بخلاّني

    15/10/2010 المهندس جورج فارس رباحية

    المفــردات :
    (1) ـ مصطفى لالا باشا : كان وزيراً ومربياً لأولاد السلطان ثمّ والياَ على دمشق 1563 ـ 1569 وهو صاحب جامع مصطفى لالا باشا الأثري المشهور بدمشق
    ومما يُنسَب لهذه العائلة من معالم دمشق الأثرية ( خان مردم يك ) الذي كان قائماً
    في العهد العثماني و(خان مصطفى لالا باشا) الذي كان قائماً في سوق الهال القديم
    ثم هُدِمَ عام 1928 . وهو فاتح قبرص .
    (2) ـ أدباء الرابطة الأدبية : خليل مردم بك ، محمد الشريقي ، سليم الجندي ، قبلان
    الرياشي ، الشمّاس أبيفانيوس زائد ، عبد الله النجار ، نسيب شهاب ، مـاري
    عجمي ، نجيب الريس ، سيمون لويس ، ميشيل سعد ، فيليب سعد ، إبراهيم
    حلمي ، حبيب كحالة وغيرهـــم .
    (3) ـ أدباء الرابطة القلمية في نيويورك : نسيب عريضة ، جبران خليل جبران ،
    ميخائيل نعيمة ، ندرة حداد ، عبد المسيح حداد ، رشيد أيوب ، إيليا أبو ماضي
    أمين الريحاني ، وليم كاتسفيلد .
    (4) ـ الأدباء الذين شاركوا في حفلة التأبين :
    1 ـ الدكتور إبراهيم الكيلاني : مدير التأليف والترجمة في وزارة الثقافة
    2 ـ الأمير مصطفى الشهابي : رئيس المجمع العلمي العربي
    3 ـ الدكتور حكمة هاشم : مدير جامعة دمشق
    4 ـ الشيخ محمد بهجة الأثري : عضو المجمع العلمي العراقي
    5 ـ محمد الشريقي : سفير المملكة الأردنية الهاشمية بالقاهرة
    6 ـ محمود تيمور : عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة
    7 ـ الدكتور جميل صليبا : عميد كلية التربية بجامعة دمشق
    8 ـ الشاعر القروي ( رشيد سليم الخوري )
    9 ـ نجله عدنان مردم بك : عن أسرة الفقيد

    المصـــادر والمراجــــع :
    ـ وزارة الثقافة والإرشاد القومي : كتيّب حفل تكريم خليل مردم بك 1960
    ـ مجلة الموقف الأدبي العدد 261 سنة 1993
    ـ المعرفة : الموسوعة الحرة لخلق وجمع المحتوى العربي
    ـ هؤلاء حكموا سورية : د سليمان المدني 1996
    ـ شعراء سورية : أحمد الجندي 1965
    ـ مواقع على الإنترنت :

    مُساهمة الأربعاء 2 أبريل 2014 - 3:07 من طرف waell

    المهندس جورج فارس رباحية  - صفحة 2 Empty من طرف المهندس جورج فارس رباحية أمس في 10:09 am


    ــــعراء الصعاليك
    المهندس جورج فارس رباحية  
      الصعلكة في اللغة : هي الفقر ، والصعلوك جمع صعاليك : الفقير ، وصعاليك العرب هم لصوصهم وفقراؤهم .
    قال حاتم الطائي وهو يعني الفقر والغنى :
    غنينا زماناً بالتصعلك والغِنى  *****  فكلا سقاناه بكأسيها الدهر
    وقال الأعشى :
    على كل أحوال الفتى قد شربتها  *****  غنيّاً وصعلوكاً وما إن أقاتها
    ويقول جابر بن ثعلبة الطائي :
    كأن الفتى لم يَعْرَ يوماً إذا اكتسى  *****  ولم يك صعلوكاً إذا ما تموّلا
    فالنصوص التي ذكرناها ، لا تدع مجالاً للشك في أن الصعلكة هي الفقر ، وإن كانت دلالـــــــة الكلمة قد تطوّرت ، فأطلقت أيضاً على الفقـــــر المقترن بحس مرهف وإدراك لمـــا بينهم وبين الأغنياء من فوارق ، جعلهم هذا يدركون آلامهم النابع من خلاء أيديهم من المال ، وعجزهم عن الحياة التي يشتهون .
     إن الصعاليك لم يجدوا غضاضة في غاراتهم على أموال الأغنياء البخلاء ، بل اعتـقدوا أنهم على الحق قيما يفعلون ، لأنهم يكفلون لأنفسهم وللضعفاء من إخوانهم أسباب الحياة . فنزعاتهم تتضح في عدة مظاهر :
    1 ـ كراهية الأغنياء البخلاء ، والسطو على أموالهم ن أما الأغنياء الكرماء فإنهم لا يقربون  أموالهم .
    2 ـ المساواة في الغنائم ، لأنهم كانوا يقتسمون ما يغنمون ، وكانوا يتساوون في القسمة ، فلا يختص رئيسهم نفسه بنصيب أكبر من غيره .
    3 ـ كانوا ذوي نجدة وعطف على الفقراء العاجزين عن الكسب والغارة ، فكانوا يعطوهم من الأسلاب أنصبة مثل أنصبتهم .
    4 ـ أغلب أعمال الغزو والسطو كانوا ينفذّونها ليلا . وقصائدهم كانت تشير إلى ذلك .

