شيخ اردني يبيح سبايا سوريا والازهر يستنكر

نقلاً عن سماحة المفتي الشيخ محمد عدنان أفيوني بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فقد اطلعت في بعض مجموعات التواصل على فيديو مصور لرجل يصدر فتوى غريبة بجواز طلب المرأة السورية دخولها في عقد ملك يمين رجل مسلم ليقوم بإيوائها والإنفاق عليها... معتمداً على حديث شريف عن أشراط الساعة يرويه أنس رضي الله عنه عن النبي : ((إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويكثر الجهل ويكثر الزنا ويكثر شرب الخمر ويقلّ الرجال ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد). قال: والقيم هنا من يقوم بأمرهن ويصرن له موالي وإماء.... إلى آخر ما ورد في فتواه من مفارقات ومغالطات تدل على افتقار الرجل لأبسط مقومات تَصدُّرِه للفتوى؛ فضلاً عن تنصيب نفسه متكلماً بالنيابة عن علماء الشام وسورية، وداعياً لهم على تبني فتواه والعمل بها على أنها الحل الوحيد لمشكلة النساء السوريات.... ولم أكن لأعنِّي النفس مغبة الرد على هكذا فتوى - لافتقارها إلى أبسط أسباب القبول - لولا أن عدم فضح ما يفتي به الرجل من طامات سيفتح باب مفسدة في الدين؛ بإحلال ما حرم الله عز وجل، ومفسدة في المجتمع لما ستجره فتواه من إذلال وامتهان لكرامة المسلمات الطاهرات العفيفات المصونات، واغترار من بعض السذج من أبناء الأمة، ولما فيه من تشويه لحقائق الدين العظيم والشريعة الغراء. خصوصاً وأن الرد على هؤلاء مما يشهرهم وينشر آراءهم، لأن الغالب في شأنهم الرغبة في الشهرة وذيوع الصيت، على طريقة خالف تعرف، وسأكتفي برد سريع على هذه الفتوى الضالة وما حوته من افتراء وابتداع، وشذوذ وأخطاء، ومغالطات وتناقضات جعلت منها مجرد تهريج لا قيمة له ولا وزن، مفنداً ما وصفت به فتواه بما يلي: أما افتراؤه: فكلامه نيابة عن علماء الشام وعلماء سورية دون أن ينيبه أو يكلفه أحد، وأقلّ ما يقال في مثل ذلك أنه كذب وافتراء، أو تنصيب لنفسه فيما لا يحق له، وليس له بأهل وذلك تطاول منه وتزوير. وأما ضلاله: فقوله: (يجوز لها أن تطلب منه أن يدخلها في عقد ملك اليمين، كي تصير ملكاً ليمينه)، وذلك قول منكر، لم يقل به أحد من علماء الأمة قديماً وحديثاً. بل إن اتفاق الأمة معقود على أنه لا يجوز للمرأة أن تهب نفسها للرجل بقصد الزواج الكريم الصائن لكرامة الزوجين وحرمة إنسانيتهما، فإن كانت لا تملك أن تهب نفسها بقصد الزواج الكريم، فكيف تملك ذلك بقصد الرق والعبودية، الذي يخفض رتبة إنسانيتها، ويحمل لها صنوف الإذلال والصغار؟! ومعلوم أن الله قد جعل ذلك من خصائص النبي ، بقوله تعالى، في شأن المرأة التي وهبت نفسها للنبي : خالصة لك من دون المؤمنين. وأما ابتداعه: فاختراعه لقول في الشريعة والدين بغير دليل مقبول، إذ إن استدلاله بالنصوص التي ذكرها، استدلال فاسد، لأنها لا تدل على ما ذهب إليه، لا بالعبارة ولا بالدلالة ولا بالإشارة، فالحديث الأول: (إن من أشراط الساعة .... ) فيه إخبار وبيان لما سيؤول إليه الحال في آخر الزمان وليس دليلاً على الإباحة لا عقلاً