ورد الشام

ورد الشام
عزيزي الزائر
هنالك فرق في التصفح كـ زائر والتصفح كــ صديق مسجل مع أننا أتحنا كل أقسام ورد الشام لكي يستفاد بها الجميع الزائرين
كثيرة المنتديات التي يسجل بها البعض ولكن قد يهمل دخولهم وتسجيلهم
هنا في ورد الشام
جرب أن تهتم وسوف نهتم


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ورد الشام

ورد الشام
عزيزي الزائر
هنالك فرق في التصفح كـ زائر والتصفح كــ صديق مسجل مع أننا أتحنا كل أقسام ورد الشام لكي يستفاد بها الجميع الزائرين
كثيرة المنتديات التي يسجل بها البعض ولكن قد يهمل دخولهم وتسجيلهم
هنا في ورد الشام
جرب أن تهتم وسوف نهتم

ورد الشام

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أجتماعي ثقافي أدبي ترفيهي


2 مشترك

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور


    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    عدد الرسائل : 29437
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty ما روي أن أهل الشام مرابطون

    مُساهمة من طرف waell الإثنين 28 يناير 2013 - 7:18

    ما روي أن أهل الشام مرابطون


    وأنهم جند الله الغالبون


    عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أهل الشام وأزواجهم وذراريهم وعبيدهم وإماؤهم إلى منتهى الجزيرة مرابطون في سبيل الله، فمن احتل منها مدينة فهو في رباط. ومن احتل منها ثغراً من الثغور فهو في جهاد".
    وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيفتح على أمتي من بعدي الشام وشيكاًن فإذا فتحها فاحتلها فأهل الشام مرابطون إلى منتهى الجزيرة، رجالهم ونساؤهم وصبيانهم وعبيدهم، فمن احتل سلاحاً من تلك السواحل فهو في جهاد، ومن احتل بيت المقدس وما حوله فهو في رباط".
    وعن أرطاة بن المنذر
    أن عمر قال لجلسائه: أي الناس أعظم أجراً? قال: فجعلوا يذكرون له الصوم والصلاة. قال: ويقولون: فلان وفلان بعد أمير المؤمنين. فقال: ألا أخيركم بأعظم الناس أجراً ممن ذكرتم، ومن أمير المؤمنين? قالوا: بلى. قال: رويجل بالشام آخذ بلجام فرسه، يكلأ من وراء، بيضة المسلمين، لا يدري أسبع يفترسه، أم هامة تلدغه، أو عدو يغشاه? فذلك أعظم أجراً ممن ذكرتم، ومن أمير المؤمنين.
    وعن إبراهيم اليماني قال: قدمت من اليمن فأتيت سفيان الثوري فقلت: يا أبا عبد الله، إني جعلت في نفسي أن أنزل جدة فأرابط بها كل سنة، واعتمر في كل شهر عمرة، وأحج في كل سنة حجة، وأقرب من أهلي، أحب إليك أم آتي الشام? فقال لي: يا أخا أهل اليمن. عليك بسواحل الشام، عليك بسواحل الشام. فإن هذا البيت يحجة في كل عام مائة ألف، ومئة ألف وثلاث مئة ألف، وما شاء الله من التضعيف، لك مثل حجهم وعمرهم ومناسكهم.
    وعن مالك بن أنس قال: قال لي أبو جعفر المنصور يوماً: ما على ظهرها أحد أعلم منك? قلت: بلى. قال: فسمهم لي. قلت: لا أحفظ أسماءهم. قال: قد طلبت هذا الشأن في زمان بني أمية فقد عرفته. أما أهل العراق فأهل إفك وباطل وزور. وأما أهل الشام فأهل جهاد وليس فيهم كثير علم. وأما أهل الحجاز ففيهم بقية العلم، وأنت عالم الحجاز.
    وعن خريم بن فاتك الأسدي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أهل الشام سوط الله تبارك وتعالى في أرضه ينتقم بهم ممن يشاء من عباده، حرام على منافقيهم أن يظهروا على مؤمنيهم، ولا يموتون إلا غماً وهماً.
    وعن عطاء بن السائب قال: سمعت عبد الرحمن الحضرمي، أيام ابن الأشعث يخطب، وهو يقول: يا أهل الشام، أبشروا فإن فلاناً أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يكون قوم من آخر أمتي يعطون من الأجر مثل ما يعطى أولهم، ويقاتلون أهل الفتن، ينكرون المنكر، وأنتم هم.
    وعن قتادة في قوله تعالى: "وإن جندنا لهم الغالبون" قال: هم أهل الشام.
    وعن كعب قال: أهل الشام سيف من سيوف الله، ينتقم الله بهم ممن عصاه في أرضه.
    وعن عون بن عبد الله بن عتبة قال: قرأت فيما أنزل الله عز وجل على بعض الأنبياء أن الله يقول: أهل الشام كنانتي، فإذا غضبت على قوم رميتهم منها بسهم.
    وعن أبي كبر النهشلي قال: كنت في الجمع يعني جمع الكوفة يوم جاء أهل الشام يقاتلون أهل الكوفة، فإذا شيخ حسن الخضاب، حسن الهيئة، على دابة له، وهو يقول: اللهم لا تنصرنا عليهم، اللهم فرق بيننا وبينهم، اللهم، اللهم. قال: قلت: يا عبد الله، ألا تتقي الله? ألا تخرج ترى قوماً قد جاؤوا يريدون يقاتلون مقاتلتنا ويسبون ذرارينا، وأنت تقول: اللهم لا تنصرنا عليهم، اللهم، اللهم. قال: ويحك، إني سمعت عبد الله بن مسعود يقول: لا يغلب أهل الشام إلا شرار الخلق.
    وعن زيد بن واقد قال: سمعت مكحولاً يقول: الحمد لله الذي أطعمنا الطعام، وأسقانا الشراب، وجعلنا من أهل الشام، ويا رب لا تبقني بعد هشام.




    صفحة 26+27

    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    عدد الرسائل : 29437
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty ما جاء أن بالشام تكون الأبدال

    مُساهمة من طرف waell الإثنين 28 يناير 2013 - 7:21

    ما جاء أن بالشام تكون الأبدال


    عن شريح بن عبيد قال: ذكر الشام عند علي بن أبي طالب وهو بالعراق فقالوا: العنهم يا أمير المؤمنين. قال: لا، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألأبدال يكونون بالشام، وهم أربعون رجلاً، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً، فيسقى بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب".
    وعن شهر بن حوشب قال: لما فتحت مصر سبوا أهل الشام، فأخرج عوف بن مالك رأسه من برنسه ثم قال: يا أهل مصر، أنا عوف بن مالك، لا تسبوا أهل الشام، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فيهم الأبدال، وبهم تنصرون، وبهم ترزقون.
    وعن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البدلاء أربعون: اثنان وعشرون بالشام، وثمانية عشر بالعراق. كلما مات منهم واحد أبدل الله تبارك وتعالى مكانه آخر، فإذا جاء الأمر قبضوا كلهم، فعند ذلك تقوم الساعة".
    وعن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم ?قال: "دعائم أمتي عصائب اليمن، وأربعون رجلاً من الأبدال بالشام، كلما مات رجل أبدل الله مكانه، أما إنهم لن يبلغوا ذلك بكثرة صلاة ولا صيام، ولكن بسخاء الأنفس، وسلامة الصدور، والنصيحة للمسلمين".
    وعن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من المدينة هارباً إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال أهل الشام، وعصائب أهل العراق فيبايعونه. ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب، فيبعث إليهم بعثاً فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب، فيقسم المال، ويعمل فيهم بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويلقى الإسلام بجرانه إلى الأرض، فيمكث سبع سنين، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون.
    وفي رواية تسع سنين.
    وعن ابن عباس يرفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مكة آية الشرف، والمدينة معدن الدين، والكوفة فسطاط الإسلام، والبصرة فخر العابدين، والشام معدن الأبرار، ومصر عش إبليس وكهفه ومستقره، والسند مداد إبليس، والزاني في الزنج، والصدق في النوبة، والبحرين منزل مبارك، والجزيرة معدن القتل، وأهل اليمن أفئدتهم رقيقة، ولا يعدمهم الرزق، والأئمة من قريش، وسادة الناس بنو هاشم.
    وعن علي رضي الله عنه قال: قبة الإسلام بالكوفة، والهجرة بالمدينة، والنجباء بمصر، والأبدال بالشام، وهم قليل.
    قال كعب: الأبدال ثلاثون.
    وفي حديث آخر: الأبدال بالشام، والنجباء بالكوفة.
    وفي آخر: والأخيار من أهل العراق.
    وعن علي عليه السلام قال: إذا قام قائم آل محمد جمع الله له أهل المشرق وأهل المغرب، فيجتمعون كما يجتمع قزع الخريف، فأما الرفقاء فمن أهل الكوفة، وأما الأبدال فمن أهل الشام.
    وعن علي أنه قال وهو بالكوفة: ما أشد بلايا الكوفة، لا تسبوا أهل الكوفة، فوا لله إن فيهم لمصابيح الهدى، وأوتاد ذكر، ومتاعاً إلى حين، والله ليذقن الله بهم جناح كفر لا ينجبر أبداً. إن مكة حرم إبراهيم، والمدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم والكوفة حرمي. وما من مؤمن إلا وهو من أهل الكوفة، أو هواه لينزع إليها. إلا إن الأوتاد من أبناء الكوفة، وفي مصر من الأمصار، وفي أهل الشام أبدال.
    وعن الحسن البصري قال: لن تخلو الأرض من سبعين صديقاً، وهم الأبدال، لا يهلك منهم رجل إلا أخلف مكانه مثله، أربعون بالشام، وثلاثون في سائر الأرضين.
    وعن أم عبد الله بنة خالد بن معدان عن أبيها قالت: قالت الأرض للرب تبارك وتعالى: كيف تدعني وليس علي نبي? قال: سوف أدع عليك أربعين صديقاً بالشام.
    وقال الفضيل بن فضالة: الأبدال بالشام: في حمص خمسة وعشرون رجلاً، وفي دمشق ثلاثة عشر، وببيسان اثنان.
    وقال الحسن بن يحيى: بدمشق من الأبدال سبعة عشر نفساً، وببيسان أربعة.
    وعن ابن شوذب قال: الأبدال سبعون: فستون بالشام، وعشرة بسائر الأرضين.
    وعن عثمان بن عطاء عن أبيه عطاء قال: الأبدال أربعون إنساناً. قال: قلت له: أربعون رجلاً? قال: لا تقل أربعين رجلاً، ولكن قل أربعين إنساناً، لعل فيهم نساء.
    وقال أبو سليمان: المجتهدون بالبصرة، والفقهاء بالعراق، والزهاد بخراسان، والبدلاء بالشام.
    وقال الكتاني: النقباء ثلاث مئة، والنجباء سبعون، والبدلاء أربعون، والأخيار سبعة، والعمد أربعة، والغوث واحد. فمسكن النقباء المغرب، ومسكن النجباء مصر، ومسكن الأبدال الشام، والأخيار سياحون في الأرض، والعمد في زوايا الأرض، ومسكن الغوث مكة. فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة، ابتهل فيها النقباء ثم النجباء ثم الأبدال ثم الأخيار ثم العمد. فإن أجيبوا، وإلا ابتهل الغوث، فلا تتم مسألته حتى تجاب دعوته.
    حديث شيخ من أهل صنعاء من جلساء وهب بن منبه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله، أين بدلاء أمتك? فأومأ بيده نحو الشام. قال: قلت: يا رسول الله، أما بالعراق منهم أحد? قال: بلى، محمد بن واسع، وحسان بن أبي سنان، ومالك بن دينار الذي يمشي في الناس بمثل زهد أبي ذر في زمانه.
    وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خيار أمتي خمس مئة، والأبدال أربعون. كلما مات بديل أدخل الله مكانه من الخمس مئة، وأدخل في الأربعين مكانهم، فلا الخمس مئة ينقصون، ولا الأربعون ينقصون. قالوا: يا رسول الله، دلنا على أعمال هؤلاء. قال: يعفون عمن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، ويواسون فيما آتاهم الله، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين".
    وفي رواية آخرى: خيار أمتي في كل قرن.
    وعن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله عز وجل في الخلق ثلاث مئة، قلوبهم على قلب آدم عليه السلام، ولله تعالى في الخلق أربعون، قلوبهم على قلب موسى عليه السلام. ولله في الخلق سبعة، قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام، ولله تعالى في الخلق خمسة، قلوبهم على قلب جبريل عليه السلام، ولله تعالى في الخلق ثلاثة، قلوبهم على قلب ميكائيل عليه السلام، ولله في الخلق واحد، قلبه على قلب إسرافيل عليه السلام. فإذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله مكانه من الخمسة، وإذا مات من الخمسة أبدل الله مكانه من السبعة، وإذا مات من السبعة أبدل الله مكانه من الأربعين، وإذا مات من الأربعين أبدل الله مكانه من الثلاثة مئة، فإذا مات من الثلاثة مئة أبدل الله مكانه من العامة. فبهم يحيي ويميت ويمطر ويقيت، ويدفع البلاء.
    قيل لعبد الله بن مسعود: كيف بهم يحيي ويميت? قال: لأنهم يسألون الله عز وجل إكثار الأمم فيكثرون، ويدعون على الجبابرة فيقصمون، ويستسقون فيسقون، ويسألون فتنبت لهم الأرض، ويدعون فتدفع بهم أنواع البلاء.
    وعن أبي الزناد قال: لما ذهبت النبوة، وكانوا أوتاد الأرض أخلف الله مكانهم أربعين رجلاً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يقال لهم الأبدال، لا يموت الرجل منهم حتى ينشئ الله مكانه آخر يخلفه، وهم أوتاد الأرض، قلوب ثلاثين منهم على مثل يقين إبراهيم، لم يفضلوا الناس بكثرة الصلاة ولا بكثرة الصيام، ولا بحسن التخشع، ولا بحسن الحلية، ولكن بصدق الورع، وحسن النية، وسلامة القلوب، والنصيحة لجميع المسلمين، ابتغاء مرضاة الله، بصبر دجير، ولب حليم، وتواضع في غير مذلة. واعلم أنهم لا يلعنون شيئاً، ولا يؤذون أحداً، ولا يتطاولون على أحد تحتهم، ولا يحقرونه، ولا يحسدون أحداً فوقهم، ليسوا بمتخشعين ولا متماوتين، ولا معجبين، لا يحيون لدنيا، ولا يحبون الدنيا، ليسوا اليوم في وحشة، وغداً في غفلة.

    صفحة 27+28+29

    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    عدد الرسائل : 29437
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty نفي الخير عند فساد أهل الشام

    مُساهمة من طرف waell الإثنين 28 يناير 2013 - 7:24

    نفي الخير عند فساد أهل الشام


    ما جاء في نفي الخير عند فساد أهل الشام


    عن معاوية بن قمرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا هلك أهل الشام فلا خير في أمتي، ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقاتلوا الدجال.
    وفي رواية عنه: إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، ولن تزال طائفة من أمتي منصورين، لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة.
    وعن الحسن أنه قال: خيار أهل الشام خير من خياركم، وشرار أهل الشام خير من شراركم. قالوا: لم تقول هذا يا أبا سعيد? قال: لأن الله تعالى قال: "ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين


    صفحة 29

    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    عدد الرسائل : 8386
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty رد: مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور

    مُساهمة من طرف مآآآري الإثنين 28 يناير 2013 - 22:20

    الف شكر بجد كتاب حلو وشيق كتيروخاصه المعلومات الموجوده فيه
    معلومات جديده وبصراحه تفرح كثيرا
    شامنا التي اوصى بها رسولنا الحبيب
    ستنتصر لا يمكن ان تركع الشام وهي كنانه الله على الارض


    a2

    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    عدد الرسائل : 29437
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty نفي الخير عند فساد أهل الشام

    مُساهمة من طرف waell الثلاثاء 29 يناير 2013 - 11:29

    نفي الخير عند فساد أهل الشام
    ما جاء في نفي الخير عند فساد أهل الشام
    عن معاوية بن قمرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا هلك أهل الشام فلا خير في أمتي، ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقاتلوا الدجال.
    وفي رواية عنه: إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، ولن تزال طائفة من أمتي منصورين، لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة.
    وعن الحسن أنه قال: خيار أهل الشام خير من خياركم، وشرار أهل الشام خير من شراركم. قالوا: لم تقول هذا يا أبا سعيد? قال: لأن الله تعالى قال: "ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين".


    صفحة 29

    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    عدد الرسائل : 29437
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty ما جاء من أن بالشام تكون بقايا العرب

    مُساهمة من طرف waell الثلاثاء 29 يناير 2013 - 11:31

    ما جاء من أن بالشام تكون بقايا العرب
    عن أبي هريرة قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل معاذ بن جبل أو سعد بن معاذ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه: إني لأرى في وجهه لأحيى طالع. قال: فجاء حتى سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبشر يا رسول الله، فقد قتل الله كسرى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله كسرى، ثلاثاً، ثم قال: إن أول الناس فناء، أو هلاكاً، فارس، ثم العرب من ورائها، ثم أشار بيده قبل الشام، إلا بقية هاهنا".
    وفي رواية: أول الناس هلاكاً فارس، ثم العرب، إلا بقايا هاهنا يعني الشام.


    صفحة 29

    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    عدد الرسائل : 29437
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty باب انحياز بقية المؤمنين آخر الزمان إلى الشام

    مُساهمة من طرف waell الثلاثاء 29 يناير 2013 - 11:34

    باب انحياز بقية المؤمنين آخر الزمان إلى الشام
    عن القاسم بن عبد الرحمن قال: مد الفرات على عهد عبد الله بن مسعود، فكره الناس ذلك، فقال عبد الله: يا أيها الناس لا تكرهوا مده فإنه يوشك أن يلتمس فيه ملء طست من ماء فلا يوجد، وذلك حين يرجع كل ماء إلى عنصره. ويكون الماء وبقية المؤمنين بالشام.
    وعن عبد الله بن عمرو قال: يأتي على الناس زمان، لا يبقى على الأرض مؤمن إلا لحق بالشام.
    وعن أبي أمامة قال: لا تقوم الساعة حتى يتحول أشرار الناس إلى العراق، وخيار أهل العراق إلى الشام، حتى تكون الشام شاماً والعراق عراقاً.


    وعن شرحبيل بن مسلم عن أبيه قال: بلغنا أنه لن تقوم الساعة حتى يخرج خيار أهل العراق إلى الشام، ويخرج شرار أهل الشام من الشام إلى العراق، فأكره أن يدركني أجلي وأنا بالعراق

    صفحة 29+30

    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    عدد الرسائل : 29437
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty ما ذكر من تمسك أهل الشام بالطاعة

    مُساهمة من طرف waell الثلاثاء 29 يناير 2013 - 11:40

    ما ذكر من تمسك أهل الشام بالطاعة
    عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دخل إبليس العراق فقضى حاجته منها، ثم دخل الشام فطردوه حتى بلغ بساق، ثم دخل مصر فباض فيها وفرخ وبسط عبقريه.
    وفي رواية: حتى بلغ جبل بساق.
    وعن ابن عمر قال: نزل الشيطان بالمشرق فقضى قضاء، ثم خرج يريد الأرض المقدسة الشام، فمنع، فخرج على بساق، حتى جاء المغرب فباض بيضة، وبسط بها عبقريه.
    وعن محرز أبي حارثة القيني وأبي عثمان الغساني يعني: يزيد بن أسيد قالا: لما قدم كتاب عثمان إلى أهل الشام في القراءة قالوا: سمعنا وأطعنا، وما اختلف في ذلك اثنان. انتهوا إلى ما اجتمعت عليه الأمة، وعرفوا فضله.
    وعنهما: أن معاوية قال لابن الكواء: أخبرني عن أهل الأحداث من أهل الأمصار. فذكره إلى أن قال: وأما أهل الأحداث من أهل الشام فأطوع الناس لمرشدهم، وأعصاهم لمغويهم.
    وعن أم الدرداء قالت: قدم أبو الدرداء على عثمان حاجاً، فقال له عثمان: يا أبا الدرداء، إني قد استنكرت من يليني، ولم أسأل أحداً من أهل الآفاق عمن يليه إلا وقد وجدته استنكر من يليه، فما أعرف شيئاً، فكيف بكم? فقال: ما يعصينا أهل بلادنا ولا يستبدون علينا.
    قال: فلزمها، فوا لله لنقلن الله الأمر إليكم، فقد استنكرت الأشياء، فما تعرف إلا الصلاة يا أبا الدرداء، وإنها من آخر ما ينكر من هذا الأمر.
    وعن عبد الملك بن عمير قال: كان عامة خطبة يزيد بن أبي سفيان وهو على الشام: عليكم بالطاعة والجماعة، فمن ثم لا يعرف أهل الشام إلا الطاعة.
    وعن زهير بن الأرقم قال: خطبنا علي بن أبي طالب فقال: ألا إن بسراً قد طلع من قبل معاوية، ولا أرى هؤلاء القوم إلا سيظهرون عليكم باجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم، وبطاعتهم أميرهم ومعصيتكم أميركم، وبأدائهم الأمانة وبخيانتكم. استعملت فلاناً فغل وغدر، وحمل المال إلى معاوية، واستعملت فلاناً فخان وغدر، وحمل المال إلى معاوية حتى لو ائتمنت أحدكم على قدح خشيت على علاقته. اللهم إني قد أبغضتهم وأبغضوني، فأرحهم مني، وأرحني منهم.
    وعن خباب بن عبد الله.
    أن معاوية بعث خيلاً فأغارت على هيت والأنبار، فاستنفر علي الناس، فأبطؤوا وتثاقلوا، فخطبهم فقال: أيها الناس، المجتمعة أبدانهم المتفرقة أهواؤهم، ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، كلامكم يوهي الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم، فإذا دعوتكم إلى المسير أبطأتم وتثاقلتم، وقلتم: كيت وكيت، أعاليل أباطيل. سألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول، حيدي حياد، لا يمنع الضيم الذليل، ولا يدرك الحق إلا بالجد والصدق، فأي دار بعد داركم تمنعون? ومع أي إمام بعدي تقاتلون? المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، أصبحتم والله لا أصدق قولكم، ولا أطمع في نصركم. فرق الله بيني وبينكم، وأعقبني بكم من هو خير لي منكم، وأعقبكم مني من هو شر لكم مني أما إنكم ستلقون بعدي ثلاثاً: ذلاً شاملاً، وسيفاً قاطعاً، وأثرة قبيحة، يتخذها فيكم الظالمون سنة، فتبكي لذلك أعينكم ويدخل الفقر بيوتكم. وستذكرون عند تلك المواطن، فتودون أنكم رأيتموني، وهرقتم دماءكم دوني، فلا يبعد الله إلا من ظلم. والله لوددت أني أقدر أن أصرفكم صرف الدينار بالدراهم، عشرة منكم برجل من أهل الشام.
    فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إنا وإياك كما قال الأعشى: البسيط.



    علقتها غرضاً وعلـقـت رجـلاً

    غيري وعلق أخرى غيرها الرجل
    علقنا بحبلك، وعلقت أنت بأهل الشام، وعلق أهل الشام معاوية.
    وعن دغفل قال: قال المال: أنا أسكن العراق، فقال الغدر: أنا أسكن معك. وقالت الطاعة: أنا أسكن الشام، قال الجفاء: أن أسكن معك. قال العيش: أنا أسكن مصر، قال الموت: أنا أسكن معك. وقالت المروءة: أنا أسكن الحجاز، فقال الفقر: وأنا أسكن معك.
    قال أبو زكريا- يعني يحيى بن عثمان بن صالح: وسمعت أنه كان مكتوباً على صخرة بباب العريش يقرؤه من دخل مصر: ادخل إلى بلد وفي، وعيش رخي، وموت وحي.
    وعن إسماعيل بن يسار قال:
    لو أنزل أخوان من حصن، فسكن أحدهما الشام، وسكن الآخر العراق، ثم لقيت الشامي لوجدته يذكر الطاعة وأمر الطاعة والجهاد، ولو لقيت الآخر لوجدته يسأل عن السنة، يقول: كيف سنة كذا وكذا? وكيف الأمر في كذا وكذا? قال أبو هانئ المكتب: سئل عامر عن قتال أهل العراق وأهل الشام، فقال عامر: لا يزالون يظهرون علينا أهل الشام لأنهم جهلوا الحق واجتمعوا، وعلمتم وتفرقتم. فلم يكن الله ليظهر أهل فرقة على جماعة أبداً.
    وعن سليمان بن موسى قال: إذا كان علم الرجل حجازياً، وخلقه عراقياً، وطاعته شامية فقد كمل.
    وعن سليمان بن موسى قال: إذا وجدت الرجل علمه علم حجازي، وسخاؤه سخاء عراقي، واستقامته استقامة شامي فهو رجل.
    وعن عبد الله بن الربيع قال: قال أبو جعفر لإسماعيل بن عبد الله: صف لي الناس، فقال: أهل الحجاز مبتدأ الإسلام وبقية العرب، وأهل العراق ركن الإسلام ومقاتلة عن الدين، وأهل الشام حصن الأمة وأبنية الأئمة، وأهل خراسان فرسان الهيجاء وأعنة الرجاء، والترك منابت الحصون وأبناء المغازي، وأهل الهند حكماء، استغنوا ببلادهم فاكتفوا بها عما سواها، والروم أهل كتاب وتدين نحاهم من القرب إلى البعد، والأنباط كان ملكهم قديماً فهم لكل قوم عبيد. قال: فأي الولاة أفضل? قال: الباذل للعطاء، والمعرض عن السيئة. قال فأيهم أخرق? قال: أنهكهم للرعية، وأتعبهم لها بالخرق والعقوبة. قال: فالطاعة على الخوف أبلغ في حاجة الملك أم الطاعة على المحبة? قال: يا أمير المؤمنين، الطاعة عند الخوف تسر الغدر، وتتابع عند المعاينة. والطاعة على المحبة تضر الاجتهاد، وتنابع عند الغفلة. قال: فأي الناس أولاهم بالطاعة? قال: أولاهم بالمضرة والمنفعة، قال: ما علامة ذلك? قال: سرعة الإجابة وبذل النفس. قال: فمن ينبغي للملك أن يتخذه وزيراً? قال: أسلمهم قلباً، وأبعدهم من الهوى.
    قال أبو الحسن الميموني: ذكر أبو عبد الله كورة من نحو الشام، فقال: قدرية، ويتكلمون به في مساجدهم، ويتعرضون للناس. ولكن أهل دمشق وأهل حمص خاصة أصحاب سنة، وهم إن رأوا الرجل يخالف السنة أخرجوه من بينهم. كانت حمص مسكن ثور بن يزيد. فلما عرفوه بالقدر أخرجوه من بينهم، فسكن بيت المقدس.


    صفحة 30+31

    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    عدد الرسائل : 29437
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty ذكر توثيق أهل الشام بالرواية وعلمهم

    مُساهمة من طرف waell الثلاثاء 29 يناير 2013 - 11:42

    ذكر توثيق أهل الشام بالرواية وعلمهم
    قال جبير بن نفير: دخلنا على عبد الله بن عمر نسأله ونسمع منه، فقال لنا: إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بشيراً ونذيراً، فاتبعته ناصية من الناس. كان الرجل يخرج من بين أبويه فيبايعه، فقاتلوا على الدين حتى أمن الله الناس، وحتى لزموا كلمة الحق. فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم تشايع الناس وتحزبوا، فقامت تلك الناصية، فقاتلوا الناس حتى ردوا الناس إلى كلمة الإسلام، وحتى قالوا: لا إله إلا الله وإن نبيكم صلى الله عليه وسلم حق. فلما اجتمعوا انطلق تلك الناصية براية محمد صلى الله عليه وسلم ومعهم الشرائع التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم والهجرة، مهاجرين حتى نزلوا الشام وتركوا الناس أعراباً. فمن رآهم فلم يتعلم من هديهم وينتهي إليه، وعمي عنه ثم ابتغاه من الأعراب فهو أقل علماً وأشد عمى.
    وعن الزهري قال: قالت عائشة: يا أهل العراق، أهل الشام خير منكم، خرج إليهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير، فحدثونا بما نعرف، وخرج إليكم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قليل فحدثتمونا بما نعرف وما لا نعرف.
    قال: وقال الزهري: إذا سمعت بالحديث العراقي فاردد به، ثم اردده.
    وقال البيهقي: فأرود به، ثم أرود به. وهو الصواب.
    قال الوليد بن مسلم: دخلت الشام عشرة آلاف عين رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وعن إبراهيم قال: لقيني شامي فقال: إن مصحفنا ومصحف أهل البصرة أثبت من مصحف أهل الكوفة. قال: قلنا: لم? قال: لأن أهل الكوفة عوجلوا، ويقرؤون على قراءة عبد الله فعوجل مصحفهم قبل أن يعرض ومصحفنا ومصحف أهل البصرة لم يبعث به حتى عرض.
    وعن أبي عبيد الله مسلم بن مشكم قال: قال لي أبو الدرداء:
    اعدد من يقرأ عندنا، يعني في مجلسنا هذا، قال أبو عبيد الله: فعددت ألفاً وست مئة ونيفاً، فكانوا يقرؤون ويتسابقون عشرة عشرة، لكل عشرة منهم مقرئ. وكان أبو الدرداء قائماً يستفتونه في حروف القرآن يعني المقرئين فإذا أحكم الرجل من العشرة القراءة تحول إلى أبي الدرداء. وكان أبو الدرداء يبتدئ في كل غداة إذا انفتل من الصلاة، فيقرأ جزاً من القرآن، وأصحابه محدقون به يسمعون ألفاظه، فإذا فرغ من قراءته جلس كل رجل منهم في موضعه، وأخذ على العشرة الذين أضيفوا إليه، وكان ابن عامر مقدماً فيهم.
    وعن يزيد بن أبي مالك عن أبيه قال: كان أبو الدرداء يأتي المسجد ثم يصلي الغداة ثم يقرأ في الحلقة ويقرئ، حتى إذا أراد القيام قال لأصحابه: هل من وليمة نشهدها أو عقيقة أو فطرة? فإن قالوا: نعم قام إليها، وإن قالوا لا قال: اللهم إني أشهدك أني صائم.
    وإن أبا الدرداء هو الذي سن هذه الحلق يقرأ فيها.
    وقال الشيخ، وهو أبو عمرو الكلبي: عهدت المسجد الجامع يعني بدمشق وإن عند كل عمود شيخاً، وعليه الناس يكتبون العلم.
    وقال الأوزاعي: كانت الخلفاء بالشام، فإذا كانت بلية سألوا عنها علماء أهل الشام وأهل المدينة، وكانت أحاديث العراق لا تجاوز جدر بيوتهم.
    وقال سفيان بن عيينة: من أراد المناسك فعليه بأهل مكة، ومن أراد مواقيت الصلاة فعليه بأهل المدينة، ومن أراد السير فعليه بأهل الشام، ومن أراد شيئاً لا يعرف حقه من باطله فعليه بأهل العراق.
    وفي حديث آخر عنه قال: من أراد الإسناد والحديث الذي يسكن إليه فعليه بأهل المدينة، ومن أراد المناسك والعلم بها والمواقيت فعليه بأهل مكة، ومن أراد المقاسم وأمر الغزو فعليه بأهل الشام، ومن أراد شيئاً لا يعرف حقه من باطله فعليه بأهل العراق.
    وقال الشافعي: إن أردت الصلاة يعني فعليك بأهل المدينة، وإن أردت المناسك فعليك بأهل مكة، وأن أردت الملاحم فعليك بأهل الشام، والراي عن أهل الكوفة.
    وقال ابن المبارك: ما دخلت الشام إلا لاستغني عن حديث أهل الكوفة.
    وقال موسى بن هارون: أهل البصرة يكتبون لعشر سنين، وأهل الكوفة لعشرين، وأهل الشام لثلاثين.
    وقال أبو عبد الله الزبيري: نسخت كتب الحديث في العشرين لأنها مجتمع العقل. قال: وأحب أن يشتغل دونها بحفظ القرآن والفرائض.
    وقال عطاء الخراساني: ما رأيت فقيهاً أفقه إذا وجدته من شامي.
    قال صدقة بن خالد: قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: كان يقال: من أراد العلم فلينزل بداريّا بين عنس وخولان.
    زاد غيره عن يزيد بن محمد، قال يزيد: عنس وخولان قريتان بدمشق، فيهما مسجدان. يتجمع في واحد عنس وفي واحد خولان. فإذا كان هذا في أهل داريّا وهي قرية من قرى دمشق فما ظنك بأهل البلد الكبير الذي يحوي الخلق ؟


    صفحة 31+32
    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29437
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65575
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty باب صفة أهل الشام بالدين والثقة

    مُساهمة من طرف waell الثلاثاء 29 يناير 2013 - 11:46

    باب صفة أهل الشام بالدين والثقة


    عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: باعت امرأة طستاً في سوق الصفر بدمشق، فوجده المشتري ذهباً فقال لها: أما إني لم أشتره إلا على أنه صفر وهو ذهب، فهو لك. فقالت: ما ورثناه إلا على أنه صفر، فإن كان ذهباً فهو لك. قال: فاختصما إلى الوليد بن عبد الملك، فاحضر رجاء بن حيوة فقال: انظر فيما بينهما. فعرضه رجاء على المرأة فأبت أن تقبله، وعرضه على الرجل فأبى أن يقبله. فقال: يا أمير المؤمنين، أعطها ثمنه واطرحه في بيت مال المسلمين.
    وعن يزيد بن جابر قال: رأيت سواراً من ذهب، وزنه ثلاثون مثقالاً، معلقاً في قنديل من قناديل مسجد دمشق أكثر من شهر، لا يأتيه أحد فيأخذه.
    وعن جعفر بن محمد، قال: كنت مع أبي، محمد بن علي بمكة في ليالي العشر قبل التروية بيوم أو يومين، وأبي قائم يصلي في الحجر وأنا جالس وراءه، فجاءه رجل أبيض الراس واللحية، جليل العظام، بعيد ما بين المنكبين، عريض الصدر، عليه ثوبان غليظان، في هيئة المحرم، فجلس إلى جنبه، فعلم أبي أنه يريد أن يخفف الصلاة، فسلم ثم أقبل عليه فقال له الرجل: يا أبا جعفر، أخبرني عن بدء خلق هذا البيت كيف كان? فقال له أبو جعفر محمد بن علي ممن أنت? قال: رجل من أهل الشام، فقال له محمد بن علي: إن أحاديثنا إذا سقطت إلى الشام جاءتنا صحاحاً، وإذا سقطت إلى العراق جاءتنا وقد زيد فيها ونقص ثم قال له: بدء خلق هذا البيت. وذكر الحديث.


    صفحة 32
    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29437
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65575
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty باب النهي عن سب أهل الشام

    مُساهمة من طرف waell الثلاثاء 29 يناير 2013 - 11:49

    باب النهي عن سب أهل الشام




    عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تكون في آخر الزمان فتنة، يحصل فيها الناس كما يحصل الذهب في المعدن، فلا تسبوا أهل الشام، ولكن سبوا شرارهم، فإن فيهم الأبدال. يوشك أن يرسل على أهل الشام سيب من السماء فيفرق جماعتهم، حتى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم، فعند ذلك يخرج خارج من أهل بيتي في ثلاث رايات، المكثر يقول: هم خمسة عشر ألفاً، والمقل يقول: هم اثنا عشر ألفاً، أمارتهم: أمت أمت، يلقون سبع رايات تحت كل راية منها رجل يطلب الملك، فيقتلهم الله جميعاً، ويرد الله إلى المسلمين ألفتهم ونعمتهم، وقاصيهم ودانيهم.
    وعنه أيضاً قال: يا أهل العراق لا تسبوا أهل الشام، فإن فيهم الأبدال.
    قال رجاء بن حيوة: اذكر لي رجلين من أهل بيسان، فإنه بلغني أنه اختص بيسان برجلين من الأبدال، لا يقبض الله رجلاً منهم إلا بعث الله مكانه رجلاً. ولا تذكر لي متماوتاً ولا طعاناً على الأئمة، فإنه لا يكون منهم الأبدال.
    وعن صفوان بن عبد الله بن صفوان: أن رجلاً قال يوم صفين: اللهم العلن أهل الشام، فقال علي: لا تسبوا أهل الشام جماً غفيراً، فإن فهيم قوماً كارهين لما يرون، وإن فيهم يكون الأبدال.
    وعن أبي هريرة قال: لا تسبوا أهل الشام، فإنهم جند الله المقدم.


    صفحة 33
    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29437
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65575
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty من قتل من أهل الشام بصفين

    مُساهمة من طرف waell الأربعاء 30 يناير 2013 - 16:30

    من قتل من أهل الشام بصفين
    ما ورد فيمن قتل من أهل الشام بصفين
    عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع ملاحم في الجنة: الجمل في الجنة، وصفين في الجنة، وحرة في الجنة"، وكان يكتم الرابعة.
    وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: سمع علي يوم الجمل أو يوم صفين رجلاً يغلو في القول، يقول الكفرة. قال: لا تقولوا، فإنهم زعموا أنا بغينا عليهم، وزعمنا أنهم بغوا علينا.
    وعن سالم بن عبيد الأشجعي قال: رأيت علياً بعد صفين، وهو آخذ بيدي ونحن نمشي في القتلى، فجعل علي يستغفر لهم حتى بلغ قتلى أهل الشام فقلت له: يا أمير المؤمنين، إنا في أصحاب معاوية، فقال علي: إنما الحساب علي وعلى معاوية.
    وعن عبد الرحمن بن نافع القارئ قال: قدمت العراق فدخلت دار علي بن أبي طالب التي كان يسكن، فإذا الموالي حلقتان يتحدثون، فجلست معهم. فخرج علي وهم يذكرون قتلى علي ومعاوية، فقالوا: قبلتنا واحدة، وإلهنا واحد، ونبينا واحد، فأين قتلانا وقتلاهم? فأقبل علي، فلما رآهم قصد إليهم فسكتوا، فقال علي: ما كنتم تقولون? فسكتوا. فقال علي: عزمت عليكم لتخبرني، فقالوا: ذكرنا قتلانا وقتلى معاوية، وأن قبلتنا واحدة، وإلهنا واحد، وديننا واحد، فقال علي: فإني أخبركم عن ذلك، إن الحساب علي وعلى معاوية.
    وعن سعد بن إبراهيم قال: خرج علي بن أبي طالب ذات يوم ومعه عدي بن حاتم الطائي، فإذا رجل من طيء قتيل، قد قتله أصحاب علي، فقال عدي: يا ويح هذا، كان أمس مسلماً واليوم كافراً. فقال علي: مهلاً، كان أمس مؤمناً وهو اليوم مؤمن.
    وعن مكحول: أن أصحاب علي سألوه عمن قتلوا من أصحاب معاوية. قال: هم المؤمنون.
    وعن عقبة بن علقمة اليشكري قال: شهدت مع علي صفين، فأتي بخمسة عشر أسيراً من أصحاب معاوية، فكان من مات منهم غسله وكفنه وصلى عليه.
    وعن عبد الرحمن بن جندب قال: سئل علي عن قتلاه وقتلى معاوية، قال: يؤتى بي وبمعاوية يوم القيامة، فنجتمع عند ذي العرض، فأينا فلج، فلج أصحابه.
    وعن علي رضي الله عنه قال: من كان يريد وجه الله منا ومنهم نجا يعني صفين.
    قال عبد الله بن عروة: حدثني رجل شهد صفين قال: رأيت علياً خرج في بعض تلك الليالي، فنظر إلى أهل الشام فقال: اللهم اغفر لي ولهم. قال: فأتى عمار فأخبر، فقال: جروا له الحصير ما جره لكم.
    وعن عبد الله بن رباح أن عماراً قال: لا تقولوا كفر أهل الشام، ولكن قولوا: فسقوا أو ظلموا.
    وعن رباح بن الحارث قال: قال رجل من أهل الكوفة: كفر أهل الشام ورب الكعبة، فقال عمار: لا تقل كفروا، ولكنهم قووم مفتونون، بغوا علينا، فحق علينا قتالهم.
    وعنه قال: كنت إلى جنب عمار بن ياسر بصفين، وركبتي تمس ركبته، فقال رجل: كفر أهل الشام فقال عمار: لا تقل ذلك: نبينا ونبيهم واحد، وقبلتنا وقبلتهم واحدة، ولكنهم قوم مفتونون، جاروا عن الحق، فحق علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا إليه.


