الخنساء.. قدمت للإسلام 4 شهداء
بكت الخنساء على مدار عمرها الطويل حتى جف الدمع في مآقيها، وكتبت اعظم مرثية في أخويها صخر ومعاوية.
حل عليها المشيب على غير أوان بعد أن تداعت عليها الهموم والأحزان، لكنها قالت كلمات عاشت على جبين الزمان.
أعلنت إسلامها، وأدت فريضة الحج وقدمت أبناءها الأربعة فداء للدين الحنيف.
شهد لها الشعراء والأدباء، واعجب عمر بن الخطاب بفصاحتها وبلاغتها، وسألتها أم المؤمنين عائشة تفسيرا لهذا الحزن الكبير.
نال أبناء الخنساء الأربعة شرف الشهادة في معركة القادسية ضد الفرس (16ه - 638م) وكانت وصية الأم المسلمة المؤمنة لفلذات كبدها قبل المعركة: “يا بنيّ: إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا الله إلا هو، إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم أبناء امرأة واحدة ما هجنت حسبكم، ولا غيرت نسبكم، اعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجللت نارا على أوراقها فتيمموا وطيسها وجالدوا رسيسها، وتظفروا بالغنم والكرامة، في دار الخلد والمقامة”.
وفي الصباح الباكر كانوا في مقدمة الصفوف ينفذون وصية الأم الحكيمة، ولما بلغها خبرهم قالت كلماتها المأثورة التي كتبها التاريخ الإسلامي بحروف من نور، وعاشت على جبين الزمان على مدار الأيام والأعوام:
“الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم جميعا في سبيل الله ونصرة دينه وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة”.
أشعر النساء
شهد لها بشار بن برد وقال عنها إنها غلبت فحول الشعراء وقال عنها جرير إنها من اشهر الناس.
وعدها علماء اللغة والنحو مع ليلى الأخيلية، أشعر نساء العرب، وأكثرهن فصاحة وبلاغة .
ومن هؤلاء العلماء الأصمعي وأبو زيد الأنصاري وفي سوق عكاظ كان النابغة الذبياني يجلس تحت قبة حمراء ويستمع إلى قصائد الشعراء ويحكم بينهم ويحدد مراتبهم، وفي إحدى السنوات أنشدت الخنساء قصيدتها الرائعة في رثاء أخيها صخر التي تقول في مطلعها:
قذى بعينيك أم بالعين عوّار
أم أقفرت إذ خلت من أهلها الدار
كأن عيني لذكراه إذا خطرت
فيض يسيل على الخدين مدرار
أعجبته القصيدة وقال لها: لولا أن الأعشى انشد قبلك، لفضلتك على شعراء هذه السنة، فغضب حسان بن ثابت وقال: أنا اشعر منك ومنها.
فطلب النابغة من الخنساء أن تجادله.
فسألته: أي بيت هو الأفضل في قصيدتك فقال:
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى
وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
قالت له: إن في هذا البيت سبعة من مواطن الضعف.
قال: كيف؟
فقالت الخنساء: الجفنات دون العشر، ولو قلت الجفان لكان اكثر، وقلت “الغر” والغرة بياض في الجبهة، ولو قلت “البيض” لكان البياض اكثر اتساعا، وقلت “يلمعن”، واللمعان انعكاس شيء من شيء،، ولو قلت “يشرقن” لكان أفضل، وقلت “بالضحى” ولو قلت “الدجى” لكان المعنى أوضح وأفصح، وقلت “أسيافا” وهي دون العشرة، ولو قلت “سيوف” لكان اكثر، وقلت “يقطرن” ولو كانت “يسلن” لكان أفضل، فلم يجد حسان كلمة يرد بها.
إسلام الخنساء
هي تماضر بنت عمرو السلمية، لقبت بالخنساء ومعناها الظبية، عاشت حوالي 70 سنة في الجاهلية والإسلام (575 - 646م) جاءت مع وفد من قومها وأعلنت إسلامها، وكان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يستمع إلى شعرها.
سألها عمر بن الخطاب: ما أقرح مآقي عينيك؟
فقالت: بكائي على السادات من مضر.
قال لها: هم في النار يا خنساء.
