صديق مقرب
مركز الملك فهد الإسلامي هل يعيد انتعاش المسلمين؟
تقع الارجنتين في جنوب قارة امريكا الجنوبية وتعد ثاني اكبر دولة من حيث المساحة بعد البرازيل في هذه القارة حيث تبلغ مساحتها 2,776,889 كيلو متر مربع.
ويحدها من الشمال البروغواي وبوليفيا ومن الغرب شيلي ومن الشرق البرازيل والاورغواي والمحيط الاطلسي.
اكتشاف الارجنتين: اكتشف شواطئ الارجنتين البحار الاسباني خوان دياس دوسولينس سنة 1516م، وتخيل نهر بوينوس ايرس وكأنه فضة فسماه بحر الفضة ومنه اخذت البلاد اسمها، وجاء اسباني آخر اسمه بدرو دومندوسه سنة 1536م ب 1,300 مهاجر واسسوا مدينة بوينوس آيرس (اي الاجواء الطيبة). والحقت أراضي الارجنتين بمستعمرة قائمة بنفسها اسمها (نهر الفضة) او (ريودي لا بلاتا). وازدات المستعمرة اهمية عندما اصبحت سنة 1776م مقراً لنائب الملك الاسباني. وبعد حرب طويلة ضد اسبانيا اصبحت الارجنتين جمهورية مستقلة سنة 1816م. وهزمت القوات الثائرة تحت رئاسة الجنرال خوزي دو سان مارتين الجيش الاسباني نهائياً سنة 1818م.
تاريخ الهجرة الإسلامية: اول من هاجر من المسلمين الى الأراضي التي تسمى اليوم بالارجنتين هم الاندلسيون المتظاهرون بالنصرانية قهراً او من يسميهم الاسباني بالمورسكيين.
ومع مرور الايام وبسبب الاضطهاد المتواصل ضاع الإسلام بين سلالاتهم، ولكن بقي بعضهم يفتخر بأصالته العربية الاندلسية، كالأديب دومينغو سارميانتو الذي كان يفتخر بأصله العربي كسليل بني الرزين في شرق الاندلس، ولقد حافظوا على الكثير من القيم العربية العريقة.
وكان للحضارة الاندلسية العربية تأثير كبير على الارجنتينيين، فلقد كتب أنريكي لا ريتا عن حياة الاندلسيين ايام الملك فيليب الثاني في كتابه «انتصار الدون روميرو» كما ان قصة «علامة الأسد» للكاتب قونسالس بلا نسية تعتمد على مصادر اندلسية.
قصة الهجرة الى الأرض الجديدة: سافر المهاجرون العرب عن طريق السواحل الشامية متجهين الى اوروبا ولما رست مراكبهم في الموانئ الاوروبية وجدوا ان الدول الاوروبية تعاني من ازمات اقتصادية كبيرة فاتجهوا الى الامريكيتين حيث ماتزال في مرحلة النمو والفرص فيها كبيرة.
ومن الدول التي كانت وجهة للمهاجرين العرب دول امريكا اللاتينية ومن اوروبا اتجهوا الى الارجنتين ولما وصلوا ميناء بيونس آيرس عاصمة الارجنتين ابرزوا جوازاتهم التركية للسلطات الارجنتينية وبعد ذلك اطلق عليهم الارجنتينيون اسم «تركو» كمصطلح شعبي دارج والا فهم عرب ولكن سبب هذه التسمية ما يحملونهم معهم من جوازات سفر تركية في ذلك الوقت.
نزلت هذه المجموعة الى الميناء وكانوا يسيرون مع بعض لا يفترقون الا نادرا وبدأوا في دخول السوق وكانت لغة الاشارة هي اللغة التي يستخدمونها مع الارجنتينيين الذين يتكلمون باللغة الاسبانية.
وبدأوا يبيعون ما معهم من بضائع ويشترون بها ما يحتاجون من طعام وغيره ومع مرور الايام لمس الارجنتينيون من هؤلاء العرب الامانة والصدق في التعامل.
وبدأ هؤلاء المهاجرون الجدد بإقامة علاقات متينة وقوية مع الارجنتينيين مما اثمر عن ذلك نجاح المهاجرين العرب في مجال التجارة واستطاعوا ان يكونوا ثروات كبيرة دفعتهم الى دعوة اقاربهم واصدقائهم وبني جلدتهم للهجرة الى الارجنتين.
وفي اثناء الحرب العالمية الاولى اصيبت اوروبا بالشلل الاقتصادي التام. وذلك بسبب الحروب الطاحنة التي عمت القارة الاوربية.
وكان في قيام الحرب العالمية الاولى في اوروبا اثر كبير في النمو الاقتصادي في الارجنتين فقد كانت الارجنتين سلة غذاء لاوروبا وفي هذا الوقت بالذات اصبحت الارجنتين من اغنى دول العالم مما اتاح للتجار العرب ان يكونوا ثروات كبيرة جداً.
تاريخ الهجرة العربية الحديثة للارجنتين: اما عن بداية الهجرة العربية الحديثة للارجنتين، فقد كانت من الشام وبالتحديد من سوريا ولبنان في أواخر القرن التاسع عشر.
حيث ان بلاد الشام كانت ولاية تابعة للدولة العثمانية وفي أواخر عهد الدولة العثمانية ساءت احوال الولايات العربية عامة والشام خاصة وذلك لاسباب كثيرة ابرزها ما يلي:
أولاً: خروج الحركات السياسية التي ترفع شعار القومية العربية وتحرض العرب ان يتحللوا من ربقة الاستعمار التركي كما يسمونه فحصلت في الشام عمليات الاعتقال والتعذيب التعسفية التي جعلت الكثير ممن تضرروا من سكان الشام يفكرون بالهجرة الى اوروبا والامريكيتين هذا من ناحية سياسية.