    صفحة 33
    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29437
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65575
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty ذكر ما ورد في ذم أهل الشام

    مُساهمة من طرف waell الأربعاء 30 يناير 2013 - 16:34

    ذكر ما ورد في ذم أهل الشام
    عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الجفاء والبغي في الشام".
    قال: هذا حديث لا يمكن الاعتماد عليه لضعف إسناده.
    وعن أنس أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا ركب الناس الخيل ولبسوا القباطي ونزلوا الشام، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء عمهم الله بقعوبة من عنده.
    ذكر في إسناده عمرو بن زياد الثوبي، وقال: كان منكر الحديث، يسرق الحديث ويحدث بالبواطيل.
    عن أبي هريرة قال: سينعق الشيطان بالشام نعقة يكذب ثلثاهم بالقدر.
    قال ابن أبزى: بلغ عمر أن أناساً تكلموا في القدر فقام خطيباً فقال: يا أيها الناس، إنما هلك من كان قبلكم في القدر، والذي نفسي بيده لا أسمع برجلين تكلما فيه إلا ضربت أعناقهما. قال: فأمسك الناس عنه، حتى نبغت نابغة أو نبغة بالشام.
    وعن الشيباني قال: قال لي الأوزاعي: يا أبا زرعة هلك عبادنا وخيارنا في هذا الرأي، يعني القدر.
    كان المتكلم في القدر بالشام: غيلان القدري، وتبعه على ذلك أتباع، فأخذه هشام بن عبد الملك فصلبه، وكفى أهل الشام أمره. وقد كانت القدرية بالبصرة أكثر، وضررهم على أهل السنة أكبر، فإنهم صنفوا في نفيه التصانيف، وألف أهل الاعتزال فيه التآليف، فأفناهم الله وأبادهم.
    وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل خلق أربعة أشياء وأردفها أربعة أشياء: خلق الجدب، وأردفه الزهد، وأسكنه الحجاز، وخلق العفة، وأردفها الغفلة، وأسكنها اليمن، وخلق الزيف، وأردفه الطاعون، وأسكنه الشام، وخلق الفجور، وأردفه الدرهم، وأسكنه العراق.
    قال: وهذا حديث فيه مجاهيل لا يحتج به.
    وعن سليمان بن يسار قال: كتب عمر بن الخطاب إلى كعب الأحبار أن اختر لي المنازل فكتب إليه: يا أمير المؤمنين، إنه بلغنا أن الأشياء اجتمعت فقال السخاء: أريد اليمن، فقال حسن الخلق: أنا معك. وقال الجفاء: أريد الحجاز، فقال الفقر: وأنا معك، وقال البأس: أريد الشام، فقال السيف: وأنا معك. وقال العلم: أريد العراق، فقال العقل: وأنا معك. وقال الغني: أريد مصر، فقال الذل: وأنا معك. فاختر لنفسك يا أمير المؤمنين.
    فلما ورود الكتاب على عمر بن الخطاب قال: فالعراق إذاً، فالعراق إذاً.
    ورواه بن عائشة أيضاً: قال ابن عساكر: والمحفوظ عن كعب سوء القول في العراق، وضعف هذه الأحاديث.
    وعن أنس بن مالك قال: لما حشر الله الخلائق إلى بابل بعث إليهم ريحاً شرقية وغربية وقبلية وبحرية، فجمعتهم إلى بابل، فاجتمعوا يومئذ ينظرون، لما حشروا له إذ نادى مناد: من جعل المغرب عن يمينه والمشرق عن يساره، واقتصد إلى البيت الحرام بوجهه، فله كلام أهل السماء. فقام يعرب بن قحطان فقيل له: يا يعرب بن قحطان بن هود: أنت هو. فكان أول من تكلم بالعربية ولم يزل المنادي ينادي: من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا، حتى افترقوا على اثنين وسبعين لساناً. وانقطع الصوت وتبلبلت الألسن، فسميت بابل. وكان اللسان يومئذ بابلياً. وهبطت ملائكة الخير والشر، وملائكة الحياء والإيمان، وملائكة الصحة والشفاء، وملائكة الغنى، وملائكة الشرف، وملائكة المروءة، وملائكة الجفاء، وملائكة الجهل، وملائكة السيف، وملائكة اليأس، حتى انتهوا إلى العراق، فقال بعضهم لبعض: افترقوا. فقال ملك الإيمان: أنا أسكن المدينة ومكة، فقال ملك الحياء: أنا معك، فأجمعت الأمة على أن الإيمان والحياء ببلد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال مالك الشقاء: أنا أسكن البادية، فقال ملك الصحة: وأنا معك، فأجمعت الأمة على أن الصحة والشقاء في الأعراب. وقال ملك الجفاء: أنا أسكن المغرب، فقال ملك الجهل: أنا معك، فأجمعت الأمة على أن الجفاء والجهل في البربر. وقال ملك السيف: أنا أسكن الشام، فقال له ملك البأس: أنا معك. وقال ملك الغنى: أنا أقيم هاهنا، فقال له ملك المروءة: أناملك البأس: أنا معك. وقال ملك الغنى: أنا أقيم هاهنا، فقال له ملك المروءة: أنا معك. فقال ملك الشرف: وأنا معكما، فاجتمع ملك الغنى والمروءة والشرف بالعراق.
    وعن حكيم بن جابر قال:
    أخبرت أن الإسلام قال: أنا لا حق بأرض الشام، قال الموت: وأنا معك. قال الملك: وأنا لا حق بأرض العراق قال القتل: وأنا معك. قال الجوع: وأنا لاحق بأرض العرب، قالت الصحة: وأنا معك.
    قال: إنما أراد بذلك كثرة ما كان بها من الطاعون، أو القتل في الجهاد، وكلاهما شهادة. وذلك مدح ليس بذم.
    قال الجاحظ: أشياء اتفقت ثمانية أزواج ستة عشر صنفاً، ثم اتفقت أزواجاً فصارت ثمانية أزواج: فقال الدين: أسكن الحرمين مكة والمدينة، قالت الأمانة: أنا معك. قال الغني واليسار: أسكن مصر، قال الذل: أنا معك. قال السخاء: أسكن الشام، قالت الشجاعة: وأنا معك. قال العقل: أسكن العراق، قالت المروءة: وأنا معك. قال العلم: أسكن خراسان، قال الورع: وأنا معك. قالت التجارة: أسكن خوزستان وأصبهان، قالت النذالة: وأنا معك. قال الجفاء: أسكن المغرب، قال الجهل: وأنا معك. قال الفقر: أسكن اليمن، قالت القناعة: وأنا معك.
    وهذا مدح ليس بذم.
    وعن عبد الله بن أبي الهذيل: أن عمر رضي الله عنه أتي برجل قد أفطر في رمضان. فلما رفع إليه عثر، فقال: على وجهك، أو بوجهك. تفطر وصبياننا صيام? فضربه الحد، وكان إذا غضب على إنسان سيره إلى الشام، فسيره إلى الشام.
    لم يكن عمر رضي الله عنه ينفي إلى الشام لدناءة حال أهله عنده، وإنما كان ينفي إليها لكثرة ما كان بها من الطاعون رجاء أن يكفيه الطاعون أمر من يغصب عليه، فينفيه إليها ليكون الطاعون شهادة له، ومكفراً عنه ما فرط منه.
    وعن أبي عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل عليه السلام بالحمى والطاعون، فأمسكت الحمى بالمدينة، وأرسلت الطاعون إلى الشام. فالطاعون شهادة لأمتي ورحمة لهم، ورجس على الكافر.
    وعن علي بن زيد بن جدعان قال: قال رجل لعمرو بن العاص: صف لي الأمصار. قال: أهل الشام أطوع الناس للمخلوق وأعصاهم للخالق، وأهل مصر أكيسهم صغاراً، وأحمقهم كباراً، وأهل الحجاز أسرع الناس إلى الفتنة وأعجزهم فيها، وأهل العراق أطلب الناس للعلم وأبعدهم منه.
    قدم عبد الله بن الكواء على معاوية، فقال له معاوية: أخبرني عن أهل البصرة. قال: يقاتلون معاً، ويدبرون شتى. قال: فأخبرني عن أهل الكوفة. قال: أنظر الناس في صغيرة وأوقعه في كبيرة. قال: فأخبرني عن أهل المدينة. قال: أحرص الناس على الفتنة، وأعجزه فيها. قال: فأخبرني عن أهل مصر قال: لقمة آكل. قال: فأخبرني عن أهل الجزيرة. قال: كناسة بين مدينتين. قال: فأخبرني عن أهل الموصل: قال: فأخبرني عن أهل الجزيرة. قال: كناسة بين مدينتين. قال: فأخبرني عن أهل الموصل: قال: قلادة وليدة، فيها من كل خرزة. قال: فأخبرني عن أهل الشام. قال: جند أمير المؤمنين، ولا أقول فيهم شيئاً. قال: لتقولن. قال: أطوع الناس لمخلوق وأعصاهم لخالق، ولا يحسبون للسماء ساكناً.
    وفي حديث آخر: أطوع الناس لمخلوق في معصية الخالق، وأجرؤهم على الموت لا يدري ما بعده. دمشقيهم يشتمل ولا يدري، وحمصيهم يسمع ولا يعي.
    قال: والمراد في هذه الحكايات ما كان عليه أهل الشام من طاعة أئمتهم وأمرائهم، واقتدائهم في الفتن والحروب بآرائهم، من غير نظر في عواقب الفتن كما فعلوا في سالف الزمن من قتالهم علي بن أبي طالب، وهو الإمام المرتضى، وفعلهم يوم الحرة، وحصار ابن الزبير. وتلك أمور قد خلت، وفتن قد مضت، عصم الله منها.
    وابن الكواء لا يعتمد على ما يرويه، فكيف يعتمد على ما يقوله عن نفسه? قال أبو المخيس: كنت جالساً عند الأحنف، فأتاه كتاب من عبد الملك بن مروان يدعوه إلى نفسه، فقال: يدعوني ابن الزرقاء إلى طاعة أهل الشام?! ولوددت أن بيننا وبينهم جبلاً من نار، من أتانا منهم احترق، ومن أتاهم منا احترق.
    وهذا، لما كان يجري بين أهل الشام والعراق من الحروب، وأما الآن فقد آلف الله بين القلوب.
    وعن الأوزاعي قال: لا نأخذ من قول أهل العراق خصلتين، ولا من قول أهل مكة خصلتين، ولا من قول أهل المدينة خصلتين، ولا من قول أهل الشام خصلتين: فأما أهل العراق فتأخير السحور وشرب النبيذ، وأما أهل مكة فالمتعة والصرف، وأما أهل المدينة فإتيان النساء في أدبارهن والسماع، وأما أهل الشام فبيع العصير وأخذ الديون.



    قال: وهذان الأمران قد ذهبا. أما بيع العصير فليس في الشام اليوم عالم يبيحه، وأما الديوان فقد منعهموه السلطان.
    وعن النعمان بن المنذر الغساني قال: كنت مع مكحول بالصائفة قال: فأتاه فتيان من أهل العراق قال: فجعلوا يسألونه، قال: فجعل يخبرهم قال: فقالوا له: عمن ومن حدثك، قال: فنشط لهم مكحول، فجعل يسند لهم، قال: فلما تهيأ قيامه ضحك، ثم قال: هكذا ينبغي لكم يا أهل العراق، لا يصلحكم إلا هذا، وأما أصحابنا هؤلاء أهل الشام فيأخذون كما تيسر. قال: ثم قام.
    قال الأعمش: كنا إذا جاءنا الحديث وأنكرناه قلنا: شامي وقيل لعبد الرحمن بن مهدي: أي الحديث أصح? قال: حديث أهل الحجاز، قيل: ثم من? قال: حديث أهل البصرة، قيل: ثم من? قال: حديث أهل الكوفة، قالوا: فالشام? قال: فنفض يده.
    في هذه الحكاية نظر، والعدوي، بعض رواتها، كذاب، ويحتمل إن كان صحيحاً أنه إنما قال ذلك لأن الغالب على أحاديث أهل الشام أحاديث الفتن والملاحم.
    وأما إذا جاء الحديث مسنداً من رواية ثقاتهم، بعضهم عن بعض فهو صحيح، تلزم به الحجة كما يلزم بأحاديث غيرهم.
    قال حميد بن إبراهيم: سألت عمرو بن عبيد عن هذه الآية: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون" قال: قلت: هم أهل الشام? قال نعم.
    عمرو هو العدوي لا يحتج بما يرويه عن غيره، فكيف بما يقوله برأيه في كتاب الله مما لا يعضده بالحجة? قال الأوزاعي: كانوا يستحبون أن يحدثوا أهل الشام بفضائل أهل البيت، ليرجعوا عما كانوا عليه.
    وقال الثوري: إذا كنت بالشام فحدث بفضائل علي، وإذا كنت بالعراق فحدث بفضائل عثمان.
    وهذا، لما كان في أهل الشام من الانحراف عن أهل بيت الرسول، وأما الآن فقد أمن ذلك، لما وقفوا عليه من فضائلهم.
    حدث أبو يحيى السكري قال: دخلت مسجد دمشق فرأيت في مسجدهما حلقاً، فقلت: هذا بلد قد دخله جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم، وملت إلى حلقة في المسجد في صدرها شيخ جالس فجلست إليه، فسأله رجل ممن بين يديه فقال: يا أبا المهلب: من علي بن أبي طالب? قال: خناق كان بالعراق، اجتمعت إليه جمعية فقصد أمير المؤمنين يحاربه فنصره الله عليه. قال: فاستعظمت ذلك وقمت، فرأيت في جانب المسجد شيخاً يصلي إلى سارية، حسن السمت والصلاة والهيئة فقصدت إليه فقلت له: يا شيخ، أنا رجل من أهل العراق جلست إلى تلك الحلقة. وقصصت عليه القصة، فقال لي: في هذا المسجد عجائب. بلغني أن بعضهم يطعن على أبي محمد حجاج بن يوسف فعلي بن أبي طالب من هو? وقد روي مثل معنى هذه الحكاية عن أهل حمص. وكلتا الحكايتين ضعيف.
    وأما ما تحكيه العامة من تأخير معاوية صلاة الجمعة إلى يوم السبت ورضي أهل الشام بذلك فأمر مختلق لا اصل له، ومعاوية ومن كان في عصره بالشام من الصحابة والتابعين أتقى لله وأشد محافظة على أداء فريضة، وأفقه في دينه من أن يخفى عنهم أن ذلك لا يجوز.
    قال: ولم أجد لذلك أصلاً في شيء من الروايات. وإنا يحكى بإسناد منقطع أن بعض مغفلي أهل الشام امتحن بذكر ذلك في العراق في زمن الحجاج، فلعل بعض الناس بلغه ذلك فعزاه إلى أهل الشام.
    قال: كان للحجاج قاض في الكوفة من أهل الشام يقال له أبو حمير، فحضرت الجمعة فمضى يريدها فلقيه رجل من أهل العراق فقال: أبا حمير، أين تذهب? قال: إلى الجمعة، قال: أما بلغك أن الأمير قد أخر الجمعة اليوم? فانصرف راجعاً إلى بيته. فلما كان من الغد قال له الحجاج: أين كنت يا أبا حمير لم تحضر معنا الجمعة? قال: لقيني بعض أهل العراق فأخبرني أن الأمير أخر الجمعة فانصرفت. قال: فضحك الحجاج وقال: أبا حمير أما علمت أن الجمعة لا تؤخر? قال: وهذه الحكاية إن صحت تدل على بطلان ما يدعى على معاوية من ذلك، لأنه لو كان تقدم ذلك من معاوية لما خفي على أبي حمير حتى كان يقول للحجاج: فقد فعل مثل هذا معاوية، ولا على الحجاج حتى يقول لأبي حمير: هذا كما قال معاوية لأهل الشام. والله يعيذنا من إشاعة الكذب في السلف، ويمن علينا بالثبات على الحق.
    قال: وإنما يتم من الأمر ما هذا سبيله على من اشتهر منه تغفيله.
    كما روي عن أبي علي محمد بن سعيد بن عبد الرحمن القشيري قال: سألت أبا عمرو هلالاً يعني: ابن العلاء. عن أبي بكر بن بدر قال:

    ذكروا أنه خرج يوم خميس قد لبس ثيابه يريد الجمعة، فمر بميمون بن مهران فقال له: أين تريد: فقال: الجمعة، فقال له ميمون: قد أخروها إلى غد، فرجع إلى أهله فقال لهم: قال لي ميمون بن مهران إنهم قد أخروا الجمعة إلى غد.
    فأما ما كان في عصر معاوية من الصحابة والتابعين فلا يجوز أن يلحق بهم ما لا يليق. وقد كان معاوية يأمر بحضور الجمعة أهل القرى القاصية، فكيف يظن به أنه أخرها عن حاضرتها?! كما روي عن يونس بن حنبس قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان على هذا المنبر منبر دمشق يقول: يا أهل قردا، يا أهل زاكية، يا أداني البثنية، الجمعة الجمعة، وربما قال: يا أهل قين، يا أقاصي الغوطة، الجمعة الجمعة، لا تدعوها.


    صفحة 35+36+37
    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29437
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65575
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty باب تبشير النبي أمته بافتتاح الشام

    مُساهمة من طرف waell الأربعاء 30 يناير 2013 - 16:40




    باب تبشير النبي أمته بافتتاح الشام
    عن سفيان بن أبي زهير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهلهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم تفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهاليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم، لو كانوا يعلمون ثم تفتح الشام فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم من لو كانوا يعلمون".
    وعن بسر بن سعيد أنه سمع في مجلس الشنئيين يذكرون أن سفيان بن أبي زهير أخبرهم:
    أن فرسه أعيت عليه بالعقيق، وهم في بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليه يسحتمله، فزعم سفيان كما ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يبتغي له بعيرا. فلم يجده إلا عند أبي جهم بن حذيفة العدوي فسامه: فقال أبو جهم: لا أبيعكه يا سول الله، ولكن خذه فاحمل عليه من شئت. فزعم أنه أخذه منه، ثم خرج حتى إذا بلغ بئر الإهاب زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يوشك البنيان أن يبلغ هذا المكان، ويوشك الشام أن يفتح فيأتيه رجال من أهل هذا البلد، ويعجبهم ريفه ورخاؤه، فيسيرون والمدينة خير لهم، لو كانوا يعلمون، إن إبراهيم عليه السلام دعا لأهل مكة، وإني أسأل الله أن يبارك لنا في صاعنا ومدنا، وأن يبارك لنا في مدينتنا بما بارك لأهل مكة".
    وعن أبي ذر قال: استعيذوا بالله من زمن التباغي وزمن التلاعن. قالوا: وما ذاك? قال: لا تقوم الساعة حتى يكون قتال قوم دعوتهم دعوى جاهلية، فيقتل بعضهم بعضاً، ولا تقوم الساعة حتى توقف العربية التي تنسب إلى سبعة أباء، بالأسواق، لا يمنع الرجل أن يبتاعها إلا حموشة ساقيها، وكان يقال: المحروم من حرم غنيمة كلب.
    قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول الناس هلاكاً قريش، وأول قريش هلاكاً أهل بيتي".
    قال: ويقال: اشتكي إليه وباء المدينة فقال: اللهم انقل وباءها إلى مهيعة، اللهم حببنها إلينا ضعف ما حببت إلينا مكة.
    قال: ويقال: استقبل الشام فقال: يفتح ما هاهنا فيبس الناس إليه بساً، ويفتح المشرق فيبس الناس إليه بساً، والمدينة خير لهم، لو كانوا يعلمون، وبورك لهم في صاعهم ومدهم.
    وقال: من صبر على لأوائها وشدتها له شهيداً يوم القيامة.
    وعن أبي زغب الإيادي قال: نزل بي عبد الله بن حوالة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وقد بلغنا أنه فرض له في المئتين فأبى إلا مئة. قال: قلت: أحق ما بلغنا أنه فرض لك في مئتين فأبيت إلا مئة? فوا لله ما منعه وهو نازل علي أن يقول: لا أم لك، أو لا تكفي ابن حوالة مئة في كل عام? ثم أنشأ يحدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا على أقدامنا حول المدينة لنغنم، فقدمنا ولم نغتم شيئاً. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بنا من الجهد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم لا تكلهم إلي فأضعف عنهم، ولا تكلهم إلى الناس فيهونوا عليهم ويستأثروا عليهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولكن توحد بأرزاقهم، ثم قال: لتفتحن لكم الشام، ثم لتقسمن لكم كنوز فارس والروم، وليكونن لأحدكم من المال كذا وكذا، وحتى إن أحدكم ليعطى مئة دينار فيتسخطها، ثم وضع يده على رأسي فقال: يا بن حوالة، إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد أتت الزلازل والبلابل والأمور العظام. والساعة أقرب إلى الناس من يدي هذه إلى رأسك.
    وعن البراء بن عازب قال: لما كان حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة عظيمة شديدة، لا تأخذ فيها المعاول، فاشتكينا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآها ألقى ثوبه وأخذ المعول فقال: بسم الله ثم ضرب ضربة فكسر ثلثها وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة، ثم ضرب الثالثة وقال: بسم الله فقطع بقية الحجر وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء في كاني هذا الساعة.
    وعن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله استقبل بي الشام، وولى ظهري اليمن فقال لي: يا محمد: إني جعلت ما وراءك مدداً لك، وجعلت ما تجاهك عصمة لك ورزقاً، ثم قال: والذي نفسي بيده، لا يزال الله يزيد الإسلام وأهله، وينقص الشرك وأهله حتى يسير الراكب بين النطفتين لا يخشى إلا جوراً، يعني جور السلطان. قيل: يا رسول الله، وما النطفتان? فقال: بحر المشرق والمغرب. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده، والذي نفسي بيده ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل.
    وعن عبد الله بن بسر قال: أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة والطعام يومئذ قليل، فقال لأهله: اطبخوا هذه الشاة، وانظروا إلى هذا الدقيق فاخبزوه، واطبخوا واثردوا عليه. قال: وكانت للنبي صلى الله عليه وسلم قصعة يقال لها: الغراء، يحملها أربعة رجال، فلما أصبح وسبح الضحى أتى بتلك القصعة والتقوا عليها، فإذا كثر الناس جثا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أعرابي: ما هذه الجلسة! فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله جعلني عبداً كريماً ولم يجعلني جباراً عنيداً، ثم قال: كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها يبارك الله فيها. ثم قال: خذوا فكلوا، فو الذي نفس محمد بيده لتفتحن عليكم أرض فارس والروم حتى يكثر الطعام. ولا يذكر اسم الله تعالى عليه.
    وعن سليمان قال: كنت جالساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصابة من أصحابه فجاءت عصابة فقالوا: يا رسول الله، إنا كنا قريب عهد بالجاهلية، كنا نصيب من الزنى فائذن لنا في الخصاء، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم مسألتهم، حتى عرف ذلك في وجهه، ثم جاءت عصابة أخرى فقالوا: يا رسول الله، إنا كنا قريب عهد بالجاهلية كنا نصيب من الآثام، فائذن لنا في الجلوس في البيوت نصوم ونقوم حتى يدركنا الموت، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسألتهم حتى عرف البشر في وجهه وقال: إنكم ستجندون أجناداً، وستكون لكم ذمة وخراج وأرض يفتحها الله لكم، منها ما يكون على شفير البحر، ومدائن وقصور، فمن أدرك ذلك منكم، فاستطاع منكم أن يحبس نفسه في مدينة من تلك المدائن أو قصر من تلك القصور حتى يدركه الموت فليفعل.
    وعن عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: الفقر تخافون أو العوز أو تهمكم الدنيا? إن الله عز وجل فاتح لكم أرض فارس والروم، ويصب عليكم الدنيا صباً حتى لا يزيغكم إلا هي.
    وعن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنها ستفتح عليكم الشام وتجدون فيها بيوتاً يقال لها الحمامات، وهي حرام على رجال أمتي إلا بأزر، وعلى نساء أمتي إلا نفساء أو سقيمة".
    وعن معاذ بن جبل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ستهاجرون إلى الشام فتفتح لكم، ويكون فيكم داء كالدمل أو كالحرة يأخذ بمراق الرجل يستشهد الله به أنفسهم، ويزكي به أعمالهم".
    وعن أبي أيوب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سيفتح عليكم الشام، وستضرب عليكم بعوث يكره الرجال فيها البعث، ثم يتخلف عن قومه ثم يتبع القبائل فيقول: من أكفيه من أكفيه? ألا وذاك الأجير إلى آخر قطرة من دمه".
    وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تنزلون منزلاً يقال له الجابية أو الجويبة يصيبكم فيه داء مصل غدة الجمل يستشهد الله به أنفسكم وذراريكم ويزكي به أموالكم".
    وعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا الله يا عباد الله، فإنكم إن اتقيتم الله أشبعكم من خير الشام وزيت الشام".
    وعن علي وابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل: "وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها" إلى قوله: على كل شيء قديراً" المغانم: فتوح من لدن خيبر. "تأخذونها" تلونها وتغنمون ما فيها. عجل لكم من ذلك خيبر "وكف أيدي الناس": قريش، "عنكم" بالصلح يوم الحديبة، "ولتكون آية للمؤمنين" شاهداً على ما بعدها، ودليلاً على إنجازها، "وأخرى لم تقدروا عليها": على علم وقتها، أفيئها عليكم، فارس والروم، "قد أحاط الله بها" قضى الله بها أنها لكم، منها الأيام والقوادس والواقوصة والمدائن والحمر بالشام ومصر والضواحي. فاجتمعت هذا الصفات فيمن قاتل فارس والروم وسائر أعاجم ذلك الزمان.
    وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى في قوله: "وأثابهم فتحاً قريباً" قال: خيبر، قال: "وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها" قال: فارس والروم.
    وعن الواقدي: قال: ويقال: مكة.
    وعن ابن عباس في هذه الآية: "وأخرى لم تقدروا عليها" قال: ما فتح الله من هذه الفتوح.
    وعن مجاهد في قوله: "أولي بأس شديد" قال: هم فارس والروم.

    صفحة 38+39+40


    عدل سابقا من قبل waell في الخميس 31 يناير 2013 - 0:27 عدل 1 مرات
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23916
    تم شكره : 33
    الاسد

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty رد: مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور

    مُساهمة من طرف مآآآري الأربعاء 30 يناير 2013 - 23:47

    شكر
    شكر
    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29437
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65575
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty باب سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم

    مُساهمة من طرف waell الخميس 31 يناير 2013 - 0:30

    باب سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم
    وبعوثه وهي غزوة دومة الجندل وذات أطلاح وغزوة مؤتة وذات السلاسل
    ذكر الواقدي:


    أن غزوة دومة الجندل أول غزوات الشام، وهي من المدينة على ثلاث عشرة مرحلة، ومن الكوفة على عشر مراحل في برية مرث، ومن دمشق على عشر مراحل، وهي أرض مخل وزرع، يسقون على النواضح، وحولها عيون قليلة، وزرعهم الشعير وهي مدينة عليها سور، ولها حصن عادي مشهور في العرب يدعى مارد.
    والثانية مؤتة، والغزوة الثالثة تبوك، والغزوة الرابعة غزوة أسامة بن زيد يبنى من أرض فلسطين في سنة عشر، والغزوة الخامسة غزوة أسامة ابن زيد آبل الزيت في سنة إحدى عشرة، وهي التي أمره عليها صلى الله عليه وسلم وهو مريض، فغزاها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
    قال: ولم يفرق أحد بين غزوة يبنى وبين غزوة آبل الزيت غير الواقدي. وعندي أنهما غزوة واحدة أغار فيها على الموضعين جميعاً. والله أعلم.
    عن ابن عمر قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف قال: تجهز فإني باعثك في سرية من يومك هذا أو من غد إن شاء الله. قال ابن عمر: فسمعت ذلك فقلت: لأدخلن فلأصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم الغداة فلأسمعن وصيته لعبد الرحمن بن عوف. قال: فغدوت فصليت فإذا أبو بكر وعمر وناس من المهاجرين، فيهم عبد الرحمن، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان أمره أن يسير من الليل إلى دومة الجندل، فيدعوهم إلى الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن: ما خلفك عن أصحابك? قال ابن عمر: وقد مضى أصحابه في السفر، فهم معسكرون بالجرف، وكانوا سبع مئة رجل فقال: أحببت يا رسول الله أن يكون آخر عهدي بك وعلي ثياب سفري. قال: وعلى عبد الرحمن بن عوف عمامة قد لفها على رأسه. قال ابن عمر: فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فأقعده بين يديه فنفض عمامته بيده ثم عممه بعمامة سوداء، فأرخى بين كتفيه منها ثم قال: هكذا فاعتم يا بن عوف، قال: وعلى ابن عوف السيف متوشحة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اغز بسم الله وفي سبيل الله فقاتل من كفر بالله، لا تغل ولا تغدر ولا تقتل وليداً". قال ابن عمر: ثم بسط يده فقال: أيها الناس، اتقوا خمساً قبل أن يحل بكم، ما نقص مكيال قوم إلا أخذهم الله بالسنين، ونقص من الثمرات لعلهم يرجعون، وما نكث قوم عهدهم إلا سلط الله عليهم عدوهم، وما منع قوم الزكاة إلا أمسك الله عنهم، قطر السماء. ولولا البهائم لم يسقوا، وما ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط عليهم الطاعون، وما حكم قوم بغير آي القرآن إلا ألبسهم الله شيعاً، وأذاق بعضهم بأس بعض.
    قال: فخرج عبد الرحمن حتى لحق أصحابه، فسار حتى قدم دومة الجندل، فلما حل بها دعاهم إلى الإسلام، فمكث بها ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام، وقد كانوا أبوا أول ما قدم يعطونه إلا السيف، فلما كان اليوم الثالث أسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي وكان نصرانياً وكان رأسهم، فكتب عبد الرحمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك، وبعث رجلاً من جهينة يقال له: رافع بن مكيث، وكتب يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد أراد أن يتزوج فيهم فكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن تزوج ابنة الأصبغ تماضر، فتزوجها عبد الرحمن وبنى بها ثم أقبل بها. وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
    وأما سرية ذات أطلاح فروي عن الزهري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عمير الغفاري في خمسة عشر رجلاً حتى انتهوا إلى ذات أطلاح من أرض الشام، فوجدوا جمعاً من جمعهم كبيراً، فدعوهم إلى الإسلام فلم يستجيبوا لهم، ورشقوهم بالنبيل. فلما رأى ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قاتلوهم أشد القتال حتى قتلوا فأفلت منهم رجل كان جريحاً في القتلى، فلما برد عليه الليل تحامل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بالبعثة إليهم فبلغه أنهم قد ساروا إلى موضع آخر فتركهم.



    وأما غزوة مؤتة فكان سببها فيما روى عمر بن الحكم قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمير الأزدي، ثم أحد بني لهب إلى ملك بصرى بكتاب، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فقال: أين تريد? قال: الشام قال: لعلك من رسل محمد، قال: نعم، أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوثق رباطاً ثم قدمه فضرب عنقه صبراً، ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فاشتد عليه، وندب الناس وأخبرهم بمقتل الحارث ومن قتله، فأسرع الناس وخرجوا فعسكروا بالجرف، ولم يبين رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمراء، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر جلس، وجلس أصحابه حوله، وجاء النعمان بن مهض اليهودي فوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "زيد بن حارثة أمير الناس فإن قتل زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة، فإن أصيب عبد الله بن رواحة فليرتض المسلمون بينهم رجلاً فليجعلوه عليهم"، فقال النعمان بن مهض: أبا القاسم، إن كنت نبياً فسميت من سميت قليلاً أو كثيراً أصيبوا جميعاً، إن الأنبياء في بني إسرائيل إذا استعملوا الرجل على القوم ثم قالوا: إن أصيب فلان، فلو سمى مئة أصيبوا جميعاً، ثم جعل اليهودي يقول لزيد بن حارثة، اعهد، فلا ترجع إلى محمد أبداً إن كان نبياً، فقال زيد: فأشهد أنه نبي صادق بار. فلما أجمعوا المسير وقد عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم اللواء ودفعه إلى زيد بن حارثة لواء أبيض مشى الناس إلى أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعونهم ويدعون لهم، وجعل المسلمون يودع بعضهم بعضاً، والمسلمون ثلاثة آلاف، فلما ساروا من معسكرهم نادى المسلمون؛ دفع الله عنكم وردكم صالحين غانمين.
    قال البيهقي: فلما ودعوا عبد الله بن رواحة بكى، فقالوا: ما يبكيك يا بن رواحة? قال: أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة إليها، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: "وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً" فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورد.
    ثم خرج القوم حتى نزلوا معان، فبلغهم أن هرقل قد نزل بمآب في مئة ألف من الروم ومئة ألف من المستعربة، فأقاموا بمعان يومين. وقالوا: نبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بكثيرة عدونا. فإما أن يمدنا، وإما أن يأمرنا أمراً، فشجع الناس عبد الله بن رواحة، قال: يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم لها، إياها تطلبون: الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا كثرة، وإنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فإن يظهرنا الله به فربما فعل، وإن تكن الأخرى فهي الشهادة، وليست بشر المنزلتين، فقال الناس: والله لقد صدق ابن رواحة، فانشمر الناس وهم ثلاثة آلاف حتى لقوا جموع الروم بقرية من قرى البلقاء يقال لها: شراف ثم انحاز المسلمون إلى مؤتة، قرية فوق أحساء.
    وقيل: كانوا ستة آلاف من المهاجرين والأنصار وغيرهم.
    قال عطاف بن خالد المخزومي: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مشيعاً لهم حتى بلغ ثنية الوداع فوقف ووقفوا حوله، فقال: اغزوا باسم الله، فقاتلوا عدو الله وعدوكم بالشام، وستجدون بها رجالاً في الصوامع معتزلين الناس فلا تعرضوا لهم، وستجدون آخرين، للشياطين في رؤوسهم مفاحيص، فافلقوا هامهم بالسيوف، ولا تقتلن امرأة ولا صغيراً ضرعاً، ولا كبيراً فانياً، ولا تعزقن نخلاً، ولا تقطعن شجراً ولا تهدموا بناء.
    وعن أبي هريرة قال: شهدت مؤتة. فلما رأينا المشركين رابنا ما لا قبل لنا به من العدد والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب، فبرق بصري، فقال لي ثابت بن أقرم: يا أبا هريرة، مالك، كأنك ترى جموعاً كثيرة! قلت: نعم، قال: لم تشهدنا ببدر أنا لم ننصر.
    وعن عبد الله بن أبي بكر قال:

    لما التقى الناس بمؤتة جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وكشف له ما بينه وبين الشام، فهو ينظر إلى معتركهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخذ الراية زيد بن حارثة فجاءه الشيطان فحبب إيه الحياة وكره إليه الموت، وحبب إليه الدنيا" فقال: الآن? أحين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين، تحبب إلي الدنيا?! فمضى قدماً حتى استشهد، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: استغفروا له، وقد دخل الجنة وهو يسعى، ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فجاءه الشيطان فمناه الحياة، وكره إليه الموت، ومناه الدنيا فقال: الآن? حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تمنيني الدنيا! ثم مضى قدماً حتى استشهد فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا له. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استغفروا لأخيكم فإنه شهيد دخل الجنة، فهو يطير في الجنة بجناحين من ياقوت حيث شاء من الجنة". ثم أخذ الراية بعده عبد الله بن رواحة فاستشهد ثم دخل الجنة معترضاً، فشق ذلك على الأنصار، قيل: يا رسول الله، ما اعتراضه? قال: لما أصابته الجراح نكل، فعاتب نفسه فشجع فاستشهد فدخل الجنة، فسري عن قومه.
    وروي أنه لما قتل عبد الله بن رواحة انهزم القوم أسوأ هزيمة رأيتها قط، في كل وجه، ثم إن المسلمين تراجعوا فأقبل رجل من الأنصار، يقال له ثابت بن أقرم فأخذ اللواء وجعل يصيح بالأنصار، فجعل الناس يثوبون إليه من كل وجه، وهم قليل، وهو يقول: إلي أيها الناس، فاجتمعوا إليه، قال: فنظر ثابت إلى خالد بن الوليد فقال: خذ اللواء يا أبا سليمان فقال: لا آخذه، أنت أحق به، أنت رجل لك سن وقد شهدت بدراً، قال ثابت: خذه أيها الرجل، فوا لله ما أخذته إلا لك فأخذه خالد، فحمله ساعة وجعل المشركون يحملون عليه فتثبت حتى تكركر المشركون، وحمل بأصحابه، ففض جمعاً من جمعهم، ثم دهمه منهم بشر كثير وانحاش بالمسلمين فانكشفوا راجعين.
    قال عطاف بن خالد: لما قتل ابن رواحة مساء بات خالد بن الوليد، فلما أصبح غدوا، وقد جعل مقدمته ساقة، وساقته مقدمة، وميمنته ميسرة، وميسرته ميمنة، فأنكروا ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيئتهم، وقالوا: قد جاءهم مدد، فرعبوا، فانكشفوا منهزمين، فقتلوا مقتلة لم يقتلها قوم.
    وروي أن زيد بن حارثة سار بهم على حبال بين الشراة والبلقاء على ريفها وعمارتها فمر بقرية من قرى حبال يقال لها اكبث، فشد أهلها على ساقة المسلمين، فأصابوهم بجراحة، وقتلوا رجلاً من المسلمين فبلغ ذلك جماعة الجيش، فاستأذنوا زيد بن حارثة في الرجعة إليهم والانتقام منهم، فقال زيد: لا أرى ذلك، لأن عدوكم أمامكم قد جمعوا لكم، ودنوا منكم، فأكره أن يفلوا حدكم ونشاطكم بقتال غيرهم، ثم لا آمن أن يجمعوا لكم فيكونوا من ورائكم، فتكونوا بين عسكرين، فمضى زيد ومن معه حتى لقوا عدوهم بين قريات ثلاث: بين مؤتة، والعمقة، وزقوقين فصافوهم هنالك.
    وروي أن خالداً لما أخذ الراية قاتلهم قتالاً شديداً ثم انحاز الفريقان كل عن كل قافلاً عن غير هزيمة، فقفل المسلمون على طريقهم التي أبدوا منها حتى مروا بتلك القرية والحصن الذين كانوا شدوا على ساقتهم، وقتلوا رجلاً منهم، فحاصروهم في حصنهم حتى فتحه الله عليهم عنوة، فقتل خالد بن الوليد مقاتلتهم في نقيع إلى جانب حصنهم صبراً. فبها سمي ذلك النقيع نقيع الدم إلى اليوم، وهدموا صنهم هدماً لم يعمر بعده إلى اليوم.
    وفي حديث أبي قتادة: ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد، ولم يكن من الأمراء. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبعيه فقال: اللهم هو سيف من سيوفك، فانتصر به. قال: فيومئذ سمي خالد: سيف الله. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انفروا فأمدوا إخوانكم ولا يتخلفن أحد. قال: فنفر الناس في حر شديد مشاة وركباناً.
    قال عوف بن مالك الأشجعي"

