حين يستقيم السبيل
-1-
( في كوخ الشيخ ماجد السلمي في جانب مرتفع من الوادي )
سعدى: هل بلغك يا أبا ليلى أن شاباً آخر قد هبط وادينا ليتعبد فيه؟
ماجد: نعم لقد لقيته أول أمس.
سعدى: لقيته يا أبا ليلى؟ تقول لقيته؟
ماجد: نعم لقيته. ما خطبك يا سعدى؟ ما هذه اللهفة في سؤالك؟
سعدى: لاشيء يا أبا ليلى. أحببت أن أعلم أين لقيته وكيف؟
ماجد: أين و كيف و ماذا يعنيك من ذلك؟
سعدى: يعنيني و يعنيك يا أبا ليلى.
ماجد: كلا يا سعدى لا يعنيني مثل هذه التوافه.
سعدى: تذكر يا أبا ليلى أن عندك ابنتين بالغتين.
ماجد: و أي بأس في ذلك؟ إنهما ترعيان الغنم معي كل يوم.
سعدى: ألم تلحظ عليهما أنهما قد نمتا و استوتا و صارتا كالثمرتين الناضجتين؟
ماجد: إن كان أمر زواجهما هو الذي يكربك يا سعدى فاطمئني فإن عمهما أسامة سيزوجهما لابنين من أبنائه.
سعدى: أما زلت تحلم بأخيك أسامة و ابنيه؟
ماجد: إنه وعدني يا سعدى و لن يخلف وعده.
سعدى: إن أخاك و أهله و أبناءه يقيمون في سرة المدينة فما الذي يدفعهم إلى اختيار ابنتيك؟
ماجد: إنه هو الذي طلب مني يا سعدى و لم أطلب أنا ذلك.
سعدى: كان كلاما قاله لك منذ سنتين و لم يجدده بعد ذلك فكيف تعتمد عليه؟
ماجد: إنه لن يجد خيراً منهما لابنيه.
سعدى: لا غرو يا أبا ليلى أن تقول هذا عن ابنتيك. أما عندهم فإنما هما راعيتان لا تصلحان إلا للمرعى.
ماجد: و كأنك تلمحين يا سعدى أن تزوجي ابنتيك لهذين العابدين المتنسكين؟
سعدى: نعم و إن كان أحدهما أسود اللون كأنما كان أصله من بلاد الحبشة.
ماجد: ذاك حقا حبشي اسمه حممة.
سعدى: حممة؟ ألم تجد أمه اسماً له خيراً من هذا؟
ماجد: صه كفي لسانك عنه فإنه رجل عابد يصلي في اليوم و الليلة ثمانمائة ركعة.
سعدى: ثمانمائة ركعة؟
ماجد: هكذا بلغني يا سعدى.
سعدى: لا بد أنهم تزيدوا عليه العدد و إلا فلن يستطيع أن يفرغ لشيء بعد ذلك.
ماجد: إنك يا هذه تريدين أن تصرفي الناس على هواك لا كما خلقهم ربهم.
سعدى: هب أن ما سمعته عنه صحيح فإنما يصلي ثمانمائة ركعة لأنه لا يجد ما يشغله في يومه و ليله.
ماجد: يا أم ليلى هذان العابدان لا يصلحان لابنتيك.
سعدى: على رسلك يا أبا ليلى ما حدثتك عن الثاني بعد. أما هذا الثاني فإنه شاب جميل الصورة قوي البنية لا يعيبه شيء.
ماجد: لكنه عابد تنسك أيضا مثل الأول يا سعدى.
سعدى: سبحان الله و هل العبادة عيب يا أبا ليلى؟
ماجد: معاذ الله ما أردت ذلك يا سعدى و إنما أردت أنهما لا يرغبان في الزواج.
سعدى: و ما يدريك؟
ماجد: إنهما هجرا المدينة و هبطا هذا الوادي الموحش وادي السباع فراراً من الناس إلى الله لينقطعا لعبادته و لا يلتفتا لشيء في الدنيا فما بالك بالزواج؟
سعدى: الزواج سنة رسول الله يا ماجد فكيف يتعبدان لله و يمتنعان عن سنة رسول الله؟
ماجد: لعلهما قد تزوجا من قبل و لعل لكل منهما زوجته في المدينة.
سعدى: ذاك شيء لا يعنينا يا أبا ليلى. كل ما يعنينا أن امرأتيهما لم تأتيا معهما إلى الوادي.
ماجد: هل يعقل عندك أن يهربا من امرأتيهما في المدينة ليتزوجا ابنتيك في الوادي؟
سعدى: ماذا يمنع؟ إنهما يكرهان المدينة و يعشقان الوادي.
ماجد: أغلب الظن أنهما لو آنسا رغبة في تزويجهما فسيفران من وادينا هذا إلى واد آخر.
سعدى: لماذا؟ لأن ليلى و سلمى دميمتان؟ أين يجدان مثل ليلى و سلمى؟
ماجد: ليلى و سلمى ليستا بدميمتين و لكن هذين الرجلين لا يرغبان في الزواج.
سعدى: ما يدريك يا رجل؟ جرب و لو مرة واحدة. ماذا يمنعك أن تجرب.
ماجد: أجرب ماذا ويلك؟
سعدى: تعرض ليلى و سلمى عليهما.
