بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول
أما بعد :
بحث مبسط في بعض أبيات قصيدة ( نكبة دمشق )
لأمير الشعراء أحمد شوقي التي يقول في مطلعها :
سلام من صبا بردى أرقُّ
ودمعٌ لا يكفكف يادمشقُ
طُلب مني شرح أبيات محددة فيها فأردت الإفادة بها
بعد أن استفدت أنا شخصيا من البحث..
القصيدة من البحر الوافر ( مفاعلتن مفاعلتن فعولن )
وهو بحر يلائم الأجواء الحماسية التي سعى إليها الشاعر..
وبعد أن استهل الشاعر قصيدته بتقديم العزاء لدمشق في نكبتها
ثم استعرض ذكرياته فيها حين زارها بدأ الشاعر في وصف الفاجعة
التي حلّت بدمشق وعظم تلك الفاجعة..
لَحاها اللهُ أَنباءً تَوالَتْ *** عَلى سَمعِ الوَلِيِّ بِما يَشُقُّ
يصف الشاعر قبح الأنباء التي تصل سمعه , تلك الأنباء التي
تعظم على نفس المحب لدمشق , و ( لحاها الله ) هنا بمعنى ( قبّحها الله )
اشتملت على ضمير يعود على المفعول به ( أنباءً )
واستعمل الشاعر كلمة ( توالت ) ليدل على تتابع الأحداث وبقائها حيّة
كما استعمل لفظة ( أنباء ) بدلاً من الأخبار لأن في النبأ معنى عظيم الشأن
ولايكون النبأ إلا في الأمر الجلل " عمَّ يتساءلون عن النبأ العظيم "
يُفَصِّلُها إِلى الدُنيا بَريدٌ *** وَيُجمِلُها إِلى الآفاقِ بَرقُ
تلك الأنباء يشرحها رسلٌ بتفاصيلها للدنيا من عظمها , ويوجز وصف أحداثها
برقيات تصل الآفاق , وفي هذا البيت طباق بين ( يفصّلها , يجملها )
ومقابلة بين الجملتين في الشطر الأول ونظيرتها في الشطر الثاني..
تَكادُ لِرَوعَةِ الأَحداثِ فيها *** تُخالُ مِنَ الخُرافَةِ وَهيَ صِدقُ
ويبين الشاعر أهوال ما يحدث في دمشق في نكبتها حتى إنه ليظن المشاهد لتلك الأحداث
أنها ليست حقيقية بل هي من الأساطير الكاذبة التي تروى , وهي ليست كذلك
لبشاعة مايحدث فيها..
وفي البيت طباق بين كلمتي ( الخرافة , صدق )
وَقيلَ مَعالِمُ التاريخِ دُكَّتْ *** وَقيلَ أَصابَها تَلَفٌ وَحَرقُ
ويواصل الشاعر وصفه لما حدث فالمعالم التاريخية والأثرية لم تبقَ على حالها
بل دكّت وسوّيت بها الأرض وأتلفت وأحرقت , وبناؤها للمجهول هنا جاء
لعظم الخطب وهوله..
أَلَستِ دِمَشقُ لِلإِسلامِ ظِئرًا *** وَمُرضِعَةُ الأُبُوَّةِ لا تُعَقُّ
استخدم الشاعر هنا أسلوب الاستفهام الإنشائي بقصد إظهار الحزن والأسى على
حال دمشق , وخاطب مالايعقل بندائه ( دمشق ) حاذفاً حرف النداء فكأنها قريبة منه
مبيناً فضلها وقيمتها بأنها مرضعة الدولة الإسلامية في إشارة إلى اتخاذ بني أمية
أرض دمشق عاصمة لدولتهم , فحق لها ألا تُعَقّ وألا تترك بدون نصرة
وفي هذا البيت مايسمى بلاغياً بـ التأنيس وهو إعطاء الجمادات صفات الكائن الحي..
صَلاحُ الدينِ تاجُكَ لَم يُجَمَّلْ *** وَلَمْ يوسَمْ بِأَزيَنَ مِنهُ فَرقُ
وهنا يستحضر شخصية القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي مادحاً له تاج دمشق الذي اتخذه
وأنه ليس في الدنيا أبهى منه ليجمّل به مفرق شعره ويزينه..
