في حرب الخليج الثانية، حينما كان صدام حسين يرمي بصواريخ «سكود» على مدننا السعودية فتنطلق صافرات التحذير والتزام الأماكن الآمنة، كان بعض الشباب يركضون إلى السطوح للتفرج على «سكود»، آملين بتحديد جهة وقوعه ثم الهرولة خلفه، وإذا ما صادف وجودهم في سياراتهم في الشارع فإنهم يتبعونه أو يتبعون سيارة الإسعاف المنطلقة لإسعاف المصابين الذين خلّفهم القصف، على رغم الإشاعات التي قالت إن هذه الصواريخ قد تحمل سلاحاً كيماوياً وستصرع الناس.
في ذلك الوقت، لم تكن الهواتف الخليوية موجودة، ما اضطر الشباب إلى بذل جهود مضاعفة للاعتماد على قدراتهم الشخصية في تتبع صواريخ سكود. هذه الظاهرة كانت لافتة للأميركيين وجديدة عليهم، ما حدا بهم أن يضعوا عنواناً لها على قناة «سي إن إن»: «هل هؤلاء شجعان أم أغبياء»؟! وهو فعلاً سؤال جدير بالتفكير، خصوصاً أن حادثة انفجار شاحنة الغاز وسط شارع عام قبل أيام في طريق خريص، التي أسفرت عن مقتل 20 شخصاً وإصابة 111، جعلت سؤال "شجعان أم أغبياء؟" يتجدد، لكن هذه المرة مع صعود شريحة جديدة، برزت في الحادثة وصوّرتها كاميرات الفيديو، لأعداد كبيرة من شباب سعوديين وغير سعوديين يرفعون الأنقاض ويفتشون عن غنيمة في المباني المدمّرة، فيما كانت الأدخنة حولهم تخنق الأنفاس، والضحايا والموت المنتشر يجعلان كل ذي لب يزهد في هذه الدنيا الفانية.
توزّع تصنيف المتجمهرين في هذه الحادثة إلى ثلاثة أنواع: الأول الشجعان، الذين ركضوا يساعدون ويتبرعون بالدم وينقذون المصابين،
الثاني المتفرجون والراغبون في التقاط الصور،
والثالث نوع جديد، هم حرامية الحوادث.
لنكن واقعيين أكثر، ودعوا عنكم حكاية أننا نتصيّد السلبيات ونجلد الذات وننسى شجاعة الشباب وشهامتهم. ماذا يعني أن يركض آلاف الشباب بسياراتهم، وحين ينسد الطريق يوقفون سياراتهم جانباً ويمشون، وبعضهم -وفق إحدى الصحف- اضطر أن يمشي عشرة كيلومترات كي يصل إلى مكان الحادثة؟ هل كل هذا كان بدافع المساعدة؟ وهل كل من تجمّع ساعد، أو كان في موقع يمكّنه من المساعدة؟ ماذا يعني أن يكتب شاب يسكن شمال الرياض -من دون أن يشعر بغرابة ما فعله- أنه ما إن سمع بخبر الانفجار حتى ركب سيارته متجهاً صوب شرق الرياض متتبعاً أثر الدخان، مهتدياً بالمعلومات التي انطلقت في الهواتف وفي «تويتر»؟ أو ماذا يعني أن يمشي أناس عشرة كيلومترات كي يتفرجوا على حادثة؟
ظواهر التجمهر التي كان دافعها المحض الفضول، أسفرت هذه المرة عن ظاهرة نهب جديدة، مع شريحة صغيرة نشكر وجودها قالوا إنهم من الشهامى المعاونين. لكن، ماذا يفعل آلاف من المتفرجين في حادثة انفجار غاز لوّث الهواء وأشعل الحريق ونشر ثاني أكسيد الكربون مع احتمالات غير آمنة لانفجارات أخرى، ومع وجود مصابين ينتظرون الإسعاف الذي أدى هذا الزحام إلى عرقلة طريقه وتأخير وصوله؟ متى يصبح الفضول حميداً ومتى يصبح سقماً؟ وإن كان السؤال قديماً بشأن هذه الظاهرة انحصر بين فئتين: شجعان أم أغبياء، فها هو قد زاد اليوم ليصبح: أم حرامية؟