الشيخ سعد والميدان.. على مبدأ العين تأكل قبل الفم.
.
شوارع عاشقة للسهر، أم أنها أسواق لا ترضى أن تردَّ شخصاً خائباً جائعاً، حتى بعد منتصف الليل .. أسواق اعتادت الاستيقاظ 24 ساعة، ونسيت النوم في غمرة الحركة الصاخبة..أسواق دمشقية لا تنام أبداً، يتصل ليلها بنهارها, وعند مرورك بها لابد وأن تجذبك الروائح، التي تجد طريقها إلى معدتك، قبل أن تفكر سواءا كنت جائعاً أم لا.
العين بتاكل!!
الشيخ سعد في المزة هو واحد من أهم هذه الأسواق المستعدة دائماً، ولعل رائحة "الفراريج المشوية"، و"الشاورما" تطغى على العديد من الروائح الأخرى، فإن كنت من سكان المزة فإنه يمكنك استقبال ضيوف على العشاء، بعد الساعة الثالثة صباحاً، إذ إن الأمر لن يكلفك أكثر من زيارة خاطفة لسوق الشيخ سعد، لتشتري العشاء كاملاً، مع الحلويات والفواكه.
مروان، صاحب محل لبيع "الفراريج المشوية" و"الشاورما"، لا يقفل محلة قبل الرابعة أو الخامسة صباحاً، ولا يعود ذلك إلى رغبته في إبقاء محله مفتوحاً مدة 24 ساعة، وإنما يعود إلى بقاء هذا الشارع مزدحماً بالزبائن معظم ساعات الليل..
أما محلات الفواكه والخضراوات، والتي يعتني أصحابها بطريقة عرضها، فإنهم، وبحسب أحد أصحاب هذه المحلات، لا يمكن أن تغلق قبل الخامسة صباحاً، بسبب الطلب الدائم عليها، وكأنما هناك اتفاقية موقعة شفهياً بين أصحاب المحلات، لإبقاء هذا السوق مقصداً لكل من يخطر في باله أن يتمشى ويأكل، وفي أي وقت، وعلى مدار الساعة.
تداهمك رائحة تسلب القلوب، تنبعث من الأفران المنتشرة في هذا السوق، والتي تبدأ عملها منذ الصباح إلى ما قبل الصباح التالي ببضع ساعات.
أمّا في آخر الشارع تقريباً، فهناك بائع الحلويات العربية، مثل "القطايف العصافيري" و"المدلوقة بالقشطة" و"الكنافة" بأنواعها، و"الذوق أبلغ من الوصف"!!
ولا ننسى طبعاً بعض المحلات المختصة ببيع الفول والحمص، يضاف إليها ابتسامات أصحاب المحلات، معلنة جميعها أنك هنا في السوق، الذي لا يطفئ مصابيحه، لتكون تلك الابتسامة، والكلمة الحلوة من (عدة الشغل)، والتي أثبتت فعاليتها يوماً بعد يوم.. وليبقى الزبون "المواطن" هو الخصم والحكم!
سوق " 15 نجمة ونص"!!
يعد سوق الشيخ سعد سوق "خمس نجوم"، فأسعار الخضار والفواكه فيه تزيد على أي سوق آخر، فيصل سعر كيلو العنب فيه مثلاً إلى 80 ليرة، في حين تشتري نفس الكيلو من سوق آخر بـ 45 ليرة، وربما يعود ذلك إلى غياب الرقابة ـ ولو جزئياً ، بالإضافة إلى اهتمام أصحاب المحلات بتلميع بضاعتهم، والتفنن في عرضها "والحلو حقو معو"، وإن كان سوق الشعلان معروفاً بسوق "التّنابل"، فإن سوق الشيخ سعد استورد الاسم وبجدارة.. حيث لا تغيب "الكوسا المحفورة" و"البقدونس المفروم" عن واجهات محلاته.. و"كل شي بيحرز ثمنه"!!.
سوق "15 نجمة" ، تعرض فيه البضائع بأناقة وحرفية عالية، وعلى مبدأ "العين تأكل كل ما لذ وطاب"، ما مر على لسان ومعدة الزبون، وما لم يمر، أشكال وألوان و"لا تشلّحو هالدراقن بيشلح لحالو"، و"أصابيع البوبو يا خيار".. و"مافي نوم ومع المصاري كلو بيسهر" و"الدفع بيهون"!!
الميدان.. مطبخ دمشق!!
لعل سوق حي الميدان الدمشقي "بامتياز" يعد المركز الرئيسي لمطابخ الحلويات والمأكولات في دمشق، فقد طور سكانه هذه الصناعة، لتصل شهرة حلوياتها إلى الكثير من أنحاء العالم ..