وَكُلُّ حَضارَةٍ في الأَرضِ طالَتْ *** لَها مِن سَرحِكِ العُلوِيِّ عِرقُ
ثم يبين الشاعر عراقة حضارة دمشق وأنها أصل لكل حضارة في الأرض
وفي هذا البيت استعارتان :
الأولى شبه فيها الحضارة بالشجرة الشامخة وحذف المشبه به ورمز إليه بشيء
من لوازمه وهو ( العِرْق ) على سبيل الاستعارة المكنية..
والأخرى شبه دمشق بالشجرة العظيمة على سبيل الاستعارة التصريحية..
سَماؤُكِ مِن حُلى الماضي كِتابٌ *** وَأَرضُكِ مِن حُلى التاريخِ رَقُّ
يصور سماء دمشق بأنها كتاب عظيم يضم حلى ماضي الإسلام الجميل
وأن أرضها كالجلد الرقيق الذي يكتب فيه تاريخها المتجدد مع تعاقب الزمن
وفي هذا البيت طباق بين ( سماؤك , أرضك )
ومقابلة بين ( حلى الماضي , حلى التاريخ )
بَنَيتِ الدَولَةَ الكُبرى وَمُلكًا *** غُبارُ حَضارَتَيهِ لا يُشَقُّ
في هذا البيت مجاز عقلي علاقته المكانية حين أسند البناء إلى دمشق والحقيقية
أنها مكان البناء وليست هي من بنت الدولة الكبرى والملك
كما أن في الشطر الثاني استعارة حيث شبه الملك والدولة الكبرى بالحصان السريع
وحذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو الغبار الذي لايشقّ على سبيل الاستعارة المكنية..
وفي كلمة ( حضارتيهِ ) إشباع هاء مكسورة وهو مايسمى في علم العروض بالخروج..
لَهُ بِالشامِ أَعلامٌ وَعُرسٌ *** بَشائِرُهُ بِأَندَلُسٍ تَدُقُّ
الضمير في ( له ) يعود إلى أقرب مذكور وهو الغبار فشبهه بالسارية
وحذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو ( أعلام ) على سبيل الاستعارة المكنية..
وتلك الأعلام والعرس توحي ببشارة النصر التي رمز إليها بدق الطبول ابتهاجاً وفرحاً
وخص الأندلس للإشارة إلى مجد المسلمين وحضارتهم التي بلغت قمتها عندهم..
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد
وعلى آله وصحابته أجمعين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول
أما بعد :
بحث مبسط في بعض أبيات قصيدة ( نكبة دمشق )
لأمير الشعراء أحمد شوقي التي يقول في مطلعها :
سلام من صبا بردى أرقُّ
ودمعٌ لا يكفكف يادمشقُ
طُلب مني شرح أبيات محددة فيها فأردت الإفادة بها
بعد أن استفدت أنا شخصيا من البحث..
القصيدة من البحر الوافر ( مفاعلتن مفاعلتن فعولن )
وهو بحر يلائم الأجواء الحماسية التي سعى إليها الشاعر..
وبعد أن استهل الشاعر قصيدته بتقديم العزاء لدمشق في نكبتها
ثم استعرض ذكرياته فيها حين زارها بدأ الشاعر في وصف الفاجعة
التي حلّت بدمشق وعظم تلك الفاجعة..
لَحاها اللهُ أَنباءً تَوالَتْ *** عَلى سَمعِ الوَلِيِّ بِما يَشُقُّ
يصف الشاعر قبح الأنباء التي تصل سمعه , تلك الأنباء التي
تعظم على نفس المحب لدمشق , و ( لحاها الله ) هنا بمعنى ( قبّحها الله )
اشتملت على ضمير يعود على المفعول به ( أنباءً )
واستعمل الشاعر كلمة ( توالت ) ليدل على تتابع الأحداث وبقائها حيّة
كما استعمل لفظة ( أنباء ) بدلاً من الأخبار لأن في النبأ معنى عظيم الشأن
ولايكون النبأ إلا في الأمر الجلل " عمَّ يتساءلون عن النبأ العظيم "
يُفَصِّلُها إِلى الدُنيا بَريدٌ *** وَيُجمِلُها إِلى الآفاقِ بَرقُ
تلك الأنباء يشرحها رسلٌ بتفاصيلها للدنيا من عظمها , ويوجز وصف أحداثها
برقيات تصل الآفاق , وفي هذا البيت طباق بين ( يفصّلها , يجملها )
ومقابلة بين الجملتين في الشطر الأول ونظيرتها في الشطر الثاني..
