«كان
حلمي.. سقفاً»!
سوزان المشهدي
الجمعة ٢٦ أبريل ٢٠١٣
بعض الإعلانات
التلفزيونية معبرة جداً وصادقة جداً وأحياناً.. صادمة جداً، قد تغير لبعض
المشاهدين والمشاهدات أمثالي بعض الأفكار وبعض القيم الداخلية والخارجية ليتم
بعدها تغيير السلوك الإنساني الغارق حتى أذنيه في ملذات الدنيا.
الإعلان عبارة عن مشاهد
صغيرة متقطعة عن جمعية خيرية تُسمى «رسالة». في أحد الدول العربية يأتي المشهد
الأول ليحكي عن حلم سيدة بسيطة تقف في غرفة متواضعة بل بسيطة للغاية، تشير إلى سقف
الغرفة وهي تقول: «كان حلمي سقفاً يحمينا من المطر والبرد، وجمعية رسالة حققت لي
حلمي»!
المشهد الثاني لامرأة
مسنة تشرب وهي مسرورة جداً بل ممتنة من صنبور مياه بسيط للغاية في مطبخ أبسط منه
وهي تقول: «الحمد لله رسالة جعلتنا نتمكن من شرب مياه نظيفة»!
ماذا تشعر عندما ترى
بعدها بلحظات - وعلى شاشات محطة أخرى - مذيعاً يستضيف مصممة أزياء بريطانية صممت
ثوباً خليجياً بقيمة 12 مليون جنيه إسترليني، وعندما ذكر لها المذيع أن هذا النوع
من الملابس لا يتلاءم مع البيئة البريطانية أجابت بأن «بعض الخليجيات يعشقن هذا النوع
من الثياب، لأنها مرصعة بالألماس»!
تذكرت فوراً الفنانة
الخليجية، التي فجّر مصمم أزيائها مفاجأة في آخر حفلات برنامج اشتركت واحدةً من
أعضاء لجنة التحكيم، عن أن ثوبها الذهبي كلّفها مليون دولار لأنه مرصّع بالألماس
الحقيقي وبحسب طلبها، حتى ظهرت كأنها مغلف لقطعة شوكولاتة لامعة ومعروفة.
12 مليون جنيه إسترليني
ثمناً لثوب خليجي بأيدي بريطانية يجعلني أتساءل.. كم قلب كان من الممكن عن طريقها
أن يفرح، وأن يسعد، وأن يعيش بكرامة؟ كم عائلة ستشرب مياهاً نظيفة من صنبور
المياه؟ كم سقف سيُبنى بجزء يسير جداً منه ويحمي ساكنيه من البرد والمطر؟ كم أسرة
يمكن - بجزء يسير منه أيضاً - أن تقدم العلاج لعائلها أو لطفل مريض، أدمى مرضه
وألمه وحزنه أفراد عائلته كلها، وهم يرون بسمة منزلهم تذبل يوماً بعد يوم ولا
يستطيعون علاجه لضيق ذات اليد، يسمعون صراخه ويصمون آذانهم حتى لا يسمعوا، يجتمعون
حول شاشات التلفاز التي تنقلهم إلى عالم آخر ويستمعون لمذيع ومصممة أزياء تتحدث عن
ثوب خليجي بملايين الجنيهات، سيكون من نصيب امرأة واحدة فقط قد ترتديه في مناسبة
واحدة ثم تلقيه في خزانتها المكتظة بالملابس، في وقت كان من الممكن لقيمة ثوبها
الممنون أن تغير كثيراً من حياة المئات بل الآلاف من البشر؟
على برنامج أميركي آخر،
شاهدت برنامجاً يحكي عن بعض المنازل في أميركا، وعلى ما أذكر أن اسمه مليون دولار
للغرفة، يحكي كيف يحول بعض المشاهير بعض الغرف إلى بيئة تتوافق مع الطبيعة، كأن
يجعلها صحراء أو يجعل بها جبالاً وصخوراً، ويقوم أولاده الصغار بممارسة رياضة
التسلق عليها في أوقات فراغهم، أو يحول غرفة كبيرة إلى دار كبيرة للسينما بما
تحويه من مقاعد وإضاءات وفشار وغيرها، ومن الممكن أن تكون أربع دُور سينما، لأن
أطفاله الأربعة لا يتفقون على رؤية فيلم واحد في الوقت نفسه. وفي المقابل وربما
بعده مباشرة يأتي برنامج آخر عن جمعية خيرية تدرس أوضاع بعض الأسر وتقوم بمفاجأتهم
بتغيير حياتهم، مثل أن يكون لديهم معوقون يعانون أشد المعاناة أثناء عيشهم داخل
المنزل واستخدامهم لدورات المياه، فيقومون بتجهيز ممرات المنزل ودورات مياهه بصورة
تمكّنهم من العيش بسعادة وكرامة من دون مساعدة من أحد، ويصورون بكاءهم ومدى فرحتهم
وامتنانهم بهذه التغييرات الرائعة التي سهلت حياتهم ومكنتهم من التعايش مع
إعاقاتهم بل والتأقلم معها أيضاً.
قد يرضى المرء بما قدره
الله عليه من ابتلاءات ومحن، ولكن قد يكون ما نود شراءه وفي ما نحاول أن نتميز به
من ملابس وسيارات وأثاث أو حتى في ما نتخلص منه من ملابس ومن أثاث ومن خردوات في
لحظات «الطفش والملل»، أحد أحلام حياتها الكبرى التي قد لا تأمل بأن تتحقق يوماً.
