تأهيل أبناءنا للحياة .. ؟؟
كل الأمور عند حدها الأدنى تكون قليلة التكاليف، ويصل الناس إليها – أحياناً – من غير قصد ولا تخطيط، وهكذا إذا أردنا لأبنائنا أن يحيوا أي حياة كان، وأن يعملوا في المستقبل أي عمل، وأن يكون موقعهم الإجتماعي في أي مرتبة كانت، فإنّ المطلوب منّا ليس كثيراً، يكفي لذلك توفير الطعام والشراب والملبس والسكن، وإلحاقهم بمدرسة الحي، ولهم بعد الإبتدائية أن يتجهوا إلى حيث أحبوا مع قليل من التوجيه والعناية التربوية، وبالمناسبة؛ فإنّ الحيوان يستطيع بما أودع الله – تعالى – فيه من غريزة أن يقدم لصغاره هذا المستوى المتدني من الرعاية والحماية إلى أن يكبروا، ويتمكنوا من حماية أنفسهم وكسب رزقهم، أما إذا كنا نريد لأبنائنا أن يعيشوا وفق مرادات الله – تعالى – صلاحاً وإستقامة، وأن يكون لهم نوع من الريادة والسبق بين الأقران، ونريد لهم أن يؤسسوا أسراً ناجحة، وأن يشاركوا في إصلاح مجتمعاتهم، فإنّ المطلوب منّا سيكون كثيراً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولا ينبغي أن نضجر من هذا؛ لأن كثيراً من الآباء بذلوا جهوداً مضنية من أجلنا، وسوف يفعل ذلك أبناؤنا مع أبنائهم، هذه سنة الله – تعالى – في التربية. أعتقد أن تأهيل الأبناء للحياة يتطلب التركيز على المعاني التالية:
أ) أن نشرح لهم بمناسبة وبغير مناسبة طبيعة الحياة وأنّ هذه الحياة مبنية على أن نأخذ ونعطي، ونتأثر ونؤثر، ونفرح ونحزن، وننجح ونخفق، ونظهر أحياناً في مظهر المتهور، وأحياناً في مظهر الذي عنده شيء من البلادة... وكل هذا بسبب ما جبلنا الله – تعالى – عليه من طباع، وبسبب السنن والنواميس التي تحكم الحياة..
أحد الآباء أخذ في يوم من الأيام يقص على أولاده الظروف الصعبة التي مر بها وهو صغير، وكان من جملة ما قاله لهم: كان أبي فقيراً جدّاً، وكان يعمل عند الناس يوماً بيوم، وفي أيام الشتاء كان يجلس في البيت الشهر والشهرين دون أن يعمل ولو يوماً واحداً، وقد كان هذا يجعلنا نأكل وجبتين عوضاً عن ثلاث وجبات، ولم يكن لديّ في بعض الأحيان إلا ثوب واحد، وحين يحتاج إلى غسيل كنت أجلس في المنزل حتى يجف، ولا تنتهي فترة الشتاء إلا وقد استدان أبي مبلغاً كبيراً من المال، وفي الصيف نعيش – أيضاً – في ضيق وقلة حتى يردّ والدي المال الذي اقترضه في الشتاء... وقد لاحظ الأب أن عين إحدى بناته دمعتْ تأثراً بما سمعتْ، أما الإبن الكبير فقد قال: إذن يا أبتي كيف دخلتَ الجامعة، وأنتم في تلك الحال؟ قال الأب: الشدة يا بني لا تدوم، ويجعل الله بعد العسر يسراً، فقد قامت العائلة بقسمة ميراث والد جدي، وقد كان نصيب أبي منه جيداً، وقد فتح جدكم بذلك المال بقالة صغيرة، ومن ذلك اليوم أخذت أمورنا في التحسن، وزالت بحمد الله الشدة. أحد الأبناء قال: كيف تحملتم كل تلك الشدة يا أبي؟! قال الأب: كثير من أهل الحي ومن أقربائنا كانوا في وضعية مثل وضعيتنا، وكنا نجد في التعاون والتعاطف والتراحم ما يخفف عنا الكثير من المصائب، وهذا حديث يطول، ويحتاج إلى جلسة خاصة.
ب) علينا كذلك أن نشرح لأولادنا شيئاً عن طبائع الناس وعن أخلاقهم، وأن بينهم فروقاً فردية كثيرة، ومن النادر جدّاً أن نجد شخصاً يتفق مع شخص آخر في عقليته ومزاجه وأهوائه وحاجاته ومصالحه... وسيكون من المهم في هذا أن نوضح الأمور للصغار عن طريق الشرح المبسَّط، والسرد للأحداث والحكايات... حتى يستوعبوا ذلك، وأن نترك لهم الفرصة للحوار والنقاش والتساؤل.
