بالصور.."كايرو دار" داخل غرفة الدفن بمنزل ريا وسكينة.. حكايات الرعب بالإسكندرية
ريا وسكينة
منزل ريا وسكينة بحى اللبان بمدينة الإسكندرية ، من أكثر الأماكن شهرة بعروس البحر المتوسط نظرا لما شهده هذا المنزل من جرائم وحشية ارتكبتها اثنتان من أكثر النساء دموية فى تاريخ مصر احترفتا اصطياد السيدات وقتلهن بهدف السرقة ودفنهن فى نفس المنزل الذى كانتا تسكنان فيه.
بمجرد وصولك إلى "كراكون اللبان" وهو قسم الشرطة الذى اعترفت فيه السفاحتان بجرائمهما تجد العشرات من الذين يقدمون مساعدتهم لمن يمرون بهذه المنطقة خاصة الأطفال الأقل من 15 عاماً والذين تبدو عليهم علامات الرعب والخوف بمجرد الوصول إلى هذا المنزل لاعتباره مكاناً مخيفاً مليئا بالأشباح طبقاً لما يتداوله الناس عن هذه المنطقة.
وعند وصولك إلى منزل ريا وسكينة تتغير جميع المفاهيم التى جسدتها الأفلام والسينما المصرية عن منزل ريا وسكينة، وذلك لقيام صاحب المنزل الأصلى بهدمه منذ أكثر من 40 عاماً وبناء منزل جديد مكانه يتكون من ثلاثة أدوار.
"كايرو دار" زار منزل ريا وسكينة بالإسكندرية ودخل إلى غرفة الدفن التى استخدمتها السفاحتان لدفن 17 جثة من ضحاياهما من النساء واستمعت إلى حكاية هذا المنزل وحقيقة ما يثار حوله وانطباعات ومشاعر سكانه الجدد وما شهده هذا المنزل من أحداث بعد استخراج جثث الضحايا والقبض على السفاحتين وإعدامهما .
قابلنا الحاج محمد الذى يسكن بالدور الأرضى وهو أول من سكن بالمنزل بعد حادثة إعدام ريا وسكينة، وأكد أنه كان على علم بالواقعة قبل أن يسكن هذا البيت وأن الكثير من أصدقائه حذروه منه خوفاً من ظهور عفاريت الضحايا له، لكنه لم يقتنع وأصر على السكن فيه .
وأكدت ابنته أنه لا يوجد ما يخيف فى السكن بالمنزل ومنذ أن سكنوا فيه حتى الآن لم يروا شيئاً خارجاً عن المألوف، على الرغم من قرب شقتهم من غرفة الدفن الذى استخرجت الشرطة منها 17 جثة، والتى أصبحت الآن منورا للعمارة.
فيما أشار محمود أحد أقدم سكان المنطقة والذى عاصر والده الحاج مصطفى فترة القبض على ريا وسكينة، إلا أن والده حكى له كثيرا عن هذا البيت، وأن المنزل ظل مهجورا لفترة طويلة ، ولم يجرؤ أحد على السكن فيه بعد أن انتشرت الشائعات عن وجود الأشباح والعفاريت ، وتأكيد أكثر من شخص أنه شاهدها بنفسه، لذلك انتشر الخوف والرعب بين السكان لدرجة أنهم لم يكونوا يسيرون بالشارع الذى يوجد به المنزل .
وظلت هذه العزلة والخوف حتى منتصف فترة الخمسينات حين قرر أحد الفتوات الذين أطلق عليه السكان اسم محمود ابن ريا، لكثرة الخناقات والمشاكل التى كان يفعلها بالمنطقة واعتباره أكبر بلطجى فيها، والذى قرر لإثبات وإظهار فتونته وقوته وسيطرته أن يدخل البيت ليلا ويبيت فيه، حتى اتخذه سكناً له لفترة طويلة وسط استغراب وإعجاب سكان المنطقة بشجاعته، لافتاً أن سكان المنطقة بعد ذلك اكتشفوا أنه يسرق أرضيات المنزل ويقوم ببيعها، حتى انهار جزء كبير من المنزل عليه وهو نائم بداخله، وتم نقله إلى المستشفى وتوفى بعدها بأيام.