ماجد: أقول لهما تعاليا فتزوجا ابنتي؟
سعدى: آه ليتني كنت رجلاً. أنت تزورهما أولا لترحب بهما في الوادي و تقول لهما إذا احتجتما إلى أي شيء من الماعون أو غيره فنحن نعيره لكما. ثم تدعوهما لزيارة منزلك و تعلمنا من قبل لنصنع لهما طعاماً جيداً فإذا أثنيا على الطعام فقل: هذا بعض الألوان التي تجيد طهيها ابنتاي ليلى و سلمى.
ماجد: لا بارك الله فيك يا أسامة. ما كان ينبغي أن تحوجني إلى كل هذا.
-2-
( في شبه مصلى يفصل بين كوخ حممة و كوخ عامر )
عامر: هل لي أن أكلمك يا أخي في الإسلام فقد مكثت هنا أربعين يوما و ليلة و أنا أهم أن أكلمك فلا يطاوعني لساني خشية أن أشغلك عما أنت فيه؟
حممة: هكذا كان حالي أيضا معك.
عامر: الحمد لله نحن إذا متوائمان فمن أنت رحمك الله؟
حممة: أنا رجل من المسلمين.
عامر: و اسمك؟
حممة: هل يهمك أن تعرف اسمي؟
عامر: نعم.
حممة: ألا يكفي أن تعرف أنني أخ لك مسلم؟
عامر: الاسم كالسلام يزيل الوحشة و يشيع السكينة و الطمانينة.
حممة: اسمي حممة.
عامر: حممة؟ أنت حممة؟
حممة: نعم. ألا تصدقني؟
عامر: لئن كنت أنت حممة الذي سمعت كثيراً عنه لأنت أعبد من في الأرض.
حممة: أستغفر الله. إني لمقصر بعد.
عامر: أتشتهي أن تزيد في اليوم و الليلة على ثمانمائة ركعة؟
حممة: أشتهي أن لو لم تكن هناك مواقيت للصلاة.
عامر: كيف يا حممة؟
حممة: هذه المواقيت تقطع علي القيام و السجود فلولاها لأحببت أن أجعل عمري كله ركوعا لله و سجوداً حتى ألقاه.
عامر: تريد أن تقتصر على الزبدة و الخلاصة.
حممة: نعم فإن عمرنا في دار العمل قصير.
عامر: صدقت والله يا حممة.
حممة: و أنت لم تخبرني باسمك.
عامر: أنا عامر بن عبد بن قيس.
حممة: أنت عامر بن عبد قيس؟
عامر: أجل.. هل سمعت بي من قبل؟
حممة: سمعت بك كثيراً لئن كنت إياه لأنت أعبد الناس.
عامر: أستغفر الله. إني والله ما أصلي صلاتك و لا نصفها و لا ربعها.
حممة: أما إنها ليست بعدد الركعات و لكن بالصدق و الخشوع و الأخلاق فبالله إلا ما أخبرتني كيف تعمل و ما أرجى عمل عندك؟
عامر: إن كان عندي شيء أرجو أن يقبله الله مني فهو أن هيبة الله قد عظمت في صدري حتى ما أهاب شيئا غيره كائناً ما يكون.
حممة: حتى هذه السباع التي تسمع زئيرها أحيانا بالليل؟
عامر: نعم حتى تلك السباع.
حممة: هل جربتها يا عامر؟
عامر: نعم جربتها غير مرة. كان يظهر لي السبع فأثب عليه من خلفه فأضع يدي على منكبه فيتشممني ثم يذهب.
حممة: و لا يهولك ذلك؟
عامر: إني لأستحي من الله عز و جل أن أهاب غيره.
حممة: الحمد لله من اليوم فصاعداً سنتعاون على طاعة الله دون أن تشغلني أو أشغلك.
عامر: أجل فلكل منا ما يشغله.
-3-
سلمى: هل بلغك يا ليلى أن أبانا ذهب إلى هذين الشابين العابدين؟
ليلى: لعل أمنا هي التي دفعته إلى ذلك.
سلمى: أجل ما زالت به حتى رضي و هو مرغم.
ليلى: لكن أمراً واحداً لا تعرفينه يا سلمى.
سلمى: ما هو؟
ليلى: إني أنا التي حرضت أمنا لتكلم أبانا في ذلك.
سلمى:أحقا يا ليلى؟
ليلى: اسأليها.
سلمى: يا لك من شيطانة.
-4-
عامر: حممة. ماذا ترى فيما عرضه علينا الشيخ ماجد؟
حممة: إنه إنما لمح و لم يصرح.
عامر: في مثل هذه الشؤون يا أخي يغني التلميح عن التصريح.
حممة: لا حول ولا قوة إلا بالله. إنما هبطنا هذا الوادي لنفر من مثل هذا.
عامر: أجل ما كنا نظن أن مثل هذا الراعي يقيم على مقربة منا.
حممة: ما رأيك لو هربنا إلى مكان آخر؟
عامر: أنا جربت أماكن كثيرة فما وجدت أهدأ و لا أصلح من هذا المكان.
حممة: و الشيخ ماجد؟
عامر: مثله موجود في كل مكان و هذا شيخ صالح يعرف الله و يخشاه.
حممة: لكن ماذا نصنع معه؟
عامر: ألا تستطيع أن تجد لابنتيه شابين أصلح منا فيتزوجاهما مكاننا؟
حممة: في هذا خلاص لنا لو كان إليه سبيل. أو لا تظن أن الشيخ أباهما كان أقدر منا على ذلك؟
عامر: صدقت يا حممة.
