amine- المشرف العام
- البلد : الجزائر
العمر : 40
عدد الرسائل : 1698
تاريخ التسجيل : 28/08/2009
مستوى النشاط : 14555
تم شكره : 20
من طرف amine الأربعاء 20 نوفمبر 2013 - 14:38
إن حياة الناس البسطاء أمثال البطل الرئيسي رسكولينكوف وأمه وأخته وعائلة مارميلادوف أحد معارف رسكولينكوف وابنته سونيا، تبدو مظلمة وقاتمة يشوبها اليأس والعذاب والفقر وسقوط الإنسان الذي سُدت أمامه كل السبل حتى لم يعد هناك ” طريق آخر يذهب إليه” وهي الكلمات التي ساقها الكاتب في أول الرواية على لسان مارميلادوف في حديثه مع رسكولينكوف.
ويجعل هذا الواقع القاسي من مارميلادوف فريسة للخمر ويدفع بابنته سونيا إلى احتراف الدعارة لإطعام أخوتها الصغار الجائعين، ويجعل زوجته عرضه للجنون، كما يدفع هذا الواقع بالشاب الجامعي الموهوب رسكولينكوف إلى الجريمة ويجعل أخته عرضة للإساءة بالبيوت التي تلتحق بخدمتها، إن شخصيات الرواية تبدو مقسمة إلى مجموعتين تمثلان مواقع اجتماعية متعارضة: مجموعة تمثل الشعب المضغوط الذي يطحنه الفقر والحاجة والحرمان، وتتمثل في كل من رسكولينكوف وسونيا وعائلاتهما، ومجموعة أخرى تمثل أصحاب المال الذين تعطيهم ثروتهم “حق” الإساءة إلى المحتاجين، وفي مقدمة هذه المجموعة تبرز المرابية العجوز الشريرة التي تمتص دماء الناس وتقتص منهم والداعر المجرم سفيرديجالوف التي تمكنه ثروته من الإساءة إلى المعوزين بلا رادع ولا عقاب.
وإلى جانب وصف الواقع المعاصر تطرق الكاتب في الرواية من خلال بطله المجرم غير العادي صريع “الفكرة” على نقد الفكر الاشتراكي والليبرالي المعاصر له وانعكست من خلال ذلك مثل دوستويفسكي العليا ومبادئه ونظرته على سبل التغيير وهو ما سنتناوله بالتفصيل عند حديثنا عن رسكولينكوف. ورغم أن دستويفسكي قد رفض شتى الأفكار التي كانت تنادي بالتغيير إلى أنه قد هاجم بشدة الظلم الاجتماعي والمجتمع الذي تعج فيه بكثرة ” المنافي والسجون والمحققون القضائيون والأشغال الشاقة”، كما ندد بظروف الواقع الذي تهدر به كرامة الناس والذي تراق به الدماء ” التي كانت تراق مثل الشمبانيا” ، وبالإضافة إلى هذه الموضوعات فقد انعكست في الرواية نظرة الكاتب للجريمة كوسيلة من وسائل الاحتجاج ضد الظلم الاجتماعي، كما تجسد فيها تقييم الكاتب للدوافع المختلفة للجرائم والجذور الاجتماعية والنفسية لها وهو ما سنتناوله بإسهاب عند الحديث عن شخصية البطل الرئيسي.
ويعتبر الكثيرون ان الجريمة والعقاب أول الروايات العظيمة لدوستويفسكي، والتي من شأنها ان تتوج مع الاعمال المنجزه مثل روايته الرائعة الاخوة كارامازوف
ولعل هذا العمل هو صورة عن مصيره الذاتي ولربما عبر فيه عن نفسه أكثر مما فعل في كتب أخرى. فالبطل هنا بلغ به الحال أن ارتضى بما أحاطه من شظف وجوع بعد أن كان يشعر بمرارة وألم. وهذا ما يميز دوستويفسكي إذ عاش طفولة بائسة حيث كان أبوه طبيباً عسكرياً. أما بحثه في هذه الرواية كما تبين من عنوانها فهو موضوع الجريمة وقضية الخير والشر التي ترتبط بالجريمة، فهو يصور ما يعتمل في نفس المجرم وهو يقدم على جريمته، ويصور مشاعره وردود أفعاله، كما يرصد المحرك الأول والأساس للجريمة حيث يصور شخصاً متمرداً على الأخلاق. يحاول الخروج عليها بكل ما أوتي من قوة، إذ تدفعه قوة غريبة إلى المغامرة حتى ابعد الحدود لقد اكتشف بطل الرواية راسكولينوف أن الإنسان المتفوق لذا شرع بارتكاب جريمته ليبرهن تفوقه، لكن العقاب الذي تلقاه هذا الرجل كان قاسياً إذ اتهم بالجنون وانفصل عن بقية البشر وقام بينه وبين من يعرف حاجز رهيب دفعه إلى التفكير بالانتحار.
الجريمة والعقاب يركز على آلام نفسية واخلاقيه من، فقيرة سانت بيترسبورغ بطالب بصياغه وتنفيذ خطة لقتل مرابية، لا ضمير لها، وبالتالي حل المشاكل المالية له في الوقت نفسه، ويقول بأن تخليص العالم من الشر الدوافع التي تكمن وراء إراقة دماء المرابية ليست مجرد دوافع ذاتية محضة بل تنبع أيضاً من الوضع الاجتماعي المرير ومن آلام الآخرين وتعاستهم.وهناك عوامل ذاتية وشخصية دفعت بطل الرواية إلى اقتراف جريمته.
بطل الرواية مرهف المشاعر شديد التأثر ذو حساسية كبيرة. وهو بالإضافة إلى ذلك ينزع إلى الانطوائية والعزلة الاجتماعية. ولايحب الاختلاط بالناس والتحدث معهم، ولم يكن له اصدقاء حتى في الجامعة ويزداد شعور الغربة والوحدة عنده لدرجة يتخذ فيها طابع الاشمئزاز من الآخرين وحتى اقرب الناس اليه.
بالإضافة إلى عيشته في غرفة ضيقة لايملك النقود لدفع أجرتها الشهرية ولذلك كان يخشى رؤية صاحبة البيت أو الدائنين لدرجة إنه عندما خرج للشارع وذهب إلى بيت المرابية ليقتلها (تعجب من الخوف الذي تملكه خشية الالتقاء بالدائنين عند الخروج إلى الشارع).
ان كل شخصية في رواية دوستوفيسكي تشكل لغزاً بوليسياً يستعصي فهمه بوضوح وجلاء حيث تصدر عن الشخصيات تصرفات غريبة وغير متوقعة، ويكمن وراء ذلك سر يجب على القارئ ان ينتبه له،
البطل يعيش حياته الخاصة التي تبقى خفية وغير ظاهرة في تصرفاته اليومية وسلوكه المرئي ولكنها تطفو أحياناً إلى الخارج وتفصح عن نفسها في اعترافاته ومنولوجاته الداخلية.
و موقف دوستويفسكي من الجاني في (الأخوة كارامازوف) يبدو واضحا باتجاه المطالبة بالقصاص، فإن الأمر يختلف عنده في (الجريمة والعقاب) حيث الجاني راسكولنيكوف نفسه من صنف المعذَّبين المقهورين الذين تجرؤوا مرّة على ملامسة القوة فانتهى بهم الأمر إلى القتل .