جهاد الخازن
لا أعرف ماذا سيقول الرئيس باراك أوباما في القاهرة اليوم، ولكن أعرف ما أريده أن يقول.
لو كنت مكلفاً بكتابة خطابه من جامعة القاهرة لاقترحت أن يبدأ بتحذير الجميع من أنه لن يحل مشاكل الشرق الأوسط والعالم بخطاب، وأنه سيحاول جهده، وسيكون صادقاً مع الجميع، إلا أنه يحتاج الى مساعدة من الفرقاء في المنطقة وسيتشاور معهم للوصول الى مشروع سلام بالتوافق والإقناع لأنه لن ينجح وحده.
إذا استطاع أن يُفهم جميع مستمعيه بلباقة وحزم أن خطابه لن ينهي وجود الفقر أو غياب الحرية والديموقراطية في بلاد العرب والمسلمين، وأن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بحاجة الى مفاوضات مضنية طويلة، فهو يستطيع أن يكمل مخاطباً العرب والإسرائيليين كما هم، لا كما يرون أنفسهم.
قد يقول للعرب أن يصحوا، فهم لن ينجزوا شيئاً إذا بقوا يعلقون فشلهم على شماعة أميركا (وإسرائيل)، وبلاده ليست مسؤولة عن وجود أنظمة ديكتاتورية في بلدان عربية كثيرة، مستهلكة لا منتجة، أو عن غياب حكم القانون، أو انتشار الفساد، أو عن سقوط نظام التعليم أو التطرف والإرهاب.
وهو قد يقول للإسرائيليين إن زمن العيش على حساب دافعي الضرائب الأميركيين انتهى، فهم لن يحصلوا على بلايين الدولارات من المساعدات (التي تتحول الى هبات) كل سنة من دون مقابل، ووقف الاستيطان، بما فيه «النمو الطبيعي» للمستوطنات بداية طيبة، إلا أنه مجرد بداية، فالمطلوب ترك الأراضي المحتلة لأهلها لأن قيام دولة فلسطينية مستقلة هو في مصلحة الفلسطينيين، وأيضاً في مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة، وإذا كانت إسرائيل قلقة فعلاً من البرنامج النووي الإيراني فعليها أن تزيل أسباب قلق المنطقة كلها من ترسانتها النووية، والإدارة الأميركية في جميع الأحوال لن تخوض حروب إسرائيل نيابة عنها، وهي تفضل التفاوض، ثم تريد من إسرائيل أن تقوم بخطوات تساعد المفاوضات في قضايا متشابكة من عملية السلام الى برنامج إيران النووي.
أعتقد بأن على الرئيس أوباما أن يبدي الحزم مع العرب والإسرائيليين، وأن يفهمهم بوضوح أنه لم يأتِ ليستجدي حلولاً لهم، وإنما ليساعدهم على حل مشاكلهم.
أقول هذا ثم أرجح أنه سيفشل، فالعرب لن يغيِّروا من عاداتهم شيئاً وسيظلون يتهمون القريب والبعيد بالمسؤولية عن أخطائهم وخطاياهم وتقصيرهم وتبذيرهم وتفويتهم الفرص.
وسيجد الرئيس أوباما أن الإسرائيليين أسوأ من العرب.
هو طلب من بنيامين نتانياهو في واشنطن وقف بناء المستوطنات فعاد هذا الى إسرائيل وأعلن رسمياً رفض الطلب «غير المنطقي»، ثم كرر الرفض وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان في موسكو. وقرأت في تعليقات المسؤولين الإسرائيليين والصحف هنا أن الجانب الإسرائيلي صدم أو ذعر أو فوجئ أو ذهل من الطلب الأميركي الذي كان متوقعاً تماماً، وأن الإسرائيليين يرفضون الإذعان للضغط.
هم يرفضون السلام، غير أن مشكلة أوباما ليست المستوطنات وحدها أو السلام كله، بل رئيس وزراء إسرائيل. نتانياهو يؤيد نتانياهو، ورفضه وقف المستوطنات أو قبول حل الدولتين سببه الوحيد أن حكومته ستسقط إذا قبل، ففيها غالبية متطرفة لا تزال تحلم بإسرائيل كبرى.
