الرجال والنساء..هل يتكلّمون لغات مختلفة ..؟؟
يتكلم الرجل في الحب والرومانسية، في الحياة العملية والاجتماعية، في التربية وفي أمور كثيرة أخرى، فتصغي المرأة وتفهم.. هذا إذا تكلّم لغتها. لكن، ماذا لو نطق الرجل بلغة لا تفهمها زوجته، لغة غير محكيّة؟
هل تُجيد أيها الرجل التعبير لزوجتك عن الموضوعات التي تفكر فيها كافة؟ وأنتِ أيتها المرأة، هل تفهمين لغة زوجك في التعبير، حتى لو كانت مُصوغة بأسلوب، لا بل بأساليب يتقنها وحده، يُعبّر من خلالها عن مسألة ما؟
في كتاب "الرجال من المريخ والنساء من الزهرة الذي صدر قبل قرابة 15 عاماً، يتناول المؤلف، وهو الطبيب النفسي الأميركي جون غراي، المشكلات التي قد تحدث بين الرجل والمرأة نتيجة الاختلافات بينهما، وذلك من خلال تقريب صورة الاختلاف الحتمي بين الاثنين، مصوّراً الرجال على أنهم كانوا يعيشون على كوكب المريخ، والنساء على كوكب الزهرة. وفي التفاصيل إنه بعد اكتشاف رجال المريخ نساء الزهرة، يقصدونهن ليتعرفوا اليهنّ وإلى ملامح الاختلاف التي تميّز بين جنسيهما، ثم يقدرون المجيء إلى كوكب الأرض، حيث ينسون ما هم عليه من تباين واختلاف. هذا التصور الخيالي، يقوم على مفهوم بسيط وهو: إنّ الرجل بطبعه مختلف تماماً عن المرأة. لكن، تكمن المشكلة أنه في الواقع، لا يُدرك الرجل والمرأة أنهما مختلفان عن بعضهما بعضاً، ما يولّد بينهما سوء الفهم الذي يؤدي إلى الصراع. فهل الرجل فعلاً هو مخلوق مختلف عن المرأة؟ وإذا كان كذلك، فكيف تفهمه المرأة؟ أو كيف تفهم اللغة التي يكلّمها بها؟ ماذا تفعل هي وماذا يفعل هو إذا تناقضت احتياجاتهما وقلّ تفاهمهما؟ وعاش كل منهما في كوكب مختلف؟
- من دون تمهيد:
يلعب نزار (متزوج منذ سنة ونصف السنة) بمفاتيح علاّقة ذهبية، تتبادلها إبهامه مرة وسبابته مرات، تطرُّف عيناه إلى البعيد. ثم يقول: "يؤثر فيّ الكلام المباشر، لذلك أتحاشاه".
يعود نزار إلى علاّقة مفاتحيه، يشدّ عليها بكل قوّته فلا تبقّى له الكثير ليستجمعه وينطق به. يضيف: "اعتدت أن أدعو زوجتي إلى قضاء عطلة الأسبوع في فندق جميل، في كل مرة يتطلّب عملي كمدرّب برامج تقنية، أن أسافر وأتركها مع ابننا الرضيع أياماً عدّة". مع الوقت بات موضوع الفندق عملياً بامتياز. فنزار لم يعد مضطراً إلى التمهيد لموضوع سفره مع زوجته، "التي صارت تشعر به تلقائياً وتُوضّب لي حقيبة السفر، ما إن أعلن لها عن الحجز في الفندق" بحسب ما يقول.
يريد نزار أن يُقنع نفسه بأن أسلوبه هو عين الصواب، وأنه يحقق النتيجة المرجوّة مع زوجته. لكن سرعان ما تخذله الكلمات، فيكتفي بالإشارة إلى أن "الكثيرين قد لا يستسيغون أسلوبي، لكن زوجتي تفهمه تماماً، وهو فعّال بشكل مريح، أقلّه بالنسبة إليّ".
- طِبَاع:
من ناحيته، يرفض سعد (أستاذ رسم، متزوج منذ عامين) الإقرار بأنه من كوكب يختلف عن كوكب زوجته، مشيراً إلى أن "الإتيان بهدية تذكارية، أو بباقة من الزنبق الأبيض، له تأثير أكبر من لغة الكلام المباشر مع الزوجة، فالهدية ستبلغها عن أسفي الذي يمكنها أن تحتفظ بذكراه دائماً، وباقة الزنبق ستصفّي قلبها تجاهي وتجعله أيضاً ناصعاً، لا تفوح منه إلا رائحة الحب والمودة". وعمّا إذا كان يغير أسلوبه في حال اختلف رأي زوجته في الواقع عما يتصوره، يجيب بثقة مبالغ فيها: "لن أفعل شيئاً، لأننا لن نختلف في الرأي. فهي تفهم أسلوبي وتحبه وتسعد به، على الرغم من أني أعتقد أحياناً أنها تُفبرك مشكلة ما، لتلومني عليها وتظفر بغنيمة".
