حكايات دمشقية 6
نهر بردى..شريان دمشق
أحمد بوبس
عندما نذكر دمشق لابد أن نتذكر نهر بردى الذي يمثل مع فروعه شريان الحياة فيها. وقِدم بردى كقِدم دمشق نفسها، بل إنه أكثر قِدماً منها. فوجود بردى كان سبب نشأة دمشق. ولنهر بردى شهرة تفوق شهرة الأنهار الكبرى كالفرات ودجلة. فقد نظم كبار الشعراء العرب الكثير من القصائد فيه، وذكر في الكثير من الأغاني.
وورد اسم نهر بردى في الكثير من المراجع التاريخية. فقد ذكره ابن عساكر في كتابه (تاريخ دمشق)، وورد ذكره في التوراة. وكان يعرف قديماً باسم نهر (باراديوس) أي نهر الفردوس. وأطلق عيه الاغريق اسم (نهر الذهب). وتضمنت اللوحات التشكيلية وأعمال الفسيفساء مشاهد للنهر.
وينبع نهر بردى في سهل الزبداني الذي يقع شمال غربي مدينة دمشق وعلى بعد نحو خمسين كيلو متراً منها. وينتهى في بحيرة العتيبة التي تقع على الأطراف الشرقية لغوطة دمشق. ويصل طوله إلى /71/ كيلو متراً.
وعندما يقترب بردى من دمشق يبدأ بالتفرع إلى ستة فروع رئيسية إضافة إلى النهر الأصلي. تتوزع هذه الفروع على يمين ويسار النهر، لتقوم بري بساتين غوطة دمشق. فتكون هذه الفروع بالنسبة لدمشق كالشرايين التي تتوزع في جسم الإنسان. وفروع بردى حسب تسلسل تفرعها عن النهر هي:
1- يزيد:
ينفصل عن يسار بردى شمالاً جنوب الهامة بنحو /400/ م، ويأخذ / 18/ من/ 24/ من مياه النهر. ينتهي النهر بعد أن يسير مسافة /16/ كم ماراً شمالي ضاحية دمر فخانق الربوة. ثم يتجه نحو الشمال الشرقي ليمر بأحياء المهاجرين فالشيخ محي الدين فركن الدين (كان سكان هذه الأحياء يستفيدون من مياهه بوساطة النواعير). ويتابع النهر سيره باتجاه ضاحية القابون، وينتهي نحو الأراضي الشمالية لمدينة حرستا بعد أن يتفرع خلال مسيره إلى عدة فروع، مشكلاً الحد الفاصل بين أراضي الغوطة المرواة والأراضي القاحلة الجرداء من الشمال الغربي.
2- المزاوي:
يتفرع عن يمين بردى جنوباً غربي ضاحية دمر بـ /350/ م، بين قدسيا ودمر، ويأخذ /6/ من /24/ من المياه المتبقية في بردى. وتستفيد من مياهه الأراضي الغربية من دمر، ثم يعبر خانق الربوة عبر نفق صنعي حفر في الصخر، ويروي أراضي المزة ثم كفرسوسة. ويروي مساحة تعد أصغر المساحات التي ترويها فروع بردى الأخرى.
3- الديراني:
يتفرع عن بردى جنوباً، شرقي ضاحية دمر بقليل بين دمر والقصر في موقع الشادروان، ويأخذ /18/ من /24/ من المياه المتبقية من بردى. ويعبر خانق الربوة متجهاً نحو ضاحية المزة. وعند موقع النفلة جنوبي كلية الطب، يتفرع إلى ثلاثة فروع، يروي أولها أراضي كفرسوسة والحمرية، ويروي ثانيها أراضي اللوان (قد تحولت معظم هذه الأراضي إلى أحياء سكنية حديثة في مدينة دمشق) ويروي ثالثها الأراضي الشمالية من داريا والقدم.
4- تورا:
يتفرع عن يسار بردى شمالاً، عند موقع الشادروان في أول مضيق الربوة في موقع القصر بين دمر والربوة، يمر جنوب نهر يزيد، يأخذ /14/ من /24/ من مياه بردى المتبقية، وتزداد هذه الكمية بما يرفده من مياه يزيد الذي يمر فوقه.