    خرجت مع زيد بن حارثة في عزوة مؤتة فوافقني مددي من أهل اليمن ليس معه غير سيفه فنحر رجل من المسلمين جزوراً، فسأله المددي طائفة من جلده فأعطاه إياه، فاتخذ كهيئة الدرقة، ومضينا، فلقينا جموع الروم. قال: وفيهم رجل على فرس له، أشقر، عليه سرج مذهب وسلاح مذهب، فجعل الرومي يغري بالمسلمين وقعد له المددي خلف صخرة فمر به الرومي فعرقب فرسه فخر، وعلاه فقتله فحاز فرسه وسلاحه. فلما فتح الله عز وجل على المسلمين بعث خالد بن الوليد فأخذ من السلب. قال عوف: فأتيته فقلت: يا خالد، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل? قال: بلى، ولكني استكثرته، قال عوف: فقلت: لتردنه أو لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يرده عليه، قال عوف: فاجتمعنا فقصصت عليه قصة المددي وما فعله خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خالد، ما حملك على ما صنعت? قال: يا رسول الله، استكثرته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رد عليه ما أخذت منه، فقلت: دونك يا خالد. ألم أقل لك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ذاك? فأخبرته، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا خالد، لا ترد عليه، هل أنتم تاركو لي أمرائي، لكم صفوة أمركم وعليهم كدره.
    وأما غزوة ذات السلاسل فهي بعد غزوة مؤتة، وقال ابن إسحاق: إنها قبل غزوة مؤتة.
    روي أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعاً من بلي وقضاعة قد تجمعوا يريدون أن يدنوا إلى أطراف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص فعقد له لواء أبيض، وجعل معه راية سوداء، وبعثه في سراة المهاجرين والأنصار في ثلاث مئة عامر بن ربيعة وصهيب بن سنان وأبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وسعد بن أبي وقاص، ومن الأنصار: أسيد بن حضير، وعباد بن بشر، وسلمة بن سلامة، وسعد بن عبادة، وأمره أن يستعين بمن مر به من العرب، وهي بلاد بلي وعذرة وبلقين. وذلك أن عمرو بن العاص كان ذا رحم بهم: كانت أم العاص بن وائل بلوية، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم بعمرو، فسار، وكان يكمن النهار، ويسير الليل، وكانت معه ثلاثون فرساً. فلما دنا من القوم بلغه أن لهم جمعاً كثيراً، فنزل قريباً منه عشاء، وهم شاتون، فجمع أصحابه الحطب يريدون أن يصطلوا، وهي أرض باردة، فمنعهم فشق ذلك عليهم حتى كلمه في ذلك بعض المهاجرين فغالظه، فقال عمرو: قد أمرت أن تسمع لي وتطيع، قال: نعم، قال: فافعل، وبعث رافع بن مكيث الجهني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره أن لهم جمعاً كبيراً، ويستمده بالرجال، فبعث أبا عبيدة بن الجراح وعقد له لواء وبعث معه سراة المهاجرين: أبو بكر وعمر، والأنصار وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحق عمرو بن العاص فخرج أبو عبيدة في مئتين وأمره أن يكونا جميعاً ولا يختلفا، فساروا حتى لحقوا بعمرو بن العاص، فأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس ويتقدم عمراً، فقال له عمرو: إنما قدمت مدداً لي، وليس أن تؤمني وأنا الأمير، وإنما أرسلك النبي صلى الله عليه وسلم إلي مدداً، فقال المهاجرون: كلا بل أنت أمير أصحابك، وهو أمير أصحابه، فقال عمرو: لا بل أنتم مدد لنا، فلما رأى أبو عبيدة الاختلاف وكان حسن الخلق لين الشيمة قال: إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا، وإنك والله إن عصيتني لأطيعنك، فأطاع أبو عبيدة، فكان عمرو يصلي بالناس، فآب إلى عمرو جمع فصاروا خمس مئة، فسار الليل والنهار حتى وطئوا بلاد بلي ودوخها، وكلما انتهى إلى موضع بلغه أنه قد كان بهذا الموضع جمع، فلما سمعوا به تفرقوا حتى انتهى إلى أقصى بلاد بلي وعذرة وبلقين، في آخر ذلك جمعاً ليس بالكثير، فتقاتلوا ساعة وتراموا بالنبل، ورمي يومئذ عامر بن ربيعة بسهم فأصيب ذراعه، وحمل المسمون عليهم فهربوا وأعجزوا هرباً في بالبلاد وتفرقوا، ودوخ عمرو ما هناك، وأقام أياماً لا يسمع لهم بجمع ولا بمكان صاروا فيه، وكان يبعث أصحاب الخيل فيأتون بالشاء والنعم، وكانوا ينحرون ويذبحون، فلم يكن في ذلك أثر من ذلك. لم يكن غنائم تقسم إلا ما لا ذكر له.
    وفي بعض روايات هذا الخبر: حتى إذا كان على ماء بأرض جذام يقال لها السلاسل، فبذلك سميت هذه الغزوة: ذات السلاسل.
    وفي هذه الرواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني لأؤمر الرجل على القوم فيهم من هو خير منه، لأنه أيقظ عيناً، وأبصر بالحرب.
    وفي رواية: أن أبا عبيدة لما أطاع عمرو بن العاص وجد عمر من ذلك وقال: أتطيع ابن النابغة وتؤمره على نفسك وعلى أبي بكر وعلينا?! ما هذا الرأي. فقال أبو عبيدة لعمر: يا بن أم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي وإليه ألا نتعاصيا، فخشيت إن لم أطعه أن أعصي عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيدخل بيني وبين الناس، وإني والله لأطيعنه حتى أقفل. ففما قفلوا كلم عمر نب الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن أؤمر عليكم بعدها إلا منكم يريد المهاجرين. فكانت تلك غزوة ذات السلاسل، أسر فيها ناس كثير من العرب وسبوا.
    قال عمرو بن العاص: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش ذات السلاسل، وفي القوم أبو بكر وعمر، فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على أبي بكر وعمر إلا لمنزلة لي عنده، قال: فأتيته حتى قعدت بين يديه، وقلت: يا رسول الله، من أحب الناس إليك? قال: عائشة، قلت: إني لست أسألك عن أهلك. قال: فأبوها. قلت: ثم من? قال: ثم عمر. قلت: ثم من? حتى عدد رهطاً. قال: قلت في نفسي: لا أعود أسأل عن هذا.
    ولما بعث عمرو بن العاص في ذات السلاسل سأله أصحابه أن يأذن لهم أن يوقدوا ناراً ليلاً فمنعهم. فكلموا أبا بكر فكلمه في ذلك فأباه. فقال: قد أرسلوك إلي! لا يوقد أحد منهم ناراً إلا ألقيته فيها.
    قال: فلقوا العدو فهزموهم، فأرادوا أن يتبعوهم فمنعهم. فلما انصرف ذلك الجيش ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وشكوه إليه، فقال: يا رسول الله إني كرهت أن آذن لهم أن يوقدوا ناراً فيرى عدوهم قلتهم، وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفوا عليهم، فأحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره. قال: يا رسول الله، من أحب الناس إليك? قال: لم? قال: لأحب من تحب. قال: عائشة. قال: من الرجال? قال: أبو بكر.


    صفحة 40+41+42+43+44+45
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23916
    تم شكره : 33
    الاسد

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty رد: مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 31 يناير 2013 - 1:00

    a5
    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29437
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65575
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty باب غزوة تبوك

    مُساهمة من طرف waell السبت 2 فبراير 2013 - 13:00

    باب غزوة تبوك
    قال ابن عباس: لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خروجه من الطائف ستة أشهر، ثم أمره الله بغزوة تبوك، وهي التي ذكر الله ساعة العسرة، وذلك في حر شديد، وقد كثر النفاق، وكثر أصحاب الصفة، والصفة بيت كان لأهل الفاقة يجتمعون فيه فتأتيهم صدقة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وإذا حضر غزو عمد المسلمون إليهم فاحتمل الرجل الرجل أو ما شاء الله بشبعة فجهزوهم وغزوا معهم واحتسبوا عليهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالنفقة في سبيل الله والحسبة، فأنفقوا احتساباً، وأنفق رجال غير محتسبين، وحمل رجال من فقراء المسلمين، وبقي أناس. وأفضل ما تصدق به يومئذ أحد عبد الرحمن بن عوف، تصدق بمئتي أوقية، وتصدق عمر بن الخطاب بمئة أوقية، وتصدق عاصم الأنصاري بتسعين وسقاً من تمر. وقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، إني لا أرى عبد الرحمن إلا قد اترب، ما ترك لأهله شيئاً، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تركت لأهلك شيئاً? قال: نعم، أكثر مما أنفقته وأطيب، قال: كم? قال: ما وعد الله ورسوله من الرزق والخير. وجاء رجل من الأنصار يقال له أبو عقيل بصاع من تمر فتصدق. وعمد المنافقون حين رأوا الصدقات، فإذا كانت صدقة الرجل كثيرة تغامزوا به وقالوا: مراء، وإذا تصدق الرجل بيسير طاقته من تمر، قالوا: هذا أحوج إلى ما جاء به، فلما جاء أبو عقيل بصاعه من تمر قال: بت ليلتي أجر بالجرير على صاعين والله ما كان عندي من شيء غيرهما وهو يعتذر ويستحي، فأتيت بأحدهما وتركت الآخر لأهلي، فقال المنافقون: هذا أفقر إلى صاعه من غيره، وهم في ذلك ينتظرون يصيبون من الصدقات غنيهم وفقيرهم، فلما أزف خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثروا الاستئذان وشكوا شدة الحر وخافوا، زعموا الفتنة إن غزوا، ويحلفون بالله على الكذب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأذن لهم لا يدري ما في أنفسهم، وبنى طائفة منهم مسجد النفاق يرصدون به الفاسق أبا عامر، وهو عند هرقل قد لحق به، وكنانة بن عبد ياليل وعلقمة بن علاثة العامري، وسورة براءة تنزل في ذلك أرسالاً. ونزلت فيها آية ليست فيها رخصة لقاعد. فلما أنزل الله عز وجل: "انفروا خفافاً وثقالاً". اشتكى الضعيف الناصح لله ورسوله والمريض والفقير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: هذا أمر لا رخصة فيه. وفي المنافقين ذنوب مستورة لم تظهر حتى كان بعد ذلك، وتخلف رجال غير مستيقنين ولا ذوي علة ونزلت هذه السورة بالبيان والتفصيل في شأن رسول اله صلى الله عليه وسلم فسار بمن اتبعه حتى بلغ تبوك، فبعث منها علقمة بن مجزز المدلجي إلى فلسطين، وبعث خالد بن الوليد إلى دومة الجندل، فقال: أسرع لعلك أن تجده خارجاً يتقنص فتأخذه، فوجده فأخذه وأرجف المنافقون في المدينة بكل خبر سوء. فإذا بلغهم أن المسلمين أصابهم جهد وبلاء تباشروا به وفرحوا، وقالوا: قد كنا نعلم ذلك ونحذر منه، وإذا أخبروا بسلامة منهم وخير أصابوه حزنوا وعرف ذلك منهم فيهم كل عدو لهم بالمدينة، فلم يبق أحد من المنافقين أعرابي ولا غيره إلا استخفى بعمل خبيث ومنزلة خبيثة واستعلن، ولم يبق ذو علة إلا هو ينتظر الفرج فيما ينزل الله في كتابه، ولم تزل سورة براءة تنزل حتى ظن المؤمنون الظنون، وأشفقوا أن لا ينفلت منهم كبير أحد أذنب في شأن التوبة قط ذنباً إلا أنزل فيه أمر بلاء حتى انقضت، وقد وقع بكل عامل تبيان منزله من الهدى والضلالة.
    وعن كعب بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد المسير في الغزاة أذن في المسلمين بالجهاز، وكتمهم أين يجاهدون مكيدة للعدو، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن بالجهاز إلا وعندي بعير فأقوى به على الخروج معه حتى كانت تبوك، فكانت في حر شديد وحين أقبلت الثمرة، فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز إلى تبوك وبينها للمسلمين ووافق ذلك عندي بعيرين، فرأيت أني قوي على الخروج، فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وأغدو أنا لأتجهز، فوا لله لكأنما أربط فأرجع وما قطعت شعرة وعندي بعيران، وأنا أرى أني قوي على الخروج إذا أردت. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، ثم ذهبت أنظر، فإذا ما أرى رجلاً تخلف إلا رجلاً مغموصاً عليه في دينه، غير أني قد رأيت رجلين من الأنصار صحيحين كدت أسكن إليهما: هلال بن أمية الواقفي ومرارة العمري، حتى إذا أيست من الخروج قلت: أعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع.
    قال ابن إسحاق:



    ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخميس، واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري. فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عسكره على ثنية الوداع، ومعه زيادة على ثلاثين ألفاً من الناس، وضرب عبد الله بن أبي عدو الله على ذي حدة عسكراً أسفل منه نحواً من كذا وكذا، وما كان فيما يزعمون بأقل العسكرين. فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه عبد الله بن أبي فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب، وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب عليه السلام على أهله وأمره بالإقامة فيهم، فأرجف به المنافقون وقالوا: ما خلفه إلا استثقالاً له وتخففاً منه، فلما قال ذلك المنافقون أخذ علي بن أبي طالب رضي الله عنه سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف، فقال: يا رسول الله، زعم المنافقون أنك إنما خلفتني تستثقلني وتخفف مني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبوا، ولكني خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فأخلفني في أهلي وأهلك، ألا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى? إلا أنه لا نبي بعدي، فرجع إلى المدينة، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره.
    وعن كعب بن مالك قال: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عزوة غزاها، حتى كانت غزوة تبوك إلا بدراً ولم يعاتب النبي صلى الله عليه وسلم أحداً تخلف عن بدر، إنما خرج يريد العير فخرجت قريش مغوثين لعيرهم، فالتقوا عن غير موعد كما قال الله عز وجل. ولعمري إن أشرف مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس لبدر، وما كنت أحب أني شهدتها مكان بيعتي ليلة العقبة حيث توافقنا على الإسلام، ولم أتخلف بعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها، حتى كانت غزوة تبوك وهي آخر غزوة غزاها، فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالرحيل وأراد أن يتأهبوا أهبة عدوهم، وذلك حين طاب الظلال وظابت الثمار، فكان قلما أراد غزوة إلا ورى بغيرها، وكان يقول: الحرب خدعة، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أن يتأهب الناس أهبته، وأنا أيسر ما كنت، قد جمعت راحلتين، وأنا أقدر شيء في نفسي على الجهاد وخفة الحاذ، وأنا في ذلك أصغوا إلى الظلال وطيب الثمار. فلم أزل كذلك حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم غادياً بالغداة، وذلك يوم الخميس، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس.
    وعن محمد بن مسلم الزهري قال: ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك وهو يريد الروم وكفار العرب بالشام، حتى إذا بلغ تبوك أقام بها بضع عشرة ليلة ولقيه بها وفد أذرح ووفد أيلة، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية، ثم قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك ولم يجاوزها.
    وفي حديث غيره فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في جهازه في غزوة تبوك إذ قال للجد بن قيس: يا جد، هل لك في بنات بني الأصفر? قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد علم قومي أنه ليس من أحد أشد عجباً بالنساء مني، وإني أخاف إن رأيت نساء بني الأصفر أن يفتني، فائذن لي يا رسول الله. فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قد أذنت، فأنزل الله تعالى "ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا" يقول: ما وقع فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغبته بنفسه عن نفسه أعظم مما يخاف من فتنة نساء بني الأصفر "وإن جهنم لمحيطة بالكافرين" يقول لمن وراءه. وقال رجل من جملة المنافقين: لا تنفروا في الحر. فأنزل الله عز وجل: "قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون" ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جد في سفره، وأمر الناس بالجهاز وحض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله، فحمل رجال من أهل الغنى وأحسنوا، وأنفق عثمان رضي الله عنه في ذلك نفقة عظيمة، لم ينفق أحد أعظم منها وحمل على مئتي بعير.
    ومما جمع من أحاديث تبوك قالوا:

    كانت الضافطة وهم الأنباط يقدمون المدينة بالدرمك والزيت في الجاهلية وبعد أن دخل الإسلام، فإنما كانت أخبار الشام عند المسلمين كل يوم لكثرة من يقدم عليهم من الأنباط. فقدمت منهم قادمة، وذكروا أن الروم قد جمعت جموعاً كثيرة بالشام، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجليت معه لخم وجذام وغسان وعاملة، وزحفوا وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء وعسكروا بها، وتخلف هرقل بحمص. ولم يكن ذلك، وإنما ذلك شيء قيل لهم فقالوه، ولم يكن عدو أخوف عند المسلمين منهم، وذلك لما عاينوا منهم، إذ كانوا يقدمون عليهم تجاراً، من العدد والعدة والكراع، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغزو غزوة إلا ورى بغيرها لئلا تذهب الأخبار بأنه يريد كذا وكذا: حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد، واستقبل سفراً بعيداً، واستقبل غزواً وعدداً كبيراً، فجلا للناس أمرهم ليتأهبوا لذلك أهبة عدوهم وأخبرهم بالوجه الذي يريد. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القبائل وإلى مكة يستنفرهم إلى عدوهم فبعث إلى أسلم بريدة بن الحصيب، و أمره أن يبلغ الفرع، وبعث أبا رهم الغفاري إلى قومه أن يطلبهم ببلادهم. وخرج أبو واقد الليثي في قومه، وخرج أبو جعد الضمري في قومه بالساحل، وبعث رافع بن مكيث وجندب بن مكيث في جهينة، وبعث نعيم بن مسعود في أشجع، وبعث في بني كعب بن عمرو عدة: بديل بن ورقاء وعمرو بن سالم وبسر بن سفيان، وبعث في سليم عدة منهم العباس بن مرداس.
    وحض رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين على الجهاد، ورغبهم فيه، وأمرهم بالصدقة، فحملوا صدقات كبيرة، فكان أول من حمل أبو بكر الصديق جاء بماله كله أربعة آلاف درهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أبقيت لأهلك شيئاً قال: الله ورسوله أعلم، وجاء عمر رضي الله عنه بنصف ماله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أبقيت شيئاً? قال: نعم نصف ما جئت به. وبلغ عمر ما جاء به أبو بكر الصديق فقال: ما استبقنا إلى خير قط إلا سبقني إليه، وحمل العباس بن عبد المطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مالا، وحمل طلحة بن عبيد الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم مالاً، وحمل عبد الرحمن بن عوف إليه مالاً مئتي أوقية، وحمل سعد بن عبادة إليه مالاً وحمل محمد بن مسلمة إليه مالاً، وتصدق عاصم بن عدي بتسعين وسقاً تمراً، وهز عثمان بن عفان ثلث ذلك الجيش، وكان من أكرمهم نفقة حتى كفى ثلث ذلك الجيش مؤونتهم، حتى إن كان ليقال: ما بقيت له حاجة حتى كفاهم شنق أسقيتهم فيقال?: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ: ما يضر عثمان ما فعل بعد هذا. ورغب أهل الغنى في الخير والمعروف. واحتسبوا في ذلك الخير وقوى ناس دون هؤلاء من هو أضعف منهم، حتى إن الرجل ليأتي بالبعير إلى الرجل والرجلين فيقول: هذا البعير بينكما تعتقبانه، ويأتي الرجل بالنفقة فيعطيها بعض من يخرج، حتى إن كان النساء ليعن بكل ما قدرن عليه. لقد قالت أم سنان الأسلمية: لقد رأيت ثوباً مبسوطاً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة فيه مسكة ومعاضد وخلاخل وأقرطة وخواتيم وخدمات مما يبعث به النساء يعن به المسلمين في جهازهم، والناس في عسرة شديدة، وحين طابت الثمار وأحبت الظلال، فالناس يحبون المقام ويكرهون الشخوص عنها على الحال من الزمان الذي هم عليه. وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالانكماش والجد، وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عسكره بثنية الوداع، والناس كثير لا يجمعهم كتاب قل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله عز وجل. فلما استمر برسول الله صلى الله عليه وسلم سفره، وأجمع المسير استخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، ويقال محمد بن مسلمة، لم يتخلف عنه في غزوة غيرها، ويقال ابن أم مكتوم وأثبتهم محمد بن مسلمة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استكثروا من النعال، فإن الرجل لا يزال راكباً ما دام منتعلاً. فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف ابن أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن تخلف من المنافقين وقال: يغزو محمد بني الأصفر مع جهد الحال والحر والبلد البعيد إلى ما لا قبل له به! يحسب محمد أن قتال بني الأصفر العب?! ونافق ممن هو معه على مثل رأيه ثم قال ابن أبي: والله لكأني أنظر إلى أصحابه غداً مقرنين في الحبال، إرجافاً برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
    فلما رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية الوداع إلى تبوك وعقد الألوية والرايات، فدفع لواءه الأعظم إلى أبي بكر، ورايته العظمى إلى الزبير، ودفع راية الأوس إلى أسيد بن حضير، ولواء الخزرج إلى أبي دجانة، ويقال إلى الحباب بن المنذر بن الجموح. قال: ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة فصبح ذا خشب فنزل تحت الدومة، وكان دليله إلى تبوك علقمة بن الفغواء الخزاعي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الدومة، فراح منها ممسياً حيث أبرد، وكان في حر شديد.
    قالوا: وكان الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين ألفاً. ومن الخيل عشرة آلاف فرس، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كل بطن من الأنصار أن يتخذوا لواء أو راية. والقبائل من العرب فيها الرايات والألوية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دفع راية بني مالك بن النجار إلى عمارة بن حزم. فأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت فأعطاه الراية. قال عمارة: يا رسول الله، لعلك وجدت علي، قال: لا والله، ولكن قدموا القرآن. وكان زيد أكثر أخذاً للقرآن منك. والقرآن مقدم، وإن كان عبداً أسود مجدعاً، وأمر في الأوس والخزرج أن يحمل راياتهم أكثرهم أخذاً للقرآن. وكان أبو زيد يحمل راية بني عمرو بن عوف، وكان معاذ بن جبل يحمل راية بني سلمة.
    قال: وكان هرقل قد بعث رجلاً من غسان إلى النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى صفته وإلى علاماته، إلى حمرة في عينيه وإلى خاتم النبوة بين كتفيه. وسأل فإذا هو لا يقبل الصدقة، فوعى أشياء من حال النبي صلى الله عليه وسلم ثم انصرف إلى هرقل يذكر ذلك له، فدعا قومه إلى التصديق به فأبوا حتى خافهم على ملكه وهو في موضعه لم يتحرك ولم يزحف.
    وكان الذي خبر النبي صلى الله عليه وسلم من تعبئة أصحابه ودنوه إلى أدنى الشام باطلاً لم يرد ذلك ولم يهم به، وشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في التقدم، فقال عمر بن الخطاب: إن كنت أمرت بالمسير فسر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أمرت به ما استشرتكم فيه، قال: يا رسول الله. فإن للروم جموعاً كثيرة وليس بها أحد من أهل الشام، وقد دنوت منهم حيث ترى، وقد أفزعهم دنوك، فلو رجعت هذه السنة حتى ترى أو يحدث الله تعالى لك في ذلك أمراً.
    وعن معاذ بن جبل قال:



    إنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، فأخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً. ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً ثم قال: إنكم ستأتون غداً إن شاء الله عين تبوك. وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئاً حتى آتي، قال: فجئناك وقد سبق إليها رجلان، والعين مثل الشراك، تبض بشيء من ماء فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل مسستما من مائها شيئاً قالا: نعم. فسبهما وقال لهما ما شاء الله أن يقول، ثم غرفوا من العين بأيديهم قليلاً قليلاً حتى اجتمع في شيء، ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وجهه ويديه، ثم أعاده فيها، فجرت العين بماء كثير، فاستقى الناس. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جناناً.
    وعن سعيد بن أبي راشد مولى لآل معاوية قال: قدمت الشام فقيل لي: في هذه الكنيسة رسول قيصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فدخلنا الكنيسة فإذا أنا بشيخ كبير: فقلت له: أنت رسول قيصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم? فقال: نعم. قلت: حدثني عن ذلك. قال: إنه لما غزا تبوكاً كتب إلى قيصر كتاباً وبعث به مع رجل يقال له دحية بن خليفة. فلما قرأ كتابه وضعه معه على سريره، وبعث إلى بطارقته ورؤوس أصحابه فقال: إن هذا الرجل ق بعث إليكم رسولاً، وكتب إليكم كتاباً يخيركم إحدى ثلاث: إما أن تتبعوه على دينه، أو تقروا له بخراج يجري عليكم ويقركم على هيئتكم في بلادكم، أو أن تلقوا إليه بالحرب. قال فنخروا نخرة حتى خرج بعضهم من برانسهم وقالوا: لا نتبعه على دينه، وندع ديننا ودين آبائنا، ولا نقر له بخراج يجري له علينا، ولكن نلقي إليه الحرب. فقال: قد كان ذاك ولكني كرهت أن أفتات دونكم بأمر، قال عباد: فقلت لابن خثيم: أوليس قد كان قارب وهم بالإسلام فيما بلغنا? قال: بلى لولا أنه رأى منهم. قال: فقال: ابغوني رجلاً من العرب أكتب معه إليه جواب كتابه. قال: فأتيت وأنا شاب وانطلق بي إليه فكتب جوابه وقال لي،: مهما نسيت من شيء فاحفظ عني ثلاث خلال: انظر إذا هو قرأ كتابي هذا هل يذكر الليل والنهار، وهل يذكر كتابه إلي، وانظر هل ترى في ظهره علماً، قال: فأقبلت حتى أتيته وهو بتبوك في حلقة من أصحابه منتحين. فسألت فأخبرت به فدفعت إليه الكتاب، فدعا معاوية فقرأ عليه الكتاب. فلما أتى على قوله: دعوتني إلى جنة عرضها السموات والأرض فأين النار? قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جاء الليل فأين النهار? قال: فقال: إني كتبت إلى النجاشي فحرقه، فحرقه الله محرق الملك. قال عباد: فقلت لابن خثيم أليس قد أسلم النجاشي ونعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة إلى أصحابه فصلى عليه? قال: بلى. ذاك فلا بن فلا وهذا فلان بن فلان قد ذكرهما ابن خثيم جميعاً ونسيتهما وكتبت إلى كسرى كتاباً فمزقه، فمزقه الله، ممزق الملك. وكتبت إلى قيصر كتاباً فأجابني فيه، فلن يزال الناس يخشون منهم بأساً ما كان في العيش خير. ثم قال لي: ممن أنت? قلت: من تنوخ. قال: يا أخا تنوخ، هل لك في الإسلام? قلت: لا، إني أقبلت من قبل قوم وأنا فيهم على دين، ولست مستبدلاً بدينهم حتى أرجع إليهم فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تبسم. فلما قضيت حاجتي قمت، فلما وليت دعاني فقال: يا أخا تنوخ، هلم فامض للذي أمرت به، قال: وكنت نسيتها فاستدرت من وراء الحلقة وألقى بردة كانت عليه عن ظهره، فرأيت على غضروف كتفه مثل المحجم الضخم.
    وفي رواية: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني حين دعاه إلى الإسلام، فأبى أن يسلم، وتلا هذه الآية: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء" ثم قال رسو الله صلى الله عليه وسلم إنك رسول قوم وإن لك حقاً، ولكن جئتنا ونحن مرملون، فقال عثمان بن عفان: أنا أكسوه حلة صفورية وقال رجل من الأنصار: علي ضيافته.
    قال ابن إسحاق:

    45+46+47+48+49+50
    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29437
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65575
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty رد: مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور

    مُساهمة من طرف waell السبت 2 فبراير 2013 - 13:02

    فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه يحنة بن رؤبة صاحب أيلة فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جرباء وأذرح فأعطوه الجزية، وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم كتاباً فهو عندهم. فكتب ليحنة بن رؤبة: بسم الله الرحمن الرحيم هذا أمنة من الله ومحمد النبي ورسوله ليحنة بن رؤبة وأهل أيلة أساقفهم وسائرهم في البر والبحر، لهم ذمة الله وذمة النبي ومن كان معه من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر، فمن أحدث منهم حدثاً فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وأنه طيب لمن أخذه من الناس وأنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقاً يريدونه من بر أو بحر. هذا كتاب جهيم بن الصلت وشرحبيل بن حسنة بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قال ابن إسحاق: وكتب لأهل جرباء وأذرح: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد النبي لأهل أذرح: إنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد، وإن عليهم مئة دينار في كل رجب وافية طيبة، والله كفيل عليهم بالنصح والإحسان إلى المسلمين. ومن لجأ إليهم من المسلمين. وذكر باقي الحديث.
    وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أيلة برده مع كتابه الذي كتب لهم أماناً لهم، فاشتراه أبو العباس عبد الله بن محمد بثلاث مئة دينار.
    ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خالد بن الوليد فبعثه إلى أكيدر دومة.
    وعن قيس بن النعمان السكوني قال: خرجت خيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع بها أكيدر دومة الجندل فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنه بلغنا أن خيلك انطلقت، وإني خفت على أرضي ومالي فاكتب كتاباً لا يعرضوا من شيء لي، فإني مقر بالذي علي من الحق، فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم إن أكيدر أخرج قباء من ديباج منسوج مما كان كسرى يكسوهم فقال: يا رسول الله، أقبل عني هذا فإني أهديته لك. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجع بقبائك فإنه ليس يلبس هذا في الدنيا إلا حرمة يعني في الآخرة فرجع به حتى أتى منزله، وإنه وجد في نفسه أن يرد عيه هديته فقال: يا رسول الله، إنا أهل بيت يشق علينا أن ترد علينا هديتنا، فاقبل مني هديتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلق فادفعه إلى عمر بن الخطاب قال: وقد كان عمر قد سمع ما قال رسول الله فبكى، فدمعت عيناه. وظن أنه قد لحقه شيء. فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أحدث في أمر? قلت في هذا القباء ما قلت ثم بعثت به إلي، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وضع يده أو ثوبه على فيه. ثم قال: ما بعثت به إليك لتلبسه. ولكن تبيعه وتستعين بثمنه.




    صفحة 51
    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29437
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65575
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty ذكر بعث النبي أسامة بن زيد

    مُساهمة من طرف waell السبت 2 فبراير 2013 - 13:06

    ذكر بعث النبي أسامة بن زيد


    وأمره بشن الغارة على مؤتة ويبنى وآبل الزيت


    عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعدما قضى حجة التمام، فتحلل به السير وضرب على الناس بعثاً، وأمر عليهم أسامة بن زيد، وأمره أن يوطئ آبل الزيت من مشارف الشام بالأردن، فقال المنافقون في ذلك، ورد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم إنه لخليق لها، أي حقيق بالإمارة، ولئن قلتم فيه لقد قلتم في أبيه من قبله وإن كان لها لخليقاً. وطارت الأخبار لتحلل السير بالنبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اشتكى، ووثب الأسود باليمن ومسيلمة باليمامة. وجاء النبي صلى الله عليه وسلم الخبر عنهما، ثم وثب طليحة في بلاد بني أسد بعدما أفاق النبي صلى الله عليه وسلم. ثم اشتكى في المحرم وجعه الذي توفاه جل وعز فيه.
    وعن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ضرب بعث أسامة ولم يستتب لوجع النبي صلى الله عليه وسلم، ولخلع مسيلمة والأسود، وقد أكثر المنافقون في تأمير أسامة حتى بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فخرج عاصباً رأسه من الصداع، لذلك من الشأن، ولبشارة أريها في بيت عائشة. وقال: إني أريت البارحة فيما يرى النائم في عضدي سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما فطارا. فأولتهما هذين الكذابين صاحب اليمامة، وصاحب اليمن، وقد بلغني أن أقواماً يقولون في إمرة أسامة، ولعمري لئن قالوا في إمارته لقد قالوا في إمارة أبيه من قبله، وإن كان أبوه لخليقاً لها، وإنه لهها لخليق، فأنفذوا بعث أسامة. وقال: لعن الله الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد.
    فخرج أسامة فضرب بالجرف، وأنشأ الناس في العسكرة، ونجم طليحة، وتمهل الناس. وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يستتم الأمر. انتظر أولهم آخرهم حتى توفي الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم.
    وعن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان وجهه وجهاً، فقبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتوجه في ذلك الوجه.
    ثم استخلف أبو بكر، فقال بأبو بكر لأسامة: ما الذي عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم? فقال: عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أغير على أبنى صباحاً وأحرق.
    وعن الحسن بن أبي الحسن قال: ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً قبل وفاته على أهل المدينة ومن حولهم، وفيهم عمر بن الخطاب، وأمر عليهم أسامة بن زيد. فلم يجاوز أخرهم الخندق حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف أسامة بالناس ثم قال لعمر: ارجع إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه يأذن لي فأرجع بالناس فإن فعي وجوه الناس وحدهم، ولا آمن على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثقال المسلمين أن تيخطفهم المشركون. وقالت الأنصار: فإن أبى إلا أن تمضي فأبلغه عنا، واطلب إليه أن يولي أمرنا رجلاً أقدم سناً من أسامة. فخرج عمر بأمر أسامة فأتى أبا بكر فأخبره بما قال أسامة. فقال أبو بكر: لو اختطفتني الكلاب والذئاب لم أرد قضاء قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإن الأنصار أمروني أن أبلغك أنهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجلاً أقدم سناً من أسامة. فوثب أبو بكر وكان جالساً فأخذ بلحية عمر وقال: ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب، استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزعه?! فخرج عمر إلى الناس فقالوا له: ما صنعت? فقال: امضوا ثكلتكم أمهاتكم ما لقيت فقي سببكم اليوم من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم خرج أبو بكر حتى أتاهم فأشخصهم وشيعهم وهو ماش وأسامة راكب. وعبد الرحمن بن عوف يقود دابة أبي بكر، فقال له أسامة: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتركبن أو لأنزلن. فقال: والله لا تنزل، ووالله لا أركب. وما علي أن أغير قدمي ساعة في سبيل الله. فإن للغازي بكل خطوة يخطوها سبع مئة حسنة، تكتب له، وسبع مئة درجة ترفع له، وتمحى عنه سبع مئة خطيئة. حتى إذا انتهى قال له: إن رأيت أن تعينني بعمر بن الخطاب، فافعل. فأذن له. وقال: يا أيها الناس، فقوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعزقوا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحو شاة ولا بقرة، ولا بعيراً إلا لمآكله. وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له. وسوف تقدمون على أقوام يأتونكم بآنية فيها ألوا الطعام، فإذا أكلتم منها شيئاً بعد شيء فاذكروا اسم الله عليها. وسوف تلقون أقواماً قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فاخفقوهم بالسيوف خفقاً. اندفعوا باسم الله. أفناكم الله بالطعن والطاعون.
    وفي رواية:



    فلما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاموا حتى شهدوه. فلما فرغوا أنفذه أبو بكر رضي الله عنه على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر إلى الجرف فاستنفر أسامة وبعثه، وسأله عمر فأذن له، وقال له: اصنع ما أمر به نبي الله صلى الله عليه وسلم، ابدأ ببلاد قضاعة ثم ائت آبل، ولا تقصرن في شيء من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تعجلن لما خلفت عن عهده، فمضى أسامة مغذاً على ذي المروة، والوادي. وانتهى إلى ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم من بث الخيول في قبائل قضاعة والغارة على آبل، فسلم وغنم، وكان فراغه في أربعين يوماً سواى مقامه ومقيله راجعاً.
    وحدث زيد بن أسلم قال: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعماله على قضاعة: على كلب امرؤ القيس بن الأصبغ الكلبي من بني عبد الله. وعلى القين عمرو بن الحكم. وعلى سعد هذيم معاوية بن فلان الوائلي. فارتد وديعة الكلبي فيمن آزره من كلب، وبقي امرؤ القيس على دينه وارتد زميل بن قطبة القيني فيمن أزره من بني القين وبني عمرو، وارتد معاوية فيمن أزره من سعد هذيم. فكتب أبو بكر إلى امرئ القيس بن فلان وهو جد سكينة بنت الحسين رضي الله عنهما فثار بوديعة، وإلى عمرو فأقام لزميل وإلى معاوية العذري فأقام لمعاوية، فلما توسط أسامة بلاد قضاعة بث الخيول قبلهم، وأمرهم أن ينهضوا من أقام على الإسلام إلى من رجع عنه، فخرجوا هراباً حتى أرزوا إلى دومة، واجتمعوا إلى وديعة، ورجعت خيول أسامة إليه فمضى فيها أسامة حتى أغار على الحمقتين، فأصاب في بني الضبيب من جذام. وفي بني حيليل من لخم ولفها من القبيلتين. وجازهم من آبل، ثم انكفأ سالماً غانماً.
    وعن عروة قال: لما فرغوا من البيعة واطمأن الناس قال أبو بكر لأسامة: امض لوجهك الذي بعثك له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه رجال من المهاجرين والأنصار، وقالوا: أمسك أسامة وبعثه، فإنا نخشى أن تميل علينا العرب إذا سمعوا بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال أبو بكر وكان أحزمهم أمراً: أنا أحبس جيشاً بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم?! لقد اجترأت على أمر عظيم، والذي نفسي بيده لأن تميل علي العرب أحب إلي من أن أحبس جيشاً بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. امض يا أسامة في جيشك للوجه الذي أمرت به. ثم اغز حيث أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية فلسطين، وعلى أهل مؤتة، فإن الله سيكفي ما تركت، ولكن إن رأيت أن تأذن لعمر بن الخطاب فأستشره واستعن به، فإنه ذو رأي ومناصح للإسلام فافعل، ففعل أسامة. ورجع عامة العرب عن دينهم وعامة أهل المشرق وغطفان وبنو أسد وعامة أشجع، ومسكت طيء بالإسلام. وقال عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أمسك أسامة وجيشه ووجههم نحو من ارتد عن الإسلام من غطفان وسائر العرب، فأبى ذلك أبو بكر أن يحبس أسامة، وقال: إنكم قد علمتم أنه قد كان من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم في المشورة فيما لم تمض من نبيكم فيه سنة، ولم ينزل عليكم به كتاب، وقد أشرتم. وسأشير عليكم. فانظروا أرشد ذلك فائتمروا به. فإن الله لن يجمعكم عن ضلالة. والذي نفسي بيده. ما أرى من أمر أفضل في نفسي من جهاد من منع منا عقالاً كان يأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانقاد المسلمون لرأي أبي بكر ورأوا أنه أفضل من رأيهم، فبعث أبو بكر أسامة بن زيد لوجهه الذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأصاب في العدو مصيبة عظيمة، و سلمه الله وغنمه هو وجيشه، وردهم صالحين، وخرج أبو بكر في المهاجرين والأنصار حين خرج أسامة حتى بلغ نقعاً حذاء نجد وهربت الأعراب بذراريهم. فلما بلغ المسلمين هرب الأعراب كلموا أبا بكر وقالوا: ارجع إلى المدينة وإلى الذراري والنساء، وأمر رجلاً من أصحابك على الجيش. واعهد إليه أمرك فلم يزل المسلمون بأبي بكر حتى رجع. وأمر خالد بن الوليد على الجيش. فقال له: إذا أسلموا وأعطوا الصدقة فمن شاء منكم أن يرجع فليرجع. ورجع أبو بكر إلى المدينة.
    قال الواقدي: قالوا:

    لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر مقتل زيد بن حارثة وجعفر وأصحابه ووجد عليهم وجداً شديداً، فلما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالتهيؤ لغزو الروم، وأمرهم بالانكماش في غزوهم فتفرق المسلمون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم مجدون في الجهاد. فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد يوم الثلاثاء لثلاث ليال بقين من صفر دعا أسامة بن زيد فقال: يا أسامة، سر على اسم الله وبركته حتى تنتهي إلى مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فاغز صباحاً على أهل أبني وحرق عليهم وأسرع السير تسبق الخبر، فإن أظفرك الله فأقلل اللبث فيهم وخذ معك الأدلاء وقدم العيون أمامك والطلائع. فلما كان يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر بدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم فصدع وحم. فلما أصبح يوم الخميس لليلة بقيت من صفر عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده لواء ثم قال: يا أسامة، اغز باسم الله، في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا تتمنوا لقاء العدو فإنكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم، ولكن قولوا: اللهم اكفناهم، واكفف بأسهم عنا، فإن لقوكم قد أجلبوا وصبحوا فعليكم بالسكينة والصمت، "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" وقولوا: اللهم، إنا نحن عبادك وهم عبادك، نواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما تغلبهم أنت. واعلموا أن الجنة تحت البارقة.
    وعن أسامة بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بأن يغير على أهل أبنى صباحاً وأن يحرق. قالوا: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة: امض على اسم الله. فخرج بلواثه معقوداً، فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي، فخرج به إلى بيت أسامة، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة فعسكر بالجرف، وضرب عسكره في موضع سقاية سليمان اليوم، وجعل الناس يؤخذون بالخروج إلى العسكر، فيخرج من فرغ من حاجته إلى معسكره ومن لم يقض حاجته فهو على فراغ، ولم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة: عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة، وسعيد بن أبي وقاص، وأبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، في رجال من المهاجرين. والأنصار عدة: قتادة بن النعمان، وسلمة بن أسلم بن حريش.
    فقال رجال من المهاجرين، وكان أشدهم في ذلك قولاً عياش بن أبي ربيعة: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين? فكثرت القالة في ذلك، فسمع عمر بن الخطاب بعض ذلك القول، فرده على من تكلم به، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقول من قال، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً، فخرج قد عصب رأسه عصابة وعليه قطيفة ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة?! والله لئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وأيم الله، إن كان للإمارة لخليق، وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي. وإن هذا لمن أحب الناس إلي، وإنهما لمخيلان لكل خير، فاستوصوا به خيراً، فإنه من خياركم، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بيته، وذلك يوم السبت لعشر ليال خلون من ربيع الأول.
    وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم عمر بن الخطاب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنفذوا وبعث أسامة. ودخلت أم أيمن فقالت: أي رسول الله، لو تركت أسامة يقيم في معسكره حتى تماثل، فإن أسامة إن خرج على حاله هذه لم ينتفع بنفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنفذوا بعث أسامة، فمضى الناس إلى المعسكر، فباتوا ليلة الأحد. ونزل أسامة يوم الأحد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيل مغمور وهو اليوم الذي لدوه فيه. فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تهملان، وعنده العباس والنساء حوله، فطأطأ عليه أسامة فقبله ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلم، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يصبهما على أسامة. قال أسامة: فأعرف أنه كان يدعو لي.
    قال أسامة: فرجعت إلى معسكري، فلما أصبح يوم الاثنين غدا من معسكره وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقاً، فجاءه أسامة فقال: اغد على بركة الله، فودعه أسامة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مفيق مريح مفيق، وجعل نساؤه يتماشطن سروراً براحته. ودخل أبو بكر فقال: يا رسول الله، أصبحت مفيقاً بحمد الله. واليوم يوم ابنة خارجة فإذن لي، فأذن له، فذهب إلى السنح وركب أسامة إلى معسكره، وصاح في أصحابه باللحوق إلى العسكر فانتهى إلى معسكره ونزل، وأمر الناس بالرحيل، وقد متع النهار، فبينا أسامة بن يزد يريد أن يركب من الجرف أتاه رسول أم أيمن وهي أمه تخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت، فأقبل أسامة إلى المدينة معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسوله الله صلى الله عليه وسلم يموت.
    فتوفي عليه السلام حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول. ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة، ودخل بريدة بن الحصيب بلواء أسامة معقوداً حتى أتى به باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرزه عنده.
    فلما بويع لأبي بكر أمر بريدة أن يذهل باللواء إلى بيت أسامة ولا يحله أبداً حتى يغزوهم أسامة، فقال بريدة: فخرجت باللواء حتى انتهيت به إلى بيت أسامة ثم خرجت به إلى الشام معقوداً مع أسامة ثم رجعت به إلى بيت أسامة فما زال معقوداً في بيت أسامة حتى توفي أسامة.
    فلما بلغ العرب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد منها عن الإسلام قال أبو بكر لأسامة: انفذ في وجهك الذي وجهك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخذ الناس بالخروج وعسكروا في موضعهم الأول وخرج بريدة باللواء حتى انتهى إلى معسكرهم الأول، فشق على كبار المهاجرين الأولين، ودخل على أبي بكر عمر وعثمان وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد فقالوا: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن العرب قد انتقضت عليك من كل جانب وإنك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئاً. اجعلها عدة لأهل الردة، ترمي بهم في نحورهم. وأخرى لا تأمن على أهل المدينة أن يغار عليها، وفيها الذاراري والنساء، فلوا استأنيت لغزو الروم حتى يضرب الإسلام بجرانه ويعود أهل الردة إلى ما خرجوا منه، أو يفنيهم السيف، ثم تبعث أسامة حينئذ. فنحن نأمن الروم أن تزحف إلينا. فلما استوعب أبو بكر كلامهم قال: هل منكم أحد يريد أن يقول شيئاً? قالوا: لا. قد سمعت مقالتنا. فقال: والذي نفسي بيده، لو ظننت أن السباع تأكلني بالمدينة لأنفذت هذا البعث، ولا بدأت بأول منه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي من السماء يقول: أنفذوا جيش أسامة، ولكن خصلة، أكلم أسامة في عمر يخلفه يقيم عندنا، فإنه لا يغنى بنا عنه. والله ما أدري يفعل أسامة أم لا? والله إن أبى لا أكرهه، فعرف القوم أن أبا بكر قد عزم على إنفاذ بعث أسامة. ومشى أبو بكر إلى أسامة في بيته فكلمه في أن يترك عمر ففعل أسامة، وجعل يقول له: أذنت ونفسك طيبة? فقال أسامة نعم. قال: وخرج فأمر مناديه ينادي: عزمة مني ألا يتخلف عن أسامة من بعثه من كان انتدب معه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني لن أوتي بأحد أبطأ الخروج معه إلا ألحقته به ماشياً وأرسل إلى النفر من المهاجرين الذين كانوا تكلموا في إمارة أسامة فغلظ عليهم وأخذهم بالخروج، فلم يتخلف عن البعث إنسان واحد. وخرج أبو بكر يشيع أسامة والمسلمين. فلما ركب أسامة من الجرف في أصحابه وهم ثلاثة آلاف رجل وفيهم ألف فرس، فسار أبو بكر إلى جانب أسامة ساعة ثم قال: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيك، فانفذ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لست آمرك ولا أنهاك عنه، إنما أنا منفذ لأمر أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج سريعاً، فوطئ بلاداً هادئة لم يرجعوا عن الإسلام: جهينة وغيرها من قضاعة. فلما نزل وادي القرى قدم عيناً له من بني عذرة يدعى حريثاً، فخرج على صدر راحلته أمامه مغذاً حتى انتهى إلى أبنى، فنظر إلى ما هناك، وارتاد الطريق، ثم رجع سريعاً حتى لقي اليوم الذي لدوه فيه. فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تهملان، وعنده العباس والنساء حوله، فطأطأ عليه أسامة فقبله ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلم، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يصبهما على أسامة. قال أسامة: فأعرف أنه كان يدعو لي.
    قال أسامة: فرجعت إلى معسكري، فلما أصبح يوم الاثنين غدا من معسكره وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقاً، فجاءه أسامة فقال: اغد على بركة الله، فودعه أسامة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مفيق مريح، وجعل نساؤه يتماشطن سروراً براحته. ودخل أبو بكر فقال: يا رسول الله، أصبحت مفيقاً بحمد الله. واليوم يوم ابنة خارجة فائذن لي. فأذن له، فذهب إلى السنح وركب أسامة إلى معسكره، وصاح في أصحابه باللحوق إلى العسكر فانتهى إلى معسكره ونزل، وأمر الناس بالرحيل، وقد متع النهار، فبينا أسامة بن زيد يريد أن يركب من الجرف أتاه رسول أم أيمن وهي أمه تخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت، فأقبل أسامة إلى المدينة معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يموت.
    فتوفي عليه السلام حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة، ودخل بريدة بن الحصيب بلواء أسامة معقوداً حتى أتى به باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرزه عنده.
    فلما بويع لأبي بكر أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة ولا يحله أبداً حتى يغزوهم أسامة، فقال بريدة: فخرجت باللواء حتى انتهيت به إلى بيت أسامة ثم خرجت به إلى الشام معقوداً مع أسامة ثم رجعت به إلى بيت أسامة فما زال معقوداً في بيت أسامة حتى توفي أسامة. فلما بلغ العرب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد منها عن الإسلام قال أبو بكر لأسامة: انفذ في وجهك الذي وجهك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخذ الناس بالخروج وعسكروا في موضعهم الأول وخرج بريدة باللواء حتى انتهى إلى معسكرهم الأول، فشق على كبار المهاجرين الأولين، ودخل على أبي بكر عمر وعثمان وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد فقالوا: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن العرب قد انتقضت عليك من كل جانب وإنك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئاً. اجعلهم عدة لأهل الردة، ترمي بهم في نحورهم. وأخرى لا تأمن على أهل المدينة أن يغار عليها، وفيها الذراري والنساء، فلوا استأنيت لغزو الروم حتى يضرب الإسلام بجرانه ويعود أهل الردة إلى ما خرجوا منه، أو يفنيهم السيف، ثم تبعث أسامة حينئذ. فنحن نأمن الروم أن تزحف إلينا. فلما استوعب أبو بكر كلامهم قال: هل منكم أحد يريد أن يقول شيئاً? قالوا: لا. قد سمعت مقالتنا. فقال: والذي نفسي بيده، لو ظننت أن السباع تأكلني بالمدينة لأنفذت هذا البعث، ولا بدأت بأول منه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي من السماء يقول: أنفذوا جيش أسامة، ولكن خصلة، أكلم أسامة في عمر يخلفه يقيم عندنا، فإنه لا غنى بنا عنه. والله ما أدري يفعل أسامة أم لا? والله إن أبى لا أكرهه، فعرف القوم أن أبا بكر قد عزم على إنفاذ بعث أسامة. ومشى أبو بكر إلى أسامة في بيته فكلمه في أن يترك عمر ففعل أسامة، وجعل يقول له: أذنت ونفسك طيبة? فقال أسامة: نعم. قال: وخرج فأمر مناديه ينادي: عزمة مني ألا يتخلف عن أسامة من بعثه من كان انتدب معه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني لن أوتى بإحد أبطأ الخروج معه إلا ألحقته به ماشياً وأرسل إلى النفر من المهاجرين الذي كانوا تكلموا في إمارة أسامة فغلظ عليهم وأخذهم بالخروج، فلم يتخلف عن البعث إنسان واحد.
    وخرج أبو بكر يشيع أسامة والمسلمين. فلما ركب أسامة من الجرف في أصحابه وهم ثلاثة آلاف رجل وفيهم ألف فرس، فسار أبو بكر إلى جانب أسامة ساعة ثم قال: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيك، فانفذ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لست آمرك ولا أنهاك عنه، إنما أنا منفذ لأمر أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج سريعاً، فوطئ بلاداً هادئة لم يرجعوا عن الإسلام: جهينة وغيرها من قضاعة. فلما نزل وادي القرى قدم عيناً له من بني عذرة يدعى حريثاً، فخرج على صدر راحلته أمامه مغذاً حتى انتهى إلى أبنى، فنظر إلى ما هناك، وارتاد الطريق، ثم رجع سريعاً حتى لقي أسامة على مسيرة ليلتين من أبنى، فأخبره أن الناس غارون ولا جموع لهم، وأمره أن يسرع للسير قبل أن تجتمع الجموع وأن يشنها غارة.
    وروى المنذر بن جهم قال: قال بريدة لأسامة: يا أبا محمد، إني شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي أباك أن يدعوهم إلى الإسلام، فإن أطاعوه خيرهم إن أحبوا أن يقيموا في ديارهم ويكونوا كأعراب المسلمين فلا شيء لهم في الفيء ولا في الغنيمة، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، وإن تحولوا إلى دار الإسلام كان لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. قال أسامة: هكذا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي? ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني، وهو آخر عهده إلي أن أسرع السير وأسبق الأخبار وأن أشن الغارة عليهم بغير دعاء فأحرق وأخرب. فقال بريدة: سمعاً وطاعة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما انتهى إلى أبنى فنظر إليها منظر العين عبأ أصحابه وقال: اجعلوها غارة، ولا تمنعوا في الطلب ولا تفترقوا واجمعوا، وأخفوا الصوت واذكروا اسم الله في أنفسكم، وجردوا سيوفكم وضعوها فيمن أشرف لكم. ثم دفع عليهم الغارة. فما نبح كلب، ولا تحرك أحد، ولا شعروا إلا بالقوم قد شنوا عليهم الغارة ينادون بشعارهم: يا منصور أمت، فقتل من أشرف له وسبى من قدر عليه، وحرق في طوائفها بالنار، وحرق منازلهم وحروثهم ومخلهم، فصارت أعاصير من الدخاخين، وأقام الخيل في عرصاتهم، ولم يمعنوا في الطلب. أصابوا ما قرب منهم، وأقاموا يومهم ذلك في تعبئة ما أصابوا من الغنائم. وكان أسامة خرج على فرس أبيه الذي قتل عليها أبوه يوم مؤتة، كنت تدعى سبحة، وقتل قاتل أبيه في الغارة. خبره به بعض من سبي، وأسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهماً وأخذ لنفسه مثل ذلك. فلما أمسوا أمر الناس بالرحيل، ومضى ومضى الدليل أمامه حريث العذري، فأخذوا الطريق الذي جاء منها، ودأبوا ليلتهم حتى أصبحوا بأرض بعيدة ثم طوى البلاد حتى انتهوا إلى وادي القرى في تسع ليال، ثم قصد يغذ السير إلى المدينة وما أصيب من المسلمين أحد فبلغ ذلك هرقل وهو بحمص، فدعا بطارقته فقال: هذا الذي حذرتكم فأبيتم أن تقبلوه مني، قد صارت العرب تأتي من مسيرة شهر، فتغير عليكم ثم تخرج من ساعتها ولم تكلم. قال أخوه يناق: فابعث رابطة تكون بالبلقاء فبعث رابطة واستعمل عليهم رجلاً من أصحابه، فلم يزل مقيماً حتى قدمت البعوث إلى الشام في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
    قالوا: واعترض لأسامة في منصرفه قوم من أهل كثكث، قرية هناك، وقد كانوا اعترضوا لأبيه في بدأته، فأصابوا من أطرافه فناهضهم أسامة بمن معه، فظفر بهم وخرق عليهم وساق من نعمهم وأسر منهم أسيرين فأوثقهما وهرب من بقي، فقدم بهما المدينة، فضرب أعناقهما.
    وعن يحيى بن النضر أن أسامة بن زيد بعث بشيره من وادي القرى بسلامة المسلمين وأنهم قد أغاروا على العدو وأصابوهم. فلما سمع المسلمون بقدومهم خرج أبو بكر في المهاجرين وخرج أهل المدينة حتى العواتق، وبشروا بسلامة أسامة ومن معه من المسلمين، ودخل يومئذ على فرسه سبحة، كأنما خرجت من ذي خشب، عليه الدرع واللواء أمامه، يحمله بريدة، حتى انتهى به إلى المسجد فدخل فصلى ركعتين وانصرف إلى بيته معه اللواء. وكان مخرجه من الجرف لهلال شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة. فغاب خمسة وثلاثين يوماً سار عشرين في بدائه، وخمس عشرة في رجعته.
    وعن أبي هريرة قال: والذي لا إله إلا هو، لولا أن أبا بكر استخلف ما عبد الله، ثم قال الثانية ثم قال الثالثة، فقيل له يا أبا هريرة! فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه أسامة بن زيد في سبع مئة إلى الشام، فلما نزل بذي خشب قبض النبي صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب حول المدينة فاجتمع إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له: يا أبا بكر، ردها ولا توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة، فقال: والذي لا إله إلا هو، لو جرت الكلاب بأرجل الناس ما رددت جيشاً وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حللت لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم. فوجه أسامة. فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا: لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم، فلقوا الروم فهزموهم، ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام.


    صفحة 51+52+53+54+55+56+57+58
    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29437
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65575
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty ذكر اهتمام أبي بكر بفتح الشام

    مُساهمة من طرف waell السبت 2 فبراير 2013 - 13:11

    ذكر اهتمام أبي بكر بفتح الشام


    وحرصه عليه


    قال ابن إسحاق: كان فتح اليمامة واليمن والبحرين، وبعث الجنود إلى الشام في سنة ثنتي عشرة.
    وقال أيضاً:
    إن أبا بكر لما حدث نفسه بأن يغزو الروم فلم يطلع عليه أحداً إذ جاءه شرحبيل بن حسنة، فجلس إليه فقال: يا خليفة رسول الله، أتحدث نفسك أن تبعث إلى الشام جنداً? فقال: نعم، قد حدثت نفسي بذلك، وما أطلعت عليه أحداً. وما سألتني عنه إلا لشيء. قال: أجل، إني رأيت يا خليفة رسول الله فيما يرى النائم كأنك تمشي في الناس فوق خرشفة من الجبل، ثم أقبلت تمشي حتى صعدت فيه من القنان العالية، فأشرفت على الناس ومعك أصحابك، ثم إنك هبطت من تلك القنان إلى أرض سهلة دمثة، فيها الزرع والقرى والحصون، فقلت للمسلمين: شنوا الغارة على أعداء الله وأنا ضامن لكم بالفتح والغنيمة، فشد المسلمون وأنا فيهم معي راية، فتوجهت بها إلى أهل قرية، فسألوني الأمان فأمنتهم ثم جئت، فأجدك قد انتهيت إلى حصن عظيم، ففتح الله لك، وألقوا إليك السلم. ووضع الله لك مجلساً فجلست عليه، ثم قيل لك يفتح الله عليك وتنصر فاشكر ربك واعمل بطاعته، ثم قرأ "إذا جاء نصر الله والفتح" إلى آخرها. ثم انتبهت، فقال له أبو بكر: نامت عيناك، خيراً رأيت، وخيراً يكون إن شاء الله، ثم قال: بشرت بالفتح ونعيت إلي نفسي، ثم دمعت عينا أبي بكر ثم قال: أما الخرشفة التي رأيتنا نمشي عليها حق صعدنا إلى القنة العالية، فأشرفنا على الناس، فإنا نكابد من أمر هذا الجند والعدو مشقة ويكابدونه، ثم نعلو بعد ويعلو أمرنا، وأما نزولنا من القنة العالية إلى الأرض السهلة الدمثة والزرع والعيون والقرى والحصون فإنا ننزل إلى أمر أسهل مما كنا فيه من الخصب والمعاش. وأما قولي للمسلمين: شنوا على أعداء الله الغارة، فإني ضامن لكم الفتح والغنيمة فإن ذلك دنو المسلمين إلى بلاد المشركين، وترغيبي إياهم على الجهاد والأجر والغنيمة التي تقسم لهم، وقبولهم. وأما الراية التي كانت معك، فتوجهت بها إلى قرية من قراهم ودخلتها، واستأمنوا فأمنتهم فإنك تكون أحد أمراء المسلمين ويفتح الله على يديك. وأما الحصن الذي فتح الله لي، فهو ذلك الوجه الذي يفتح الله لي، وأما العرش الذي رأيتني عليه جالساً فإن الله يرفعني ويضع المشركين. قال الله تبارك وتعالى: "ورفع أبويه على العرش" وأما الذي أمرني بطاعة الله وقرأ علي السورة فإنه نعى إلي نفسي، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى الله إليه نفسه حين نزلت هذه السورة، وعلم أن نفسه قد نعيت إليه، ثم سألت عينا فقال: لآمرن بالمعروف ولأنهين عن المنكر ولأجهدن فيمن ترك أمر الله، ولأجهزن الجنود إلى العادلين بالله في مشارق الأرض ومغاربها حتى يقولوا: الله أحد أحد لا شريك له، أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون. هذا أمر الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا توفاني الله عز وجل لا يجدني الله عاجزاً ولا وانياً ولا في ثواب المجاهدين زاهداً. فعند ذلك أمر الأمراء. وبعث إلى الشام البعوث.
    وعن عبد الله بن أبي أوفى الخزاعي قال: لما أراد أبو بكر غزو الروم دعا علياً وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وأبا عبيدة بن الجراح، ووجوه المهاجرين والأنصار من أهل بدر وغيرهم فدخلوا عليه. قال عبد الله بن أبي أوفي وأنا فيهم فقال: إن الله عز وجل لا تحصى نعماؤه ولا يبلغ جزاء الأعمال، فله الحمد، قد جمع الله كلمتكم وأصلح ذات بينكم وهداكم إلى الإسلام ونفى عنكم الشيطان، فليس يطمع أن تشركوا به ولا تتخذوا إلهاً غيره، فالعرب اليوم بنو أم وأب، وقد رأيت أن أستنفر المسلمين إلى جهاد الروم بالشام ليؤيد الله المسلمين، ويجعل الله كلمته العليا مع أن للمسلمين في ذلك الحظ الوافر لأنه من هلك منهم هلك شهيداً. وما عند الله خير للأبرار، ومن عاش عاش مدافعاً عن الدين مستوجباً على الله ثواب المجاهدين، وهذا رأيي الذي رأيت، ما شار امرؤ علي برأيه، فقام عمر بن الخطاب فقال: الحمد لله الذي يخص بالخير من يشاء من خلقه. والله ما استبقنا إلى شيء من الخير قط إلا سبقتنا إليه، "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم" قد والله أردت لقاءك بهذا الرأي الذي رأيت. فما قضى أن يكون حتى ذكرته، فقد أصبت أصاب الله فيك سبيل الرشاد، سرب إليهم الخيل في إثر الخيل، وابعث الرجال بعد الرجال، والجنود تتبعها الجنود. فإن الله ناصر دينه، ومعز الإسلام وأهله.



    ثم إن عبد الرحمن بن عوف قام فقال: يا خليفة رسول الله، إنها الروم وبنو الأصفر، حد حديد وركن شديد، ما أرى أن تقحم عليهم إقحاماً. ولكن نبعث الخيل فنغير في قواصي أرضهم ثم نرجع إليك. فإذا فعلوا ذلك بهم مراراً أضروا بهم وغنموا من أدنى أرضهم فقووا بذلك على عدوهم، ثم تبعث إلى أرضي أهل اليمن وأقاصي ربيعة ومضر ثم تجمعهم جميعاً إليك، فإن شئت بعد ذلك غزوتهم بنفسك وإن شئت أغزيتهم ثم سكت وسكت الناس. قال: فقال لهم أبو بكر: ماذا ترون? فقال عثمان بن عفان: إني أرى أنك ناصح لأهل هذا الدين شفيق عليهم، فإذا رأيت رأيا تراه لعامتهم صلاحاً فاعزم على إمضائه، فإنك غير ظنين. فقال طلحة والزبير وسعد وأبو عبيدة وسعيد بن زيد ومن حضر ذلك المجلس من المهاجرين والأنصار: صدق عثمان، ما رأيت من رأي فأمضه، فإنا لا نخالفك، ولا نتهمك. وذكروا هذا وأشباهه، وعلي في القوم لم يتكلم. قال أبو بكر: ماذا ترى يا أبا الحسن? فقال: أرى أنك إن سرت إليهم بنفسك أو بعثت إليهم نصرت عليهم إن شاء الله فقال: بشرك الله بخير! ومن أين علمت ذلك? قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال هذا الدين ظاهراً على كل من ناوأه حتى يقوم الدين وأهله ظاهرون. فقال: سبحان الله ما أحسن هذا الحديث. لقد سررتني به سرك الله.
    ثم إن أبا بكر رضي الله عنه قام في الناس فذكر الله بما هو أهله وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس، إن الله قد أنعم عليكم بالإسلام، وأكرمكم بالجهاد وفضلكم بهذا الدين على كل دين فتجهزوا عباد الله إلى غزو الروم بالشام، فإني مؤمر عليكم أمراء، وعاقد لكم، فأطيعوا ربكم ولا تخالفوا أمراءكم لتحسن نيتكم وشربكم وأطعمتكم. ف "إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون" فسكت القوم، فوا لله ما أجابوا فقال عمر: يا معشر المسلمين، مالكم لا تجيبون خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد "دعاكم لما يحييكم". أما إنه "لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً" لابتدرتموه. فقام عمرو بن سعيد فقال: يا بن الخطاب، ألنا تضرب الأمثال أمثال المنافقين?! فما منعك مما عبت علينا فيه أن تبتدئ به?! فقال عمر: إنه يعلم أني أجيبه لو يدعوني، وأغزو لو يغزيني. قال عمرو بن سعيد، ولكن نحن لا نغزو لكم إن غزونا، إنما نغزو لله. فقال عمر: وفقك الله فقد أحسنت. فقال أبو بكر لعمرو: اجلس رحمك الله فإن عمر لم يرد بما سمعت أذى مسلم ولا تأنيبه، إنما أراد بما سمعت أن ينبعث المتثاقلون إلى الأرض إلى الجهاد فقام خالد بن سعيد فقال: صدق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. اجلس ابن أخي. فجلس. وقال خالد: الحمد لله الذي لا إله إلا هو الذي بعث محمداً بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. فالله منجز وعده ومظهر دينه ومهلك عدوه، ونحن غير مخالفين ولا مختلفين، وأنت الوالي الناصح الشفيق، تنفر إذا استنفرتنا ونطيعك إذا أمرتنا. ففرح بمقالته أبو بكر وقال: جزاك الله خيراً من أخ وخليل، فقد كنت أسلمت مرتغباً وهاجرت محتسباً، وقد كنت هربت بدينك من الكفار لكيما يطاع الله ورسوله وتعلو كلمته، وأنت أمير لناس، فسر يرحمك الله ثم إنه نزل، ورجع خالد بن سعيد فتجهز، وأمر أبو بكر بلالاً فأذن في الناس أن انفروا أيها الناس إلى جهاد الروم بالشام، والناس يرون أن أميرهم خالد بن سعيد، وكان الناس لا يشكون أن خالد بن سعيد أميرهم، وكان أول خلق الله عسكر، ثم إن الناس خرجوا إلى معسكرهم من عشرة وعشرين وثلاثين وأربعين وخمسين ومئة، كل يوم، حتى اجتمع أناس كثير. فخرج أبو بكر ذات يوم. ومعه رجال من الصحابة حتى انتهى إلى عسكرهم فرأى عدة حسنة لم يرض عدتها للروم، فقال لأصحابه: ما ترون في هؤلاء? أن نشخصهم إلى الشام في هذه العدة? فقال عمر: ما أرضى هذه العدة لجموع بني الأصفر. فقال لأصحابه: ماذا ترون فقالوا: نحن نرى ما رأى عمر، فقال: ألا أكتب كتاباً إلى أهل اليمن ندعوهم إلى الجهاد فنرغبهم في ثوابه، فرأى ذلك جميع أصحابه. قالوا: نعم ما رأيت. افعل. فكتب:

    بسم الله الرحمن الرحيم: من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من قرئ عليه كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين من أهل اليمن: سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد. فإن الله تعالى كتب على المؤمنين الجهاد وأمرهم أن ينفروا خفافاً وثقالاً ويجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله. والجهاد فريضة مفروضة، والثواب عند الله عظيم، وقد استنفرنا المسلمين إلى جهاد الروم بالشام وقد سارعوا إلى ذلك. وقد حسنت في ذلك نيتهم وعظمت حسبتهم، فسارعوا عباد الله إلى ما سارعوا إليه ولتحسن نيتكم فيه، فإنكم إلى إحدى الحسنيين، إما الشهادة وإما الفتح والغنيمة، فإن الله تبارك وتعالى لم يرض من عباده بالقول دون العمل، ولا يزال الجهاد لأهل عداوته حتى يدينوا بدين الحق ويقروا بحكم الكتاب. حفظ الله لكم دينكم، وهدى قلوبكم، وزكا أعمالكم، ورزقكم أجر المجاهدين الصابرين. وبعث بهذا الكتاب مع أنس بن مالك رضي الله عنه.
    قال ابن حزم: ولما أجمع أبو بكر أن يبعث الجيوش إلى الشام كان أول من سار من عماله عمرو بن العاص وأمره أن يسلك على أيلة عامداً لفلسطين، فقدم عمرو أمامه مقدمة عليهم سعيد بن الحارث السهمي ودفع لواءه إلى الحجاج بن الحارث السهمي وكان جند عمرو الذين خرجوا معه من المدينة ثلاثة آلاف فيهم ناس كثير من المهاجرين والأنصار. وخرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه يمشي إلى جنب راحلة عمرو بن العاص وهو يوصيه ويقول: يا عمرو اتق الله في سر أمرك وعلانيته. واستحيه فإنه يراك ويرى عملك، وقد رأيت تقديمي إياك على من هو أقدم سابقة منك، ومن كان أعظم غناء عن الإسلام وأهله منك، فكن من عمال الآخرة. وأرد بما تعمل وجه الله. وكن والداً لمن معك ولا تكشفن الناس عن أستارهم، واكتف بعلانيتهم. وكن مجداً أمرك، واصدق اللقاء إذا لاقيت، ولا تجبن، وتقدم في الغلول وعاقب عليه، وإذا وعظت أصحابك فأوجز وأصلح نفسك تصلح كل رعيتك. في وصية له طويلة وعهد عهده إليه يعمل به.
    وفي رواية: قال أبو بكر لعمرو بن العاص: إني قد استعملتك على من مررت به من مررت به من بلي وعذرة وسائر قضاعة ومن سقط هناك من العرب، فاندبهم إلى الجهاد في سبيل الله ورغبهم فيه، فمن تبعك منهم فاحمله وزوده. ورافق بينهم، فاندبهم إلى الجهاد في سبيل اله ورغبهم فيه، فمن تبعك منهم فاحمله وزوده. ورافق بينهم، واجعل كل قبلية على حدتها ومنزلتها.
    وبعث أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثلاثة أمراء إلى الشام: عمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة. فكان عمرو هو الذي يصلي بالناس إذا اجتمعوا، وإن تفرقوا كان كل رجل منهم على أصحابه. وكان أمر الناس إلى عمرو بن العاص يوم أجنادين ويوم فحل، وفي حصار دمشق حتى فتحت.
    ورد في الأصل: فحل بكسر الحاء. قال: والمحفوظ بسكونها.
    ولما رأى عمرو بن العاص كثرة الجموع بالشام كتب إلى أبي بكر يذكر أمر الروم وما جمعوا ويستمده، فشاور أبو بكر من عنده من المسلمين. فقال عمر بن الخطاب: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب إلى خالد بن الوليد، يسير بمن معه إلى عمر بن العاص فيكون له مدداً، ففعل أبو بكر. وكتب إلى خالد بن الوليد. فلما أتاه كتاب أبي بكر قال: هذا عمل عمر. حسدني على فتح العراق. وأن يكون على يدي، فأحب أن يجعلني مدداً لعمرو بن العاص وأصحابه فأكون كأحدهم فإن كان فتح شركنا فيه، أو أن أكون تحت يدي بعضهم فإن كان فتح كان ذكره له دوني، وكتب أبو بكر الصديق إلى عمرو بن العاص أني كتبت إلى خالد بن الوليد يسير إليك مدداً لك. فإذا قدم عليك فأحسن مصاحبته، ولا تطاول عليه، ولا تقطع الأمور دونه لتقديمي إياك عليه، وعلى غيره. وشاورهم ولا تخالفهم.
    وعن موسى بن عقيبة قال: ثم بعث أبو بكر ثلاثة أمراء إلى الشام: خالد بن سعيد على جند، وعمرو بن العاص السهمي على جند، وشرحبيل بن حسنة على جند. ثم نزع خالد بن سعيد وأمر على جنده يزيد بن أبي سفيان، فأدركه بذي المروة، فكأن عمراً وجد على خالد بن سعيد. ولما فرغ خالد بن الوليد من اليمامة جاءه كتاب أبي بكر يأمره بالمسير إلى الشام، فمضى خالد على وجهه وسلك على عين التمر فمر بدومة فأغار عليها فقتل بها رجالاً، وهزمهم وسبى ابنه الجودي، ثم مضى حتى قدم الشام به فمر بدومة فأغار عليها فقتل بها رجالاً، وهزمهم وسبي ابنة الجودي، ثم مضى حتى قدم الشام وبه يومئذ أبو عبيدة بن الجراح على جند، ويزيد بن أبي سفيان على جند، وعمرو بن العاص على جند وشرحبيل بن حسنة على جند، فقدم عليهم خالد بن الوليد فأمدهم يوم أجنادين وهزم الله عدوه.
    وحج أبو بكر في خلافته سنة ثنتي عشرة. فلما قفل من الحج جهز الجيوش إلى الشام فبعث عمرو بن العاص قبل فلسطين، فأخذ الطريق المغربة على أيلة، وبعث يزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة وأمرهم أن يسلكوا التبوكية من علياء الشام. ولما بعث أبو بكر الجيوش لقتال أهل الردة وأتته وفود العرب مقرة بما كانت أنكرت راجعة إلى ما كانت خرجت منه، ورأى أبو بكر حسن خلافة ربه نبيه صلى الله عليه وسلم في تركته وجماعة أمته ومنه عليهم بنصره وكفايته مؤونته على كل مرتد ومرتاب، وقوته عليهم جميعاً واجتماع كلمتهم على الإيمان بالله والعمل بفرائضه دعاهم إلى جهاد قيصر وكسرى ومن يليهما من أهل ملكهما، وإقامة فريضة الله عليهم بذلك، والعمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان من مسيره بنفسه وجماعة أمته إلى قيصر ومن يليهم، فأجابه إلى ذلك جماعة من المهاجرين والأنصار ومهاجرة الفتح وأمداد أهل العالية واليمن فاجتمع ل منهم أربعة وعشرون ألفاً. وولى عليهم الأمراء، وعقد لهم الألوية وجهزهم بما قدر عليه من الأموال والظهر. ولم يرض ببعثه السرايا ولا الاقتصار عليها فمضوا لما وجههم له، فوليهم الله بحسن الصحبة في العاقبة وسعة الرزق والتمكين في البلاد والنصر والفلج والظهور على من تعرض قتالهم بأجنادين ثم فحل ثم مرج الصفر ثم نزلوا على دمشق وحاصروا أهلها.
    وأمر أبو بكر خالداً أن ينزل تيماء ولا يبرحها، وأن يدعو من حوله بالانضمام إليه وألا يقبل إلا ممن لم يرتد، ولا يقاتل إلا من قاتله حتى يأتيه أمره. فأقام واجتمع إليه جموع كثيرة. وبلغ الروم عظم ذلك العسكر فضربوا على العرب الضاحية البعوث بالشام إليهم. فكتب خالد بن سعيد إلى أبي بكر بذلك وبنزول من استنفرت الروم، ونفر إليهم من بهراء وكلب وسلح وتنوخ ولخم وجذام وغسان من دون زيزاء بثلاث، فكتب إليه أبو بكر أن أقدم ولا تحجم، واستنصر الله، فسار إليهم خالد. فلما دنا منهم تفرقوا وأعروا منزلهم. فنزله خالد. ودخل عامة من كان تجمع له في الإسلام. وكتب خالد إلى أبي بكر بذلك. فكتب إليه أبو بكر: أقدم ولا تقتحمن حتى لا تؤتى من خلفك ?، فسار فيمن كان خرج معه من تيماء وفيمن لحق به في طرف الرمل حتى نزلوا فيما بين آبل وزيزاء والقسطل، فسار إليه بطريق منن بطارقة الروم يدعى باهان، فهزمه وقتل جنده. وكتب بذلك إلى أبي كبر واستنفره. وقدم على أبي بكر أوائل مستنفري اليمن ومن بين مكة وبين اليمن وفيهم ذو الكلاع. وقدم عليه عكرمة قافلاً وغازياً فيمن كان معه من تهامة وعمان والبحرين والسرو، فكتب لهم أبو بكر إلى أمراء الصداقات أن يبدلوا من استبدل، فكلهم استبدل، فسمي ذلك الجيش جيش البدال. وقدموا على خالد بن سعيد، وعند ذلك اهتاج أبو بكر للشام، وعناه أمره. وقد كان أبو بكر رد عمرو بن العاص على عمالة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاها إياه من صدقات سعد هذيم، وعذرة ومن لفهم من جذام وحدس قبل ذهابه إلى عمان، فخرج إلى عمان وهو على عدة من عمله إذا هو رجع، فخرج إلى عمان فأنجز له ذلك أبو بكر. فكتب أبو بكر عند اهتياجه للشام إلى عمرو أني قد كنت رددتك إلى العمل الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاكه مرة وسماه لك أخرى، مبعثك إلى عمان إنجازاً لمواعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وليته ثم وليته وقد أحببت، أبا عبد الله، أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك ومعادك، إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك، فكتب إليه عمرو: إني سهم منن سهام الإسلام. وإنك بعد الله للرامي بها، والجامع لها، فانظر أشدها وأخشاها وأفضلها فارم به شيئاً إن جاءك من ناحية من النواحي، وكتب إلى الوليد نحو ذلك فأجابه بإيثار الجهاد.
    قال سعيد بن المسيب: لما بعث أبو بكر الجنود نحو الشام: يزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة قال: لما ركبوا مشى أبو بكر مع أمراء جنوده يودعهم حتى بلغ ثنية الوداع فقالوا: يا خليفة رسول الله، أتمشي ونحن ركبان?! فقال: إني احتسبت خطاي هذه في سبيل الله. وفي رواية: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار". ثم جعل يوصيهم فقال: أوصيكم بتقوى الله. اغزوا في سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله، فإن الله ناصر دينه ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تجبنوا ولا تفسدوا في الأرض، ولا تعصوا ما تؤمرون، فإذا لقيتم العدو من المشركين إن شاء الله فادعوهم إلى ثلاث خصال فإن هم أجابوكم فاقبلوا منهم وكفوا عنهم: ادعوهم إلى الإسلام. فإن هم أجابوكم فاقبلوا منهم وكفوا عنهم، ثم ادعوهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، فإن هم فعلوا فأخبروهم أن لهم مثل ما للمهاجري، وعليهم ما على المهاجرين. وإن هم دخلوا في الإسلام واختاروا دارهم على دار المهاجرين فأخبروهم أنهم كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي فرض على المؤمنين، وليس لهم في الفيء الغنائم شيء حتى يجاهدوا مع المسلمين. فإن هم أبوا أن يدخلوا في الإسلام فادعوهم إلى الجزية، فإن هم فعلوا فاقبلوا منهم وكفوا عنهم. وإن هم أبوا فاستعينوا بالله عليهم فقاتلوهم. إن شاء الله، ولا تعزقن نخلاً ولا تحرقنها، ولا تعقروا بهيمة، ولا شجرة تثمر، ولا تهدموا بيعة، ولا تقتلوا الولدان ولا الشيوخ ولا النساء، وستجدون أقواماً حبسوا أنفسهم في الصوامع فقدعوهم وما حبسوا أنفسهم له، وستجدون آخرين اتخذ الشيطان في أوساط رؤوسهم أفحاصاً، فإذا وجدتم أولئك فاضربوا أعناقهم إن شاء الله.
    قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير وقال لي: هل تدري لم فرق أبو بكر وأمر بقتل الشمامسة يلقون القتال فيقاتلون، وأن الرهبان رأيهم ألا يقاتلوا. وقد قال تعالى: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم".
    وقال إسحاق بن أبي قروة: إن خالداً ومن معه هبطوا من ثنية الغوطة، تقدمهم راية رسول الله صلى الله عليه وسلم السوداء التي يقال لها العقاب، فبها سميت يومئذ ثنية العقاب.
    قال ابن إسحاق: وسار خالد حتى أغار على غسان بمرج راهط ثم سار حتى نزل على قناة بصرى، وعليها أبو عبيدة بن الجراح، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان فاجتمعوا فرابطوها، حتى صالحت بصرى على أخذ الجزية، وفتحها الله على المسلمين فكانت أول مدينة من مدائن الشام فتحت في خلافة أبي بكر.
    قال: وصالح خالد في وجهه ذلك أهل تدمر، ومر على حوارين فقتل وسبى.
    وعن عبد الرحمن بن جبير أن أبا بكر الصديق كان جهز بعد النبي صلى الله عليه وسلم جيوشاً على بعضها شرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، فساروا حتى نزلوا الشام فجمعت لهم الروم جموعاً عظيمة. فحدث أبو بكر بذلك فأرسل إلى خالد بن الوليد وهو بالعراق، وكتب أن انصرف بثلاثة آلاف فارس فأمد إخوانك بالشام، والعجل العجل، فأقبل خالد مغذاً جواداً، فاشتق الأرض بمن معه حتى خرج إلى ضمير فوجد المسلمين معسكرين بالجابية، وتسامع الأعراب الذين كانوا في مملكة الروم بخالد ففزعوا له، ففي ذلك يقول قائلهم: من الطويل:



    ألا يا اصبحينا قبل خيل أبي بكر

    لعل منايانا قريب وما نـدري
    فنزل خالد على شرحبيل بن حسنة ويزيد وعمرو فاجتمع هؤلاء الأربعة أمراء. وسارت الروم من أنطاكية وحلب وقنسرين وحمص وما دون ذلك، وخرج هرقل كراهية لمسيرهم متوجهاً نحو الروم وسار باهان الرومي أبي الرومية إلى الناس بمن كان معه.
    روي عبد الحميد بن جعفر عن أبيه أن المسلمين ساروا وعليهم هؤلاء الأمراء: يزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة. كل على عسكر، ومن كانت الواقعة مما يلي عسكره فهو على أصحابه، وساروا، معهم النساء والذرية بالخيل والسلاح، ليس معهم حمار ولا شاة، فأخذوا على طريق فلسطين حتى نزلوا بقرية يقال لها: ثادن من قرى غزة. ومما يلي الحجاز، فلقيهم بها بطريق من بطارقة الروم فأرسل إليهم أن يخرجوا إليه أحد القواد ليكلمه. قال: فتواكلوا ذلك وقالوا لعمرو بن العاص: أنت لذلك. فخرج إليه عمرو فرحب به البطريق ومت إليه بقرابة العيص بن إسحاق بن إبراهيم. وقال: ما الذي جاء بكم، فقد كانت الآباء اقتسمت الأرض، فصار لكم ما يليكم، وصار لنا ما يلينا، وقد عرفنا أنم إنما أخرجكم من بلادكم الجهد، وسنأمر لكم بمعروف، وتنصرفون. فقال عمرو: أما القرابة فهي على ما ذكرت، وأما القسمة فإنها كانت قسمة شططاً علينا، فنحن نريد أن نزاد حتى تكون قسمة معتدلة، لنأخذ نصف ما في أيديكم من الأنهار والعمارة ونعطيكم نصف ما في أيدينا من الشوك الحجارة. وأما ما ذكرت من الجهد الذي أخرجنا، فإنا قدمنا فوجدنا في هذه البلاد شجرة يقال لها الحنطة، فعذقنا منها طعاماً لا نفارقكم حتى نصيركم عبيداً أو تقتلونا تحت أصول هذه الشجرة. قال: فالتفت إلى أصحابه فقال: صدقوا، وافترقا، فاقتتلوا فكانت بينهم معركة انصرف القوم على حامية، ومضى المسلمون في آثارهم حتى طووهم عن فلسطين والأردن إلا ما كان من إيلياء وقيسارية تحصن فيها أناس فتركوهم ومضوا إلى ناحية البثينة ودمشق.
    وحدث أبو عثمان الصنعاني شراحيل بن مرثد قال: بعث أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خلافته خالد بن الوليد إلى أهل اليمامة، وبعث يزيد بن أبي سفيان إلى الشام. قال: فكنت ممن سار مع خالد إلى اليمامة. فلما قدمنا قاتلنا قتالاً شديداً وظفرنا بهم، وهلك أبو بكر واستخلف عمر بن الخطاب فبعث أبا عبيدة بن الجراح إلى الشام، فقدم دمشق فاستمد أبو عبيدة عمر، فكتب عمر إلى خالد أن سر إلى أبي عبيدة بالشام فدعا خالد بن الوليد الدليل فقال: في كم نأتي إلى الحيرة? فقال: في كذا وكذا. قال: فعطش خالد الإبل ثم سقاها، واستقى وسقى الخيل، ثم كعم أفواه الإبل وأدبارها، وقال له الدليل: إن أنت أصبحت عند الشجرة نجوت ونجا من معك، وإن أصبحت دون الشجرة فقد هلكت وهلك من معك فسار خالد بمن معه فأصبح عند إضاءة الفجر عند الشجرة فنحر الإبل، وسقى ما في بطونها الخيل، وأطعم لحومها المسلمين، وسقى المسلمين من المزاد التي كانت تحمل معه، ثم أتى الحيرة أو الكوفة، فصالحه أسقفها.
    قال ابن عساكر: كذا قال، وإنما كان هذا بعد رجوعه عن الحيرة. وأبو عبيدة كان بالشام في أيام أبي بكر.
    وكان أبو بكر قد وجه خالد بن الوليد إلى العراق وأوصاه بمثل الذي أوصى به خالداً. وإن خالد بن سعيد سار حتى نزل على الشام ولم يقتحم، واستجلب الناس وعز فهابته الروم وأحجموا عنه، فلم يصبر عليه بعدما أمن، فوافقوا ابنه سعيد بن خالد مستمطراً فواقعوه فقتلواه ومن معه، وأتى الخبر خالداً فخرج هارباً حتى أتى البر فتنزل منزلاً، واجتمعت الروم إلى اليرموك فنزلوا به. وقالوا: والله لنشغلن أبا بكر في نفسه عن تورد بلادنا بخيوله. وكتب خلاد بن سعيد إلى أبي بكر بالذي كان، فكتب أبو بكر إلى عمرو بن العاص وكان في بلاد قضاعة بالسير إلى بلاد اليرموك ففعل. وبعث أبا عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان وأمر كل واحد منهما بالغارة. وألا تغلوا حتى لا يكون وراءكم أحد من عدوكم. وقدم عليه شرحبيل بن حسنة بفتح من فتوح خالد فسرحه نحو الشام في جند، وسمى لكل رجل من أمراء الأجناد كورة من كور الشام، فتوافوا باليرموك. فلما رأت الروم توافيهم ندموا على الذي ظهر منهم، ونسوا لذي كانوا يتواعدون أبا بكر به، واهتموا وهمتهم أنفسهم وأشجوهم وشجوا بهم. ثم نزلوا الواقوصة، وقال أبو بكر: والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد. فكتب اله بالمسير إلى أبي عبيدة بالشام، وأمره أن يستخلف المثنى بن حارثة على العراق في نصف الناس. فإذا فتح الله على المسلمين الشام فارجع إلى عملك بالعراق.
    وبعث خالد بالأخماس إلا ما نفل منها مع عمير بن سعد الأنصاري، وبمسيره إلى الشام، ودعا خالد الأدلة، فارتحل من الحيرة سائراً إلى دومة ثم طعن في البر إلى قراقر ثم قال: كيف لي بطريق أخرج فيه من وراء جموع الروم? فإني إن استقبلتها حبستني عن غياث المسلمين، فكلهم قال: لا نعرف إلا طريقاً لا تحمل الجيوش يأخذه الفذ والراكب فإياك أن تغرر بالمسلمين. فعزم عليه ولم يجبه إلى ذلك إلا رافع بن عميرة على تهيئة شديدة. فقال له خالد وللمسلمين: لا يهولنكم، فإنا عباد الله، وفي سبيل الله، وعلى طاعة خليفة رسول الله، ونحن وإن كثرنا بعد أن نتزود كالقليل المنكمش، فناشدوه فثاب فيهم فقال: لا يختلفن هديكم، ولا يضعفن يقينكم، واعلموا أن المعونة تأتي على قدر النية، والأجر على قدر الحسبة، وإن المسلم لا ينبغي له أن يكترث لشيء يقع فيه مع معونة الله له، فقالوا له: أنت رجل قد جمع الله لك الخير، فشأنك فطابقوه ونووا واحتسبوا واشتهوا مثل الذي اشتهى خالد.
    ولما سار خالد من الحيرة يمد أهل الشام استعمل على الضعفاء عمير بن سعد، واستعمل على من أسلم بالعراق المثنى بن حارثة الشيباني، ثم سار حتى نزل عين التمر وأغار على أهلها، ورابط حصونها مقاتلة كانت لكسرى وضعهم فيها حتى استنزلهم، فضرب أعناقهم وسبى من عين التمر بشراً كثيراً، فبعث بهم إلى أبي بكر. وذلك أول سبي قدم المدينة. من ذلك السبي أبو عمرة جد عبد الله بن أبي عمرة وعبيد مولى المعلى وأبو عبيد الله مولى بني زهرة وخير مولى أبي داود ويسار مولى قيس بن مخرمة.
    قال ابن إسحاق:
    وكان فيهم عمير بن زيتون الذي ببيت المقدس، ويسار مولى أبي بن كعب، وهو أبو الحسن بن أبي الحسن البصري، وأفلح مولى أبي أيوب الأنصاري. ووجدوا في كنيسة اليهود صبياناً يتعلمون الكتابة في قرية من قرى عين التمر يقال لها نقيرة. وكان فيهم حمران بن أبان مولى عثمان، وقتل هلال بن عطية بن بشر النمري وصلبه. ثم سار ففوز من قراقر وهو ماء لكلب إلى سوى وهو ماء لبهراء بينهما خمس ليلا، فلم يهتد الطريق، فطلب دليلاً فدل على رافع بن عميرة الطائي، فأتاه رافع فاستدله على الطريق فقال: أنشد الله في نفسك وجيشك، فإنها مفازة خمس ليال ليس فيها ماء مع مضلتها، وإن الراكب المنفرد يسلكها فيخاف على نفسه التهلكة، وما يسلكها إلا مغرور. ما علمت رأيك ونصيحتك. ومرنا بأمرك. قال رافع: فابغني عشرين من الإبل سمان عظام، فأتي بهن فظمأهن حتى جهدن، فأوردها الماء فشربن حتى تملأن ثم أمر بمشافرها فقطعن ثم كعمهن كيلا تجتررن ?، ثم حل أذنابهن، ثم قال لخالد: تزود واحمل من أطاق أن يصر على أذن ناقته ماء فليفعل فإنها المهالك، ففعل، وساروا فسار معهم وسار خالد معه بالخيول والأثقال. فكلما سار يوماً وليلة اقتطع منهن أربعة فأطعم لحمانها. وسقى ما في أكراشها الخيل، وشرب الناس ما كانوا حملوا. وبقي منزل واحد ونفدت الإبل وخشي خالد على أصحابه في آخر يوم، فأرسل خالد إلى رافع أن الإبل قد نفدت فما ترى? قال: قد انتهيت إلى الري فلا بأس عليك. اطلبوا شجرة بمثل قعدة الرجل، فعندها الماء. ورافع يومئذ رمد، فطلبوها فلم يصيبوها فرجعوا إلى رافع، فقالوا: إنا لم نصبها، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. هلكتم وهلكت لا أبا لكم. اطلبوها فطلبوها فأصابوها قد قطعت الشجرة وقد بقي منها بقية، فكبر وكبر الناس. فقال: احتفروا فاحتفروا عيناً عذبة مروية، فتزودوا وسقوا وحملوا. فقال رافع: إن هذه المفازة ما سلكتها قط إلا مرة واحدة مع أبي وأنا غلام.
    وفي رواية: فقال رافع. والله ما وردت هذا الماء مذ ثلاثين سنة. فقال شاعر من المسلمين: قيل هو أبو أحيحة القرشي: من الرجز



    لله عينا رافع أنى اهـتـدى

    فوز من قراقر إلـى سـوى
    خمساً إذا ما سارها الجبس بكى

    ما سارها من قبله إنـس يرى
    ثم إن خالد بن الوليد أغار على أهل سوى، وهو ماء بهراء، قبل الصبح، وهم يشربون شراباً لهم في جفنة قد اجتمعوا عليهم ومغنيهم يقول: من الطويل


    ألا عللاني قبل جيش أبي بكر

    لعل منايانا قريب وما ندري
    فزعوا أن ذلك المغني قتل تحت الغارة، فسال دمه في الجفنة.
    ثم استقام بخالد الطريق فتواصلت به امياه، حتى إذا أغار على مرج العذراء وبه ناس من غسان فأصاب منهم، ثم مضى حتى نزل مع أبي عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة على قناة بصرى فنزل معهم حتى صالحت بصرى على الجزية، وكانت أول جزية وقعت بالشام في عهد أبي بكر.
    وكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد: أما بعد. فدع العراق وخلف أهله فيه الذين قدمت عليهم وهم فيه. ثم امض مخففاً في أهل القوة من أصحابنا الذين قدموا معك العراق من اليمامة، وصحبوك من الطريق وقدموا عليك من الحجاز حتى تأتي الشام فتلقي أبا عبيدة بن الجراح، ومن معه من المسلمين، فإذا التقيتم فأنت أمير الجماعة. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.


    صفحة 58+59+60+61+62+63+64+65+66+
    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29437
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65575
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty ما روي من توقع المشركين

    مُساهمة من طرف waell السبت 2 فبراير 2013 - 13:14

    ما روي من توقع المشركين


    لظهور دولة المسلمين


    عن عبد الله بن عباس أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجاراً بالشام في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش فأتوه، وهو بإيلياء. فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم وترجمانه فقال: أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي? قال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم به نسباً، فقال: أدنوه مني، وقربوا أصحابه فجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه قل لهم: إني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذب فكذبوه، قال أبو سفيان: فوا لله لولا الحياء أن يأثروا علي كذباً لكذبته عه، ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم? قلت: هو فينا ذو نسب، قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله? قلت: لا، قال: فهل كان من آبائه ملك? قلت: لا، قال: فأشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم? قلت: بل ضعفاؤهم قال: أيزيدون أم ينقصون? قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه? قلت: لا. قال: فهل يغدر? قلت: لا، قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول الذي قال? قال: قلت: لا. قال: فهل يغدر? قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها. ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة. قال: فهل قاتلتموه? قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه? قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه. قال: فماذا يأمركم? قال: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة وبالصدقة والعفاف والصلة، فقال: للترجمان قل له: إني سألتك عن نسبه. فذكرت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها. وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القول? فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله قلت: رجل يأتم بقول قيل قبله. وسألتك: هل كان من آبائه ملك? فذكرت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه ملك قلت: رجل يطلب ملك أبيه. وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال? فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله عز وجل. وسألتك: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم? فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل. وسألتك: أيزيدون أم ينقصون? فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم. وسألتك: أيرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه? فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلوب. وسألتك: هل يغدر? فزعمت أن لا، وكذلك الرسل لا يغدرون. وسألتك: بم يأمركم? فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئاً. وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة وبالصدقة والعفاف والصلة، فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين، وهو نبي، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولكن لم أكن أظن أنه منكم، ولو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا هو: بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى. أما بعد: فإني أدعوك بداعية الإسلام، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الإريسين "يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً" الآية. قال أبو سفيان: فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب، كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا، فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمُرَ أمرُ ابن أبي كبشة، إنه يخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقناً أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام، وكان ابن قاطور وهو صاحب إيلياء وهرقل سقفه على نصارى الشام يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يوماً خبيث النفس، فقال له بعض بطارقته: لقد أنكرنا هيئتك، فقال ابن قاطور: وكان هرقل رجلاً حزاء ينظر في النجوم فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمم? قالوا: ليس يختتن غير اليهود، فلا يهمنك شأنهم واكتب إلى مدائن ملكك فليقتلوا من فيهم من اليهود، فبيناهم على أمرهم ذلك أتي هرقل برجل أرسل به ملك غسان بخبره عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استخبره هرقل قال: اذهبوا فانظروا مختتن هو أم لا? فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن. فسأله عن العرب أيختتنون? فقال: نعم هم يختتنون، فقال: هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر، فكتب هرقل إلى صاحب له برومية، وكان نظيره في العلم، وسار هرقل إلى حمص، فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق هرقل على خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه نبي، فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ثم أمر بأبواهبا فغلقت ثم اطلع فقال لهم: يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم? تتبعوا هذا الرجل. فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد أغلقت، فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من إيمانهم فقال: ردوهم علي، وقال: إني إنما قلت مقالتي التي قلت لكم أنفاً أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت الذي أحب فسجدوا له ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل.
    المحفوظ ابن الناظور، ويقال بالطاء المهملة.
    وقد كان أمير جند الروم باليرموك قد بعث عيناً من عرب الشام فدخل على المسلمين عسكرهم، فرجع إليه فأخبرهم أنهم بالليل رهبان وبالنهار فرسان، هم فيما بينهم كالعبيد وعلى من سواهم كالأسود، إذا قالوا صدقوا، وإذا عاهدوا أوفوا، يأخذون لله حقوقه ولو من أنفسهم، فقال: أف لك، لئن كنت صادقاً للموت خير من الحياة، وليمرن علينا منهم شر طويل.
    وفي رواية: ولو سرق ملكهم قطعوا يده، ولو زنى رجموه.
    وقد كان هرقل قبل مهزم خالد بن سعيد حج بيت المقدس، فبينما هو مقيم به أتاه الخبر بقرب الجنود منه، فجمع الروم وقال: أرى من الرأي أن لا تقاتلوا هؤلاء القوم وأن تصالحوهم فوا لله لئن تعطوهم نصف ما أخرجت الشام، وتأخذون نصفاً، وتبقى لكم جبال الروم خير لكم من أن يغلبوكم على الشام ويشاركوكم في جبال الروم، فنخر أخوه ونخر ختنه وتصدع عنه من كان حوله. فلما اجتمع المسلمون أمرهم بمنزل جامع واسع حصين، فنزلوا بالواقوصة وخرج فنزل حمص. فلما بلغه أن خالداً قد طلع على سوى فانتسف أهله وأمواله وعمد إلى بصرى فافتتحها وأباح عذراً قال لجلسائه: ألم أقل لكم لا تقاتلوهم فإنه لا قوام لكم مع هؤلاء القوم، إن دينهم دين جديد يجدد لهم ثبارهم ولا يقوم لهم أحد حتى يبلى، فقالوا له: قاتل عن دينك ولا تجبن الناس واقض الذي عليك. قال: وأي شيء أطلب بهذا إلا توفير دينكم? ولما نزلت جنوج المسلمين اليرموك بعث إليه المسلمون: إنا نريد كلام أميركم وملاقاته، أفتدعونا نأتيه نكلمه، فأبلغوه فأذن لهم فأتاه أبو عبيدة كالرسول ويزيد بن أبي سفيان كالرسول والحارث بن هشام وضرار بن الأزور وأبو جندل بن سهيل، ومع أخي الملك يومئذ في عسكره ثلاثون رواقاً وثلاثون سرادقاً كلها من ديباج، فلما انتهوا إليها أبوا أن يدخلوا عليه فيها، وقالوا: لا نستحل الحرير فابرز لنا فنزل إلى فرش له ممهدة وبلغ ذلك هرقل فقال: ألم أقل لكم هذا أول الذل. أما الشام فلا شام، وويل للروم من المولود المشؤوم، ولم يتأت بينهم وبين المسلمين صلح فرجع أبو عبيدة وأصحابه واتعدوا، فكان القتال حتى جاء الفتح.
    حدث رجلان من غسان. قال: لما كان المسلمون بناحية الأردن تحدثنا بيننا أن دمشق ستحاصر، فقال أحدنا لصاحبه: هل لك أن ندخل المدينة فنتبين من سوقها قبل حصارها، فبينا نحن فيها نتسوق إذ أتانا رسول بطريقها اصطراخيه، فذهب بنا إليه، فقال: أنتما من العرب? قلنا: نعم. قال: وعلى النصرانية? قلنا: نعم، قال: ليذهب أحدكما إلى هؤلاء فليتحسس لنا من خيرهم ورأيهم، وليثبت الآخر على متاع صاحبه، ففعل ذلك أحدنا فلبث لبثاً ثم جاءه فقال: جئتك من عند رجال دقاق يركبون خيولاً عتاقاً، أما الليل فرهبان، وأما النهار ففرسان، يريشون النبيل ويبرونها ويثقفون القنا، لو حدثت جليسك حديثاً ما فهمه عنك لما علا من أصواتهم بالقرآن والذكر، فالتفت إلى أصحاب فقال: أتاكم منهم ما لا طاقة لكم به.
    قال ابن إسحاق: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يثبت لهم العدو فواقاً عند اللقاء، فقال هرقل وهو على أنطاكية لما قدمت منهزمة الروم، قال لهم: أخبروني ويلكم عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم أليسوا هم بشر مثلكم? قالوا: بلى، قال: فأنتم أكثر أم هم، قالوا: بل نحن أكثر منهم أضعافاً في كل موطن، قال: فما بالكم تهزمون كما لقيتموهم، فقال شيخ من عظمائهم: من أجل أنهم يقومون بالليل، ويصومون بالنهار، ويوفون بالعهد، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويتناصفون بينهم، ومن أجل أنا نشرب الخمر ونزني ونركب الحرام وننقض العهد ونغصب ونظلم، ونأمر بما يسخط الله وننهي عما يرضي الله، ونفسد في الأرض. قال: أنت صدقتني.


    صفحة 66+67+68+69
    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29437
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65575
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty ذكر ظفر جيش المسلمين بأجنادين وفحل ومرج الصفر

    مُساهمة من طرف waell الأحد 3 فبراير 2013 - 13:26

    ذكر ظفر جيش المسلمين بأجنادين وفحل ومرج الصفر
    قال ابن شهاب: كانت وقعة أجنادين وفحل في سنة ثلاث عشرة: أجنادين في جمادى، وفحل في ذي القعدة.
    قالوا: وكانت وقعة أجنادين يوم السبت صلاة الظهر لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة.
    قال ابن إسحاق: استخلف عمر على رأس اثنتي عشرة سنة وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يوماً من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الناس بالشام إلى خالد بن الوليد، والأمراء على منازلهم، فساروا قبل فحل من الأردن، وكانت فحل في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة، وعلى رأس ستة أشهر من خلافة عمر، وقيل إن فحل كانت في رجب.
    قال الواقدي: وفي سنة أربع عشرة كان فتح مرج الصفر، فأقام المسلمون بها خمس عشرة من المحرم، وفيها زحف المسلمون إلى دمشق في المحرم فحاصروها ستة أشهر إلا يوماً.
    وقال ابن إسحاق: وقعة مرج الصفر يوم الخميس لاثنتي عشرة بقيت من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة. والأمير خالد بن الوليد.
    حدث سعيد وابن جابر قالا: ثم كانت بعد أجنادين وقعة مرج الصفر. قال سعيد: التقوا على النهر عند الطاحونة، فقتلت الروم يومئذ حتى جرى النهر، وطحنت طاحونتها بدمائهم، فأنزل الله على المسلمين نصره، وقتلت يومئذ أم حكيم أربعة من الروم بعمود فسطاطها.
    حدث عبد الله بن عمرو بن العاص في بيت المقدس، قال: شهدنا أجنادين ونحن يومئذ عشرون ألفاً، وعلى الناس يومئذ عمرو بن العاص، فهزمهم الله، ففاءت فئة إلى فحل في خلافة عمر. فسار إليهم في الناس عمرو بن العاص فنفاهم إلى فحل. فأهل الشام قاطبة وعامة رواتنا يقولون إن أجنادين كانت قبل فحل، وهي في ولاية أبي بكر، وكانت فحل في ذي القعدة في خلافة عمر على رأس خمسة أشهر من خلافته. وكانت أجنادين أول وقعة بين المسلمين والروم نصر الله المسلمين، وهي إحدى ملاحم الروم التي أبيروا فيها.
    قال الواقدي: كانت أجنادين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة، وبشر بها أبو بكر رضي الله عنه وهم بآخر رمق.
    قال: ومضى خالد بن الوليد إلى أصحابه حتى نزل على قناة بصرى، فيجد الأمراء مقيمين لم يفتحوا شيئاً قال: ما مقامكم بهذا الموضع? أنهضوا، فنهضوا بأهل بصرى فما أمسوا ذلك اليوم حتى دعوا إلى الصلح فصالحوهم وكتبوا بينهم كتاباً، فكانت أول مدينة فتحت من الشام صلحاً. وفيها مات سعد بن عبادة، وكان فتحها لخمس بقين من ربيع الأول سنة ثلاث عشرة، وأهل الشام يقولون: إن فحل كانت قبل فتح دمشق.
    وذكر سيف بن عمر التميمي: أنها كانت بعد فتح دمشق. والله أعلم.
    وخلف الناس بعد فتح دمشق يزيد بن أبي سفيان في خيله في دمشق وساروا نحو فحل، فكان على الناس شرحبيل بن حسنة، فبعث خالداً على المقدمة وأبا عبيدة وعمراً على مجنبتيه، وعلى الخيل ضرار، وعلى الرجل عياض، وكرهوا أن يصمدوا لهرقل وخلفهم ثمانون ألفاً، وعلموا أن بإزاء فحل جند الروم وإليهم ينظرون، وأن الشام بعدهم سلم، فلما انتهوا إلى أبي الأعور فقدموه إلى طبرية فحاصروهم، ونزلوا على فحل من الأردن، وقد كان أهل فحل حين نزل بهم أبو الأعور تركوه وأرزوا إلى بيسان فنزل شرحبيل بالناس فحلاً، والروم ببيسان، وبينهم وبين المسلمين تلك المياه والأوحال، وكتبوا إلى عمر بالخبر، وهم يحدثون أنفسهم بالمقام ولا يريدون أن يريموا فحل حتى يرجع جواب كتابهم من عند عمر، ولا يستطيعون الإقدام على عدوهم في مكانهم لما دونهم من الأوحال، وكانت العرب تسمي تلك الغزاة فحل، وذات الردغة وبيسان، وأصاب المسلمون من ريف الأردن أفضل ما ترك فيه المشركون: مادتهم متواصلة، وخصبهم رغد، فاغترهم القوم، وعلى الروم سقلار بن محرق، ورجوا أن يكونوا على غرة فأتوهم والمسلمون لا يأمنون مجيئهم فهم على حذر، وكان شرحبيل لا يبيت ولا يصبح إلا على تعبئة. فلما هجموا على المسلمين فغافصوهم فلم يناظروهم، فاقتتلوا بفحل كأشد قتال اقتتلوه قط ليلتهم ويومهم إلى الليل فأظلم عليهم الليل وقد حاروا فانهزموا وهم حيارى وقد أصيب رئيسهم سقلار بن محراق والذي يليه فيهم نطورس، وظفر المسلمون أحسن ظفر وأهناه، وركبوهم وهم يرون على أنهم على قصد وجد، فوجدوهم حيارى لا يعرفون ما حدهم، فأسلمتهم هزيمتهم وحيرتهم إلى الوحل فركبوه، ولحق أوائل المسلمين بهم وقد وحلوا، فركبوهم وما يمنعون يد لامس فوخزوهم بالرماح فكانت الهزيمة في فحل، وكانت مقتلتهم في الرداغ، فأصيب الثمانون ألفاً لم يفلت إلا الشريد، وكن الله عز وجل ليزدادوا بصيرة، وجدوا واقتسموا ما أفاء الله عز وجل عليهم، وانصرف أبو عبيدة بخالد من فحل إلى حمص، وصرفوا بشير بن كعب من اليرموك معهم، ومضوا بذي كلاع ومن معه، وخلفوا شرحبيل ومن معه.



    صفحة 69+70
    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29437
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65575
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty باب كيف كان أمر دمشق في الفتح

    مُساهمة من طرف waell الأحد 3 فبراير 2013 - 13:29

    باب كيف كان أمر دمشق في الفتح


    فتحت دمشق في سنة أربع عشرة في رجب، وقدم عمر بن الخطاب الشام سنة ست عشرة، فولاه الله فتح بيت المقدس على صلح ثم قفل، وكانت اليرموك سنة خمس عشرة، وعلى المسلمين أبو عبيدة بن الجراح.
    قال ابن إسحاق: ثم ساروا إلى دمشق، على الناس خالد، وقد كان عمر عزله وأمر أبا عبيدة، فرابطوها حتى فتح الله عز وجل. فلما قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمرته وعزل خالد استحيا أن يقرئ خالداً الكتاب حتى فتحت دمشق في سنة أربع عشرة في رجب. قال: فأظهر أبو عبيدة إمرته وعزل خالد ثم شتى أبو عبيدة شتيته وفي نسخة: شتيه بدمشق.
    قال ابن الكلبي: كان الصلح يوم الأحد النصف من رجب سنة أربع عشرة، صالحهم أبو عبيدة بن الجراح. وقد حاصرهم أبو عبيدة رجب وشعبان وشهر رمضان وشوال، وتم الصلح في ذي القعدة. ومنهم من قال: حاصروها أربعة عشرة شهراً.
    قال أبو عثمان الصنعاني: لما فتح الله علينا دمشق خرجنا مع أبي الدرداء في مسلحة برزة ثم تقدمنا مع أبي عبيدة بن الجراح ففتح الله بنا حمص، ثم تقدمنا مع شرحبيل بن السمط فأوطأ الله بنا ماء دون النهر، يعني الفرات وحاصرنا عانات وأصابنا لأواء، وقد علينا سليمان في مدد لنا.
    وقال أبو عثمان أيضاً:
    حاصرنا دمشق، فنزل يزيد بن أبي سفيان على باب الصغير، ونزل أبو عبيدة بن الجراح على باب الجابية، ونزل خالد بن الوليد على باب الشرقي، وكان أبو الدرداء في مسلحة برزة. قال: فحاصرناها أربعة أشهر. قال: وكان راهب دمشق قد طلب من خالد بن الوليد الصلح. قال: فشرط عليه خالد بن الوليد أشياء أبي الراهب أن يجيب إليها. قال: فدخلها يزيد بن أبي سفيان قسراً من باب الصغير حتى ركبها. قال: وذهب الراهب كما هو على الحائط فأتى خالد بن الوليد ولا يعلم خالد أن يزيد قد دخلها قسراً. فقال له: هل لك في الصلح? قال: وتجيبني إلى ما شرطت عليك? قال: نعم. فأشهد عليه ففتح له باب الشرقي، فدخل يزيد فبلغ المقسلاط فالتقى هو وخالد عند المقسلاط، فقال هذا: دخلتها عنوة. وقال هذا: دخلتها صلحاً فأجمع رأيهم على أن جعلوها صلحاً. قالوا: ونظروا فإذا ما بين باب الشرقي إلى المقسلاط أبعد مما بين باب الصغير إلى المقسلاط.
    قال الأوزاعي: كنت عند ابن سراقة حين أتاه أهل دمشق النصارى بعهدهم فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من خالد بن الوليد لأهل دمشق، إني أمنتهم على دمائم وأموالهم وكنائسهم ألا تسكن ولا تهدم، شهد يزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وقضاعي بن عامر. وكتب في رجب من سنة أربع عشرة.
    قالوا: ولما نشب أصحاب خالد بن الوليد القتال دنا رجل منهم وفي يده اليمنى سيف، وفي اليسرى الدرقة فنادى بالبراز فقالوا: ما يقول? قيل: يقول إنه يدعو للمبارزة، فأنزلوا حبشياً كالبعير مستلثماً، في سلاحه، فتدانى فضربه المسلم فقتله، ثم نادى بالبراز، فأنزلوا إليه صاحب بندهم، أجلسوه على باب دلوه فتدانى فضربه المسلم فقتله، ثم نادى بالبراز، فقال: قل للشيطان يبارزك.
    وقيل: إن أبا عبيدة بن الجراح دخلها من باب الجابية بالأمان، ودخل خالد بن الوليد من باب الشرقي عنوة بالسيف يقتل، فالتقيا عند سوق الزيت فلم يدروا أيهما كان أول العنوة أو الأمان، فأجتمعوا فقالوا: والله لئن أخذنا ما ليس لنا سفكنا الدماء وأخذنا الأموال لنأثمن، ولئن تركنا بعض مالنا لا نأثم. قال: فاجتمعوا على أن أمضوه صلحاً.
    قال عباس بن سهل بن سعد: تولى أبو عبيدة حصار دمشق، وولي خالد بن الوليد القتال على الباب الذي كان عليه وهو الباب الشرقي، فحاصر دمشق بعد موت أبي بكر حولاً كاملاً وأياماً، ثم إنه لما طال على صاحب دمشق انتظار مدد هرقل ورأى المسلمين لا يزدادون إلا كثرة وقوة، وأنهم لا يفارقونه أقبل يبعث إلى أبي عبيدة بن الجراح يسأله الصلح، وكان أبو عبيدة أحب إلى الروم وسكان الشام من خالد، وكان يكون الكتاب منه أحب إليهم، فكانت رسل صاحب دمشق إنما تأتي أبا عبيدة بن الجراح وخالد يلح على أهل الباب الذي يليه فأرسل صاحب الرجال إلى أبي عبيدة فصالحه، وفتح له باب الجابية، وألح خالد بن الوليد على الباب الشرقي ففتحه عنوة، فقال خالد لأبي عبيدة: اسبهم فإني قد فتحتها عنوة، فقال أبو عبيدة إني قد أمنتهم فتمم لهم أبو عبيدة الصلح، وكتب لهم كتاباً وهذا كتابه.
    بسم الله الرحمن الرحيم



