تفجيرات دمشق تُجاهر بالحقيقة
مازال النفط في عُرف من شبع بعد جوع أغلى من الدم،وما زال الآتون من حرور الصحراء يحملون أظلافهم ، يهرولون أجلافاً بلا ملامح،وقديماً قال الشاعر مظفر النواب”إما أن يُصبح هذا النفط فدائيٌ أو ننسفه ونعيش على العزةِ والحطب” ويبدو أن هذا النفط لم يصبح فدائي يدافع عن حياض أمته، بل أصبح قاتلاً مأجوراً وخنجراً مسموماً ليس في خاصرتها وحسب بل في قلبها،هذا النفط التى تربعت عليه عروش بلا مروءة وكروش بكل خطيئة.
إن تفجيرات دمشق في هذا اليوم الكئيب ليست الأولى من نوعها وقد لا تكون الأخيرة، طالما يحاول المعتدون إكتساب نقاط تفاوضية رجسة على حساب الدم السوري الطهور،وطالما ظلت عقلية البداوة ومنطق القبيلة ومؤامرات الخيمة ،تتحكم في سلوك من يدعم الإرهاب في سوريا،وهذا الأسلوب لا يختلف كثيراً عن الأسلوب التي كانت تعتمده(إسرائيل)التي تدعي المدنية، في حالات الفشل الذريع في كل حروبها في العقد الأخير،فعندما كانت تفشل في تحقيق إنجازات ميدانية في مواجهة رجال المقاومة في لبنان أو في غزة، كانت تلجأ لإحراج المقاومة من خلال إستهداف المدنيين،وإيقاع أكبر عدد ممكن من الشهداء في صفوفهم،وأيضاً فإن هذا الإستهداف كما كان يعتقد العدو يساهم في إضعاف المعنويات لجمهور المقاومة وصولاً لتحميلها المسؤولية عن القتل والدمار، فما القاسم المشترك في سلوك البداوة وسلوك أدعياء المدنية،لا شئ سوى تماهي الأهداف وتماثل المصالح.
وهذا ما يحدث في دمشق اليوم،فإن الإرهاب أصبح أكثر عجزاً عن مواجهة رجال الجيش العربي السوري،وأكثر ضعفاً من تحقيق أي إنجازات ميدانية سوى على قنوات التهليل والتضليل،يهدفون إلى بث الرعب وكسر المعنويات وتحميل النظام مسؤولية إنسداد الآفاق السياسية، ومحاولة زعزعة الثقة التي يوليها الشعب السوري لجيشه وقيادته،ومحاولة للوصول بنفسية الجماهير المؤمنة بعدالة الحرب التي يخوضها السوريون بكل فئاتهم وعلى كل الجبهات إلى مرحلة اليأس والإحباط ، ومحاولة للإيحاء بوهم القدرات التي يمتلكها الإرهاب وقدرته على الضرب متى شاء وأينما شاء،ولكن وبكل يقين وعلى مدار تاريخ الإرهاب قد ثبت قطعاً أنه لا يحقق أي إنجازات ،بل إنه وفي غالب الأحيان يرتد بالسلب على من حرض ومن موَّل ومن نفَّذ،لأن الجماهير تزداد إلتفافاً حول قيادتها حتى لو إختلفت معها في بعض التفاصيل، لأن الأولوية تصبح لمحاربة العدو المشترك والتخلص منه بأسرع وقت ممكن وبأقسى طريقة ممكنة.
وكما في كل تفجير تبدأ بعده المتناقضات في تحليلات من يتسمون بالمعارضة، وتبدأ عملية إلقاء المسؤوليات ونفيها ، فتخرج شرذمات المعارضة لتبرهن على ضعف النظام وقرب سقوطه بدليل عدم قدرته على حماية مدنه ومواطنيه، وفي نفس التحليل ولنفس المعارض تراه ينفي مسؤولية التفجير عن الإرهاب ويتهم النظام بتنفيذ تلك التفجيرات، وتشعر أنك أمام “عفريت العلبة” الذي يُجهدُك قفزاً ويُصيبك بزغللة في العينين،فيا عفريت المعارضة إما أن النظام آيل للسقوط ويعجز عن حماية مدنه ومواطنيه،وأنكم قادرون على إختراق أمنه والعبث بأمانه،وإما أنه متحكمٌ بكل شئ وقادر على كل شئ ويقوم بالتفجيرات لشئ في نفس يعقوب،ورغم أنني لست في نفس يعقوب وأنتم كُشف عنكم حجاب الغيب والحجاب الحاجز للنفوس، فقولوا لنا ما مصلحة النظام في تلك التفجيرات،ولكن برجاء ألا تكون أجوبتكم على قاعدة الإنسحاب التكتيكي أو قاعدة الدبابة في العمارة.
ولكن هناك شئ لافت في هذه التفجيرات،وهو أن الإئتلاف القطري”السوري” المعارض قام بإدانتها ووصفها بالإرهابية،وهذا إما لأن معاذ الخطيب قد بدأ يشعر بعدم رضا النفط عن مبادرته التي أطلقها بضوء أخضر أمريكي ويتم محاولة قطع الطريق عليها،أو أن جبهة النصرة التي لا تعترف بالخطيب أصلاً توجه له تحذيراً بالإستمرار في سلوك طريق التسوية،وأن إغتيال الخطيب قد يُصبح قريباً على جدول أعمال النصرة،وبهذا المنطق فإن الرسالة الأولى من هذا التفجير هي للخطيب وإئتلافه وليست للنظام،فالنظام يبعث رسائله من خلال صنائع الجيش العربي السوري على الأرض،ويستقبلها في صندوق بريد إمساكه بمفاصل السياسات الدولية والمصالح الكبرى للدول العظمى.
تفجيرات دمشق تُجاهر بالحقيقةوأما الدم الذي سفحته اليوم تلك الأيادي الآثمة ،فسيظل لعنة تلاحق من سفكه بدم بارد ودون أن يرف له جفن، وسيكون نبراساً في الطريق نحو قمم المجد وأعالي الإنتصارات، وستظل الشمس تشرق من الشام لتنير أرجاء الكون ، فالشمس لا تنطفئ بأفواههم مهما نفخوا وستشرق يوماً ولو كره الكافرون.
خاص بانوراما الشرق الاوسط
ايهاب زكي
بانوراما الشرق الاوسط