- لغة غير محكيّة:
تبادُل النظرات الحانية، يليه خمس دقائق من الصمت والتفكير، هذا هو الأسلوب الذي يعتمده فادي حبيب (مهندس مدني متزوج منذ 4 أعوام ولديه ولد) في كل مرة يشعر فيها بحاجة إلى الاعتذار لزوجته، أو إلى مناقشتها في مسألة شائكة قد تزعجها. يؤكد فادي أن "هذا الأسلوب يوفر عليه لغة الكلام المباشر، ولو لدقائق معدودة". فهو يعتبر نفسه من النوع الذي لا يحب الكلام الممل، ولا اعتماد منطق الهدية كلغة ثانية أو كحل. يضيف: "أنا من كوكب زوجتي نفسه، وكل ما أنطق به تفهمه جيداً، فهي ليست شريكة عمري فقط، بل توأم روحي أيضاً". إلا أن اعتداد فادي بنفسه لا يتوقف هنا، فثقته بأسلوب وبتفاعل زوجته معه كبيرة، إلى درجة تدفعه إلى التفاخر بذلك، حيث يقول: "تكفيني الدقائق الخمس لأربط جأشي وأتكلم إلى زوجتي بلغة حلوة تحبها، فلا أظهر وكأني متملّق أو مبالغ في الرأي". يتابع: "أنا ببساطة أحدثها وأعتذر لها بعفوية إذا اضطرني الأمر، وفي المقابل غالباً ما تكون هي حكيمة، تمسك زمام الأمور من الوسط، كي لا يتطور الأمر العالق بيننا إلى مشكلة حقيقية".
- خط مستقيم:
على الرغم من أن سعيد عبدالسلام (صحافي، متزوج منذ 17 عاماً، لديه 3 أولاد). يعتبر أنه وزوجته يتكلّمان اللغة ذاتها، ويتواصلان على أسس الصدق والصراحة، إلا أنه لا يخفي لجوءه إلى أساليب لا ينطق بها، بل يفعلها، ليعوّضها عن إساءة أو تقصير. ويلفت في هذا السياق إلى أنه يدعوها إلى الخروج في نزهة، أو يجلب لها هدية من الملابس الأنيقة، "لأني أعرف كم تحب ذوقي" كما يقول، مؤكداً أن "اعتماد الأساليب المتنوعة لا يلغي القانون بشكل مُطلَق". يضيف: "إن أقصر الطرق هو الخط المستقيم. لذلك يستحيل عليّ أن أعتمد على الأساليب غير المباشرة في المسائل الجوهرية، فهذه الحالات لا يتم تجاوزها إلا بمواجهتها بمنطق وحكمة، والحمد لله أن زوجتي إنسانة مسؤولة، تفهم لغتي وتشاركني القناعات نفسها".
- التباين والتوافق:
من جهته، يلقي كنان كُوجَه (مهندس زراعي) اللوم على التربية في مجتمعنا العربي "لأنها وراء التباين الحاصل في وجهات النظر بين الرجل والمرأة". كما يقول، مؤكداً أنه ينتمي إلى قائمة مَن يصفهم بـ"الرجال الواضحين"، داحِضاً مبدأ اللغة الأخرى التي يتبناها البعض برأيه "للهروب من موقف ما"، ومعتبراً أن "الهدية، حين يقدمها الرجل إلى زوجته، تكفيراً عن ذنوبه، تكون بمثابة رشوة وقحة، تُقلل من قيمة المرأة، وتصورها على أنها مادية بشكل بحت، لا تهتم إلا بالقشور".
على الرغم من ذلك، لا ينكر كنان حقيقة أن "الهدية مهمة، لكنها لا تقتلع جذور المشكلة". يقول إنّ "الأمر الأهم يكون في عدم إلغاء ثقافتي الاعتذار والحوار، للوصول إلى حل جذري ومريح".
- تقاليد وعادات:
أما خالد العريضي (مدير في شركة سياحية، متزوج منذ 4 أعوام، لديه بنت) فيرى أنّ "ثقافة الزوجين وعمريهما المتقاربين، إضافة إلى تربيتهما والبيئة التي ينحدران منها، من الأمور التي تلعب دوراً مهماً في بلورة لغة التفاهم بينهما". يشير خالد إلى أن اجتماع العوامل التي ذكرها، "يفرض التقاليد والعادات ذاتها، بالتالي يكون كل من الطرفين مهيأ للبدء في حياة زوجية سعيدة ومتينة". يضيف: "أنا وزوجتي من البيئة نفسها. لذلك نتحدث لغة يفهمها كلانا. ومن جهتي أحرص على ألا أنسى نفسي يوماً، فأتّبع سلوكاً أو تصرفاً يصعب عليها فهمه".
"الزواج ليس لغزاً، وهو قائم على مبدأ التفاهم"، من وجهة نظر خالد، الذي يؤكد أنه "لو كان كذلك لانهار وافترق مكوّناه، الرجل والمرأة".
- لغة الحب:
"الحب جعلني أفهم لغة زوجي، وأقدّر أساليبه وما ترمي إليه". جملة تختصر رأي ردينة موسى (مهندسة ديكور، أم لولد) التي تقول: "من المعيب ألاّ أفهم زوجي (على الطاير) بعد أربعة أعوام من الزواج".