يمر تورا في خانق الربوة، ويسير موازياً لنهر يزيد، ثم يتجه نحو الشمال الشرقي ماراً بحي الصالحية، حيث تنبثق عنه عدة أقنية، وإلى الشرق من الجسر المسمى باسمه في النهاية الشمالية لشارع فارس الخوري حالياً (قرب ساحة العباسيين)، ويتفرع إلى عدد من الفروع تسقي مساحة واسعة من غوطة دمشق، وينتهي أخيراً في أراضي قرية عدرا ، بعد أن يروي مساحة يراوح طولها بين (16-18) كم ومتوسط عرضها 3كم. وهي تعادل ضعف المساحة التي يرويها نهر يزيد.
5- القنوات:
ينفصل عن يمين بردى جنوباً قرب نقطة الشادروان بين القصر والربوة، فيأخذ /20/ من /24/ من المياه المتبقية من النهر. يتجه شرقاً ليمر شمال المبنى القديم لجامعة دمشق، وفي الموقع الذي أقيم فيه بناء الهجرة والجوازات.
كان نهر القنوات ينقسم إلى فرعين، يسمى الأول مقسم الخلخال تروي مياهه أراضي كفرسوسة والقدم وأحياء باب سريجة وقبر عاتكة والميدان. ويتجه الفرع الثاني شرقاً لتزويد بيوت حي القنوات بالمياه عبر قناة حجرية ما تزال بعض أجزائها قائمة على يسار طريق القنوات الرئيسي، وترتفع عن الطريق بنحو مترين
6- بانياس:
ينفصل عن بردى جنوباً في قاع الوادي قرب نهاية خانق الربوة، فيأخذ /23/ من /24/ من مياه بردى المتبقية، ثم يسير موازياً له يفصله عنه جدار من الأسمنت، ثم يدخل دمشق ماراً بالتكية السليمانية فجامع المولوية فجامع تنكز، ويتفرع عنه هنا فرع طويد، ويعبر قلعة دمشق، ثم يتفرع إلى فرعين: أحدهما يتجه جنوباً إلى الشاغور فالميدان، ويتجه الآخر شرقاً نحو الجامع الأموي والقيمرية ثم إلى العمارة فباب السلام، وينتهي في بساتين الشاغور.
وتشكل هذه الفروع مع بقايا مياه القنوات أقنية جديدة هي الأبيض والأسود والمزاز ومشينة تروي بمياهها قسماً من الأراضي، ويضاف ما تبقى منها إلى نهر العقرباني والمليحي.
ويدخل نهر بردى الأصلي إلى دمشق من ناحية الربوة، ويسير محاذياً لشارع شكري القوتلي. وعند ساحة المرجة يبدأ بالتفرع إلى فروع أخرى ثانوية. وأول هذه الفروع (العقرباني) الذي يتفرع عن بردى وسط ساحة المرجة. ويظهر للعيان من الفتحة التي تكشف بردى، ويروي هذا الفرع أراضي جرمانا وعقربا وبيت سحم. ثم فرع (الداعياني) الذي يتفرع عن بردى عند باب السلام، ليروي أراضي سقبا وحموريا وعين ترما وجوبر وغيرها. وثالث الفروع الثانوية (المليحي) الذي يتفرع عن بردى خارج حدود المدينة القديمة، ويروي مناطق أخرى من الغوطة.
وكان نهر بردى يفيض سنوياً، لتملأ مياهه ساحة المرجة والشوارع المجاورة للنهر. وكنا نذهب إلى هناك لنشاهد فيضان النهر، وكيف كان الناس يعبرون على جسور خشبية كانت تقام على وجه السرعة أو بواسطة السيارات الشاحنة.
وكانت ضفاف بردى من أفضل المتنزهات للدمشقيين، يفترشون الأرض على ضفتيه سواء في الربوة , في الصوفانية. كما كان الدمشقيون يقصدون قرى وادي بردى صيفاً (بسيمة وعين الخضرا وعين الفيجة) ليجلسون على المصاطب على ضفاف النهر، ويقضون يوماً كاملاً، بعد رحلة صباحية بالقطار، وفي المساء يعودون بنفس القطار.
