عندما يعترف الرجل باستعداده لضرب امرأة
أن يكون رجل ما على استعداد لأن يرفع يده على امرأة تحت أي ظرف ، فهذا نتاج لمجتمع همجي لا ينتج غير بلطجية ، وإن حصلوا على شهادات عليا وشغلوا أعلى الوظائف . وأن تقبل امرأة ما بضرب الرجل لها تحت أية علاقة بينهما ، فهذا يعني أن همجية هذا المجتمع تقوم على أساس نظام من الرق باطن في كل أنماط العلاقات الاجتماعية فيه ، وفي هذه الحالة لا يمكن – بالمقاييس الإنسانية – أن نعد هذا الرجل رجلا ، ولا هذه المرأة امرأة ، وبالتالي فليس ثمة مجتمع ولا من يحزنون ، ولا يجب أن يندهش أحد من أن تكون أكثر الأمراض الاجتماعية شيوعا طرفها المجني عليه هو المرأة بدءا من التحرش إلى الاغتصاب إلى بيع الأطفال بوثيقة عقد زواج وبين الثلاثة ما بينها من بشاعات .
ويتوزع موقف المجني عليها ، في هذا المجتمع (مع وضع علامة نفي لائقة به) ، بين الرضا والقبول على مضض ورفض الشكل ، وفي أفضل الأحوال التفاوض على تحسين شروط العبودية وحسب . في مثل هذا المجتمع قد يرفع البعض خطأ شعار الحرية ، بينما ما هو أدنى منها ما زال مفقودا ، وأعني التحرر . إن الحرية حالة ، أما التحرر ففعل ، ولا يمكن أن ندخل إلى حالة الحرية دون أن نمارس فعل التحرر السيكولوجي من قانون “السيد – الأمة” ، إذ يجب أن نكون أحرارا قبل المطالبة بأن نعيش حالة الحرية .
وأعجب صور القفز على مقتضيات الحرية ، أن نطالب بالحريات السياسية ، بينما نحن نعيش مجتمع العبودية وفي أكثر اشكالها فجاجة في التاريخ ، وأعني العبودية المقنعة التي تسمح بقدر غير هين بها ، فالعبودية الصريحة تدفع العبيد للتفكير في تحررهم من ربقتها ، أما الحرية الطوعية فلا أمل في التحرر منها ، فأية سخرية مُرَّ!ة تنطوي عليها دعوة العبيد الطوعيين اجتماعيا للحريات السياسية . وأي عجب أن يصعّد مجتمع العبيد الطوعيين أشد القوى ظلامية إلى سدة الحكم . إن ما نعيشه الآن على المستوى السياسي تقع مسئوليته على واقعنا الاجتماعي عموما ، وخصوصا على بعض هؤلاء الثوار في الشارع العبيد في بيوتهم ، هؤلاء هم الذين هزموا الثورة وهزموا أنفسهم .
وليس غريبا أن يكون التحرش بالمرأة وصولا لاغتصابها وسيلة السلطة الجديدة لضرب تظاهرات الشباب ضدهم ، ليس لمنعها من النزول والمشاركة ، بل لإعلام سيدها أن يحافظ على أمته مما يحدث لها ، فهي أخيرا مسئوليته . إنهم يعرفون سيكولوجيتنا لأنها هي نفسها سيكولوجيتهم أيضا . فماذا عليهم أن يضربوا بناتنا ونحن نضربهم وبالمنطق نفسه “الولاية عليهن” ، وبنفس المنطق يضربن زوجاتنا ونضربهن . وحتى الاغتصاب ، كم من زوج مارس حقه الشرعي عنوة مع زوجته فاغتصبها ولا فرق . فلنعترف : نحن مجتمع مريض ، ولنعترف : لن نتمتع بحريتنا السياسية ونحن عبيد اجتماعيا ، ولنعترف أننا مزدوجون (فصاميون) ومتناقضون ، فنقول أشياء ونفعل نقائضها ، الأمر الذي يؤدي إلى أن تكون ثورتنا على ما هي عليه دم شهداء يؤدي الطريق الذي سال فيه يؤدي إلى الاستبداد .
والشفاء من أمراضنا الاجتماعية ممكن جدا ، فيمكن أن نتحرر ونطالب بحريتنا في الوقت نفسه وبالشعارات نفسها ، وكلا الأمرين ثورة ، فلنتظاهر ضد استبداد النظام السياسي ولنطالب بإسقاطه ، بينما نقوض في دواخلنا دعائمه االسيكولوجية ، بإسقاط نظام استبدادنا الاجتماعي ، فمن يرتضي الاستبداد الاجتماعي ليس من حقه أن يقاوم الاستبداد السياسي ، وإن طالب به فإن نتيجة مطالبته ستكون مزيدا من الفشل مزيدا من الاستبداد .
أ.د.محمد فكري الجزار
بانوراما الشرق الاوسط