حَجَّ الخَليفَةُ عبدُالملِك بن مَروان في بَعضِ أَعوامِه، فَخطَبَ في أهلِ المدينَةِ وقال :
مَثَلُنا ومَثَلُكم أنّ أخَوَين في الجاهليةِ خرجا مُسافِرين، فنَزلا في ظلِّ شجرة. فَلمّا دنا الرواح خَرجَت إِليهما حَيّةٌ تَحمِلُ دِيناراً فألقَته إليهِما، فقالا : إن هذا لَمِن كنز. فأقاما عليها ثلاثةَ أيام، كُل يومٍ تُخرجُ إليهما ديناراً. فقال أحدُهما لِصاحِبه : إلى متى ننتظر هذه الحيّة؟ ألا نَقتُلُها ونَحفِرُ هذا الكنز فنأخُذهُ؟ فنهاهُ أخوهُ وقال له : ما تدري، لعلّكَ تعطَب ولا تُدركُ المالَ.
فأبى عليه، وأخذ فأساً معه، ورَصدَ الحيّة حتى خرجت فضربَها ضَربةً جرحَت رأسَها ولَم تَقتُلها. فثارت الحَيّةُ فقتلَتهُ ورجعَت إلى حِجرِها.
فقام أخوهُ فَدفنَه، وأقام حتى إذا كان مِن الغد، خَرجت الحيّةُ معصوباً رأسُها ليس معَها شئ. فقال لها : يا هذهِ، إني والله ما رَضيتُ ما أصابَكِ، ولقد نَهَيتُ أخي عن ذلك. فَهَل لكِ أن نجعل بيننا أن لا تَضُرّيني ولا أضُرُّكِ، وتَرجعينَ إلى ما كُنتِ عليه؟
قالت الحية : لا.
قال : ولمَ ذلك؟
قالت : إني لأعلم أنّ نفسَك لا تطيبُ لي أبداً وأنت ترى قبرَ أخيك، ونفسي لا تطيب لك أبداً وأنا أَذكُرُ ههذهِ الشَجّة.
فيا أهلَ المدينة، وَلِيَكُم عمرُ بنُ الخطاب فَكانَ فَظّاَ غَليظاً مُضَيّقاً عَليكُم، فَسَمِعتُم له وأطعتُم. ثُمَّ وَلِيَكُم عثمانُ فكان سَهلاً لَيّناً كريماً فَعدوتُم عَليه فَقَتَلتُموه. وبعثنا عليكُم مُسلماً يَومَ الحَرَّة (وهو يوم انتصر فيها الأمويون على أهل المدينة في أيام يزيد بن معاوية حين قاموا بثورةٍ ضده) فقتل مِنكُم مَن قتل. فنحن نعلم أنكُم لا تُحِبونَنا أبدا وأنتم تذكرون يومَ الحرّة و نحن لا نُحبُّكم أبداً ونحن نَذكرُ عُثمان.
مِن كتاب "مروجُ الذهب" للمَسعوي.
حَجَّ الخَليفَةُ عبدُالملِك بن مَروان في بَعضِ أَعوامِه، فَخطَبَ في أهلِ المدينَةِ وقال :
مَثَلُنا ومَثَلُكم أنّ أخَوَين في الجاهليةِ خرجا مُسافِرين، فنَزلا في ظلِّ شجرة. فَلمّا دنا الرواح خَرجَت إِليهما حَيّةٌ تَحمِلُ دِيناراً فألقَته إليهِما، فقالا : إن هذا لَمِن كنز. فأقاما عليها ثلاثةَ أيام، كُل يومٍ تُخرجُ إليهما ديناراً. فقال أحدُهما لِصاحِبه : إلى متى ننتظر هذه الحيّة؟ ألا نَقتُلُها ونَحفِرُ هذا الكنز فنأخُذهُ؟ فنهاهُ أخوهُ وقال له : ما تدري، لعلّكَ تعطَب ولا تُدركُ المالَ.
فأبى عليه، وأخذ فأساً معه، ورَصدَ الحيّة حتى خرجت فضربَها ضَربةً جرحَت رأسَها ولَم تَقتُلها. فثارت الحَيّةُ فقتلَتهُ ورجعَت إلى حِجرِها.
فقام أخوهُ فَدفنَه، وأقام حتى إذا كان مِن الغد، خَرجت الحيّةُ معصوباً رأسُها ليس معَها شئ. فقال لها : يا هذهِ، إني والله ما رَضيتُ ما أصابَكِ، ولقد نَهَيتُ أخي عن ذلك. فَهَل لكِ أن نجعل بيننا أن لا تَضُرّيني ولا أضُرُّكِ، وتَرجعينَ إلى ما كُنتِ عليه؟
قالت الحية : لا.