نهر بردى..شريان دمشق
أحمد بوبس
عندما نذكر دمشق لابد أن نتذكر نهر بردى الذي يمثل مع فروعه شريان الحياة فيها. وقِدم بردى كقِدم دمشق نفسها، بل إنه أكثر قِدماً منها. فوجود بردى كان سبب نشأة دمشق. ولنهر بردى شهرة تفوق شهرة الأنهار الكبرى كالفرات ودجلة. فقد نظم كبار الشعراء العرب الكثير من القصائد فيه، وذكر في الكثير من الأغاني.
وورد اسم نهر بردى في الكثير من المراجع التاريخية. فقد ذكره ابن عساكر في كتابه (تاريخ دمشق)، وورد ذكره في التوراة. وكان يعرف قديماً باسم نهر (باراديوس) أي نهر الفردوس. وأطلق عيه الاغريق اسم (نهر الذهب). وتضمنت اللوحات التشكيلية وأعمال الفسيفساء مشاهد للنهر.
وينبع نهر بردى في سهل الزبداني الذي يقع شمال غربي مدينة دمشق وعلى بعد نحو خمسين كيلو متراً منها. وينتهى في بحيرة العتيبة التي تقع على الأطراف الشرقية لغوطة دمشق. ويصل طوله إلى /71/ كيلو متراً.
وعندما يقترب بردى من دمشق يبدأ بالتفرع إلى ستة فروع رئيسية إضافة إلى النهر الأصلي. تتوزع هذه الفروع على يمين ويسار النهر، لتقوم بري بساتين غوطة دمشق. فتكون هذه الفروع بالنسبة لدمشق كالشرايين التي تتوزع في جسم الإنسان. وفروع بردى حسب تسلسل تفرعها عن النهر هي:
1- يزيد:
ينفصل عن يسار بردى شمالاً جنوب الهامة بنحو /400/ م، ويأخذ / 18/ من/ 24/ من مياه النهر. ينتهي النهر بعد أن يسير مسافة /16/ كم ماراً شمالي ضاحية دمر فخانق الربوة. ثم يتجه نحو الشمال الشرقي ليمر بأحياء المهاجرين فالشيخ محي الدين فركن الدين (كان سكان هذه الأحياء يستفيدون من مياهه بوساطة النواعير). ويتابع النهر سيره باتجاه ضاحية القابون، وينتهي نحو الأراضي الشمالية لمدينة حرستا بعد أن يتفرع خلال مسيره إلى عدة فروع، مشكلاً الحد الفاصل بين أراضي الغوطة المرواة والأراضي القاحلة الجرداء من الشمال الغربي.
2- المزاوي:
يتفرع عن يمين بردى جنوباً غربي ضاحية دمر بـ /350/ م، بين قدسيا ودمر، ويأخذ /6/ من /24/ من المياه المتبقية في بردى. وتستفيد من مياهه الأراضي الغربية من دمر، ثم يعبر خانق الربوة عبر نفق صنعي حفر في الصخر، ويروي أراضي المزة ثم كفرسوسة. ويروي مساحة تعد أصغر المساحات التي ترويها فروع بردى الأخرى.
3- الديراني:
يتفرع عن بردى جنوباً، شرقي ضاحية دمر بقليل بين دمر والقصر في موقع الشادروان، ويأخذ /18/ من /24/ من المياه المتبقية من بردى. ويعبر خانق الربوة متجهاً نحو ضاحية المزة. وعند موقع النفلة جنوبي كلية الطب، يتفرع إلى ثلاثة فروع، يروي أولها أراضي كفرسوسة والحمرية، ويروي ثانيها أراضي اللوان (قد تحولت معظم هذه الأراضي إلى أحياء سكنية حديثة في مدينة دمشق) ويروي ثالثها الأراضي الشمالية من داريا والقدم.
4- تورا:
يتفرع عن يسار بردى شمالاً، عند موقع الشادروان في أول مضيق الربوة في موقع القصر بين دمر والربوة، يمر جنوب نهر يزيد، يأخذ /14/ من /24/ من مياه بردى المتبقية، وتزداد هذه الكمية بما يرفده من مياه يزيد الذي يمر فوقه.