واستطرد محمود أنه عاصر المنزل وهو طفل بعد أن انهار وأصبح خرابة يلهو فيها الأطفال ويسردون قصصا وهمية من خيالهم بمشاهدة الأشباح بالمنزل، حتى تم بيع الأرض وبنى عليها منزل جديد وسط استغراب وخوف سكان المنطقة الذين ترقبوا ماذا سيحدث لمن سيسكن فيه ، مؤكداً أن جميع السكان فى المنزل لا يرون أى أشباح منذ بنائه حتى الآن.
وقال إن السينما المصرية والأفلام اختلقت قصصا فرعية ينفيها السكان الأصليون الذين عاصروا تلك الفترة، ومنها والده، فعلى سبيل المثال أن ريا لا يوجد لديها أبناء نهائياً وأن "بديعة" التى اعترفت على جرائم والدتها كانت من تأليف السينمائيين، كما تناثرت بعض الأقاويل أن الفتاة التى تم إيداعها فى دور الرعاية كانت ابنة أحد الضحايا وليست ابنتها.
واستطرد حديثه بأن والده رحمه الله، كان يؤكد له فترة سكن ريا وسكينة بالمنزل لم يلاحظوا أى تحركات مريبة لديهم غير كثرة الزيارات التى أكدت السفاحتان أنها لأقاربهما ولم يشك فيهما الجيران على الإطلاق .
وتعد قصة ريا وسكينة تجسيداً حياً لإحدى الجرائم البشعة التى هزت مصر فى عام 1920 حيث حدث جزء منها فى حى اللبان أفقر منطقة فى ميناء الإسكندرية، والتى شهدت قتل 17 امرأة ، ودفن جثثهن داخل المنزل الذى تم استخدامه فى شتى الأعمال المشبوهة.
بدأت ريا وسكينة سلسلة من الجرائم الوحشية فى الإسكندرية مطلع نوفمبر 1919، فى الوقت الذى انشغلت فيه المدينة الساحلية بالانتفاضات الشعبية الشهيرة التى قام بها الزعماء ضد القوات البريطانية المحتلة، مما أتاح للعصابة العمل دون عقاب.
بدأت العصابة الإجرامية العمل فى الإسكندرية لأكثر من ثلاث سنوات، وذلك بعد القدوم من صعيد مصر إلى بنى سويف وكفر الزيات لتتزوج ريا حسب الله سعيد مرعى، بينما شقيقتها سكينة عملت فى بيت دعارة حتى سقطت فى حب أحد الرجال.
انتقلت ريا بصحبة زوجها، وسكينة بصحبة عشيقها للعديد من الأماكن التى كانتا تستقطبان فيهما الضحايا، وشهدت أربعة منازل فى الإسكندرية هذه الجرائم بعد انتقال السفاحتين للسكن فيها , ومنها سوق زنقة الستات القريب من ميدان المنشية، هو الذى اصطادت منه السفاحتان معظم ضحاياهما، وعناوين البيوت هى: 5 شارع ماكوريس فى حى كرموز، 38 شارع على بك الكبير، 16 حارة النجاة، 8 حارة النجاة.
وكانت ريا تذهب إلى السوق وتختار الشخصية التى فى يدها الحلى والمجوهرات الكثيرة، وتقوم بالحديث إليها للتقرب منها، ومن ثم تعرض عليها أوانٍ من المنطقة الجمركية تدعى أنها بأسعار رخيصة، وتأتى ريا بالضحية إلى المنزل لتقوم بقتلها بالاستعانة بزوجها وشقيقتها وعشيق شقيقتها، بالإضافة إلى عرابى حسان وعبدالرازق يوسف وهما أحد المعاونين.
وجاءت بداية البلاغات عن طريق السيدة زينب حسن البالغة من العمر أربعين عاماً إلى حكمدار بوليس الإسكندرية فى منتصف شهر يناير عام 1920 تشير فى شكواها إلى اختفاء ابنتها نظلة أبو الليل البالغة من العمر 25 عاما، دون سرقة أى شىء من شقة ابنتها، وانتهى بلاغ الأم وسط إبداء مخاوفها من أن تكون ابنتها تم قتلها بهدف سرقة مشغولاتها الذهبية.
جاء البلاغ الثانى فى منتصف شهر مارس من العام نفسه وتلقاه رئيس نيابة الإسكندرية من المواطن محمود مرسى يفيد باختفاء أخته زنوبة حرم حسن محمد زيدان، وعلى الرغم من ذكر صاحب البلاغ اسم "ريا وسكينة" فى كونهما آخر اثنتين كانتا بصحبة أخته، إلا أن الجهات الأمنية استبعدتهما من الشبهات ودائرة التحقيقات.