    5 ـ لم يجدوا عيباَ في عملهم ، بل إنهم فاخروا به ، ورأوه نوعاً من الفتوة والقصـــــاص من البخلاء ن والاشتراكية القسرية ، والتضامن الاجتماعي .
     لهذا كان الصعاليك يعدّون أنفسهم أحسن حالاً من الحاكم المرتشي ومن القاضي الذي يأكل أموال اليتامى . أم أدبهم فيمتاز بعدّة خصائص :
    1 ـ أنه يُصَوّر ضرباً من الأخلاق والنزعات لا نجده في غيره .
    2 ـ شعرهم يصوّر نفسياتهم وأعمالهم ، فهو صدى للواقع .
    3 ـ يتميّز شعرهم بوحدة الموضوع ، فليس فيه مقدّمات تمهيدية من غزل وبكاء أطلال ووصف لرحيل أو رواحل أو استطراد لموضوع آخر .
    4 ـ أكثر شعرهم مقطعات لا قصائد ، ولعل مردّ هذا إلى أنهم ذوو خفة وسرعة واختلاس ، لم يألفوا التمهّل والتروّي والتنميق ، فجاء شعرهم صورة من حياتهم .
    5 ـ ليس في شعرهم غزَل ، وكيف يتغزّل مَنْ يقضي نهاره يترقّب ، وليله يترصّد ، ولا يستقرّ في مقام .
    6 ـ يكثرون من توجيه الخطاب في شعرهم إلى زوجاتهم .
     إن شعراء الصعاليك هم كُثّرْ في العصرين الجاهلي والإسلامي ،واشتــهر منهم في الجاهلية : عروة بن الورد ـ تأبّط شراً ـ الشنفري ـ السليك بن السلكة ـ عمرو بن براقة . وفي الإســــلام : الأحيمر السعدي وغيرهم  وقد عُرِفوا جميعاً بسرعة الحركة والخفّة والعدو والخبــــرة بدروب الصحراء . ونورد أدناه موجز عن بعضهم :
    1 ـ عروة بن الورد ( ت 616 ) م  :
        هو عُرْوَة بن الوَرْدْ بن زيد وقيل بن عمرو بن زيد بن عبد الله بن ناشب بن هَرِم بن لـــديم بن عود بن غالب بن قطيعــــة بن عبس بن بغيض بن الرّيث بن غطفــــان بن سعد بن قيس بن عيـلان بن مُضَر بن نزار . هو شاعر من شعراء الجاهلية وفارس من فرسانها وصـــعلوك من صعاليكها المعدودين المقدمين الأجواد ، وكان نصرانياً ولُقِّبَ بأمير الصعاليك لأنه كان يجمعهم ويقوم بأمرهم إذا أخفقوا في غزواتهم . قال عبد الملك بن مروان : مَنْ قال إن حاتِماً ( حاتــــــم الطائي ) أســمَحَ النّاس فقد ظلَم عروة بن الورد .
    ـــ لم يكن جودُه بمقصورٍ على الصعاليك ، وإنما كان يتناول المَرضى والضعفاء ، وكل ضيفٍ أتاه ، فقد كان بيته بيتَ الضيف وفراشُه فراشَه كما قال :  
    فِراشي فِراشُ الضّيفِ والبيتُ بيتُه ،  *****  لم يُلهِني عنهُ غــــزالٌ مُقنَّعُ
    أحَدّثهُ ، إنّ الحــــديثَ من القِــرى ،  *****  وتعلمُ نفسي أنّهُ سوفَ يَهجَعُ
    ـــ وهذا عروة يصف ليله القاسي :
    لحا الله صعلوكاً إذا جنّ ليله  *****  مصافي المشــاش آلفا كل مجزرِ
    ينام عشاء ثم يُصبح ناعســاً  *****  يحتّ الحصى عن جنبه المتعفّرِ
    ـــ قيل أن عروة بلغه عن رجل من بني كنانة يُدعى ابن كنانة أنه من أبخل الناس وأكثرهم مالاً   فبثَّ عليه عيوناً فأتوه بخبره ن فشدّ على إبله ن فاستقاها ثم قسمها في قومه ، فقال :
    ما بالشراءِ يسود كل مُسَـــــوَّدٍ ،  *****  مثرٍ ، ولكنْ ، بالفِعالِ ، يسودُ
    بل لا أكاثِرُ صاحبي في يُسْرِهِ ،  *****  وأصُدُّ إذ في عيشهِ تصــــريدُ
    فإذا غنيتُ ، فإنّ جــــــاري نيلُهُ  *****  من نائلي ، وميسري معهــودُ
    وإذا افتقرتُ ، فلن أرى متخشعاً  *****  لأخي غِنى ، معروفه مـكدودُ
    ـــ من أجْلِ الأبيات التالية التي قالها عروة بن الورد ، قال عبد الملك بن مروان عن عروة : ما يسرّني أن أحداً من العرب ممن ولدني ، لم يلدني ، إلاّ عروة بن الورد :
    إني امرؤ عافى إنائي شـركةٌ ،  *****  وأنتَ امــــرؤ عـــافى إنائك واحــــدُ
    أتهزأُ مني أن سمنتَ وأن ترى  *****  بوجهي شحوب الحقِّ ، والحقّ جاهدُ
    أقسم جسمي في جسوم كثيرة ،  *****  وأحســــو قراحَ المـاء ، والماءُ باردُ  
    ـــ والأبيات التالية التي قالها عروة تحمل في طيّاتها فلسفته في الحياة وضرورة الســير في بلاد الله ، خلق الله ، من أجل الثراء والغنى ، بدلاً من شكوى الفقر ، أو الطلب من الذين لا يُثمر فيهم المعروف أو الخير :
    إذا المرءُ لم يطلبْ معاشــــاً لنَفْســــهِ ،  *****  شكا الفقرَ ، أو لامَ الصديق ، فأكثرا
    وصارَ على الأذنين كلاً ، وأوشــــكتْ  *****  صِــــــلاتُ ذوي القربَى له أن تنكرا  
    وما طالبُ الحاجات ، من كلّ وجهةٍ ،  *****  من النـــاس ، إلاّ من أجدَّ وشـــــمّرا
    فســـر في بــــلاد الله ، والتمس الغنى  *****  تَعِش ذا يسارٍ ، أو تموت فتعــــــذرا
    2 ـ الشنفري (  ت 554 ) م :
       هو ثابت بن أوس الأزدي يمني الأصـــــل شاعر جاهلي قحطاني وقيل أنه من بني الحارث بن ربيعة ، والشنفري هو لقبه ويعني غليظ الشفتين وهو من أعــــدى العدّائين العرب الذين لم تلحقهم الخيل وجرى المثل بالـنفري فقيل : أعدى من الشنفري ، وهو خال تأبّط شـــراً وقيست قفزاته ليلة مقتله فكانت الواحدة منها حـوالي عشــــــرين خطوة  . قيل أنه نشــــأ في قوم الإزد فأغاظوه فهرب إلى بني ســلامان وعن مقتله هناك عدة روايات عن سببها ، إحـداها تقول: أن الشنفري قال يوماً لابنة مولاه أن تغسل رأسه فلطمته فأضمر الشر لبني سلامان وحلف أن يقتل منهم مائة رجل وبالمختصر فقد غزاهم وقتل 99 رجلاً فقتلوه وصـــــلبوه وبقي عاماً أو عامين مصلوبا ، وبقي على ما نذر رجل واحد ، فجـــاء رجل من بني سلامان كان غائبـــاً عن تلـــك الأحداث فمرّ به وركل رأس الشنفري برجـــله فدخل فيها قطعة من عظم رأسه فهاجت عليـــه رجله فمات على الفور ، فعاش هذا الرجل تمام المــائة . وهو صاحب (لامية العرب ) الشهيرة ومطلعها :
    أقيموا بني أمي صدور مطيّكم  *****  فإني إلى قوم سواكم لأميل
    3 ـ تابّط شـــرّاً ( ت 530 ) م :
      هو ثابت بن جابر بن سفيان بن عَمَيْثَل بن عدي بن كعب بن حَزن وقيلَ حَرُب بن تَيْم بن سعد بن فهم بن عَمرو بن قيس بن مُضَر بن نزار ، أبو زهير ، الفهمي ، أمّه أميمـــة من بني القَيْن ، بطن من فَهْم ،ولدت خمسة أولاد : تأبّط شراً ، وريش لَغْب ، وريش نَســـر و وكعب جَدَر ، ولآ بواكي ، وقيل أنها ولدت سادساً اسمه عمرو .كان ثابت من شـعراء الجاهلية الصعاليك ، وهناك عـدة روايات عن سبب تسميه بتأبّط شراً منها أنه يوماً أخذ سيفاً تحت إبطه وخرج من بيته فجاء مَنْ سأل عنه أمّه فقالت : تابّط شرّاً وخرج . كان كثير الغارات ، سريع العدو ، كان من أسرع العدّائين فإذا جاع كان يجري خلف الظباء فيأخذ واحداً منها فيذبحه ثم يشويه ويأكلـــه ، تكوّنت عنه الأساطير من فُتّاك العرب في الجاهلية  شعره قوي الملاحظة ، دقيق الوصــــف ، بـديهي العاطفة ، ساذج الحكمة . قُتِلَ في بلاد هذيل وأُلقي به في غار يُقال له رخمان . وهذا تأبّط شراً يصف ليل الصعاليك :
    قليـــــل غرار النـوم أكبر همّه  *****  دم الثـــأر أو يلقى كميـــا مقنعــــا
    يبيت بمغنى الوحش حتى ألفنه  *****  ويصبح لا يحمي لها الدهر مرتعا
    4 ـ السُليّك بن السلكة (توفّي 606 ) م :
      هو السُلّيك بن عمير بن يثربي بن سنان السعدي التميمي من بني مقاعس ، شــــاعر أســــود ، عدّاء ، يُلَقّب بالرئبال ( الأسد ) والسلكة هي أمّه أمَة سوداء كانت شاعرة وشعرها أشــعر من شعر ابنــها ، كان أعرف الناس بالأرض وأعلمهم بمسالكها . كان يغير على اليمن فإذا لم يتمكّن أغار على ربيعة . قتله أسد بن مدرك الخثمي ، وقيل قتله يزيد بن رويم الذهلي الشيباني . كــان السليك يصف ليله بدون اهتمام للنوم ولا يُغريه الليل ولا القمر فيقول :
    إني لتارك هامات بمجزرة  ***** لا يزدهيني سواد الليل والقمر  
    5 ـ عمرو بن بَرَاقَة ( توفي 634 ) م :
       هو عمرو بن الحارث بن عمرو بن منبه البنهمي من همدان ويُعْرَف بعمرو بن بَرَاقَة وهي أمّه ، ويثعْرف أيضاً بعمرو بن براق ، شاعر همدان له أخبار في الجاهلية . عـــاش إلى خلافة عمر بن الخطاب ( 634 ـ 644 ) م . قال الكلبي : أذِنَ عمر للناس فدخل عمرو بن براقة وكان شيخاً كبيراً يعرج . له قصيدة تعتبر من أشهر أشعار الصعاليك التي يقول فيها :
    متى تجمع القلب الذكي وصارما  *****  وأنفا حميماً تتّقيك المظالم
    6 ـ خفاف بن ندبة ( توفي 640 ؟ ) م :
       هو خفاف بن عمير بن الحارث بن عمرو ( الشريد ) بن قيس بن عيلان السلمي ، أخذ نسبه من أمّه ندبة بنت شيطان ، وكانت سوداء سباها الحارث بن الشريد حين أغارعلى بني الحارث بن كعب ن فوهبها لابنه عمير فولدت له خفّافاً . يُكَنّى بأبي خُراشة ، وهو ابن عم الشـــــــاعرة الخنساء . كان من فرسان العرب المعدودين ، وقد روي عن الأصمعي قوله : خفّاف ودريد بن الصمّة أشعر الفرسان . ادرك الإسلام فأسلم ، شهد فتح مكة وغزوة حنين والطائف ومـــدح أبو بكر الصديق . رُوِيَ أن خفّاف ومعاوية بن الحارث بن الشريد أغارا على بني ذبيان يوم حوزة فلما قتلوا معاوية بن عمرو قال خفّااف : والله لا أريم اليوم أو أقيد به سيدهم فحمل على مالك بن حمار الشخين وهو يومئذ فارس بني فزارة وسيدهم فقتله وقال :
    فإن تك خيلي قد أصيب
    صميمها فعمداً على عيني تيممت مالكا
    أقول له والرمح يأطر متنه
    تأمل خفافاً إنّني أنا ذلكا
    7 ـ قيس بن الحدادّيــة ( 612 ؟ ) م :
       هو قيس بن منقذ بن عمرو السلولي ، من بني سلول بن كعب من خزاعة . كان شجاعاً فتاكاً كثير الغارات ، تبرّأت منه خُزاعة في سوق عكاظ وأشهدت على نفسها أنها لا تحتمل جريرة لهُ ولا تُطالب بجريرة عليه فَنُسِبَ إلى أمّه وهي من بني حِداد من ( محارب ) ، وقال المرزباني : إنه من بني الحُداد من كنانة . شِعْره من الطبقة الثانية في عصره . كان يهوى أم مـــــالك بنت ذؤيب الخزاعي وَلَهُ فيها شِعْر بديع الصنعة . قتله بعض بني مزينة في غارة لهم .
    8 ـ الأُحيمَر السعدي ( توفي 787 ) م :
       هو الأحيمر بن فلان بن الحارث بن يزيد السعدي ، من سعد بن زيد مناة بن تميم , شاعر من مخضرمي الدولتين الأموية  ( 660 ـ 750 ) م والعباسية ( 750 ـ 1258 ) م كان لصاً فاتكاً مارداً من أهل بادية الشام ، وهو صاحب البيت السائر على كل لسان :
    عَوى الذِئبُ فاستأنَسْتُ بالذئب إذ عوى  *****  وصَوَّتَ إنســـــانٌ فَكِدتُ أطيـــرُ
    يــــرى اللهُ إنّــــي للأنــــيسِ لَكَــــــارِهٌ  *****  وِتَبْغِضُهُم لي مُقلَـــــةٌ وضــــميرُ
    فَلِلَّيــــــلِ إن وارانــــــي اللَّــــيلُ حكمُهُ  *****  وِللشَمْسِ إن غـــــابَت عليَّ نُذورُ
    وإنـــــــي لأَســــــتحي مِنَ اللهِ أن أُرَى  *****  أُجَرِّرُ حَبْــــلاً ليسَ فيــــه بعـــيرُ
    وأن أســـــــألَ المــــــرْءَ اللئــ يمَ بَعيرَهُ  *****  وَبَعرانُ رَبِّــي في البــــلاد كثيرُ
    معي فِتْيــــــةٌ بيضُ الوجــــوهِ كأنّهــــم  *****  على الرَحلِ فَوقَ الناعجاتِ بُدورُ
    أيا نخـــــلات الكَـرمِ لا زالَ رائِحــــــاً  *****  عَلَيكُــــــنَّ مَنْــــــهَلُّ الغَمَامِ مَطـيرُ
    9 ـ مالك بن الريب (         ) م :
       هو مالك بن الرّيب بن حَوْط بن قُرْط بن حُسَيْل ( أو حِسْل )بن ربيعة بن كابية بن حُرقُوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم .وأمّه بنت سنيح بن الحرّ بن ربيعة بن كابية بن حرقوص بن مازن . يقول  القني في وصف مالك : ( وكان مالك بن الريب فيما ذُكِر من أجمـــل العرب جمالاً ، وأبينهم بياناً فلما رآه سعيد بن عثمان بن عفان واللي خراسان أُعجبَ يه ) .
      نشأ مالك في بادية تميم بالبصرة في أول الدولة الأموية ( 660 ـ 750 ) م فمسـرحه الأول كات البادية وحريّتها التي فهمها بطريقة البدوي الذي لا يجد حداً يوقفها وكانت السبب الرئيسي في لصوصيّته وتزعمه مجموعة من اللصوص سارت على هواه في تحقيق رغبته ورغباتهم . كان لصاً فاتكاً يُصيب الطريق مع شظاظ الضبي الذي يُضرب به المــــثل ( ألصُّ من شظاظ ) .هرب من الحجاج بن يوسف الثقفي لأنه هجاه ، فآمنه بشر بن مروان واســـــتصحبه سعيد بن عثمان بن عفان والي خراسان . اتصفت شخصيّته بالشجاعة والثبات بالمعركة فهو خبير بفنون القتال يعطف بالخيل عندما يثدبر الآخرون ، يُنجِد المستغيث ، كل تلك الصفات يُقابله ضـــعف وًرِقّة أمام أبناء العم والجيران  ، وهذا ما ظهر في يائيّه المشهورة :
    ألا ليْتَ شِــــــعْري هَـــــــل أبِيتَنَّ ليلًــــةً *****  بجنبِ الغَضا أزجي القِلاصَ النَواجيا
    فًليْتَ الغضا لم يقطـــعِ الرّكبُ عَرضَـهُ  *****  ولَيتَ الغَضـــا ماشى الرِّكــــابَ لياليا
    ولَيْتَ الغضا والأثـــــــلَ لم ينبُتا مــــعاً  *****  فأنّ الغضــــا والأثـــــلَ قد قَتَـــــلانِيا
    وقد كـــنت عطــــافاً إذا الخيــل أدبرت  *****  سريعاً إلى الهيجا إلى مَنْ دعــــــانيا
    وقد كنت صبّاراً على القرن في الوغى  *****  وعن شتمي ابن العم والجار وانيــــا
    إن الله يرجعنــــي من الغــــزو لا أرى  *****  وإنْ قلّ مـــالي طــــالباً ما ورائيــــا
    تقــــول ابنتي لما رأت طــــول رحلتي  *****  ســـــفارك هذا تاركـــي لا أبً ليــــا
    لعمري لئن غــالت خراســـــان هامتي  *****  لقد كنت عن بابأأأي خراســــان نائيا
    فإن أنج من بـــابي خراســـــان لا أعد  *****  إليـــها وإن منيتــــــــموني الأمــــانيا
    تذكّــــرت من يبكي علــــي فلم أجــــد  *****  سوى السيف والرمـــح الرديني باكيا
    وأشـــــقر محـــــبوكاً يجــــرّ عنــــانُه  *****  إلى الماء لم يترك له المـــوت ســاقيا
    ولكن بأطـــــــراف الســــــمينة نسوة  *****  عزيز عليهـــنّ العيشــــــة ما بيـــــــا  
    يقول الأصفهني عن موت مالك : ( مرض مالك بن الريب عند قفول ســــــعيد بن عثمان من خراسان في طريفه ، فلما أشرف على الموت ، تخلّف معه مُرَّة الكاتب ، ورجل من قومه من بني تميم وهما اللذان يقول فيهما :
    أيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا  *****  برابية إنّي مُقيمٌ لياليا
    وبعضهم يقول أنه مات في غزو مع سعيد ويقول آخرون أنه مات في خان فرثته الجن لما رأت من غربته ووحدته .
    10 ـ شِظاظُ الضَّبّيُّ (         ) :  
      هو شظاظ الضبيّ ، مولى لبني تميم . كان أخبث الشعراء اللصوص مع أبو حردبة وغويث الذين كانوا مع مالك الريب . كانوا يجتمعون ويتحدّثون عن أعجب ما فعلوه وأخذوه ورأوه في أعمالهم اللصوصية . قال أبو الهيثم في كتاب الأغاني : ( ..... ثمّ صَلبَ الحجّاج رجـــــلاً من الشراة بالبصرة ، ، وراح عشيّاً ، لينظر إليه ، فإذا برجلٍ بإزائه مُقبلٌ بوجهه عليه ، فدنا منه ، فسمعه يقول للمصلوب : طال ما ركبتَ فأعقبْ ، فقال الحجّاج : من هذا ؟ قالوا : هــذا شِظاظ اللّص ، قال : لا جَرَم ! والله ليُعقبنكَ ، ثم وقف ، وأمر بالمصلوب ، فأُنزِل ، وصَـــلَبَ شِظاظ مكانه ) فكانت هذه نهاية شِظاظ . وبالنسبة إلى شِعْرِه نذكر هذه الأبيات :
    مَنْ مُبْلِغٌ فِتيانَ قومي رِسـالةً  *****  فلا تَهْلِكُـــــوا فَقْــــراً عِرْقِ ناهِقِ
    فإنّ به صَيْداً عَزيزاً وهَجْمَةً  *****  طِــــوالَ الهوادي بائناتِ المرافقِ
    نجائبَ عِيْدِيَّ يكونُ بُغــــاؤُهُ  *****  دُعاءً وقدْ جاوَزْنَ عُرْضَ الشَّقائقِ
    11 ـ أبو حَرْدَبَة (          ) :
      هو أبو حردبة ـ أحد بني أثالة بن مازن . يذكر صاحب الأغاني خبراً له مع مالك بن الرّيب يقول : ( وكان السبب الذي من أجله وقع مالك بن الريب إلى ناحية فارس ، انه كـــان يقطـــع الطريق هو وأصحابٌ له ، منهم : شِظاظ وأبو حربة وغويث ، فساموا الناس شراً ، وطلبـــهم مروان بن الحَكَم ، وهو عامل على المدينة ، فهربوا فكتبَ إلى الحارث بن حاطب الجمحي ، وهو عامله على بني عمرو بن حنظلة يطلبهم ،فهربوا منه ..... ) . ومن شعره قال :
    فَهَلِ الإلهُ يَشِيْعُني بفوارسٍ  *****  لِبَني أُميّةَ في سَرارِ جَمِيرِ
    12 ـ يَـعْـلَى الأحول الأَزْدِيّ (         ) :
       هو يعلى الأحول بن مُسلم بن أبي قيس الزدي ، أحد بني يشـكر بن عمــــــرو بن رالان ، ورالان هو يشكر ــ ويشكر هو لقبه ــ بن عمران بن عمرو بن عدي بن حــارثة بن لوذان بن كهف الظلام بن ثعلبة بن عمرو بن عامر . كان لصّاً فاتكاً خراباً خليعاً ، يجمع صعاليك الأزد وخلعاءهم ، فيغيرون على أحياء العرب ويقطع الطريق على السابلة فشكوا إلى نافع بن علقمة وكان والي مكة فطلب من عشيرته إحضاره فلما أتوا به ، قيّده وأودعه السجن . ومن شِعْره :
    ألا ليتَ حاجاتي اللّواتي حبسْنني  *****  لدى نافعٍ قُضِّينَ منذ زمـانِ
    ومــا بي بُغْضٌ للبــــلادِ ولا قِلًى  *****  ولكِنَّ شوقاً في سواه دعاني
    فليتَ القِلاصَ الأدْمَ قدْ وَخَدَتْ بنا  *****  بوادِ يمانٍ ذي رُبّى ومَحـانِ
    بوادِ يمانٍ يُنْبتُ السّـــــِدْرَ صَدْرُهُ  *****  وأسفَلُهُ بالمَرْخِ والشَّبُـــهانِ
    13 ـ مالك بن حريمٍ الهَمْدَانيّ (          ) :
       هو مالك بن حريم بن بم مالك بن حريم بن دألان بن سابقة بن ناشج بن دافع بن مالك جشم بن حاشد بن جشم بن خيران بن نوف بن همدان . ومالك شاعر فحل مخضرم جاهلي إسلامي ، ولص مشهور . ونورد مقطعاً من قصيدته الشهيرة يصف الشيب الذي خطَّ شَعْره :
    جَزَعْتَ ولم تَجْزَعْ مِنَ الشَّيْبِ مَجْزعا  *****  وقد فاتَ رِبْعِيُّ الشَّبابِ فَوَدَّعا
    ولاح بيــــاضٌ في ســــــوادٍ كأنّــــــه  *****  صِوارٌ بِجَوِّ كان جَدْباً فأمْرَعــــا
    فإن يَكُ شـــــابَ الرأسُ مِنّي فإنّنــــي  *****  أبَيْتُ على نفسي مَناقِبَ أربعــــا
    فواحِـــــــدةٌ : أن لا أبيــــــتَ بِغِــــرَّةٍ  *****  إذا ما سَوامُ الحَيِّ حَوْلي تَضَوَّعا
    وثانيــــــــةٌ : أن لا أُصَمّـــــِتَ كَلْبَنــا  *****  إذا نَزَلَ الأضيافُ حِرْصاً لِنُودَعا
    وثالثــــــــةٌ : أن لا تُقَـــــذّعَ جــارتي  *****  إذا كان جارُ القَومِ فِيـــهم مَقّذعـا
    ورابعــــــةٌ : أن لا أُحَجِّــــلَ قِـــتدْرَنا  *****  عِلى لَحْمِها حينَ الشِّتاءِ لِنَشْبَـــعا
    14 ـ أبو الطَّمحان القَيْنيّ (        ) :
        هو أبو الطمحان ، واسمه حنظَلة بن الشَّرْقيّ ، أحد بني القَيْن بن جسر بن شَيْع الله بن الأسد بن وَبْرَة بن تغلب بن حُلوان بن عمران بن الحافِ بن قضاعة . جميع المصــادر تقول أنه كان شاعراً جاهلياً من المخضرمين ( أدرك الجاهلية والإسلام ) . لم تذكر المصادر شيئاً عن نشأته كل الذي تذكره هو حياته ، وهو رجــــــل كبير ، وقال عنه صــــاحب الأغاني أنه : ( كان أبو الطمحان شاعراً خارباً صعلوكاً ..... وكان ترباً للزبير بن عبد المطلب في الجاهلية ونديماً له ) وقال عنه صاحب كتاب الشعر والشعراء : أنه كان فاسقاً .وذكره صاحب كتاب المعمّرين فقال : ( وعاش أبو الطمحان القيني بن الشّرقي .... مائتي سنة ) . وقد وُصِفَ شِعْره بالجَيِّد ، ومنه :
    وبالحيْرَةِ البيضاءِ شيْخٌ مُسَلَّطٌ  *****  إذا حـلف الإيمانَ باللهِ بَرَّتِ
    لقد حلقــــوا مِنيّ غُــدافاً كأنّهُ  *****  عناقيدُ كَرْمٍ أبنَعَتْ فاسْبَطَرَّتِ
    فَظَلَّ العذارى يومَ تُحْلَقُ لِمَّتي  *****  على عَجَلٍ يلقُطْنَها حيثُ خَرَّتِ  
    ذكرنا أعلاه  إن شعراء الصعاليك هم كُثّرْ في العصرين الجاهلي والإسلامي ، وتناولنا البعض منهم بالتفصيل ونبيّن أدناه أسماء البعض الآخر :
    1 ـ الحارث بن ظالم المري ، توفي نحو 600 م .
    2 ـ حاجز بن عوف الأزدي ن توفي قبيل الإسلام بفترة قصيرة .
    3 ـ أبو منازل السعدي  ، من بني تميم ، توفي في خلافة عمر بن الخطاب ( 634 ـ 644 ) م
    4 ـ الخطيم بن نويرة ، عاش في صدر الإسلام ، وربما أدرك أوائل العصر الأموي .
    5 ـ القتال الكلابي ، من بني عامر بن صعصعة ، توفي نحو 688 م .
    6 ـ فضالة بن شريك الأسدي ، توفي عام 686 م
    7 ـ صخر الغي من هذيل ، توفي في صدر الإسلام .
    8 ـ الأعلم الهذلي ، هو حبيب بن عبد الله الهذلي ، شقيق صخر الغي ، توفي في صدر الإسلام
    9 ـ أبو خراش الهذلي ، هو خويلد بم مُرّة أشهر صعاليك هذيل شعر مخضرم توفي في خلافة عمر بن الخطاب ( 634 ـ 644 ) م من لدغة أفعى .
    10 ـ مسعود بن خرشة من بني حرقوص بن مازن من تميم شاعر بدوي إسلامي .
    ولا بد من تعداد أسماء بعض شعراء الصعاليك :
    أبو النشناش النهشلي ـ الخطيم المحرزي ـ حُرَيْث عنّاب الطائي ـ دوير دُؤالة العقيلي ـ أيمن بن الهماز ـ  سليمان عياش ـ بدر سعد الفقعي ـ الســــمهري العقيلي ـ بكر النطاح الحنفي ـ تليـــــد الظبّي ـ الشمردل بن حاجر ـ حجدر العكلي ـ طهمان عمرو الكلابي ـ عبد الله السعدي ـ جعفر علبة الحارثي ـ حبيب عوف العبدي ـ عبيد أيوب العنبري ـ طريف العنبري ـ جعدة طـــــريف السعدي ـ عبيد عياش البكري ـ عرقل بن الخطيم ـ محمد أنس الأسدي ـ عُطارد قَران ـ مسعود التميمي ـ المرار سعيد الفقعسي ـ العطاف العقيلي ـ عياش الضبي ـ معاوية الفزاوي ـ غيــــلان الربيع ـ فرعان السعدي ـ الهفوان العقيلي ـ القتال الباهلي ـ الهيردان ـ وبرة المعني الطائي ـ أبو لطيفة العقيلي ـ يزيد الصقيل العقيلي ـ لوط الطائي ـ مالك حريم الهمذاني ـ عمرو بن مسعود .
    6/10/2013                                             المهندس جورج فارس رباحية
       المـــــراجع والمـصــــادر :
    ــــ شعراء النصرانية في العصر الجاهلي ج1 : الأب لويس شيخو اليسوعي بيروت 1891
    ــــ المنجد في اللغة والأعلام : بيروت 1973 .
    ــــ تاريخ الأدب العربي : حنا الفاخوري
    ــــ ديوان عروة بن الورد : أسماء أبو بكر محمد ، بيروت 1998
    ــــ ديوان عروة بن الورد والسموأل : دار بيروت للطباعة 1982
    ــــ ديوان تأبّط شراً : علي ذو الفقار شاكر ، دار الغرب الإسلامي 1984
    ــــ مواقع على الإنترنت :

    المهندس جورج فارس رباحية 

    لمتابعة الموضوع والرد

     عليهمن

     هناالمهندس جورج فارس رباحية  - صفحة 2 Aalove10

    شعراء الصعاليك

    مُساهمة الأربعاء 28 مايو 2014 - 4:39 من طرف waell

    [size=32]طرفة بن العبد[/size]
    [size=32]المهندس جورج فارس رباحية  - صفحة 2 Empty[/size] من طرف المهندس جورج فارس رباحية اليوم في 12:36 am