فقالت: كنت ابكي لهم من الثأر، واليوم أبكي لهم من النار.
وجاءت الخنساء تؤدي فريضة الحج في خلافة عمر، فلامها على ارتداء ملابس الجاهلية حزنا على أخويها فأنشدت عليه قصيدة فتعجب من بلاغتها وقال لأصحابه: دعوها، فإنها لا تزال حزينة أبدا.
ودخلت الخنساء على عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها- وهي ترتدي خمارا ممزقا وصدارا من الصوف وهي ملابس الحداد للنساء على الراحلين في الجاهلية وتدب على عصاها من الكبر، فقالت لها: يا خنساء.
لبيك يا أماه.
. أتلبسين هذا الرداء وقد نهى عنه الإسلام؟
لم اعلم بهذا.
. وما الذي دفعك إلى هذه الحال؟
موت أخي صخر.
. فسألتها عن خصاله فقالت الخنساء:
إن زوجها كان مقامرا متلافا أضاع ماله وأراد أن يغادر أو يسافر فطلبت منه الانتظار، على أن تطلب المساعدة من أخيها صخر وهو أخ من أب- وعندما سألته شاطرها ماله فأعطته لزوجها فقامر به وخسر.
وعادت إليه في اليوم التالي تشكو حالها، فكرر معها ما سبق، وكرر زوجها ما فعل.
وفي العام الثالث طلبت زوجة صخر منه أن يكف عن مساعدة هذا الزوج المقامر، ويعطي أخته القليل على قدر حاجتها.
فأنشد شعرا يؤكد فيه أن مساعدتها واجبة عليه لأن أخته أولا صانت شرفه بعفتها وسيرتها الطيبة، تخاف عليه وهو على قيد الحياة، وتحزن عليه إذا مات.
وأعطى صخر نصف ماله إلى أخته، ووفت هي بعهدها وقالت: والله لا اخلف ظنه ما حييت.
موهبة مبكرة
ظهرت موهبة الخنساء وهي صبية صغيرة وكانت تنشد قصائد قصيرة، بيتين أو ثلاثة، فلما مات أخوها صخر، ومن بعده شقيقها معاوية، انطلق طوفان الشعر سيلا جارفا ولم يتوقف طوال حياتها.
كان “صخر” حليما كريما مقداما شجاعا وكان اكثر رجال العرب وسامة وجمالا.
وقالت في ذلك وهي تبكيه:
أعينيّ جودا ولا تجمدا
ألا تبكيان لصخر الندى؟
ألا تبكيان الجريء الجميل
ألا تبكيان الفتى السيدا؟
وقالت في رثاء معاوية:
لا أرى في الناس مثل معاوية
إذا طرقت إحدى الليالي بداهية
بداهية يصغي الكلاب حسيسها
وتخرج من سر النَّجي علانية
قالت في رثاء صخر وهي ترسم صورته وتحدد أوصافه:
ما بال عينيك من دمعها سرب
أراعها حزن أم عادها طرب
أم ذكر صخر بُعيْد النوم هيَّجها
فالدمع منها عليه الدهر ينسكب
يا لهف نفسي على صخر إذا ركبت
خيل لخيل تنادي ثم تضطرب
فقد كان حصنا شديد الركز ممتنعا
ليثا إذا نزل الفتيان أو ركبوا
أغر أزهر مثل البدر صورته
صاف عتيق فما في وجهه ندب
يا فارس الخيل إذ شُدت رحائلها
ومطعم الجوَّع الهلكى إذا سغبوا
سر المشيب
سألتها النساء عن سر تسلل المشيب إلى رأسها في هذه السن المبكرة فقالت:
تقول نساء شبت من غير كبرة
وأيسر مما قد لقيت يُشيبُ
لقد قصمت مني قناة صليبة
ويقصم عود النبع وهو صليبُ
والقناة هي الرمح، وعود النبع شجر صلب تصنع منه الأقواس والسهام.
وقالت وهي تصور حالها في الليل ،عندما ينام الجميع، وتسهر هي مع ذكرياتها الأليمة:
أرقت ونام عن سهري صحابي
كأن النار مشعلة ثيابي
وتقول عن موت أخيها، وكأنها تسجل حكمة الحياة، وان الموت نهاية كل حي:
يا صخر قد كنت بدرا يستضاء به
فقد ثوى يوم مت المجد والجود
فاليوم أمسيت لا يرجوك ذو أمل
كما هلكت وحوض الموت مورود.