    هذا كتاب لأبي عبيدة بن الجراح ممن أقام بدمشق وأرضها وأرض الشام من الأعاجم، إنك حين قدمت بلادنا سألناك الأمان على أنفسنا وأهل ملتنا، إنا شرطنا لك على أنفسنا ألا نحدث في مدينة دمشق ولا فيما حولها كنيسة ولا ديراً ولا قلاية ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب من كنائسنا ولا شيئاً منها ما كان في خطط المسلمين، ولا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها في الليل والنهار، وأن توسع أبوابها للمارة وابن السبيل، ولا نؤوي فيها ولا في منازلها جاسوساً، ولا نكتم على من غش المسلمين، وعلى ألا نضرب بنواقيسنا إلا ضرباً خفياً في جوف كنائسنا، ولا نظهر الصليب عليها، ولا نرفع أصواتنا في صلاتنا وقراءتنا في كنائسنا، ولا نخرج صليبنا ولا كتابنا في طريق المسلمين، ولا نخرج باعوثاً ولا شعانين، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في أسواق المسلمين، ولا نجاورهم بالخنازير، ولا نبيع الخمور، ولا نظهر شركاً في نادي المسلمين، ولا نرغب مسلماً في ديننا، ولا ندعو إليه أحداً، وعلى ألا نتخذ شيئاً من الرقيق الذين جرت عليهم سهام المسلمين، ولا نمنع أحداً من قرابتنا إن أرادوا الدخول في الإسلام، وأن نلزم ديننا حيث ملكنا، لوات نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا في مراكبهم، ولا نتكلم بكلامهم ولا نتسمى بأسمائهم، وأن نجز مقادم رؤوسنا، ونفرق نواصينا، ونشد الزنانير على أوساطنا، ولا ننقش في خواتمنا بالعربية، ولا نركب السروج، ولا نتخذ شيئاً من السلاح، ولا نجعله في بيوتنا، ولا نتقلد السيوف، وأن نوقر المسلمين في مجالسهم، ونرشدهم للطريق ونقوم لهم من المجالس إذا أرادوا المجالس، ولا نطلع عليهم في منازلهم، ولا نعلم أولادنا القرآن، ولا نشارك أحداً من المسلمين إلا أن يكون للمسلم أمر التجارة، وأن نضيف كل مسلم عابر سبيل من أوسط ما نجد، ونطعمه فيها ثلاثة أيام، وعلى ألا نشتم مسلماً، ومن ضرب منا مسلماً فقد خلع عهده. ضمنا ذلك لك على أنفسنا وذرارينا وأزواجنا ومساكننا، وإن نحن غيرنا أو خالفنا عما اشترطنا على أنفسنا وقبلنا الأمان عليه فلا ذمة لنا، وقد حل لك منا ما يحل من أهل المعاندة والشقاق. على ذلك أعطينا الأمان لأنفسنا وأهل ملتنا، وأقرونا في بلادكم التي أورثكم الله عز وجل عليها. شهد الله على ما شرطنا لكم على أنفسنا، وكفى به شهيداً.
    وقيل: إن يزيد بن أبي سفيان دخل دمشق هو ومن معه من باب الصغير قسراً. فكان يقتل هو والمسلمون ويسبون. فلما رأى ذلك الروم دلوا أسقفهم من باب الشرقي في قفة إلى خالد بن الوليد فأخذ لهم الأمان من خالد فأعطاهم وفتحوا له باب الشرقي فدخل خالد ومن معه حتى انتهوا إلى المقسلاط. وأجاز أبو عبيدة أمان خالد وأمضاه.
    قالوا: وكان صالح أهل دمشق على شيء مسمى لا يزداد عليهم إن استغنوا، ولا يحط عنهم إن افتقروا، فكان صالح أهل دمشق على دينارين دينارين وشيء من طعام، وبعضهم على الطاقة، إن زاد المال زاد عليهم، وإن نقص ترك ذلك عنهم، وكان اشترط على أهل الذمة بأرض الشام أن عليهم إرشاد الضال، وأن يبنوا قناطر أبناء السبيل من أموالهم، وأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثة أيام، ولا يشتموا مسلماً ولا يضربوه، ولا يرفعوا في نادي أهل الإسلام صليباً، ولا يخرجوا خنزيراً من منازلهم إلى أفنية المسلمين، ولا يمروا بالخمر في ناديهم، وأن نوقد النيران للغزاة في سبيل الله عز وجل، ولا يدلوا للمسلمين على عورة، وألا يحدثوا بناء كنيسة، ولا يضربوا بناقوسهم قبل أذان المسلمين وألا يخرجوا الرايات في عيدهم، وألا يلبسوا السلاح في عيدهم، وألا ينحروا في بيوتهم، فإن فعلوا شيئاً من ذلك عوقبوا، وأخذ منهم فحسب لهم في جزيتهم.
    ومنهم من قال: وقد كان أبو بكر توفي قبل فتح دمشق وكتب عمر إلى أبي عبيدة بالولاية على الجماعة وعزل خالد، فكتم أبو عبيدة الكتاب من خالد وغيره حتى انقضت الحرب. فكتب خالد الأمان لأهل دمشق وأبو عبيدة الأمير وهم لا يدرون. قال: فكان كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بنعي أبي بكر واستعماله أبا عبيدة وعزله خالداً:

    بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عبيدة بن الجراح. سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد. فإن أبا بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ورحمة الله وبركاته على أبي بكر الصديق العامل بالحق والآمر بالقسط والآخذ بالعرف، اللين السير، الوادع، السهل القريب الحليم، ونحتسب بمصيبتنا فيه ومصيبتكم ومصيبة المسلمين عامة عند الله، وأرغب إلى الله في العصمة والتقى برحمته والعمل بطاعته ما أحيانا، والحلول في جنته إذا توفانا، فإنه لعلى كل شيء قدير. وقد بلغنا حصاركم لأهل دمشق وقد وليتك جماعة الناس، فاثبت سراياك في نواحي أرض حمص ودمشق، وما سواها من أرض الشام، وانظر في ذلك برأيك ومن حضرك من المسلمين، ولا يحملنك قولي هذا على أن تغري عسكرك فيطمع فيك عدوك، ولكن من استغنيت عنه فسيره، ومن احتجت إليه في حصارك فاحتبسه، وليكن فيمن تحتبس خالد بن الوليد فإنه لا غنى بك عنه.
    قالوا: فدفع ذلك الكتاب إلى خالد بن الوليد بعد فتح دمشق بنحو من عشرين ليلة فأقبل حتى دخل على أبي عبيدة فقال: يغفر الله لك، أتاك كتاب أمير المؤمنين بالولاية فلم تعلمني، وأنت تصلي خلفي والسلطان سلطانك?! فقال له أبو عبيدة: وأنت يغفر الله لك، ما كنت لأعلمك ذلك حتى تعلمه من غيري. وما كنت لأكسر عليك حربك حتى ينقضي ذلك كله، ثم قد كنت أعلمك إن شاء الله. وما سلطان الدنيا أريد وما للدنيا أعمل، وأن ما ترى سيصير إلى زوال وانقطاع، وإنما نحن إخوان وقوام بأمر الله عز وجل، وما يضير الرجل أن يلي عليه أخوه في دينه ولا دنياه. بل يعلم الوالي أنه كاد أن يكون أدناهما إلى الفتنة وأوقعهما في الخطيئة لما يعرض من الهلكة إلا من عصم الله، وقليل ما هم. ودفع أبو عبيدة عند ذلك إلى خالد بن الوليد الكتاب.
    قال أبو حذيفة: وولي أبو عبيدة حصار دمشق وولي خالد بن الوليد القتال على باب الشرقي وولاه الخيل إذا كان يوم يجتمع فيه المسلمون للقتال، فحاصروا دمشق بعد هلاك أبي بكر حولاً كاملاً وأياماً. وساق الحديث.
    وكان أهل دمشق قد بعثوا إلى قيصر وهو بأنطاكية رسلاً أن العرب قد حاصرونا وليست لنا بهم طاقة، وقد قاتلناهم مراراً فعجزنا عنهم فإن كان لك فينا وفي السلطان علينا حاجة فأمددنا وأعنا، وإلا فإنا في ضيق وجهد، فاعذرنا، وقد أعطانا القوم الأمان ورضوا منا بالجزية اليسيرة، فسرح إليهم أن تمسكوا بحصنكم وقاتلوا عدوكم على دينكم، فإنكم إن صالحتموهم وفتحتم حصنكم لهم لم يفوا لكم وجبروكم على دينهم واقتسموكم بينهم، وأنا مسرح إليكم الجيش في إثر رسولي هذا، فانتظروا جيشه فأبطأ عليهم. وكتب عمر إلى أبي عبيدة يأمره بالمناهضة.
    وذكر سيف بن عمر: إن فتح دمشق كان بعد وقعة اليرموك.
    وقيل في حديث آخر: فلما أيقن أهل دمشق أن الأمداد لا تصل إليهم فشلوا ووهنوا وأيسوا، وازداد المسلمون طمعاً فيهم، وقد كانوا يرون أنها كالغارات قبل ذلك، إذا هجم البرد قفل الناس، وسقط النجم والقوم مقيمون. فعند ذلك انقطع رجاؤهم وندموا على دخول دمشق. وولد للبطريق الذي على أهل دمشق مولود فصنع عليه، فأكل القوم وشربوا وغفلوا عن مواقفهم ولا يشعر بذلك أحد من المسلمين إلا ما كان من خالد. فإنه كان لا ينام ولا ينيم ولا يخفى عليه من أمورهم شيء، عيونه ذاكية وهو معني بما يليه قد اتخذ حبالاً كهيئة السلاليم وأوهاقاً.



    فلما أمسى من ذلك اليوم نهد ومن معه من جنوده الذين قدم بهم عليهم، وتقدمهم هو والقعقاع بن عمرو ومذعور بن عدي وأمثاله من أصحابه في أول نومة، وقال: إذا سمعتم تكبيرنا على السور فارقوا البناء، وانهدوا إلى الباب. فلما انتهى إلى الباب الذي يليه هو وأصحابه المتقدمون رموا بالحبال الشرف، وعلى ظهورهم القرب التي قطعوا بها خندقهم، فلما ثبت لهم وهقان تسلق فيهما القعقاع ومذعور ثم لم يدعا أحبولة إلا أثبتاها، والأوهاق بالشرف، وكان المكان الذي اقتحموا منه أحصن مكان يحيط بدمشق، أكثره ماء وأشده مدخلاً، وتوافوا لذلك فلم يبق بمن قدم معه أحد إلا رقي أو دنا من الباب حتى إذا استووا على السور حدر عامة أصحابه، وانحدر معهم، وخلف من يحمي ذلك المكان لمن يرتقي، وأمرهم بالتكبير، فكبر الذين على رأس السور فنهد المسلمون إلى الباب، ومال إلى الحبال بشر كثير فوثبوا فيها، وانتهى خالد إلى أول من يليه فأقامهم وانحدر إلى الباب فقتل البوابين، وثار أهل المدينة وفزع سائر النسا، فأخذوا مواقفهم ولا يدرون ما الشأن وتشاغل أهل كل ناحية بما يليهم، فقطع خالد بن الوليد ومن معه أعلاق الباب بالسيوف، وفتحوا للمسلمين، فأقبلوا عليهم من داخل حتى ما بقي مما يلي باب خالد مقاتل إلا أنم. ولما شد خالد على من يليه وبلغ منهم الذي أراد عنوة وأرز من أفلت إلى أهل الأبواب التي تلي غيره، وقد كان المسلمون دعوهم إلى المشاطرة فأبوا وأبعدوا، فلم يفجأهم إلا وهم يبوحون لهم بالصلح، فأجابوهم وقبلوا منهم، وفتحوا لهم الأبواب، وقال: ادخلوا وامنعونا من أهل ذلك الباب فدخل أهل كل باب بصلح مما يليهم، ودخل خالد مما يليه عنوة. فالتقى خالد والقواد في وسطها هذا استعراضاً وانتهاباً، وهؤلاء صلحاً وتسكيناً، فأجروا ناحية خالد مجراهم وقالوا: قد فروا إلينا ودخلوا معنا، فأجاز لهم ذلك عمر رضي الله عنه، فأجرى النصف الذي أخذ عنوة مجرى الصلح فصار صالحاً. وكان صلح دمشق على المقاسمة، الديار والعقار ودينار عن كل رأس، واقتسموا الأسلاب، فكان أصحاب خالد فيها كأصحاب سائر القواد، وجرى على الديار ومن بقي في الصلح جريب من كل جريب أرض، ووقف ما كان للملوك ومن صوب معهم فيئاً وبعثوا بالبشارة إلى عمر، وقدم على أبي عبيدة كتاب عمر بأن اصرف جند العراق إلى العراق وأمرهم بالحث إلى سعد بن مالك، فأمر علي جند العراق هاشم بن عتبة، وعلى مقدمته القعقاع بن عمرو، وعلى مجنبتيه عمرو بن مالك الزهري وربعي بن عامر، فصرفوا بعد دمشق نحو سعد، فخرج هاشم نحو العراق في جند أهل العراق. وخرج علقمة ومسروق إلى إيلياء فنزلا على طريقها وبقي بدمشق مع يزيد بن أبي سفيان من قواد أهل اليمن عدد، وبعث يزيد بن أبي سفيان دحية بن خليفة الكلبي في خيل بعد فتح دمشق إلى تدمر وأبا الزهراء القشيري إلى البثنية وحوران فصالحوهما على صلح دمشق، ووليا القيام على فتح ما بعثا إليه. وكان أخو أبي الزهراء قد أصيبت رجله بدمشق يوم دمشق.
    قال أبو عبيد القاسم بن سلام: مدينة دمشق افتتحها خالد بن الوليد صلحاً، وعلى هذا مدن الشام كانت كلها صلحاً دون أرضيا على يدي يزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وأبي عبيدة بن الجراح.
    وبينما المسلمون على حصار مدينة دمشق إذا أقبلت خيل عظيمة مخمرة بالحرير هابطة من ثنية السليمة فرآهم المسلمون وهم منحدرون منها، فخرج إليهم جماعة من المسلمين فيما بين بيت لهيا والثنية التي هبطوا منها، فهزمهم الله وطلبهم المسلمون، يترحل هؤلاء وينزل هؤلاء حتى وقفوا على باب حمص، فظن أهلها أنهم لم يأتوا حمص إلا وقد صالحوا أهلها، فقالوا: نحن على ما صالحتم عليه أهل دمشق ففعلوا.
    وعن عقبة بن عامر الجهني أنه قال: بعثني بعض أمراء الشام إلى عمر بن الخطاب فقدمت عليه في يوم الجمعة، وعلي خفان فقال: متى أولجت خفيك? قال: قلت له: يوم الجمعة الخالية، قال: ثم لم تنزعهما بعد? قال: قلت: ثم لم أنزعهما بعد. قال: أصبت.
    قال ليث: وذلك رأينا.
    وفي رواية أخرى: فقال عمر: أصبت السنة.
    وعن عبد الرحمن بن جبير:

    أن المسلمين لما افتتحوا مدينة دمشق بعثوا أبا عبيدة بن الجراح وافداً إلى أبي بكر ومبشراً بالفتح، فقدم المدينة فوجد أبا بكر قد توفي رحمة الله عليه واستخلف عمر بن الخطاب، فأعظم أن يأتمر أحد من أصحابه عليه، فولاه جماعة الناس، فقدم عليهم فقالوا: مرحباً بمن بعثناه بريداً فقدم علينا أميراً.
    وقال مكحول: إن الذي أبرد بفتح دمشق رجل من الصحابة ليس بأبي عبيدة بل هو عقبة بن عامر. وهو أصح وعليه الناس.
    قال: وفي حديث عبد الرحمن بن جبير خطأ في مواضع ثلاثة: أحدها قوله: إن دمشق فتحت في خلافة أبي بكر، وإنما حوصرت في حياته، ولم تفتح إلا بعد وفاته. والثاني قوله: إن عمر ولى أبا عبيدة بالمدينة. وإنما ولاه وهو مقيم بالشام. فبعث إليه بكتاب توليته وهم محاصرو دمشق، فكتمه أبو عبيدة خالداً حتى تم الفتح. والثالث قوله: إن أبا عبيدة كان البريد بفتح البلد، وإنما كان البريد عقبة بن عامر. ويدل عليه أيضاً إجماع أهل التواريخ على أن فتح دمشق كان سنة أربع عشرة، وبلا خلاف إن أبا بكر توفي سنة ثلاث عشرة في جمادى الآخرة. والله أعلم.
    عن المغيرة قال: افتتح شرحبيل بن حسنة الأردن كلها عنوة ما خلا طبرية، فإن أهلها صالحوه وذلك بأمر أبي عبيدة. وبعث أبو عبيدة خالد بن الوليد فغلب على أرض البقاع، وصالحه أهل بعلبك وكتب لهم كتاباً.
    وقال المغيرة: صالحهم على أنصاف منازلهم وكنائسهم ووضع الخراج.
    وقال ابن إسحاق وغيره: في سنة أربع عشرة فتحت حمص وبعلبك صلحاً على يدي أبي عبيدة في ذي القعدة.
    قال شباب: ويقال في سنة خمس عشرة.


    صفحة 70+71+72+73+74+75
    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29437
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65575
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty ذكر تاريخ وقعة اليرموك

    مُساهمة من طرف waell الأحد 3 فبراير 2013 - 13:34



    ذكر تاريخ وقعة اليرموك
    ومن قتل بها
    تواردت الروايات وقعة اليرموك في سنة خمس عشرة.
    وقال ابن الكلبي: كانت يوم الاثنين لخمس مضين من رجب.
    وهذه الأقوال هي المحفوظة في تاريخ اليرموك.
    وقال سيف بن عمر: إنها كانت قبل فتح دمشق، في أول خلافة عمر سنة ثلاث عشرة. ولم يتابع على ذلك.
    وشهد اليرموك ألف رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم نحو من مئة من أهل بدر.
    وقال سعيد بن عبد العزيز: إن المسلمين كانوا أربعة وعشرين ألفاً، وعليهم أبو عبيدة بن الجراح. والروم عشرون ومئة ألف، عليهم باهان وسقلان يوم اليرموك.
    وعن كعب قال: إن لله عز وجل في اليمن كنزين جاء بأحدهما يوم اليرموك، قال: وكانت الأردن يومئذ ثلث الناس. ويجيء بالآخر يوم الملحمة الكبرى سبعون ألفاً، حمائل سيوفهم المسد.
    قال محمد بن إسحاق: مات المثنى بن حارث فتزوج سعد امرأته سلمى بنة حفص في سنة أربع عشرة. وأقام تلك الحجة للناس عمر بن الخطاب. ودخل أبو عبيدة في تلك السنة دمشق فشتا بها. فلما ضاقت الروم سار هرقل في الروم حتى نزل أنطاكية ومعه من المستعربة لخم وجذام وبلقين وبلي وعاملة، وتلك القبائل من قضاعة وغسان بشر كثير، معه من أهل أرمينية مثل ذلك بشر كثير،. فلما نزلها أقام بها. وبعث الصقلان، خصياً له، فسار في مئة ألف مقاتل، معه من أهل أرمينية اثنا عشر ألفاً عليهم جرجة، ومعهم من المستعربة من غسان وتلك القبائل اثنا عشر ألفاً، عليهم جبلة بن الأيهم الغساني، وسائرهم من الروم وعلى جملة الناس الصقلان، خصي هرقل. وسار المسلمون إليهم وهم أربعة وعشرون ألفاً، عليهم أبو عبيدة بن الجراح، فالتقوا باليرموك في رجب سنة خمس عشرة، فاقتتل الناس قتالاً شديداً حتى دخل عسكر المسلمين وقاتل نساء من قريش بالسيوف حتى دخل العسكر، منهن أم حكيم بنت الحارث بن هشام حتى سايفن الرجال.
    وعن عبد الرحمن بن جبير

    أن أمراء الأجناد اجتمعوا في خباء يزيد بن أبي سفيان وهم بالجابية يسمعون خبر عين لهم من قضاعة يخبرهم بكثرة القوم ومنزلهم على نهر الرقاد ومرج الجولان إذا طاف بهم أبو سفيان فقال: ما كنت أظن أني أبقى حتى أرى غلمة من قريش يذكرون أمر حربهم ويكيدون عدوهم بحضرتي لا يحضرونيه، فقالوا: هل لكم إلى رأي شيخكم? فقالوا: ادخل أبا سفيان، فدخل فقال: ما عندكم? فأخبروه بخبر القضاعي فقال: إن معسكركم هذا ليس بمعسكر إني أخاف أن يأتيكم أهل فلسطين والأردن فيحلوا بينكم وبين مددكم من المدينة فتكونوا بين عسكرهم، فارتحلوا حتى تجعلوا أذرعات خلف ظهوركم، يأتيكم المدد والخير، فقبلوا ذلك من رأيه. فقال: إذ قبلتم هذا من رأيي فأمروا خالد بن الوليد على الخيول ومروه بالوقوف فيما بين العسكرين وبين الخيول، فإنه سيكون لرحيل العسكر من السخر أصوات عالية تحدث لعدوكم فيكم طمعاً، فإن أقبلوا يريدون ذلك لقيتهم الخيول فكفتها. وإن كانت للخيول جولة وزعت عنها المرامية، فقبلوا ذلك من رأيه. ونادوا من السحر بالرحيل، فتنادت الروم إلى العرب قد هربت، فأقبلت فلقيتها الخيول وكفتها حتى سار العسكر وتبعتها المرامية وساقتها الخيول حتى نزلوا خلف اليرموك، وجعلوا أرعات خلف ظهورهم، ونزلت الروم فيما بني دير أيوب إلى ما يليها من نهر اليرموك، بينهم النهر، فعسكروا هنالك أياماً، فبعث باهان صاحبهم إلى خالد بن الوليد إن رأيت أن تخرج إلى في فوارس وأخرج إليك في مثلهم أذاكرك أمراً لنا ولكم فيه صلاح وخير، ففعل خالد بن الوليد فوافقه ملياً فكان فيما عرض عليه أن قال: قد علمت أن الذي أخرجكم من بلادكم غلاء السعر وضيق الأمر بكم وإني قد رأيت أن أعطي كل رجل منكم عشرة دنانير وراحلة، تحمل حملها من الطعام والكسوة والأدم، فترجعون بها إلى بلادنا الجوع ولا ضيق الأمور ولكنا معشر العرب نشرب الدماء، فحدثنا ألا دماء أحلى من دماء الروم، فأقبلنا نهريق دماءكم ونشربها. قال: فنظر أصحابه بعضهم إلى بعض فقالوا: هذا ما كنا نحدث به عن العرب من شربها الدماء.
    قالوا: ثم زحف يعني باهان إلى المسلمين، فخرج بهم أبو عبيدة وقد جعل على ميمنته معاذ بن جبل، وعلى ميسرته قباثة بن أسامة الكناني، وعلى الرجالة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وعلى الخيل خالد بن الوليد. وكان الأمراء عمرو بن العاص على ربع، ويزيد بن أبي سفيان على ربع. وشرحبيل بن حسنة على ربع، وكان أبو عبيدة على ربع. وخرج الناس على راياتهم فيها أشراف رجال من العرب، فيها الأزد وهم ثلث الناس، وفيها حمير وهمدان ومذحج وخولان وخثعم، وفيها كنانة وقضاعة ولخم وجذام وكندة وحضرموت، وليس فيها أسد ولا تميم ولا ربيعة، ولم تكن دارهم، إنما كانت دارهم عراقية. فقاتلوا أهل فارس بالعراق. فلما برزوا لهم وسار أبو عبيدة بالمسلمين وهو يقول: عباد الله، انصروا الله ينصركم، ويثبت أقدامكم، يا معشر المسلمين، اصبروا فإن الصبر منجاة من الكفر ومرضاة للرب، ومدحضة للعار. ولا تبرموا مصافكم، ولا تخطوا إليهم خطوة، ولا تبدؤوهم بالقتال، وأشرعوا الرماح، واستتروا بالدرق، والزموا الصمت إلا من ذكر الله عز وجل في أنفسكم حتى آمركم إن شاء الله.
    قالوا: وخرج معاذ بن جبل على الناس فجعل يذكرهم ويقول: يا أهل القرآن، ومستحفظي الكتاب، وأنصار الهدى والحق، إن رحمة الله لا تنال وجنته لا تدخل بالأماني، ولا يؤتى الله المغفرة والرحمة الواسعة إلا للصادق والمصدق ألم تسمعوا لقول الله عز وجل "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات" إلى آخر الآية. فاستحيوا رحمكم الله من ربكم أن يراكم فراراً عن عدوكم وأنتم في قبضته، وليس لكم ملتحد من دونه، ولا عز بغيره. يمشي في الصفوف ويذكرهم، حتى إذا بلغ من ذلك ما أحب ورأى من الناس الذي سره بهم، ثم حرضهم، وانصرف إلى موقفه رحمه الله. وسار في الناس عمرو بن العاص وهو أحد الأمراء كمسير أخيه معاذ بن جبل، فجعل يحرضهم ويقول: يا أيا المسلمون، غضوا الأبصار واجثوا على الركب، وأشرعوا الرماح، فإذا حملوا عليكم فأمهلوهم حتى إذا ركبوا أطراف الأسنة فثبوا في وجوههم وثبة الأسد، فوالذي يرضى الصدق ويثيب عليه، ويمقت الكذب ويجزي بالإحسان إحساناً لقد سمعت أن المسلمين سيفتحونها كفراً كفراً، وقصراً قصراً، فلا يهولنكم جموعهم ولا عددهم، فإنكم لو صدقتموهم الشد تطايروا تطاير أولاد الحجل. قالوا: ثم رجع فوقف في موقفه معهم أيضاً.
    قالوا: ثم رجع أبو سفيان بن حرب وهو متطوع يومئذ، إنما استأذن أمير المؤمنين عمر أن يخرج متطوعاً مدداً للمسلمين متطوعين، فجعل الله في مخرجه بركة، فسار في صف المسلمين وهو يقول: يا معشر المسلمين، أنتم العرب وقد أصبحتم في دار العجم منقطعين عن الأهل نائين عن أمير المؤمنين وإمداد المسلمين، وقد والله أصبحتم بإزاء عدو كثير عدده، شديد عليكم حنقه، وقد وترتموهم في أنفسهم وبلادهم ونسائهم، والله لا ينجيكم من هؤلاء القوم ولا يبلغ رضوان الله غداً إلا بصدق اللقاء والصبر في المواطن المكروهة، ألا إنها سنة لازمة، وإن الأرض وراءكم وبينكم وبين أمير المؤمنين وجماعة المسلمين صحارى وبراري ليس لأحد فهيا معقل ولا معقول إلا الصبر ورجاء ما وعد الله فهو خير معقول، فامتنعوا بسيوفكم، وتعاونوا بها ولتكن هي الحصون.
    قالوا: ثم رجع أبو سفيان إلى النساء اللواتي مع المسلمين، وكان كثير من المهاجرات قد حضرن يومئذ مع أزواجهن وأبنائهن فأجلسهن خلف صفوف المسلمين وأمر بالحجارة فألقيت بين أيديهن، ثم قال لهن: لا يرجع إليكن أحد من المسلمين إلا رميتنه بهذه الحجارة وقلتن: من يرجوكم بعد الفرار عن الإسلام وأهله وعن النساء بأرض العدو? فالله الله.
    قال: ثم رجع أبو سفيان فنادى المسلمين فقال: يا معشر أهل الإسلام حضر ما ترون، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والجنة أمامكم، والشيطان والنار خلفكم ثم وقف موقفه.
    قالوا: وزحفت الروم مكانها إلى المسلمين يدفون دفيفاً معهم الصلبان وأقبلوا بالأساقفة، والقسيسين، والرهبان والبطارقة، لهم زجل كزجل الرعد وقد تبايع عظماؤهم على الموت، ودخل منه ثلاثون ألفاً، كل عشرة في سلسلة لئلا يفروا.
    قالوا: فلما نظر إليهم خالد مقبلين أقبل يركض حتى قطع صف المسلمين إلى نساء المسلمين وهن على تل مرتفع من العسكر حين وضعهن أبو سفيان فقال: يا سناء المسلمين، إيما رجل أقبل إليكن منهزماً فاقتلنه. ثم انصرف. فأتى أبا عبيدة فقال: إن هؤلاء قد أقبلوا بعدة زجل وفرح، وإن لهم عدة لا يردها شيء وليست خيلي بالكثيرة، ولا والله لا قامت خيلي لشدة خيلهم ورجالهم أبداً. وخيله يومئذ أما صفوف المسلمين ثلاثة. فقال خالد: قد رأيت أن أفرق خيلي فأكون في إحدى الخيلين، وقيس بن هبيرة في الخيل الأخرى ث تقف خيلنا من وراء الميمنة والميسرة، فإذا حمل على الناس ثبت الله أقدامهم. وإن كانت الأخرى حملنا خيولنا عليهم وهي جامة. وهم قد انتهت شدتهم وتفرقت جماعتهم فأرجو عندها أن يظفر الله بهم ويجعل الدائرة عليهم. وقد رأيت أن يجلس سعيد بن زيد مجلسك هذا وتقف من ورائه بحذائه في مئتين أو ثلاث مئة يكون للناس ردءاً.
    قالوا: فقبل أبو عبيدة مشورته وقال: افعل ما أراك الله، وأنا فاعل ما أردت. فأجلس أبو عبيدة سعيد بن زيد مكانه وفعل ما أمره به خالد، فركب فرسه وأقبل يسير في الناس ويحرضهم ويوصيهم بتقوى الله والصبر، ثم انصرف، فوقف من خلف الناس ردءاً لهم.
    قيل: إن رجلاً من المسلمين أقبل يومئذ عند وصاة أبي عبيدة هذه. فقال له: إني قد أردت أن أقضي شأني فهل لك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة? فقال له أبو عبيدة نعم: تقرئه مني السلام وتخبره أنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً. ثم تقدم الرجل فكان أول من استشهد رحمة الله عليه.
    قال: وأقبلت الروم إليهم كأنه سحابة منقضة إلى المسلمين حتى دنا طرفهم من ميمنة المسلمين. قال: فبرز معاذ بن جبل فنادى المسلمين: يا معشر أهل الإسلام إنهم قد تهيؤوا للشدة، ولا والله لا يردهم إلا الصدق عند اللقاء والصبر عند القراع.
    قالوا:



    ثم نزل عن فرسه فقال: من يريد فرساً يركبه ويقاتل عليه? قال: فوثب ابنه عبد الرحمن وهو غلام حين احتلم فأخذه، فقال: يا أباه إني لأرجو أن لا يكون فارساً أعظم غناء في المسلمين مني فارس، وأنت يا أبه راجل أعظم غناء منك فارس. الرجالة هم عظم المسلمين، فإذا رأوك حافظاً مترجلاً صبروا إن شاء الله وحافظوا. قال: فقال أبوه: وفقني الله وإياك يا بني. قال: ثم إن الروم تداعوا وتحاضوا وذركهم الأساقفة والرهبان. قال: فجعل معاذ إذا سمع كلامهم يقول: اللهم زلزل أقدامهم وأرعب قلوبهم، وأنزل علينا السكينة وألزمنا كلمة التقوى وحبب إلينا اللقاء ورضنا بالقضاء.
    قال: وخرج باهان صاحب الروم فجال فيهم حتى وقف وأمرهم بالصبر والقتال دون ذراريهم وأموالهم وسلطانهم. ثم بعث إلى صاحب الميسرة أن احمل وهو الدرنيجان وكان عدو الله متنسكاً. فقال للبطارقة والرؤوس الذين معه: قد أمركم أميركم أن تحملوا. قال: فتهيأت البطارقة فشدت على الميمنة وفيها الأزد ومذحج وحضرموت وحمير وخولان، فثبتوا حتى صدقوا أعداء الله فقاتلوهم قتالاً شديداً طويلاً. ثم إنه ركبهم من الروم أمثال الجبال. فزال المسلمون من الميمنة إلى ناحية القلب وانكشف طائفة من الناس إلى العسكر. وثبت صدر من المسلمين عظيم يقاتلون تحت راياتهم، وانكشفت زبيد يومئذ وهي في الميمنة، وفيهم الحجاج بن عبد يغوث، فتنادوا فترادوا واجتمعوا جميعاً. واجتمعوا وهم خمس مئة رجل فشدوا شدة نهنهوا من قبلهم من الروم وشغلوهم عن اتباع من انكشف من الميمنة. وتراد أيضاً جماعة من الميمنة المتحيزة، فشدت حمير وحضرموت وخولان بعد ما زالوا حتى وقفوا مواقفهم في الصف، واستقبل النساء سرعان من انهزم من المسلمين، معهن عمد البيوت وأخذن يضربن وجوههن ويرمين بالحجارة، فتراد الناس وثبت النساء على مواقفهن، واستحر القتال في الأزد فأصيب منهم ما لم يقتل من القبيائل، وقتل يومئذ عمرو بن الطفيل الدوسي، وحقق الله رؤيا والده الطفيل رحمه الله، فإنه رأى يوم مسيلمة أن امرأة لقيته ففتحت له فرجها فدخله، وطلبه ابنه هذا وحبس عنه. فقال: أولت رؤياي أن أقتل، وإن المرأة التي أدخلتني في فرجها الأرض، وإن ابني ستصيبه جراحة ويوشك أن يلحقني. فقتل هذا يوم اليرموك وهو يقول: يا معشر الأزد، لا يؤتين المسلمون من قبلكم. فقاتل حتى قتل. وثبت جندب بن عمرو بن حممة، وقاتل حتى قتل.
    وبرز أبو هريرة إلى الأزد يعاونا، وهو أحد الرؤوس من الأزد، وأطافت به الأزد، ثم اضطربوا حتى صارت الروم تجول في مجال واحد، كما تدور الرحى.
    قالوا: ولقلما رأى يوماً أكثر قحفاً ساقطاً ومعصماً نادراً، وكفاً طائرة من ذلك الموطن. والناس يضطربون تحت القسطل. قالوا: وجل القبائل في الميمنة حتى القلب. قالوا: والقلب في نحو ما فيه الميمنة.
    قالوا:

    وحمل عليهم خالد بن الوليد على الميسرة التي دخلت العسكر واضطرت ميمنة المسلمين إلى القلب، فصارت الميمنة والقلب شيئاً واحداً، فقتل هو وخيله نحواً من ستة آلاف. ودخل سائرهم بيوت المسلمين في العسكر مجرحين. وخرج خالد بن الوليد في خيله يطره من كان من الروم قريباً من العسكر حتى إذا أرادوا أن يمكروا به نادى عند ذلك: يا أهل الإسلام، لم يبق عند القوم من الجلد والقتال إلا ما رأيتم، الشدة الشدة، فوالذي نفسي بيده، إني لأرجو أن يمنحكم الله أكتافهم. قالوا: فاعترض صفوف الروم وإن في جانبه الذي يستقبل لمئة ألف من الروم، فحمل عليهم، وما هو إلا في نحو من ألف فارس. قالوا: فوالله ما بلغتهم الحملة حتى فض الله جمعهم، وشد المسلمون على من يليهم من رجالهم فانكشفوا وأتبعهم المسلمون ما يمتنعون من قتل ميمنتهم ولا ميسرتهم. ثم إن خالداً انتهى في تلك الحملة إلى الدرنيجان. وقد قال لأصحابه: لفوني في الثياب، فلف في الثياب وقال: وددت أن الله كان عافاني من حرب هؤلاء القوم فلم أرهم ولم يروني، ولم أنصر عليهم ولم ينصروا علي. وهذا يوم شر. ولم يقاتل حتى غشيه القوم فقتلوه. قالوا: وقال: أيضاً قباطر وهو في ميمنة الروم لجرجين صاحب أرمينية: احمل، فقال له: أنت تأمرني أن أحمل، وأنا أمير مثلك? فقال له قباطر: أنت أمير وأنا أمير، وأنا فوقك، وقد أمرت بطاعتي، فاختلفا، ثم إن قباطر حمل حملة شديدة على كنافة وقيس وخثعم وجذام وقضاعة وعاملة وغسان، وهم فيما بين ميسرة المسلمين إلى القلب، فكشفوا المسلمين وزالت الميسرة عن مصافها، وثبت أهل الرايات، وأهل الحفائظ فقاتلوا، وركبت الروم أكتاف من انهزم حتى دخلوا معهم العسكر، فاستقبلهم نساء المسلمين بعمد الفساطيط يضربن بها وجوههم ويرمينهم بالحجارة ويقلن: أين أين عز الإسلام والأمهات والأزواج. قال: فتعطف هؤلاء الذين انهزموا إلى المسلمين، وتنادى الناس بالحفائظ والصبر وشد قبائه بن أسامة فقاتل قتالاً شديداً وكسر في القوم ثلاثة أرماح يومئذ وقطع سيفين، وأخذ يقول كلما قطع سيفاً أو كسر رمحاً: من يعير سيفاً أو رمحاً في سبيل الله رجلاً قد حبس نفسه مع أولياء الله، قد عاهد الله ألا يفر ولا يبرح حتى يقاتل المشركين حتى يظهر المسلمون أو يموت? فكان من أحسن الناس بلاء في ذلك اليوم.
    ونزل أيضاً أبو الأعور السلمي فحرض على القتال، ثم إن الناس حيزوا إلى القلب. وفي القلب سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل حيث وضعه أبو عبيدة بن الجراح. فلما نظر سعيد إلى الروم وخافهم اقتحم إلى الأرض وجثا على ركبتيه حتى إذا دنوا منه طعن برايته أول رجل من القوم ثم ثار في وجوههم كأنه الليث فأخذ يقاتل ويعطف الناس إليه.
    قالوا: وكان يزيد بن أبي سفيان يومئذ من أعظم الناس غناء. وكان مما يلي القلب. وشد طرف من الروم على عمرو بن العاص. فانكشف هو وأصحابه حتى دخلوا أول العسكر وهم في ذلك يقاتلون ويشدون ولم ينهزموا هزيمة ولوا فيها الظهر.
    قال: فنزلت النساء من التل بعمدهن يضربن وجوه الرجال ونادت الناس ابنة العاص وقالت: قبح الله رجلاً يفر عن حليته، وقبح الله رجلاً يفر عن كريمته، قالوا: وسمع نسوة من نساء المسلمين يقلن: ولستم بعولتنا إن لم تمنعونا.
    قال: فتراد المسلمون وزحف عمرو وأصحابه حتى عادوا إلى قريب من موقفهم. وقاتل أيضاً شرحبيل بن حسنة في ربعه الذي كان فيه. وكان وسطاً من الناس إلى جنب سعيد بن زيد، وانكشف عنه أصحابه فثبت وهو يقول: "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة". أين الشارو أنفسهم لله ابتغاء مرضاة ربهم، وأين المشتاقون إلى جوار الله في جاره? قالوا: فرجع إليه ناس كثير وبقي القلب لم ينكشف أهله للمكان الذي كان فيه سعيد بن زيد. وكان أبو عبيدة من وراء ظهره ردءاً له وللمسلمين.
    قالوا: فلما رأى قيس بن هبيرة خيل المسلمين وراء صفهم مما يلي ميسرة المسلمين، وأن المسلمين قد دخلت ميسرتهم العسكر وأن الروم قد صمدت لهم، اعترض الروم بخيله تلك ينتظر خيل خالد بن الوليد، فتعطف بعضهم إلى بعض ورجع المسلمون في آثارهم فقاتلوهم، وحمل على من يليه من الروم، وهو في ميمنة المسلمين حتى اضطروهم إلى صفوفهم. فلما رأى خالد بن الوليد أن قيس بن هبيرة قد كشف من يليه وأن المسلمين قد رجعت راجعتهم إلى المسلمين حمل على من يليه من الروم فتعطف بعضهم على بعض، وزحف المسلمون إليهم رويداً حتى إذا دنوا منهم إذا هم ينتقضون، فبعث أبو عبيدة عند ذلك إلى سعيد بن زيد أن شد عيهم. وشد المسلمون بأجمعهم شدة واحدة وأظهروا التكبير، ثم صكوهم صكة واحدة فطعنوا بالرماح وضربوا بالسيوف، وأنزل الله تعالى نصره. وما وعد نبيه صلى الله عليه وسلم، فضرب الله وجوه أعدائه ومنح أكتافهم، وأنزل الله تعالى ملائكة يضربون وجوههم حتى ولوا المسلمين أكتافهم.
    وقال سعيد بن المسيب عن أبيه أنه قال: لما جلنا هذه الجولة سمعنا صوتاً قد كاد يملأ العسكر يقول: يا نصر الله اقترب، الثبات الثبات يا معشر المسلمين، فتعطفنا عليه فإذا هو أبو سفيان بن حرب تحت راية ابنه، وشد خالد في سرعان الناس معه يقتلون كل قتلة، وركب بعضهم بعضاً حتى انتهوا إلى مكان مشرف على أهوية فأخذوا يتساقطون فيها، وهم لا يبصرون، وهو يوم ذو ضباب. وقيل: كان ذلك في الليل. فأخذ آخرهم لا يعلم ما يلقى أولهم، يتساقطون فيها حتى سقط فيها نحو من ثمانين ألفاً فما أحصوا إلا بالقصب.
    وبعث أبو عبيدة شداد بن أوس ابن أخي حسان بن ثابت بعدهم، بعد ذلك اليوم بيوم واحد، فوجد من سقط في تلك الأهوية حتى عدهم بالقصب ثمانين ألفاً، يزيدون قليلاً أو ينقصون قليلاً، وسميت تلك الأهوية الواقوصة من يومئذ حتى اليوم لأنهم وقصوا فيها، وأخذوا وجهاً آخر، وقتل المسلمون في المعركة بعدما أدبروا ما لا يحصى. وغلبهم الليل فبات المسلمون. فلما أصبحوا نظروا فإذا هم لا يرون في الوادي شيئاً، فقالوا: كمن أعداء الله لنا، فلما بعثوا الخيول في الوادي تنظر هل لهم من كمين أو نزلوا بوطاء من الأرض، فإذا الرعاة يخبرونهم أنهم قد سقطوا في الواقوصة. فسألوا عن عظم الروم فقالوا: قد ترحل منهم البارحة نحو من أربعين ألفاً. ثم اتبعهم خالد بن الوليد على الخيل فقتلهم حتى مر بدمشق فخرج إليه رجال من أهل دمشق فاستقبلوه، فقالوا: نحن على عهدنا الذي كان بيننا وبينكم فقال لهم: نعم أنتم على عهدكم، ثم اتبعهم فقتلهم في القرى وفي كل وجه، حتى قدم دمشق فخرج إليه أهلها فسألوه التمام على ما كان بينهم ففعل، ومضى خالد يطلب عظم الناس حتى أدركهم بغوطة دمشق. فلما انتهوا إلى تلك الجماعة من الروم، وأقبلوا يرمونهم بالحجارة من فوقهم فتقدم إليهم الأشتر وهو في رجال من المسلمين فإذا أمامهم رجل من الروم جسيم عظيم، فمضى إليه حتى وثب عليه فاستوى هو والرومي على صخرة مستوية فاضطربا بسيفهما فأطن لأشتر كف الرومي، وضرب الرومي الأشتر بسيفه فلم يضره، واعتنق كل واحد منهما صاحبه فوقعا على الصخرة ثم انحدرا وأخذ الأشتر يقول وهو في ذلك ملازم العلج لا يتركه: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين". فلم يزل يقول ذلك حتى انتهى إلى مستوى في الجبل وقرار. فلما استقر وثب على الرومي فقتله وصاح في الناس أن جوزوا.
    قال: فلما رأت الروم أن صاحبهم قد قتل خلوا الثنية وانهزموا. وكان الأشتر ذا بلاء حسن في اليرموك. قالوا: لقد قتل ثلاثة عشر. فركب خالد والمسلمون الثنية، ثم انحطوا مشرقين وأنكوا في سائر البلاد يطلبون أعداء الله في القرى والجبال، حتى وصلوا إلى حمص فخرج إليهم أهل حمص يسألونهم التمام على عهدهم وعقدهم وحريتهم، ففعل بهم خالد ما فعل بأهل دمشق، وأقام بها ينتظر رأي أبي عبيدة، ولما سار خالد بن الوليد من اليرموك في إثر من انهزم وقع أبو عبيدة في دفن المسلمين حتى غيبهم وكفاه دفن الكفار بالواقوصة التي وقعوا فيها، وقد كان مما يعملون أن يدفنوا الكفار بعد ما يدفنون المسلمين فكفاه الله الكفار بالواقوصة التي وقعوا فيها. فكتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب يصف له أمرهم. وكان أبو بكر قد سمى لكل أمير من أمراء الشام كورة، فسمى لأبي عبيدة بن عبد الله بن الجراح حمص، وليزيد بن أبي سفيان دمشق، ولشرحبيل بن حسنة الأردن، ولعمرو بن العاص ولعلقمة بن مجزز فلسطين، فإذا فرغا منها ترك علقمة وسار إلى مصر. فلما شارفوا إلى الشام دهم كل أمير منهم قوم كثير، وأجمع رأيهم أن يجتمعوا بمكان واحد وأن يلقوا جمع المشركين بجمع المسلمين.
    قالوا: ولما رأى المسلمون خيل الروم قد توجهت للهرب أفرجوا لها ولم يحرجوها، فذهبت فتفرقت في البلاد، وأقبل خالد والمسلمون على الرجل يفضهم، فكأنما هدم بهم حائطاً فاقتحموا في خندقهم، واقتحموا عليهم فعمدوا إلى الواقوصة حتى هووا فيها، المقترنون وغيرهم، فمن صبر للقتال هوى به من جشعت نفسه فيهوي الواحد بالعشرة ولا يطيقونه. وكلما هوى اثنان كان البقية عنهم أضعف، وكان المقترنون أعشاراً فتهافت في الواقوصة عشرون ومئة ألف، ثمانون ألف مقترن وأربعون ألف مطلق، سوى من قتل في المعركة، من الخيل والرجل، فكان سهم الفارس يومئذ ألفاً وخمس مئة وتجلل القيقاز وأشراف من أشراف الروم برانسهم، وجلسوا وقالوا: لا نحب أن نرى يوم السوء إذا لم نستطع أن نرى يوم السرور، وإذا لم نستطع أن نمنع النصرانية فأصيبوا في تزملهم.
    قالوا: وكان الكافرون أربعين ومئتي ألف، منهم ثمانون ألف مقيد، وأربعون ألف مسلسل للموت، وأربعون ألف مربوط بالعمائم، وثمانون ألف فارس، وثمانون ألف راجل. والمسلمون سبعة وعشرون ألفاً ممن كان مقيماً. إلى أن قدم عليهم خالد في التسعة آلاف، فصاروا ستة وثلاثين ألفاً ممن كان مقيماً. إلى أن قدم عليهم خالد في التسعة آلاف، فصاروا ستة وثلاثين ألفاً، وفتح الله على المسلمين آخر الليل، وقتلوهم حتى الصباح، ثم أصبحوا فاقتسموا الغنائم، ودفنوا قتلى المسلمين، وبلغوا ثلاثة آلاف، وصلى كل أمير قوم على قتلاهم.


    صفحة 75+76+77+78+79+80+81
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23916
    تم شكره : 33
    الاسد

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty رد: مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور

    مُساهمة من طرف مآآآري الأحد 3 فبراير 2013 - 23:34

    مشاركةرائعة
    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29437
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65575
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty ذكر تاريخ قدوم عمر الجابية

    مُساهمة من طرف waell الثلاثاء 5 فبراير 2013 - 23:34

    ذكر تاريخ قدوم عمر الجابية



    قال يزيد بن عبيدة: فتحت بيت المقدس
    سنة ست عشرة. وفيها قدم عمر بن الخطاب الجابية.
    وقال الوليد بن مسلم: ثم عاد في العام المقبل، يعني سنة ثمان عشرة، حتى أتى
    الجابية، يعني بعد عوده من سرغ سنة سبع عشرة، فاجتمع إليه المسلمون، فدفع إليه
    أمراء الأجناد ما اجتمع عندهم من الأموال، فجند ومصر الأمصار ثم فرض الأعطية
    والأرزاق ثم قفل إلى المدينة.
    وقال عبد الله بن صالح في حديثه: إن عمر قدم لجابية سنة ثمان عشرة. قال: وهذا يدل
    على أن عمر قدم الجابية مرتين.
    وعن عبد العزيز بن مروان أنه قال لكريب بن أبرهة: أخضرت عمر بن الخطاب بالجابية?
    قال: لا. قال: فمن يحدثنا عنها? قال: كريب: إن بعثت إلى سفيان بن وهب الخولاني
    حدثك عنها، فأرسل إليه فقال: حدثني عن خطبة عمر بن الخطاب يوم الجابية قال سفيان:
    إنه لما اجتمع الفيء أرسل أمراء الأجناد إلى عمر بن الخطاب أن يقدم بنفسه فقدم
    فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد: فإن هذا المال نقسمه على من أفاء الله
    بالعدل إلا هذين الحيين من لخم وحذام فلا حق لهم فيه، فقام إليه أبو حديدة الأجذمي
    فقال: ننشدك الله يا عمر في العدل. فقال عمر: العدل أريد. أنا أجعل أقواماً أنفقوا
    في الظهر وشدوا العرض، وساحوا في البلاد مثل قوم مقيمين في بلادهم?! ولو أن الهجرة
    كانت بصنعاء أو بعدن ما هاجر إليها من لخم ولا جذام أحد. فقام أبو حديدة فقال: إن
    الله وضعنا من بلاده حيث شاء، وساق إلينا الهجرة في بلادنا فقبلناها ونصرناها،
    أفتلك تقطع حقنا يا عمر? ثم قال: لكم حقكم مع السمين ثم قسم. فكان للرجل نصف
    دينار. فإذا كانت معه امرأته أعطاه ديناراً. ثم دعا ابن قاطورا صاحب الأرض فقال:
    أخبرني ما يكفي الرجل من القوم في الشهر واليوم فأتى بالمدي والقسط فقال: يكيفيه
    هذان لمديان في الشهر وقسط زيت وقسط خل. فأمر عمر بمديين من قمح فطحنا ثم عجنا ثم
    أدمهما بقسطين زيتاً ثم أجلس عليهما ثلاثين رجلاً فكان كفاف شبعهم، ثم أخذ عمر
    المديين بيمينه والقسط بيساره ثم قال: اللهم لا أخلي لأحد أن ينقصهما بعدي. اللهم
    فمن ينقصهما فأنقص من عمره.
    قال الهيثم بن عمر: إني سمعت جدي يقول:
    لما ولي عمر بن الخطاب
    زار أهل الشام فنزل الجابية، وكانت دمشق تشتعل طاعوناً، فهم أن يدخلها فقال له
    أصحابه: أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا حل بكم الطاعون فلا تهربوا
    منه ولا تأتوه حيث هو، وقد علمت أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين معك
    قرحانون لم يصبهم طاعون قط، فأرسل عند ذلك رجلاً من جديلة ولم يدخلها هو إلى بيت
    المقدس فافتتحها صلحاً. ثم أتاها عمر ومعه كعب. فقال: أبا إسحاق، الصخرة، أتعرف
    موضعها? قال: إذرع من الحائط الذي يلي وادي جهنم كذا وكذا ذراعاً وهي مزبلة ثم
    احفر فإنك ستجدها، فحفروا فظهرت لهم. فقال عمر لكعب: أين ترى أن نجعل المسجد قال:
    اجعله خلف الصخرة فتجمع القبلتين قبلة موسى وقبلة محمد صلى الله عليه وسلم، فقال:
    ضاهيت اليهودية والله يا أبا إسحاق، خير المساجد مقدمها، فبناه في مقدم المسجد.
    فبلغ أهل العراق أنه زار أهل الشام فكتبوا إليه يسألونه أن يزورهم كما زار أهل
    الشام، فهم أن يفعل فقال له كعب؛ أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تدخلها. قال:
    ولم? قال: فيها عصاة الجن وهاروت وماروت يعلمان الناس السحر. وفيها تسعة أعشار
    الشر وكل داء معضل. فقال عمر: قد فهمت كل ما ذكرته غير الداء المعضل، فما هو? قال:
    كثرة الأموال هو الذي ليس له شفاء. فلم يأتها عمر.
    ونزل المسلمون الجابية وهم أربعة وعشرون ألفاً فوقع الطاعون فيهم، فذهب منهم عشرون
    ألفاً، وبقي أربعة آلاف فقالوا: هاذ طوفان وهذا رجز فبلغ ذلك معاذاً فبعث فوارس
    يجمعون الناس، وقال: اشهدوا المدراس اليوم عند معاذ. فلما اجتمعوا قام فيهم فقال:
    أيها الناس، والله لو أعلم أني أقوم فيكم بعد مقامي هذا ما تكلفت اليوم القيام
    لكم. وقد بلغني أنكم تقولون هذا الذي وقع فيكم طوفان ورجز، والله ما هو طوفان ولا
    رجز وإنما الطوفان والرجز كان عذب الله به الأمم. ولكنها شهادة أهداها الله لكم
    استجاب فيكم دعوة نبيكم صلى الله عليه وسلم. ألا فمن أدرك خمساً فاستطاع أن يموت
    فليمت: أن يكفر الرجل بعد إيمانه، وأن يسفك الدم بغير حقه، وأن يعطى مال الله بأن
    يكذب أو يفجر، وأن يظهر التلاعن بينكم، أو يقول الرجل حين يصبح: والله إن حييت أو
    مت ما أدري ما أنا عليه.
    وقوع هذا الطاعون والوباء مصداق ما روي عن معاذ بن جبل قال: ينزل المسلمون أرضاً
    يقال لها الجابية أو الجويبية فتكثر به أموالهم ودوابهم، فيبعث عليهم جرب كالدمل
    تزكو فيه أموالهم وتستشهد فيه أبدانهم.
    وفي رواية: يصيبكم فيه داء مثل غدة الجمل، فيستشهد الله به أنفسكم وخياركم فيزكي
    أبدانكم




    صفحة 81+82
    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29437
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65575
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty ما اشترط عند فتح الشام على الذمة

    مُساهمة من طرف waell الثلاثاء 5 فبراير 2013 - 23:39

    ما اشترط عند فتح الشام
    على الذمة



    عن
    عبد الرحمن بن غنم قال: كتب لعمر بن الخطاب حين صالح نصارى الشام: بسم الله الرحمن
    الرحيم هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا، إنكم لما
    قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا، وشرطنا لكم على
    أنفسنا ألا تحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة ولا قلية ولا صومعة
    راهب، ولا نجدد ما خرب منها ولا نحيي ما كان منها من خطط المسلمين ولا نمنع
    كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال نطعمهم، و لا نؤوي في كنائسنا ولا في
    منازلنا جاسوساً، لوا نكتم غشاً للمسلمين، ولا نعلم أولادنا القرآن، ولا نظهر
    شركاً ولا ندعو إليه أحداً، ولا نمنع من ذوي قراباتنا الدخول في الإسلام إن
    أرادوه، وأن نوقر المسلمين ونقوم لهم من مجالسنا إذا أرادوا الجلوس، ولا نتشبه بهم
    في شيء من لباسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر، ولا نتكلم بكلامهم،
    ولا نتكنى بكناهم، ولا نركب السرج، ولا نتقلد السيوف، لوا نتخذ شيئاً من السلاح،
    ولا نحمله معنا، ولا تنقش على خواتمنا بالعربية ولا نبيع الخمور، وأن نجز مقادم
    رؤوسنا، وأن نلزم زينا حيثما كنا، وأن نشد زنانير على أوساطنا. وألا نظهر الصليب
    على كنائسنا، ولا نظهر كتبنا في شيء من طرق المسلمين ولا أسوقهم، ولا نضرب
    بنواقيسنا في كنائسنا إلا ضرباً خفياً، ولا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا في
    شيء من طريق المسلمين وأسواقهم، ولا نجاوزهم بموتانا، ولا نتخذ من الطريق ما جرى
    عليه سهام المسلمين، ولا نطع عليهم في منازلهم
    فلما أتيت عمر بالكتاب
    زاد فيه: ولا نضرب أحداً من المسلمين. شرطنا لكم ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا وقبلنا
    عليه الأمان. فإن نحن خالفنا عن شيء مما شرطناه لكم وضمناه على أنفسنا فلا ذمة
    لنا، وقد حل لكم منا ما يحل من أهل المعاندة في الشقاق.
    وفي طريق آخر.
    ولا نخرج شعانين ولا باعوثاً ولا نرفع أصواتنا مع أمواتا، ولا نظهر النيران معهم
    في شيء من طريق المسلمين وأسواقهم.
    وروى عبد الله بن المغيرة عن أبيه قال: صالحهم أبو عبيدة على أنصاف كنائسهم
    ومنازلهم وعلى رؤوسهم، وألا يمنعوا من أعيادهم، ولا يهدمون شيئاً من كنائسهم. صالح
    على ذلك أهل المدينة وأخذ سائر الأرض عنوة.
    وقيل: صالحوهم على من فيها من جماعة أهلها على جزية دنانير مسماة، لا تزاد عليهم
    إن كثروا، ولا تنقص منهم إن قلوا. وأن للمسلمين فضول الدور والمساكن عنهم،
    وأسواقها.
    وقال ابن سراقة: كان في كتاب صلح دمشق: هذا كتاب من خالد بن الوليد لأهل دمشق أني
    أمنتكم على دمائكم وأموالكم ومساكنكم وكنائسكم أن تهدم أو تسكن ما لم تحدثوا
    حدثاً، أو تؤووا محدثاً مغيلة.
    وعن مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه قال: لما قدم عمر بن الخطاب الشام كان في
    شرطه على النصارى أن يشاطرهم منازلهم فيسكن فيها المسلمون، وأن يأخذ الحيز القبلي
    من كنائسهم لمساجد المسلمين.
    وعن سالم عن أبيه أن عمر بن الخطاب أمر أن تهدم كل كنيسة لم تكن قبل الإسلام، ومنع
    أن تحدث كنيسة، وأمر ألا يظهر صليب خارجاً من كنيسة إلا كسر على رأس صاحبه.
    وعن أسلم مولى عمر أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء أهل الجزية ألا يضعوا الجزية
    إلا على من جرت أو مرت عليه المواسي وجزيتهم أربعون درهماً على أهل الورق منهم،
    وأربعة دنانير على أهل الذهب. وعليهم أرزاق المسلمين من الحنطة مديين وثلاثة أقساط
    زيت لكل إنسان كل شهر من كان من أهل الشام وأهل الجزيرة، ومن كان من أهل مصر إردب
    لكل إنسان كل شهر. ومن الودك والعسل شيء لم نحفظه، وعليهم من البز التي كان يكسوها
    أمير المؤمنين شيء لم نحفظه، ويضيفون من نزل بهم من أهل الإسلام ثلاث أيام، وعلى
    أهل العراق خمسة عشر صاعاً لكل إنسان. وكان عمر لا يضرب الجزية على النساء، وكان
    يختم في أعناق رجال أهل الجزية.
    وفي حديث آخر: فلما قدم عمر الشام شكوا إليه وقالوا: يا أمير المؤمنين، إنهم
    يكلفونا ما لا نطيق، يكلفونا الدجاج والشاء. فقال: لا تطعموهم إلا مما تأكلون مما
    يحل لهم من طعامكم.
    وعن عكرمة أن ابن عباس سئل: هل للعجم أن يحدقوا في أمصار العرب بنياناً أو شيئاً،
    فقال: أيما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه كنيسة، أو قال: بيعة. ولا
    يضربوا فيه ناقوساً، ولا يشربوا فيه خمراً، ولا يدخلوه خنزيراً، وأيما مصر مصره
    العجم ففتحه الله على العرب، فللعجم ما في عهدهم، وعلى العرب أن يفوا لهم بعهدهم.
    وعن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى على أهل الذمة بضيافة
    ثلاثة أيام للمسلمين ما بصلحهم من طعام ولف دوابهم.
    قال الأوزاعي: كتب عمر بن الخطاب في أهل الذمة أن من لم يطق منهم فخففوا عنه، ومن
    عجز فأعينوه، فإنا لا نريدهم لعام ولا لعامين.
    وعن ضمرة بن جندب قال: قال عمر بن الخطاب في أهل الذمة: سموهم ولا تكنوهم، وأذلوهم
    ولا تظلموهم، وإذا جمعتكم وإياهم طريق فألجئوهم إلى أضيقها.
    وعن عبد الملك بن عمير أن عمر بن الخطاب اشترط على أنباط الشام للمسلمين أن يصيبوا
    من ثمارهم وتينهم ولا يحملوا.
    وعن الأحنف بن قيس أن عمر بن الخطاب اشترط على أهل الذمة إصلاح القناطر، والضيافة
    يوم وليلة، وإن قتل رجل من المسلمين في أرضكم فعليكم ديته.
    وعن ابن أبي نجيح قال: سألت مجاهداً: لم وضع عمر على أهل الشام الجزية أكثر مما
    وضع على أهل اليمن? فقال: لليسار.
    وعن الحكم بن عمر الرعيني قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أمصار الشام: لا يمشين
    نصراني إلا مفروق الناصية، ولا يلبسن قباء، ولا يمشين إلا بزنار من جلد، ولا يلبسن
    طيلساناً، ولا يلبسن سراويلاً ذات خدمة، ولا يلبسن نعلاً ذات عذبة، ولا يركبن على
    سرج، ولا يوجد في بيته سلاح إلا انتهب

    صفحة 82+83
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23916
    تم شكره : 33
    الاسد

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty رد: مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور

    مُساهمة من طرف مآآآري الأربعاء 6 فبراير 2013 - 12:15

    مشاركةرائعة
    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29437
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65575
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty ذكر حكم الأرضين وما جاء فيه

    مُساهمة من طرف waell الخميس 7 فبراير 2013 - 0:11

    ذكر حكم
    الأرضين وما جاء فيه



    قال: لا خلاف بين الأئمة أن كل بلد
    صولح أهله على الخراج المعلوم أنه لا يجوز تغيير ما استقر عليه. وقد صح أن عمر بن
    الخطاب رضي الله عنه أمضى لأهل مدينة دمشق الصلح، لكنه لما أشكل عليه الحال في
    الفتح وهل سبق من دخلها عنوة أو من دخلها بالصلح أمضاها كلها صلحاً لأهلها، وقبل
    منهم شروطاً بذلوها، فأما ما ظهر عليه المسلمون عنوة من أعمالها ونواحيها، وحووه
    بالقهر والغلبة من أرضيها فقد اختلف فيه: فذهب عمر وعلي ومعاذ بن جبل إلى أنها وقف
    على المسلمين، لا تقسم بين من غلب عليها من الغانمين، وتجري غلتهم عليهم وعلى من
    بعدهم. وذهب الزبير بن العوام وبلال بن رباح إلى أنها ملك للغانمين، فتقسم بينهم
    على ما يراه الإمام. وذهب أبو حنيفية وسفيان الثوري إلى أن الإمام في ذلك بالخيار،
    إن شاء وقفها، وإن شاء قسمها ووزعها على ما يراه بين من غنمها. وذهب مالك إلى أنها
    تصير وقفاً بنفس الاغتنام. ولا يكون فيها اختيار للإمام. وذهب الشافعي إلى أنه ليس
    للإمام أن يقفها بل يلزمه أن يقسمها إلا أن يتفق على وقفها المسلمون، فيرضى ببذلك
    من غنمها.
    فأما ما روي عن عمر وعن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال: لولا آخر المسلمين ما
    فتحت عليهم قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر.
    وعنه أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: أما والذي نفسي بيده، لولا أن أترك آخر الناس
    بباناً ليس لهم شيء ما فتحت علي قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه
    وسلم خيبر، ولكن أتركها لهم حراثة.
    ومعنى بباناً أي باجاً واحداً وشيئاً واحداً.
    وعن يزيد بن أبي حبيب قال: كتب عمر إلى سعد حين افتتح العراق: أما بعد. فقد بلغني
    كتابك، تذكر أن الناس سألوك أن تقسم بينهم مغانمهم وما أفاء الله عز وجل عليهم،
    فإذا أتاك كتابي هذا فانظر ما أجلب الناس به عليك إلى العسكر من كراع أو مال
    فاقسمه بن من حضر من المسلمين. واترك الأرضين والأنهار لعمالها ليكون ذلك في
    أعطيات المسلمين، فإنك إن قسمتها بين من حضر لم يكن لمن بقي بعدهم شيء.
    وعن إبراهيم السلمي قال: لما افتتح المسلمون السواد قالوا لعمر: اقسمه بيننا فإنا
    فتحناه غنوة. فأبي وقال: فما لمن جاء بعدكم من المسلمين? وأخاف إن قسمته أن
    تفاسدوا بينكم في المياه. قال: فأقر أهل السواد في أرضيهم، وضرب على رؤوسهم الجزية
    وعلى أرضيهم الطسق.
    قال أبو عبيدة: يعني بالطسيق: الخراج.
    وعن عتبة بن فرقد قال: اشتريت عشرة أجربة من أرض السواد على شاطئ الفرات لقضب
    لدوابي فذكرت ذلك لعمر فقال لي: اشتريتها من أصحابها? قلت: نعم. قال: رح إلي فرحت
    إليه فقال: يا هؤلاء، أبعتموه شيئاً? قالوا: لا، قال: ابتغ مالك حيث وضعته.
    وأما ما روي عن علي رضي الله عنه وعن حارثة بن مضرب عن عمر أنه أراد أن يقسم
    السواد بني المسلمين فأمر أن يحصوا، فوجد الرجل يصيبه ثلاثة من الفلاحين، فشاور في
    ذلك فقال له علي بن أبي طالب: دعهم يكونوا مادة للمسلمين فتركهم. وبعث عليهم عثمان
    بن حنيف فوضع عليهم ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثني عشر، وبهذا كان يأخذ سفيان
    بن سعيد وهو معروف من قوله إلا أنه كان يقول: الخيار في أرض الغنوة إلى الإمام إن
    شاء جعلها غنيمة فخمس وقسم، وإن شاء جعلها فيئاً عاماً للمسلمين ولم يخمس ولم
    يقسم.
    قال أبو عبيد: وليس الأمر عندي إلا على ما قال سفيان إن الإمام مخير في العنوة
    بالنظر للمسلمين والحيطة عليهم بين أن يجعلها غنيمة أو فيئاً.
    وأما ما روي عن معاذ ولما قدم عمر الجابية أراد قسم الأرضين فقال له معاذ: والله
    إذن ليكونن ما تكره، إنك إن قسمتها اليوم كان الربع العظيم في أيدي القوم، ثم
    يبيدون فيصير ذلك إلى الرجل الواحد أو المرأة، ثم يأتي من بعدهم قوم يسدون من
    الإسلام مسداً وهم لا يجدون شيئاً. فانظر أمراً يسع أولهم وآخرهم. فسار عمر إلى
    قول معاذ.
    وأما ما روي عن الزبير قال سفيان بن وهب الخولاني: لما افتتحنا مصر بغير عهد قام
    الزبير بن العوام فقال: يا عمرو بن العاص، أقسمها، فقال عمرو: لا أقسمها، فقال
    الزبير: والله لتقسمنها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خبير، قال عمرو:
    والله لا أقسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين، فكتب إلى عمر فكتب إليه عمر أن أقرها
    حتى يغزو منها حبل الحبلة.
    وأما ما روي عن بلال
    وعن نافع مولى ابن عمر قال: أصاب الناس فتح الشام فيهم بلال، قال: وأظنه ذكر معاذ
    بن جبل فكتبوا إلى عمر بن الخطاب: إن هذا الفيء الذي أصبنا، لك خمسه، ولنا ما بقي،
    ليس لأحد منه شيء. كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، فكتب عمر: ليس علي ما
    قلتم، ولكني أقفها للمسلمين، فراجعوه الكتاب وراجعهم، يأبون ويأبى، فلما أبوا قام
    عمر فدعا عليهم فقال: اللهم، أكفني بلالاً وأصحاب بلال. قال: فما حال الحول عليهم
    حتى ماتوا جميعاً.
    قال البيهقي: قوله إنه ليس علي ما قتم ليس يريد إنكار ما احتجوا به من قسمة خيبر،
    ويشبه أن يريد به: ليست المصلحة فيما قلتم، وإنما المصلحة في أن أقفها للمسلمين،
    وجعل يأبى قسمتها لما كان يرجو من تطييبهم ذلك له، وجعلوا يأبون لما كان لهم من
    الحق، فلما أبوا لم يبرم عليهم الحكم بإخراجها من أيديهم، ووقفها، ولكن دعا عليهم
    حيث خالفوه فيما رأى من المصلحة، وهم لو وافقوه وافقه أفناء الناس وأتباعهم.
    وفي رواية أن بلالاً قال: لتقسمنها أو لنضاربن عليها بالسيف، فقال عمر: لولا أني
    أترك الناس بباناً، لا شيء لهم ما فتحت قرية إلا قسمتها سهماناً كما قسم رسول الله
    صلى الله عليه وسلم خيبر.
    زاد البيهقي والخشنامي إلى آخر الحديث: ولكن أتركها لمن بعدهم جزية يقتسمونها.
    قال البيهقي: وفي أحاديث عمر التي لم ير فيها القسمة دلالة على أن عمر كان يرى من
    المصلحة إقرار الأراضي، وكان يطلب استطابة قلوب الغانمين، وإذا لم يرضوا بتركها
    فالحجة في قسمه قائمة بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قسمة خيبر وقد
    خالف الزبير بن العوام وبلال وأصحابه، ومعاذ، على شك من الراوي، عمر فيما رأى.
    والله أعلم.
    حدث أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو قال: حضرت عند أبي الحسن بن محمد بن مدبر، أحضر
    ذلك المجلس هشام بن عمار ودحيماً ومحمود بن خالد وعبد الله بن ذكوان وأحضرني فيمن
    أحضر فقال: إنكم لا تتهمون على الفيء، وإنما يتهم عليه أهل البدع، لأنكم تعلمون
    أنه ينفق في بيضة الإسلام وفي حج البيت ومجاهدة العدو وأمن السبل، فتكلم يومئذ
    أحمد بن محمد بن مدبر في ذلك فأبلغ، وقال: أخبروني عن مدائن الساحل: هل ترون من مستغلها
    حقاً للفيء? فقال: لا حق للفيء في مستغلها. وأعلموه أن دمشق فتحت صلحاً، وأن صلح
    حصونها بصلحها من أجل أنها الأم، وإن ساحلها تبع لها.
    قال أبو زرعة: وأعلمته يومئذ أن بعلبك صلح، وأن الوليد بن مسلم قد أثبت صلحها عن
    إسماعيل بن عياش. فقال ابن مدبر للمشيخة: هكذا تقولن? قالوا: نعم، فقبل ذلك منهم.
    قال أبو زرعة: وسألني أبى مدبر عن بيع الكلأ فأعلمته أن الأوزاعي يقول: الناس فيه
    أسوة، فتظلم إلى ابن مدبر رجل من الرعية على رجل رعى كلأ له، فلم يعده. وقال: فقيه
    أهل الشام لا يرى لك حقاً.
    قال أبو زرعة: ورأيت أحمد بن محمد بن مدبر شديداً في الأرض، مذهبه فيها مذهب السلف
    في إيقافها.
    قال: فحدثته بحديث أرويه عن الهيثم بن عمران قال: كتب هشام بن عبد الملك إلى كلثوم
    بن عياض وبلغه أن خالداً القسري اشترى أرضاً من أرض الغوطة بغير إذنه فقال: أتشتري
    أرضاً بغير إذني? فأمر سالماً الكاتب أن يكتب إلى كلثوم بن عياض: عزمت عليك ألا
    تضع كتابي من يدك حتى تغرم الوليد بن عبد الرحمن عاملي على الغوطة أربع مئة دينار،
    وتبعث بها إلي إذا اشتريت أرض بغير إذنه، وكتب إلى كلثوم أن اضرب وكيلي القسري مئة
    مئة. وأطفء بهما، ومر من ينادي عليهما: هذا جزاء من اشترى أرضاً بغير إذن أمير
    المؤمنين. وذلك أنه وجد فيما وضع عمر بن عبد العزيز حين استخلف قال: هل نهت الولاة
    قبلي عن شراء الأرض من أهل الذمة? قالوا: لم ينهوا. قال: فإني قد سلمت لمن اشترى،
    ولكن من اليوم أنهى عن بيعها، إنها أرض المسلمين، دفعت إلى أهل الذمة على أن يأكلوا
    منها ويؤدوا خراجها، وليس لهم بيعها، ومن اشترى بعد اليوم. فيعاقب البيع والمشتري،
    وترد الأرض إلى النبطي، ويؤخذ الثمن من المسلم، فيجعل في بيت المال، لما انتهكوا
    من المعصية، ويدخل المال الذي أخذ النبطي بيت مال المسلمين لما وضع عمر في ذلك
    الديوان فهي المدة. ما كان قبل المدة، يعني قبل عمر بن عبد العزيز، وما كان بعد
    المدة، يعني بعد عمر.
    قال أبو زرعة: فاستحسن أحمد بن محمد بن مدبر هذا الحديث، وأنكر العقوبة، فقلت له:
    لا تبتذله رأيه، وأخبرته بحديث رويته عن إسحاق بن مسلم، وكان عاملاً لعمر بن عبد
    العزيز على خراج الأردن. فكتب إلى عمر: أما بعد. فإني وجدت أرضاً من أرض أهل الذمة
    بأيدي أناس من المسلمين فما يرى أمير المؤمنين فيها? فكتب إليه أن تلك أرض أوقفها
    أول المسلمين على آخرهم، فامنع ذلك البيع. إن شاء الله والسلام.
    وحدثته ما رويته عن القاسم بن زياد وعن عاملاً لعمر بن عبد العزيز على الغوطة،
    فكتب إلى عمر: أما بعد: فإن قبلنا أرضاً من أرض أهل الذمة بأيدي ناس من المسلمين
    قد ابتاعوها منهم، وهم يؤدون العشر مما يخرج منها، أفضل مما كان عليها، فما يرى
    أمير المؤمنين? قال: وأنا أريد بدا وذات بدا، أرضاً من أرض الجبل اتخذها عمر، فكتب
    إليه عمر أن تلك أرض حبسها أول المسلمين على آخرهم، فليس لأحد أن يتمولها دونهم،
    فامنع ذلك البيع إن شاء الله.
    قال أبو زرعة: فحدثت بهذا الحديث عبد الملك بن الأصبغ من أصحاب الوليد بن مسلم
    فأخبرني أن عمر بن عبد العزيز لم يمت عن ضيعة بقيت في يده غير بدا وحزين من أرض
    بعلبك، وأنه أورثها عشراً وعدلها على ذلك أبو جعفر المنصور فصارت بأيدي ورثة عمر.
    قال أبو زرعة: فقال لي أحمد بن محمد بن مدبر: قد جاء فيها: من أخذ أرضاً بجزيتها
    فقد أتى بما يأتي به أهل الكتاب من الذل والصغار.
    وأما قول الثوري فقد روي عن سفيان بن سعيد قال: إذا ظهر على بلاد العدو فالإمام
    بالخيار إن شاء قسم البلاد والأموال والسبي، بعد ما يخرج الخمس من ذلك، وإن شاء من
    عليهم فترك الأرض والأموال، وكانوا ذمة للمسلمين كما صنع عمر بن الخطاب بأهل
    السواد، فإن تركهم صاروا عهداً توارثوا وباعوا أرضهم.
    قال يحيى بن آدم أحد رواة هذا الحديث: وسمعت حفص بن غياث يقول: تباع ويقضى بها
    الدين، وتقسم في المواريث.
    وأما قول مالك فإنه ذهب إلى أن من أسلم من أهل الصلح فهو أحق بما له وأرضه، وأما
    أهل العنوة الذين أخذوا عنوة فمن أسلم منهم فإن أرضه وماله للمسلمين، لأن أهل
    العنوة قد غلبوا على بلادهم وصارت فيئاً للمسلمين، وأما أهل الصلح فإنهم قوم منعوا
    أموالهم وأنفسهم حتى صالحوا عليها، فليس عليهم إلا ما صلحوا عليه.
    وروى عنه يحيى بن عبد الله بن بكير قال: قال مالك: كل أرض فتحت صلحاً فهي لأهلها،
    لأنهم منعوا بلادهم حتى صالحوا عليها، وكل بلاد أخذت عنوة فهي فيء للمسلمين.
    وقال يحيى بن آدم: كل أرض كانت لعبد الأوثان من العجم أو لأهل الكتاب من العجم أو
    العرب ممن يقبل منهم الجزية فإن أرضهم أرض خراج إن صالحوا على الجزية على رؤوسهم،
    والخراج على أرضيهم، فإن ذلك يقبل منهم، وإن ظهر عليهم المسلمون فإن الإمام يقسم
    جميع ما أجلبوا به في العسكر من كراع أو سلاح أو مال بعدما يخمسه، وهي الغنيمة
    التي لا يوقف شيء منها، وذلك قوله عز وجل: "ما غنمتم من شيء فإن لله
    خمسه" وأما القرى والمدائن والأرض فهي فيء كما قال الله عز وجل: "ما
    أفاء الله على رسوله من أهل القرى" فالإمام بالخيار في ذلك: إن شاء وقفه
    وتركه للمسلمين، وإن شاء قسمه بين حضره.
    قال أبو بكر الخطيب: اختلف الفقهاء في الأرض التي يغنمها المسلمون فيقهرون العدو
    عليها، فذهب بعضهم إلى أن الإمام بالخيار بين أن يقسمها على خمسة أسهم، فيعزل منها
    السهم الذي ذكره الله تعالى في آية الغنيمة فقال: "واعلموا أن ما غنمتم من
    شيء فإن لله خمسه" الآية. ويقسم السهام الأربعة الباقية بين الذين افتتحوها،
    فإن لم يختر ذلك وقف جميعها، كما فعل عمر بن الخطاب في أرض السواد.
    وممن ذهب إلى هذا القول سفيان بن سعيد الثوري وأبو حنيفة النعمان بن ثابت.
    وقال مالك: تصير الأرض وقفاً بنفس الاغتنام، ولا خيار فيها للإمام.
    وقال محمد بن إدريس الشافعي: ليس للإمام إيقافها. وإنما يلزمه قسمتها، فإن اتفق
    المسلمون على إيقافها ورضوا أن لا تقسم جاز ذلك، واحتج من ذهب إلى هذا القول بما
    روي عن عمر بن الخطاب أنه قسم أرض السواد بين غانمها وحائزها، ثم استنزلهم بعد ذلك
    عنها، واسترضاهم منها، ووقفها. فأما الأحاديث التي وردت عن عمر أنه لم يقسمها فإنه
    محمولة على أنه امتنع من إمضاء القسم واستدامته بأن انتزع الأرض من أيديهم، أو أنه
    لم يقسم بعض السواد وقسم بعضه، ثم رجع فيه.
    قال أبو عبيد: وجدنا الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده قد
    جاءت في افتتاح الأرضين بثلاثة أحكام: أرض أسلم عليها أهلها فهي لهم، وملك
    أيمانهم، وهي أرض عشر، لا شيء عليهم فيها غيره، وأرض افتتحت صلحاً على خراج معلوم
    فهي على ما صولحوا عليه، لا يلزمهم أكثر منه، وأرض أخذت عنوة فهي التي اختلف
    المسلمون فيها. فقال بعضهم: سبيلها سبيل الغنيمة تخمس، وتقسم، فيكون أربعة أخماسها
    خططاً بني الذين افتتحوها خاصة، ويكون الخمس الباقي لمن سمى الله تعالى، وقال
    بعضهم: بل حكمها والنظر فيها للإمام: إن رأى أن يجعلها غنيمة فيخمسها ويقسمها كما
    فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فتلك له، وإن رأى أن يجعلها فيئاً فلا
    يخمسها ولا يقسمها، ولكن تكون موقوفة على المسلمين عامة، ما بقوا كما صنع عمر
    بالسواد، فعل ذلك.
    فأما حكم الدور التي هي داخل السور فقد روي عن بنت واثلة قالت: سمعت رجلاً يقول
    لواثلة: أرأيت هذه المساكن التي أقطعها الناس يوم فتحوا مدينة دمشق أماضية هي
    لأهلها? قال: نعم. قال: فإن ناساً يقولون هي لهم سكنى، وليس لهم بيعها ولا إتلافها
    بوجه من الوجوه، من صدقة ولا مهر ولا غير ذلك. فقال واثلة: ومن يقول ذلك! بل هي
    لهم ملك ثابت، يسكنون، ويمهرون، ويتصدقون.
    وأما القطائع فقد روي عن عامر قال: لم يقطع أبو بكر ولا عمر ولا علي، وأول من أقطع
    القطائع عثمان، وبيعت الأرضون في خلافة عثمان.
    وروي عن أبي عمرو وغيره أن عمر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمع رأيهم
    على إقرار ما كان بأيديهم من أرضهم يعمرونها ويؤدون منها خراجها إلى المسلمين، فمن
    أسلم منهم رفع عن رأسه الخراج، وصار ما كان في يده من الأرض وداره بين أصحابه من
    أهل قريته، يؤدون عنها ما كان يؤدى من خراجها، ويسلمون له ماله ورقيقه وحيوانه،
    وفرضوا له في ديوان المسلمين، وصار من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، ولا
    يرون أنه وإن أسلم أولى بما كان في يديه من أرضه من أصحابه من أهل بيته وقرابته،
    لا يجعلونها صافية للمسلمين، وسموا من ثبت منهم على دينه وقريته ذمة للمسلمين،
    ويرون أنه لا يصلح لأحد من المسلمين شرى ما في أيديهم من الأرض كرهاً، لما احتجوا
    به على المسلمين من أن إمساكهم كان عن قتالهم وتركهم مظافرة عدوهم من الروم عليهم،
    فهاب لذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولاة الأمر قسمهم، وأخذوا ما كان
    في أيديهم من تلك الأرضين، وكرهوا للمسلمين أيضاً شراءها طوعاً لما كان من ظهور
    المسلمين على البلاد، وعلى من كان يقاتلهم عنها، ولتركهم، كان، البعثة إلى
    المسلمين وولاة الأمر في طلب الأمان قبل ظهورهم عليهم. قالوا: وكرهوا شراءها منهم
    طوعاً بما كان من إيقاف عمر وأصحابه الأرض محبوسة على آخر هذه الأمة من المسلمين
    المجاهدين لا تباع ولا تورث قوة على جهاد من لم يظهروا عليه بعد من المشركين، ولما
    ألزموه أنفسهم من إقامة فريضة الجهاد لقوله عز وجل: "وقاتلوهم حتى لا تكون
    فتنة" إلى تمام الآية.
    قال: فقلت لغير واحد من مشيختنا ممن كان يقول هذه المقالة: فمن أين جاءت هذه
    القطائع التي بين ظهراني القرى الراخية والمزارع التي بيد غير واحد من الناس?
    فقال: إن بدء هذه القطائع أن ناساً من بطارقة الروم إذا كانت ظاهرة على الشام كانت
    هذه القرى التي منها هذه القطائع، كانت من الأرضين التي كانت بأيدي أنباط القرى،
    فلما هزم الله الروم هربت تلك البطارقة عما كان في أيديها من تلك المزارع، فلحقت
    بأرض الروم، ومن قتل منها في تلك المعارك التي كانت بين المسلمين والروم فصارت تلك
    المزارع والقرى صافية للمسلمين موقوفة يقبلها والي المسلمين كما يقبل الرجل مزرعته.
    قالوا: فمنها أندركيسان يعني بدمشق. وقبيس بالبلقاء، وما على باب حمص من جبعاثا
    وغيرها. قالوا: فلم تزل تلك المزارع موقوفة مقبلة، تدخل قبالتها بيت المال، فتخرج
    نفقة مع ما يخرج من الخراج، حتى كتب معاوية في إمرته على الشام إلى عثمان أن الذي
    أجراه عليه من الرزق في عمله ليس يقوم بمؤن من يقوم عليه من وفود الأجناد ورسل
    أمرائهم، ومن يقدم عليه من رسل الروم ووفودها، ووصف في كتابه هذه المزارع الصافية
    وسماها له، فسأله أن يقطعه إياها ليقوى بها على ما وصف له، وأنها ليست من قرى أهل
    الذمة ولا الخراج فكتب إليه عثمان بذلك كتاباً.
    قالوا: فلم تزل بيد معاوية حتى قتل عثمان، وأفضى إلى معاوية الأمر، فأقرها على
    حالها، ثم جعلها من بعده حبساً على فقراء أهل بيته والمسلمين.
    قالوا: ثم إن ناساً من قريش وأشراف العرب سألوا معاوية أن يقطعهم من بقايا تلك
    المزارع التي لم يكن عثمان أقطعه إياها، ففعل، فمضت لهم أموالاً يبيعون، ويمهرون،
    ويورثون.
    فلما أفضى الأمر إلى عبد الملك بن مروان وقد بقيت من تلك المزارع بقايا لم يكن
    معاوية قد أقطع منها أحداً شيئاً سأله أشراف الناس القطائع منها ففعل.
    قالوا: إن عبد الملك سئل القطائع، وقد مضت تلك المزارع لأهلها، فلم يبق منها شيء،
    فنظر عبد الملك إلى أرض من أرض الخراج قد باد أهلها، ولم يتركوا عقباً أقطعهم
    منها، ورفع ما كان عليها من خراجها عن أهل الخراج، ولم يحمله أحداً من أهل القرى
    وجعلها عشراً، ورآه جائزاً له مثل إخراجه من بيت المال الجوائز للخاصة.
    قالوا: فلم يزل يفعل ذلك حتى لم يجد من تلك الأرض شيئاً. فسأل الناس عبد الملك
    والوليد وسليمان قطائع من أرض القرى التي بأيدي أهل الذمة، فأبوا ذلك عليهم، ثم
    سألوهم أن يأذنوا لهم في شرى الأرضين من أهل الذمة فأذنوا لهم على إدخال أثمانها
    بيت المال، وتقوية أهل الخراج به على خراج سنتهم مع ما ضعفوا عن أدائه، وأوقفوا
    ذلك في الأرضين، ووضعوا خراج تلك الأرضين عمن باعها منهم، وعن أهل قراهم، وصيروها
    لمن اشتراها يؤدي العشر، يبيعون ويمهرون ويورثون.
    قالوا: فلما ولي عمر بن عبد العزيز أعرض عن تلك القطائع التي أقطعها عثمان ومعاوية
    وعبد الملك والوليد وسليمان، فلم يردها عمر على ما كانت عليه صافية، ولم يجعلها
    خراجاً، وأبقاها لأهلها تؤدي العشر.
    قال: وأعرض عمر عن تلك الأشرية بالإذن لأهلها فيها، لاختلاط الأمور فيها، لما وقع
    فيها من المواريث، ومهور النساء، وقضاء الديون، فلم يقدر على تخليصه ولا معرفة
    ذلك. قال: وأعرض عن الأشرية التي اشتراها المسلمون بغير إذن ولاة الأمر، لما وقع
    في ذلك من المواريث واختلاط الأمور، وجعل الأشرية سواء، وأمضاه لأهله ولمن كان في
    يديه كالقطائع للأرض عشراً ليس عليها ولا على من صارت إليه بميراث أو شراء جزية.
    قالوا: وكتب بذلك كتاباً قرئ على الناس في سنة مئة وأعلمهم أنه لا جزية عليها،
    وأنها أرض عشر. وكتب أن من اشترى شيئاً بعد سنة مئة فإن بيعه مردود، وسمي سنة مئة
    المدة، فسماها المسلمون بعده: المدة. فأمضى ذلك فبقية ولايته، ثم أمضاه يزيد وهشام
    ابنا عبد الملك.
    قالوا: فتناهى الناس عن شراها بعد سنة مئة بسنيات، ثم اشتروا أشرية كثيرة كانت
    بأيدي أهلها، يؤدون العشر، ولا جزية عليها.
    فلما أفضى الأمر إلى أبي جعفر عبد الله بن محمد أمير المؤمنين رفعت إليه تلك الأشرية
    وأنها تؤدي العشر، ولا جزية عليها، وأن ذلك أضر بالخراج وكسره، فأراد ردها إلى
    ألها. قيل له: قد وقعت في المواريث والمهور واختلط أمرها، فبعث المعدلين إلى كور
    الشام سنة أربعين أو إحدى وأربعين منهم: عبد الله بن يزيد إلى حمص، وإسماعيل بن
    عياش إلى بعلبك، في أشباه لهم، فعدلوا تلك الأشرية على من هي بيده شرى أو ميراث أو
    مهر، فعدلوا ما بقي بأيدي الأنباط من بقية الأرض على تعديل مسمى، ولم تعدل الغوطة
    في تلك السنة، وكان من كان بيده شيء من تلك الأشرية من أهل الغوطة يؤدي العشر حتى
    بعث أمير المؤمنين عبد الله بن محمد، هضاب بن طوق، ومحرز بين زريق، فعدلوا
    الأشرية، وأمرهم ألا يضعوا على شيء من القطائع القديمة ولا الأشرية خراجاً، وأن
    يمضوها لأهلها عشرية، ويضعوا الخراج على ما بقي منها بيد الأنباط وعلى الأشرية
    المحدثة من بعد سنة مئة إلى السنة التي عدل فيها.
    حدث سليمان بن عتبة أن أمير المؤمنين عبد الله بن محمد سأله في مقدمة الشام سنة
    ثلاث أو أربع وخمسين ومئة عن سبب الأرضين التي بأيدي أبناء الصحابة، ويذكرون أنها
    قطائع لآبائهم قديمة، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الله تبارك وتعالى لما أظهر
    المسلمين على بلاد الشام، وصالحوا أهل دمشق وأهل حمص كرهوا أن يدخلوها دون أن يتم
    ظهورهم وإثخانهم في عدو الله عسكروا في مرج بردى ما بين المزة وبين مرج شعبان جنبي
    بردى، وكانت مروجاً مباحة فيما بين أهل دمشق وقراها ليست لأحد منهم، فأقاموا بها،
    حتى أوطأ الله المشركين ذلاً، وقهراً، وأحيا كل قوم محلتهم، وهيؤوا فيها بناء،
    فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، فأمضاه لهم، فبنوا الدور، ونصبوا الشجر، ثم أمضاه
    عثمان، ومن بعده إلى ولاية أمير المؤمنين، فقال: قد أمضيناه لأهله.


