القصة الكاملة لغزوة عين اميناس
والصراع الدولي على افريقيا والدور القطري
كتب د. يحيى ابو زكريا:
عندما نشب الخلاف الديبلوماسي بين رئيس الديبلوماسية الجزائرية مراد مدلسي و وزير خارجية قطر على هامش مؤتمر للجامعة العربية في القاهرة , ورفض عندها وزير خارجية الجزائر الموافقة على عسكرة الحل في سورية , قال حمد بن جاسم آل ثاني المعروف بإسم كودي في المخابرات الأمريكية The pirate لنظيره الجزائري سيأتي دوركم ..
كثيرون في الجزائر و خارجها أخذوا هذا التهديد محمل الجد كون قطر باتت في موقع ساعي البريد المتميز للأجندات الأمريكية و هي تتمتع بصلاحية تنفيذ هذه الأجندات بمال شعبها المحروم من كل الإمتيازات النفطية .
وما إن مر أسبوع على زيارة أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني إلى الجزائر , هذه الزيارة التي علق عليها الشارع الجزائري بقوله أن البوم قد مر على الجزائر و بالتأكيد فإن الشؤم سيعم الجزائر ...وللإشارة فإن الشارع الجزائري المتعاطف مع سورية المقاومة أسس على السريع مواقع في الشبكة العنكبوتية تندد كلها بزيارة أمير قطر ومن عناوين هذه الصفحات " كلنا ضد قطرائيل " و غيرها .
وقبل إنطلاقة غزوة عين أميناس كان القطريون قد إطمأنوا أن قاعدة مالي أصبحت صلبة العود بفضل السلاح القطري في ليبيا و الذي ما زال مبذولا لمن يرغب وتحديدا للقاعدة بقيادة عبد الحيكم بلحاج القاعدي الذي أصبح من أهم رجالات قطر في ليبيا بعد زيارات متكررة إلى الدوحة . وفي التفاصيل أنه بتاريخ الأربعاء 16 كانون الثاني – يناير 2013و في الساعة السادسة إلا 20 دقيقة صباحا قامت كتيبة "الموقعون بالدماء" بتنفيذ هجوم إرهابي على قاعدة الحياة التابعة للمجمع البترولي الذي يضم أربع شركات هي سوناطراك الجزائرية وبريتيش بتروليوم البريطانية وشريكها النرويجي ستات أويل بالإضافة إلى شركة"جيجيسي" اليابانية.
وبالتزامن مع بدء الهجوم،كانت الحافلة تستعد لنقل العمال الذين يتوجهون من عين أمناس إلى حاسي مسعود لقضاء عطلهم،حيث يشتغل العمال في هذه القاعدة بنظام شهر بشهر.
بدأ الإرهابيون هجومهم على ثلاثة محاور، مستخدمين أربع سيارات رباعية الدفع كان على متنها قرابة 30 إرهابيا من كتيبة "الموقعون بالدماء" مدججين أيضا بمختلف الأسلحة الثقيلة والخفيفة وأجهزة اتصالات متطورة.
أولجهة تعرضت للهجوم هي القاعدة التابعة للشركة اليابانية" جيجيسي" والتي وجد فيها فيما بعد5 جثث لعمال يابانيين يبدو أنهم حاولوا الفرار بعداقتحام سيارة الإرهابيين لقاعدتهم.
السيارة الثانية التي كانت في قافلة الجماعة الإرهابية تعرضت إلى عطل تقني مفاجئ منع سيرها، فترجل منها الإرهابيون الذين كانوا على متنها وتوجهوا نحو الحافلة التي كانت تستعد لنقل العمال إلى مدينة حاسي مسعود، فهجموا على الحافلة وعلى دورية الأمن التي كانت تحرسها وجرى تبادل لإطلاق كثيف للرصاص بين الجانبين..
وفي هذا الوقت بالذات، ولأن الهجوم كان بشكل مفاجئ تمكنت السيارة الثالثة للإرهابيين من دخول قاعدة الحياة الرئيسة التي يقيم بها العمال الجزائريون وبقية العمال من جنسيات أخرى وخاصة من الأوروبيين. وعندما استقرت السيارة وسط القاعدة لم يعد بإمكان قوات الأمن مواصلة إطلاق الرصاص على سيارة الإرهابيين خوفا من إصابة العمال الجزائريين والأجانب المتواجدين بداخل الجزء الرئيس من قاعدة الحياة.