حممة: آه متى نتخلص من هذه المتاعب؟
عامر: خبرني يا حممة ما غايتنا من فرارنا هذا من الناس؟ أليست هي الانقطاع إلى الله بغية التقرب منه؟
حممة: بلى.
عامر: فهل نحن على يقين إن ما نحن فيه هو خير سبيل إلى غايتنا المبتغاه؟
حممة: ما خطبك يا عامر؟ أشكاً بعد يقين؟
عامر: كلا يا حممة بل عين يقين بعد يقين. علم إحاطة بعد علم (و فوق كل ذي علم عليم ).
حممة: أكان هذا كله من أثر الشيخ ماجد؟
عامر: أجل لقد كان لكلام هذا الشيخ ما فتح عين بصيرتي على حق الحق فجعلت أنظر في حالي و في حاله، و أوازن بينهما أي الجانبين أحرى أن يدني صاحبه إلى الله فوجدت أنه أفضل مني في كل شيء.
حممة: ماذا تقول يا عامر؟ كيف؟
عامر: وجدت أولا أنه رجل يعمل لغيره و يطعم أفواهاً غير فيه و أنا لا أعمل إلا لنفسي و لا أطعم غير فمي.
حممة: تعني سعيه على أهله و عياله؟
عامر: نعم.
حممة: أتريد أن تقول يا عامر إن كل ذي أهل و عيال من المسلمين أفضل مني و منك؟
عامر: نعم إذا اتقى الله مثل صاحبنا الشيخ.
حممة: واضيعتنا إذن يا عامر.
عامر: و وجدت ثانيا أنه يقدم إلى الناس ما ينفعهم في معاشهم من غنم و لبن و سمن و أقط و صوف و وبر و أنا و أنت لا نقدم لهم شيئاً.
حممة: سبحان الله. إنما يعملون ذلك لأنفسهم طمعاً فيما يدره عليهم من منفعة و ربح.
عامر: هذا لا ينفي أنهم ينفعون الناس من حيث لا ننفعهم بشيء.
حممة: كان يكون ذلك أيسر علينا وأسهل لو شئنا أن نكون مثل الآخرين.
عامر: ما أحسب أن الله يحب منا إحساسنا هذا بأننا فوق الآخرين.
حممة: ويحك يا عامر إنك تريد أن تحطم لنا كل شيء.
عامر: وأدركت ثالثاً أن صاحبنا الشيخ لا يحسب على الله شيئاً مما يعمل كما نفعل نحن إذ نجعل على أنفسنا في اليوم و الليلة كذا و كذا ركعة. و كذا و كذا تسبيحة و تحميدة.
حممة: حسبك يا عامر. حسبك.
عامر: و رابعاً إنه يتصدق بشيء من كسبه على الفقير و المسكين و عابر السبيل و نحن لا نتصدق بشيء.
حممة: لو كنا نكسب شيئاً يا عامر لتصدقنا.
عامر: فهو أفضل منا بالكسب والصدقة.
حممة: أعندك شيء تقوله بعد؟
عامر: نعم.. إنه لا يضن على عابر السبيل بما يحتاج إليه من ماء أو طعام ونحن نضن عليه إذا طلب منا شربة ماء بالوقت الذي ننفقه في إسقائه حتى لا تضيع منا ركعة أو تسبيحة.
حممة: ليتني ما لقيتك يا عامر ولا رأيتك.
عامر: أما أنا فأحمد الله أن لقيتك و صحبتك فما كنت لأهتدي إلى ما اهتديت إليه اليوم لو لم أكن رأيتك و تحدثت معك.
حممة: لقد كنت مطمئن النفس في هذا الوادي إذ كنت وحدي حتى جئت أنت فأثرت قلقي و بلبالي.
عامر: ويحك يا أخي لأن يكون الشيطان ثالثنا أهون من أن يكون ثاني كل منا ففي الأولى نحن اثنان على واحد و في الثانية ينفرد بكل منا وحده.
حممة: أخشى يا عامر ألا يكون الشيخ ماجد هو الذي ألهمك هذا بل ابنتاه.
عامر: إن أردت الحق يا حممة فالشيخ ألهمني و ابنتاه ألهمتماني.
حممة: أرأيتهما يا عامر؟
عامر: كلا ما رأيتهما.
حممة: فكيف ألهمتاك؟
عامر: قال لي أبوهما و هو يحاورني إن كان كل شاب مسلم يمتنع عن الزواج مثلكما فماذا يصنع أرباب البنات مثلي؟ لمن يزوجون بناتهم؟
حممة: فماذا قلت له؟
عامر: قلت له إذا كنا نحن امتنعنا عن الزواج لنتفرغ لعبادة الله فقلّ من الشباب من يعمل عملنا فافتراضك هذا غير قائم.
حممة: أحسنت والله الرد.
عامر: و لكنه قال لي: ليس في هذا الوادي غيرك وغير صاحبك فإذا امتنعتما أنتما عن الزواج فكأنما كل شاب مسلم قد امتنع، فلمن أزوج ابنتي ليلى و سلمى؟
حممة: فلم تجبه بشيء؟
عامر: بلى قلت له: هب إننا ما هبطنا هذا الوادي البتة فلمن كنت تزوج ابنتيك؟
حممة: أحسنت والله يا عامر.