    =4900d829e41d8417b62d14b1f12aa9b3&cvf[1]=2187aabf62dade43268ded153f3978d5&eval=plus&p_vote=128812]+
    ----
    =5679bd20caf9007f438ce9ffb8de566e&cvf[1]=60d09037f3748fe0fc9df33abbd258ab&eval=minus&p_vote=128812]-

    طَـــــرَفَة بنِ العَبْدْ
    (538 ـ 564) م ؟
                                                                         المهندس جورج فارس رباحية  
        هو أبو عمرو بن العبد بن سفيان بن حرملة بن سعد بن مالك بن ضُبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عُكابــــة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ، لُقِّبَ بطرفة (1) ولقبه الثاني الغلام القتيل (2) وُلِدَ  في قريــة المالكية في البحـرين حوالي سنة 538 م  (3) مـن أبوين شريفين وهو ابن أخت جرير بن عبد المسيح المعـروف بالمُتَلَمِّس . نشـأ طرفة على نصــــرانيّته  وفي بيئة كلها شــــعر فأبوه و المرقش الأكبر عم والده والمرقش الأصغر عمّه والمتلمس الضبيعي خاله كلهم شعراء وأختـه الخرنق شاعرة (توفيت 570 م ) أيضاً رثته حين وفاته . بالنسبة لعمره لم يختلف عليـــه الرواة كثيراً ، فقد اجمع الكثيرون على أن طرفة لم يَعِش أكثر من ربع قرن إلاّ بقليل ، فقيل عــاش 26 عاماً وقيل أقلّ من ذلك بقليل وقيل أكثر من ذلك بقليل أيضاً ، وعلى كل حال بين أيدينا بيتان من الشعر لأخت طرفة قد رثته بهما :
    عَددْنا له سِتّاً وعشرين حِجَّةٌ  *****  فلمّا تَوافاها استوى سيّداً ضخما
    فُجِعْنا به لما رَجَــــوْنا إيابه  *****  على خير حالٍ لا وليداً ولا قحما
     تَيَتَّمَ طرفة باكِراً بأبيه وترَبّى بين أعمامه ولا قى منهم العنت ، وجَفَوْهُ وأمّه وردة أخت المتلمس  وحرموه كثيراً من حقّه ممّا أجّج الشعر في نفسه ، وانطلق لســــانه بتهديد ووعيد لهم ، وممّا قاله فيهم :
    ما تنظـــــرون بحقّ وردة فيكم  *****  صغر البنون ورهط وردة غيّبُ
    قد يبعث الأمـر العظيم صغيره  *****  حتى تظــــــل له الدماء تصبّبُ
    أدّوا الحقوق تفِرْ لكم أعراضكم  *****  إنّ الكريم إذا يُحَـــرَّبُ يَغْضَبُ                             إن هذا الغضب العارم لم يؤد إلى ثورة بل أفضى إلى تناسيه والانغماس في حياة اللهو والمجون فَبَدَّد كلّ مالِه ن ممّا دعا بقوْمه إلى نبذه وزجره ن مما جعله يحـــقد عليهم ، وقد ســــاءت حالته الماديّة ممّا دفعه ـــ  وهو السيّد في قومه ـــ إلى رعي إبِل أخيه ( معبد ) من أبيـــه . لم يدم هــذا الأمر طويلاً  وبعض المصادر ذكرت أنه شارك في حرب البسوس (494 ـ 534) م التي جرت بين تغلب وبكر. وكان طرفة معاصراً لملك الحيرة عمرو بن هند وصديقاً لأخيه عمرو بن مامة  فبدأ الترحال حتى بلغ أطراف جزيرة العرب ثم عاد إلى قومه بعد ذلك استقرّت به الأحوال في بلاط ملك الحيرة عمـــرو بن هند فنادمه مع خاله المتلَمّس ، وعايشاهولكن هذه العلاقة لم تستمرّ فسرعان ما هجا طرفة عمراً وممّا قاله طرفة :    
     فليت لنا مكان الملك عمرو  *****  رغوثاً حول قبتنا تخورُ
     لعمــرك أن قابوس بن هندٍ  *****  ليَخلطُ ملكَــه نوكٌ كثيرُ
                                                                                                               