ثانياً: من الناحية الاقتصادية فقد كان للحرب العالمية الاولى اثر كبير من العجز الاقتصادي الذي اصاب الدول العثمانية بالهزل والضعف مما كان له الاثر السيئ على الولايات العربية وبالذات الشام فقد حصلت مجاعة ونقص كبير في الغذاء دفعت الكثير الى الهجرة.
ثالثاً: بعد انهزام الدولة العثمانية واستعمار بلاد الشام من طرف الانجليز والفرنسيين عاشت بلاد الشام في ازمات مستمرة من تدني الوضع الاقتصادي والتجاري وايضا ما تفشى من الفوضى الامنية التي كان للمستعمر اليد الطولى فيها وكانت لهذه الاوضاع العصيبة السبب الكبير وراء هجرة العرب الى دول اكثر امنا واستقراراً ومن ضمنها الارجنتين.
وهذا مما زاد حجم الهجرة العربية الى الارجنتين وتعتبر هذه الفترة من الفترات الذهبية في تاريخ الارجنتين فقد ارتقت الارجنتين في جميع المستويات سواء الاقتصادية او الثقافية او العمرانية ومن زار الارجنتين يلحظ اثر هذه الحقبة الذهبية الى الآن.
ومن هنا بدأ العرب في التركيز على ما يدعم ثقافتهم وهويتهم العربية فبادر مجموعة من المهاجرين بإنشاء ما يسمى الجمعية العربية لكي تكون مصدر وصل بينهم وبين العالم العربي وهي عبارة عن مجالس ثقافية يجتمع فيها العرب ويحافظون على لغتهم وهويتهم من خلالها واول من أنشأها النصارى العرب.
وبعد ذلك بدأ العرب المسلمون بإنشاء الجمعيات العربية الإسلامية في جميع انحاء الارجنتين.
وهذه هي النواة الاولى لاقامة تجمع إسلامي في الارجنتين.
وفي اثناء قيام الحرب العالمية الثانية تكرر نفس السيناريو من اعتزاز الاقتصاد الارجنتيني مما عاد بالفائدة للتجار العرب حيث كونوا ايضا ثروات كبيرة استفادوا منها كما استفاد منها سلفهم اثناء الحرب العالمية الاولى.
وبعد الحرب العالمية الثانية بدأ الاقتصاد الارجنتيني في التدهور حتى وصل الى وضع حرج اربك عجلة الاقتصاد في الارجنتين وسبب انقطاع الهجرة من الدول العربية ودام هذا الانقطاع سنوات طويلة كما كان له الاثر السلبي على الجالية الإسلامية في الارجنتين.
فبدأ الضعف يدب في اوساط الجالية الإسلامية من حيث معرفتهم بدينهم ولغتهم. وكان لزواج العرب بالارجنتينيين اثر كبير في ضياع الهوية الإسلامية.
فأصح الاولاد لا يتكلمون الا اللغة الاسبانية لغة البلد وكثير منهم اعتنق الديانة النصرانية. وهكذا ذاب ابناء المهاجرين المسلمين من العرب في اوساط المجتمع الارجنتيني وفقدوا هويتهم بالكامل.
وفي الخمسينات من القرن الماضي اسس مجموعة من المسلمين (المركز الإسلامي) في بيونس آيرس. وفي بداية الستينات من القرن الماضي بدأ الازهر في مصر بإرسال أئمة الى المركز الإسلامي في بيونس آيرس وقد استمرت هذه السنة الحسنة الى يومنا هذا.
وكان في ارسال الأئمة من مصر اثر كبير في اتصال المسلمين الارجنتينيين بالإسلام حيث بدأ هؤلاء الأئمة بإقامة الصلوات المفروضة وصلاة العيد والزواج والذبح وهكذا بدأ النشاط الدعوي يزداد يوما بعد يوم ما بين الجالية والدول الإسلامية.
وفي عام 1978م - 1398ه افتتحت المملكة السعودية سفارة لها في الارجنتين وبدأ التبادل السياسي والتجاري بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الارجنتين مما كان له اكبر الاثر في العناية بالجالية الإسلامية والتواصل معها.
وعن طريق المنظمات الإسلامية في المملكة بدأ التواصل مع الجالية الإسلامية حيث عقدت مؤتمرات ومخيمات دعوية ودورات شرعية لشباب الجالية الإسلامية في الارجنتين لتعليمهم الإسلام وربطهم بهويتهم الإسلامية.
وفي عام 1406ه - 1986م بني اول مسجد في العاصمة الارجنتينية بيونس آيرس سمي بمسجد الاحمر وقد ساهمت جهات كثيرة في بنائه من ضمنها المملكة العربية السعودية.
وفي عهد الرئيس كارلوس منعم (وهو من اصل عربي) وصلت العلاقات السعودية والارجنتينية الى اعلى مستوى لها مما نتج عنه ان أهدت حكومة الارجنتين أرضا كبيرة في العاصمة بيونس آيرس للمملكة العربية السعودية لكي تبني عليها مركزاً إسلامياً يستفيد منه المسلمون في الارجنتين وقد تكفل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز (رحمه الله) ببنائه على نفقته الخاصة وافتتح مركز خادم الحرمين الشريفين الملك فهد الثقافي الإسلامي في العاصمة الارجنتينية بيونس آيرس عام 1420ه - 2000م تحت رعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس الارجنتيني في ذلك الوقت فرنادوا دي لاروا.
ولقد كان لوجود مركز الملك فهد الثقافي الإسلامي في بيونس آيرس اثر كبير في دعم الجالية الإسلامية وربطها بدينها وثقافتها وغير ذلك من المناشط الثقافية والاجتماعية والعلمية.
