سوريا.. من الأول الدجاجة أم البيضة ؟؟
شكلت الأزمة السورية في بدايتها صدمة لكل السوريين ، فالتطاول على السلطة فكرة خارجة عن المألوف، حتى “النكتة”، المتنفس الوحيد، يتفوهون بها سرا، وبصوت منخفض، على اعتبار أن “للحيطان آذان” وبدا الأمر، وكأنهم برمجوا على ذلك.
وبعد صمت، دام سنوات، تذكروا وبشكل مفاجئ، وبعد أكثر من 40 عاما، أنهم مضطهدون ، وتم تحريضهم، وغسل أدمغتهم، بأن حقوقهم مسلوبة، وثرواتهم منهوبة، وحان الوقت كي يعيشوا حياة كريمة كتلك في بلاد “الواق واق” ،دون فساد ورشاوى، دون “خيار فقوس”، ودون ودون …الخ.
فعلت أصواتهم، ونادوا بإسقاط النظام، وركبوا الموجة التي تجتاح “الشرق الأوسطي الجديد”، وسارع حكام بلاد “الواق واق” وأعوانهم بإسداء النصائح، وصب الزيت على النار، بحجة الديمقراطية، وسلكوا كل السبل لذلك، وذهبوا بعيدا، ورأوا أن تحرير الأقصى يبدأ من “تحرير” عواصم عربية .
وتسارعت الأحداث، وتفاقمت الأوضاع ، وتاه السوريون بصفيهما (مؤيد ومعارض) في بلاد الواق واق ، تلك البلاد التي لطالما حسدوا أبنائها، وتمنوا حضارتها، واستحلوا رفاهيتها وأموالها.
لكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر، فلم يجدوا فيها، تلك المدن الفاضلة، التي يحلمون، ولا الجنة التي يوعدون.
لم يجدوا فيها حسن الضيافة، منها من أغلقت أبوابها، وأبت استقبالهم ،ومنها من “شحدت” باسمهم، ومنها من احتكرت لنفسها بيت الله الحرام، ومنها من سنت شروطا تعجيزية لقبولهم، وحطت من قدرهم وكرامتهم، فوجدوا فيها ليس ما كان متوقعا، “تماسيح” للاقتصاد، وساطة و”محسوبيات”، ومفتاح لكل باب.
حضارتها صدمتهم، أصنام بلا أرواح، شعوبها تحولوا “لروبوتات”، الغلاء يثقل الكاهل ويقسم الظهر بدءا من “السكن للكفن”، ومن “الطربوش للبابوج”، الحياة فقدت معناها، والبطالة ضربت أطنابها.
اكتشفوا.. أن الحصة الأكبر من الكعكة ،لأبناء المسؤولين والعشائر، والواصلين والموصولين، فيها أيضا يطبلون ويزمرون للحاكم ، يقدسون سره، يعظمون شأنه، يصطنعون بطولاته.
فيها ذاق السوريون الأمرّين ، ودفعوا الغالي والنفيس، فالمعيشة والطبابة والتعليم “نار وكوي” ، لا معنى للتعليم شبه المجاني لديهم، كل شيء لديهم بثمن حتى “ماء الشرب”.
فيها لم يذق السوريون طعم الاستقرار، ولم يهنأ لهم بال ، و كان المؤنس الوحيد بغربتهم منتجات مدموغة “MADE IN SYRIA” صنع في سورية.
فيها تذكر السوريون أيام زمان، اشتاقوا لأنفسهم، لكل صغيرة وكبيرة، لكرامتهم فوق تراب بلدهم، للأمان والسلام.
فيها أحسوا بقيمة سوريتهم، حنوا لرغيف خبزهم، لمياه دريكيش والفيجة، لبن قهوتهم، لشط البحر، لهواء الجبل، لياسمين دمشق، لبساطة العيش، لراحة البال، لابتسامة الأخ ، وضيافة الجار.
فيها تمنوا لو لم يحدث الذي حدث، تمنوا العودة للوطن بكل محاسنه ومساوئه ..
فيها كان جواب كلا الطرفين واحد .. أنا سوري .. جنسيتي سورية
ورغم كل ذلك ..لم يتعلم بعضهم الدرس، ولم يشعروا بألم سوريا.. واستمروا بتوجيه أصابع الاتهام للطرف الأخر ..الأول يقول: لولا “ثورتكم” لما كان الذي كان!! .. والآخر يقول:لو لم يكن هناك ما يستدعي الثورة لما حدثت !!..وتستمر المهاترات، وتطول الحكاية، كنظرية من الأول.. الدجاجة أم البيضة؟؟.
بانوراما الشرق الاوسط
مها القحف