تضيف: "لأكون صادقة، أنا أفهم لغته وحركاته وتصرفاته قبل الارتباط به، وهذا ما شجعني على تلك الخطوة".
نظرات الحنان التي تشع من عيني ردينة تجاه زوجها، تبدو كأنها تعبّر عن أمر خاص يجمعها بشريك العمر، تبوح به بخجل قائلة: "زوجي يحب لغة العيون ليعبّر لي عن مشاعره، وهذا أمر أعشقه فيه، لكنه غير كافٍ بالنسبة إليّ، لكوني مثل كل النساء مغرمّة بالكلام العذب والرومانسي".
تشيح ردينة بنظرها عن زوجها، حركة تحاول عبرها إطلاق العنان للسانها، بعيداً عن تأثيره فيها. تضيف: "في الحالات الاستثنائية، التي تحتاج إلى مصارحة ونقاش، لا أرضى بلغة العيون، بل ألجأ إلى مفاتحته في الموضوع مباشرة، ودائماً ما ننهي الأمر في دقائق وننساه وكأنه لم يحصل".
"لماذا تبادر المرأة عادة إلى الشروع في المفاتحة والمحاسبة؟". تتساءل ردينة، ثم تعود وتجيب: "ربما لأنها ماهرة في الكلام وفي المطالبة والمعارضة، هي تحب التفاصيل المملّة، والرجل يفضّل الاختصار من خلال وردة أو مفاجأة". "الهدايا والمفاجآت الجميلة تبقى مطلوبة بالتأكيد". تُعلّق ردينة ممازحة، وتعود لتقول: "لكن الحب هو أهم ما يميّز علاقتنا، إنه دافعنا القوي إلى أن نتفهّم بعضنا بعضاً، ونتحدث لغة واحدة".
- تناغُم وتفاهُم:
توافق سهى نجدة (مديرة إعلانات) على كلام ردينة، تصرّح قائلة: "نعم، الحب يجعلك تتكلم لغات لا تفهمها، تماماً مثلما تحب أغنية لموسيقاها وأنت لا تفهم معانيها". تضيف: "العلاقة الزوجية ليست أغنية عابرة تمرُّ في دقائق، إنما هي عشرة وحياة مشتركة بين ثنائي متناغم ومتفاهم". تتابع: "مازلت عروساً جيدة لم يمرّ على زواجي بضعة شهور. لذلك أرى أن الحب الذي يربطني بزوجي أشبه بأغنية رومانسية جميلة، لا أفهم كلماتها كلها، لكني أوشك على فك رموزها". تقول: "زوجي يتحدث معي بلغة مفهومة حتى هذه الساعة، لا أعرف ما إذا كان سيتبنّى لغة أخرى من كوكب آخر في السنوات اللاحقة".
- من كوكب واحد:
أما وَسَن حسين (محاسبة، متزوجة منذ 20 عاماً، لديها ثلاثة أولاد) فتعترف بأنها احتاجت إلى خمسة أعوام لتفهم زوجها كما يجب. تقول: "في بداية علاقتنا، كنت أحسبه يتكلم لغة أخرى لا أعرفها، لكني اليوم أفهمه من نظرة ومن إشارة. فقد بتنا نعيش على كوكب الأرض".
كوكب الأرض، حيث تعيش وَسَن وزوجها "صعب ومتطلّب". كما تقول، الأمر الذي تعتقد وسن أنه يعطي الرجل الحق، للتقصير في مكان ما، بسبب الضغوط والمسؤوليات. "لكن هذه الضغوط لا تعطيه الحق في التحدّث بلغة لا تفهمها زوجته". تضيف مبتسمة: "هو في الغالب يعوّضني في هذه الحالات الخاصة، بدعوة إلى الخروج إلى مكان ما أو بهدية أحبها، فأفهم أنه بذلك يبرّد غضبي، ولو أن أكثر ما يهمني في الموضوع، الاعتذار الذي يقدمه لي في النهاية، الذي يُظهره كرجل مسؤول عن تصرفاته وأفعاله".
- الغربة:
بعفوية لافتة للانتباه، تتحدّث رندة محيي الدين (متزوجة منذ سنتين، لديها ولد) عن الموضوع. تقول: "أنا وزوجي من كوكب واحد". تضيف: "أفهم لغته جيداً، فهو يتكلم بصراحة وشفافية من دون لفّ أو دوران، ويعتذر عن خطأ ارتكبه، ويسألني ويطالبني بتفاسير عن أمور كثيرة". ترجّح رندة أن تكون الغربة "السبب الرئيسي الذي جلعني أقترب من زوجي أكثر، وأتفهمه بشكل أكبر، على اعتبار أنه أهلي وعالمي ومحور حياتي".
- الإنسان هو الأسلوب:
يؤكد أستاذ الفلسفة الإعلامية، الدكتور صباح ناهي، "اهتمام الثقافة العربية بلغة الرجل"، داعياً الرجل إلى "أن يتقن اللغة التي يتحدث بها مع المرأة، ويأخذ في عين الاعتبار ضرورة أن تصدر لغته هذه، عن القلب وتتوجه إلى كيان عاطفي، لأن المرأة مخلوق حساس جداً، ولأن عاطفتها طاغية".