      وعلم عمرو بن هند بالقصيدة فتوعّده بالقتل وإنّ قصـــة مقتله مشهورة تناقلتــــها الكتب كالعقد الفريد والأغاني ونسوق هذه الرواية كما وردت في كتاب الأغاني :                                                    
      (( قال : حدّثني المتلمس ، قال : قدمت أنا وطرفة بن العبد ، وكان غُلاماً مُعجباً تائهاً يتخلّج في مشيته بين يديه ، فنظر إليه نظرة كادت تقتلــــعه من الأرض . وكان عمرو بن هند لا يبتســم ولا يضحك ، وكانت العرب تهابه هيبة شديدة .                                                                فكتب لنا كتـــاباً إلى المكعبَر ( عامله على عُمان والبحرين ). كُتِبَ ولم نَرَه ، وخُتِمَ ولم نَرَه ، لي كتاب وله كتاب .                                                                                               قال المتلمّس : فقلت لطرفة : إنّي لأخاف عليـــك من نظـــرته إليك هذه مع ما قلت . قال : كلا , فخرجنا .. فإذا غلام من أهل الحيرة ، فقلت يا غـلام ، تقرأ ؟ قال : نعم ، قلت اقــرأه ، فإذا فيه : من عمرو بن هند إلى المكعبر ، إذا جاءك كتابي هذا مع المتلمس فاقطع يديه ورجليه وادفنه حياً فألقيت الصحيفة في النهر ، وقلت يا طرفة معك مثلـــها . قال كلاّ ، ما كان ليفعــل ذلك في عقر داري . قال فأتى المكعبر فقطع يديه ورجليه ودفنه حيّاً ))
     ومن الثابت على وجه اليقين أن طرفة بطبعه الحاد لم يقبل وصاية ولا رعاية من أقربائه بـعد وفاة والده ، وساقته نفسيته إلى شيء من الغرور فتفرّد بنفسه لا يستمع لأحد ولا ينتصـح لأحـد ، فكانت النتيجة انعزاله التام عن القوم وهذا ما انعكسَ على شخصيّته ، فنراه ينفر من المنــافقين ، ويَسِمُ من حوله بالخداع وبدا هذا في شعره لما كان في سجن ذات مرّة وطلب النجدة من أصحابه فخذلوه  فقال :
    أسلمني قومي ولم يغضبوا  *****  لِسَوْءةٍ حلّتْ بهم فادحهْ
    كلّ خليــــــلٍ كنت خـاللْته  *****  لا ترك الله له واضـحهْ
    كلّهـــــم أروَغ من ثعــلبٍ  *****  ما أشبه الليلـةَ بالبارِحهْ
    لقد قال عنه لبيد بن ربيعة العامري : انّه من أشعر ثلاثة في عصره وهم ( الملك الضليــل امرؤ القيس ) و ( الغلام القتيل طرفة ) و ( الشيخ أبو عقيل وقصد به نفسه ) . تعتبر معلّقته من أجمل ما حوى ديوانه من شعر وعدد أبياتها يتراوح بين 74 و 105 بيتاً وذلك حسب ما  المراجع فيها . ويعتبر نقّاد الشعر القدامى والمعاصرين أن معلّقته من أفضل أشعار الجاهلية قاطبة .
    مقتطفـــات من أعمـــــاله :
    1 ـ المعلّقة : وهو من أصحاب المعلّقات (4) عندما أنفق ماله ونبذته عشيرته وطاف في بلاد العرب حتى ملّ وعاد إلى قومه ، فحمله أخوه معبد على رعي إبله فكان يُهملها ولم يطل المر حتى أخذت فسأل ابن عمّه مالكاً أن يعينه في طلبها ، فلامه وقال له : فرطت فيها ثم أقبلت تتعب في طلبها فأنشد معلّقته هذه على وزن بحر الطويل بـ 105 أبيات ، فبدأها باسم خولة  وهي امرأة قيل أنها من بني كلب :  
    لخَوْلَةَ أَطْلالٌ بِبُرْقَةِ ثَهْمَـدِ =   تَلُوحُ كَبَاقِي الوَشْمِ فِي ظَاهِرِ اليَدِ
    وُقُوْفَاً بِهَا صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيَّهُـمْ =   يقوْلُوْنَ لا تَهْلِكْ أَسَىً وَتَجَلَّدِ
    كَأَنَّ حُـدُوجَ المَالِكِيَّةِ غُـدْوَةً =   خَلاَيَا سَفِيْنٍ بِالنَّوَاصِـفِ مِنْ دَدِ
    عَدَوْلِيَّةٌ أَوْ مِنْ سَفِيْنِ ابْنِ يَامِنٍ =   يجُوْرُ بِهَا المَلاَّحُ طَوْرَاً وَيَهْتَدِي
    يَشُقُّ حَبَابَ المَاءِ حَيْزُومُهَا بِهَـا   = كَمَا قَسَمَ التُّرْبَ المُفَايِلَ بِاليَدِ
    وفِي الحَيِّ أَحْوَى يَنْفُضُ المَرْدَ شَادِنٌ =   مُظَاهِرُ سِمْطَيْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدِ
    خَذُولٌ تُرَاعِي رَبْرَباً بِخَمِيْلَـةٍ   = تَنَاوَلُ أَطْرَافَ البَرِيْرِ وتَرْتَدِي
    وتَبْسِمُ عَنْ أَلْمَى كَأَنَّ مُنَـوِّراً   = تَخَلَّلَ حُرَّ الرَّمْلِ دِعْصٍ لَهُ نَدِ
    سَقَتْهُ إيَاةُ الشَّمْسِ إلاّ لِثَاتِـهِ =   أُسِفَّ وَلَمْ تَكْدِمْ عَلَيْهِ بِإِثْمِدِ
    وَوَجْهٍ كَأَنَّ الشَّمْسَ أَلْقَـتْ رِدَاءَهَا =   عَلَيْهِ نَقِيِّ اللَّوْنِ لَمْ يَتَخَدَّدِ
    وَإِنِّي لأُمْضِي الهَمَّ عِنْدَ احْتِضَـارِهِ   = بِعَوْجَاءَ مِرْقَالٍ تَرُوحُ وتَغْتَدِي
    أَمُونٍ كَأَلْوَاحِ الإِرَانِ نَصَأْتُـهَا =   عَلَى لاحِبٍ كَأَنَّهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ
    جَمَالِيَّةٍ وَجْنَاءَ تَرْدِي كَأَنَّـهَا   = سَفَنَّجَةٌ تَبْرِي لأزْعَرَ أَرْبَدِ
    تُبَارِي عِتَاقَاً نَاجِيَاتٍ وأَتْبَعَـتْ =   وَظِيْفَاً وَظِيْفَاً فَوْقَ مَوْرٍ مُعْبَّدِ
    تَرَبَّعْتِ القُفَّيْنِ فِي الشَّوْلِ تَرْتَعِـي   = حَدَائِقَ مَوْلِيَّ الأَسِرَّةِ أَغْيَدِ
    تَرِيْعُ إِلَى صَوْتِ المُهِيْبِ وَتَتَّقِـي   = بِذِي خُصَلٍ رَوْعَاتِ أَكْلَفَ مُلْبِدِ
    كَأَنَّ جَنَاحَيْ مَضْرَحِيٍّ تَكَنَّفَـا   = حِفَافَيْهِ شُكَّا فِي العَسِيْبِ بِمِسْرَدِ
    فَطَوْراً بِهِ خَلْفَ الزَّمِيْلِ وَتَـارَةً   = عَلَى حَشَفٍ كَالشَّنِّ ذَاوٍ مُجَدَّدِ
    لَهَا فَخِذَانِ أُكْمِلَ النَّحْضُ فِيْهِمَـا =   كَأَنَّهُمَا بَابَا مُنِيْفٍ مُمَرَّدِ
    وطَيُّ مَحَالٍ كَالحَنِيِّ خُلُوفُـهُ   = وأَجْرِنَةٌ لُزَّتْ بِدَأْيٍ مُنَضَّدِ
    كَأَنَّ كِنَاسَيْ ضَالَـةٍ يَكْنِفَانِهَا   = وَأَطْرَ قِسِيٍّ تَحْتَ صُلْبٍ مُؤَيَّدِ
    لَهَا مِرْفَقَانِ أَفْتَلانِ كَأَنَّهَـا   = تَمُرُّ بِسَلْمَيْ دَالِجٍ مُتَشَدِّدِ
    كَقَنْطَرةِ الرُّومِيِّ أَقْسَمَ رَبُّـهَا   = لَتُكْتَنِفَنْ حَتَى تُشَادَ بِقَرْمَدِ
    صُهَابِيَّةُ العُثْنُونِ مُوْجَدَةُ القَـرَا   = بَعِيْدةُ وَخْدِ الرِّجْلِ مَوَّارَةُ اليَدِ
    أُمِرَّتْ يَدَاهَا فَتْلَ شَزْرٍ وأُجْنِحَـتْ =   لَهَا عَضُدَاهَا فِي سَقِيْفٍ مُسَنَّدِ
    جَنُوحٌ دِفَاقٌ عَنْدَلٌ ثُمَّ أُفْرِعَـتْ   = لَهَا كَتِفَاهَا فِي مُعَالىً مُصَعَّدِ
    كَأَنَّ عُلُوبَ النِّسْعِ فِي دَأَيَاتِهَـا   = مَوَارِدُ مِن خَلْقَاءَ فِي ظَهْرِ قَرْدَدِ
    تَلاقَى وأَحْيَاناً تَبِيْنُ كَأَنَّهَـا   = بَنَائِقُ غُرٌّ فِي قَمِيْصٍ مُقَدَّدِ
    وَأَتْلَعُ نَهَّاضٌ إِذَا صَعَّدَتْ بِـهِ   = كَسُكَّانِ بُوصِيٍّ بِدَجْلَةَ مُصْعِدِ
    وجُمْجُمَةٌ مِثْلُ العَلاةِ كَأَنَّمَا   = وَعَى المُلْتَقَى مِنْهَا إِلَى حَرْفِ مِبْرَدِ
    وَخَدٌّ كَقِرْطَاسِ الشَّآمِي ومِشْفَـرٌ   = كَسِبْتِ اليَمَانِي قَدُّهُ لَمْ يُجَرَّدِ
    وعَيْنَـانِ كَالمَاوِيَّتَيْـنِ اسْتَكَنَّتَـا   = بِكَهْفَيْ حِجَاجَيْ صَخْرَةٍ قَلْتِ مَوْرِدِ
    طَحُورَانِ عُوَّارَ القَـذَى فَتَرَاهُمَا   = كَمَكْحُولَتَيْ مَذْعُورَةٍ أُمِّ فَرْقَدِ
    وصَادِقَتَا سَمْعِ التَّوَجُّسِ للسُّـرَى   = لِهَجْسٍ خَفِيٍّ أَوْ لِصوْتٍ مُنَدَّدِ
    مُؤَلَّلَتَانِ تَعْرِفُ العِتْـقَ فِيْهِمَا =   كَسَامِعَتَي شَاةٍ بِحَوْمَلَ مُفْـرَدِ
    وأَرْوَعُ نَبَّاضٌ أَحَذُّ مُلَمْلَمٌ =   كَمِرْدَاةِ صَخْرٍ فِي صَفِيْحٍ مُصَمَّـدِ
    وأَعْلَمُ مَخْرُوتٌ مِنَ الأَنْفِ مَارِنٌ   = عَتِيْقٌ مَتَى تَرْجُمْ بِهِ الأَرْضَ تَزْدَدِ
    وَإِنْ شِئْتُ لَمْ تُرْقِلْ وَإِنْ شِئْتُ أَرْقَلَتْ   = مَخَافَةَ مَلْوِيٍّ مِنَ القَدِّ مُحْصَـدِ
    وَإِنْ شِئْتُ سَامَى وَاسِطَ الكَوْرِ رَأْسُهَا   = وَعَامَتْ بِضَبْعَيْهَا نَجَاءَ الخَفَيْدَدِ
    عَلَى مِثْلِهَا أَمْضِي إِذَا قَالَ صَاحِبِي   = ألاَ لَيْتَنِي أَفْدِيْكَ مِنْهَا وأَفْتَدِي
    وَجَاشَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ خَوْفاً وَخَالَهُ =   مُصَابَاً وَلَوْ أمْسَى عَلَى غَيْرِ مَرْصَدِ
    إِذَا القَوْمُ قَالُوا مَنْ فَتَىً خِلْتُ أنَّنِي =   عُنِيْتُ فَلَمْ أَكْسَلْ وَلَمْ أَتَبَلَّـدِ
    أَحَلْتُ عَلَيْهَا بِالقَطِيْعِ فَأَجْذَمَتْ =   وَقَدْ خَبَّ آلُ الأمْعَزِ المُتَوَقِّـدِ
    فَذَالَتْ كَمَا ذَالَتْ ولِيْدَةُ مَجْلِسٍ   = تُرِي رَبَّهَا أَذْيَالَ سَحْلٍ مُمَدَّدِ
    وَلَسْتُ بِحَلاَّلِ التِّلاَعِ مَخَافَـةً   = وَلكِنْ مَتَى يِسْتَرْفِدِ القَوْمُ أَرْفِدِ
    فَإِنْ تَبْغِنِي فِي حَلْقَةِ القَوْمِ تَلْقَنِي   = وَإِنْ تَلْتَمِسْنِي فِي الحَوَانِيْتِ تَصْطَدِ
    وَإِنْ يَلْتَقِ الحَيُّ الجَمِيْعُ تُلاَقِنِي   = إِلَى ذِرْوَةِ البَيْتِ الشَّرِيْفِ المُصَمَّدِ
    نَدَامَايَ بِيْضٌ كَالنُّجُومِ وَقَيْنَـةٌ   = تَرُوحُ عَلَيْنَا بَيْنَ بُرْدٍ وَمَجْسَدِ
    رَحِيْبٌ قِطَابُ الجَيْبِ مِنْهَا رَقِيْقَـةٌ   = بِجَسِّ النَّدامَى بَضَّـةُ المُتَجَرَّدِ
    إِذَا نَحْنُ قُلْنَا أَسْمِعِيْنَا انْبَرَتْ لَنـا =   عَلَى رِسْلِهَا مَطْرُوقَةً لَمْ تَشَدَّدِ
    إِذَا رَجَّعَتْ فِي صَوْتِهَا خِلْتَ صَوْتَهَا   = تَجَاوُبَ أَظْآرٍ عَلَى رُبَـعٍ رَدِ
    وَمَا زَالَ تَشْرَابِي الخُمُورَ وَلَذَّتِي   = وبَيْعِي وإِنْفَاقِي طَرِيْفِي ومُتْلَـدِي
    إِلَى أنْ تَحَامَتْنِي العَشِيْرَةُ كُلُّهَا   = وَأُفْرِدْتُ إِفْرَادَ البَعِيْـرِ المُعَبَّـدِ
    رَأَيْتُ بَنِي غَبْرَاءَ لاَ يُنْكِرُونَنِي   = وَلاَ أَهْلُ هَذَاكَ الطِّرَافِ المُمَـدَّدِ
    أَلاَ أَيُّهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الوَغَـى   = وَأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هَلْ أَنْتَ مُخْلِدِي
    فَإِنْ كُنْتَ لاَ تَسْطِيْعُ دَفْعَ مَنِيَّتِي =   فَدَعْنِي أُبَادِرُهَا بِمَا مَلَكَتْ يَـدِي
    وَلَوْلاَ ثَلاثٌ هُنَّ مِنْ عَيْشَةِ الفَتَى   = وَجَدِّكَ لَمْ أَحْفِلْ مَتَى قَامَ عُـوَّدِي
    فَمِنْهُنَّ سَبْقِي العَاذِلاتِ بِشَرْبَـةٍ   = كُمَيْتٍ مَتَى مَا تُعْلَ بِالمَاءِ تُزْبِـدِ
    وَكَرِّي إِذَا نَادَى المُضَافُ مُجَنَّبـاً   = كَسِيدِ الغَضَا نَبَّهْتَهُ المُتَـورِّدِ
    وتَقْصِيرُ يَوْمِ الدَّجْنِ والدَّجْنُ مُعْجِبٌ   = بِبَهْكَنَةٍ تَحْتَ الخِبَاءِ المُعَمَّـدِ
    كَأَنَّ البُرِيْنَ والدَّمَالِيْجَ عُلِّقَـتْ =   عَلَى عُشَرٍ أَوْ خِرْوَعٍ لَمْ يُخَضَّـدِ
    كَرِيْمٌ يُرَوِّي نَفْسَـهُ فِي حَيَاتِـهِ =   سَتَعْلَمُ إِنْ مُتْنَا غَداً أَيُّنَا الصَّدِي
    أَرَى قَبْرَ نَحَّامٍ بَخِيْـلٍ بِمَالِـهِ =   كَقَبْرِ غَوِيٍّ فِي البَطَالَةِ مُفْسِدِ
    نَرَى جُثْوَتَيْنِ مِن تُرَابٍ عَلَيْهِمَـا   = صَفَائِحُ صُمٌّ مِنْ صَفِيْحٍ مُنَضَّـدِ
    أَرَى المَوْتَ يَعْتَامُ الكِرَامَ ويَصْطَفِي  = عَقِيْلَةَ مَالِ الفَاحِشِ المُتَشَـدِّدِ
    أَرَى العَيْشَ كَنْزاً نَاقِصاً كُلَّ لَيْلَةٍ   = وَمَا تَنْقُصِ الأيَّامُ وَالدَّهْرُ يَنْفَـدِ
    لَعَمْرُكَ إِنَّ المَوتَ مَا أَخْطَأَ الفَتَـى   = لَكَالطِّوَلِ المُرْخَى وثِنْيَاهُ بِاليَـدِ
    مَتَى مَا يَشَأْ يَوْماً يَقُدْهُ لِحَتْفِـهِ =   وَمَنْ يَكُ فِي حَبْلِ المَنِيَّةِ يَنْقَـدِ
    فَمَا لِي أَرَانِي وَابْنَ عَمِّيَ مَالِكَـاً   = مَتَى أَدْنُ مِنْهُ يَنْأَ عَنِّي ويَبْعُـدِ
    يَلُوْمُ وَمَا أَدْرِي عَـلامَ يَلُوْمُنِـي   = كَمَا لامَنِي فِي الحَيِّ قُرْطُ بْنُ مَعْبَدِ
    وأَيْأَسَنِي مِنْ كُلِّ خَيْـرٍ طَلَبْتُـهُ =   كَأَنَّا وَضَعْنَاهُ إِلَى رَمْسِ مُلْحَـدِ
    عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ قُلْتُهُ غَيْـرَ أَنَّنِـي   = نَشَدْتُ فَلَمْ أُغْفِلْ حَمَوْلَةَ مَعْبَـدِ
    وَقَرَّبْتُ بِالقُرْبَى وجَـدِّكَ إِنَّنِـي =   مَتَى يَكُ أمْرٌ للنَّكِيْثَةِ أَشْهَـدِ
    وإِنْ أُدْعَ للْجُلَّى أَكُنْ مِنْ حُمَاتِهَا   = وإِنْ يِأْتِكَ الأَعْدَاءُ بِالجَهْدِ أَجْهَدِ
    وَإِنْ يِقْذِفُوا بِالقَذْعِ عِرْضَكَ أَسْقِهِمْ   = بِشُرْبِ حِيَاضِ المَوْتِ قَبْلَ التَّهَدُّدِ
    بِلاَ حَدَثٍ أَحْدَثْتُهُ وكَمُحْـدَثٍ =  هِجَائِي وقَذْفِي بِالشَّكَاةِ ومُطْرَدِي
    فَلَوْ كَانَ مَوْلايَ إِمْرُءاً هُوَ غَيْرَهُ   = لَفَرَّجَ كَرْبِي أَوْ لأَنْظَرَنِي غَدِي
    ولَكِنَّ مَوْلايَ اِمْرُؤٌ هُـوَ خَانِقِـي =   عَلَى الشُّكْرِ والتَّسْآلِ أَوْ أَنَا مُفْتَدِ
    وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً =   عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّدِ
    فَذَرْنِي وخُلْقِي إِنَّنِي لَكَ شَاكِرٌ   = وَلَوْ حَلَّ بَيْتِي نَائِياً عِنْدَ ضَرْغَدِ
    فَلَوْ شَاءَ رَبِّي كُنْتُ قَيْسَ بنَ خَالِدٍ   = وَلَوْ شَاءَ رَبِّي كُنْتُ عَمْروَ بنَ مَرْثَدِ
    فَأَصْبَحْتُ ذَا مَالٍ كَثِيْرٍ وَزَارَنِـي =   بَنُونَ كِرَامٌ سَـادَةٌ لِمُسَـوَّدِ
    أَنَا الرَّجُلُ الضَّرْبُ الَّذِي تَعْرِفُونَهُ   = خَشَاشٌ كَرَأْسِ الحَيَّةِ المُتَوَقِّـدِ
    فَآلَيْتُ لا يَنْفَكُّ كَشْحِي بِطَانَةً   = لِعَضْبٍ رَقِيْقِ الشَّفْرَتَيْنِ مُهَنَّـدِ
    حُسَامٍ إِذَا مَا قُمْتُ مُنْتَصِراً بِـهِ   = كَفَى العَوْدَ مِنْهُ البَدْءُ لَيْسَ بِمِعْضَدِ
    أَخِي ثِقَةٍ لا يَنْثَنِي عَنْ ضَرِيْبَةٍ   = إِذَا قِيْلَ مَهْلاً قَالَ حَاجِزُهُ قَدِي
    إِذَا ابْتَدَرَ القَوْمُ السِّلاحَ وجَدْتَنِي   = مَنِيْعاً إِذَا بَلَّتْ بِقَائِمَهِ يَـدِي
    وَبَرْكٍ هُجُوْدٍ قَدْ أَثَارَتْ مَخَافَتِي =   بَوَادِيَهَا أَمْشِي بِعَضْبٍ مُجَـرَّدِ
    فَمَرَّتْ كَهَاةٌ ذَاتُ خَيْفٍ جُلالَةٌ =   عَقِيلَةُ شَيْخٍ كَالوَبِيْلِ يَلَنْـدَدِ
    يَقُوْلُ وَقَدْ تَرَّ الوَظِيْفُ وَسَاقُهَا   = أَلَسْتَ تَرَى أَنْ قَدْ أَتَيْتَ بِمُؤْيِدِ
    وقَالَ أَلا مَاذَا تَـرَونَ بِشَارِبٍ   = شَدِيْدٌ عَلَيْنَا بَغْيُـهُ مُتَعَمِّـدِ
    وقَالَ ذَرُوهُ إِنَّمَا نَفْعُهَـا لَـهُ   = وَإِلاَّ تَكُفُّوا قَاصِيَ البَرْكِ يَزْدَدِ
    فَظَلَّ الإِمَاءُ يَمْتَلِلْـنَ حُوَارَهَـا   = ويُسْعَى عَلَيْنَا بِالسَّدِيْفِ المُسَرْهَدِ
    فَإِنْ مُتُّ فَانْعِيْنِي بِمَا أَنَا أَهْلُـهُ   = وشُقِّي عَلَيَّ الجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ
    ولا تَجْعَلِيْنِي كَأَمْرِىءٍ لَيْسَ هَمُّـهُ   = كَهَمِّي ولا يُغْنِي غَنَائِي ومَشْهَدِي
    بَطِيءٍ عَنْ الجُلَّى سَرِيْعٍ إِلَى الخَنَى   = ذَلُولٍ بِأَجْمَاعِ الرِّجَالِ مُلَهَّدِ
    فَلَوْ كُنْتُ وَغْلاً فِي الرِّجَالِ لَضَرَّنِي  = عَدَاوَةُ ذِي الأَصْحَابِ والمُتَوَحِّدِ
    وَلَكِنْ نَفَى عَنِّي الرِّجَالَ جَرَاءَتِي  = عَلَيْهِمْ وإِقْدَامِي وصِدْقِي ومَحْتِدِي
    لَعَمْرُكَ مَا أَمْرِي عَلَيَّ بُغُمَّةٍ =   نَهَارِي ولا لَيْلِي عَلَيَّ بِسَرْمَدِ
    ويَوْمٌ حَبَسْتُ النَّفْسَ عِنْدَ عِرَاكِهِ   = حِفَاظاً عَلَى عَوْرَاتِهِ والتَّهَـدُّدِ
    عَلَى مَوْطِنٍ يَخْشَى الفَتَى عِنْدَهُ الرَّدَى   = مَتَى تَعْتَرِكْ فِيْهِ الفَرَائِصُ تُرْعَدِ
    وأَصْفَرَ مَضْبُوحٍ نَظَرْتُ حِوَارَهُ =  عَلَى النَّارِ واسْتَوْدَعْتُهُ كَفَّ مُجْمِدِ
    أَرَى المَوْتَ أَعْدَادَ الُّنفُوْسِ ولا أَرَى   = بَعِيْداً غَدًا مَا أَقْرَبَ اليَوْمَ مَنْ غَدِ
    سَتُبْدِي لَكَ الأيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلاً   = ويَأْتِيْكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
    وَيَأْتِيْكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تَبِعْ لَهُ   = بَتَاتاً وَلَمْ تَضْرِبْ لَهُ وَقْتَ مَوْعِدِ
    2 ـ وقد مَدَحَ ذات مَرّة بني المنذر بن عمرو بقصيدة بعنوان ( يزعون الجهل في مجلسهم على وزن بحر الرّمل فقال :
    ورَكـــــوبٍ تَعْزِفُ الجِــــنُّ به  *****  قبل هذا الجيلِ من عَهْدٍ أَبَدْ
    وَضِبـــــابٍ ســـَفَرَ المـــاءُ بها  *****  غَرِقَتْ أولاجُها غَيْرَ السُّدَدْ
    فَهْيَ مَوتى لَعِـــبَ المــــاءُ بها  *****  في غُثاءٍ ساقَهُ السَّــيْلُ عُدَدْ
    قد تَبَطّنْــــــتُ بِطِرْفٍ هَيكَـــلٍ  *****  غَيــــرِ مَرباءٍ ولا جأبٍ مُكَدْ
    قَــائداً قَــــدَّامَ حَــــيٍّ سَـــــلَفُوا  *****  غّيْرِ أنكـاسِ ولا وُغْــلٍ رُفُدْ
    نُبَلاءِ السّـــعي من جرثومـــــةٍ  *****  تتـــرُكُ الدنيـــا وتَنْمي للبَعَدْ
    يَزَعـــونَ الجَهْــلَ في مجلِسِهِمْ  *****  وهُم أنصارُ ذي الحِلْمِ الصَّمَدْ
    حُبُسٌ في المَحْلِ حتى يُفْسِحوا  *****  لابتغاءِ المجدِ أو تَـــركِ الفَنَدْ
    سُـــمَحاءُ الفقْرِ أجـــوادُ الغِنى  *****  سادةُ الشِّيبِ مَخاريقُ المُــرُدْ
    ( يزعون : يكفّون ويصدّون )
    3 ـ كان طرفة يشرب يوماً مع الملك عمرو بن هند إذ أشرفت أخته فرآها طرفة فقال فيها هذين البيتين على وزن بحر الوافر :
    ألا يا ثاني الظبي الــ  ***** ــذي يبرق شـــنفاه
    ولولا الملـــــك القـــا  ***** عد ، قد ألثمني فاه
    4 ـ ورأى مرّة خيلاً فأنشد في وصفها على وزن بحر الكامل :
    ولقد شهِدْتُ الخيلَ وِهْيّ مُغيرةٌ  *****  ولَقد طَعَنْتُ مجامِعَ الرَّبِلاتِ
    رَبِلاتِ جُودٍ ، تحتَ قدّ بـــارِعٍ  *****  حُلْوِ الشمائلِ خيرةِ الهلكاتِ
    رَبِلاتِ خَيلٍ ، ما تزالُ مُغيـرةً  *****  يُقطِرنَ من عَلَقٍ على الثُّنّاتِ
    الرِبِلات : جمع رِبلة ، وهي باطن الفخذ ، أو كلّ لحمة غليظة .
    5 ـ ومن شعرِه الغَزَلي أنشد سلمى  بقصيدة (سما لك من سلمى خيال) على وزن بحر الطويل :
    أتعْرِفُ رسمَ الـدارِ قَفْراً منازِلُهُ  *****  كجَفْنِ اليمانِ زَخْرَفَ الوَشيَ ماثلُهْ
    دِيارٌ لِسلمى إذ تصـيدُكَ بالمُنى  *****  وإذ حبْلُ سلمى منكَ دان توَاصُلُه
    وإذ هي مثلُ الرّئمِ صِيدَ غزالُها  *****  لها نَظَرٌ ســــاجٍ إليكَ تُوَاغِـــــلُهْ
    سَما لك من سلْمى خَيالٌ ودونَها  *****  سَوَادُ كَثِيبٍ عَرْضُـــهُ فأمــــايِلُهْ
    وأنّى اهتدتْ سلمى وسائلَ ، بيننا  *****  بشاشةُ حُبِّ ، باشرَ القلبَ داخِلُهْ
    وما خِلْتُ سلمى قبلها ذات رِجلةٍ  *****  إذا قَسْوَرِيُّ الليلِ جِيبَتْ سِـرِابلهْ
    وقد ذهَبتْ ســــــلمى بعَقْلِكَ كُلّهِ  *****  فهلْ غيرُ صـــيدٍ أحْرَزَتْهُ حَبائِلُهْ
    كما أحرَزَتْ أسماءُ قلبَ مُرَقّشٍ  *****  بحُبٍّ كلمعِ البَرْقِ لاحتْ مَخــايلُهْ
    فوجدي بسلمى مثلُ وَجْدِ مُرَقِّشٍ  *****  بأسماءَ إذ لا تستــــــفيقُ عَواذِلُهْ
    قضى نحْبَهُ وَجداً عليــها مُرَقِّشٌ  *****  وعُلّقْتُ من ســـلمى خَبالاً أُماطلُهْ
    لعمري لمــــوْتٌ لا عقوبةَ بعدَهُ  *****  لذي البثِ أشفى من هوًى لا يزايِلُهْ  
    6 ـ وهنا يفتخر بنفْسه وبقومه بقصيدة ( والمجد ننميه ونتلده ) على وزن بحر الكامل :
    إني مــن القــومِ الذين ، إذا  *****  أزِمَ الشّتاءُ ودوخِلَتْ حُجَرُهْ
    يوماً ، ودونِيَتِ البـيوتُ له  *****  فثَنى قُبَيلَ رَبيــــعِهمْ قِرَرُهْ
    رفعُوا المَنيحَ وكان رِزْقَهُمُ  *****  في المُنْقِياتِ يُقيمُهُ يَسَــــرُهْ
    إنّا لنعـــلَمُ أنْ سَيُــــدْركُنا   *****  غَيْثٌ يُصيبُ سَوامنا مَطَرُهْ
    إنّا لنكســوهم وإن كرِهوا  *****  ضربْاً يطيرُ خِلالَهُ شــرَرُهْ
    والمجــــدُ نَنْمِيه ونُتْلــــِدُه  *****  والحمدُ في الأكْفــاءِ نَدّخِرُهْ
    إنّ التبالي في الحيـاة ولا  ***** يُغْني نوائبَ مــــــاجدٍ عُذَرُهْ
    كُلُّ امــــــرئ فيما ألَمّ به  *****  يَوماً يبينُ من الغِنـــى فُقُرُهْ
    7 ـ وذكر الموت ذات مرّة بأبياتٍ على وزن بحر الكامل فقال :
    وتقول عاذِلَتي ولَيس لهــا  *****  بِغَدٍ ولا ما بَعْـــدَهُ عِلْـــــــمُ
    إنّ الثراءَ هو الخـلودُ وإنّ  *****  المَرْءَ يُكْرِبُ يومَهُ العُــــدْمُ
    ولَئِنْ بَنَيْتُ إلى المُشَقَّرِ في  *****  هَضْبٍ تُقَصِّرُ دونّهُ العُصْمُ
    لَتُنَقِّبَنْ عَنّـــــي المَنِيّــة إنّ  *****  اللهّ لَيْسَ لِحُكْمِــــهِ حُكْــــــمُ  
    8 ـ وها هو يصف حاله :
    خليليّ ! لا واللهِ ، ما القلبُ سالِمٌ  *****  وإنْ ظَهَرَتْ مِنّي شَمائِلُ صاحِ
    وإلاّ فما بالي ، ولم أشهد الوغى  *****  أبِيتُ ، كأنّي مُثْقَلٌ بجــــــراحِ
    9 ـ  وقال في الحِكَــــمْ :
    خالِطِ النّاسَ بخُلْقٍ واسِعٍ  *****  لا تكُنْ كلباً على الناس تَهِرّ
                               ========
    ألَم ترَ أنّ المالَ يُكْسِـــــــبُ أهلُهُ  *****  فُضوحاً إذا لم يُعْطَ منه نَوَاسِبُهْ  
    أرى كُلَّ مالٍ لا محــــــالةَ ذاهباً  *****  وأفضلُه ما وُرِّثَ الحمدَ كاسِبُهْ
    فكيفَ يُرْجِّي المـَرْءُ دهراً مُخَلَّداً  ***** وأيامـــــه عمّا قليلٍ تُحاســِبُهْ ؟
                          ===========
    ولو نالَ ما نالَ نوحُ بها  *****  وعاشَ كما عاشَ في أمّتهْ
    للاقى المنيّةَ من يومــهِ  *****  إذا حُـــــمّ ذلك أو ليلتِـــــهْ  
                         ===========
    الخيرُ خَيْرً ، وإن طال الزّمانُ بِهِ  *****  والشَّرُّ أخْبَثُ ما أوْعَيْتَ من زادِ
                          ==========
    مَنْ يَسْتَعِن بالصّمتِ يوماً فإنّهُ  *****  يُقالُ لهُ لُبٌّ نَهَاهُ أصــــيلُ  
                           ==========
    20/11/2013                                                         المهندس جورج فارس رباحية
    المفــــــــــــــردات :
    (1) ـ طرفة : هو لقبه الأول ولم يُعْرَف ما مصدر هذا اللقب ، ولا من لقّبه إياه بيد أن الثابت والمرجّح ، أنه ورثه في حياته القصيرة .
    (2) ـ الغلام القتيل : فمن الثابت أنه اشتهر به أو اكتسبه بعد مقتله .
    (3) ـ مولده ووفاته : لم تُحَدِّد كتب التاريخ والتراجم عاماً محَدّداً لمولده ، بيد أن الكثير من الرواة ذكروا أنه توفي في حوالي 70 عاماً قبل الهجرة أو قبل بضعةً وستين عاماً قبل الهجرة وهذه السنون توازي حوالي 552 م أو558 م . والبحث في مصـادر تاريخية تبيّن أن بعضها ذكرت مولده في 529 م ووفاته 552 م ومصدر آخر ذكر أن مــولده 538 م ووفاته 564 م ومصدر ثالث حدّد مولده 543 م ووفاته 569 م .
    (4) ـ المعلّقات : هي من أجمل صور الشعر الجاهلي وأعذبه وكان ( حماد الراوية ) أوّل من جمعها في أواخر عصر بني أميّة في الشام ( 660 ـ 750 ) م وأواخر العصــــر العباسي ( 750 ـ 1258 ) م وأصحاب المعلّقات هم : امرؤ القيس ـ طرفة بن العبد ـ زهير بن ابي سّلمى ـ لبيد بن أبي ربيعة ـ عمرو بن كلثوم ـ عنترة بن شدّاد ـ الحارث بن حلزة ـ النابـــغة الذبياني ـ الأعشى الأكبر ـ عبيد بن الأبرص إن تسميتها بالمعلّقات أو المُذَهَّبات ، أو السُّموط ( العقود ) فمختلف فيه ، إذ قال بعضهم  أنّ العــرب لشــــدّة إعجابهم بها ، كتبوها بمـــــاء الذهب ، وعلّقوها على جدران الكـــعبة  ، فَسمــِّيت بذلك المُعلَّقات أو المُذهّبات ونفى بعضهم تعليقها على جدران الكعبة وزعم آخـرون أنّ حمّاداً الراوية هوالذي جمع القصائد الطِّوال، وقال للناس : هذه هي المشهورات وقال آخرون إنّها سُمِّيَت بذلك لأنها من القصـــائد المسـتجادة التي كانت تُعَلَّق في خـــزائن الملـــوك والراجح اليوم انها سُمِّيَت أيضاً بالمعلَّقـات لتشبيهها بالسّـــــموط ، أي العقود التي تُعَلَّق بالأعناق ، وقد سُمِّيَت أيضاً بالمذهّبات لأنها جـديرة بأن تُكْتَب بماء الذّهب لنفاستها .    
    المصـــــــادر والمـــــــراجع :
    ــ طرفة بن العبد : فؤاد افرام البستاني ، سلسلة الروائع . بيروت 1930
    ــ ديوان طرفة بن العبد : عبد الرحمن المصطاوي . بيروت 2003
    ــ ديوان طرفة بن العبد : شرح الأعلم الشنتمري . بيروت 2000
    ــ مختارات شعراء العرب : العلاّمة هبة الله بن علي. 1958
    ــ المنجد في اللغة والأعلام : بيروت 1973
    ــ شرح القصائد العشر : الإمام الخطيب التبريزي
    ــ شرح المعلّقات العشر : الإمام أبو عبد الله وتحسين الحسين . بيروت 1983
    ــ مواقع على الإنترنت :

