وزيرة خارجية إيطاليا تربك حلفاءها: دول إقليمية تريد حرباً سورية
إذا استمر لسانها بهذه اللياقة، فإنّ الديبلوماسية العجوز ستسبب إرباكا متزايدا للأوروبيين، وتحديدا، لفرنسا وبريطانيا، في الملف السوري.
التكهنات كثيرة، ولكن بخلافها انعدمت تقريبا التصريحات التي تشرح تأخيرات «جنيف ـ 2» وغموضها، لذلك بدا لافتا بالفعل التوضيح لذي قدمته وزيرة الخارجية الايطالية ايما بونينو.
وبعد خروجها من الاجتماع مع نظرائها في لوكسمبورغ أمس الأول قالت الوزيرة الإيطالية إن معالجة الأزمة السورية لم تعد تحتمل التأخير لأن الحديث عن «فيضان محتمل» للصراع هو «تعبير ملطف»، بينما تعتقد هي أن «الفيضان جار حقا».
تحدثت بونينو عن «نبع ضغوط»، و«مئات الآلاف أو ملايين اللاجئين السوريين من كل مكان».
حتى الآن الكلام معتاد، لكن تتمته فتحت ثقبا أكيدا، ولو صغيرا، في الصندوق الأسود للاتصالات الدولية.
بونينو قالت إن الخطورة التي بلغتها الأزمة السورية تجعلها قلقة «من اننا مضطرون أن نؤجل أسبوعا بعد آخر مؤتمر جنيف 2، وهذا ليس خبرا جيدا».
العبرة هي بمن ربطت بونينو به التأجيل، إذ قالت بلهجة واثقة بعد برهة تفكير: «أعرف جيداً أن بلدانا ما في المنطقة تفكر في حل عسكري، وأنا أعتذر لكني لا أعتقد أنه الحل المناسب أو الحل المستدام».
أهمية كلام رأس الديبلوماسية الايطالية تزداد أيضا عندما نعرف أنها قادمة للتو من اجتماع «أصدقاء سوريا»، الذي انعقد السبت الماضي في الدوحة. ومن هنا، فترجمة حديثها هي أن تأجيل «جنيف 2» أمر مقصود، وليس تلقائيا كمحصلة تجاذبات دولية. ولمرة نادرة، يقول أحد من نواة «أصدقاء سوريا» أن السبب ليس روسيا والنظام السوري بل دول حليفة للمعارضة «تفكر» في ان اعتماد خيار «الحرب» أفضل لها.
بهذا يكون إعلان هذه الدول عن «دعم» جنيف كلاما فارغا، ويمكن عطفه على لوم وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف «شركاءنا» لرفضهم تحديد موعد لـ«جنيف 2».
بونينو مازحت محدثيها في لوكسمبورغ بأنها «عجوز بما يكفي» (1948) لتعرف ما تعنيه الحرب.
وفي سياق حديثها عمن يفكر بخيار الحرب لسوريا اعتبرت أن «الحرب يمكن دوما خوضها، وعلى ما يبدو فإن هذا سهل جداً، غير أنها مؤلمة»، مضيفة: «غير أن المشكلة الكبرى هي الشروع في عملية انتقال مستدام في ما بعد، وهذا ما شاهدناه في بلدان عدة، ولذلك هو صعب».
ولتغلق الأبواب تماماً أمام قابلية أزمة سوريا للحل عبر الحرب، قالت: «اعتقد أيضا أنه إذا استطعنا تحريك هذا (الانتقال بعد حرب) فسيكون عملية طويلة، فأنا عجوز بما يكفي لأتذكر جيدا مؤتمر السلام في البلقان ويوغوسلافيا السابقة».
حتى داخل اجتماع الوزراء لم تقل بونينو كلاماً كهذا. وكما قال مصدر ديبلوماسي أوروبي حضر الاجتماع ، فالنقاش حول سوريا كان مقتضباً، وانضم إلى ملفات عدة نوقشت خلال ساعة.
أبرز ما قيل هو نقلا عن المبعوث العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي الذي يرى أنه بعد لقاء مجموعة الثماني حول سوريا تولّد «بعض الأمل» حول مسار الحل السياسي.
تعليقات أخرى لفتت إلى أن المؤتمر إذا انعقد سيكون «مجرد بداية، مع مؤتمر مفتوح بداية، ثم نمط آخر للمحادثات لاحقا». الجميع في مصلحة المؤتمر وعقده، كما اتضح من كلامهم في الاجتماع، لدرجة أن أكثر تعليق سلبي، كما يقول المصدر ساخراً، كان أن جنيف عملية «ستأخذ وقتا، ولن تجلب حلاً فورياً».
لقاء لوكسمبورغ شهد أيضا إضاءة جديدة نسبياً حول مسألة مشاركة إيران في مؤتمر جنيف.
وكان لافتا أن تأتي هذه الإضاءة على لسان ديبلوماسية شديدة التحفظ، هي وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، لكونها أيضا تمثل القوى الكبرى في مفاوضات الملف النووي. وقالت آشتون في المؤتمر الصحافي أن قضية مشاركة إيران «حقيقة لن تؤثر في العمل الذي نقوم به على الملف النووي»، في إشارة إلى المخاوف التي أثيرت من استفادة طهران من ملف سوريا لمصلحة الملف النووي.
وعندما سألنا مصدراً ديبلوماسياً أوروبياً عن الدور الذي يضطلع به الإبراهيمي في الترتيب لعملية جنيف وخوضها، رد بلهجة صارمة: «إنه دور حاسم».
الحرب، وليس أي شيء آخر، هي الكلمة التي بات الأوروبيون يعنون بها أزمة سوريا. تبخرت الكلمات التي كانت تتحدث عن التطلعات الديموقراطية للشعب السوري. مكتب آشتون، والمفوضية الأوروبية، عرضا على وزراء الخارجية وثيقة بشأن رؤيتهم لـ«الاستجابة الشاملة» للازمة السورية تتجلى في ثمانية عناوين، ويتصدرها دعم مسيرة جنيف، وعناوين تدور حول زيادة العون والمساعدات الإنسانية، وما يرتبط أيضا بتخفيف العقوبات وإعادة البناء لاحقاً.
وسيم إبراهيم
المصدر: السفير