لماذا يرفض عباس الحوار مع حماس؟
جاءت تصريحات الرئيس محمود عباس التي رفض فيها الحوار مع حركة حماس إلا بشروط، منها التراجع عما اسماه “الانقلاب على السلطة”، لتشكل أزمة أخرى للخلاف القائم، وتوقف دعوة مصر المتعلقة بالحوار والتفاهم بين فتح وحماس بعد أزمة المعابر وقضية حدود غزة مع مصر، وما سبقها من حصار وتجويع للسكان في هذا القطاع من قبل الاحتلال، والأحداث التي تلت هذا الحصار بعد تفجير الجدار الحدودي مع مصر، وتدفق الآلاف من أهالي غزة على رفح لشراء حاجاتهم المعيشية، والضرورية التي حرموا منها نتيجة الحصار “الإسرائيلي”.
والواقع أن رفض عباس دعوة الحوار المصرية لم يكن في مكانه الصحيح لأسباب عديدة، منها أن قطاع غزة لا يزال محتلاً في الواقع، وعندما نطالب بعودة غزة إلى السلطة الفلسطينية وكأن غزة محررة تماماً، وأن الإشكالية تكمن في أن حركة حماس احتلتها، فهذا في الواقع اعتقاد خاطئ. صحيح أن “إسرائيل” انسحبت من غزة منذ عدة سنوات، لكن الاحتلال لم يتوقف عن تجويع سكانها، وحصارها، وقصفها يومياً في بعض الأحيان، بل الدخول إلى بعض قرى غزة والتمركز في بعض مناطق القطاع، لذلك فإن مقولة عودة غزة للسيادة الفلسطينية والتراجع عن الانقلاب “الحمساوي” على السلطة الفلسطينية، كما يقول عباس، تحتاج إلى مراجعة عقلانية هادئة والابتعاد عن لغة الردح الإعلامي التي عانينا منها كثيراً في الستينات وبداية السبعينات، وتقديم المصلحة الفلسطينية العليا على المصلحة الأخرى التي لا ترتقي إلى الأهمية الأولى.
لا شك أن ما جرى بين فتح وحماس من اشتباكات واقتتال في العام الماضي أخطأ فيه الطرفان، ويتحمل الجميع أسبابه ونتائجه، ويفترض أن يدرك الجميع أن الخاسر هو الشعب الفلسطيني وليس هذه الحركة أو تلك، والظرف الحالي أثبت للمراقبين أن الخلاف بين الفلسطينيين لم يحقق أية إيجابيات للقضية الفلسطينية في اللقاءات والمؤتمرات، بل إن “إسرائيل” تراجعت حتى عن قضايا عديدة مثل التوقف عن بناء المستوطنات في القدس والضفة، لذلك فإن الافتراض الأهم في هذه المرحلة أن يجري التفاهم والحوار الفلسطيني، والتخلي عن بعض التصريحات التي تسهم في زيادة التوتر، ونسيان الخلافات السابقة وطي صفحة الماضي.
وقضية الانقلاب على الشرعية، ومن يملك الشرعية، ومن انقلب عليها، مسألة تحتاج إلى الحياد والعدل فيما جرى بين فتح وحماس، فالكل يقول إنه صاحب الشرعية وإن الطرف الثاني انقلب عليها، حماس تعتبر نفسها صاحبة الحق الأقوى لأنها جاءت عبر الانتخابات واكتسحت البرلمان الفلسطيني، وشكّلت الوزارة وفق الدستور الفلسطيني الذي منحها ذلك، وأن ما جرى من توتر واشتباك كان بهدف إلغاء الشرعية التي قامت عليها الانتخابات، وبدأ من خلال قيام عناصر من فتح بانتهاك سلطة إسماعيل هنية، وافتعال بعض المشكلات الإدارية والأمنية، والرئيس عباس يرى أن حماس هي التي قامت بانقلاب بهدف السيطرة على السلطة الفلسطينية، وإلغاء سلطة الرئيس والصلاحيات الممنوحة له من قبل الدستور الفلسطيني.
المسألة القائمة بينهما معقدة، وما حصل لم يكن عفوياً ولا عارضاً لكنه مرتب ومجهز ومقصود، لكن من يتحمل الخطأ الأكبر في ما جرى؟ هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى إجابة قاطعة من أهل الاختصاص، ومن النخبة الفلسطينية المحايدة. ما حصل ضربة هائلة للقضية الفلسطينية برمتها بغض النظر عمن انقلب على من، ومن يهدف إلى تقويض الحقوق الفلسطينية. إنما الذي يجب إدراكه أن الانقسام الفلسطيني يخدم “إسرائيل” ويحقق لها استمرار احتلالها وليس العكس، والاستمرار في تأزيم الوضع الراهن ليس في مصلحة القضية الفلسطينية بتاتاً، بل إنه يضعف الطرف الفلسطيني في المفاوضات القائمة مع “إسرائيل” بغض النظر عن صدقية الكيان “الإسرائيلي” في هذه المفاوضات.