وتقول في موقع آخر وهي تتمنى الرحمة لفقيدها الغالي وان يكون مثواه الجنة:
كأنما خلق الرحمن صورته
دينار عين يراه الناس مفقودا
اذهب بعيدا جزاك الله جنته
عنا وخلدت في الفردوس تخليدا
قد عشت فينا ولا ترمى بفاحشة
حتى توفاك رب الناس محمودا
قيم نبيلة
وتبدو الخنساء في بعض قصائدها كأنها تأثرت بلغة القرآن الكريم، وقيمه الإنسانية النبيلة:
ألا ما لعينك أم مالها
لقد أخضل الدمع سربالها
فإن تصبر النفس تلق السرور
وان تجزع النفس أشقى لها.
وتقول في قصيدة أخرى:
فخر الشوامخ من قتله
وزلزلت الأرض زلزالها
وتسجل حكمة الأيام، وسنتها في الحياة والموت، وقدرة الله سبحانه وتعالى وهي تقول:
كل امرئ بأثافي الدهر مرجوم
وكل بيت طويل السمك مهدوم
لا سوقة منهم يبقى ولا ملك
ممن تملكه الأحرار والروم
إن الحوادث لا يبقى لنائبها
إلا الإله ورأس الأصل معلوم
وتضيف في موقع آخر:
أرى الدهر يرمي ما تطيش سهامه
وليس لمن قد غاله الدهر مرجع
ظلت الخنساء تبكي صخرا ومعاوية، حيث تصور حاجة المرأة إلى أهلها وذويها طوال حياتها.
بكت عيني وحق لها العويل
وهاض جناحي الحدث الجليل
معاوية بن عمرو كان ركني
وصخرا كان ظلهم الظليل
وكانت وفاة الخنساء في أول خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه (سنة 24 هجرية - 646 ميلادية)._
منقول من جريدة الخليج
الإمارات
23-12-2005
بكت الخنساء على مدار عمرها الطويل حتى جف الدمع في مآقيها، وكتبت اعظم مرثية في أخويها صخر ومعاوية.
حل عليها المشيب على غير أوان بعد أن تداعت عليها الهموم والأحزان، لكنها قالت كلمات عاشت على جبين الزمان.
أعلنت إسلامها، وأدت فريضة الحج وقدمت أبناءها الأربعة فداء للدين الحنيف.
شهد لها الشعراء والأدباء، واعجب عمر بن الخطاب بفصاحتها وبلاغتها، وسألتها أم المؤمنين عائشة تفسيرا لهذا الحزن الكبير.
نال أبناء الخنساء الأربعة شرف الشهادة في معركة القادسية ضد الفرس (16ه - 638م) وكانت وصية الأم المسلمة المؤمنة لفلذات كبدها قبل المعركة: “يا بنيّ: إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا الله إلا هو، إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم أبناء امرأة واحدة ما هجنت حسبكم، ولا غيرت نسبكم، اعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجللت نارا على أوراقها فتيمموا وطيسها وجالدوا رسيسها، وتظفروا بالغنم والكرامة، في دار الخلد والمقامة”.
وفي الصباح الباكر كانوا في مقدمة الصفوف ينفذون وصية الأم الحكيمة، ولما بلغها خبرهم قالت كلماتها المأثورة التي كتبها التاريخ الإسلامي بحروف من نور، وعاشت على جبين الزمان على مدار الأيام والأعوام:
“الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم جميعا في سبيل الله ونصرة دينه وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة”.
أشعر النساء
شهد لها بشار بن برد وقال عنها إنها غلبت فحول الشعراء وقال عنها جرير إنها من اشهر الناس.
وعدها علماء اللغة والنحو مع ليلى الأخيلية، أشعر نساء العرب، وأكثرهن فصاحة وبلاغة .