أحد الآباء كان يتحدث مع أبنائه عن الإنسجام الإجتماعي، وأن على الإنسان أن يفهم الناس بشكل جيِّد، وأن يساعدهم على أن يفهموه – أيضاً – على نحو جيِّد، وخطر في باله أن يوضِّح للصغار نقطة مهمة جدّاً، هي أنّ المرء مهما فعل فلن يفوز برضا كل الناس؛ لأن معايير البشر في الحكم على الأشياء ليست واحدة، ومن ثم فلابدّ للمرء أن يفعل ما يعتقد أنّه صواب وحق، مع الحرص على أن لا يفهمه الناس على نحو خاطئ، ولتوضيح هذه القضية استعان بحكاية قديمة تقول: إن رجلاً خرج مع ولده ابن العاشرة في رحلة إلى القرى المجاورة، راكبين على حمار، وحين دخلا القرية كان الأب راكباً والإبن ماشياً، فقال بعض أهل القرية: هذا الرجل ليس عنده رحمة بالصغير، وكان عليه أن يُركبه معه، ومضيا إلى قرية ثانية، وقد ركبا معاً الحمار، فقال بعض أهل القرية: مسكين هذا الحمار، فقد حُمّل فوق طاقته، وكان المفروض أن يركب أحدهما، ويمشي الآخر، ومضيا إلى القرية الثالثة، والإبن راكب والأب ماشٍ على قدميه، فقال بعض أهل القرية: هذا الفتى لا يحترم أباه، إذ كيف يسمح لنفسه أن يركب وأبوه ماشٍ؟! ومضيا نحو القرية الرابعة راجلينِ وقد قادا الحمار خلفهما، فقال أحد أهل القرية: هذا الشخصان غبيان: كيف يكون معهما حمار ولا يركبانه؟! هنا قال الأب لأولاده: ما الذي بقي على ذلك الرجل أن يفعله؟ فقال الكبير: بقي أن يحملا الحمار – إن استطاعا – ويمضيا به، وحينئذ سوف يُتهمان بالجنون، وضحك الجميع... قال الأب: الخلاصة يا أبنائي تكمن في حكمة قديمة تقول: "رضا الناس غاية لا تدرك".
ج) ستكون للأبناء والبنات – بإذن الله – أسر في المستقبل، وسيكون لهم أولاد وبنات ومسؤوليات تربوية... وإعدادهم لكل ذلك جزء أساسي من مهماتنا. الأُمّهات يقمن بدور أساسي في إعداد بناتهنّ لأن يكنّ أُمّهات فاضلات، وكثيراً ما ينجحن في ذلك الدور، لكن الزمان يتغير، ويحتاج إلى أن نعد الأبناء إعداداً جديداً. من المهم أن يتشكل وعي لدى فتياننا وفتياتنا بطبيعة الحياة الأسرية، وأنّها تقوم على التنازل والتوافق والتفاهم والتضحية، وليس على المشاحنة.
كل الأمور عند حدها الأدنى تكون قليلة التكاليف، ويصل الناس إليها – أحياناً – من غير قصد ولا تخطيط، وهكذا إذا أردنا لأبنائنا أن يحيوا أي حياة كان، وأن يعملوا في المستقبل أي عمل، وأن يكون موقعهم الإجتماعي في أي مرتبة كانت، فإنّ المطلوب منّا ليس كثيراً، يكفي لذلك توفير الطعام والشراب والملبس والسكن، وإلحاقهم بمدرسة الحي، ولهم بعد الإبتدائية أن يتجهوا إلى حيث أحبوا مع قليل من التوجيه والعناية التربوية، وبالمناسبة؛ فإنّ الحيوان يستطيع بما أودع الله – تعالى – فيه من غريزة أن يقدم لصغاره هذا المستوى المتدني من الرعاية والحماية إلى أن يكبروا، ويتمكنوا من حماية أنفسهم وكسب رزقهم، أما إذا كنا نريد لأبنائنا أن يعيشوا وفق مرادات الله – تعالى – صلاحاً وإستقامة، وأن يكون لهم نوع من الريادة والسبق بين الأقران، ونريد لهم أن يؤسسوا أسراً ناجحة، وأن يشاركوا في إصلاح مجتمعاتهم، فإنّ المطلوب منّا سيكون كثيراً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولا ينبغي أن نضجر من هذا؛ لأن كثيراً من الآباء بذلوا جهوداً مضنية من أجلنا، وسوف يفعل ذلك أبناؤنا مع أبنائهم، هذه سنة الله – تعالى – في التربية. أعتقد أن تأهيل الأبناء للحياة يتطلب التركيز على المعاني التالية:
أ) أن نشرح لهم بمناسبة وبغير مناسبة طبيعة الحياة وأنّ هذه الحياة مبنية على أن نأخذ ونعطي، ونتأثر ونؤثر، ونفرح ونحزن، وننجح ونخفق، ونظهر أحياناً في مظهر المتهور، وأحياناً في مظهر الذي عنده شيء من البلادة... وكل هذا بسبب ما جبلنا الله – تعالى – عليه من طباع، وبسبب السنن والنواميس التي تحكم الحياة..