تَكادُ لِرَوعَةِ الأَحداثِ فيها *** تُخالُ مِنَ الخُرافَةِ وَهيَ صِدقُ
ويبين الشاعر أهوال ما يحدث في دمشق في نكبتها حتى إنه ليظن المشاهد لتلك الأحداث
أنها ليست حقيقية بل هي من الأساطير الكاذبة التي تروى , وهي ليست كذلك
لبشاعة مايحدث فيها..
وفي البيت طباق بين كلمتي ( الخرافة , صدق )
وَقيلَ مَعالِمُ التاريخِ دُكَّتْ *** وَقيلَ أَصابَها تَلَفٌ وَحَرقُ
ويواصل الشاعر وصفه لما حدث فالمعالم التاريخية والأثرية لم تبقَ على حالها
بل دكّت وسوّيت بها الأرض وأتلفت وأحرقت , وبناؤها للمجهول هنا جاء
لعظم الخطب وهوله..
أَلَستِ دِمَشقُ لِلإِسلامِ ظِئرًا *** وَمُرضِعَةُ الأُبُوَّةِ لا تُعَقُّ
استخدم الشاعر هنا أسلوب الاستفهام الإنشائي بقصد إظهار الحزن والأسى على
حال دمشق , وخاطب مالايعقل بندائه ( دمشق ) حاذفاً حرف النداء فكأنها قريبة منه
مبيناً فضلها وقيمتها بأنها مرضعة الدولة الإسلامية في إشارة إلى اتخاذ بني أمية
أرض دمشق عاصمة لدولتهم , فحق لها ألا تُعَقّ وألا تترك بدون نصرة
وفي هذا البيت مايسمى بلاغياً بـ التأنيس وهو إعطاء الجمادات صفات الكائن الحي..
صَلاحُ الدينِ تاجُكَ لَم يُجَمَّلْ *** وَلَمْ يوسَمْ بِأَزيَنَ مِنهُ فَرقُ
وهنا يستحضر شخصية القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي مادحاً له تاج دمشق الذي اتخذه
وأنه ليس في الدنيا أبهى منه ليجمّل به مفرق شعره ويزينه..
وَكُلُّ حَضارَةٍ في الأَرضِ طالَتْ *** لَها مِن سَرحِكِ العُلوِيِّ عِرقُ
ثم يبين الشاعر عراقة حضارة دمشق وأنها أصل لكل حضارة في الأرض
وفي هذا البيت استعارتان :
الأولى شبه فيها الحضارة بالشجرة الشامخة وحذف المشبه به ورمز إليه بشيء
من لوازمه وهو ( العِرْق ) على سبيل الاستعارة المكنية..
والأخرى شبه دمشق بالشجرة العظيمة على سبيل الاستعارة التصريحية..
سَماؤُكِ مِن حُلى الماضي كِتابٌ *** وَأَرضُكِ مِن حُلى التاريخِ رَقُّ
يصور سماء دمشق بأنها كتاب عظيم يضم حلى ماضي الإسلام الجميل
وأن أرضها كالجلد الرقيق الذي يكتب فيه تاريخها المتجدد مع تعاقب الزمن
وفي هذا البيت طباق بين ( سماؤك , أرضك )
ومقابلة بين ( حلى الماضي , حلى التاريخ )
بَنَيتِ الدَولَةَ الكُبرى وَمُلكًا *** غُبارُ حَضارَتَيهِ لا يُشَقُّ
في هذا البيت مجاز عقلي علاقته المكانية حين أسند البناء إلى دمشق والحقيقية
أنها مكان البناء وليست هي من بنت الدولة الكبرى والملك
كما أن في الشطر الثاني استعارة حيث شبه الملك والدولة الكبرى بالحصان السريع
وحذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو الغبار الذي لايشقّ على سبيل الاستعارة المكنية..
وفي كلمة ( حضارتيهِ ) إشباع هاء مكسورة وهو مايسمى في علم العروض بالخروج..
لَهُ بِالشامِ أَعلامٌ وَعُرسٌ *** بَشائِرُهُ بِأَندَلُسٍ تَدُقُّ
الضمير في ( له ) يعود إلى أقرب مذكور وهو الغبار فشبهه بالسارية
وحذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو ( أعلام ) على سبيل الاستعارة المكنية..
وتلك الأعلام والعرس توحي ببشارة النصر التي رمز إليها بدق الطبول ابتهاجاً وفرحاً
وخص الأندلس للإشارة إلى مجد المسلمين وحضارتهم التي بلغت قمتها عندهم..
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد
وعلى آله وصحابته أجمعين