ماتت رولا… هل تستيقظ الضمائر الميتة ؟
د.غسان بو دياب
فجع الشعب اللبناني بالمشهد الذي تناقلته وسائل الإعلام، ونشرات الأخبار على جميع الشاشات، فجع بمنظر تلك الصبية، تلك الزهرة في مقتبل العمر، التي أسقطها إنحدار البعض إلى رتبة الوحوش الآدمية، ونزع عن نفسه صفة الإنسانية، ليتحول وحشاً ضارياً، يصارع طواحين الهواء، ويتخيل نفسه “رجلاً”.
شتان بين الرجولة والذكورة، قلتها، وأعيدها.الذكورة صفة بيولوجية مرتبطة بالأعضاء، وببعض الخصائص الثانوية، بهذا المعنى، الحصان أكثر “ذكورة” من أكثر الذكور، والثور، بعضلاته المفتولة، “ذكر” جداً…أما الرجولة، فكلام آخر، طبعاً وحتماً ليس كل ذكر رجلاً. الرجولة ليست أبداً تركيباً تشريحياً ووظائف فسيولوجية، بل مجموعة صفات تشمل، ولا تقتصر على “القوة والعدل والرحمة والمروءة والشهامة والشجاعة والتضحية والصدق والتسامح والعفو والرعاية والإحتواء والقيادة والحماية و المسؤولية”.
عار على جبين لبنان، وأي عار، أن تموت نساءه بسبب الجهل والأمية والتخلف والرجعية والبربرية، والأفكار والعقول التي تعيش في عصور ما قبل التاريخ. وليس هناك أي مبرر لهذا العنف المستهجن المرفوض القاتل، ولا يوجد اي تفسير أو تبرير لا ديني ولا فقهي ولا شرعي لقتل النفس.ولا يمكن أن نصنف ما حصل إلا كجريمة بشعة مشينة، راحت ضحيتها المغدورة رولا يعقوب.
عار أيضاً على النواب الذين يعطلون إقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري، ولعلهم لم يسمعوا رسول الإسلام الكريم يخبر عن ربه في المسطور المبين في سورة الروم:” وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون”، أين المودة والرحمة في ان يضرب الشريك شريكه؟ وما بالكم بمن لا يدرك من الدين إلا إسمه، ومن القرآن إلا رسمه، الذين لا يبالون بما أتى به الرسول عن ربه، ويحتمون بفحولتهم ، وبعلاقاتهم ببعض الممثلين على الأمة، الذين يغطون تصرفاتهم القبيحة.
أما الذي حاول التغطية على أفعال البرابرة، فهو شريك في العار والإثم والظلم، ويحه حينما تقوم عظام رولا من قبرها، وتقف لتواجهه أمام عين الله، تقف المظلومة وتنتصب دمائها لتشهد عليه، كيف يطيب له النوم، ودموع غرايسي قد بللت وسادتها، وكلاديس تحتضن كابرييلا، لتخفف عنها ألم فراق امها،والتوأم الصغار…
رولا ماتت مظلومة، شهيدة الحيوان المختبأ في أشكال آدمية، شهيدة المجتمع القبلي الذكوري البائد، المنتمي إلى القرون الغابرة، قرون وأد الإناث، و”الضرب بآلات حادة”..ضربت رولا حتى “خرجت روحها من عينيها، وحلّقت روحها قرب قاتلها، وقرب شركائه في الجريمة المدافعين عنه”.ماتت رولا، وعاش الفحول، عاشت الوحوش الآدمية.
المرأة ليست ملكاً لزوجها، الزواج ليس شراء وبيعاً، المرأة ليست سلعة، وليست مخلوقاً ناقصاً فحاشى الحق تعالى أن يخلق ناقصاً، وهو التام الكامل، وليس من طبع الكامل خلق الناقص، وليس من العدل في شيء أن يحكم مخلوقاً بمخلوق.
المسلم الحق ليس مجرماً، تصرفه يكون “على خلق عظيم” كما نبيه محمد، المسيحي الحقيقي قلبه رقيق مثل يسوع، لا يقسو على عياله.المجرم ليس لا مسلماً ولا مسيحياً. هو قاتل فقط، ومغطيه مجرم مثله.
مؤخراً، جمعت بعض الجمعيات في حملة رؤساء الطوائف اللبنانية في حملة “نؤمن”،التي نشرت لوحات عملاقة في المناطق اللبنانية، وعلى الاوتوسترادات، تتضمن صوراً لرؤساء الطوائف، ومعها عبارات من التقاليد الدينية لكل طائفة من الطوائف،من نوع “استوصوا بالنساء خيراً”، و”عاشروهن بالمعروف”، و”أن يسوع عنف الذين يعنفون المرأة، فلماذا تعنفون المرأة”. وغيرها حملة “ضرب الحبيب معيب”،وغيرها. إلا أن هذه كلها في دائرة، والدائرة الأخرى في مكان آخر، اليوم لا نتكلم عن ضرب، بل عن جريمة التسبب بالقتل الموصوف بالآلة الحادة، كما جاء في تقرير طبيب الإنعاش.
بالعربي الفصيح، وحيث ان العنف ضد المرأة لا يجوز في عقل، ولا يقبله عاقل، وحيث انه من المعيب على التجربة اللبنانية العريقة أن تخلوا قوانينها من أبسط حماية لنصف المجتمع، وحيث أن استفحال الإستهتار الممنهج بكرامة الإنسان اللبناني، من الرجال والنساء، وحيث أن أكثر من عشرين امرأة لبنانية تموت كل شهر من تداعيات العنف الأسري، وحيث أن الممثلين على الأمة سيصنفون شركاء في الفعل الجرمي كحد أقصى، وكمهملين للقضايا الحياتية الأساسية بالحد الأدنى، لذلك، نحن عينة من شباب لبنان، نطالب اولوا الأمر، وبخاصة فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية، وجميع المعنيين، بالمبادرة في اسرع وقت، لسن قانون حقيقي، بالتنسيق والتعاون مع الجمعيات ذات الصلة، لأجل حماية مواطني لبنان من النساء، من العنف الاسري، والذكورة المتوحشة، التي لا تمت إلى الرجولة بصلة، وليس لها علاقة بأي دين ارضي او سماوي.ولربما كان من الأساسي لبقية ما يسمى بالنواب، لحماية المرأة من كل عنف وترسيخ مبدأ المساواة التامة بين الرجل والمرأة في الدولة، بعيداً عن منطق التمييز والعنف.
أما في قضية المغدورة رولا، فالرأي العام كله ينتظر نتائج هذا التحقيق، وكلنا ثقة بالأجهزة القضائية اللبنانية، وبشفافية ومهنية ومناقبية وحرفية القضاة، وبابتعادهم كل البعد عن التدخلات السياسية، لا يمكن أن يمر هذا الموضوع مرور الكرام، لن نرضى أن يقتل البعض القتيل، ويمشي في جنازته، ولن تمر محاولة تهديد البعض لوالدة المغدورة، فممنوع في لبنان أن تكون الشريعة شريعة غاب، بل هناك حكم قانون، والقانون يجب ان يحكم، رغم أنف المجرمين…
www.mepanorama.com
صديقة مقربة