ومن هؤلاء العلماء الأصمعي وأبو زيد الأنصاري وفي سوق عكاظ كان النابغة الذبياني يجلس تحت قبة حمراء ويستمع إلى قصائد الشعراء ويحكم بينهم ويحدد مراتبهم، وفي إحدى السنوات أنشدت الخنساء قصيدتها الرائعة في رثاء أخيها صخر التي تقول في مطلعها:
قذى بعينيك أم بالعين عوّار
أم أقفرت إذ خلت من أهلها الدار
كأن عيني لذكراه إذا خطرت
فيض يسيل على الخدين مدرار
أعجبته القصيدة وقال لها: لولا أن الأعشى انشد قبلك، لفضلتك على شعراء هذه السنة، فغضب حسان بن ثابت وقال: أنا اشعر منك ومنها.
فطلب النابغة من الخنساء أن تجادله.
فسألته: أي بيت هو الأفضل في قصيدتك فقال:
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى
وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
قالت له: إن في هذا البيت سبعة من مواطن الضعف.
قال: كيف؟
فقالت الخنساء: الجفنات دون العشر، ولو قلت الجفان لكان اكثر، وقلت “الغر” والغرة بياض في الجبهة، ولو قلت “البيض” لكان البياض اكثر اتساعا، وقلت “يلمعن”، واللمعان انعكاس شيء من شيء،، ولو قلت “يشرقن” لكان أفضل، وقلت “بالضحى” ولو قلت “الدجى” لكان المعنى أوضح وأفصح، وقلت “أسيافا” وهي دون العشرة، ولو قلت “سيوف” لكان اكثر، وقلت “يقطرن” ولو كانت “يسلن” لكان أفضل، فلم يجد حسان كلمة يرد بها.
إسلام الخنساء
هي تماضر بنت عمرو السلمية، لقبت بالخنساء ومعناها الظبية، عاشت حوالي 70 سنة في الجاهلية والإسلام (575 - 646م) جاءت مع وفد من قومها وأعلنت إسلامها، وكان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يستمع إلى شعرها.
سألها عمر بن الخطاب: ما أقرح مآقي عينيك؟
فقالت: بكائي على السادات من مضر.
قال لها: هم في النار يا خنساء.
فقالت: كنت ابكي لهم من الثأر، واليوم أبكي لهم من النار.
وجاءت الخنساء تؤدي فريضة الحج في خلافة عمر، فلامها على ارتداء ملابس الجاهلية حزنا على أخويها فأنشدت عليه قصيدة فتعجب من بلاغتها وقال لأصحابه: دعوها، فإنها لا تزال حزينة أبدا.
ودخلت الخنساء على عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها- وهي ترتدي خمارا ممزقا وصدارا من الصوف وهي ملابس الحداد للنساء على الراحلين في الجاهلية وتدب على عصاها من الكبر، فقالت لها: يا خنساء.
لبيك يا أماه.
. أتلبسين هذا الرداء وقد نهى عنه الإسلام؟
لم اعلم بهذا.
. وما الذي دفعك إلى هذه الحال؟
موت أخي صخر.
. فسألتها عن خصاله فقالت الخنساء:
إن زوجها كان مقامرا متلافا أضاع ماله وأراد أن يغادر أو يسافر فطلبت منه الانتظار، على أن تطلب المساعدة من أخيها صخر وهو أخ من أب- وعندما سألته شاطرها ماله فأعطته لزوجها فقامر به وخسر.
وعادت إليه في اليوم التالي تشكو حالها، فكرر معها ما سبق، وكرر زوجها ما فعل.
وفي العام الثالث طلبت زوجة صخر منه أن يكف عن مساعدة هذا الزوج المقامر، ويعطي أخته القليل على قدر حاجتها.
فأنشد شعرا يؤكد فيه أن مساعدتها واجبة عليه لأن أخته أولا صانت شرفه بعفتها وسيرتها الطيبة، تخاف عليه وهو على قيد الحياة، وتحزن عليه إذا مات.
وأعطى صخر نصف ماله إلى أخته، ووفت هي بعهدها وقالت: والله لا اخلف ظنه ما حييت.
موهبة مبكرة
ظهرت موهبة الخنساء وهي صبية صغيرة وكانت تنشد قصائد قصيرة، بيتين أو ثلاثة، فلما مات أخوها صخر، ومن بعده شقيقها معاوية، انطلق طوفان الشعر سيلا جارفا ولم يتوقف طوال حياتها.