عامر: لكنه أفحمني و أبطل حجتي.
حممة: ماذا قال لك؟
عامر: قال: إن لله حكمة في كل شيء و لعله ما ساقكما إلى هذا الوادي الموحش إلا ليجعل منكما لابنتي البالغتين زوجين صالحين.
حممة: كأنك تريد أن تتزوج إحداهما يا عامر؟
عامر: على أن تتزوج أنت الأخرى.
حممة: و انقطاعنا لعبادة الله؟
عامر: سيبقى كما كان و أفضل.
حممة: بل سيشغلك عنها ما لزوجك من حق عليك.
عامر: لكن قيامك بهذا الحق سيكون عبادة يؤجرك الله عليها و يثيبك.
حممة: والله ما أدري أتدعوني إلى خير يا عامر أم شر.
عامر: في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيل اللبس عنك. قال صلى الله عليه وسلم : ( النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني ).
حممة: هل دار بخلدك يا عامر من أين نمهرهما ثم من أين ننفق عليهما؟
عامر: إن لنا في موسى إذ تزوج ابنة شعيب عليهما السلام أسوة حسنة.
حممة: أتريد منا أن نعمل لأبيهما راعيين؟
عامر: نعم.
حممة: و نترك عبادة ربنا؟
عامر: بل نعبده خيراً مما نعبده الآن.
حممة: كيف؟
عامر: سنعمل لغيرنا كما نعمل لأنفسنا و نقدم للناس ما ينفعهم في معاشهم. و نتصدق بما يفضل من كسبنا و نحصن فتاتين مسلمتين و ننجب منهما إن شاء الله ذرية صالحة طيبة يعبدون الله و يدعون لنا بخير.
-5-
ليلى: ( تنادي في خوف و قلق ) عامر! يا عامر! السبع وراءك يريد أن يفترسك!
حممة: صه. دعيه يا ليلى لا تهيجيه فإنه لن يؤذي زوجك.
ليلى: لكن زوجي ليس في يده سلاح.
حممة: سلاحه في قلبه يا ليلى. هيبة الله.
عامر: ( يسمع صوته من بعيد ) ذلك يوم مجموع له الناس و ذلك مشهود.
سلمى: انظري يا ليلى إن السبع يتشممه.
ليلى: و عامر يضع يده على منكبه.
سعدى: الحمد لله يا بنيتي. لقد ذهب عنه دون أن يؤذيه.
ليلى: أوَقَد ذهب عنه حقا؟
حممة: أجل.. ها هو ذا قد أقبل عامر.
عامر: ما خطبك يا ليلى؟ أوَقَد خشيت أن يأكلني السبع؟
ليلى: أي والله يا عامر.
سعدى: كلنا يا بني أشفق عليك منه.
ماجد: الحمد لله إذ نجاك الله منه يا بني.
عامر: إذا رأيتموه يقترب مني مرة أخرى فاتركوه و لا تهيجوه فذلك أحرى أن يكفه عني فلا يؤذيني.
حممة: أنا قلت لهم ذلك يا عامر فلم يصدقوني.
عامر: لأنك أنت نفسك كنت في ريب من أمري يا حممة.
حممة: أجل كنت في الحق أخشى عليك منه و إنما تجلدت أمامهم لأثبت قلوبهم.
ماجد: يا سعدى يا ليلى يا سلمى تعالين معي لندع عامرًا و حممة يفرغان قليلاً لعبادة ربهما.
ليلى: ألا نصلي المغرب معكم يا أبي جماعة؟
ماجد: بلى.. عندما يحين وقت المغرب يا بنتي ( ينسحبون ).
عامر: ألم تر يا حممة إلى حدب الشيخ علينا و حرصه على رضانا حتى إنه ليطرد أهله و بناته عنا لنفرغ للعبادة؟
حممة: أجل ما أكرمه و ما أحناه و لكن الوقت الذي يخلص لنا لنتعبد فيه أضحى أقل من القليل.
عامر: أنادم أنت على ذلك بعد؟
حممة: شيئا ما. وددت يا عامر لو كان شطر اليوم في الرعي و شطره في العبادة.
عامر: الليل كله لك. ألا يكفيك؟
حممة: في الليل حقوق أخرى يا عامر لنفسك ولأهلك.
عامر: إن شئت كلمت لك الشيخ فأعفاك من الخروج معنا إلى المرعى و بقيت هنا تحرس الكوخ و تتعبد.
حممة: ويلك يا عامر ألست تعتقد أن الرعي عبادة؟
عامر: بلى. إنه لكذلك.
حممة: فلم تريد أن تحرمني من ثواب ذلك؟
عامر: لا والله إني لأحب لك ألا ترتاب بعد في الحق الذي أرانا الله إياه.. إننا اليوم في عيشنا هذا الجديد أقرب إلى رضوان الله مما كنا فيه أمس.
حممة: أجل يا عامر لقد كنت في ريب من ذلك بل كنت أعتقد أننا قد أضعنا كثيراً مما كنا قد أحرزناه بالانقطاع و المجاهدة إلى أن شهدت بعيني حادث اليوم.
عامر: تعني حادث السبع؟
حممة: أجل فأيقنت أننا لم نفقد مما أحرزناه بل كسبنا ألوانا أخرى من رضوان الله إن شاء الله.
عامر: الحمد لله يا أخي. الآن استقام لنا السبيل في وادي السباع.