ولا نقلاً، فلو كان دليلاً عليها لشملت الإباحة ما ذكره الحديث من شرب الخمور وفشو الزنا، والعياذ بالله، ولا يقول به أحد، وقد تقرر لدى العلماء أن أحاديث أشراط الساعة لا تؤخذ منها الأحكام. وأما الرواية الثانية التي اعتمد عليها دليلاً لفتواه فهي قول النبي : ((إذا عمت الفتنة ميز الله أولياءه ، حتى يتبع الرجل خمسون امرأة تقول : يا عبد الله استرني يا عبد الله آوني))، وليس في عبارات الحديث أي عبارة أو إشارة إلى طلبها للرق والدخول في ملك اليمين، ففي قولها يا عبد الله استرني يا عبد الله آوني، طلب للعون والنجدة، وفي قولها يا عبد الله انكحني، طلب للزواج الشرعي المعروف رغبة في تحصيل آثاره من الستر والإعفاف، فكيف فهم الرجل منها الدليل على طلب دخولها في ملك اليمين؟؟. مع التحفظ أصلاً على مشروعية طلبها الدخول في ملك اليمين، فلا يحق لامرأة طلب العبودية والرق تحت أي ذريعة، ولا يعده الفقهاء سبباً شرعياً مقبولاً من أسباب الرق كما هو معلوم. وأما أخطاؤه ومغالطاته: فهي كثيرة متنوعة، منها: قوله: ((وقد بينّا أننا قد دخلنا في آخر الزمان بسبب ما ذكره الله في قوله: فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفاً. مما يدل على فهم خاطئ لمعنى الآية إذ لا يوجد فيها ما يشير إلى دخولنا في آخر الزمان، بل فيها إخبار أنه إذا جاء وعد الآخرة وهو يوم القيامة سيجمع الله الخلائق لفيفاً واللفيف هو الجمع المختلط الذي لف بعضه إلى بعض، فلا قبائل ولا انتماءات ولا تمايز. ومن أخطائه: أنه أقام فتواه على (علة) قلة الرجال وكثرة النساء التي أشار إليها الحديث، وهي علة – لو صح الاستدلال بها – غير متحققة لا في وقتنا هذا ولا في الحالة السورية كما يشهد له الواقع، فضلاً عن عدم صلاحيتها لتكون علة لفتواه الشاذة لأن الحديث مجرد إخبار لا يستفاد منه حكم. ومنها ما ظهر في لَيِّه لأعناق النصوص وتفسيرها بنـزعة الهوى استنصاراً لرأيه الشاذ حين فسر معنى (القيم) فقال: (القيم هنا: هو من يقوم بأمرهن، ويصرن له موالي وإماء)، ولا أدري من أين أتى بأنهن يصرن له موالي وإماء، فالقيم في اللغة من يقوم بأمر أهله ويتعاهدهم ويسوسهم ويصلح حالهم، ومنه: قيم الإبل، الذي يتعاهدها ويقوم على أمرها. والدليل على أن المراد هو تعاهدهن والقيام بأمرهن، ما جاء في طرق الحديث الأخرى، منها ما رواه الطبراني عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا تقوم الساعة حتى يدير الرجل أمر خمسين امرأة))، يدير من الإدارة والقيام بمسؤولية الأمر. وفي الفتن لنعيم بن حماد باب علامات الساعة: ((لا تقوم الساعة حتى يدبّر الرجل أمر خمسين امرأة))، يدبّر من التدبير وهو تصريف الأمور. وأما شرّاح الحديث فقد حصروا معنى القيم في أمرين: 1- قال السندي:(القيم من يقوم بالأمر، وقيامه عليهن إما بسبب القرابة أو بسبب الزواج يدل على أنه يتزوج أحدهم بغير عدد جهلاً بالحكم الشرعي). 