    المهندس جورج فارس رباحية


    المهندس جورج فارس رباحية  - صفحة 2 Empty المهندس جورج فارس رباحية  - صفحة 2 Empty
    waell

    مُساهمة الثلاثاء 4 نوفمبر 2014 - 18:30 من طرف waell

    إيليا أبو ماضي

    1889 ـ 1957

    المهندس جورج فارس رباحية


    وُلِدَ إيليا ضاهر أبو ماضي عام 1889 (1) في قرية المحيدثة منطقة المتن الشــــمالي بلبنان ، نشأ في عائلة أرثوذكسية فقيرة الحال لذلك ل م يستطع أن يدرس في قريته سوى المرحلة الابتدائية في مدرسة القرية المجاورة للكنيسة ، وعندما اشتد الفقر به وبعائلته ، ترك المدرســــة وهو في ســن الحادية عشر وسافر إلى مصر متوجّها إلى الإسكندرية عام 1902 كانت مصر مركزاً للمفكرين اللبنانيين الهاربين من قمع الأتراك ســاعياً لتحصيل رزقه فاشتغل في بيع السجائر بمساعدة عمه الذي كان يمتهن تجارة التبغ ، مستغلاً أوقات فراغه في الدرس والمطالعة ونظم الشِعر . وهناك التقى بأنطون الجميل، الذي كان قد أنشأ مع أمين تقي الدين مجلة "الزهور" فاُعجب بذكائه وعصاميته إعجابا شديدا ودعاه إلى الكتابة بالمجـــــلة، فنشر فيها أولى قصائده ، وتابع فيها نشر أعماله وفي المجلات اللبنانية التي كانت تصدر في مصـــر أهمّها ( العـــلم ) و ( الإكسبريس ) ، وقبل أن يبلغ العشرين من العمر أصدر بواكير شعره في ديوان أطلق عليه اسم " تذكار الماضي "أو ديوان إيليا ضاهر أبو ماضي الذي أصدره في عام 1911م عن المطبعة المصرية ، وأهداه إلى الأمة المصرية بهذه الكلمة : (( أيتها الأمة الودودة . هذا ديواني الذي نظمته تحت سمائك وبين مغانيك أرفعه إليك لا طلباً للمثوبة ولا ابتغاء للشكر ولكن إظهاراً لما تكنه جوانحي من العطف عليك والتعلّق بك )) .

    كان شعره السياسي والوطني عرضةً لمضايقات السلطة الرسمية ، فهاجر عام 1912 إلى أمريكا الشمالية، فوصل أولاً إلى مدينة سنسيناتي بولاية أوهايو حيث أقام فيها أربع سنوات ، بعيداً عن دنيا الأدب منصرفاً إلى العمل التجاري مع أخيه البكر مراد في التجارة، وتنقل بعــدها في الولايات المتحدة إلى أن استـــــقر في مدينــــة نيويورك عام 1916 " بعد ثلاث سنوات أصدر الجزء الثاني من ديوانه مع مقدّمة لجبران جاء فيها : (( في ديوان أبو ماضي سلالم بين المنظور وغير المنظور . وحبال تربط مظاهر الحياة بخفاياها ، وكؤوس تملأه بتلك الخمرة التي إن لم ترشفها تظل ظمآن حتى تملّ الآلهة البشر فتغمرهم ثانية بالطوفان ))

    شارك في تأسيس الرابطة القلمية في نيويورك عام 1920مع إخوانه أساطين الأدب العربي في المهجر: نسيب عريضة – ميخائيل نعيمة – ندرة حداد – عبد المسيح حداد – رشيد أيوب –أمين الريحاني – وليم كاتسفيلد .

    عمل في نيويورك محرّراً في جريدة ( زحلة الفتاة ) ثم من عام 1917 ـ 1927 نائباً لتحرير جريدة ( مرآة الغرب ) لصاحبها نجيب دياب. تزوج من ابنته دوروتي دياب وأنجبت له ثلاثة أولاد هم ريتشارد وإدوارد وروبرت (بوب) . في عام 1927 اصدر ديوان ( الجداول ) وفيه تجلذى منتهى نضجه الشعري ، فمن النادر أن يجتمع في ديوان واحد ما اجتمع في الجداول من القصائد الرائعة الغنية بالشعور الإنساني وجمال الصور وعذوبة الأنغام فضلاً عن جلال المواضيع وطرافة التخيّلات كقصائد : العنقاء ـ العميان ـ الطين ـ تعالي ـ الزمان ـ الطلاسم التي أدهشت المفكرين وأعجزت المقلّدين . في عام 1929 ترك العمل الصحفي المأجور وأنشأ لحسابه مجلة ســــماها " السمير" واتخذ مكتباً له في حي السوريين وفي عام 1939 أصبحت جريدة يومية والتي تعد مصدراً أولياً لأدب إيليا أبي ماضي، كما تعد مصدراً أساسياً من مصادر الأدب المهجري، حيث نشر فيها معظم أدباء المهجر، وبخاصة أدباء المهجر الشمالي كثيراً من إنتاجهم الأدبي شعراً ونثراً . واستمرت في الصدور حتى وفاته . في عام 1946 أصـدر ديوان (الخمائل) فدعم تليد الشهرة بالطريف فكان روعة تضاهي روعة الأنغام في الجداول ، ولكنها لا تزايدها . إنها امتداد لجداول الفكر والعاطفة كقصائد : أمنية الآلهة ـ الدمعة الخرساء ـ الفراشة المحتضرة ـ ابتسم ـ كن بلسماً ـ الشاعر في السماء ـ بنت الطلاسم الصغرى التي تعتبر الأسطورة الأزلية . توفّي شاعرنا يوم الأربعاء في 27 تشرين الثاني عام 1957إثرَ إصابته بنوبة قلبية .

    أهم أعمــــــــاله :

    ــ تذكار الماضي ـ الاسكندرية 1911

    ــ إيليا أبو ماضي ـ نيويورك 1918

    ــ الجداول ـ نيويورك 1927

    ــ الخمائل ـ نيويورك 1946

    ــ تبر وتراب

    ــ الغابة المفقودة

    ــ مجموعة من القصائد متناثرة في بعض الصحف و خاصة صحيفة "العصبة"

    يعتبر إيليا من الشعراء المهجريين الذين تفرغوا للأدب والصحافة، ويلاحظ غلبة الاتجاه الإنساني على سائر أشعاره، ولاسيما الشعر الذي قاله في ظل الرابطة القلمية وتأثر فيه بمدرسة جبران. خلف أبو ماضي تراثا شعريا جيدا بدأ بنشره في الصحف المصرية ثم تابع إنتاجه في أمريكا . تميزت أشعاره بالرقة والعذوبة والحنين إلى الوطن ووصف الطبيعة. قالت عنه فدوى طوقان: )) إنني أرفع أبو ماضي إلى القمة ولا أفضّل عليه شاعراً عربياً آخر لا في القديم ولا في الحديث. فالشعر العربي لم يعرف له من نظير)) .

    إن أهم العوامل التي أثّرت في شعره : الفقر ، فنشأته في قسوة الفقر، جعلت منه رسولاً للفقراء، فكتب دوماً عن المساواة الاجتماعية، فكلنا من تراب، لا غني ولا فقير . الهجرة، والاغتراب ، كان التشرد في الغربة ثاني مدماك في اتجاه أبي ماضي، ومن التشرد تعلم الوفاء للوطن، فأغزر في الشوق اليه والعناية بطيفه الباق في قلبه. الاختلاط بالنخب، ففي المهجر، كان أبي ماضي منغمساً في علاقته برواد النهضة العربية وقادة الفكر التحرري الأدبي، فاستفاد منهم، وبنى منهجه الشعري وأسلوبه الأدبي .

    وفي قراءتنا لشعره : فقد سمّاه النقاد ( شاعر الأمل والتفاؤل ) حيث قال :

    قال الســــماء كئيبةً وتجهمـــاَ ***** قلت ابتسم يكفي التجهم في السما

    قال الصبا ولّى فقلت له ابتسم ***** لن يُرجع الأسف الصبا المتصرّما

    و لم ينس أوجاع الفقراء والمسحوقين فكتب لهم كثيراً وجعلهم من ثوابت قلمه المبدع فقال :

    لهفــــي ولو أجدى التعيس تلهفـــي ***** لسفكن دمعي عنده ودمــائي

    علّمتنـي الحيـــــاة في الفقـــــر إني ***** أينما كنت ساكن في التراب

    خلت أني في الفقر أصبحت وحدي ***** فإذا الناس كلـــــّهم في ثيابي

    أما الوطن، فلم يغب، فكان لبنان محور يوميات ايليا أبو ماضي ، فقال في قصيدة ( لبنان ) : اثنان أعيا الدهر أن يبليهما ***** لبنان والأمل الذي لذويه وأجاد مع الحرب العالمية في ترجمة الحنين إلى العائلة والأرض شعراً: يا جارتي كان لي أهلٌ وإخوان ***** فنبّت الحرب ما بيني وبينــهم كما تقطــــــع أمراس وخيطان ***** فاليوم كل الذي فيه مهجتي ألم وكل ما حولهم بؤس وأحــزان ***** وكان لي أمل إذا كان لي وطن

    نصل إلى الحب، كانت تجارب أبي ماضي قاسيةً عاطفياً، ولكنه احتفظ بالأمل الذي لم يفارق كتاباته، فكان يخرج دوماً حالماً مبرراً القسوة والانكسار جاعلاً منه قلعة تفاؤل وتمسك بالحب، رغم انه لم ينف الحزن في قلبه، إلإ إنه ميزه عن اليأس . فقال في الحب :

    تعالي إن ربّ الحب يدعونا إلى الغاب

    تعالي قبلما تسكت في الروض الشحارير

    تعالي قبلما تطمر أحلامي الأعاصير

    فقال في السياسة :

    واهجر أحاديث السياسة والألى ***** يتعلّقــــون بحبـــل كل ســــياسي

    إني نبذت ثمـــــارها مذ ذقتـــها ***** ووجدت طعم الغدر في أضراسي

    أما نظرته إلى الحياة فنظرة المتفائل المؤمن بجمال الحياة ، يريد أن يُشرك البشر في بركات هذه النظرية فقال :

    إذا أنا لم أجد حقلاً مريعاً ***** خلقت الحقل من روحي وذهني

    فكادت تملأ الأزهار كفي ***** ويعلق بالشــــــذا الفوّاح رُدني

    ==============

    لتكن حيــــــاتك كلّها ***** أملاً جميــــلاً طيّبا

    ولتملأ الأحلام نفسك ***** في الكهولة والصبا

    وعلّمنا أن نفتح قلوبنا إلى الحياة ونأخذ منها أجمل ما فيها ونمرّ مرور الكرام عل شرورها وآلامها وأحاجيها فقال :

    أيها الشاــــكي الليالي ***** إنّما الغبطــــة فكره

    أيها العابس لن تعطى ***** على التقطيب أجره

    لا تكن مُرّاً ولا تجعل ***** حيـــاة الناس مُــــرّه

    فإيليا أبو ماضي ، هو الشاعر الفيلسوف، كان ذو رؤيةٍ فلسفية لكل شيء ، فله في الموت فلسفة وفي الكون والوجود، وفي السياسة وفي المجتمع وفي الحب، آمن أن الإنسان خالد وأن الموت ليس آخر المطاف، بل تكملة للمسيرة، شارك جبران خليل جبران في إيمانه بالتقمص والعودة بأشكالٍ حياتية أخرى، خصص مساحةً من شعره للماورائيات، عادى التعصب والطائفية، ونبذها في قصائده مبشراً بديانة الإنسان !

    ونورد أدناه مقتطفات من قصائده :

    1 ـ ما قاله في قصيدة الطلاسم من ديوان الجداول :

    جئت، لا أعلم من أين، ولكنّي أتيت

    ولقد أبصرت قدّامي طريقا فمشيت

    وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت

    كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟

    لست أدري!

    أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود

    هل أنا حرّ طليق أم أسير في قيود

    هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود

    أتمنّى أنّني أدري ولكن...

    لست أدري!

    وطريقي، ما طريقي؟ أطويل أم قصير؟

    هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغور

    أأنا السّائر في الدّرب أم الدّرب يسير

    أم كلاّنا واقف والدّهر يجري؟

    لست أدري!