على صعيد آخر، يُنبّه الدكتور ناهي إلى أن "النساء لا يحتملن جميعهن اللغة المباشرة، فلكل واحدة منهن رؤية وتطلّع وحاجة". يقول: "هي العشرة التي تحدد للرجل وتُعلمه الأسلوب الذي يعني زوجته بالتحديد، ولو أن العشرة المباشرة تفقدهما علاقة المجاملة، وتبني لهما بيتاً من الحياة الواقعية". يتابع: "ببساطة شديدة، يجب على الرجل أن يتعامل مع المرأة باحترام وتقدير، أن يكون فناناً محترفاً مُدرّباً على نحت ما يعجبها ويثير بهجتها". يضيف: "صحيح أن الرجل بطبعه، غالباً ما يكون غير مستعد للكلام المباشر، أو لتقديم تقرير يومي مكثف، لكن عليه ألاّ ينسى أن زوجته هي المؤسسة الوحيدة التي يحق لها أن تطالبه بلغة تفهمها وترتاح لها".
- مشكلات نفسية:
يشير اختصاصي الطب النفسي في "مستشفى بلهول التخصصي" الدكتور محمد سامح طالب، إلى "وجود اختلافات جذرية بين تفكير الرجل وتفكير المرأة". يقول: "الرجل يتطلّع أكثر إلى المستقبل البعيد، بينما المرأة تنظر إلى الحياة في المستقبل القريب، وبينما يموت هو من أجل فكرة أو مُعتَقَد، تموت هي من أجل بيتها وأطفالها. كما أن الرجل عملي والمرأة عاطفية، وهو يهتم بالصورة كاملة، وهي تهتم بالتفاصيل".
هذه الاختلافات، كما يراها الدكتور طالب "هي أمور تكاملية ولا تخلق صراعاً بين الرجل والمرأة، لأن قدراتهما تنصهر في الأسرة التي تكوّن الشكل الاجتماعي، الذي يوفّر الهدوء والراحة والطمأنينة لهما".
ويُميّز الدكتور طالب بين المرأة والرجل، فيقول: "مهارات المرأة أعلى في التواصل، بينما للرجل أساليب أكثر. وتفوُّق المرأة عليه في طريقة التعبير، يعود إلى سمات المرأة الرقيقة والحساسة، التي تهمّها الكلمة الجميلة والرومانسية والحالمة، في حين أن الرجل يُعبّر عن حبه للمرأة، بدعوتها إلى رحلة خارج البلاد أو من خلال هدية، أو ربما بالاهتمام بها ورعاية أولاده".
هذا الواقع، يؤدي في منطق الدكتور طالب "إلى عدم فهم المرأة لغة الرجل". لذلك، هو يقول: "للأسف، في المجتمع الشرقي، تغلب كبرياء الرجل على تصرّفه، بالتالي تقيّد ثقافة الاعتذار عنده، وتمنعه من البوح بمكنونات عواطفه، فنراه، ولكي لا ينقص من رجولته، يُعبّر لزوجته عن رغباته وأخطائه بسلوكيات وأفعال، غالباً لا تؤدي قصدها". ويلفت إلى أن "الواقع هو أن المرأة حين لا تشعر بحب زوجها لها، أو لا تفهم طريقة تعبيره، تفقد الأمان، وهذا ما يكون بمثابة خطوتها الأولى نحو المشكلات النفسية، وذلك بحسب استعداها النفسي والوراثي، فهي غالباً تعاني أعراضاً جسمية، مثل الصداع وآلام الأطراف وآلام الظهر. ولن يكتشف علّتها إلا طبيب حاذق، يستطيع أن يُميّز بين الأعراض الناتجة عن أسباب عضوية، وتلك الناتجة عن أسباب نفسية".
أما عن الرجل وتأثير الموضوع فيه، فيلفت الدكتور طالب، إلى أن "المرأة هي كل شيء في حياة الرجل، القادرة على احتوائه بمشكلاته، وإذا لم تكن مرتاحة فلن تريحه". يضيف: "الرجل لا يشعر ولا ينتبه إلى أن أساليبه لا تفهمها الزوجة كما يتوقع، إلى أن تبدأ هذه الزوجة، التي هي محور البيت، في المعاناة التي تتطور وتنعكس عليه وعلى الأولاد وكل الأسرة".
من هذا المنطلق، يجد الدكتور طالب أنه "لابدّ من تطرُّق الشخص الذي يشعر بالنقص، أي المرأة، إلى الموضوع للفت انتباه الزوج. فالمشكلة تكمن في أن الرجل يقدر دائماً، أن كل شيء بخير، ولن ينتبه إلى معاناة زوجته إذا لم تحدثه عنها، لا بل قد تسوء حالتها قبل أن يكتشف الأمر، ما يفرض عليهما البدء في مشوار طبي، عبر الاستعانة بطبيب نفسي مُعالج".
"لن يكون في مستطاع الرجل أن يُعالج حالة زوجته وحده". يقول الدكتور طالب في ختام حديثه، مشيراً إلى أنه "لو كان الرجل شديد الذكاء ويفهمها جيداً، لَمَا أوصلها إلى الحالة التي هي فيها".