قال : ولمَ ذلك؟
قالت : إني لأعلم أنّ نفسَك لا تطيبُ لي أبداً وأنت ترى قبرَ أخيك، ونفسي لا تطيب لك أبداً وأنا أَذكُرُ ههذهِ الشَجّة.
فيا أهلَ المدينة، وَلِيَكُم عمرُ بنُ الخطاب فَكانَ فَظّاَ غَليظاً مُضَيّقاً عَليكُم، فَسَمِعتُم له وأطعتُم. ثُمَّ وَلِيَكُم عثمانُ فكان سَهلاً لَيّناً كريماً فَعدوتُم عَليه فَقَتَلتُموه. وبعثنا عليكُم مُسلماً يَومَ الحَرَّة (وهو يوم انتصر فيها الأمويون على أهل المدينة في أيام يزيد بن معاوية حين قاموا بثورةٍ ضده) فقتل مِنكُم مَن قتل. فنحن نعلم أنكُم لا تُحِبونَنا أبدا وأنتم تذكرون يومَ الحرّة و نحن لا نُحبُّكم أبداً ونحن نَذكرُ عُثمان.
مِن كتاب "مروجُ الذهب" للمَسعوي. حَدَّثَنا عَليٌ بن الحسن الصيدلانيُّ قال: كان عِندَنا غُلامٌ حَدَث، فَلَحِقَهُ وَجَعٌ في مَعِدَتِهِ شَديدٌ بِلا سَبَبٍ يَعرِفُه، فَكانَت تَضرُبُ عليه أكثرَ الأوقاتِ ضَرباً عَظيماً حتى يكاد يَتلَف، وقلَّ أكلُه، ونَحَلَ جِسمُهُ، فَحُمِلَ إلى الأهواز، فَعولِجَ بِكُلِّ شَيءٍ، فَلَمْ يَنجَحْ فيه، و رُدَّ إلى بيته وقَد يُئِسَ مِنهُ. فَجازَ بَعضَ الأطباءِ فَعَرَفَ حالَهُ، فقال للعليلِ: اشرَحْ لي حالَكَ في زَمَنِ الصحة. فشرح إلى أنْ قال: دَخَلتُ بُستاناً فكان في بيت البقرِ رُمّانٌ كثيرٌ للبيع، فأكلتُ مِنه كثيرا. قال: كَيف كُنتَ تأكُلُه؟ قال: كُنتُ أَعُضُّ على رأسِ الرُّمّانةِ بِفَمي، وأرمي بِه و أكسِرُها قِطَعاً وآكُل. فقال الطبيب: غداً أُعالِجُكَ بإذنِ الله تعالى. فلما كان مِن الغَد جاءَ بِقِدرِ اسفيداج قد طبخها مِن لحم جَروٍ سَمين، فقال للعليل: كُلْ هذا. قال العليل: ما هو؟ قال: إنْ أكلتَ عَرَّفتُك. فأكلَ العليل، فقال له: امتلىء مِنه، فامتلأ، ثُمَّ قال له: أتدري أيَّ شَيءٍ أكلت؟ قال: لا. قال: لَحمُ كلب! فاندفع يَقذِف، فتأمّلَ القذفَ إلى أنْ طَرحَ العليلُ شَيئاً أسود كالنواة يَتَحَرّك، فأخذه الطبيب وقال: ارفع رأسَك، فَقَد بَرأت. فرفع رأسَه، فَسقاهُ شيئاً يقطعُ الغثيان، وصَبَّ على وجههِ ماءَ ورد، ثُمَّ أراهُ الذي وقع منه فإذا هو قُرَّاد، فقال: إنَّ المَوضِعَ الذي كان فيه الرُّمّانُ كان فيه قِردانُ مِن البقر، وأنه حصلت مِنهثم واحدة في رأسِ إحدى الرمّانات التي اقتلعت رؤوسها بفيك، فنزل القرد إلى حلقك وعلق بمعدتك يَمتَصُّها، وعَلِمتُ أنَّ القراد تَهِشُّ (أي تطلب وتحب) إلى لحم الكلب، فإنْ لَم يَصحّ الظَّنُ لَم يَضرّكَ ما أكلت، فَصحّ، فلا تُدخِلْ (في) فَمكَ شيئاً لا تدري ما فيه، والله الموفق.
- من كتاب "الأذكياء" لابن الجوزي.
منقول من