الطواف
معناه: الطواف لغة معناه الدوران أو اللف حول شيء ثابت ولكنه إذا أطلق مفرداً فيقصد به الطواف بالكعبة التى هى البناء المربع الذي بناه سيدنا إبراهيم وولده اسماعيل عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم، وهى تقع فى وسط البيت الحرام.
كيفيته: يبدأ الحاج فى الطواف ابتداءاً من الحجر الأسود أو ما يوازيه فيتجه إلى الحجر الأسود ويقبله أو يستلمه (يضع يد عليه) إن استطاع فإن لم يستطع أشار إليه بكفه وقال :دعاء بدء الطواف{ بسم الله، الله أكبر نويت طواف البيت العظيم سبعة أشواط لوجه الله الكريم- طواف العمرة أو طواف القدوم أو الإفاضة أوالوداع- اللهم إيمانا بك وتصديقاً بنبيك ووفاءً بعهدك}ثم يسير ويشتغل بذكر الله أو الدعاءونستحسن كما قرر جمهور العلماء أن يدعو الحاج بما يخطر على قلبه فى تلك الساعة من أمـور الدنيا أو الآخرة، لأن ذلك أرجـى للإجابة، ولا يشغل الحاج نفسه بالدعاء من كتاب أوصحيفة أو غيرها ويراعى أن يكون الطواف من خارج حِجْر إسماعيل لأنه من البيت فمن طاف من داخله فَسَدَ طوافه وأيضاً يراعى أن يكون مشيه بعيداً عن "الشّذْرَوَان" وهو الجزء الذي فضل من عرض جدار الكعبة وأيضاً يستلم الركن اليماني إن استطاع ويدعو في ما بين الركن اليمانى والحجر الأسود بهذا الدعاء الوارد{ ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } حتى ينتهى إلى الحجر الأسود فيكون قد قضى شوطاً واحداً فيكرر التكبير أمام الحجر الأسود مُقَبّلاً أو مستلماً أو مشيراً ويمضى حتى ينهى السبعة أشواط.ركعتا الطواف
ثم يذهب خلف مقام سيدنا إبراهيم ويصلي ركعتين سُنّة الطواف إن استطاع وإلا فليصلي فى أى موضع من المسجد وينوى الصلاة قائلاً {نويت صلاة ركعتى سنة الطواف لله تعالى الله أكبر" ويندب أن يقرأ فى الركعة الأولى } قل يا أيها الكافرون { وفي الثانية } قل هو الله أحد }إن كان حافظاً لهما وإلا فليقرأ بماشاء وليس هناك وقت للمنع أو للكراهة بالنسبة لركعتى الطواف للحديث الذي ذكرناه آنفاً وهو قوله r: { يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافِ لا تَمْنَعُنَّ أَحَداً طافَ بِهٰذا البَيْتِ، وَصَلَّى أَيَّ ساعَةٍ شاءَ مِنْ لَيْلٍ وَنَهَارٍ }[1]
شروط صحة الطوافولكى يكون الطواف صحيحاً يجب على الحاج أن يراعى الشروط الآتية:
1. الطهارة الظاهرة والباطنة فى الثوب والجسد طوال مدة الطواف أى أنه يبدأ الطواف متوضأ وإذا انتقض وضوءه أثناءه فعليه أن يقطع طوافه ويذهب ويتوضأ ثم يعود فيكمل طوافه ويبنى على ما سبق، فإن كان طاف ثلاثاً مثلاً يكمل الأربعة والأفضل أن يبدأ من عند الحجر الأسود.
2. أن يستر عورته:وهى كما حددتها الشريعة من السُّرّة إلى الركبتين بالنسبة للرجل وجميع أعضاء البدن ما عدا الوجه والكفين بالنسبة للمرأة وهذا ما أجمعت عليه المذاهب الفقهية إلا مذهب الإمام مالك فإنه جعل عورة الرجل السوءتين فقط.
3. أن يراعى أن تكون بداية كل شوط ابتداء من الحجر الأسود: والشوط الذي لايبدأ من الحجر أو لا ينتهى إليه لا يُحْسَب.
4. أن يستكمل الأشواط إلى سبعة: فإن قل عن ذلك فسد طوافه.