هناك حوالى 300 ألف مستوطن في 58800 وحدة سكنية في أراضي الضفة الغربية، وأجد أن من المستحيل على حكومة نتانياهو أن تتخلى عن أي منها، وهي التي ترفض وقف توسيعها. وهناك تقرير جديد للبنك الدولي يقول إن إسرائيل تستولي على 80 في المئة من مياه الضفة الغربية، وقد وجدت التقرير يؤكد معلومات مصرية سمعتها من مسؤولين أمنيين عرضوا عليّ خرائط للمستوطنات ومصادر الماء. هذه الخرائط تثبت ما نعرف جميعاً من استحالة قيام دولة فلسطينية متواصلة الأطراف ما بقيت المستوطنات.
مع هذه الخلفية أجد أن نجاح العملية السلمية بعيد، غير أن الزيارة قد تنجح على صعيد آخر فهي بدأت في الرياض، والرئيس أوباما يريد أن تضمن الحكومة السعودية استقرار امدادات النفط لضبط الأسعار، وأن تساعد إدارته في أفغانستان حيث تملك نفوذاً لدى الحكومة وطالبان ظهر جلياً في المؤتمر الذي رعته السنة الماضية بين الجانبين.
السعودية تستطيع المساعدة وستفعل، وستتوقع أن تحاول إدارة أوباما التعامل مع الملف الإيراني بما يزيل أسباب قلق دول الخليج من الأطماع الإيرانية ومن أخطار البرنامج النووي عليها، ولكن من دون حرب فأميركا والسعودية تفضلان الحوار مع إيران.
لماذا ينجح باراك أوباما (أو أي وسيط) في قضية ويفشل في غيرها؟ في الصراع العربي - الإسرائيلي هناك جانب ضعيف لا يخيف أحداً، وجانب إرهابي يعتقد أنه يستطيع مواجهة أي ضغط. أما في موضوع السعودية ودول الخليج وإيران وباكستان، فإن الجانب العربي قادر على أن يساعد إدارة أوباما ويتوقع منها أن تعامله بالمثل.
ماذا أزيد؟ أتمنى للرئيس باراك أوباما أن يفاجئني وينجح.
نقلا عن جريدة الحياة نجد
لا أعرف ماذا سيقول الرئيس باراك أوباما في القاهرة اليوم، ولكن أعرف ما أريده أن يقول.
لو كنت مكلفاً بكتابة خطابه من جامعة القاهرة لاقترحت أن يبدأ بتحذير الجميع من أنه لن يحل مشاكل الشرق الأوسط والعالم بخطاب، وأنه سيحاول جهده، وسيكون صادقاً مع الجميع، إلا أنه يحتاج الى مساعدة من الفرقاء في المنطقة وسيتشاور معهم للوصول الى مشروع سلام بالتوافق والإقناع لأنه لن ينجح وحده.
إذا استطاع أن يُفهم جميع مستمعيه بلباقة وحزم أن خطابه لن ينهي وجود الفقر أو غياب الحرية والديموقراطية في بلاد العرب والمسلمين، وأن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بحاجة الى مفاوضات مضنية طويلة، فهو يستطيع أن يكمل مخاطباً العرب والإسرائيليين كما هم، لا كما يرون أنفسهم.
قد يقول للعرب أن يصحوا، فهم لن ينجزوا شيئاً إذا بقوا يعلقون فشلهم على شماعة أميركا (وإسرائيل)، وبلاده ليست مسؤولة عن وجود أنظمة ديكتاتورية في بلدان عربية كثيرة، مستهلكة لا منتجة، أو عن غياب حكم القانون، أو انتشار الفساد، أو عن سقوط نظام التعليم أو التطرف والإرهاب.
وهو قد يقول للإسرائيليين إن زمن العيش على حساب دافعي الضرائب الأميركيين انتهى، فهم لن يحصلوا على بلايين الدولارات من المساعدات (التي تتحول الى هبات) كل سنة من دون مقابل، ووقف الاستيطان، بما فيه «النمو الطبيعي» للمستوطنات بداية طيبة، إلا أنه مجرد بداية، فالمطلوب ترك الأراضي المحتلة لأهلها لأن قيام دولة فلسطينية مستقلة هو في مصلحة الفلسطينيين، وأيضاً في مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة، وإذا كانت إسرائيل قلقة فعلاً من البرنامج النووي الإيراني فعليها أن تزيل أسباب قلق المنطقة كلها من ترسانتها النووية، والإدارة الأميركية في جميع الأحوال لن تخوض حروب إسرائيل نيابة عنها، وهي تفضل التفاوض، ثم تريد من إسرائيل أن تقوم بخطوات تساعد المفاوضات في قضايا متشابكة من عملية السلام الى برنامج إيران النووي.