وأصبح كل من يريد أن يسافر، حاملاً معه هدايا، يتجه تفكيره إلى حلويات الميدان، فلا يتهاون أصحاب محلات هذا السوق في طريقة عرض بضاعتهم، حيث تلفت نظر كل من يمر في الشارع، وقد يتذوق مختلف أنواع الحلويات، من "البقلاوة" و"المبرومة" و"النمورة"، وصولاً إلى "عش البلبل" و"الوربات"، وطبعاً كلها بالسمن البلدي.
وعلى الرغم من أن الميدان يعد من الأسواق الشعبية، إلا أنه لا يغلق أبوابه ليلاً أو نهاراً، ويبقى الازدحام شديداً فيه، خصوصاً في رمضان، وأيام الأعياد.
أحد أصحاب محلات الحلويات في الميدان يفتخر بما لديه قائلاً: " هذا السوق يشهد في كل المواسم إقبالا كبيراً جداً، من قبل السياح العرب والأجانب، لشراء الحلويات الدمشقية المتنوعة، بغرض الهدايا للأصدقاء والأقارب، وللاستهلاك المنزلي، ونحن لا نضطر للإعلان عن حلوياتنا الدمشقية، لأنها تعلن عن نفسها بنفسها".
أسعار الحلويات في الميدان أغلى من أي سوق آخر، فقد يصل سعر كيلو "المعمول" إلى 1000 ليرة، ومع ذلك هناك الكثيرون ممن لا يشترونه إلا من الميدان وبالسمن العربي.
"سجقات ولحمة راس"!!
في الماضي كانت "ست البيت" تُمضِي النهار بأكمله في إعداد "القشة"، بما تحويه من "سجقات" و"لسانات"، أما الآن فلا داعي للمعاناة في التنظيف والطبخ والنفخ، إذ حل الميدان بدلاً من المطبخ الدمشقي، وبامتياز، وبشهادة "ستات البيوت"، واستناداً إلى مبدأ القياس، فالمدمن على وجبة "سجقات" و"قبوات" و"مقادم" و"نيفا الراس المعتبرة قبل النوم" هو مدمن على سوق الميدان، و"الخريم" اليومي على "طشت فول صباحي" أو "زبدية فتة بسمنة ـ دبل" مع "فحلين بصل"، وما تيسر من "الكبيس" هو أحد أهم رواد هذا الحي، ويبقى كافة أنواع اللحوم، من العجين والمشوية، وكل ما تشتهي نفسك.
"عجقة وجوع"..
على الرغم من الازدحام الشديد في الميدان، فلن يمر يوم دون أن تضطر إلى لانتظار ضمن طابور السيارات ما لا يقل عن الساعة، لتصل إلى نهاية السوق، ويبقى الهدف هو إشباع البطون، ويبدو أن من أطلق المثل الذي يقول: "الطريق إلى قلب الرجل معدته" إنما اعتمد علينا كشعب، وعلى مزاجنا الصعب في اختيار النكهات والتوابل.
أخيراً!!
إذا كان "الفول" سيِّد مائدة الفطور الشامية، فإنَّ "التسقية" لا تقلّ عنه أهمية، ولا يكتمل الغداء إلا بأنواع الأطعمة الشهية، كـ"الكبة" و"التبولة"، ليكون ختامها مسكاً مع الحلويات الدمشقية، وعلى الرغم من البصمات التي تركها الزمن على حياتنا، وغلاء المعيشة المتصاعد باستمرار، إلا أنَّ ظاهرة الاهتمام بالطعام، واختصاص أسواق بأكملها بتقديم أشهى الأطعمة، لا يمكن أن تختفي، على اعتبار أن "العين تأكل قبل الفم"، كقناعة راسخة لدى الدمشقيين.
تغنَّى الكثير من الشعراء بدمشق، وعشقها آخرون، وفي كلّ زاوية وحارة من حاراتها حكاية تردّ الجوع إلى مزيد من الأساطير، وتشبع البطن بأطعمة شعبية، هي جزء من تراث المدينة.
تعتبر منطقة الميدان من أقدم المناطق في العاصمة السورية دمشق، فهي تحتوي على معالم أثرية، من مساجد وحمامات، وتعرضت للاحتراق نتيجة قصفها من قبل قوات الانتداب الفرنسي، كونها كانت تؤوي رجال الثورة ضد الفرنسيين .
ومن أشهر شوارع المطبخ الشامي للحلويات والمأكولات شارع "الجزماتية"، ويمتد على طول 3 كيلو مترات، وهو دائم الازدحام، وخاصة في شهر رمضان المبارك، وعيدي الفطر والأضحى، من قبل المشترين، وطاولات العرض، التي يضعها أصحاب المحلات على رصيف الشارع، بطريقة تزيينية فنية تجذب نظر المتسوق
.