(ستار)
-1-
( في كوخ الشيخ ماجد السلمي في جانب مرتفع من الوادي )
سعدى: هل بلغك يا أبا ليلى أن شاباً آخر قد هبط وادينا ليتعبد فيه؟
ماجد: نعم لقد لقيته أول أمس.
سعدى: لقيته يا أبا ليلى؟ تقول لقيته؟
ماجد: نعم لقيته. ما خطبك يا سعدى؟ ما هذه اللهفة في سؤالك؟
سعدى: لاشيء يا أبا ليلى. أحببت أن أعلم أين لقيته وكيف؟
ماجد: أين و كيف و ماذا يعنيك من ذلك؟
سعدى: يعنيني و يعنيك يا أبا ليلى.
ماجد: كلا يا سعدى لا يعنيني مثل هذه التوافه.
سعدى: تذكر يا أبا ليلى أن عندك ابنتين بالغتين.
ماجد: و أي بأس في ذلك؟ إنهما ترعيان الغنم معي كل يوم.
سعدى: ألم تلحظ عليهما أنهما قد نمتا و استوتا و صارتا كالثمرتين الناضجتين؟
ماجد: إن كان أمر زواجهما هو الذي يكربك يا سعدى فاطمئني فإن عمهما أسامة سيزوجهما لابنين من أبنائه.
سعدى: أما زلت تحلم بأخيك أسامة و ابنيه؟
ماجد: إنه وعدني يا سعدى و لن يخلف وعده.
سعدى: إن أخاك و أهله و أبناءه يقيمون في سرة المدينة فما الذي يدفعهم إلى اختيار ابنتيك؟
ماجد: إنه هو الذي طلب مني يا سعدى و لم أطلب أنا ذلك.
سعدى: كان كلاما قاله لك منذ سنتين و لم يجدده بعد ذلك فكيف تعتمد عليه؟
ماجد: إنه لن يجد خيراً منهما لابنيه.
سعدى: لا غرو يا أبا ليلى أن تقول هذا عن ابنتيك. أما عندهم فإنما هما راعيتان لا تصلحان إلا للمرعى.
ماجد: و كأنك تلمحين يا سعدى أن تزوجي ابنتيك لهذين العابدين المتنسكين؟
سعدى: نعم و إن كان أحدهما أسود اللون كأنما كان أصله من بلاد الحبشة.
ماجد: ذاك حقا حبشي اسمه حممة.
سعدى: حممة؟ ألم تجد أمه اسماً له خيراً من هذا؟
ماجد: صه كفي لسانك عنه فإنه رجل عابد يصلي في اليوم و الليلة ثمانمائة ركعة.
سعدى: ثمانمائة ركعة؟
ماجد: هكذا بلغني يا سعدى.
سعدى: لا بد أنهم تزيدوا عليه العدد و إلا فلن يستطيع أن يفرغ لشيء بعد ذلك.
ماجد: إنك يا هذه تريدين أن تصرفي الناس على هواك لا كما خلقهم ربهم.
سعدى: هب أن ما سمعته عنه صحيح فإنما يصلي ثمانمائة ركعة لأنه لا يجد ما يشغله في يومه و ليله.
ماجد: يا أم ليلى هذان العابدان لا يصلحان لابنتيك.
سعدى: على رسلك يا أبا ليلى ما حدثتك عن الثاني بعد. أما هذا الثاني فإنه شاب جميل الصورة قوي البنية لا يعيبه شيء.
ماجد: لكنه عابد تنسك أيضا مثل الأول يا سعدى.
سعدى: سبحان الله و هل العبادة عيب يا أبا ليلى؟
ماجد: معاذ الله ما أردت ذلك يا سعدى و إنما أردت أنهما لا يرغبان في الزواج.
سعدى: و ما يدريك؟
ماجد: إنهما هجرا المدينة و هبطا هذا الوادي الموحش وادي السباع فراراً من الناس إلى الله لينقطعا لعبادته و لا يلتفتا لشيء في الدنيا فما بالك بالزواج؟
سعدى: الزواج سنة رسول الله يا ماجد فكيف يتعبدان لله و يمتنعان عن سنة رسول الله؟
ماجد: لعلهما قد تزوجا من قبل و لعل لكل منهما زوجته في المدينة.
سعدى: ذاك شيء لا يعنينا يا أبا ليلى. كل ما يعنينا أن امرأتيهما لم تأتيا معهما إلى الوادي.
ماجد: هل يعقل عندك أن يهربا من امرأتيهما في المدينة ليتزوجا ابنتيك في الوادي؟
سعدى: ماذا يمنع؟ إنهما يكرهان المدينة و يعشقان الوادي.
ماجد: أغلب الظن أنهما لو آنسا رغبة في تزويجهما فسيفران من وادينا هذا إلى واد آخر.
سعدى: لماذا؟ لأن ليلى و سلمى دميمتان؟ أين يجدان مثل ليلى و سلمى؟
ماجد: ليلى و سلمى ليستا بدميمتين و لكن هذين الرجلين لا يرغبان في الزواج.
سعدى: ما يدريك يا رجل؟ جرب و لو مرة واحدة. ماذا يمنعك أن تجرب.
ماجد: أجرب ماذا ويلك؟
سعدى: تعرض ليلى و سلمى عليهما.
