كل منا يعرف شؤون حياته الخاصة أكثر مما يعرفها غيره.
ولكن الواقع أن ((غيره)) هذا يستطيع أن يرشده ويبصره
بأخطائه أكثر مما يستطيع هو نفسه. وذلك لسبب واحد هو
أن كلا منا يرتبط بالتفاصيل. وهذا الارتباط يحول بينه وبين
النظرة الشاملة لحياته كلها.
واختباري أنا أن ما يفصل أحدنا من الآخر في مقدار الذكاء
هو هذه ((النظرة الشاملة)). فالإنسان الذكي على الدوام ينظر
إلى الأشياء والشؤون والناس النظرة المحيطة الشاملة.
وغيره يقف عند التفاصيل وينظر إلى الجزء بدلا من الكل
فتختل موازينه وتزيغ عن الصواب.
ونحن لا نعرف كيف ننتقد أنفسنا لأن هناك من التفاصيل ما نعجز عن التخلص منه.
ولذلك يكون رأينا، عن أنفسنا دون الرأي الذي يرتئيه غيرنا الذي يجهل هذه التفاصيل.
اعتبر هذا المثل :
زوج يكره زوجته لمشاجرة حدثت بينهما تبادلت فيها كلمات
غير حكيمة. وهو كلما جمل على نفسه على أن يصالحها عادت
إلى ذاكرته بعض هذه الكلمات . بل عادت إليه ملامح زوجته
الكاشرة وتهجماتها الوقحة. فهو موتور بهذه التفاصيل.
مع أن كل ما حدث بينهما خلاف غير خطير تدرج بالنزق
والانفعال إلى مشاجرة لم تزد على دقائق.
فالزوج هنا مرتبط، وأحب أن أقول مربوط، بالجزء الذي يعميه
عن الكل وبالتفاصيل التي تعميه عن الجملة. ولذلك يشيح
بوجهه وبقلبه عن زوجته.
ويتعفن كلاهما من الخصومة. ولكن الغريب الذي يجهل هذه
التفاصيل يذكر الكل بدلا من الجزء. فيعرض للحياة الزوجية كلها
بينهما ثلاثين أو أربعين سنة من العشرة ورعاية الأبناء.
ووحدة الهدف فيجد أن هذا الشجار يعد من التفاهة بحيث
لا يذكر إلى جنب ((كل)) الحياة الزوجية.
الأشجار تعمينا عن رؤية الغابة. أي أن التفاصيل الصغيرة
تعمينا عن رؤية الجملة والكل والمجموع.
ويصدق هذا على كل شأن من شؤوننا.
اعتبر مصلحة من المصالح الحكومية، أو إحدى الشركات الحرة،
قد ارتبكت أعمالها. فإن النظرة الأولى تحملنا على الظن بأن
الأفراد في هذه المصلحة أو هذه الشركة، هم خير من يصلحونها
لأنهم يعرفونها أكثر من غيرهم. ولكن الواقع غير ذلك، لأن
عواطفهم مربوطة بالتفاصيل الصغيرة، وبالعمل المكرر،
وبالحسد، وبالغيرة، وبالخصومات القديمة،
ولذلك يعجزون عن الإصلاح. ولذلك أيضا تختار الحكومة لجنة
مؤلفة من الغرباء الذين لا يعرفون الأشخاص في هذه المصلحة
أو هذه الشركة. وعندئذ تنظر اللجنة النظرة الشاملة المحيطة
وتعمى عن التفاصيل، فتتضح أمامها الأهداف. ثم تعين
هذه الأهداف الطرق إلى الإصلاح..كما أن الشخص الغريب
يستطيع إصلاح الحياة الزوجية أكثر مما يستطيعا الزوجان.
والعبرة لنا، لكل فرد منا، أن نراجع حياتنا كما لو كنا غرباء.
نسقط التفاصيل ونبرر الجملة. أي ننظر النظرة الشاملة لحياتنا
نظرة الغريب الذي يرى الكل ولا يرى الأجزاء.
وعندئذ تتضح لنا الأهداف التي نصححها إذا كانت مخطأة.
ثم نعين الوسائل لتحقيقها.
و مهما ظننت نفسك أيها القارئ، أنك حر قادر على أن
تنظر إلى حياتك كلها دون أجزائها فإنك في الواقع مرتبط
بالتفاصيل التي تلابس عواطفك وتشتبك بالصحيح والزائف
من الانفعالات والأطماع والعادات التي تربكك وتفسد حكمك
عن الأشياء وتزيف فلسفتك عن الحياة.
