كولن باورز .. البريطاني بلا لغة يعيش في اللاذقية
لايحتاج البريطاني "كولن باورز" لكي يتحدث اللغة العربية حتى يتمكن من العيش في "اللاذقية" فهو يتعامل مع المجتمع والزبائن ويلبي حاجياته دون أن يتحدث لغتهم، وفي أسوء حالات ضياعه لا يحتاج لأكثر من أن يقول لسائق التاكسي الذي يركب معه "شيخضاهر" حتى يقله السائق إلى تلك الساحة التي استأجر بقربها متجراً صغيراً وفتحه مكتبةً لبيع الكتب الانكليزية.
السيد "باورز" يعيش في "اللاذقية" منذ سنوات وقد أتاها مع عائلته راغباً بالاقامة فيها بعد عدة زيارات سابقه لها اطلع خلالها على الواقع فيها حسب قوله، وأضاف في حديثه مع دام برس:«زرتها أول مرةٍ في العام /1999/ وقد لفتني أسلوب حياة الناس فيها وقد تكررت الزيارة عدة مرات بقصد السياحة قبل أن أقرر الاستقرار هنا بعد أن تقاعدت من عملي في بريطانيا رغبةً مني في إجراء تغيير في حياتي والبدء بمشروع جديد.
اختيار اللاذقية لم يأتي من فراغ حيث أنني خلال الزيارات لاحظت بساطة العيش ورخص الأسعار مقارنةً مع بريطانية، بالإضافة إلى أنها مدينة جميلة وأسلوب الحياة فيها بسيط وبطيء مما يلفت الانتباه ويشجع على الحياة خصوصاً مع غياب المشاكل ووجود الأمان والراحة النفسية فيها».
"باورز" أكد أنه لا يجد صعوبةً لعدم التحدث باللغة العربية وقال:«هنا أعيش مع أسرتي ولدي ولد يتحدث العربية بشكل جيد أما أنا فلم أجد صعوبة بالتأقلم مع الحياة بدون أن أتحدث اللغة التي بالأصل من الصعب تعلمها بعد هذا العمر، حيث أنني في المكتبة أتعامل مع أشخاص بمعظمهم لديهم فهم ولو بسيط للغة الانكليزية وقادرون على فهمي وبالمقابل أنا قادر على فهمهم، أما خارج المكتبة فليس من الصعب أيجاد حل للغة حيث أنني أحفظ أسماء الأماكن التي أتحرك فيها وفي أصعب الحالات وأسوئها إن وجدت نفسي في مكان لا اعرفه فإنني لا أحتاج لأكثر من إيقاف تكسي وأقول للسائق اسم المكان الذي أود الذهاب إليه فيأخذني على الفور».
ويضيف "باورز":«الناس هنا طيبون ومتعاونون جداً ولديهم روح الأصالة ويتميزون بقلة النفاق بعكس أوروبا، كما أنهم مضيافون وودودون يحبون التعامل مع الغريب وتقديم المساعدة له في حال احتاجها وهذا ما يجعلني متعلقاً أكثر باللاذقية وأهلها».
بائع الكتب البريطاني كان بمقدوره أن يكون معلماً للغة الانكليزية في القنصلية لكنه رفض حسب قول، وقد وضح ذلك قائلا:«بعد أن عرفت "اللاذقية" وأهلها خلال زياراتي السابقة أصبحت أفضل التعامل اليومي معهم والتعرف عليهم أكثر ولو عن طريق المشاهدة فقط، فهناك الكثير من الأشياء التي تستمتع وأنت تشاهدها كالمهن القديمة وبساطة التعامل حالة التعايش بين أهل اللاذقية، وتزداد المتعة عندما تكون علاقات اجتماعية مع أشخاص من هنا ويزورونك في المنزل وتزورهم، هذا الأمر نفتقر له ببريطانيا كثيراً فالحياة الاجتماعية هنا غاية في المتعة، فعلى سبيل المثال شرب القهوة في الصباح مع الجيران للنساء والسهرات العائلية في الليل وكذلك الرحلات الأسبوعية إلى منطقة "كسب" التي اعشقها».