يتكلم الرجل في الحب والرومانسية، في الحياة العملية والاجتماعية، في التربية وفي أمور كثيرة أخرى، فتصغي المرأة وتفهم.. هذا إذا تكلّم لغتها. لكن، ماذا لو نطق الرجل بلغة لا تفهمها زوجته، لغة غير محكيّة؟
هل تُجيد أيها الرجل التعبير لزوجتك عن الموضوعات التي تفكر فيها كافة؟ وأنتِ أيتها المرأة، هل تفهمين لغة زوجك في التعبير، حتى لو كانت مُصوغة بأسلوب، لا بل بأساليب يتقنها وحده، يُعبّر من خلالها عن مسألة ما؟
في كتاب "الرجال من المريخ والنساء من الزهرة الذي صدر قبل قرابة 15 عاماً، يتناول المؤلف، وهو الطبيب النفسي الأميركي جون غراي، المشكلات التي قد تحدث بين الرجل والمرأة نتيجة الاختلافات بينهما، وذلك من خلال تقريب صورة الاختلاف الحتمي بين الاثنين، مصوّراً الرجال على أنهم كانوا يعيشون على كوكب المريخ، والنساء على كوكب الزهرة. وفي التفاصيل إنه بعد اكتشاف رجال المريخ نساء الزهرة، يقصدونهن ليتعرفوا اليهنّ وإلى ملامح الاختلاف التي تميّز بين جنسيهما، ثم يقدرون المجيء إلى كوكب الأرض، حيث ينسون ما هم عليه من تباين واختلاف. هذا التصور الخيالي، يقوم على مفهوم بسيط وهو: إنّ الرجل بطبعه مختلف تماماً عن المرأة. لكن، تكمن المشكلة أنه في الواقع، لا يُدرك الرجل والمرأة أنهما مختلفان عن بعضهما بعضاً، ما يولّد بينهما سوء الفهم الذي يؤدي إلى الصراع. فهل الرجل فعلاً هو مخلوق مختلف عن المرأة؟ وإذا كان كذلك، فكيف تفهمه المرأة؟ أو كيف تفهم اللغة التي يكلّمها بها؟ ماذا تفعل هي وماذا يفعل هو إذا تناقضت احتياجاتهما وقلّ تفاهمهما؟ وعاش كل منهما في كوكب مختلف؟
- من دون تمهيد:
يلعب نزار (متزوج منذ سنة ونصف السنة) بمفاتيح علاّقة ذهبية، تتبادلها إبهامه مرة وسبابته مرات، تطرُّف عيناه إلى البعيد. ثم يقول: "يؤثر فيّ الكلام المباشر، لذلك أتحاشاه".
يعود نزار إلى علاّقة مفاتحيه، يشدّ عليها بكل قوّته فلا تبقّى له الكثير ليستجمعه وينطق به. يضيف: "اعتدت أن أدعو زوجتي إلى قضاء عطلة الأسبوع في فندق جميل، في كل مرة يتطلّب عملي كمدرّب برامج تقنية، أن أسافر وأتركها مع ابننا الرضيع أياماً عدّة". مع الوقت بات موضوع الفندق عملياً بامتياز. فنزار لم يعد مضطراً إلى التمهيد لموضوع سفره مع زوجته، "التي صارت تشعر به تلقائياً وتُوضّب لي حقيبة السفر، ما إن أعلن لها عن الحجز في الفندق" بحسب ما يقول.
يريد نزار أن يُقنع نفسه بأن أسلوبه هو عين الصواب، وأنه يحقق النتيجة المرجوّة مع زوجته. لكن سرعان ما تخذله الكلمات، فيكتفي بالإشارة إلى أن "الكثيرين قد لا يستسيغون أسلوبي، لكن زوجتي تفهمه تماماً، وهو فعّال بشكل مريح، أقلّه بالنسبة إليّ".
- طِبَاع:
من ناحيته، يرفض سعد (أستاذ رسم، متزوج منذ عامين) الإقرار بأنه من كوكب يختلف عن كوكب زوجته، مشيراً إلى أن "الإتيان بهدية تذكارية، أو بباقة من الزنبق الأبيض، له تأثير أكبر من لغة الكلام المباشر مع الزوجة، فالهدية ستبلغها عن أسفي الذي يمكنها أن تحتفظ بذكراه دائماً، وباقة الزنبق ستصفّي قلبها تجاهي وتجعله أيضاً ناصعاً، لا تفوح منه إلا رائحة الحب والمودة". وعمّا إذا كان يغير أسلوبه في حال اختلف رأي زوجته في الواقع عما يتصوره، يجيب بثقة مبالغ فيها: "لن أفعل شيئاً، لأننا لن نختلف في الرأي. فهي تفهم أسلوبي وتحبه وتسعد به، على الرغم من أني أعتقد أحياناً أنها تُفبرك مشكلة ما، لتلومني عليها وتظفر بغنيمة".