شوارع عاشقة للسهر، أم أنها أسواق لا ترضى أن تردَّ شخصاً خائباً جائعاً، حتى بعد منتصف الليل .. أسواق اعتادت الاستيقاظ 24 ساعة، ونسيت النوم في غمرة الحركة الصاخبة..أسواق دمشقية لا تنام أبداً، يتصل ليلها بنهارها, وعند مرورك بها لابد وأن تجذبك الروائح، التي تجد طريقها إلى معدتك، قبل أن تفكر سواءا كنت جائعاً أم لا.
العين بتاكل!!
الشيخ سعد في المزة هو واحد من أهم هذه الأسواق المستعدة دائماً، ولعل رائحة "الفراريج المشوية"، و"الشاورما" تطغى على العديد من الروائح الأخرى، فإن كنت من سكان المزة فإنه يمكنك استقبال ضيوف على العشاء، بعد الساعة الثالثة صباحاً، إذ إن الأمر لن يكلفك أكثر من زيارة خاطفة لسوق الشيخ سعد، لتشتري العشاء كاملاً، مع الحلويات والفواكه.
مروان، صاحب محل لبيع "الفراريج المشوية" و"الشاورما"، لا يقفل محلة قبل الرابعة أو الخامسة صباحاً، ولا يعود ذلك إلى رغبته في إبقاء محله مفتوحاً مدة 24 ساعة، وإنما يعود إلى بقاء هذا الشارع مزدحماً بالزبائن معظم ساعات الليل..
أما محلات الفواكه والخضراوات، والتي يعتني أصحابها بطريقة عرضها، فإنهم، وبحسب أحد أصحاب هذه المحلات، لا يمكن أن تغلق قبل الخامسة صباحاً، بسبب الطلب الدائم عليها، وكأنما هناك اتفاقية موقعة شفهياً بين أصحاب المحلات، لإبقاء هذا السوق مقصداً لكل من يخطر في باله أن يتمشى ويأكل، وفي أي وقت، وعلى مدار الساعة.
تداهمك رائحة تسلب القلوب، تنبعث من الأفران المنتشرة في هذا السوق، والتي تبدأ عملها منذ الصباح إلى ما قبل الصباح التالي ببضع ساعات.
أمّا في آخر الشارع تقريباً، فهناك بائع الحلويات العربية، مثل "القطايف العصافيري" و"المدلوقة بالقشطة" و"الكنافة" بأنواعها، و"الذوق أبلغ من الوصف"!!
ولا ننسى طبعاً بعض المحلات المختصة ببيع الفول والحمص، يضاف إليها ابتسامات أصحاب المحلات، معلنة جميعها أنك هنا في السوق، الذي لا يطفئ مصابيحه، لتكون تلك الابتسامة، والكلمة الحلوة من (عدة الشغل)، والتي أثبتت فعاليتها يوماً بعد يوم.. وليبقى الزبون "المواطن" هو الخصم والحكم!
سوق " 15 نجمة ونص"!!
يعد سوق الشيخ سعد سوق "خمس نجوم"، فأسعار الخضار والفواكه فيه تزيد على أي سوق آخر، فيصل سعر كيلو العنب فيه مثلاً إلى 80 ليرة، في حين تشتري نفس الكيلو من سوق آخر بـ 45 ليرة، وربما يعود ذلك إلى غياب الرقابة ـ ولو جزئياً ، بالإضافة إلى اهتمام أصحاب المحلات بتلميع بضاعتهم، والتفنن في عرضها "والحلو حقو معو"، وإن كان سوق الشعلان معروفاً بسوق "التّنابل"، فإن سوق الشيخ سعد استورد الاسم وبجدارة.. حيث لا تغيب "الكوسا المحفورة" و"البقدونس المفروم" عن واجهات محلاته.. و"كل شي بيحرز ثمنه"!!.
سوق "15 نجمة" ، تعرض فيه البضائع بأناقة وحرفية عالية، وعلى مبدأ "العين تأكل كل ما لذ وطاب"، ما مر على لسان ومعدة الزبون، وما لم يمر، أشكال وألوان و"لا تشلّحو هالدراقن بيشلح لحالو"، و"أصابيع البوبو يا خيار".. و"مافي نوم ومع المصاري كلو بيسهر" و"الدفع بيهون"!!
الميدان.. مطبخ دمشق!!
لعل سوق حي الميدان الدمشقي "بامتياز" يعد المركز الرئيسي لمطابخ الحلويات والمأكولات في دمشق، فقد طور سكانه هذه الصناعة، لتصل شهرة حلوياتها إلى الكثير من أنحاء العالم ..