يمر تورا في خانق الربوة، ويسير موازياً لنهر يزيد، ثم يتجه نحو الشمال الشرقي ماراً بحي الصالحية، حيث تنبثق عنه عدة أقنية، وإلى الشرق من الجسر المسمى باسمه في النهاية الشمالية لشارع فارس الخوري حالياً (قرب ساحة العباسيين)، ويتفرع إلى عدد من الفروع تسقي مساحة واسعة من غوطة دمشق، وينتهي أخيراً في أراضي قرية عدرا ، بعد أن يروي مساحة يراوح طولها بين (16-18) كم ومتوسط عرضها 3كم. وهي تعادل ضعف المساحة التي يرويها نهر يزيد.
5- القنوات:
ينفصل عن يمين بردى جنوباً قرب نقطة الشادروان بين القصر والربوة، فيأخذ /20/ من /24/ من المياه المتبقية من النهر. يتجه شرقاً ليمر شمال المبنى القديم لجامعة دمشق، وفي الموقع الذي أقيم فيه بناء الهجرة والجوازات.
كان نهر القنوات ينقسم إلى فرعين، يسمى الأول مقسم الخلخال تروي مياهه أراضي كفرسوسة والقدم وأحياء باب سريجة وقبر عاتكة والميدان. ويتجه الفرع الثاني شرقاً لتزويد بيوت حي القنوات بالمياه عبر قناة حجرية ما تزال بعض أجزائها قائمة على يسار طريق القنوات الرئيسي، وترتفع عن الطريق بنحو مترين
6- بانياس:
ينفصل عن بردى جنوباً في قاع الوادي قرب نهاية خانق الربوة، فيأخذ /23/ من /24/ من مياه بردى المتبقية، ثم يسير موازياً له يفصله عنه جدار من الأسمنت، ثم يدخل دمشق ماراً بالتكية السليمانية فجامع المولوية فجامع تنكز، ويتفرع عنه هنا فرع طويد، ويعبر قلعة دمشق، ثم يتفرع إلى فرعين: أحدهما يتجه جنوباً إلى الشاغور فالميدان، ويتجه الآخر شرقاً نحو الجامع الأموي والقيمرية ثم إلى العمارة فباب السلام، وينتهي في بساتين الشاغور.
وتشكل هذه الفروع مع بقايا مياه القنوات أقنية جديدة هي الأبيض والأسود والمزاز ومشينة تروي بمياهها قسماً من الأراضي، ويضاف ما تبقى منها إلى نهر العقرباني والمليحي.
ويدخل نهر بردى الأصلي إلى دمشق من ناحية الربوة، ويسير محاذياً لشارع شكري القوتلي. وعند ساحة المرجة يبدأ بالتفرع إلى فروع أخرى ثانوية. وأول هذه الفروع (العقرباني) الذي يتفرع عن بردى وسط ساحة المرجة. ويظهر للعيان من الفتحة التي تكشف بردى، ويروي هذا الفرع أراضي جرمانا وعقربا وبيت سحم. ثم فرع (الداعياني) الذي يتفرع عن بردى عند باب السلام، ليروي أراضي سقبا وحموريا وعين ترما وجوبر وغيرها. وثالث الفروع الثانوية (المليحي) الذي يتفرع عن بردى خارج حدود المدينة القديمة، ويروي مناطق أخرى من الغوطة.
وكان نهر بردى يفيض سنوياً، لتملأ مياهه ساحة المرجة والشوارع المجاورة للنهر. وكنا نذهب إلى هناك لنشاهد فيضان النهر، وكيف كان الناس يعبرون على جسور خشبية كانت تقام على وجه السرعة أو بواسطة السيارات الشاحنة.
وكانت ضفاف بردى من أفضل المتنزهات للدمشقيين، يفترشون الأرض على ضفتيه سواء في الربوة , في الصوفانية. كما كان الدمشقيون يقصدون قرى وادي بردى صيفاً (بسيمة وعين الخضرا وعين الفيجة) ليجلسون على المصاطب على ضفاف النهر، ويقضون يوماً كاملاً، بعد رحلة صباحية بالقطار، وفي المساء يعودون بنفس القطار.