- لغة غير محكيّة:
تبادُل النظرات الحانية، يليه خمس دقائق من الصمت والتفكير، هذا هو الأسلوب الذي يعتمده فادي حبيب (مهندس مدني متزوج منذ 4 أعوام ولديه ولد) في كل مرة يشعر فيها بحاجة إلى الاعتذار لزوجته، أو إلى مناقشتها في مسألة شائكة قد تزعجها. يؤكد فادي أن "هذا الأسلوب يوفر عليه لغة الكلام المباشر، ولو لدقائق معدودة". فهو يعتبر نفسه من النوع الذي لا يحب الكلام الممل، ولا اعتماد منطق الهدية كلغة ثانية أو كحل. يضيف: "أنا من كوكب زوجتي نفسه، وكل ما أنطق به تفهمه جيداً، فهي ليست شريكة عمري فقط، بل توأم روحي أيضاً". إلا أن اعتداد فادي بنفسه لا يتوقف هنا، فثقته بأسلوب وبتفاعل زوجته معه كبيرة، إلى درجة تدفعه إلى التفاخر بذلك، حيث يقول: "تكفيني الدقائق الخمس لأربط جأشي وأتكلم إلى زوجتي بلغة حلوة تحبها، فلا أظهر وكأني متملّق أو مبالغ في الرأي". يتابع: "أنا ببساطة أحدثها وأعتذر لها بعفوية إذا اضطرني الأمر، وفي المقابل غالباً ما تكون هي حكيمة، تمسك زمام الأمور من الوسط، كي لا يتطور الأمر العالق بيننا إلى مشكلة حقيقية".
- خط مستقيم:
على الرغم من أن سعيد عبدالسلام (صحافي، متزوج منذ 17 عاماً، لديه 3 أولاد). يعتبر أنه وزوجته يتكلّمان اللغة ذاتها، ويتواصلان على أسس الصدق والصراحة، إلا أنه لا يخفي لجوءه إلى أساليب لا ينطق بها، بل يفعلها، ليعوّضها عن إساءة أو تقصير. ويلفت في هذا السياق إلى أنه يدعوها إلى الخروج في نزهة، أو يجلب لها هدية من الملابس الأنيقة، "لأني أعرف كم تحب ذوقي" كما يقول، مؤكداً أن "اعتماد الأساليب المتنوعة لا يلغي القانون بشكل مُطلَق". يضيف: "إن أقصر الطرق هو الخط المستقيم. لذلك يستحيل عليّ أن أعتمد على الأساليب غير المباشرة في المسائل الجوهرية، فهذه الحالات لا يتم تجاوزها إلا بمواجهتها بمنطق وحكمة، والحمد لله أن زوجتي إنسانة مسؤولة، تفهم لغتي وتشاركني القناعات نفسها".
- التباين والتوافق:
من جهته، يلقي كنان كُوجَه (مهندس زراعي) اللوم على التربية في مجتمعنا العربي "لأنها وراء التباين الحاصل في وجهات النظر بين الرجل والمرأة". كما يقول، مؤكداً أنه ينتمي إلى قائمة مَن يصفهم بـ"الرجال الواضحين"، داحِضاً مبدأ اللغة الأخرى التي يتبناها البعض برأيه "للهروب من موقف ما"، ومعتبراً أن "الهدية، حين يقدمها الرجل إلى زوجته، تكفيراً عن ذنوبه، تكون بمثابة رشوة وقحة، تُقلل من قيمة المرأة، وتصورها على أنها مادية بشكل بحت، لا تهتم إلا بالقشور".
على الرغم من ذلك، لا ينكر كنان حقيقة أن "الهدية مهمة، لكنها لا تقتلع جذور المشكلة". يقول إنّ "الأمر الأهم يكون في عدم إلغاء ثقافتي الاعتذار والحوار، للوصول إلى حل جذري ومريح".
- تقاليد وعادات:
أما خالد العريضي (مدير في شركة سياحية، متزوج منذ 4 أعوام، لديه بنت) فيرى أنّ "ثقافة الزوجين وعمريهما المتقاربين، إضافة إلى تربيتهما والبيئة التي ينحدران منها، من الأمور التي تلعب دوراً مهماً في بلورة لغة التفاهم بينهما". يشير خالد إلى أن اجتماع العوامل التي ذكرها، "يفرض التقاليد والعادات ذاتها، بالتالي يكون كل من الطرفين مهيأ للبدء في حياة زوجية سعيدة ومتينة". يضيف: "أنا وزوجتي من البيئة نفسها. لذلك نتحدث لغة يفهمها كلانا. ومن جهتي أحرص على ألا أنسى نفسي يوماً، فأتّبع سلوكاً أو تصرفاً يصعب عليها فهمه".
"الزواج ليس لغزاً، وهو قائم على مبدأ التفاهم"، من وجهة نظر خالد، الذي يؤكد أنه "لو كان كذلك لانهار وافترق مكوّناه، الرجل والمرأة".
- لغة الحب:
"الحب جعلني أفهم لغة زوجي، وأقدّر أساليبه وما ترمي إليه". جملة تختصر رأي ردينة موسى (مهندسة ديكور، أم لولد) التي تقول: "من المعيب ألاّ أفهم زوجي (على الطاير) بعد أربعة أعوام من الزواج".