وأصبح كل من يريد أن يسافر، حاملاً معه هدايا، يتجه تفكيره إلى حلويات الميدان، فلا يتهاون أصحاب محلات هذا السوق في طريقة عرض بضاعتهم، حيث تلفت نظر كل من يمر في الشارع، وقد يتذوق مختلف أنواع الحلويات، من "البقلاوة" و"المبرومة" و"النمورة"، وصولاً إلى "عش البلبل" و"الوربات"، وطبعاً كلها بالسمن البلدي.
وعلى الرغم من أن الميدان يعد من الأسواق الشعبية، إلا أنه لا يغلق أبوابه ليلاً أو نهاراً، ويبقى الازدحام شديداً فيه، خصوصاً في رمضان، وأيام الأعياد.
أحد أصحاب محلات الحلويات في الميدان يفتخر بما لديه قائلاً: " هذا السوق يشهد في كل المواسم إقبالا كبيراً جداً، من قبل السياح العرب والأجانب، لشراء الحلويات الدمشقية المتنوعة، بغرض الهدايا للأصدقاء والأقارب، وللاستهلاك المنزلي، ونحن لا نضطر للإعلان عن حلوياتنا الدمشقية، لأنها تعلن عن نفسها بنفسها".
أسعار الحلويات في الميدان أغلى من أي سوق آخر، فقد يصل سعر كيلو "المعمول" إلى 1000 ليرة، ومع ذلك هناك الكثيرون ممن لا يشترونه إلا من الميدان وبالسمن العربي.
"سجقات ولحمة راس"!!
في الماضي كانت "ست البيت" تُمضِي النهار بأكمله في إعداد "القشة"، بما تحويه من "سجقات" و"لسانات"، أما الآن فلا داعي للمعاناة في التنظيف والطبخ والنفخ، إذ حل الميدان بدلاً من المطبخ الدمشقي، وبامتياز، وبشهادة "ستات البيوت"، واستناداً إلى مبدأ القياس، فالمدمن على وجبة "سجقات" و"قبوات" و"مقادم" و"نيفا الراس المعتبرة قبل النوم" هو مدمن على سوق الميدان، و"الخريم" اليومي على "طشت فول صباحي" أو "زبدية فتة بسمنة ـ دبل" مع "فحلين بصل"، وما تيسر من "الكبيس" هو أحد أهم رواد هذا الحي، ويبقى كافة أنواع اللحوم، من العجين والمشوية، وكل ما تشتهي نفسك.
"عجقة وجوع"..
على الرغم من الازدحام الشديد في الميدان، فلن يمر يوم دون أن تضطر إلى لانتظار ضمن طابور السيارات ما لا يقل عن الساعة، لتصل إلى نهاية السوق، ويبقى الهدف هو إشباع البطون، ويبدو أن من أطلق المثل الذي يقول: "الطريق إلى قلب الرجل معدته" إنما اعتمد علينا كشعب، وعلى مزاجنا الصعب في اختيار النكهات والتوابل.
أخيراً!!
إذا كان "الفول" سيِّد مائدة الفطور الشامية، فإنَّ "التسقية" لا تقلّ عنه أهمية، ولا يكتمل الغداء إلا بأنواع الأطعمة الشهية، كـ"الكبة" و"التبولة"، ليكون ختامها مسكاً مع الحلويات الدمشقية، وعلى الرغم من البصمات التي تركها الزمن على حياتنا، وغلاء المعيشة المتصاعد باستمرار، إلا أنَّ ظاهرة الاهتمام بالطعام، واختصاص أسواق بأكملها بتقديم أشهى الأطعمة، لا يمكن أن تختفي، على اعتبار أن "العين تأكل قبل الفم"، كقناعة راسخة لدى الدمشقيين.
تغنَّى الكثير من الشعراء بدمشق، وعشقها آخرون، وفي كلّ زاوية وحارة من حاراتها حكاية تردّ الجوع إلى مزيد من الأساطير، وتشبع البطن بأطعمة شعبية، هي جزء من تراث المدينة.
تعتبر منطقة الميدان من أقدم المناطق في العاصمة السورية دمشق، فهي تحتوي على معالم أثرية، من مساجد وحمامات، وتعرضت للاحتراق نتيجة قصفها من قبل قوات الانتداب الفرنسي، كونها كانت تؤوي رجال الثورة ضد الفرنسيين .
ومن أشهر شوارع المطبخ الشامي للحلويات والمأكولات شارع "الجزماتية"، ويمتد على طول 3 كيلو مترات، وهو دائم الازدحام، وخاصة في شهر رمضان المبارك، وعيدي الفطر والأضحى، من قبل المشترين، وطاولات العرض، التي يضعها أصحاب المحلات على رصيف الشارع، بطريقة تزيينية فنية تجذب نظر المتسوق