الخلاف القائم يجعل “إسرائيل” مطمئنة إلى وضعها السياسي، إذ إن الخلاف يعد ورقة مهمة في التفاوض إن صدقت دعوة الرئيس جورج بوش بتعهده بقيام دولة فلسطينية جنباً إلى جنب مع الدولة اليهودية هذا العام. وإذا كان هناك جدية في هذا الوعد الأمريكي، فإن الاتفاق الفلسطيني يعتبر من الأوراق المهمة في المرحلة الراهنة، فلماذا إذن الخلاف وتأجيج الثورات والكلام عن الانقلاب والشرعية و”إسرائيل” لا تزال محتلة لمجمل الأراضي التي يفترض أن تقام عليها الدولة الفلسطينية القادمة؟
حكومة أولمرت الآن في أسوأ ظروفها بعد صدور تقرير لجنة فينوغراد الذي اعتبر أن حرب لبنان صيف 2006 شكّلت إخفاقاً خطراً بما اعتبر أن هذه الحرب كشفت عن ثغرات وإخفاقات خطيرة سواء على مستوى الترتيب الهرمي السياسي أو العسكري، وأنها لم تحقق أهدافها، وهذا يعني أن حزب الله انتصر على “إسرائيل” في هذه الحرب على الرغم من الفارق الكبير بينهما على كل المستويات، وهذا يعد تحدياً كبيراً ل “إسرائيل” وهزيمة سياسية للحكومة “الإسرائيلية” الحالية.
فلماذا لا تستغل القيادة الفلسطينية الظروف الحالية لحكومة أولمرت، وتتوحد الصفوف للحصول على مكاسب سياسية وتعزيز الورقة الفلسطينية الداخلية حتى يمكن تحقيق وعود الدولة الموعودة إن صدق التعهد.
أولمرت عندما شعر في الأشهر الماضية بضعف حكومته داخلياً، قام بحصار غزة حتى يخفف الضغوط السياسية عليه، ويحول الأضواء عن إخفاقاته الداخلية إلى ما يسميه خطر صواريخ حماس والإرهاب حماية للمستوطنات “الإسرائيلية”، كما أن ايهود باراك يحاول هو الآخر أن يلعب بورقته السياسية من خلال قصف غزة واغتيال المقاومين حتى تأتي الانتخابات “الإسرائيلية” وهكذا دواليك، وتبقى الحقوق الفلسطينية في مكانها الذي لا تراوحه. فلماذا لا تعود المؤسسات الفلسطينية إلى مكانها الطبيعي ويتم التوافق على القضايا الاستراتيجية، وبحث الخلافات الأخرى برؤية ثاقبة تنظر إلى المصلحة الفلسطينية بدلاً من تقوية الخصومات الحزبية والسياسية، وفتح قنوات حوار مع الفعاليات الفلسطينية ليطرح موقفاً فلسطينياً موحداً تجاه كافة القضايا.. فالموقف الراهن للسلطة للأسف يتراجع مع التعنت “الإسرائيلي”، مع أن الرباعية والوسيط الأمريكي و”إسرائيل” يمتدحون عباس ويصفونه بالمعتدل والمحب للسلام، فلماذا لا يشجعون هذا الاعتدال وتقوم الدولة المعتدلة أيضاً؟
شلومو غازيت رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق قال في “معاريف” في الثالث من ديسمبر/كانون الأول الماضي 2007 “ليس هناك ما هو أسهل من استغلال السنة المتبقية لإدارة بوش للمراوحة في المكان، في ظل إلقاء التهمة على عدم التقدم على الطرف الآخر، ما أرادت “إسرائيل” من لقاء أنابولس هو التطبيع الذي لم تحصل عليه”.
إذن “إسرائيل” هدفت من هذا اللقاء إلى التطبيع فقط وليس تحقيق السلام العادل الدائم. والأمر الراهن المهم للقضية الفلسطينية هو تعزيز الموقف الفلسطيني وعودة الحوار مرة أخرى، والالتفات إلى القضايا الجوهرية، وترك القضايا الفرعية والخلافية للحوار الهادئ الرزين. وهذا هو الذي سيحقق الأهداف الفلسطينية المرجوة.