أحد الآباء أخذ في يوم من الأيام يقص على أولاده الظروف الصعبة التي مر بها وهو صغير، وكان من جملة ما قاله لهم: كان أبي فقيراً جدّاً، وكان يعمل عند الناس يوماً بيوم، وفي أيام الشتاء كان يجلس في البيت الشهر والشهرين دون أن يعمل ولو يوماً واحداً، وقد كان هذا يجعلنا نأكل وجبتين عوضاً عن ثلاث وجبات، ولم يكن لديّ في بعض الأحيان إلا ثوب واحد، وحين يحتاج إلى غسيل كنت أجلس في المنزل حتى يجف، ولا تنتهي فترة الشتاء إلا وقد استدان أبي مبلغاً كبيراً من المال، وفي الصيف نعيش – أيضاً – في ضيق وقلة حتى يردّ والدي المال الذي اقترضه في الشتاء... وقد لاحظ الأب أن عين إحدى بناته دمعتْ تأثراً بما سمعتْ، أما الإبن الكبير فقد قال: إذن يا أبتي كيف دخلتَ الجامعة، وأنتم في تلك الحال؟ قال الأب: الشدة يا بني لا تدوم، ويجعل الله بعد العسر يسراً، فقد قامت العائلة بقسمة ميراث والد جدي، وقد كان نصيب أبي منه جيداً، وقد فتح جدكم بذلك المال بقالة صغيرة، ومن ذلك اليوم أخذت أمورنا في التحسن، وزالت بحمد الله الشدة. أحد الأبناء قال: كيف تحملتم كل تلك الشدة يا أبي؟! قال الأب: كثير من أهل الحي ومن أقربائنا كانوا في وضعية مثل وضعيتنا، وكنا نجد في التعاون والتعاطف والتراحم ما يخفف عنا الكثير من المصائب، وهذا حديث يطول، ويحتاج إلى جلسة خاصة.
ب) علينا كذلك أن نشرح لأولادنا شيئاً عن طبائع الناس وعن أخلاقهم، وأن بينهم فروقاً فردية كثيرة، ومن النادر جدّاً أن نجد شخصاً يتفق مع شخص آخر في عقليته ومزاجه وأهوائه وحاجاته ومصالحه... وسيكون من المهم في هذا أن نوضح الأمور للصغار عن طريق الشرح المبسَّط، والسرد للأحداث والحكايات... حتى يستوعبوا ذلك، وأن نترك لهم الفرصة للحوار والنقاش والتساؤل.
أحد الآباء كان يتحدث مع أبنائه عن الإنسجام الإجتماعي، وأن على الإنسان أن يفهم الناس بشكل جيِّد، وأن يساعدهم على أن يفهموه – أيضاً – على نحو جيِّد، وخطر في باله أن يوضِّح للصغار نقطة مهمة جدّاً، هي أنّ المرء مهما فعل فلن يفوز برضا كل الناس؛ لأن معايير البشر في الحكم على الأشياء ليست واحدة، ومن ثم فلابدّ للمرء أن يفعل ما يعتقد أنّه صواب وحق، مع الحرص على أن لا يفهمه الناس على نحو خاطئ، ولتوضيح هذه القضية استعان بحكاية قديمة تقول: إن رجلاً خرج مع ولده ابن العاشرة في رحلة إلى القرى المجاورة، راكبين على حمار، وحين دخلا القرية كان الأب راكباً والإبن ماشياً، فقال بعض أهل القرية: هذا الرجل ليس عنده رحمة بالصغير، وكان عليه أن يُركبه معه، ومضيا إلى قرية ثانية، وقد ركبا معاً الحمار، فقال بعض أهل القرية: مسكين هذا الحمار، فقد حُمّل فوق طاقته، وكان المفروض أن يركب أحدهما، ويمشي الآخر، ومضيا إلى القرية الثالثة، والإبن راكب والأب ماشٍ على قدميه، فقال بعض أهل القرية: هذا الفتى لا يحترم أباه، إذ كيف يسمح لنفسه أن يركب وأبوه ماشٍ؟! ومضيا نحو القرية الرابعة راجلينِ وقد قادا الحمار خلفهما، فقال أحد أهل القرية: هذا الشخصان غبيان: كيف يكون معهما حمار ولا يركبانه؟! هنا قال الأب لأولاده: ما الذي بقي على ذلك الرجل أن يفعله؟ فقال الكبير: بقي أن يحملا الحمار – إن استطاعا – ويمضيا به، وحينئذ سوف يُتهمان بالجنون، وضحك الجميع... قال الأب: الخلاصة يا أبنائي تكمن في حكمة قديمة تقول: "رضا الناس غاية لا تدرك".
ج) ستكون للأبناء والبنات – بإذن الله – أسر في المستقبل، وسيكون لهم أولاد وبنات ومسؤوليات تربوية... وإعدادهم لكل ذلك جزء أساسي من مهماتنا. الأُمّهات يقمن بدور أساسي في إعداد بناتهنّ لأن يكنّ أُمّهات فاضلات، وكثيراً ما ينجحن في ذلك الدور، لكن الزمان يتغير، ويحتاج إلى أن نعد الأبناء إعداداً جديداً. من المهم أن يتشكل وعي لدى فتياننا وفتياتنا بطبيعة الحياة الأسرية، وأنّها تقوم على التنازل والتوافق والتفاهم والتضحية، وليس على المشاحنة.