تضيف: "لأكون صادقة، أنا أفهم لغته وحركاته وتصرفاته قبل الارتباط به، وهذا ما شجعني على تلك الخطوة".
نظرات الحنان التي تشع من عيني ردينة تجاه زوجها، تبدو كأنها تعبّر عن أمر خاص يجمعها بشريك العمر، تبوح به بخجل قائلة: "زوجي يحب لغة العيون ليعبّر لي عن مشاعره، وهذا أمر أعشقه فيه، لكنه غير كافٍ بالنسبة إليّ، لكوني مثل كل النساء مغرمّة بالكلام العذب والرومانسي".
تشيح ردينة بنظرها عن زوجها، حركة تحاول عبرها إطلاق العنان للسانها، بعيداً عن تأثيره فيها. تضيف: "في الحالات الاستثنائية، التي تحتاج إلى مصارحة ونقاش، لا أرضى بلغة العيون، بل ألجأ إلى مفاتحته في الموضوع مباشرة، ودائماً ما ننهي الأمر في دقائق وننساه وكأنه لم يحصل".
"لماذا تبادر المرأة عادة إلى الشروع في المفاتحة والمحاسبة؟". تتساءل ردينة، ثم تعود وتجيب: "ربما لأنها ماهرة في الكلام وفي المطالبة والمعارضة، هي تحب التفاصيل المملّة، والرجل يفضّل الاختصار من خلال وردة أو مفاجأة". "الهدايا والمفاجآت الجميلة تبقى مطلوبة بالتأكيد". تُعلّق ردينة ممازحة، وتعود لتقول: "لكن الحب هو أهم ما يميّز علاقتنا، إنه دافعنا القوي إلى أن نتفهّم بعضنا بعضاً، ونتحدث لغة واحدة".
- تناغُم وتفاهُم:
توافق سهى نجدة (مديرة إعلانات) على كلام ردينة، تصرّح قائلة: "نعم، الحب يجعلك تتكلم لغات لا تفهمها، تماماً مثلما تحب أغنية لموسيقاها وأنت لا تفهم معانيها". تضيف: "العلاقة الزوجية ليست أغنية عابرة تمرُّ في دقائق، إنما هي عشرة وحياة مشتركة بين ثنائي متناغم ومتفاهم". تتابع: "مازلت عروساً جيدة لم يمرّ على زواجي بضعة شهور. لذلك أرى أن الحب الذي يربطني بزوجي أشبه بأغنية رومانسية جميلة، لا أفهم كلماتها كلها، لكني أوشك على فك رموزها". تقول: "زوجي يتحدث معي بلغة مفهومة حتى هذه الساعة، لا أعرف ما إذا كان سيتبنّى لغة أخرى من كوكب آخر في السنوات اللاحقة".
- من كوكب واحد:
أما وَسَن حسين (محاسبة، متزوجة منذ 20 عاماً، لديها ثلاثة أولاد) فتعترف بأنها احتاجت إلى خمسة أعوام لتفهم زوجها كما يجب. تقول: "في بداية علاقتنا، كنت أحسبه يتكلم لغة أخرى لا أعرفها، لكني اليوم أفهمه من نظرة ومن إشارة. فقد بتنا نعيش على كوكب الأرض".
كوكب الأرض، حيث تعيش وَسَن وزوجها "صعب ومتطلّب". كما تقول، الأمر الذي تعتقد وسن أنه يعطي الرجل الحق، للتقصير في مكان ما، بسبب الضغوط والمسؤوليات. "لكن هذه الضغوط لا تعطيه الحق في التحدّث بلغة لا تفهمها زوجته". تضيف مبتسمة: "هو في الغالب يعوّضني في هذه الحالات الخاصة، بدعوة إلى الخروج إلى مكان ما أو بهدية أحبها، فأفهم أنه بذلك يبرّد غضبي، ولو أن أكثر ما يهمني في الموضوع، الاعتذار الذي يقدمه لي في النهاية، الذي يُظهره كرجل مسؤول عن تصرفاته وأفعاله".
- الغربة:
بعفوية لافتة للانتباه، تتحدّث رندة محيي الدين (متزوجة منذ سنتين، لديها ولد) عن الموضوع. تقول: "أنا وزوجي من كوكب واحد". تضيف: "أفهم لغته جيداً، فهو يتكلم بصراحة وشفافية من دون لفّ أو دوران، ويعتذر عن خطأ ارتكبه، ويسألني ويطالبني بتفاسير عن أمور كثيرة". ترجّح رندة أن تكون الغربة "السبب الرئيسي الذي جلعني أقترب من زوجي أكثر، وأتفهمه بشكل أكبر، على اعتبار أنه أهلي وعالمي ومحور حياتي".
- الإنسان هو الأسلوب:
يؤكد أستاذ الفلسفة الإعلامية، الدكتور صباح ناهي، "اهتمام الثقافة العربية بلغة الرجل"، داعياً الرجل إلى "أن يتقن اللغة التي يتحدث بها مع المرأة، ويأخذ في عين الاعتبار ضرورة أن تصدر لغته هذه، عن القلب وتتوجه إلى كيان عاطفي، لأن المرأة مخلوق حساس جداً، ولأن عاطفتها طاغية".