أما البلاغ الثالث فكان عن طريق "أم إبراهيم" فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً، أكدت فى بلاغها للجهات الأمنية بالإسكندرية اختفاء أمها زنوبة عليوة "بائعة طيور - 36 عاما"، وأشارت الفتاة فى بلاغها إلى أن آخر من تقابل مع والدتها هما ريا وسكينة!.
فى الوقت نفسه جاء بلاغ من حسن الشناوى ويعمل جناينى بجوار نقطة بوليس يؤكد أن نبوية على اختفت من عشرين يوما، لتدور حالة من الرعب والهلع والفزع فى جميع أرجاء الإسكندرية بعد كثرة البلاغات والملابسات المتشابهة مع اختلاف الزمان والمكان.
جاءت المفاجأة المدوية بعثور عسكرى الدورية فى صباح 11 ديسمبر 1920 على جثه امرأة بها بقايا عظام وشعر رأس طويل بعظام الجمجمة وجميع أعضاء الجسم منفصلة عن بعضها وبجوار الجثة طرحة من الشاش الأسود وفردة شراب سوداء.
تملكت الحيرة من رجال البوليس لعدم التعرف على صاحبة الجثة، وتوالت المفاجآت بقدوم رجل يدعى أحمد مرسى عبده يتقدم ببلاغ إلى قسم اللبان يقول إنه أثناء قيامه بالحفر داخل حجرته لإدخال المياه عثر على عظام آدمية فى البيت الذى كان يستأجره رجل اسمه محمد أحمد السمنى الذى كان يؤجر حجرات البيت من الباطن لحسابه الخاص ومن بين هؤلاء سكينة بنت على، خاصة أنها هى التى استأجرت الحجرة التى عثر فيها الرجل على الجثة تحت البلاط!.
بعد أن ظهرت الجثة بحث المخبرون فى المنطقة عن أى دلائل تقود إلى المتهمين، ولاحظ أحد المخبرين ويدعى أحمد البرقى انبعاث رائحة بخور مكثفة من غرفة ريا بالدور الأرضى بشارع على بك الكبير، ما أثار شكوكه، وأشار فى بلاغه إلى أنه عندما سأل ريا عن هذه الرائحة أكدت أنها تقوم بذلك من أجل إضاعة رائحة الرجال المخمورين الذين يدخلون المكان بصحبة أختها.
لكن لم يقتنع اليوزباشى إبراهيم حمدى بهذا الكلام وأمر بإخلاء الحجرة ونزع الصندرة ليكتشف أن بلاط الحجرة حديث العهد، وتصاعدت رائحة العفونة بشكل لا يحتمله إنسان، وحينها ظهرت جثة امرأة لتصاب ريا بالارتباك وقرر اصطحاب ريا إلى القسم اللبان، لتخبره اللجنة الموجودة بمكان الجريمة بالعثور على الجثة الثانية وعليها ختم حسب الله المربوط فى عنقه، الذى يبدو أنه وقع منه أثناء دفن الجثث، نظراً لأن تخصصه داخل العصابة هو دفن الجثث.
اعترفت ريا فى القسم بالجرائم بعد اكتشاف الجثة الثالثة، وأمرت قوات الأمن وحكمدار الإسكندرية بالتفتيش تحت بلاط كل الأماكن التى سكنت فيها السفاحتان ليتم العثور على العديد من الجثث أسفل البلاط، ويعثر الملازم أحمد عبدالله من قوة المباحث على مصوغات وصور وكمبيالة بمائة وعشرين جنيها فى بيت عرابى، كما عثر نفس الضابط على أوراق وأحراز أخرى فى بيت باقى المتهمين.
فى 16 مايو 1921 الموافق 8 رمضان سنة 1339 صدر حكم الإعدام بحق ريا وسكينة وزوجيهما واثنين من "البلطجية" الذين شاركوا فى عمليات القتل ، بينما حكم على حسن على محمد الصائغ بخمس سنوات فى السجن لقيامه بشراء مجوهرات الضحايا.
و تم اقتياد السفاحين لتنفيذ عقوبة الإعدام ، لتنطوى هذه الصفحة المزعجة من الحياة المصرية لتكون السفاحتان أول امرأتين فى مصر ينفذ فيهما حكم الإعدام ، ويعود الهدوء إلى المدينة الساحلية التى افتقدت سحرها لمدة عامين بسبب دماء الضحايا، وتبدأ الناس فى تناقل أحداث هذه القصة من جيل إلى جيل.