ولكن من أين نأتي بهذا الغريب الذي ينظر النظرة الشاملة
لحياتنا؟ الجواب أننا نستطيع أن نكون نحن هذا الغريب.
وذلك بأن نترك أعمالنا التكرارية، التي سرت بقوة ما فيها
من العادة في عروقنا وأصبحت جزءا من فسيولوجية أ جسامنا
وكيان نفوسنا. ونقصد إلى مصيف أو مشتى وننفر في خلوة بل
في خلوات. فإن البعد عن مكان أعمالنا يغير بعض الشيء
من عواطفنا. ثم الخلوة تتيح لنا التأمل النزيه لحياتنا،
فنعرض لماضينا وننتقد ونفكر في أهدافنا. ونبني. ونتأمل
ونفكر كما لو كان أحدنا يضع ((التصميم)) أو التخطيط لبناء
مسكن أو معهد.
وكما أن المهندس قبل أن يخط خطا يسأل : ماذا يراد من هذا
المنزل وهذا المعهد؟ أي ما هو الهدف من البناء؟ كذلك نحن
نسترشد بالهدف فنسأل : ماذا نريد من حياتنا؟ وعندئذ نفلسف
وفلسفتنا هنا هي مجموعة من الآلام لأخطائنا في الماضي
والأفراح لتصحيحاتها في المستقبل. فإننا نسأل عشرات الأسئلة
التي تدخل في صميم حياتنا. لماذا أجمع الثروة؟
ولماذا أتشاجر مع زوجتي؟ ولماذا هذه القضية التي يمكن الصلح فيها بأيسر
سبيل؟ ولماذا أهمل أصدقائي أو دراساتي؟ لماذا الخمر؟ ولماذا
التعب في بناء مسكن بالديون؟ وهل أنا مؤمن بهذا المذهب
السياسي أو غير السياسي؟ وبماذا أؤمن؟ ولماذا للناس مكتبات
في بيوتهم وليس لي مكتبة؟
أجل. علينا جميعا أن نراجع حياتنا بالخلوة وننتقدها كما لو
كنا غرباء عنها.
من مؤلفات سلامة موسى
ولكن الواقع أن ((غيره)) هذا يستطيع أن يرشده ويبصره
بأخطائه أكثر مما يستطيع هو نفسه. وذلك لسبب واحد هو
أن كلا منا يرتبط بالتفاصيل. وهذا الارتباط يحول بينه وبين
النظرة الشاملة لحياته كلها.
واختباري أنا أن ما يفصل أحدنا من الآخر في مقدار الذكاء
هو هذه ((النظرة الشاملة)). فالإنسان الذكي على الدوام ينظر
إلى الأشياء والشؤون والناس النظرة المحيطة الشاملة.
وغيره يقف عند التفاصيل وينظر إلى الجزء بدلا من الكل
فتختل موازينه وتزيغ عن الصواب.
ونحن لا نعرف كيف ننتقد أنفسنا لأن هناك من التفاصيل ما نعجز عن التخلص منه.
ولذلك يكون رأينا، عن أنفسنا دون الرأي الذي يرتئيه غيرنا الذي يجهل هذه التفاصيل.
اعتبر هذا المثل :
زوج يكره زوجته لمشاجرة حدثت بينهما تبادلت فيها كلمات
غير حكيمة. وهو كلما جمل على نفسه على أن يصالحها عادت
إلى ذاكرته بعض هذه الكلمات . بل عادت إليه ملامح زوجته
الكاشرة وتهجماتها الوقحة. فهو موتور بهذه التفاصيل.
مع أن كل ما حدث بينهما خلاف غير خطير تدرج بالنزق
والانفعال إلى مشاجرة لم تزد على دقائق.
فالزوج هنا مرتبط، وأحب أن أقول مربوط، بالجزء الذي يعميه
عن الكل وبالتفاصيل التي تعميه عن الجملة. ولذلك يشيح
بوجهه وبقلبه عن زوجته.
ويتعفن كلاهما من الخصومة. ولكن الغريب الذي يجهل هذه
التفاصيل يذكر الكل بدلا من الجزء. فيعرض للحياة الزوجية كلها
بينهما ثلاثين أو أربعين سنة من العشرة ورعاية الأبناء.