للسيد "باورز" أصدقاءٌ يتواصلون معه بشكل شبه يومي ويزورنه في مكتبته، ويقول الأستاذ "رضا زيتي" وهو مدرس لغة انكليزية متحدثاً عن تجربة صديقه في اللاذقية:"«التقيت بالسيد "كولن" في المتجر الذي استأجره من والدي و طبعا كان موضع اهتمام خاص لدي عندما عرفت انه بريطاني ولا يتحدث العربية وفي نفس الوقت يستطيع التفاهم مع الجميع ببساطة ﻷن الغالبية هنا لديهم معرفة بطريقة أو بأخرى باللغة الانكليزية وعند الجميع تلك الرغبة الدفينة بأن يساعدوا هذا البريطاني ولذلك اعتقد انه لم يحتج بشكل خاص لتعلم العربية وخصوصا انه يتعامل بشكل دائم مع الزبائن التي تريد أن تشتري كتب اللغة الانكليزية وبالتالي هم يعرفون كيف يتواصلون بهذه اللغة. و بالنسبة للأشياء الأخرى كالمواصلات و شراء الحاجيات فهو ليس بحاجة للكثير في هذا المجال، المهم أنه يعرف كيف يعبر عن حاجاته الأساسية فهو يعلم كيف يخبر التاكسي أين يريد أن يذهب أو كيف يشكر شخصا ما و اعتقد انه يعرف أكثر مما يعترف بما يعرف وهذا يجعله أكثر أمانا.
أما بالنسبة للعلاقات الاجتماعية فما رأيته انه ولكونه بريطاني أصبح محط اهتمام الجميع بدون استثناء وبالتالي الجميع يريد أن يتعرف عليه وأن يقدموا له المساعدة لأنها طبيعة فطرية عند أهل اللاذقية».
علم الاجتماع يرى أن سهولة تأقلم البريطاني مع الحياة في "اللاذقية" يعود إلى طبيعة أهل اللاذقية وروح المساعدة لديهم، وتقول الأخصائية في علم الاجتماع "إنصاف سليطين":«ليس بمقدور أي مجتمع تقبل شخص غريبٍ لا يتحدث لغة هذا المجتمع إلا إذا كان مجتمعاً يملك كرم الضيافة وحسن المعاملة ويحترم الآخرين، وهذه الصفات يمتلكها أهل اللاذقية وهي عوامل كان لها الدور الأكبر في قدرة السيد "كولن" على الانخراط بينهم كعضو فاعل في مجتمعهم دون الحاجة إلى تعلم لغتهم، علما أنه من الغريب ألا يكون هذا البريطاني تعلم اللغة العربية خلال السنوات التي عاشها في اللاذقية لأن أي شخص مكانه كان تعلم اللغة وعلى مايبدو أن عدم تعلمها من قبله عائد إلى عدم حاجته الماسة لها بسبب قدرة أهلها على التفاهم معه وفق واقعه الحالي».
وتضيف "سليطين"«أبناء مجتمع "اللاذقية" معروفون بالعفوية والتلقائية والبساطة والمحبة في تعاملهم مع الآخر فتلقاهم دوماً مبتسمين في وجه من قصد ديارهم ويمكننا أن نعزي ذلك إلى أن مجتمعهم غير معقد ولا متكلف ولا يحتاج من يقصده إلى الكثير من العناء في التواصل مع أفراده لأنهم مضيافون و ودودون بالفطرة و هذه من العادات الأصيلة التي حافظت على رسوخها ضمن منظومة العادات التي تحكم مجتمعنا والتي بمجموعها تعد السبب في ظاهرة هذا السيد البريطاني الذي لا يتحدث لغتنا ويعيش سعيداً بيننا».
يذكر أن السيد "كولن باورز" لديه مكتبة للكتب الانكليزية وسط اللاذقية تعد الثانية في سورية وهو يجلس فيها يومياً ولديه مجموعة من الكتب يقول أن قراءتها تكون من أجل المتعة.