ماجد: أقول لهما تعاليا فتزوجا ابنتي؟
سعدى: آه ليتني كنت رجلاً. أنت تزورهما أولا لترحب بهما في الوادي و تقول لهما إذا احتجتما إلى أي شيء من الماعون أو غيره فنحن نعيره لكما. ثم تدعوهما لزيارة منزلك و تعلمنا من قبل لنصنع لهما طعاماً جيداً فإذا أثنيا على الطعام فقل: هذا بعض الألوان التي تجيد طهيها ابنتاي ليلى و سلمى.
ماجد: لا بارك الله فيك يا أسامة. ما كان ينبغي أن تحوجني إلى كل هذا.
-2-
( في شبه مصلى يفصل بين كوخ حممة و كوخ عامر )
عامر: هل لي أن أكلمك يا أخي في الإسلام فقد مكثت هنا أربعين يوما و ليلة و أنا أهم أن أكلمك فلا يطاوعني لساني خشية أن أشغلك عما أنت فيه؟
حممة: هكذا كان حالي أيضا معك.
عامر: الحمد لله نحن إذا متوائمان فمن أنت رحمك الله؟
حممة: أنا رجل من المسلمين.
عامر: و اسمك؟
حممة: هل يهمك أن تعرف اسمي؟
عامر: نعم.
حممة: ألا يكفي أن تعرف أنني أخ لك مسلم؟
عامر: الاسم كالسلام يزيل الوحشة و يشيع السكينة و الطمانينة.
حممة: اسمي حممة.
عامر: حممة؟ أنت حممة؟
حممة: نعم. ألا تصدقني؟
عامر: لئن كنت أنت حممة الذي سمعت كثيراً عنه لأنت أعبد من في الأرض.
حممة: أستغفر الله. إني لمقصر بعد.
عامر: أتشتهي أن تزيد في اليوم و الليلة على ثمانمائة ركعة؟
حممة: أشتهي أن لو لم تكن هناك مواقيت للصلاة.
عامر: كيف يا حممة؟
حممة: هذه المواقيت تقطع علي القيام و السجود فلولاها لأحببت أن أجعل عمري كله ركوعا لله و سجوداً حتى ألقاه.
عامر: تريد أن تقتصر على الزبدة و الخلاصة.
حممة: نعم فإن عمرنا في دار العمل قصير.
عامر: صدقت والله يا حممة.
حممة: و أنت لم تخبرني باسمك.
عامر: أنا عامر بن عبد بن قيس.
حممة: أنت عامر بن عبد قيس؟
عامر: أجل.. هل سمعت بي من قبل؟
حممة: سمعت بك كثيراً لئن كنت إياه لأنت أعبد الناس.
عامر: أستغفر الله. إني والله ما أصلي صلاتك و لا نصفها و لا ربعها.
حممة: أما إنها ليست بعدد الركعات و لكن بالصدق و الخشوع و الأخلاق فبالله إلا ما أخبرتني كيف تعمل و ما أرجى عمل عندك؟
عامر: إن كان عندي شيء أرجو أن يقبله الله مني فهو أن هيبة الله قد عظمت في صدري حتى ما أهاب شيئا غيره كائناً ما يكون.
حممة: حتى هذه السباع التي تسمع زئيرها أحيانا بالليل؟
عامر: نعم حتى تلك السباع.
حممة: هل جربتها يا عامر؟
عامر: نعم جربتها غير مرة. كان يظهر لي السبع فأثب عليه من خلفه فأضع يدي على منكبه فيتشممني ثم يذهب.
حممة: و لا يهولك ذلك؟
عامر: إني لأستحي من الله عز و جل أن أهاب غيره.
حممة: الحمد لله من اليوم فصاعداً سنتعاون على طاعة الله دون أن تشغلني أو أشغلك.
عامر: أجل فلكل منا ما يشغله.
-3-
سلمى: هل بلغك يا ليلى أن أبانا ذهب إلى هذين الشابين العابدين؟
ليلى: لعل أمنا هي التي دفعته إلى ذلك.
سلمى: أجل ما زالت به حتى رضي و هو مرغم.
ليلى: لكن أمراً واحداً لا تعرفينه يا سلمى.
سلمى: ما هو؟
ليلى: إني أنا التي حرضت أمنا لتكلم أبانا في ذلك.
سلمى:أحقا يا ليلى؟
ليلى: اسأليها.
سلمى: يا لك من شيطانة.
-4-
عامر: حممة. ماذا ترى فيما عرضه علينا الشيخ ماجد؟
حممة: إنه إنما لمح و لم يصرح.
عامر: في مثل هذه الشؤون يا أخي يغني التلميح عن التصريح.
حممة: لا حول ولا قوة إلا بالله. إنما هبطنا هذا الوادي لنفر من مثل هذا.
عامر: أجل ما كنا نظن أن مثل هذا الراعي يقيم على مقربة منا.
حممة: ما رأيك لو هربنا إلى مكان آخر؟
عامر: أنا جربت أماكن كثيرة فما وجدت أهدأ و لا أصلح من هذا المكان.
حممة: و الشيخ ماجد؟
عامر: مثله موجود في كل مكان و هذا شيخ صالح يعرف الله و يخشاه.
حممة: لكن ماذا نصنع معه؟
عامر: ألا تستطيع أن تجد لابنتيه شابين أصلح منا فيتزوجاهما مكاننا؟
حممة: في هذا خلاص لنا لو كان إليه سبيل. أو لا تظن أن الشيخ أباهما كان أقدر منا على ذلك؟
عامر: صدقت يا حممة.