أعتقد بأن على الرئيس أوباما أن يبدي الحزم مع العرب والإسرائيليين، وأن يفهمهم بوضوح أنه لم يأتِ ليستجدي حلولاً لهم، وإنما ليساعدهم على حل مشاكلهم.
أقول هذا ثم أرجح أنه سيفشل، فالعرب لن يغيِّروا من عاداتهم شيئاً وسيظلون يتهمون القريب والبعيد بالمسؤولية عن أخطائهم وخطاياهم وتقصيرهم وتبذيرهم وتفويتهم الفرص.
وسيجد الرئيس أوباما أن الإسرائيليين أسوأ من العرب.
هو طلب من بنيامين نتانياهو في واشنطن وقف بناء المستوطنات فعاد هذا الى إسرائيل وأعلن رسمياً رفض الطلب «غير المنطقي»، ثم كرر الرفض وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان في موسكو. وقرأت في تعليقات المسؤولين الإسرائيليين والصحف هنا أن الجانب الإسرائيلي صدم أو ذعر أو فوجئ أو ذهل من الطلب الأميركي الذي كان متوقعاً تماماً، وأن الإسرائيليين يرفضون الإذعان للضغط.
هم يرفضون السلام، غير أن مشكلة أوباما ليست المستوطنات وحدها أو السلام كله، بل رئيس وزراء إسرائيل. نتانياهو يؤيد نتانياهو، ورفضه وقف المستوطنات أو قبول حل الدولتين سببه الوحيد أن حكومته ستسقط إذا قبل، ففيها غالبية متطرفة لا تزال تحلم بإسرائيل كبرى.
هناك حوالى 300 ألف مستوطن في 58800 وحدة سكنية في أراضي الضفة الغربية، وأجد أن من المستحيل على حكومة نتانياهو أن تتخلى عن أي منها، وهي التي ترفض وقف توسيعها. وهناك تقرير جديد للبنك الدولي يقول إن إسرائيل تستولي على 80 في المئة من مياه الضفة الغربية، وقد وجدت التقرير يؤكد معلومات مصرية سمعتها من مسؤولين أمنيين عرضوا عليّ خرائط للمستوطنات ومصادر الماء. هذه الخرائط تثبت ما نعرف جميعاً من استحالة قيام دولة فلسطينية متواصلة الأطراف ما بقيت المستوطنات.
مع هذه الخلفية أجد أن نجاح العملية السلمية بعيد، غير أن الزيارة قد تنجح على صعيد آخر فهي بدأت في الرياض، والرئيس أوباما يريد أن تضمن الحكومة السعودية استقرار امدادات النفط لضبط الأسعار، وأن تساعد إدارته في أفغانستان حيث تملك نفوذاً لدى الحكومة وطالبان ظهر جلياً في المؤتمر الذي رعته السنة الماضية بين الجانبين.
السعودية تستطيع المساعدة وستفعل، وستتوقع أن تحاول إدارة أوباما التعامل مع الملف الإيراني بما يزيل أسباب قلق دول الخليج من الأطماع الإيرانية ومن أخطار البرنامج النووي عليها، ولكن من دون حرب فأميركا والسعودية تفضلان الحوار مع إيران.
لماذا ينجح باراك أوباما (أو أي وسيط) في قضية ويفشل في غيرها؟ في الصراع العربي - الإسرائيلي هناك جانب ضعيف لا يخيف أحداً، وجانب إرهابي يعتقد أنه يستطيع مواجهة أي ضغط. أما في موضوع السعودية ودول الخليج وإيران وباكستان، فإن الجانب العربي قادر على أن يساعد إدارة أوباما ويتوقع منها أن تعامله بالمثل.
ماذا أزيد؟ أتمنى للرئيس باراك أوباما أن يفاجئني وينجح.
نقلا عن جريدة الحياة نجد