    ليت شعري وأنا عالم الغيب الأمين

    أتراني كنت أدري أنّني فيه دفين

    وبأنّي سوف أبدو وبأنّي سأكون

    أم تراني كنت لا أدرك شيئا؟

    لست أدري!

    أتراني قبلما أصبحت إنسانا سويّا

    أتراني كنت محوا أم تراني كنت شيّا

    ألهذا اللّغو حلّ أم سيبقى أبديّا

    لست أدري... ولماذا لست أدري؟

    لست أدري!

    البحر:

    قد سألت البحر يوما هل أنا يا بحر منكا؟

    هل صحيح ما رواه بعضهم عني وعنكا؟

    أم ترى ما زعموا زوار وبهتانا وإفكا؟

    ضحكت أمواجه مني وقالت:

    لست أدري!

    أيّها البحر، أتدري كم مضت ألف عليكا

    وهل الشّاطىء يدري أنّه جاث لديكا

    وهل الأنهار تدري أنّها منك إليكا

    ما الذّي الأمواج قالت حين ثارت؟

    لست أدري!

    أنت يا بحر أسير آه ما أعظم أسرك

    أنت مثلي أيّها الجبار لا تملك أمرك

    أشبهت حالك حالي وحكى عذري عذرك

    فمتى أنجو من الأسر وتنجو؟ ..

    لست أدري!

    ترسل السّحب فتسقي أرضنا والشّجرا

    قد أكلناك وقلنا قد أكلنا الثّمرا

    وشربناك وقلنا قد شربنا المطرا

    أصواب ما زعمنا أم ضلال؟

    لست أدري!

    قد سألت السّحب في الآفاق هل تذكر رملك

    وسألت الشّجر المورق هل يعرف فضلك

    وسألت الدّر في الأعناق هل تذكر أصلك

    وكأنّي خلتها قالت جميعا:

    لست أدري!

    برفض الموج وفي قاعك حرب لن تزولا

    تخلق الأسماك لكن تخلق الحوت الأكولا

    قد جمعت الموت في صدرك والعيش الجميل

    ليت شعري أنت مهد أم ضريح؟..

    لست أدري!

    كم فتاة مثل ليلى وفتى كأبن الملوح

    أنفقا السّاعات في الشّاطىء ، تشكو وهو يشرح

    كلّما حدّث أصغت وإذا قالت ترنّح

    أخفيف الموج سرّ ضيّعاه؟..

    لست أدري!

    كم ملوك ضربوا حولك في اللّيل القبابا

    طلع الصّبح ولكن لم نجد إلاّ الضّبابا

    ألهم يا بحر يوما رجعة أم لا مآبا

    أم هم في الرّمل ؟ قال الرّمل إني...

    لست أدري!

    فيك مثلي أيّها الجبّار أصداف ورمل

    إنّما أنت بلا ظلّ ولي في الأرض ظلّ

    إنّما أنت بلا عقل ولي ،يا بحر ، عقل

    فلماذا ، يا ترى، أمضي وتبقى ؟..

    لست أدري!

    يا كتاب الدّهر قل لي أله قبل وبعد

    أنا كالزّورق فيه وهو بحر لا يجدّ

    ليس لي قصد فهلل للدهر في سيري قصد

    حبّذا العلم، ولكن كيف أدري؟..

    لست أدري!

    إنّ في صدري، يا بحر ، لأسرار عجابا

    نزل السّتر عليها وأنا كنت الحجابا

    ولذا أزداد بعدا كلّما أزددت اقترابا

    وأراني كلّما أوشكت أدري...

    لست أدري!

    إنّني ،يا بحر، بحر شاطئاه شاطئاكا

    الغد المجهول والأمس اللّذان اكتنفاكا

    وكلانا قطرة ، يا بحر، في هذا وذاك

    لا تسلني ما غد، ما أمس؟.. إني...

    لست أدري!

    الدير:

    قيل لي في الدّير قوم أدركوا سرّ الحياة

    غير أنّي لم أجد غير عقول آسنات

    وقلوب بليت فيها المنى فهي رفات

    ما أنا أعمى فهل غيري أعمى؟..

    لست أدري!

    قيل أدرى النّاس بالأسرار سكّان الصوامع

    قلت إن صحّ الذي قالوا فإن السرّ شائع

    عجبا كيف ترى الشّمس عيون في البراقع

    والتي لم تتبرقع لا تراها؟..

    لست أدري!

    إن تك العزلة نسكا وتقى فالذّئب راهب

    وعرين اللّيث دير حبّه فرض وواجب

    ليت شعري أيميت النّسك أم يحيي المواهب

    كيف يمحو النّسك إثما وهو إثم؟..

    لست أدري!

    أنني أبصرت فيّ الدّير ورودا في سياج

    قنعت بعد النّدى الطّاهر بالماء الأجاج

    حولها النّور الذي يحي ، وترضى بالديّاجي

    أمن الحكمة قتل القلب صبرا؟..

    لست أدري!

    قد دخلت الدّير عند الفجر كالفجر الطّروب

    وتركت الدّير عند اللّيل كاللّيل الغضوب

    كان في نفسي كرب، صار في نفسي كروب

    أمن الدّير أم اللّيل اكتئابي؟

    لست أدري!

    قد دخلت الدّير استنطق فيه الناسكينا

    فإذا القوم من الحيرة مثلي باهتونا

    غلب اليأس عليهم ، فهم مستسلمو

    وإذا بالباب مكتوب عليه...

    لست أدري!

    عجبا للنّاسك القانت وهو اللّوذعي

    هجر النّاس وفيهم كلّ حسن المبدع

    وغدا يبحث عنه المكان البلقع

    أرأى في القفر ماء أم سرابا؟..

    لست أدري!

    كم تمارى ، أيّها النّاسك، في الحق الصّريح

    لو أراد اللّه أن لا تعشق الشّيء المليح

    كان إذ سوّاك بلا عقل وروح

    فالّذي تفعل إثم ... قال إني ...

    لست أدري!

    أيها الهارب إن العار في هذا الفرار

    لا صلاحٌ في الذي تصنع حتى للقفار

    أنتَ جانٍ أي جانٍ قاتل في غير ثار

    أفيرضى الله عن هذا و يعفو ؟

    لست أدري!

    بيــن المقابر

    ولقد قلتُ لنفسي و أنا بين المقابر

    هل رأيتِ الأمن و الراحة إلا في الحفائر

    فأشارت فإذا اللدود عيثٌ في المحاجر

    ثم قالت : أيها السائل إني

    لست أدري!

    انظري كيف تساوى الكل في هذا المكان

    و تلاشى في بقايا العبـد ربٌ الصولجان

    و التقى العاشق و القالي فما يفترقان

    أفهذا منتهى العدل ؟ فقالت :

    لست أدري!

    ان يك الموت قصاصـا ً اي ذنـب للطهـارة

    واذا كـان ثوابـا ً ، اي فضـل ٍ للـدعـارة

    واذا كـان ومـا فيـه جـزاءٌ او خـسـارة

    فـلـمَ الاسـمـاء اثـــم ٌ وصـــلاح ٌ

    لست أدري!

    ايهـا القبـر تكلـم واخبرينـي يـا رمـام

    هل طوى احلامك الموت وهل مـات الغـرام

    من هو المائت من عام ومـن مليـون عـام

    ايصيـر الوقـت فـي الارمـاس مـحـوا ً

    لست أدري!

    ان يك الموت رقـاداً بعـده صحـوٌ جميـل

    فلماذا ليس يبقـى صحونـا هـذا الجميـل

    ولماذا المرء لا يدري متـى وقـت الرحيـل

    ومـتـى ينكـشـف السـتـر فـنــدري

    لست أدري!

    ان يك الموت هجوعا يمـلأُ النفـس سلامـا

    وانعتاقـا لا اعتقـالا وابتـداءً لا ختـامـا

    فلمـاذا اعشـق النـوم ولا اهـوى الحمـام

    ولـمــاذا تـجــزع الارواح مــنــه

    لست أدري!

    أوراء القبـر بعـد المـوت بعـث ونشـور

    فحـيـاة فخـلـود أم فـنــاءٌ فـدثــور

    أكلام النـاس صـدقٌ ام كـلام النـاس زور

    أصحيـح ٌ إن بـعـض الـنـاس يــدري

    لست أدري!

    إن أكن ابعث بعـد المـوت جثمانـا وعقـلا

    اتـرى ابعـث بعضـا ام تـرى ابعـث كـلا

    اترى ابعـث طفـلا ام تـرى ابعـث كهـلا

    ثـم هـل اعـرف بعـد البـعـث ذاتــي

    لست أدري!

    يـا صديقـي لا تعللنـي بتمزيـق الستـور

    بعدما اقضـي فعقلـي لا يبالـي بالقشـور

    إن أكن في حالـة الإدراك لا ادري مصيـري

    كـيـف ادري بعـدمـا افـقـد رشـــدي

    لست أدري!

    إننـي جئـتُ وامضـي وأنــا لا اعـلـم ُ

    أنـا لغـزٌ، وذهابـي كمجيـئـي طلـسـمُ

    والـذي اوجـد هـذا اللغـز لغـزٌ مبـهـمُ

    لا تجـادل ..ذو الحجـى مـن قـال إنــي

    لست أدري!

    .................


    2 ـ وقال في قصيدة الطين :

    نسي الطين ساعة أنه طين ***** حقيــــر فصــال تيهاً وعربــــَدْ

    وكسا الخز جســمه فتباهى ***** وحوى المــــال كيســــه فتمرّدْ

    يا أخي لا تمل بوجهك عني ***** ما أنا فحمـــــة ولا أنت فرقـــدْ

    أأمانيّ كلـــــــها من تراب ***** وأمانيــــك كلــــها من عســـجدْ

    أنت مثلي من الثـرى وإليه ***** فلماذا يا صاحبي التيه والصدْ ؟

    3 ـ وكان شاعرنا رائد المتفائلين فقال :

    أيهـــا الشـــــــــاكي وما بــك داء ***** كيف تغـــدو إذا غدوت عليــــلا

    هــــو عبء الحيــــــــاة ثقيــــــل ***** من يظــــنّ عبء الحياة ثقيـــلا

    والذي نفســـــــه بغيــــر جمــــال ***** لا يرى في الوجود شيئاً جميلا

    كن هـــــزاراً في عشـــــّه يتغنّــى ***** لا غُراباً في الليل يبكي الطلولا

    كن غديرا يسير في الأرض رقراقاً ***** ويســـقي من جانبيــــه الحقولا

    لا وعــــــاء يقيــــّد المــــــاء حتّى ***** تستحيــــل الميــــاه فيه وحولا

    أيهـــــا الشــــــاكي وما بــــك داء ***** كن جميــــلاً تر الوجود جميلا


    4 ـ ونقرأ هذا الوصف الجميل للغني الفقير :

    يا عابد المال قل لي هل وجدت به


    روحا تؤانسك أو روحا تؤاسيها


    حتّى م ، يا صاح ، تخفيه و تطمره


    كأنّما هو سوءات تواريها ؟


    و تحرم النفس لذات لها خلقت


    و لم تصاحبك ، يا هذا ، لتؤذيها


    أنظر إلى الماء إنّ البذل شيمته


    يأتي الحقول فيرويها و يحميها


    فما تعكّر إلاّ و هوم منحبس


    و النفس كالماء تحكيه و يحكيها


    ألسجن للماء يؤذيه و يفسده


    و السجن للنفس يؤذيها و يضنيها


    و انظر إلى النار إنّ الفتك عادتها


    لكنّ عادتها الشنعاء ترديها


    تفني القرى و المغاني ضاحكة


    لجهلها أنّ ما تفنيه يفنيها


    أرسلت قولي تمثيلا و تشبيها


    لعلّ في القول تذكيرا و تنبيها


    لا شيء يدرك في الدنيا بلا تعب

    5 ـ وقال في الغـــزل :

    اسألوها ، أو فاسألوا مضناها


    أيّ شيء قالت له عيناها ؟


    فهو في نشوة و ما ذاق خمرا


    نشوة الحبّ هذه إيّاها


    ذاهل الطرف شارد الفكر ،


    لا يلمح حسنا في الأرض إلاّ رآها


    ألسواقي لكي تحدّث عنها


    و الأقاحي لكي تذيع شذاها


    و حفيف النسيم في مسمع


    الأوراق نجوى تبثّها شفتاها


    يحسب الفجر قبسه من سناها


    و نجوم السماء بعض حلاها


    و كذلك الهوى إذا حلّ في الأرواح


    سارت في موكب من رؤاها


    كان ينهى عن الهوى نفسه الظمأى


    فأمسى يلوم من ينهاها


    لمس الحبّ قلبه فهو نار


    تتلظّى و يستلذّ لظاها !


    كلّ نفس لم يشرق الحبّ فيها


    هي نفس لم تدر ما معناها


    6 ـ وعلّمنا شعره الاندماج في الطبيعة حيث طهارة الجو تنتقل إلى الأرواح وبشاشة الأرض تقشع الكآبة عن الصدور فقال :

    فليكُ الليل راهبي وشموعي ***** الشهب . والأرض كلّها محرابي

    وكتابي الفضـــــــاء أقرا فيه ***** سوراً ما قرأتــــها في كتـــــاب

    وصلاتي التي تقول السواقي ***** وغنائي صوت الصبا في الغاب

    ولتكحل يد السمــــاء جفوني ***** ولتعـــــانق أحلامـــه أهدابــــي

    وليقبّل فم الصبـــــاح جبيني ***** وليعطّــــر أريجـــــه جلبــــابي

    7 ـ وقال في تحيته إلى الشام :

    حيّ الشآم مهندا و كتابا


    و الغوطة الخضراء و المحرابا


    ليست قبابا ما رأيت و إنّما


    عزم تمرّد فاستطال قبابا


    فالثم بروحك أرضها تلثم عصورا


    للعلى سكنت حصى و ترابا


    و اهبط على بردى يصفّق ضاحكا


    يستعطف التلعات و الأعشابا


    روح أطلّ من السماء عشية


    فرأى الجمال هنا .. فحنّ ، فذابا


    و صفا و شفّ فأوشكت ضفاته


    تنساب من وجد به منسابا


    با أدمع حور الجنان ذرفنها


    شوقا ، و لم تملك لهنّ إيابا


    بردى ذكرتك للعطاشى فارتووا


    و بنى النهى فترشّفوك رضابا

    8 ـ إن الحيرة في أسرار الوجود بدأت تُخامر ذهنه منذ وصوله إلى مدينة سنسيناتي في ولاية أوهايو قبل أن يعرف نيويوك ويتصل بجبران وبأعضاء الرابطة القلمية فقال :

    أفكّر كيف جئت وكيف أمضي ***** على رغمي فأعيا بالجواب

    أتيت ولم أكـــــن أدري مجيئي ***** وأذهب غير دار بالإيــاب

    إذا كان المصــير إلى التلاشي ***** فلمَ جئنا وكنا في حجاب ؟

    وإن كان المصــــير إلى خلود ***** فما معني المنيّة والتبــاب

    أمور لا يحيـــــط بهــــن فكر ***** ولو أمسى يحيط بكلّ باب

    9 ـ ونقرأ في ديوان الخمائل قصيدة كن بلسماً :

    كـن بـلـسماً إن صار دهرك أرقما وحـلاوة إن صـار غـيـرك عـلـقما

    إن الـحـيـاة حـبـتـك كـلَّ كـنـوزهـا لا تـبخلنَّ على الحياة ببعض ما ..

    أحـسـنْ وإن لـم تـجـزَ حـتى بالثنا أيَّ الجزاء الغيثُ يبغي إن همى؟

    مَــنْ ذا يــكـافـئُ زهـرةً فـواحـةً؟ أو مـن يـثـيـبُ الـبـلـبل المترنما؟

    يـا صـاحِ خُـذ عـلـم الـمـحبة عنهما إنـي وجـدتُ الـحـبَّ عـلـمـا قـيـمـا

    لـو لـم تَـفُـحْ هذي ، وهذا ما شدا، عـاشـتْ مـذمـمـةً وعـاش مـذمـمـا

    أيـقـظ شـعـورك بـالـمـحبة إن غفا لـولا الـشعور الناس كانوا كالدمى

    أحبب فيغدو الكوخ كونا نيرا وابغض فيمسي الكون سجنا مظلما

    10 ـ ونقرأ ما قال في قصيدة ( المســاء ) :

    السحب تركض في الفضاء الرّحب ركض الخائفين

    و الشمس تبدو خلفها صفراء عاصبة الجبين

    و البحر ساج صامت فيه خشوع الزاهدين

    لكنّما عيناك باهتتان في الأفق البعيد

    سلمى ... بماذا تفكّرين ؟

    سلمى ... بماذا تحلمين ؟

    * * *

    أرأيت أحلام الطفوله تختفي خلف التّخوم ؟

    أم أبصرت عيناك أشباح الكهوله في الغيوم ؟

    أم خفت أن يأتي الدّجى الجاني و لا تأتي النجوم ؟

    أنا لا أرى ما تلمحين من المشاهد إنّما

    أظلالها في ناظريك

    تنمّ ، يا سلمى ، عليك

    إنّي أراك كسائح في القفر ضلّ عن الطّريق

    يرجو صديقاً في الفلاة ، وأين في القفر الصديق

    يهوى البروق وضوءها ، و يخاف تخدعه البروق

    بل أنت أعظم حيرة من فارس تحت القتام

    لا يستطيع الانتصار

    و لا يطيق الانكسار

    * * *

    هذي الهواجس لم تكن مرسومه في مقلتيك

    فلقد رأيتك في الضّحى و رأيته في وجنتيك

    لكن وجدتك في المساء وضعت رأسك في يديك

    و جلست في عينيك ألغاز ، و في النّفس اكتئاب

    مثل اكتئاب العاشقين

    سلمى ... بماذا تفكّرين ؟

    * * *

    بالأرض كيف هوت عروش النّور عن هضباتها ؟

    أم بالمروج الخضر ساد الصّمت في جنباتها ؟

    أم بالعصافير التي تعدو إلى و كناتها ؟

    أم بالمسا ؟ إنّ المسا يخفي المدائن كالقرى

    و الكوخ كالقصر المكين

    و الشّوك مثل الياسمين

    * * *

    لا فرق عند اللّيل بين النهر و المستنقع

    يخفي ابتسامات الطروب كأدمع المتوجّع

    إنّ الجمال يغيب مثل القبح تحت البّرقع

    لكن لماذا تجزعين على النهار و للدّجى

    أحلامه و رغائبه

    و سماؤه و كواكبه ؟

    * * *

    إن كان قد ستر البلاد سهولها ووعورها

    لم يسلب الزهر الأريج و لا المياه خريرها

    كلا ، و لا منع النّسائم في الفضاء مسيرها

    ما زال في الورق الحفيف و في الصّبا أنفاسها

    و العندليب صداحه

    لا ظفره و جناحه

    * * *

    فاصغي إلى صوت الجداول جاريات في السّفوح

    واستنشقي الأزهار في الجنّات ما دامت تفوح

    و تمتّعي بالشّهب في الأفلاك ما دامت تلوح

    من قبل أن يأتي زمان كالضّباب أو الدّخان

    لا تبصرين به الغدير

    و لا يلذّ لك الخرير

    * * *

    لتكن حياتك كلّها أملا جميلا طيّبا

    و لتملإ الأحلام نفسك في الكهولة و الصّبى

    مثل الكواكب في السماء و كالأزاهر في الرّبى

    ليكن بأمر الحبّ قلبك عالما في ذاته

    أزهاره لا تذبل

    و نجومه لا تأفل

    * * *

    مات النهار ابن الصباح فلا تقولي كيف مات

    إنّ التأمّل في الحياة يزيد أوجاع الحياة

    فدعى الكآبة و الأسى و استرجعي مرح الفتاه

    قد كان وجهك في الضّحى مثل الضّحى متهلّلا

    فيه البشاشة و البهاء

    ليكن كذلك في المساء


    ======================

    1/10/2014 المهندس جورج فارس رباجية

    المفــــردات :

    (1) ـ ورد في جريدة السائح عام 1927 أن تاريخ ولادته كان عام 1889 . وهجرته إلى أميركا عام 1911 .