حممة: آه متى نتخلص من هذه المتاعب؟
عامر: خبرني يا حممة ما غايتنا من فرارنا هذا من الناس؟ أليست هي الانقطاع إلى الله بغية التقرب منه؟
حممة: بلى.
عامر: فهل نحن على يقين إن ما نحن فيه هو خير سبيل إلى غايتنا المبتغاه؟
حممة: ما خطبك يا عامر؟ أشكاً بعد يقين؟
عامر: كلا يا حممة بل عين يقين بعد يقين. علم إحاطة بعد علم (و فوق كل ذي علم عليم ).
حممة: أكان هذا كله من أثر الشيخ ماجد؟
عامر: أجل لقد كان لكلام هذا الشيخ ما فتح عين بصيرتي على حق الحق فجعلت أنظر في حالي و في حاله، و أوازن بينهما أي الجانبين أحرى أن يدني صاحبه إلى الله فوجدت أنه أفضل مني في كل شيء.
حممة: ماذا تقول يا عامر؟ كيف؟
عامر: وجدت أولا أنه رجل يعمل لغيره و يطعم أفواهاً غير فيه و أنا لا أعمل إلا لنفسي و لا أطعم غير فمي.
حممة: تعني سعيه على أهله و عياله؟
عامر: نعم.
حممة: أتريد أن تقول يا عامر إن كل ذي أهل و عيال من المسلمين أفضل مني و منك؟
عامر: نعم إذا اتقى الله مثل صاحبنا الشيخ.
حممة: واضيعتنا إذن يا عامر.
عامر: و وجدت ثانيا أنه يقدم إلى الناس ما ينفعهم في معاشهم من غنم و لبن و سمن و أقط و صوف و وبر و أنا و أنت لا نقدم لهم شيئاً.
حممة: سبحان الله. إنما يعملون ذلك لأنفسهم طمعاً فيما يدره عليهم من منفعة و ربح.
عامر: هذا لا ينفي أنهم ينفعون الناس من حيث لا ننفعهم بشيء.
حممة: كان يكون ذلك أيسر علينا وأسهل لو شئنا أن نكون مثل الآخرين.
عامر: ما أحسب أن الله يحب منا إحساسنا هذا بأننا فوق الآخرين.
حممة: ويحك يا عامر إنك تريد أن تحطم لنا كل شيء.
عامر: وأدركت ثالثاً أن صاحبنا الشيخ لا يحسب على الله شيئاً مما يعمل كما نفعل نحن إذ نجعل على أنفسنا في اليوم و الليلة كذا و كذا ركعة. و كذا و كذا تسبيحة و تحميدة.
حممة: حسبك يا عامر. حسبك.
عامر: و رابعاً إنه يتصدق بشيء من كسبه على الفقير و المسكين و عابر السبيل و نحن لا نتصدق بشيء.
حممة: لو كنا نكسب شيئاً يا عامر لتصدقنا.
عامر: فهو أفضل منا بالكسب والصدقة.
حممة: أعندك شيء تقوله بعد؟
عامر: نعم.. إنه لا يضن على عابر السبيل بما يحتاج إليه من ماء أو طعام ونحن نضن عليه إذا طلب منا شربة ماء بالوقت الذي ننفقه في إسقائه حتى لا تضيع منا ركعة أو تسبيحة.
حممة: ليتني ما لقيتك يا عامر ولا رأيتك.
عامر: أما أنا فأحمد الله أن لقيتك و صحبتك فما كنت لأهتدي إلى ما اهتديت إليه اليوم لو لم أكن رأيتك و تحدثت معك.
حممة: لقد كنت مطمئن النفس في هذا الوادي إذ كنت وحدي حتى جئت أنت فأثرت قلقي و بلبالي.
عامر: ويحك يا أخي لأن يكون الشيطان ثالثنا أهون من أن يكون ثاني كل منا ففي الأولى نحن اثنان على واحد و في الثانية ينفرد بكل منا وحده.
حممة: أخشى يا عامر ألا يكون الشيخ ماجد هو الذي ألهمك هذا بل ابنتاه.
عامر: إن أردت الحق يا حممة فالشيخ ألهمني و ابنتاه ألهمتماني.
حممة: أرأيتهما يا عامر؟
عامر: كلا ما رأيتهما.
حممة: فكيف ألهمتاك؟
عامر: قال لي أبوهما و هو يحاورني إن كان كل شاب مسلم يمتنع عن الزواج مثلكما فماذا يصنع أرباب البنات مثلي؟ لمن يزوجون بناتهم؟
حممة: فماذا قلت له؟
عامر: قلت له إذا كنا نحن امتنعنا عن الزواج لنتفرغ لعبادة الله فقلّ من الشباب من يعمل عملنا فافتراضك هذا غير قائم.
حممة: أحسنت والله الرد.
عامر: و لكنه قال لي: ليس في هذا الوادي غيرك وغير صاحبك فإذا امتنعتما أنتما عن الزواج فكأنما كل شاب مسلم قد امتنع، فلمن أزوج ابنتي ليلى و سلمى؟
حممة: فلم تجبه بشيء؟
عامر: بلى قلت له: هب إننا ما هبطنا هذا الوادي البتة فلمن كنت تزوج ابنتيك؟
حممة: أحسنت والله يا عامر.