5. أن يكون البيت عن يساره: ويطوف على يمينه ولا يجوز خلاف ذلك.ما يباح للطائفويباح للطائف أثناء طوافه أمورٌ لا تبطل الطواف ويكون صحيحاً مع فعلها منها:
1. إذا أدركته الفريضة: ولم يكمل أشواطه فعليه أن يصلي الفريضة فى مكانه ثم يكمل أشواطه عقب الصلاة وكذا يباح له أن يقطع الطواف للصلاة على جنازة أو للخروج للوضوء أو بسبب رعاف حصل له ويكمل بعد زوال هذه الأسباب.
2. إذا كان ضعيفاً أو مُسناً أو مريضاً ولا يستطيع أن يؤدى الطواف كله متتالياً يباح له أن يقعد خارج المطاف ليستريح ثم يكمل طوافه حتى ولو تكرر ذلك.
3. يباح للطائف الكلام فى الطواف لقوله صلى الله عليه وسلم :{إنَّ الطَّوافَ بِالْبَيْتِ مِثْلُ الصَّلاةِ إِلا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمونَ فَمَنْ تَكَلَّمَ فَلا يَتَكَلَّمْ إِلا بِخَيْرٍ} [2]وتجدر الإشارة إلى أنه rمع أنه أباح الكلام فى الطواف؛ إلا أنه بيَّن الأدب الواجب عندها وهو ألا يتكلم أثناءه إلا فى أمور شرعية مثل السلام أو رده السؤال عن الحال والأهل إذا قابل من يعرف والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تعليم الجاهل أو إجابة سؤال و مثلها.
4. إذا احتاج الطائف إلى الماء فلا مانع أن يخرج ليشرب ثم يرجع إلى مطافه: { فقد روى أن النبي r شَرِبَ وهو يطوفُ } [3]
5. يباح للطائف أن يطوف راكباً إن تيسر ذلك فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم{ طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَىٰ بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ } [4]
6. إذا كان الإنسان يطوف تطوعاً فليس عليه شيء إن بدا له أمر جعله قطع طوافه ولم يكمله، وليس عليه لزاماً أن يعيده مرة ثانية.
سنن الطوافوهى الأمور التى لو تركها الطائف فطوافه صحيح وليس عليه شيء مثل:
1. تقبيل الحجر أواستلامه أو الإشارة إليه: وقد ورد [5] أنه e قبَّله، وورد أيضاً أنه r استلمه أى مسحه بيده ثم وضع يده على فمه وقبّلها وورد أيضاً: { أنَّ رسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم طاف بالبيتِ وهوَ على بعيرٍ كلَّما أتى على الرُّكنِ أشارَ إليه بشيءٍ في يدِهِ وكبَّرَ } [6] ومن هنا جاز للحاج أن يفعل أى واحدة من الثلاث(التقبيل أو الاستلام أو الإشارة) وأى واحدة فعلها أجزأته ( أى كفته) ولا يجب المزاحمة على الركن أو على الحجر للأقوياء لقوله r لسيدنا عمر :{يَا عُمَرُ إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ لاَ تُؤْذِ الضُّعَفَاءَ إِذَا أَرَدْتَ اسْتِلاَمَ الْحَجَرِ فَإِنْ خَلاَ لَكَ فَاسْتَلِمْهُ وَإِلاَّ فَاسْتَقْبِلْهُ وَكَبرْ } [7]هذا بالنسبة للرجال أما بالنسبة للنساء فيكره لهنَّ المزاحمة على الحجر كراهة شديدة.
2. مسح الركن اليمانى: فقد ورد { أنه r مسحه بيده } ولم يثبت أنه r استلم شيئاً من أركان البيت غير الأسود واليمانى.
3. الرّمَل: وهو نوع من المشي السريع لإظهار القوة وقد فعله rوأصحابه فى الثلاثة أشواط الأولى من الطواف وأكمل الأربعة الآخرة بالمشي المعتاد فإذا كان المطاف خالياً، فعلى الحاج ألا يترك هذه السنة،أما فى الزحام حيث لا يستطيع ذلك فليس عليه شيء.
4. الإضطباع: وهو أن يعرى الحاج كتفه الأيمن عند بدء الطواف بأن يضع أوسط البشكير تحت إبطه ويضع طرفيه على كتفه الأيسر بحيث يتدلى أحد طرفيه على صدره والآخر على ظهره فإذا انتهى الطواف رده إلى هيئته المعتادة
أنواع الطوافوللطواف أنواع كثيرة بحسب النية فى فعله ومن الأمور التى يجب ان يعلمه الحاج أن له أن يغير نيته ويحدد (نوع حجه)[8]ما لم يبدأ بالطواف فإذا كان مثلاً عند إحرامه نوى الإفراد ووجد فيه مشقة فيستطيع قبل بداية الطواف أن ينوى التمتع وهكذا.