    ـ وفي مصدر آخر أنه ولد عام 1891

    ـ وفي كتاب أدبنا وأدباؤنا في المهاجر الأميركية لجورج صيدح : أن ولادته كانت عام 1891 .

    المصـــــادر والمراجـــــع :

    ــ أدبنا وأدباؤنا في المهاجر الأميركية : جورج صيدح ، الطبعة 2 ـ 1957 بيروت

    ــ المنجد في اللغة والأعلام : بيروت 1973

    ــ شعراؤنا ( إيليا أبو ماضي ) : دار صادر ـ بيروت

    ــ مواقع على الإنترنت :

    www.adab.com

    www.metarab.com

    www.konouz.com

    www.ar.wikipidia.org

    www.goodreads.com

    www.alhakawati.net

    www.syrianstory.com

    waell

    مُساهمة الثلاثاء 20 أكتوبر 2015 - 4:01 من طرف waell

    الرصافة
    المهندس جورج فارس رباحية  - صفحة 2 Empty من طرف المهندس جورج فارس رباحية أمس في 10:29 pm

    =03719333f84a3bbf89f88b7ebe6aefe9&cvf[1]=cfa084e04a0e2a3b9a9a5cf212b0eaf4&eval=plus&p_vote=130565]+
    ----
    =4305c6e6d7f79ba69bc9298aec790eb6&cvf[1]=96d7f052666436d4214db62ed18a1812&eval=minus&p_vote=130565]-

    الرصـــافة
    سرجيوبوليس  ـ  رصافة هشام
    المهندس جورج فارس رباحية
     تقع الرصافة في شمال البادية السورية جنوب غرب مدينة الرقة و تبعد عنها حوالي 65 كم و حوالي 25 كم عن الطريق العام حلب – الرقة إلى الجنوب الشرقي من مفرق مدينــــــة الثورة (الطبقة)، حيث يقع سد الفرات. ويمكن الوصول اليها أيضا عن طريق عام حمص ـ السلمية ، أو من حلب - الطريق العام باتجاه الرقة.  
     للرصافة  أهمية تجارية ، حيث كانت المدينة و منذ نشوئها في القرن التاسع قبل الميلاد مركز التقاء طرق التجارة و البضائع على درب القوافل و هو دور لعبته أيضاً بسبب مركز ســــوريا آنذاك في وسط العالم القديم. كانت حامية رومانية تقام فيها ضمن سلسلة حصــــــون من النظام الروماني الدفاعي الممتد حتى مسافة 30 كيلومترا بين الحصن والآخر والتي كانت تبدأ من مدينة تدمر مرورا بأرك والسخنة والطيبة والكوم والرصافة لتنتهي بمدينة سورا على نهر الفــــرات لتأمين خط سير القوافل التجارية القادمة من تدمر والذاهبة إليها وإلى دمشق وغيرها من المدن وصولا إلى البحر المتوسط                                                                              والأهمية الثانية هي الديانة المسيحية والذي بدأً أتباعها باعتناقها من القرن الثالث الميلادي،  حيث شهدت المدينة استشـــــهاد رجلين مؤمنين بالديانة المسيحية على أيدي السلطة الرومانية التي كانت حاكمة المدينة ، فأصبحت فيما بعد مركز حج ديني ، استقطب الحجاج إليه من كافة أنحاء العالم آنذاك و لعدة قرون.
    أسماء المدينة :                                                                                       وردَ في نص آشوري يعود إلى العام 840 ق.م اسم "راصابا Rasappa" غير أنَّ انعدام الآثار الآشورية في المكان يستبعد مماهاة هذا الاسم مع الرصافة، وفي العصرين الهيلنستي والروماني كانت الرصــــافة ـ التي لم تكن سوى قلعة قليلة الشأن- في منطقـــة تنازع بين القوى الكبــــرى المتواجدة شرقي نهر الفرات (الفرتيين ثم الساسانيين من بعدهم) والقوى الكبرى المتواجدة غربي النهر (السلوقيين ثم الرومان من بعدهم)، ولذلك فقد أضحت مقرَّاً لحامية محصَّنة ما عتمت أن تبعت لدولة تدمر. وفي الدور البيزنطي أُطلِق عليها اسم سيرجيوبوليس (مدينة سيرجيوس) من اليونانية في القرن الرابع إكراماً لرفات القديسَيْن الشهيدَيْن سيرجيوس وباخوس اللذيْن رفضا تقديم الذبائح لآلهـة الرومان والتخلِّي عن المسيحية عام 305 م زمن الإمبراطور ديوكليسيانوس. وبعد ذلك بعدة سنوات اجتمع خمسة عشر مطراناً في الرصافة ( سيرجيوبوليس ) وقرروا تشييد كنيسة بازيليكية لحفظ رفات القديسين سيرجيوس وباخوس وجوليا وهذه الكنيسة - التي حُفِظت فيها الرفات-هي غير الكنيسة أو المارتيريون الذي كان قد بُنِي في الموضع الذي يُفترَض أن يكون القديس سيرجيوس أو (مار سركيس) قد نال شهادته فيه. وكذلك فإنَّ هذه الكنيسة هي غير البازيليك الكبرى المكرَّسة للصليب المقدس والتي نُقِلت إليها الرفات فيما بعد ، وسيأتي الحديث عن هذه الكنائس لاحقاً. ثم إنَّ الإمبراطور البيزنطي أناستازيوس الأول الذي حكمَ ما بين (491- 518) م ، أطلقَ اسمَه على المدينة فباتتْ تُعرَف – ولو لفترة وجيزة - بأناستازيوبوليس (أي مدينة أناستازيوس). ومنذ القرن الثامن أي بعد الفتح العربي درجَ عليها اسم " رصافة هشام " نسبة ً إلى الخليفة هشام بن عبد الملك (722-743م) الذي جعلها مقرَّاً لولايته. ثمة أسماء أخرى أخذتها المدينة ، ولو لفترات وجيزة عبر تاريخها أهمها " رصافاس " الذي وردَ في الوثائق الكنسيَّة اليونانية و" رطافا " و" تيترابيرجيون " كما سمَّاها العرب " الرضاب " و" الزوراء " و " لؤلؤة بادية الشام ".    
    شهدت الرصافة ( سرجيوبوليس ) فترتي ازدهار :
    الأولى في القرن السادس الميلادي أثناء الحكم المحلي لأمراء الغساسنة تحت مظلة بيزنطة ، وبخاصة أيام الحارث الثاني الغساني (529-569م) وابنه المنذر بن الحارث (569-581م)  لهم الفضل ترميم الأسوار ،وقد شادوا فيها الكثير من المباني كتشييد الكاتدرائية الكبرى في الرصافة ، وبنى ابنه المنذر بن الحارث خزانات المياه ودعم الأسوار. وبلغت المدينة في أواخر القرن الخامس وخلال القرن السادس الميلادي قمة الازدهار، وبنى المنذر بن الحارث قصرا خارج
    أسوار مدينة الرصافة ، إلى الشمال الشرقي من بوابة المدينة الشمالية ،  وأبعاده 20 ×  17م ، وكان القصر مقراً لاجتماع القبائل ، ويعتقد أن القديس سرجيوس قد دفن فيه ونقل فيما بعد إلى كنيسة الشهادة ثم إلى حيث تقوم كاتدرائية سرجيوس حالياً ، ويقال إن المنذر بن جبله الغساني قد دفن في هذا القصر ، وفي صدر الحنية الرئيسية هناك كتابة بالأحرف اليونانية وتمنيات النصر تخليداً لذكرى انتصارات المنذر على اللخميين.
     الثانية: هي فترة هشام بن عبد الملك الذي سبقت الإشارة إليه.  مع دخول العرب بعد معركة اليرموك سنة 636 م شهدت الرصــــافة مرحلة ازدهار ثانية بعهد الخليفة هشــــام بن عبد الملك ( 724 ـ 743 ) م فأعاد بناء الرصـــافة فبنى فيها قصرين اكتشف أحدهما مؤخّراً فنُسِبَت إليه فيقال : ( رصافة هشام ) .وكانـت وفاته بالرصافة وقبره فيها .                      شهدت المدينة ازدهارا في الفترة الأموية وخاصة في فترة حكم الخليفة الموي هشام بن عبد الملك وتعايش سكان المدينة المسيحيون والمسلمون بصورة فريدة من نوعها
    سركيس و التي كانت كنيسة الحجــــاج الرئيسية في المدينة.    وفي العهد العباسي، رفض العباسيون أن تكون أحد المراكز الأموية مركزاً لخلافتهم، لكن الدراسات بينت أنهم استخدموا المدينة لبضعة أعوام ، ويلاحظ أن العباسيين استخدموا القصور كمبانٍ سكنية ، وفي تلك الفترة ، أسس "عبد الرحمن الداخل"، "صقر قريش"، الخلافة الأموية في "الأندلس"، وهو حفيد "هشام بن عبد الملك"، وكان قد قضى شطراً طويلاً من حياته في "البادية" و"الرصافة"، وبنى في "الأندلس" قصراً، أطلق عليه اسم "قصر الرصافة"، وقد اكتشفه الآثاريون الأسبان منذ بضعة أعوام،
      المحطات الهامة في تاريخها: بعد سقوط دولة تدمر في آب من العام 273م، خرجت الرصافة -التي لم تكن آنذاك سوى قلعة تضمّ حامية عسكرية لمراقبة التخوم الفراتية، خرجت من فلك الدولة التدمرية. ويفيدنا أحد الأسماء اليونانية التي أُطلِقت على المكان "تيترابيجيون ύ" على أنَّ القلعة كانت متواضعة لها أربعة أبراج فقط (من اليونانية =أربعة، وύo=برج دفاعي) وبعد استلام روما زمام الأمور (بعد سقوط تدمر) أقامت فيها حامية رومانية عام 293م أيام ديوكلسيانوس. ثم إنها اكتسبت أهمية خاصة في القرن الرابع، أي بداية الدور البيزنطي بسبب استشهاد القديس سرجيوس فيها حيث أصبحت محجَّاً هاماً لمسيحيي سورية وجوارها، وبدأت منذ ذلك الحين تكتسب أهمية متزايدة ليس بسبب هذا وحسب بل لأنَّ أمراء الغساسنة الذين كانوا يأخذون على عاتقهم عبء حماية حدود الإمبراطورية البيزنطية ضد أبناء عمهم اللخميين المناذرة -وهم من تنوخ- الذين كانوا يلعبون الدور ذاتَه، ولكن لصالح الفرس ضد بيزنطة على الجانب الشرقي من نهر الفرات وعاصمتهم الحيرة. إذن كانت ثمرة هذا العبء الذي أخذه الغساسنة هو شكلٌ من الحكم الذاتي الذي منحتهم إياه بيزنطة، فكان أن ازدهرت نتيجة ذلك مناطق سيادتهم على طول شريط البادية السورية المحاذي للفرات الأوسط من جهة الغرب، وكانت عاصمتهم الجابية جنوب دمشق في منطقة حوران. ففي القرن السادس لمعَ الحارث الثاني وابنه المنذر وشهدت سيرجيوبوليس في أيامها حركة عمرانية واسعة النطاق على الصعيدين المدني والكنسي والشعبي والرسمي، وأصبحت الرصافة بذلك تنعم بالرفاه بفضل هبات الحجاج ونذورهم، مما أغرى كسرى الأول أنوشروان الساساني بغزوها عام 542م، ولكنه اكتفى بعد مفاوضات مضنية بأخذ الفدية وسلب كنوزها وثرواتها ومن بينها الصليب الذهبي المرصَّع بالجواهر الذي كان قد قدمته الإمبراطورة ثيوذورا وزوجها الإمبراطور جوستنيان الأول (527-565م) إلى ضريح سيرجيوس، وكان أن أدركَ جوستنيان خطورة الوضع وأمرَ بتحصين المدينة وترميم أسوارها وأرسلَ حامية عسكرية للدفاع عنها. وأتى المنذر بن الحارث بعد ذلك ليهتم بصهاريجها الكبيرة وبتشييد العديد من المباني ودور السكن. وفي العام 596م رممها الإمبراطور موريقيوس (موريس) كما أنشأ الغساسنة لهم في أواخر القرن السادس إيواناً خارج الأسوار هو إيوان المنذر بن الحارث الذي قامت الدولة بترميمه بهدف تحويله إلى متحف إقليمي. وفي عام 614 و616 اجتاحها كسرى الثاني أبرويز وخرَّبها، غير أنَّ الإمبراطور هيراقليوس انتصر عليه واستعاد المدينة وأخرجه من البلاد (628م)، وبعد الفتح العربي الإسلامي جرت بحكم بني أمية حيث اختارها هشام بن عبد الملك قاعدةً لحكمه. وقد عرفت الرصافة فترة ازدهار ثانية في زمن حكمه وكانت عامرة وآهلة بالسكان المسيحيين يمارسون شعائرهم وعباداتهم على أكمل وجه.
    بقيت المدينة على مسيحيتها ردهاً طويلاً في ظلِّ الخلافة الأموية وما بعدها إلى أن غزاها هولاكو المغولي التتري عام 1260م فسلب َكنوزَها ودمَّرها، وبعد ذلك بأربع سنوات فقط جاء السلطان المملوكي بيبرس ليأتي على ما تبقَّى منها وأفرغها من سكَانها وأجلاهم إلى مدينتي حماه وسلمية. وهكذا خرجت الرصافة من التاريخ لتدخل عالم الآثار. جديرٌ بالذكر أنَّ الرصافة كانت أسقفية تابعة لميتروبوليتية هيرابوليس (منبج) التابعة للكرسي الأنطاكي، وظلت كذلك حتى مطلع القرن السادس حين رفَّعها الإمبراطور أناستازيوس الأول إلى ميتروبوليس (من اليونانية=أماً للمدن) بعد أن أعطاها اسمَه، فارتقت بذلك من مرتبة الأسقفية إلى المطرانية وباتت تتبع لها خمس أسقفيات على طول الفرات. ومن أشهر مطارنتها "قنديد" الذي تعرَّض له كسرى الأول بالإهانة لتأخره عن دفع الفدية.

    أهم المعالم الباقية في الرصافة :
    أولاً : كنائس الرصافة توضح الخارطة الأثرية لمدينة الرصافة/سيرجيوبوليس وجود سبع كنائس ضمن أسوارها، ولكنها ليست كلها بحالة جيدة من الحفظ. غير أنَّ أبرزها ثلاث كنائس سنتعرَّض لوصفها بشيء من التفصيل فيما يلي:                                                                       1-الكنيسة المعروفة باسم المارتيريون: كما أشرنا سابقاً، تعني كلمة مارتيريون اليونانية "بيت الشهداء" ولدينا ما يوازيها في العربية لفظة "المشهد" كأن نقول مثلاً "مشهد الحسين" وما إلى ذلك، وبالسريانية نقول بَسَؤدا=باسهدا أي بيت الشهداء. والمارتيريون في الرصافة كنيسة صغيرة غير أنها رائعة في زخارفها ونقوشها، وموضعها وسط الشطر الشمالي من المدينة تقريباً (انظر خارطة المدينة). واجهة الكنيسة تتقدمها ساحة مرتفعة ذات أعمدة، وأرضيتها مبلطة بالمرمر البلوري الأبيض، وقد شُيِّدت على الموضع الذي يُعتَقَد أنَّ القديس سيرجيوس نال شهادته فيه (؟). أبعاد كنيسة المارتيريون 42×34 متراً ومسقطها مستطيل ذو أجنحة على شكل قطاعات دائرية تشبه الانتفاخات القوسية باتجاه الخارج وهي متناظرة حول المحور الطولاني للكنيسة وتجعل المسقط أشبهَ بالصليب (انظر مسقط الكنيسة). الحنية الرئيسية في قدس الأقداس إلى جانبيها غرفة جنوبية (المارتيريون) وشماليه للشمامسة (ذياكونيكون) وكلتاهما مزودتان بحنيتين ضغيرتين جهة الشرق. وتمتاز القنطرة (أو القوس) فوق المذبح (أو قدس الأقداس) بنقوش غاية في الروعة والإتقان والذوق، ولا تقلُّ عنها روعةً، بل ربما تفوقت عليها تلك التي تتصدر غرفة الشمامسة. وتتكون بعض زخارفها من أغصان الكرمة تتداخل مع عناقيد العنب رمزاً للسيد المسيح الذي يقول "أنا الكرمة الحقيقة، وأبي الكرَّام" (يو 15: 1)، وأخرى تحمل شكل البيضة التي ترمز إلى الحياة والقيامة. وعلى تيجان الأعمدة زخارف شوك الأكانثوس التي ترمز إلى آلام السيد المسيح. وتذكِّرنا هذه الزخارف بما نراه على أقواس حنيات البازيليك الشرقية في كنيسة مار سمعان العمودي الكبرى المصلبة الشكل. أعمدة الكنيسة قطعة واحدة ترتكز على قواعد ضخمة. كانت جدران الكنيسة مكسوَّة ببلاط من المرمر الوردي الذي ربما رَمَزَ إلى دم الشهداء (؟) وكذلك كانت أرضها مبلطة بهذا المرمر.