كاتبة سعودية
حلمي.. سقفاً»!
سوزان المشهدي
الجمعة ٢٦ أبريل ٢٠١٣
بعض الإعلانات
التلفزيونية معبرة جداً وصادقة جداً وأحياناً.. صادمة جداً، قد تغير لبعض
المشاهدين والمشاهدات أمثالي بعض الأفكار وبعض القيم الداخلية والخارجية ليتم
بعدها تغيير السلوك الإنساني الغارق حتى أذنيه في ملذات الدنيا.
الإعلان عبارة عن مشاهد
صغيرة متقطعة عن جمعية خيرية تُسمى «رسالة». في أحد الدول العربية يأتي المشهد
الأول ليحكي عن حلم سيدة بسيطة تقف في غرفة متواضعة بل بسيطة للغاية، تشير إلى سقف
الغرفة وهي تقول: «كان حلمي سقفاً يحمينا من المطر والبرد، وجمعية رسالة حققت لي
حلمي»!
المشهد الثاني لامرأة
مسنة تشرب وهي مسرورة جداً بل ممتنة من صنبور مياه بسيط للغاية في مطبخ أبسط منه
وهي تقول: «الحمد لله رسالة جعلتنا نتمكن من شرب مياه نظيفة»!
ماذا تشعر عندما ترى
بعدها بلحظات - وعلى شاشات محطة أخرى - مذيعاً يستضيف مصممة أزياء بريطانية صممت
ثوباً خليجياً بقيمة 12 مليون جنيه إسترليني، وعندما ذكر لها المذيع أن هذا النوع
من الملابس لا يتلاءم مع البيئة البريطانية أجابت بأن «بعض الخليجيات يعشقن هذا النوع
من الثياب، لأنها مرصعة بالألماس»!
تذكرت فوراً الفنانة
الخليجية، التي فجّر مصمم أزيائها مفاجأة في آخر حفلات برنامج اشتركت واحدةً من
أعضاء لجنة التحكيم، عن أن ثوبها الذهبي كلّفها مليون دولار لأنه مرصّع بالألماس
الحقيقي وبحسب طلبها، حتى ظهرت كأنها مغلف لقطعة شوكولاتة لامعة ومعروفة.
12 مليون جنيه إسترليني
ثمناً لثوب خليجي بأيدي بريطانية يجعلني أتساءل.. كم قلب كان من الممكن عن طريقها
أن يفرح، وأن يسعد، وأن يعيش بكرامة؟ كم عائلة ستشرب مياهاً نظيفة من صنبور
المياه؟ كم سقف سيُبنى بجزء يسير جداً منه ويحمي ساكنيه من البرد والمطر؟ كم أسرة
يمكن - بجزء يسير منه أيضاً - أن تقدم العلاج لعائلها أو لطفل مريض، أدمى مرضه
وألمه وحزنه أفراد عائلته كلها، وهم يرون بسمة منزلهم تذبل يوماً بعد يوم ولا
يستطيعون علاجه لضيق ذات اليد، يسمعون صراخه ويصمون آذانهم حتى لا يسمعوا، يجتمعون
حول شاشات التلفاز التي تنقلهم إلى عالم آخر ويستمعون لمذيع ومصممة أزياء تتحدث عن
ثوب خليجي بملايين الجنيهات، سيكون من نصيب امرأة واحدة فقط قد ترتديه في مناسبة
واحدة ثم تلقيه في خزانتها المكتظة بالملابس، في وقت كان من الممكن لقيمة ثوبها
الممنون أن تغير كثيراً من حياة المئات بل الآلاف من البشر؟
على برنامج أميركي آخر،
شاهدت برنامجاً يحكي عن بعض المنازل في أميركا، وعلى ما أذكر أن اسمه مليون دولار
للغرفة، يحكي كيف يحول بعض المشاهير بعض الغرف إلى بيئة تتوافق مع الطبيعة، كأن
يجعلها صحراء أو يجعل بها جبالاً وصخوراً، ويقوم أولاده الصغار بممارسة رياضة
التسلق عليها في أوقات فراغهم، أو يحول غرفة كبيرة إلى دار كبيرة للسينما بما
تحويه من مقاعد وإضاءات وفشار وغيرها، ومن الممكن أن تكون أربع دُور سينما، لأن
أطفاله الأربعة لا يتفقون على رؤية فيلم واحد في الوقت نفسه. وفي المقابل وربما
بعده مباشرة يأتي برنامج آخر عن جمعية خيرية تدرس أوضاع بعض الأسر وتقوم بمفاجأتهم
بتغيير حياتهم، مثل أن يكون لديهم معوقون يعانون أشد المعاناة أثناء عيشهم داخل
المنزل واستخدامهم لدورات المياه، فيقومون بتجهيز ممرات المنزل ودورات مياهه بصورة
تمكّنهم من العيش بسعادة وكرامة من دون مساعدة من أحد، ويصورون بكاءهم ومدى فرحتهم
وامتنانهم بهذه التغييرات الرائعة التي سهلت حياتهم ومكنتهم من التعايش مع
إعاقاتهم بل والتأقلم معها أيضاً.
قد يرضى المرء بما قدره
الله عليه من ابتلاءات ومحن، ولكن قد يكون ما نود شراءه وفي ما نحاول أن نتميز به
من ملابس وسيارات وأثاث أو حتى في ما نتخلص منه من ملابس ومن أثاث ومن خردوات في
لحظات «الطفش والملل»، أحد أحلام حياتها الكبرى التي قد لا تأمل بأن تتحقق يوماً.
كاتبة سعودية