وأهم أنواع الطواف هى:
1. طواف القدوم:وهو سنة لمن أحرم بالحج فإن وصل مكة متأخراً فعليه أن يتوجه إلى عرفة مباشرة من غير طواف القدوم وليس عليه شيء.
2. طواف الإفاضة:وهو ركن أساسي فى الحج لا يصح الحج إلا به ومن تركه كان حجه باطلاً ويكون وقته بعد النزول من عرفه ورمي جمرة العقبة ولأهميته فقد أباحت الشريعة للمرأة التى حان ميعاد سفرها وحبسها الحيض عن طواف الإفاضة ولا تستطيع أن تتخلف عن رفقتها أن تضع شيئاً يمتص الدم حتى لا يقع على أرض الحرم كالفوط الصحية وتطوف طواف الإفاضة وذلك لعذرها أما فى غير هذا فلا يجوز للحائض أن تدخل البيت.
3. طواف الوداع:ويكون بعد انتهاء الحاج من نسكه وعزمه على السفر فيكون آخر شيء يفعله بمكة أن يودع البيت بالطواف وهو طواف الوداع وبعده لا يشترى شيئاً من مكة إلا أكل ضرورى أو شيء لزمه لسفره كدواء وهو واجبٌ أى أن من تركه بغير عذر فعليه دم إلا الحائض والنفساء فليس عليهما طواف وداع.
4. طواف التطوع:وهو مستحب للحاج كلما امكنه ذلك لأنه من خير العبادات التى يتقرب بها إلى الله عزوجل لقوله r:{ مَنْ طَافَ بِهٰذَا الْبَيْتِ أُسْبُوعاً فَأَحْصَاهُ كُتِبَتُ لَهُ بِكُل خُطْوَةٍ حَسَنَةٌ وَكُفرَتْ عَنْهُ سَيئَةٌ وَرُفِعَتْ لَهُ دَرَجَةٌ، وَكَانَ لَهُ كَعَدْلِ عِتْقِ رَقَبَة } [9] فعلى الحاج أن يكثر من هذه العبادة طوال مقامه بمكة رغبة فى الفوز بالوعد الكريم الذي قال فيه rفيما يرويه ابن عباس y:{مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ خَمْسِينَ مَرَّةً خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْم وَلَدَتْهُ أُمُّهُ }[10] قال العلماء فى تأويل هذا الحديث: خمسين مرة فى صحيفته أى من طاف خمسين مرة فى عمره كله نال هذا الثواب.
أفضل أوقات الطواف
وهناك أوقات يستحب فيها الطواف عن غيرها أشارت إليها بعض الأحاديث الشريفة وهى وإن كانت ضعيفة من حيث السند إلا أنه يعمل بالحديث الضعيف فى فضائل الأعمال وخير هذه الأوقات هى:
1. عند طلوع الشمس وعند غروبها: وذلك لقوله t: {طَوَافَانِ لايُوَافِقُهُمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إلا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْه ُأُمُّهُ يُغْفَرُ لَهُ ذُنُوبُهُ كُلُّهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ طَوَافٌ بَعْدَ صَلاةِ الْفَجْرِ فَرَاغُهُ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَطَوَافٌ بَعْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ فَرَاغُهُ مَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ }[11].