أما السيارة الرابعة، فقد توجهت إلى مصنع الغاز الذي يبعد بثلاثة كيلومترات عن قاعدة الحياة، واقتحمت الحاجز وقتلت أحد أعوان الأمن وهو جزائري الجنسية بعد أن رفض فتح باب المصنع لهم، في حين أصابت عونا آخر بجروح.
وبعد أن سيطرالإرهابيون على قاعدة الحياة أطلقوا رصاصة ضوئية كإشارة إلى زملائهم المتواجدين بالمصنع لإبلاغهم بأنهم يسيطرون على المكان.
والعملية الإرهابية المعقدة ضد محطة عين أمناس , كانت مرتبة بإحكام بحيث كان من المتوقع أن تستفيد منها العديد من الدول والمحاور ..
مبدئيا قطر التي تريد أن تسيطر على سوق الغاز العالمي , كان يهمها أن تزيح المنافس الجزائري بقوة في أسواق الغاز و لذلك كانت وراء إمداد القاعدة في شمال مالي بكل ما تحتاجه من مال و عتاد وصلها من ليبيا عبر وكلائها القاعديين في ليبيا , و فرنسا التي ما زالت تعيش على وقع الإنتقام من الثورة الجزائرية كا زالت تحن للعودة إلى الجزائر و هذه المرة عن طريق الصحراء و ليس البحر كما فعلت في بداية إحتلالها للجزائر العام 1830 .
و الولايات المتحدة الأمريكية الذي يسيل لعابها للنفط الجزائري كان وما زال يهمها وضع يدها على النفط الجزائري و الصحراء الجزائرية لإقامة قاعدة لقوات الأفريكوم ...
و قبل أحداث عين أميناس كان تدور حرب باردة بين واشنطن وباريس حول إفريقيا التي تعرف في الأدبيات الإنجلوفراكوفونية بالقارة البكر أو العذراء ..تجري على قدم وساق وفي أجواء من السرية حرب من نوع آخر بين النفوذ الأنجلوسكسوني (الأمريكي) والفرانكوفوني (فرنسا) على مناطق نفوذ "قديمة جديدة" في أفريقيا تحديدا .
و فيما يتعلق بالموارد الطبيعية الموجودة هناك – خصوصا في غينيا وليبيريا ونيجيريا- تؤكد التوقعات الرسمية الأمريكية أن تستمد الولايات المتحدة حوالي 20%من إحتياجاتها النفطية من أفريقيا خلال العقد المقبل، و ستوفر دول غرب أفريقيا 15%منها ، ويتوقع مجلس المعلومات القومي الأمريكي أن ترتفع هذه النسبة إلى 25 % بحلول عام 2015م .
وتشير الإحصاءات الصادرة من الإدارة الأمريكية لشؤون النفط والطاقة أن أمريكا ستلجأ إلى النفط الإفريقي في العشرية المقبلة و سيصل حجم الاستيراد الأمريكي من النفط الأفريقي إلى 50 % من مجموع النفط المستورد بحلول العام 2015 ! وهذا التخطيط الإمريكي بالإستيلاء على نفط دول غرب إفريقيا لم يمر دون مداخلة فرنسا الحريصة على الكعكة النفطية الإفريقية .
ولكن العلاقة بين النفوذين الأمريكي والفرنسي هنا تأخذ طابع التنافس على الكعكة النفطية الأفريقية ويتميز نفط دول غرب إفريقيا بنقائه النسبي كخام وسعره الرخيص . ويشمل التنافس الأمريكي –الفرنسي مجمل الثروات الطبيعة الهائلة الموجودة هناك خاصة الألماس ، والذهب، والنحاس، و المواد ة التي تُستخدم في الصناعات الثقيلة والنووية كالكوبالت واليورانيوم.
