انتصري سوريا .. تهزمهم مصر وتونس
مما لا شك فيه أن العلاقة العضوية التي تنظم وحدة الإخوان في العالم تنظيما وهدفا تجعل لمعركتهم ، في مكان ما تداعياتها في بقية البلاد التي يوجدون فيها . وقد كانت انتصاراتهم السياسية ، في تونس ومصر ، حافزا قويا لتمردهم المسلح في سوريا . والآن ، هو ذا الحافز يتحول إلى مؤثر وفي الدول التي كانت حافزا من قبل ، وبخاصة أن وضع الإخوان فيها لم يزل قلقا ، وأن الشارع الثوري لم يزل يواصل فعالياته ضد سلطتهم ، وهو الأمر الذي يعرقل مشروع تحولهم من سلطة إلى نظام فيهما ، فيما يطلقون عليه مصطلحهم الفضيحة : “التمكين” .
إن تحول الإخوان من المعارضة إلى الحكم تم بوسائل ديمقراطية في ظاهر الأمر ، أو لنقل بوسائل سلمية . بينما اختلف الأمر في سوريا ، نظرا لخصوصية الموقع السوري من قضية الصراع العربي – الصهيوني ومركزيتها في دعم المقاومة سواء اللبنانية أو الفلسطينية ، فوجدوا أعداء القضية العربية ، من كل جنس ولون ، بانتظارهم ليدعموهم بالمال والسلاح والإعلام وحتى الخبراء العسكريين عربيا وغربيا . فلا عجب أن يكون التمرد المسلح أول خيارات الإخوان ، وأعتقد أن هذا الخيار كان قرار مجلس شوراهم العالمي وليس مرشدهم الإقليمي .
لماذا هذا الخيار وحده وأولا ؟ لأسباب منها ما يخص سوريا ومنها ما يخص مصر وتونس . أما ما يخص سوريا ، فحركة الاحتجاج السلمي تحصر العلاقة بين النظام والمعارضة في مجموعة من المطالب ، وبالرغم من أن هذه المطالب قادرة على اجتذاب مؤيدين لها ليسوا إخوانا ، بما يجعل استجابة النظام لها كلها أو معظمها إهدارا لفرصة الإخوان في الاستيلاء على الحكم ، خصوصا أنه من المؤكد أن الطبيب الشاب المثقف الذي يحكم في سوريا قد استوعب درس عدم الاستجابة للمطالب الشعبية . لقد أهدروا القيمة الإنسانية للثورة الشعبية ، اختاروا ما هو أشبه بالجريمة ، بل هو إياها ، بناء على أهدافهم . ومن السهل اليسير تعويض نقصهم العددي بانضمام الإخوان في العالم إليهم ، بمن فيهم إخوان مصر وتونس لهدفين ، أولهما : النصرة ، والآخر : التدريب العسكري عمليا .
أما ما يخص مصر وتونس ، فيمثل نجاح التمرد المسلح بإسقاط النظام السوري ، في ظل عدم استقرار وضع الإخوان في هذين البلدين ، أملا جديدا لهم في وجود خيار ناجح يلجأون إليه إذا تهدد حكمهم بشكل سلمي . والدعم الإقليمي موجود سواء من الحدود الشمالية الشرقية حيث حماس في غزة وفي الجنوب حيث البشير في السودان ، هذا فضلا عن دعم تركيا وأمريكا ، ليس لانتصار الإخوان هذه المرة ، بل لصناعة الفوضى وخصوصا في مصر .
إن علاقة المصير بين سوريا ومصر تتجلى اليوم بأكثر مما تجلت من قبل ، فانتصار سوريا الشعب والجيش والنظام سيعني وبشكل لا لبس فيه جدا هزيمة الخيار المسلح للإخوان في مصر وتونس وإسقاطه قبل اللجوء إليه ، وبالتالي سيضطر الإخوان ، إن ظلوا في الحكم ، إلى الاستجابة لمطالب الشارع الثوري ضرورة أو الرحيل .. إذن ، على سوريا أن تنتصر من أجل القضايا العربية ، كل القضايا العربية ، ومن أجل مصر وتونس ، بل كل البلاد العربية .. انتصري سوريا تهزمهم مصر وتونس ، وينهزمون في كل مكان .
لقد آن أوان تطهر الجسد العربي من هذا الورم الخبيث الذي عاث فيه عشرات السنين ، فأجل حسم قضايانا كلها عشرات السنين أيضا .
أ.د.محمد فكري الجزار
بانوراما الشرق الاوسط