ووحدة الهدف فيجد أن هذا الشجار يعد من التفاهة بحيث
لا يذكر إلى جنب ((كل)) الحياة الزوجية.
الأشجار تعمينا عن رؤية الغابة. أي أن التفاصيل الصغيرة
تعمينا عن رؤية الجملة والكل والمجموع.
ويصدق هذا على كل شأن من شؤوننا.
اعتبر مصلحة من المصالح الحكومية، أو إحدى الشركات الحرة،
قد ارتبكت أعمالها. فإن النظرة الأولى تحملنا على الظن بأن
الأفراد في هذه المصلحة أو هذه الشركة، هم خير من يصلحونها
لأنهم يعرفونها أكثر من غيرهم. ولكن الواقع غير ذلك، لأن
عواطفهم مربوطة بالتفاصيل الصغيرة، وبالعمل المكرر،
وبالحسد، وبالغيرة، وبالخصومات القديمة،
ولذلك يعجزون عن الإصلاح. ولذلك أيضا تختار الحكومة لجنة
مؤلفة من الغرباء الذين لا يعرفون الأشخاص في هذه المصلحة
أو هذه الشركة. وعندئذ تنظر اللجنة النظرة الشاملة المحيطة
وتعمى عن التفاصيل، فتتضح أمامها الأهداف. ثم تعين
هذه الأهداف الطرق إلى الإصلاح..كما أن الشخص الغريب
يستطيع إصلاح الحياة الزوجية أكثر مما يستطيعا الزوجان.
والعبرة لنا، لكل فرد منا، أن نراجع حياتنا كما لو كنا غرباء.
نسقط التفاصيل ونبرر الجملة. أي ننظر النظرة الشاملة لحياتنا
نظرة الغريب الذي يرى الكل ولا يرى الأجزاء.
وعندئذ تتضح لنا الأهداف التي نصححها إذا كانت مخطأة.
ثم نعين الوسائل لتحقيقها.
و مهما ظننت نفسك أيها القارئ، أنك حر قادر على أن
تنظر إلى حياتك كلها دون أجزائها فإنك في الواقع مرتبط
بالتفاصيل التي تلابس عواطفك وتشتبك بالصحيح والزائف
من الانفعالات والأطماع والعادات التي تربكك وتفسد حكمك
عن الأشياء وتزيف فلسفتك عن الحياة.
ولكن من أين نأتي بهذا الغريب الذي ينظر النظرة الشاملة
لحياتنا؟ الجواب أننا نستطيع أن نكون نحن هذا الغريب.
وذلك بأن نترك أعمالنا التكرارية، التي سرت بقوة ما فيها
من العادة في عروقنا وأصبحت جزءا من فسيولوجية أ جسامنا
وكيان نفوسنا. ونقصد إلى مصيف أو مشتى وننفر في خلوة بل
في خلوات. فإن البعد عن مكان أعمالنا يغير بعض الشيء
من عواطفنا. ثم الخلوة تتيح لنا التأمل النزيه لحياتنا،
فنعرض لماضينا وننتقد ونفكر في أهدافنا. ونبني. ونتأمل
ونفكر كما لو كان أحدنا يضع ((التصميم)) أو التخطيط لبناء
مسكن أو معهد.
وكما أن المهندس قبل أن يخط خطا يسأل : ماذا يراد من هذا
المنزل وهذا المعهد؟ أي ما هو الهدف من البناء؟ كذلك نحن
نسترشد بالهدف فنسأل : ماذا نريد من حياتنا؟ وعندئذ نفلسف
وفلسفتنا هنا هي مجموعة من الآلام لأخطائنا في الماضي
والأفراح لتصحيحاتها في المستقبل. فإننا نسأل عشرات الأسئلة
التي تدخل في صميم حياتنا. لماذا أجمع الثروة؟
ولماذا أتشاجر مع زوجتي؟ ولماذا هذه القضية التي يمكن الصلح فيها بأيسر
سبيل؟ ولماذا أهمل أصدقائي أو دراساتي؟ لماذا الخمر؟ ولماذا
التعب في بناء مسكن بالديون؟ وهل أنا مؤمن بهذا المذهب
السياسي أو غير السياسي؟ وبماذا أؤمن؟ ولماذا للناس مكتبات
في بيوتهم وليس لي مكتبة؟
أجل. علينا جميعا أن نراجع حياتنا بالخلوة وننتقدها كما لو
كنا غرباء عنها.
من مؤلفات سلامة موسى