رغم تراجع التنميّة في القارة الإفريقيّة وإنتشار الفقر بشكل مدقع وحالة التخلّف العارمة , إلاّ أنّ الإستراتيجيا الغربيّة تعتبر إفريقيّا قارة المستقبل كما يسميّها بعض المفكرين الغربيين . والكلّ يعرف أنّ القارة السمراء تستحوذ على ثروات باطنيّة وظاهريّة لم يستغّل منها سوى 10 بالمائة . ولعلّ حرص المحاور المتكالبة على عالمنا العربي والإسلامي والثالث على إبقاء إفريقيا على ماهيّ عليه يعود إلى النيّة المبيتّة لوضع اليد على هذه الخيرات بدل أن تكون عونا للإنسان الإفريقي المستضعف على تحقيق نهضته .
وفي هذا السيّاق لا يجب أن ننسى أنّ الإشكالات الكبرى التي تعيشها إفريقيّا هي من مخلفّات الحركة الإستعماريّة التي بدأت في هذه القارة قبل خمس قرون , وكلما كانت حركة إستعماريّة تنتهي كانت حركة إستعماريّة أخرى تتولّى إسترقاق إفريقيا وتسخير الناس فيها وسرقتهم من بيوتهم وبيعهم في أسواق النخاسة الغربيّة . و يمكن القول أنّ إفريقيا مرّت بثلاث مراحل ,لكل مرحلة خصائصها ومميزاتها وهي على التوالي المرحلة الإستعماريّة , حيث جردّت الدول الإستعماريّة الإنسان الإفريقي من كل مقومّاته وحولتّه إلى مجرّد عبد مستعبد ماديّا وحضاريّا للغرب .
والمرحلة الثانيّة هي مرحلة الإستقلال الوطني الناقص حيث خرجت الحركة الإستعمارية بآلياتها الحربيّة لكنّها ظلّت بمفرداتها التغريبيّة من خلال الأقليّة التي أعدتها لخلافتها في حال وقوع الإنسحاب التكتيكي . وهذه النخب التي تولّت الحكم لم تتمكّن من الإرتقاء بالإنسان الإفريقي إلى المستويات الوسطى من النهوض , بل إنّ هذه النخب كرسّت التبعيّة ومكنّت الأخرين وأقصد هنا الغربيين من الإسترسال في ممارسة النهب المقننّ والمنظّم . وفي يوم من الأيّام قال مستشار الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتيران أنّ كل فرنك تدفعه فرنسا لإفريقيا كمساعدة تسترجع بدله 10 فرنكات .
والمرحلة الثالثة هي المرحلة الراهنة مرحلة الإتحّاد الإفريقي الذي يحاول أن يرسم لإفريقيّا رؤيّا جديدة ومنهج جديد يتمّ بموجبه خروج الإنسان الإفريقي من دائرة المغلوبيّة الحضاريّة إلى دائرة الغالبيّة الحضاريّة .
وقد جربّت إفريقيا مافيه الكفاية مبدأ الإعتماد على المحاور الدوليّة لمساعدتها على الخروج من دائرة الإنهيارا ت الكبرى في كل المجالات , وبدأ بعض القادة الأفارقة يعتقدون بأنّه آن الآوان لتصحيح الأخطاء والرجوع إلى مبدأ الإعتماد على النفس والإنطلاق من قدرات إفريقيا الذاتيّة لبناء إفريقيا الجديدة .
وقد تأكدّ هذا النهج الإفريقي بعد فشل مشاريع الحوار بين الشمال والجنوب والتي إنتهت كلها إلى طريق مسدود , والتي أفضت إلى إنتصار محور الشمال الذي تخندق تحت الإدراة الأمريكية والذي بموجبه أصبح عشرون بالمائة – من المستكبرين – يتحكمّون في مصير ثمانين بالمائة – من المستضعفين - . وقد بدأ قادة بعض الدول الإفريقية يعتقدون أنّ التعويل على الكبار الذين تسببوا في نكسة إفريقيا ماضيّا وراهنا من شأنه أن يديم الأزمات ويعمقّها ومن شأنه أن يسببّ الكساد لإفريقيا , وهذه القناعات برمتها هي التي أملت تأسيس الإتحّاد الإفريقي الباحث عن دور في زمن العولمة الأمريكية !!!