جاءت تصريحات الرئيس محمود عباس التي رفض فيها الحوار مع حركة حماس إلا بشروط، منها التراجع عما اسماه “الانقلاب على السلطة”، لتشكل أزمة أخرى للخلاف القائم، وتوقف دعوة مصر المتعلقة بالحوار والتفاهم بين فتح وحماس بعد أزمة المعابر وقضية حدود غزة مع مصر، وما سبقها من حصار وتجويع للسكان في هذا القطاع من قبل الاحتلال، والأحداث التي تلت هذا الحصار بعد تفجير الجدار الحدودي مع مصر، وتدفق الآلاف من أهالي غزة على رفح لشراء حاجاتهم المعيشية، والضرورية التي حرموا منها نتيجة الحصار “الإسرائيلي”.
والواقع أن رفض عباس دعوة الحوار المصرية لم يكن في مكانه الصحيح لأسباب عديدة، منها أن قطاع غزة لا يزال محتلاً في الواقع، وعندما نطالب بعودة غزة إلى السلطة الفلسطينية وكأن غزة محررة تماماً، وأن الإشكالية تكمن في أن حركة حماس احتلتها، فهذا في الواقع اعتقاد خاطئ. صحيح أن “إسرائيل” انسحبت من غزة منذ عدة سنوات، لكن الاحتلال لم يتوقف عن تجويع سكانها، وحصارها، وقصفها يومياً في بعض الأحيان، بل الدخول إلى بعض قرى غزة والتمركز في بعض مناطق القطاع، لذلك فإن مقولة عودة غزة للسيادة الفلسطينية والتراجع عن الانقلاب “الحمساوي” على السلطة الفلسطينية، كما يقول عباس، تحتاج إلى مراجعة عقلانية هادئة والابتعاد عن لغة الردح الإعلامي التي عانينا منها كثيراً في الستينات وبداية السبعينات، وتقديم المصلحة الفلسطينية العليا على المصلحة الأخرى التي لا ترتقي إلى الأهمية الأولى.
لا شك أن ما جرى بين فتح وحماس من اشتباكات واقتتال في العام الماضي أخطأ فيه الطرفان، ويتحمل الجميع أسبابه ونتائجه، ويفترض أن يدرك الجميع أن الخاسر هو الشعب الفلسطيني وليس هذه الحركة أو تلك، والظرف الحالي أثبت للمراقبين أن الخلاف بين الفلسطينيين لم يحقق أية إيجابيات للقضية الفلسطينية في اللقاءات والمؤتمرات، بل إن “إسرائيل” تراجعت حتى عن قضايا عديدة مثل التوقف عن بناء المستوطنات في القدس والضفة، لذلك فإن الافتراض الأهم في هذه المرحلة أن يجري التفاهم والحوار الفلسطيني، والتخلي عن بعض التصريحات التي تسهم في زيادة التوتر، ونسيان الخلافات السابقة وطي صفحة الماضي.
وقضية الانقلاب على الشرعية، ومن يملك الشرعية، ومن انقلب عليها، مسألة تحتاج إلى الحياد والعدل فيما جرى بين فتح وحماس، فالكل يقول إنه صاحب الشرعية وإن الطرف الثاني انقلب عليها، حماس تعتبر نفسها صاحبة الحق الأقوى لأنها جاءت عبر الانتخابات واكتسحت البرلمان الفلسطيني، وشكّلت الوزارة وفق الدستور الفلسطيني الذي منحها ذلك، وأن ما جرى من توتر واشتباك كان بهدف إلغاء الشرعية التي قامت عليها الانتخابات، وبدأ من خلال قيام عناصر من فتح بانتهاك سلطة إسماعيل هنية، وافتعال بعض المشكلات الإدارية والأمنية، والرئيس عباس يرى أن حماس هي التي قامت بانقلاب بهدف السيطرة على السلطة الفلسطينية، وإلغاء سلطة الرئيس والصلاحيات الممنوحة له من قبل الدستور الفلسطيني.
المسألة القائمة بينهما معقدة، وما حصل لم يكن عفوياً ولا عارضاً لكنه مرتب ومجهز ومقصود، لكن من يتحمل الخطأ الأكبر في ما جرى؟ هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى إجابة قاطعة من أهل الاختصاص، ومن النخبة الفلسطينية المحايدة. ما حصل ضربة هائلة للقضية الفلسطينية برمتها بغض النظر عمن انقلب على من، ومن يهدف إلى تقويض الحقوق الفلسطينية. إنما الذي يجب إدراكه أن الانقسام الفلسطيني يخدم “إسرائيل” ويحقق لها استمرار احتلالها وليس العكس، والاستمرار في تأزيم الوضع الراهن ليس في مصلحة القضية الفلسطينية بتاتاً، بل إنه يضعف الطرف الفلسطيني في المفاوضات القائمة مع “إسرائيل” بغض النظر عن صدقية الكيان “الإسرائيلي” في هذه المفاوضات.