    2-الكنيسة التي كانت تضمُّ رفات القديس سيرجيوس : وتقع هذه الكنيسة إلى الجنوب من كنيسة المارتيريون، والرائج أنها كانت تحوي على رفات القديسَيْن سيرجيوس وباخوس وجوليا. ولسوء الطالع فإنه لم يبقَ الشيء الكثير من هذه الكنيسة اليوم. وما نشاهده منها هو جزء من الحنية الوسط والزاويتين الجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية.                                                                                                3-الكنيسة الكبرى أو كنيسة الصليب المقدس : وكانت تُعرَف خطأً -وبدون أساس وثائقي- بكنيسة مار سركيس وهي بيت القصيد وواسطة العقد أو لؤلؤة التاج في جولتنا هذه. ولحسن الحظ فإنَّ الأجزاء الباقية منها تكفي لإعطائنا تصوراً شبهَ كامل عما كانت عليه في الأصل. لذلك سنتوسع في وصفها لا كما فعلنا بالنسبة لغيرها. تقع الكنيسة الكبرى قرب الزاوية الجنوبية الشرقية ضمن الأسوار، وهي بازيليكية الطراز بمعنى أنَّ مسطحها يتكوَّن من ثلاثة أسواق: وسطى عريضة وسقفها جملوني مرتفع، على جانبيها سوقان أقلّ عرضاً وارتفاعاً. وقد بُنيت في أواسط القرن السادس كما تفيدنا اللوحة التأسيسية المكتوبة باليونانية نثبت فيما يلي ترجمتها إلى اللغة العربية: "إبراهيم برحمة الله أسقـ(ف) سيرجيوبـ(وليس) شيَّد(ها) إكراماً للصليب المقدَّس لكي يصبحَ مستحقاً رحمة الله. الإنذ(يقتي) السابع في أيار عام 870" (الأجزاء الموضوعة ضمن أقواس هي إكمالاتنا للاختصارات التي لجأ إليها كاتب اللوحة) ويعادل هذا التاريخ عام 559م ضمن فترة حكم الإمبراطور جوستنيان وزوجته الإمبراطورة ثيوذورا، وكان المنذر بن الحارث فيلاركاً (من اليونانية فيلي آرخون=رئيساً للعشيرة) أي ملكاً محلياً بعد والده الحارث الثاني. الجدران الباقية من الكنيسة ما زالت ترتفع حتى علوّ 15 متراً إلى اليوم. صحن الكنيسة مكوُّن من ثلاثة أسواق -كما ذكرنا- يفصل بينهما صفان من القناطر التي تقوم على ركائز. وسنختصر الوصف الكلامي لهندسة الكنيسة من الداخل مستعيضين عنه بالمنظور المقطوع (أو المُشَرَّح) الذي وضعه عالم الآثار تشالنكو يعيد فيه إنشاء الكنيسة تخيلياً، فهذا من شأنه إعطاء صورة محسوسة للشكل العام لبناء الكنيسة. ولكن –ومع ذلك- فإنه لا بد من الملاحظات الهامة التالية التي سنسلط الضوء على الخصائص التي تتفرد فيها عمارة هذه الكنيسة عن سواها:                                                  أ‌- أقواس القناطر التي عادة ما تكون مبنية من دور حجري واحد، نجدها مبنية من دورين أحدهما بظهر الآخر توخياً للمتانة.                                                                         ب‌- ومع ذلك فإنَّه بالنظر إلى الفتحات (أو المجازات) الكبيرة لهذه القناطر (13 متراً بين مركز الركيزة ومركز التي تليها) قام المعمار –في زمنٍ لاحق- بتدعيم هذه القناطر الكبيرة بتجزئة المجاز إلى نصفين اجتازهما بقنطرتين (أو قوسين) صغيرتين، فاقتضى ذلك إضافة ثلاثة أعمدة بين كل ركيزتين متتاليتن ليقوم فوقهما القوسان أو القنطرتان الجزئيتان. ثم تمَّت عملية إغلاق الفراغات المتشكِّلة بين أعلى هذه الأقواس الصغيرة وأسفل القناطر الكبيرة الأصلية. وقد تمَّ هذا في مرحلة لاحقة على ما يبدو خشية أن تتصدع القناطر الكبيرة.                                                                            ج‌- الشكل الفراغي الظاهر في وسط صحن الكنيسة هو ما يُعرَف بالبيما (من اليونانية أو بيما أو بيماتوس) وتعني حرفياً قوس الحكمة أو قاعة المحكمة، وفي مدلول آخر "الموطئ". وتظهر هذه البيما في الكثير من كنائس المدن المنسيَّة في الشمال السوري وقد اجتهد البعض في تفسير وظيفة هذه المنشأة داخل الكنيسة وتباينت آراؤهم حولها. ففي حين يرى البعض أنَّ هذه المنشأة كانت تشكِّل ركناً لزومياً تدخل وظيفته في صلب سيناريو الليتورجيات لكنيسة بعينها دون غيرها من كافة الكنائس الأخرى، وبالتالي فإنَّ البيما تشكل "العلامة الفارقة" لهذه الطائفة حصراً، فإنَّ البعض الآخر يرى فيها عرشاً للأسقف ومعاونيه من خُدَّام الكنيسة تشبُّهاً بالمسيح وتلاميذه، وللسماح لجمهور المصلين المشاركة في الصلوات والقداديس. وهناك مَنْ يعتقد أنها كانت مجرد مكان لجلوس علية القوم أو الأعيان، ولا متسع هنا للخوض في هذه المسألة. ونذكر هنا أنَّ البيما موجودة في كنيسة قلب لوزة وكنيسة كركبيزة وإحدى كنائس دارقيتا على سبيل المثال لا الحصر.                                                                                                           د‌- قدس الأقداس يتكون من ثلاثة أقسام هي بيت القدس في الوسط، وهو الأكبر، مع حَنية ذات ثلاث نوافذ، وإلى جهة الجنوب من غرفة المارتيريون حيث تُحفَظ ذخيرة الشهداء Reliquarium وإلى جهة الشمال غرفة الشمامسة أو الذياكونيكون (من اليونانية=مكان الشمامسة أو خدام الكنيسة) ولكلٍّ من هاتين الغرفتين ثلاثُ نوافذ على الجدار الشرقي للكنيسة وتنفتح كل منها بثلاث قناطر على صحن الكنيسة.                                                        هـ- الأعمدة منحوتة من المرمر وتيجانها كورنثية تعلوها كتابات يونانية.                            و- يُظْهِر منظور تشالنكو أنَّ الكنيسة كان لها أيقونسطاس أو شيءٌ من هذا القبيل. ويَظهر هذا الحاجز على المسقط أيضاً.                                                                                    ز‌- تشير بقايا الجدرانيات والكلسة على الجدار الجنوبي للكنيسة أنها كانت مزينة بالرسوم الجدرانية. ح‌- تشير بعض المصادر إلى أنَّ رفات مار سركيس، أو جزءاً منها كانت قد نُقِلت من الكنيسة التي تضمُّ رفاتَه والتي تحدثنا عنها بإيجاز أعلاه، إلى قدس الأقداس في الكنيسة الكبرى. وكلمة أخيرة عن كنز الرصافة الذي اكتشَفتـْه عام 1982 بعثة ٌ ألمانية في غرفة ملحَقة بالكنيسة الكبرى يعود تاريخه إلى أواسط القرن الحادي عشر ويضمُّ خمس أوانٍ فضية كنائسية. وقد تمَّت عمليات ترميمها ومعالجتها في ألمانيا ثم أُعيدت إلى المتحف الوطني بدمشق عام 1988، وكانت مفرداته كأساً وقاعدة، كأس منفردة وطاسة (صينية صغيرة) لها قاعدة ومبخرة ذات سلاسل وكلها من الفضة وجزء منها مُذهَّب أو مخطط بالأسود أو منقوش باللون النيلي، الكأس تحيط بفوهته كتابة سريانية مكتوبة بالخط الإسطرنجيلي، الصينية عليها كتابات سريانية ويونانية وعربية. إضافةً إلى صور للسيد المسيح وللسيدة العذراء. ويعتقد السيد تيلو أولبرت Thilo Ulbert الآثاري الألماني الذي اكتشف الكنز "أنَّ الأواني صُنِعت في الشرق وفي مركز ديني معروف كإيديسا (الرُّها) وأنَّ بعضَ الملوك الصليبيين قد قدَّمه إلى كنيسة الرصافة كنذر عليه".    
    ثانياً :  قصر هشام هَجَرَ هشام دمشق لانتشار وباء الطاعون فيها وأقام في الرصافة التي جعلها مقرَّ حُكمه، وفيها ابتنى لنفسه قصراً فخماً على مسافة خمسين متراً من البازيليك الكبرى أبعاده 80×74 متراً. وهو مبنيّ بالآجرّ المجفف، وتغطي جدرانَه طبقة ٌ كلسية بيضاء، بابه متَّجهٌ نحو الجنوب، يحيط به برجان صغيران نصف مستديرين، وقد قامت بالكشف عنه بعثة ألمانية قبيل العام 1965. 4-قصر المنذر: وقد اختار المنذر بن الحارث لنفسه موقعَ هذا القصر خارج السور الشمالي للمدينة. ومسقطه شبه مربَّع أبعاده 20×17 متراً فقط مبني على طراز الكنائس ذات السطح على شكل صليب إغريقي وتعلو وسطه قبَّة كبيرة وأربع قبب صغيرة موزَّعة على زواياه. وفي صدره حنية، ومدخله يشبه النارثكس في الكنائس أيضاً إلى الدرجة التي ظنَّ معها الآثاري والعلاَّمة الأميركي "هاورد بطلر" أنه كنيسة. وقد بُنِي هذا القصر بالحجر البلوري الجميل في النصف الثاني من القرن السادس، ويعتقد أن المكان كان موضع دفن رفات القديس سيرجيوس، ثمَّ إنَّ الرفات نُقِلت إلى الكنيسة التي ضمت الرفات فيما بعد داخل الأسوار إلى أن انتهت أخيراً إلى الكاتدرائية التي تحمل اسم "الصليب المقدس" وفي صدر الحنية كتابة يونانية تتمنى النصر للملك المنذر    
    ثالثاً : خزانات المياه   وهي من لزوميات الحياة الطبيعية في البادية، بل ومن أمسّ الحاجات أثناء الحصار. ومن هنا جاءت العناية الخاصة بها. وتتشابه الرصافة من هذه الناحية مع الأندرين التي امتازت بصهاريجها في جب الجراح وإحداها "تأسس في الحادي عشر من تموز لعام 409م" حسب كتابة تأسيسية مشوَّهة قمنا بقراءتها لمديرية آثار حمص عام 2002. وتقع صهاريج الرصافة في الزاوية الجنوبية الغربية من سطح المدينة، وثمة خزانان كبيران آخران خارج الأسوار، أحدهما في الجهة الشمالية والثاني وهو الأضخم من الجهة الغربية. وتوصل قناة مياه هذا الأخير إلى شبكة الأقنية الممددة تحت أرض المدينة داخل الأسوار لتدعم صهاريجها بمزيد من المياه. والأقنية تعمل على مبدأ الصرف كما هو الحال في الأقنية المعروفة بالرومانية. وتبلغ الطاقة التخزينية المقدرة لمجموعة الصهاريج ضمن المدينة بأكثر من 22.000 متراً مكعباً من المياه، هذا غير الخزانات التي هي خارج الأسوار، كما تقدَّر مساحة الحوض الساكب الذي يغذي هذه الصهاريج بـ 3 كم مربع من داخل المدينة وخارجها.  
    رابعاً : الأسوار والبوابات يحيط بالرقعة شبه المنحرفة للمدينة سورٌ مازالت أجزاءٌ هامة وكاملة منه ماثلةً حتى اليوم، ويبلغ طوله الإجمالي 1850 متراً، عند زواياه الأربع أبراج دفاعية أسطوانية، والسور مبني على طبقتين بارتفاع يتجاوز العشرة أمتار وبسماكة ثلاثة أمتار، ويحدد مساحة المدينة داخله بما يزيد قليلاً عن 20 هيكتاراً، والسور والأبراج مجهزة بكل المستلزمات المعمارية للدفاع، ومن بين بوابات المدينة الأربع تبرز على نحوٍ خاص البوابة الشمالية بجمال أقواسها وزخرفتها ودقة الصنع، كل ذلك بالمرمر اللماع الملون المموَّج. والبوابة تتكون من ثلاثة مداخل وبرجين دفاعيين وتعود إلى العام  524م .  
    خامسأ : الخان الإسلامي على الرغم من أن الرصافة مكان حج مسيحي مهم فقد سكنت المدينة من المسلمين مع أخوتهم من المسيحيين العرب من بني غسان و شهدت المدينة إزدهارا تجاريا كبيرا بسبب الموقع الجغرافي بين بلاد الشام و العراق و بسبب إزدهار حركة الحجيج للمدينة
    يقع الخان على الطريق الرئيسي الذي يبدأ بالبوابة الشمالية و يمر أمام الكنيسة  .
    لا يزال الخان بحاجة لتنقيب أكثر لأن الجزء الكبير منه مازال تحت الأنقاض و الردم الذي حصل في القرون السابقة للخان بوابة للغرب و هو مربع الشكل له سور عال يصل إلى أكثر من ستة أمتار و على جانبي المدخل هنالك حجرتان لهما سقف مقوس و كانتا مخصصتان للتجار  
    سادساً : الجامع يعتبر الجامع ثاني بناء إسلامي بعد الخان و كلاهما يعودان للقرن الثامن الميلادي، أي الفترة الأموية.فعند الخروج من الكنيسة الرئيسية يصل الزائر للجامع الذي يلاصق الكنيسة من جهة الشمال لا تزال هنالك بقايا المنبر والمحراب والعمدة وتدل هذه الآثار على التعايش الديني الذي كان في المدينة                                                                   تعرضت المدينة لعدة كوارث طبيعية في القرن السابع والعاشر والحادي عشر وغزوات خارجية كغزو المغول على المدينة عام 1258 فدمروها  وهاجر سكانها إلى السلمية و المناطق الآخرى و أخذوا معهم ما غلا ثمنــــه و خف وزنه                                                   أصبحت المدينة عرضة لعوامل الريح و العوامل الجوية و شــــهدت لاحقاً أيضاً زلازل في القرن التاسع عشر.  
      وقد قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بعمليات ترميم واســـعة لآثار مدينة الرصافة، شملت الكنيسة الكبيرة والبوابات والسور ، وما زالت المدينة بحاجة إلى عمليات ترميم أخرى في مواقع متعددة من السور والأبراج ، ويقوم المعهد الأثري الألماني بدمشق بالتعاون مع دائرة آثار الرقة بتنقيبات أثرية في المدينة منذ عــــام 1950.  
    سابعاً : بين رصافة الشام ورصافة الأندلس                                                           أسهم الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك في عمرانها وازدهارها فعُرفت بإسم: (رصافة هشام)، وعلى حدود الرصافة نجا الأمير عبد الرحمن الداخل من الموت، لأنه اختبأ عند جماعة من الأعراب على ضفة نهر الفرات بشمال سورية، ثم انتقل إلى دمشق قبل أن يتوجه للأندلس وهو في التاسعة عشرة من العمر، حيث أسس دولة جديدة للأمويين فيها.
    أما رصافة الأندلس فبناها صقر قريش (الأمير عبد الرحمن الداخل) بضاحية قرطبة وجعلها مقرًا صيفيًا له لارتفاعها عن قرطبة، وإطلالتها على نهر الوادي الكبير، تخليدًا لذكرى جده (هشام بن عبد الملك) باني رصافة سورية، ولم يبق لها أثر في القرن العشرين، فبنت الحكومة الأسبانية في موضعها فندقًا سياحيًا كبيرًا، أطلقت عليه اسم : (الرصافة)

    حاشية : تخليدا لذكرى القديسين سركيس وباخوس ، تم بناء كنيسة باسميهما حوالي عام 325 م على أنقاض معبد وثني في أعلى قمة ببلدة ملعولا  وحاليا بني قربها فندق سفير معلولا .
    تُعَيّد للقديسين سركيس وباخوس في اليوم السابع من شهر تشرين الأول من كل عام
    5/5/2015                                             المهندس جورج فارس رباحية

    المصــــــادر والمـــراجع :
    ــ السواعي الكبير : القدس عام 1886
    ــ المنجد في اللغة والأعلام : بيروت 1973
    ــ سرجيو بوليس ورصافة هشام : للباحث المهندس ملاتيوس جبرائيل جغنون
    ــ نشرات وزارة السياحة السورية
    ــ مواقع على الإنترنت :

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد 19 مايو 2024 - 11:03