2. الطواف فى المطر: لأنه من الأوقات التى ينزل فيها الخير ويستجاب فيها الدعاء ورد عن أنس بن مالك{طفْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ في مَطرٍ فَلَمَّا فَرَغْنَا قَالَ: ائْتَنِفُوا الْعَمَلَ فَقَدْ غُفِرَ لَكُمْ مَا مَضَىٰ } [12]
3. الطواف في شدة الحر: وذلك لما يتحمله الطائف من مشقة فى هذا الوقت والأجر دائماً وأبداً فى أى عمل على قدر المشقة وقد جاء عنه r:{من طاف حول البيت سبعا في يوم صائف شديدٌ حره وحسر عن رأسه وقارب بين خطاه وقل التفاته وغضَّ بصره وقلَّ كلامه إلا بذكر الله واستلم الحجر في كل طواف من غير أن يؤذي أحدا كتب الله له بكل قدم يرفعها ويضعها سبعين ألف حسنة ومحا عنه سبعين ألف سيئة ورفع له سبعين ألف درجة ويعتق عنه سبعين رقبة ثمن كل رقبة عشرة آلاف درهم ويعطيه الله سبعين شفاعة إن شاء في أهل بيته من المسلمين وإن شاء في العامة وإن شاء عُجَّلت له في الدنيا وإن شاء أخِّرت له في الآخرة }[13]
ماء زمزموبعد أن ينتهى الحاج من ركعتى الطواف يذهب إلى زمزم ليشرب من مائها المبارك وليستحضر نيَّة طيبة عند شرابه كأن يشرب بنيَّة الشفاء من مرض يعانى منه، أو يشرب بنيَّة الرّي يوم الفزع الأكبر وذلك لقول رسول الله rفيما ورد فى فضل ماء زمزم { مَاءُ زَمْزَمَ لـمَا شُرِبَ لَهُ }[14]ويجوز أن يشرب من ماء زمزم بنية شفاء غيره مريضاً ويحقق الله له ذلك وقد قال r عن ماء زمزم{إنَّهَا مُبَارَكَةٌ إِنَّهَا طعامُ طُعْمٍ وشِفَاءُ سُقْمٍ }[15]وروى عن الإمام الشافعى tأنه قال:{ شربت ماء زمزم لثلاثة أشياء للعلم فصرت فى العلم كما ترون وللرّمى فصرت لا أخطئ واحداً من عشرة ولطول عطش يوم القيامة وأرجو أن يحقق الله لي ذلك }
دعاء الشرب من ماء زمزم
{ بسم الله اللهمَّ اجعله طهوراً،ونوراً، وارزقنى به علماً نافعاً وقلباً خاشعاً، وعملاً رافعاً }
أخطاء شائعة فى الطواف
1. الإصرار على لمس الحجر:بعض الحجاج يعتقد أن لمس الحجر الأسود فريضة لا بد منها ويزاحم أشد المزاحمة فى سبيل ذلك فيتعرض للإيذاء ويؤذي غيره وهذا ينافى الأدب فى بيت الله ويكفي أن يشير إلى الحجر باليد إن لم يستطع أن يصل إليه بسهولة.
2. مزاحمة النساء للمس الحجر:بعض النساء يذهبن فى جموع الرجال ويزاحمن أيضاً للوصول إلى الحجر مما يعرضهن لكشف العورات،فيفسد طوافهن من حيث لا يشعرن، والمرأة لا يجب عليها أن تذهب إلى الحجر إلا عند خلوّه خلواً تاماً.
3. سوء الكلام والتصرف: بعض الحجاج يتكلم بكلام لا يليق بعظمة هذا المكان أو يتصرف بيده أو بقدمه مع الحجيج ضرباً أو رَكْلاً أو حتى مدافعة باليد أو بالجسم، وهذا ينافى هذه العبادة التى وصفها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلمبأنها كالصلاة.
4. الدعاء على الغير:يدعو البعض على من أساءوا إليهم فى هذا المكان رغبة فى التشفّى منهم والدعاء المستجاب هو ما قال فيه r:{لا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ، أوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ }[16]فعلى الحاج أن يتروى فربما يرى نفسه مظلوماً وهو فى الحقيقة ظالماً عندالله وخصمه معذوراً فَيُرَدّ الدعاء عليه والأفضل أن يفوض أمره إلى الله U ولا يدعو على أحد أبداً إلا على كافر أو فاسق مجاهر بفسقه فلا مانع وإن كان الأولى أن يدعو للفاسق بالهداية.
[1]عن جُبير بنِ مطعم صحيح ابن حبان.
[2]عن ابن عباس رضي الله عنهما المستدرك للحاكم وسنن البيهقى الكبرى
[3]الشَّافِعِيُّ فـي سننه و الإملاءِ، رُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍرضى الله عنهما ورواه أبو حاتم.
[4]عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ صحيح البخارى ومسلم، والمحجن هو عصا معوجة الطرف كان e يشير بها إلى الحجر.
[5]عن ابن عباس رواه الطبراني في الكبير والأوسطأخرجه من ظهيره فى الجامع اللطيف.
[6]عن ابنِ عبَّاسٍ رضي اللّهُ عنهما صحيح البخارى.
[7]أحمد فى مسنده وللشيخين والدَّيلمي عن عمر رضى الله عنه .