كان “صخر” حليما كريما مقداما شجاعا وكان اكثر رجال العرب وسامة وجمالا.
وقالت في ذلك وهي تبكيه:
أعينيّ جودا ولا تجمدا
ألا تبكيان لصخر الندى؟
ألا تبكيان الجريء الجميل
ألا تبكيان الفتى السيدا؟
وقالت في رثاء معاوية:
لا أرى في الناس مثل معاوية
إذا طرقت إحدى الليالي بداهية
بداهية يصغي الكلاب حسيسها
وتخرج من سر النَّجي علانية
قالت في رثاء صخر وهي ترسم صورته وتحدد أوصافه:
ما بال عينيك من دمعها سرب
أراعها حزن أم عادها طرب
أم ذكر صخر بُعيْد النوم هيَّجها
فالدمع منها عليه الدهر ينسكب
يا لهف نفسي على صخر إذا ركبت
خيل لخيل تنادي ثم تضطرب
فقد كان حصنا شديد الركز ممتنعا
ليثا إذا نزل الفتيان أو ركبوا
أغر أزهر مثل البدر صورته
صاف عتيق فما في وجهه ندب
يا فارس الخيل إذ شُدت رحائلها
ومطعم الجوَّع الهلكى إذا سغبوا
سر المشيب
سألتها النساء عن سر تسلل المشيب إلى رأسها في هذه السن المبكرة فقالت:
تقول نساء شبت من غير كبرة
وأيسر مما قد لقيت يُشيبُ
لقد قصمت مني قناة صليبة
ويقصم عود النبع وهو صليبُ
والقناة هي الرمح، وعود النبع شجر صلب تصنع منه الأقواس والسهام.
وقالت وهي تصور حالها في الليل ،عندما ينام الجميع، وتسهر هي مع ذكرياتها الأليمة:
أرقت ونام عن سهري صحابي
كأن النار مشعلة ثيابي
وتقول عن موت أخيها، وكأنها تسجل حكمة الحياة، وان الموت نهاية كل حي:
يا صخر قد كنت بدرا يستضاء به
فقد ثوى يوم مت المجد والجود
فاليوم أمسيت لا يرجوك ذو أمل
كما هلكت وحوض الموت مورود.
وتقول في موقع آخر وهي تتمنى الرحمة لفقيدها الغالي وان يكون مثواه الجنة:
كأنما خلق الرحمن صورته
دينار عين يراه الناس مفقودا
اذهب بعيدا جزاك الله جنته
عنا وخلدت في الفردوس تخليدا
قد عشت فينا ولا ترمى بفاحشة
حتى توفاك رب الناس محمودا
قيم نبيلة
وتبدو الخنساء في بعض قصائدها كأنها تأثرت بلغة القرآن الكريم، وقيمه الإنسانية النبيلة:
ألا ما لعينك أم مالها
لقد أخضل الدمع سربالها
فإن تصبر النفس تلق السرور
وان تجزع النفس أشقى لها.
وتقول في قصيدة أخرى:
فخر الشوامخ من قتله
وزلزلت الأرض زلزالها
وتسجل حكمة الأيام، وسنتها في الحياة والموت، وقدرة الله سبحانه وتعالى وهي تقول:
كل امرئ بأثافي الدهر مرجوم
وكل بيت طويل السمك مهدوم
لا سوقة منهم يبقى ولا ملك
ممن تملكه الأحرار والروم
إن الحوادث لا يبقى لنائبها
إلا الإله ورأس الأصل معلوم
وتضيف في موقع آخر:
أرى الدهر يرمي ما تطيش سهامه
وليس لمن قد غاله الدهر مرجع
ظلت الخنساء تبكي صخرا ومعاوية، حيث تصور حاجة المرأة إلى أهلها وذويها طوال حياتها.
بكت عيني وحق لها العويل
وهاض جناحي الحدث الجليل
معاوية بن عمرو كان ركني
وصخرا كان ظلهم الظليل
وكانت وفاة الخنساء في أول خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه (سنة 24 هجرية - 646 ميلادية)._
منقول من جريدة الخليج
الإمارات
23-12-2005