الخلاف القائم يجعل “إسرائيل” مطمئنة إلى وضعها السياسي، إذ إن الخلاف يعد ورقة مهمة في التفاوض إن صدقت دعوة الرئيس جورج بوش بتعهده بقيام دولة فلسطينية جنباً إلى جنب مع الدولة اليهودية هذا العام. وإذا كان هناك جدية في هذا الوعد الأمريكي، فإن الاتفاق الفلسطيني يعتبر من الأوراق المهمة في المرحلة الراهنة، فلماذا إذن الخلاف وتأجيج الثورات والكلام عن الانقلاب والشرعية و”إسرائيل” لا تزال محتلة لمجمل الأراضي التي يفترض أن تقام عليها الدولة الفلسطينية القادمة؟
حكومة أولمرت الآن في أسوأ ظروفها بعد صدور تقرير لجنة فينوغراد الذي اعتبر أن حرب لبنان صيف 2006 شكّلت إخفاقاً خطراً بما اعتبر أن هذه الحرب كشفت عن ثغرات وإخفاقات خطيرة سواء على مستوى الترتيب الهرمي السياسي أو العسكري، وأنها لم تحقق أهدافها، وهذا يعني أن حزب الله انتصر على “إسرائيل” في هذه الحرب على الرغم من الفارق الكبير بينهما على كل المستويات، وهذا يعد تحدياً كبيراً ل “إسرائيل” وهزيمة سياسية للحكومة “الإسرائيلية” الحالية.
فلماذا لا تستغل القيادة الفلسطينية الظروف الحالية لحكومة أولمرت، وتتوحد الصفوف للحصول على مكاسب سياسية وتعزيز الورقة الفلسطينية الداخلية حتى يمكن تحقيق وعود الدولة الموعودة إن صدق التعهد.
أولمرت عندما شعر في الأشهر الماضية بضعف حكومته داخلياً، قام بحصار غزة حتى يخفف الضغوط السياسية عليه، ويحول الأضواء عن إخفاقاته الداخلية إلى ما يسميه خطر صواريخ حماس والإرهاب حماية للمستوطنات “الإسرائيلية”، كما أن ايهود باراك يحاول هو الآخر أن يلعب بورقته السياسية من خلال قصف غزة واغتيال المقاومين حتى تأتي الانتخابات “الإسرائيلية” وهكذا دواليك، وتبقى الحقوق الفلسطينية في مكانها الذي لا تراوحه. فلماذا لا تعود المؤسسات الفلسطينية إلى مكانها الطبيعي ويتم التوافق على القضايا الاستراتيجية، وبحث الخلافات الأخرى برؤية ثاقبة تنظر إلى المصلحة الفلسطينية بدلاً من تقوية الخصومات الحزبية والسياسية، وفتح قنوات حوار مع الفعاليات الفلسطينية ليطرح موقفاً فلسطينياً موحداً تجاه كافة القضايا.. فالموقف الراهن للسلطة للأسف يتراجع مع التعنت “الإسرائيلي”، مع أن الرباعية والوسيط الأمريكي و”إسرائيل” يمتدحون عباس ويصفونه بالمعتدل والمحب للسلام، فلماذا لا يشجعون هذا الاعتدال وتقوم الدولة المعتدلة أيضاً؟
شلومو غازيت رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق قال في “معاريف” في الثالث من ديسمبر/كانون الأول الماضي 2007 “ليس هناك ما هو أسهل من استغلال السنة المتبقية لإدارة بوش للمراوحة في المكان، في ظل إلقاء التهمة على عدم التقدم على الطرف الآخر، ما أرادت “إسرائيل” من لقاء أنابولس هو التطبيع الذي لم تحصل عليه”.
إذن “إسرائيل” هدفت من هذا اللقاء إلى التطبيع فقط وليس تحقيق السلام العادل الدائم. والأمر الراهن المهم للقضية الفلسطينية هو تعزيز الموقف الفلسطيني وعودة الحوار مرة أخرى، والالتفات إلى القضايا الجوهرية، وترك القضايا الفرعية والخلافية للحوار الهادئ الرزين. وهذا هو الذي سيحقق الأهداف الفلسطينية المرجوة.