عامر: لكنه أفحمني و أبطل حجتي.
حممة: ماذا قال لك؟
عامر: قال: إن لله حكمة في كل شيء و لعله ما ساقكما إلى هذا الوادي الموحش إلا ليجعل منكما لابنتي البالغتين زوجين صالحين.
حممة: كأنك تريد أن تتزوج إحداهما يا عامر؟
عامر: على أن تتزوج أنت الأخرى.
حممة: و انقطاعنا لعبادة الله؟
عامر: سيبقى كما كان و أفضل.
حممة: بل سيشغلك عنها ما لزوجك من حق عليك.
عامر: لكن قيامك بهذا الحق سيكون عبادة يؤجرك الله عليها و يثيبك.
حممة: والله ما أدري أتدعوني إلى خير يا عامر أم شر.
عامر: في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيل اللبس عنك. قال صلى الله عليه وسلم : ( النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني ).
حممة: هل دار بخلدك يا عامر من أين نمهرهما ثم من أين ننفق عليهما؟
عامر: إن لنا في موسى إذ تزوج ابنة شعيب عليهما السلام أسوة حسنة.
حممة: أتريد منا أن نعمل لأبيهما راعيين؟
عامر: نعم.
حممة: و نترك عبادة ربنا؟
عامر: بل نعبده خيراً مما نعبده الآن.
حممة: كيف؟
عامر: سنعمل لغيرنا كما نعمل لأنفسنا و نقدم للناس ما ينفعهم في معاشهم. و نتصدق بما يفضل من كسبنا و نحصن فتاتين مسلمتين و ننجب منهما إن شاء الله ذرية صالحة طيبة يعبدون الله و يدعون لنا بخير.
-5-
ليلى: ( تنادي في خوف و قلق ) عامر! يا عامر! السبع وراءك يريد أن يفترسك!
حممة: صه. دعيه يا ليلى لا تهيجيه فإنه لن يؤذي زوجك.
ليلى: لكن زوجي ليس في يده سلاح.
حممة: سلاحه في قلبه يا ليلى. هيبة الله.
عامر: ( يسمع صوته من بعيد ) ذلك يوم مجموع له الناس و ذلك مشهود.
سلمى: انظري يا ليلى إن السبع يتشممه.
ليلى: و عامر يضع يده على منكبه.
سعدى: الحمد لله يا بنيتي. لقد ذهب عنه دون أن يؤذيه.
ليلى: أوَقَد ذهب عنه حقا؟
حممة: أجل.. ها هو ذا قد أقبل عامر.
عامر: ما خطبك يا ليلى؟ أوَقَد خشيت أن يأكلني السبع؟
ليلى: أي والله يا عامر.
سعدى: كلنا يا بني أشفق عليك منه.
ماجد: الحمد لله إذ نجاك الله منه يا بني.
عامر: إذا رأيتموه يقترب مني مرة أخرى فاتركوه و لا تهيجوه فذلك أحرى أن يكفه عني فلا يؤذيني.
حممة: أنا قلت لهم ذلك يا عامر فلم يصدقوني.
عامر: لأنك أنت نفسك كنت في ريب من أمري يا حممة.
حممة: أجل كنت في الحق أخشى عليك منه و إنما تجلدت أمامهم لأثبت قلوبهم.
ماجد: يا سعدى يا ليلى يا سلمى تعالين معي لندع عامرًا و حممة يفرغان قليلاً لعبادة ربهما.
ليلى: ألا نصلي المغرب معكم يا أبي جماعة؟
ماجد: بلى.. عندما يحين وقت المغرب يا بنتي ( ينسحبون ).
عامر: ألم تر يا حممة إلى حدب الشيخ علينا و حرصه على رضانا حتى إنه ليطرد أهله و بناته عنا لنفرغ للعبادة؟
حممة: أجل ما أكرمه و ما أحناه و لكن الوقت الذي يخلص لنا لنتعبد فيه أضحى أقل من القليل.
عامر: أنادم أنت على ذلك بعد؟
حممة: شيئا ما. وددت يا عامر لو كان شطر اليوم في الرعي و شطره في العبادة.
عامر: الليل كله لك. ألا يكفيك؟
حممة: في الليل حقوق أخرى يا عامر لنفسك ولأهلك.
عامر: إن شئت كلمت لك الشيخ فأعفاك من الخروج معنا إلى المرعى و بقيت هنا تحرس الكوخ و تتعبد.
حممة: ويلك يا عامر ألست تعتقد أن الرعي عبادة؟
عامر: بلى. إنه لكذلك.
حممة: فلم تريد أن تحرمني من ثواب ذلك؟
عامر: لا والله إني لأحب لك ألا ترتاب بعد في الحق الذي أرانا الله إياه.. إننا اليوم في عيشنا هذا الجديد أقرب إلى رضوان الله مما كنا فيه أمس.
حممة: أجل يا عامر لقد كنت في ريب من ذلك بل كنت أعتقد أننا قد أضعنا كثيراً مما كنا قد أحرزناه بالانقطاع و المجاهدة إلى أن شهدت بعيني حادث اليوم.
عامر: تعني حادث السبع؟
حممة: أجل فأيقنت أننا لم نفقد مما أحرزناه بل كسبنا ألوانا أخرى من رضوان الله إن شاء الله.
عامر: الحمد لله يا أخي. الآن استقام لنا السبيل في وادي السباع.
(ستار)