2- قال الإمام القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ((حتى يكون لخمسين امرأة القيم، أي القائم الواحد، أي المنفرد لمصالحهن، وليس المراد أنهن زوجات له، بل أعم منها ومن الأمهات والجدات والأخوات والعمات والخالات)). وجميع من شرح الحديث دار في هذا الفلك، ولم أجد من يقول بإباحة الزواج بهن شرعاً بل يكون ذلك جهلاً كما أشار إلى ذلك السندي، فكيف نقول بموجبه بإباحة الرق والعبودية؟ وأما تناقضاته: فقد ظهرت في عباراته ومصطلحاته والنتائج التي وصل إليها: 1- أطلق بداية على بيانه اسم فتوى بجواز أن تطلب المرأة السورية .... (فسماها فتوى) ثم يقول في طيات الكلام: (فعلة الحكم الشرعي أن تصير المرأة في حكم ملك اليمين...)، فسماه (حكماً شرعياً) مع وضوح الفارق بين الحكم والفتوى لدى طلاب العلم، وما خلطه بينهما إلا دليل على قلة البضاعة. 2- ومن العجيب الغريب دمجه بين صورتين مختلفين منفصلين هما عقد الزواج، وملك اليمين في مصطلح واحد بقوله: (أن يطلبن الدخول في عقد زواج ملك اليمين...) وما ذاك إلا لجهل بحقائق العقود وماهيتها وآثارها. 3- التناقض البيّن الواضح بين قوله: (وتصير هي ملك يمينه وتطبق فيها أحكام ملك اليمين...)، ثم يقول بعد سطور: (بعد أن تصرح المرأة بهذا اللفظ : ملكتك نفسي، وهذا يكون مقابل أجر معلوم، مقابل مبلغ معلوم يدفعه لها هذا الرجل المسلم المقتدر لكي يكفيها ويأويها ولا بأس بأن يوضع لها حساب بنكي بحيث يكون هذا المبلغ مؤمناً لها في أي وقت تحتاجه.)، وهذا الكلام فضلاً عن اضطرابه فهو يخالف الأحكام الشرعية المعروفة في الرق، لأن من أحكام ملك اليمين عدم تملك العبد والأمة لعدم الأهلية، فكيف يُدفع لها ويُوضع في حسابها، في حين أنها لا تملك، وما تحصّله سيؤول ملكه لسيدها؟ وما ذاك التخبط إلا دليل جهل بالأحكام ما بعده جهل. 4- إن ما أدى إليه ابتداعه لهذا الحل، ما هو إلا فتح بابٍ إلى مفاسد كثيرة وكبيرة، أسهلها مخالفة المقصد العام للشريعة في إقفال باب الرق وإزالة أشكاله وأسبابه، والتسبب في استرقاق من سيولد لمن ستقبل الرق من ولد كان حقه أن يولد حراً كريماً، إضافة إلى فوضى اجتماعية عارمة وإذلال لأسر كريمة وغير ذلك من المفاسد. والأهم أن ما يدعيه من حرص على دفع مفسدة الجوع عن النساء بفتواه سيؤدي إلى مفسدة أعظم، هي الرق والعبودية والإذلال الأبدي، وذلك مدفوع بالقواعد المعروفة المسلَّمة. 5- والأعجب في هذه الفتوى، وكلها عجائب، فتواه باسترقاق وعبودية (من في حياضها من ولد أو أخ أو غير ذلك) تبعاً لعبوديتها له حيث يقول: (إذ يدخل هؤلاء في حكم ملك اليمين، بعد أن تصرح المرأة بهذا اللفظ (ملكتك نفسي). ولست أدري بأي دليل أو فهم أو فتح وصل إلى ذلك ؟!!. 6- والرجل بعد هذا كله ليس جاهلاً بالأحكام الشرعية فحسب، بل وفي الأحكام الإدارية أيضاً فهو يشترط تسجيل العقد عند المشايخ، أو عند كاتب العدل، أو عند القاضي السوري، أو القاضي في البلد الذي هاجرت إليه، ويسجل هذا إما في المحاكم المدنية أو المحاكم الشرعية أو أنه يعلن على وسائل الاتصال المعروفة). والسؤال: ما الرابط الإداري عند تسجيله بين المشايخ أو المحاكم أو إعلانه على وسائل الاتصال ؟!!