على صعيد آخر، يُنبّه الدكتور ناهي إلى أن "النساء لا يحتملن جميعهن اللغة المباشرة، فلكل واحدة منهن رؤية وتطلّع وحاجة". يقول: "هي العشرة التي تحدد للرجل وتُعلمه الأسلوب الذي يعني زوجته بالتحديد، ولو أن العشرة المباشرة تفقدهما علاقة المجاملة، وتبني لهما بيتاً من الحياة الواقعية". يتابع: "ببساطة شديدة، يجب على الرجل أن يتعامل مع المرأة باحترام وتقدير، أن يكون فناناً محترفاً مُدرّباً على نحت ما يعجبها ويثير بهجتها". يضيف: "صحيح أن الرجل بطبعه، غالباً ما يكون غير مستعد للكلام المباشر، أو لتقديم تقرير يومي مكثف، لكن عليه ألاّ ينسى أن زوجته هي المؤسسة الوحيدة التي يحق لها أن تطالبه بلغة تفهمها وترتاح لها".
- مشكلات نفسية:
يشير اختصاصي الطب النفسي في "مستشفى بلهول التخصصي" الدكتور محمد سامح طالب، إلى "وجود اختلافات جذرية بين تفكير الرجل وتفكير المرأة". يقول: "الرجل يتطلّع أكثر إلى المستقبل البعيد، بينما المرأة تنظر إلى الحياة في المستقبل القريب، وبينما يموت هو من أجل فكرة أو مُعتَقَد، تموت هي من أجل بيتها وأطفالها. كما أن الرجل عملي والمرأة عاطفية، وهو يهتم بالصورة كاملة، وهي تهتم بالتفاصيل".
هذه الاختلافات، كما يراها الدكتور طالب "هي أمور تكاملية ولا تخلق صراعاً بين الرجل والمرأة، لأن قدراتهما تنصهر في الأسرة التي تكوّن الشكل الاجتماعي، الذي يوفّر الهدوء والراحة والطمأنينة لهما".
ويُميّز الدكتور طالب بين المرأة والرجل، فيقول: "مهارات المرأة أعلى في التواصل، بينما للرجل أساليب أكثر. وتفوُّق المرأة عليه في طريقة التعبير، يعود إلى سمات المرأة الرقيقة والحساسة، التي تهمّها الكلمة الجميلة والرومانسية والحالمة، في حين أن الرجل يُعبّر عن حبه للمرأة، بدعوتها إلى رحلة خارج البلاد أو من خلال هدية، أو ربما بالاهتمام بها ورعاية أولاده".
هذا الواقع، يؤدي في منطق الدكتور طالب "إلى عدم فهم المرأة لغة الرجل". لذلك، هو يقول: "للأسف، في المجتمع الشرقي، تغلب كبرياء الرجل على تصرّفه، بالتالي تقيّد ثقافة الاعتذار عنده، وتمنعه من البوح بمكنونات عواطفه، فنراه، ولكي لا ينقص من رجولته، يُعبّر لزوجته عن رغباته وأخطائه بسلوكيات وأفعال، غالباً لا تؤدي قصدها". ويلفت إلى أن "الواقع هو أن المرأة حين لا تشعر بحب زوجها لها، أو لا تفهم طريقة تعبيره، تفقد الأمان، وهذا ما يكون بمثابة خطوتها الأولى نحو المشكلات النفسية، وذلك بحسب استعداها النفسي والوراثي، فهي غالباً تعاني أعراضاً جسمية، مثل الصداع وآلام الأطراف وآلام الظهر. ولن يكتشف علّتها إلا طبيب حاذق، يستطيع أن يُميّز بين الأعراض الناتجة عن أسباب عضوية، وتلك الناتجة عن أسباب نفسية".
أما عن الرجل وتأثير الموضوع فيه، فيلفت الدكتور طالب، إلى أن "المرأة هي كل شيء في حياة الرجل، القادرة على احتوائه بمشكلاته، وإذا لم تكن مرتاحة فلن تريحه". يضيف: "الرجل لا يشعر ولا ينتبه إلى أن أساليبه لا تفهمها الزوجة كما يتوقع، إلى أن تبدأ هذه الزوجة، التي هي محور البيت، في المعاناة التي تتطور وتنعكس عليه وعلى الأولاد وكل الأسرة".
من هذا المنطلق، يجد الدكتور طالب أنه "لابدّ من تطرُّق الشخص الذي يشعر بالنقص، أي المرأة، إلى الموضوع للفت انتباه الزوج. فالمشكلة تكمن في أن الرجل يقدر دائماً، أن كل شيء بخير، ولن ينتبه إلى معاناة زوجته إذا لم تحدثه عنها، لا بل قد تسوء حالتها قبل أن يكتشف الأمر، ما يفرض عليهما البدء في مشوار طبي، عبر الاستعانة بطبيب نفسي مُعالج".
"لن يكون في مستطاع الرجل أن يُعالج حالة زوجته وحده". يقول الدكتور طالب في ختام حديثه، مشيراً إلى أنه "لو كان الرجل شديد الذكاء ويفهمها جيداً، لَمَا أوصلها إلى الحالة التي هي فيها".