، وهل يقبل المشايخ والقضاة ودوائر المحاكم تسجيل هكذا عقد؟ وهل ينوب مناب ذلك أن تنشر في صفحات التواصل؟. وبعد: فلقد كان الأجدر بهذا الرجل إذا كان صادقاً في حرصه على نساء المسلمين أن يستنهض الضمائر الميتة، والقلوب المتحجرة؛ لتقوم بواجبها في صيانة أعراض المسلمين وأطفالهم من البؤس والعوز والإذلال بإغاثتهم، وتأمين الحياة الحرة الكريمة لهم، كما فعل أهل الشام مع كل الذين لجؤوا إليهم، ففتحوا لهم بيوتهم وقلوبهم، وشاركوهم لقمة العيش الكريم، فلم يسجل التاريخ أن خيمة نصبت في مدينة دمشق لمستنجد أو لاجئ كما يفعل بهم اليوم. كان الأجدر به أن يُصدر فتوى تحرم إذلال المؤمن، واستغلال ظروفه واستثمار حاجته وإنسانيته بأسلوب رخيص دنيء، بدل أن يصدر فتواه التي يرخّص فيها استعباد الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً، متلذذاً بعباراته التي تدرج الحرة في درك الإماء والعبيد، وتصفها بأحط الأوصاف، تلك الحرة التي ألجأتها الظروف الصعبة أن تكون في خيام الذل والاستعباد، وهو يقول: (بعد أن تقول له ملكتك نفسي بعقد ملك اليمين، تصير هذه المرأة مولاته ويصير هو سيدها، فتصير هي أمة له وجارية له وخادمة له). وكأنه لا يشبع من عبارات إذلالها ومهانتها. لماذا كل هذا...؟! ألأننا في محنة...؟! ألأن الأقدار قد ألجأتنا إليكم أيها ... الشرفاء والكرماء. يا حكام العرب والمسلمين، أما آن الأوان لوقف الاتجار بإنسانية الإنسان، وقد تحولت مخيمات اللجوء إلى وسائل استجداء على حساب كرامة أهل الشام المكرمين على الله ورسوله . يا أغنياء المسلمين أما لكم في صيانة أعراض المؤمنات، ورفع البؤس عن أطفال المسلمين أجر تدخلون به الجنة، وقد تعلمنا من نبينا صلى الله عليه وسلم أن بغية من بغايا بني إسرائيل دخلت الجنة في كلب سقته فشكر الله لها وغفر لها. يا أيها المتحاذقون المتفيقهون كفوا عنا جشاء فتاويكم وتنظيركم وتعليمكم ومحاكماتكم، وتلميحاتكم وتصريحاتكم وأنتم قابعون وراء شاشاتكم الكبيرة في صالوناتكم الفخمة، مطمئنون إلى أمانكم ورفاهة عيشكم فقد تعبنا منكم أكثر مما تعبنا من أقدارنا، وصلى الله على من قال: (من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت). وأخيراً فإن هذه الفتوى الشاذة المنكرة هي تَقَوُّل على الله ورسوله ، وافتئات على الشرع وإهانة للشعب السوري جميعاً، وطعن في الطاهرات العفيفات، صدرت عن مزعوم على العلم وأهله، لا يمثلنا ولا نعرفه، بل ما وجدنا من أهل العلم والفضل من يعرفه. ليزيد المشهد السوري تعقيداً، وإيلاماً، فكأن تجار الدم والحروب لم يكتفوا بما أصابنا من قتل ودمار وتشريد وتمزيق وتنكيل فأرادوا أن يتاجروا بآخر سلعة وأغلاها ألا وهي أعراض الشريفات الطاهرات العفيفات فأصدروا باسم الدين ما يستبيح إنسانيتهن وأعراضهن، وما بقي من كرامتهن المهدورة في مخيمات الذل واللجوء. فإليك يا رب الكون نبرأ من هؤلاء ونسألك فرجاً لهذه الأمة وأن تعيد للشام وأهله كل نعمائك التي خصصته بها يا رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الشيخ محمد عدنان الأفيوني مفتي دمشق وريفها