    صفحة 83+84+85+86+87+88+89
    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29437
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65575
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty الصوافي التي استصفيت عن بني أمية

    مُساهمة من طرف waell الخميس 7 فبراير 2013 - 0:33

    الصوافي التي استصفيت
    عن بني أمية


    فقد
    روي عن همام بن مسلم قال: سئل مالك بن أسن عن دار من دور الصوافي، أسكنها? قال: ما
    أدري. وسألت ابن أبي ذئب فقال: ما أدري، وسئل عباد بن كثير فقال: في هذا ما فيه.
    وسئل سفيان الثوري فقال: لا تنزلها، فقال له الرجل: فإن أبي في صافية ويأبى أن
    يخرج منها فقال سفيان: فارق أباك، قيل: فإن كان فيها مسجد، قال: فلا تصل فيه. قال:
    فإن كان فيها مريض? قال: فلا تعده. قلت: فإن كنت أعرف أهلها أشتريها منهم? قال:
    نعم.
    وروي عن سفيان الثوري قال: إن كانت، يعني الصوافي، لبني أمية حلالاً فهي على بني
    هاشم حرام، وإن كانت على بني أمية حراماً فهي على بني هاشم أحرم وأحرم.

    صفحة 89
    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29437
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65575
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty بعض ما ورد من الملاحم والفتن

    مُساهمة من طرف waell الخميس 7 فبراير 2013 - 0:36

    بعض ما ورد من الملاحم
    والفتن



    يتعلق بدمشق


    عن
    أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" منعت العراق درهمها
    وقفيزها، ومنعت الشام مدها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث
    بدأتم. قالها ثلاثاً. شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه.
    قال أبو عبيد الهروي في هذا الحديث: قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما لم يكن،
    وهو في علم الله كائن، فخرج لفظه على لفظ الماضي لأنه ماض في علم الله عز وجل. وفي
    إعلامه بهذا قبل وقوعه ما دل على إثبات نبوته، ودل على رضاه من عمر ما وظفه على
    الكفرة من الجزي في الأمصار. وفي تفسير المنع وجهان: أحدهما أن النبي صلى الله
    عليه وسلم علم أنهم سيسلمون فيسقط عنهم ما وظف عليهم بإسلامهم، فصاروا مانعين
    بإسلامهم ما وظف عليهم. والدليل على ذلك قوله في الحدث: وعدتم من حيث بدأتم، لأن
    بدا أهم في علم الله، وفيما قدر. وفيما قضى أنهم سيسلمون، فعادوا من حيث بدؤوا.
    وقيل في قوله: منعت العراق درهمها: إنهم يرجعون عن الطاعة. قال: وهذا وجه، والأول
    أحسن.
    وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تقوم الساعة حتى يغلب
    أهل المدي على مديهم، وأهل القفيز على قفيزهم، وأهل الإردب على إردبهم، وأهل
    الدينار على دينارهم، وأهل الدرهم على درهمهم، ويرجع الناس إلى بلادهم.
    قال أبو عبيد: فمعناه والله أعلم: إن هذا كائن. وإنه سيمنع بعد في آخر الزمان،
    فاسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدرهم والقفيز كما فعل عمر بأهل
    السواد، فهو عندي الثبت. وفي تأويل فعل عمر أيضاً حين وضع الخراج، ووظفه على أهله
    من العلم أنه جعله شاملاً عاماً على كل من لزمته المساحة وصارت الأرض في يده من
    رجل أو امرأة أو صبي أو مكاتب أو عبد، فصاروا متساوين فيها، لم يستثنى أحد دون
    أحد. ومما يبين ذلك قول عمر في دهقانة نهر الملك حين أسلمت فقال: دعوها في أرضها،
    تؤدي عنها الخراج، فأوجب عليها ما أوجب على الرجال.
    وفي تأويل حديث عمر من العلم إنما جعل الخراج على الأرضين التي تغل من ذوات الحب
    والثمار، والتي تصلح للغلة من العامر والغامر، وعطل منها المساكن والدور، التي هي
    منازلهم، فلم يجعل عليهم فيها شيئاً.
    وعن أبي نضرة قال: كنا عند جابر بن عبد الله فقال: يوشك أهل العراق ألا يجبى إليهم
    قفيز ولا درهم، قلنا: من أين ذلك? قال: من قبل العجم يمنعون ذلك. ثم قال: يوشك أهل
    الشام ألا يجبى إليهم دينار ولا مدي، قلنا: من أين ذلك? قال: من قبل الروم يمنعون
    ذلك، ثم أسكت هنيهة ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في آخر الزمان
    خليفة يحثي المال حثيثاً، لا يعده عداً.
    قال الجريري: فقلت
    لأبي نضرة وأبي العلاء: أتريانه عمر بن عبد العزيز? فقالا: لا.
    وعن عبد الله بن عمرو قال: تجيش الروم فيخرجون أهل الشام من منازلهم، فيستغيثون
    بكم، فتغيثونهم، فلا يتخلف عنهم مؤمن، فتقتتلون، فيكون بينكم قتل كثير ثم تهزمونهم
    فينتهون إلى أسطوانة، إني لا أعلم مكانها عليهم، عندها الدنانير، فيكالونها
    بالتراس فيلقاهم الصريخ. إن الدجال يحوش ذراريكم فيلقون ما في أيديهم، ثم يأتون.
    وعن أبي الدرداء أنه قال: ليخرجنكم الروم من الشام كفراً كفراً حتى يوردوكم
    البلقاء. كذلك الدنيا تبيد وتفنى، والآخرة تدوم وتبقى.
    وعن أبي هريرة قال: يا أهل الشام، ليخرجنكم الروم منها كفراً كفراً حتى تلحقوا
    بسنبك من الأرض. قيل: وما ذاك السنبك? قال: حسمي جذام، ولتسيرن الروم على كوادنها،
    متعلقي جعابها بين بارق ولعلع.
    وعن خالد أنه قال: لا يذهب الليل والنهار حتى يطرد الروم أهل الشام من الشام،
    فيموت منهم ناس كثير من العيال بالفلاة جوعاً وعطشاً.
    وعن الضحاك بن مزاحم قال: هلاك دمشق نزول السفياني بين أظهرهم، ثم الروم.
    حدث الصنابحي أنه سمع كعباً يقول: سيعرك العراق عرك الأديم، وتفت مصر فت البعر.
    وروي عن واهب المعافري أنه قال: وتشق الشام شق الشعرة.
    قال عمر بن يزيد النصري: يقتل أصيهب قريش في دمشق، ومعه سبعون صديقاً.
    وكانوا يقولون: أسعد الناس بالرايات السود من أهل الشام أهل حمص، وأشقى الناس بالرايات
    السود من أهل الشام أهل دمشق، واسعد الناس بالرايات الصفر من أهل الشام أهل دمشق،
    وأشقى الناس بالرايات الصفر من أهل الشام أهل حمص.
    قال خالد بن معدان: يهزم السفياني الجماعة مرتين ثم يهلك. وقال: لا يخرج المهدي
    حتى يخسف بقرية بالغوطة تسمى حرستا.

    صفحة 89+90
    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29437
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65575
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty ذكر بعض أخبار الدجال

    مُساهمة من طرف waell الخميس 7 فبراير 2013 - 0:40

    ذكر بعض أخبار الدجال


    وعن
    النواس بن سمعان الكلابي قال:







    ذكر رسول الله صلى
    الله عليه وسلم الدجال فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة من النخل فقال: غير
    الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم
    فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم. إنه شاب قطط، عينه قائمة يشبه عبد
    العزي بن قطن، فمن رآه منكم فليقرأ فاتحة الكتاب وفاتحة سورة أصحاب الكهف، ثم
    قال: إنه يخرج من خلة ما بين الشام والعراق، فعاث يميناً وشمالاً، يا عباد الله
    اثبتوا، قلنا: يا رسول الله، ما لبثه في الأرض? قال: أربعين يوماً، يوم كسنة،
    ويوم كشهر، ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم قلنا: يا رسول الله، أرأيت ذلك اليوم
    الذي كالسنة يكفينا فيه صلاة يوم? قال: لا، اقدروا له. قلنا: يا رسول الله، ما
    إسراعه في الأرض? قال: كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم فيدعوهم،
    فيؤمنون، ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر، ويأمر الأرض فتنبت، فتروح عليهم
    سارحتهم أطول ما كانت دراً، وأسبغه ضروعاً وأمده خواصر، ثم يأتي على القوم
    فيدعوهم، ويردون عليه قوله، فينصرف عنهم تتبعه أموالهم، فيصبحون ممحلين ليس
    بأيديهم شيء، يمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فينطلق فتتبعه كنوزها كيعاسيب
    النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف، ويقطعه جزلين رمية الغرض،
    ثم يدعوه فيقبل، يتهلل وجهه ويضحك. فبينا هو كذلك إذ بعث المسيح عيسى بن مريم
    عليهما السلام، ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، بين مهرودتين أو مبرودتين،
    واضع كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر. وإذا رفعه تحدر منه كجمان لؤلؤ،
    ولا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات. ونفسه ينتهي حين ينتهي طرفه، فيطلبه حتى
    يدركه عند باب لد، فيقتله الله. ثم يأتي عيسى بن مريم قوماً قد عصمهم الله منه،
    فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة. فبينا هو كذلك إذ أوحى الله إليه:
    يا عيسى، قد أخرجت عباداً لا يدان لأحد بقتالهم، فجوز عبادي إلى الطور، فيبعث
    الله يأجوج ومأجوج من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة الطبرية فيشربون ما
    فيها، فيمر آخرهم فيقول: لقد كان في هذه ماء مرة، فيحصر نبي الله عليه السلام
    حتى يكون رأس الثور خيراً لأحدهم من مئة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله
    عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس
    واحدة، فيهبط نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون موضع شبر
    إلا قد ملأه زهمهم ونتنهم ودماؤهم، فيرغب نبي الله صلى الله عليه وسلم عيسى
    وأصحابه إلى الله عز وجل، فيرسل عليهم طيراً كأعناق البخت تحملهم فتطرحهم حيث
    شاء الله. ثم يرسل الله مطراً لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، يغسل الأرض حتى يتركها
    كالزلفة ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرك وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة،
    ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس
    واللقحة من البقر لتكفي القبيل، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ. فبينا هم كذلك إذ
    بعث الله ريحاً طيبة تأخذ تحت آباطاهم فتقبض روح كل مسلم، ويبقى شرار الناس
    يتهارجون كما تتهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة.
    وعن أبي سعد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:




    إنه لم يكن نبي إلا وقد أنذر الدجال
    قومه، وإني أنذركموه. إنه أعور ذو حدقة جاحظة ولا تخفى كأنها نخاعة في جنب جدار،
    وعينه اليسرى كأنها كوكب دري، ومعه مثل الجنة والنار، فجنته غبراء ذات دخان، وناره
    روضة خضراء، وبين يديه رجلان ينذران أهل القرى، كلما خرجا من قرية دخل أوائلهم
    فيسلط على رجل، لا يسلط على غيره فيذبحه ثم يضربه بعصا وفي رواية: بعصاه ثم يقول:
    قم فيقوم، فيقول لأصحابه: كيف ترون ألست بربكم? فيشهدون له بالشرك. فيقول الرجل
    المذبوح: يا أيها الناس، ها إن هذا المسيح الدجال الذي أنذرنا رسول الله صلى الله
    عليه وسلم فيعود أيضاً فيذبحه ثم يضربه بعصاه فيقول له: قم فيقوم، فيقول لأصحابه:
    كيف ترون ألست بربكم? فيشهدون له بالشرك. فيقول المذبوح: يا أيها الناسن ها إن هذا
    المسيح الدجال الذي أنذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زادني هذا فيك إلا
    بصيرة، فيعود فيذبحه الثالثة ويضربه بعصاه فيقول: يا أيها الناس، إن هذا المسيح
    الدجال الذي أنذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زادني هذا فيك إلا بصيرة، ثم
    يعود فيذبحه الرابعة، فيضرب الله تعالى على حلقه بصفيحة من نحاس فلا يستطيع ذبحه.
    قال أبو سعيد: فوالله ما دريت ما النحاس، إلا يومئذ. قال: فيغرس الناس بعد ذلك
    ويزرعون.
    قال أبو سعيد: كنا نرى ذلك الرجل عمر بن الخطاب. لما نعلم من قوته وجلده.
    وعن أبي أمامة الباهلي قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أكثر خطبته
    ما يحدثنا عن الدجال ويحذرناه، فكان من قوله: يا أيها الناس، إنها لم تكن فتنة على
    وجه الأرض أعظم من فتنة الدجال، إن الله لم يبعث نبياً إلا حذر أمته الدحال، وأنا
    آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة، فإن يخرج فيكم وأنا فيكم
    فأنا حجيج كل مسلم، وإن يخرج بعدي فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم.
    إنه يخرج من خلة بين الشام والعراق، فيعيث يميناً ويعيث شمالاً. يا عباد الله،
    اثبتوا فإنه يبتدئ فيقول: أنا نبي، ولا نبي بعدي، ثم يبتدئ فيقول: أنا ربكم، ولن
    تروا ربكم حتى تموتوا، وإنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وإنه مكتوب بين عينيه:
    كافر، يقرأه كل مؤمن، فمن لقيه منكم فليتفل في وجهه، وإن من فتنته أن معه جنة
    وناراً، فناره جنة، وجنته نار، فمن ابتلى بناره فليقرأ فواتح سورة الكهف، ويستغث
    باله تكن عليه برداً وسلاماً، كما كانت على إبراهيم صلى الله عليه وسلم. وإن من
    فتنته أن معه شياطين تتمثل على صور الناس، فيأتي للأعرابي فيقول: أرأيت إن بعثت لك
    أباك وأمك، أتشهد أني ربك? فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانه على صورة أبيه وأمه،
    فيقولان له: يا بني ابتعه فإنه ربك. وإن من فتنتة أن يسلط على نفس فيقتلها ثم
    يحييها، وأن يعود بعد ذلك وأن يصنع ذلك بنفس غيرها. يقول: انظروا إلى عبدي هذا،
    فإني أبعثه الآن يزعم أن له رباً غيري، فيبعثه فيقول له: من ربك? فيقول ربي الله
    وأنت عدو الله الدجال. وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك إبلك،
    أتشهد أني ربك? فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانه على صورة إبله. وإن من فتنته أن يأمر
    السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت. وإن من فتنته أن يمر بالحي
    فيكذبوه، فلا يبقى لهم سائمة إلا هلكت، ويمر بالحي فيصدقوه، فيأمر السماء أن تمطر
    فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، فتروح عليهم مواشيهم من يومها ذلك أعظم ما كانت
    وأسمنه خواصر، وأدره ضروعاً. وإن أيامه أربعون يوماً، فيوم كالسنة، ويوم دون ذلك،
    ويوم كالشهر، ويوم دون ذلك، ويوم كالجمعة ويوم دون ذلك، ويوم كالأيام، ويوم دون
    ذلك، وآخر أيامه كالشرارة في الجريدة، يضحي الرجل بباب المدينة، فلا يبلغ بابها
    الآخر حتى تغرب الشمس. قالوا: يا رسول الله، فكيف نصلي في تلك الأيام القصار? قال:
    تقدرون في هذه الأيام القصار كمنا تقدرون في الأيام الطوال ثم تصلون. وإنه لا يبقى
    شيء من الأرض إلا وطئه وغلب عليه إلا مكة والمدينة، فإنه لا يأتيها من نقب من
    أنقابها إلا لقيه ملك مصلت بالسيف، فينزل عند الضريب الأحمر عند منقطع السبخة عند
    مجتمع السيول. ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا
    خرج، فتنفي المدينة يومئذ خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد. يدعى ذلك اليوم يوم
    الإخلاص.
    فقالت أم شريك







    يا رسول الله، فأين
    المسلمون? فال: ببيت المقدس، يخرج حتى يحاصرهم، وإمام المسلمين يومئذ رجل صالح،
    فيقال له: صل الصبح، فإذا كبر ودخل في الصلاة نزل عيسى بن مريم. قال: فإذا رآه
    ذلك الرجل عرفه، فيرجع يمشي القهقرى ليتقدم عيسى عليه السلام فيضع يده بين كتفيه
    ثم يقول: صل، فإنما أقيمت الصلاة لك، فيصلي عيس عليه السلام وراءه، فيقول:
    افتحوا الباب فيفتحونه. ومع الدجال يومئذ سبعون ألف يهودي كلهم ذو سلاح وسيف
    محلى، فإذا نظر إلى عيسى عليه السلام ذاب كما يذوب الرصاص في النار، وكما يذب
    الملح في الماء، ثم يخرج هارباً فيقول عيسى: إن لي فيك ضربة لن تفوتني بها،
    فيدركه عند باب الشرقي فيقتله، فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا
    أنطق الله عز وجل ذلك الشيء لا شجرة ولا حجر ولا دابة إلا قال: يا عبد الله
    المسلم، هذا يهودي فاقتله إلا الغرقدة فإنها من شجرهم لا تنطق قال الشيخ: شوك يكون
    بناحية بيت المقدس قال: ويكون عيسى في أمتي حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً، فيقتل
    الخنزير، ويدق الصليب، ويضع الجزية، ولا يسعى على شاة ولا بعير ويرفع الشحناء
    والبغضاء التباغض، فتنزع حمة كل ذي دابة حتى تلقى الوليدة الأسد فلا يضرها،
    ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، ويملأ الأرض من الإسلام، ويسلب الكفار ملكهم،
    فلا يكون ملك إلا الإسلام وتكون الأرض كفاثور الفضة، ينبت نباتها كما كانت على
    عهد آدم عليه السلام، يجتمع النفر على القطف. فيشبعهم، ويجتمع النفر على
    الرمانة. ويكون الثور بكذا وكذا من المال، وتكون الفرس بالدريهمات.
    وعن أبي نضرة قال: أتينا عثمان بن أبي العاص يوم جمعة لنعرض على مصحفه مصحفاً،
    فلما حضر الجمعة أمر لنا بماء فاغتسلنا، وطيبنا ثم، رحنا إلى الجمعة، فجلسنا إلى
    رجل يحدث ?، ثم جاء عثمان بن أبي العاص فتحولنا إليه، فقال: سمعت رسول الله صلى
    الله عليه وسلم يقول: يكون للمسلمين ثلاثة أمصار: مصر بملتقى البحرين، ومصر
    بالحيرة، ومصر بالشام. فيفزع الناس ثلاث فزعات فيخرج الدجال في أعراض جيش، فيهزم
    من قبل المشرق. فأول مصر يرده المصر الذي بملتقى البحرين، فيصير أهله ثلاث فرق:
    فرقة تنزل بشامة وتنظر ما هو، وفرقة تلحق بالأعراب، وفرقة تلحق بالمصر الذي
    يليهم ومعهم سبعون ألفاً عليهم السيجان، وأكثر تبعه اليهود والنساء حتى يأتي
    المصر الذي يليهم فيصير أهله ثلاث فرق: فرقة تقيم تنزل بشامة، وتنظر ما هو،
    وفرقة تلحق بالأعراب، وفرقة تلحق المصر الذي يليهم، ثم يأتي الشام فينحاز
    المسلمون إلى عقبة أفيق، فيبعث المسلمون بسرح لهم فيصاب سرحهم فيشهد عليهم،
    وتصيبهم مجاعة شديدة وجهد، حتى إن أحدهم ليحزق وتر قوسه فيأكله، فبينا هم كذلك
    إذ نادى مناد من السحر: أتاكم الغوث يا أيها الناس. فيقول بعضهم لبعض: إن هذا
    لصوت رجل شبعان، فينزل عيسى عليه السلام الفجر، فيقول له أمير الناس: تقدم يا
    روح الله فصل بنا، فيقول: إنكم معشر هذه الأمة أمراء بعضكم على بعض، فتقدم أنت
    فصل بنا، فيتقدم أمير الناس فيصلي لهم، فإذا انصرف أخذ عيسى عليه السلام حربته،
    ثم ذهب نحو الدجال، فإذا رآه ذاب كما يذوب الرصاص، وضع حربته بين ثندوته فيقتله
    فينهزم أصحابه، فليس شيء يومئذ يجن منهم حتى الشجرة تقول: يا مؤمن، هذا كافر.
    وعن أسماء بنت يزيد بن السكن، وهي ابنة عم معاذ بن جبل قالت: أتاني رسول الله
    صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه وذكر الدجال. فقال رسول الله صلى الله
    عليه وسلم: إن قبل خروجه ثلاث سنين تمسك السماء قال رسول الله صلى الله عليه
    وسلم حتى إن دوابهم تسمن وتبطر مما تأكل لحومهم. أو كما قال.
    وعن عبد الله بن مسعود قال:




    لما أسري ليلة أسري بالنبي صلى الله
    عليه وسلم لقي إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، فتذاكروا الساعة، فبدؤوا
    بإبراهيم فسألوه عنها، فلم يكن عنده منها علم، ثم موسى، فلم يكن عنده منها علم،
    فتراجعوا الحديث إلى عيسى فقال عيسى: عهد الله إلي فيما دون وجبتها يعني: أما
    وجبتها فلا نعلمها. قال: فذكر من خروج الدجال فأهبط فأقتله، ويرجع الناس إلى
    بلادهم فيستقبلهم يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، فلا يمرون بماء إلا شربوه
    ولا يمرون بشيء إلا أفسدوه، فيحارون إلى الله تبارك وتعالى، فيدعو الله فيميتهم
    فتحار الأرض إلى الله من ريحهم، ويحارون إلي فأدعو، فترسل السماء بالماء فتحمل
    أجسامهم فتقذفها في البحر. ثم تنسف الجبال وتمد الأرض مد الأديم، فعهد الله عز وجل
    إلي إذا كان ذلك فإن الساعة من الناس كالحامل المتم، لا يدري أهلها متى تفجأهم
    بولادها ليلاً أو نهاراً.
    قال عبد الله: فوجدت تصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: "حتى إذا فتحت يأجوج
    ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق" الآية.
    قال: وجمع الناس من كل مكان جاؤوا منه يوم القيامة فهو حدب.

    صفحة 90+91+92+93+94
    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29437
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65575
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    مختصر تاريخ دمشق / إبن منظور - صفحة 3 Empty ذكر شرف جامع دمشق وفضله

    مُساهمة من طرف waell الخميس 7 فبراير 2013 - 0:45


    ذكر شرف جامع دمشق
    وفضله



    قال
    يزيد بن ميسرة: أربعة أجبل مقدسة بين يدي الله عز وجل: طور زيتا، وطور سينا، وطور
    تينا، وطور تيمنانا. قال: فطور زيتا: بيت المقدس، وطور سينا: طور موسى، وطور تينا:
    مسجد دمشق، وطور تيمنانا: مكة.
    وعن قتادة قال: أقسم الله تعالى بمساجد أربعة: قال: "والتين" وهو مسجد
    دمشق. "والزيتون" وهو مسجد بيت المقدس "وطور سنين" وهو حيث
    كلم الله موسى، "وهذا البلد الأمين" وهو مكة.
    قال محمد بن شعيب: سمعت غير واحد من قدمائنا يذكرون أن التين مسجد دمشق، وأنهم
    أدركوا منه شجراً من تين قبل أن يبنيه الوليد.
    قال عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر: كان خارج باب الساعات صخرة
    يوضع عليها القربان، فما تقبل منه جاءت نار فأخذته، وما لم يتقبل بقي على حاله.
    وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به صلى في موضع مسجد دمشق.
    وعن القاسم أبي عبد الرحمن قال: أوحى الله تبارك وتعالى إلى جبل قاسيون أن هب ظلك
    وبركتك لجبل بيت المقدس، قال: ففعل. فأوحى الله إليه: أما إذا فعلت فإنني سأبني لي
    في حضنك بيتاً، أي في وسطك. وهو هذا المسجد، يعني: مسجد دمشق أعبد فيه بعد خراب
    الدنيا أربعين عاماً، ولا تذهب الأيام والليالي حتى أرد عليك ظلك وبركتك، قال: فهو
    عند الله بمنزلة المؤمن الضعيف المتضرع.
    وقال كعب الأحبار: ليبنين في دمشق مسجد يبقى بعد خراب الدنيا أربعين عاماً.
    قال عبد الرحمن بن إبراهيم: حيطان مسجد دمشق الأربعة من بناء هود عليه السلام، وما
    كان من الفسيفساء إلى فوق فهو من بناء الوليد بن عبد الملك.
    ولما أمر الوليد عبد الملك ببناء مسجد دمشق وجدوا في حائط المسجد القبلي لوحاً من
    حجر فيه كتاب نقش، فأتوا به الوليد فبعث إلى الروم فلم يستخرجوه، ثم بعث إلى
    العبرانيين فلم يستخرجوه، ثم بعث إلى كل من كان بدمشق من بقية الأشبان فلم
    يستخرجوه، فدل على وهب بن منبه فبعث إليه، فلما قدم عليه أخبره بموضع ذلك اللوح فوجدوه
    في ذلك الحائط، ويقال: ذلك الحائط بناه هود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم،
    فلما نظر إليه وهب حرك رأسه، فإذا هو: بسم الله الرحمن الرحيم. ابن آدم، لو رأيت
    يسير ما بقي من أجلك لزهدت في طويل ما ترجو من أملك، وإنما تلقى ندمك لو قد زلت بك
    قدمك، وأسلمك أهلك وحشمك، وانصرف عنك الحبيب، وودعك القريب، ثم صرت تدعى فلا تجيب،
    فلا أنت إلى أهلك عائد، ولا في عملك زائد، فاعمل لنفسك قبل يوم القيامة وقبل
    الحسرة والندامة، وقبل أن يحل بك أجلك، وتنزع منك روحك، فلا ينفعك مال جمعته، ولا
    ولد ولدته، ولا أخ تركته، ثم تصير إلى برزخ الثرى ومجاورة المولى، فاغتنم الحياة
    قبل الموت، والقوة قبل الضعف، والصحة قبل السقم، قبل أن تؤخذ بالكظم، ويحال بينك
    وبين العمل. وكتب في زمان سليمان بن داود عليهما السلام.
    وعن زيد بن واقد قال:









    وكلني الوليد على
    العمال في بناء جامع دمشق فوجدنا فيه مغارة، فعرفنا الوليد ذلك. فلما كان الليل
    وافى وبين يديه الشمع، فنزل فإذا هي كنيسة لطيفة ثلاث أذرع في ثلاث أذرع، وإذا
    فيها صندوق ففتح الصندوق فإذا فيه سفط، وفي السفط رأس يحيى بن زكريا عليهما
    السلام مكتوب عليه: هذا رأس يحيى بن زكريا، فأمر به الوليد فرد إلى المكان،
    وقال: اجعلوا المود الذي فوقه مغيراً من الأعمدة. فجعل عليه عمود مسفط الرأس.
    وعن زيد بن واقد قال: رأيت رأس يحيى بن زكريا حيث أرادوا بناء مسجد دمشق، أخرج
    من تحت ركن من أركان القبلة، وكانت البشرة والشعر على رأسه لم يتغير.
    وسأل رجل الوليد بن مسلم: يا أبا العباس، أين بلغك رأس يحيى بن زكريا? قال:
    بلغني أنه ثم، وأشار بيده إلى العمود المسفط الرابع من الركن الشرقي.
    وعن زيد بن واقد قال: حضرت رأس يحيى بن زكريا وقد أخرج من الليطة القبلية
    الشرقية التي عند مجلس بجيلة، فوضع تحت عمود للسكاسك.
    وقد روي البلاطة بدل الليطة.
    وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الرجل في بيته
    بصلاة، وصلاته بمسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة. وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه
    بخمس مئة، وصلاته في المسجد الأقصى بخمسة آلاف، وصلاته في مسجدي بخمسين ألفاً،
    وصلاته في المسجد الحرام بمئة ألف.
    وعن أبي زياد الشعباني أو أبي أمية الشعباني قال: كنا بمكة فإذا رجل في ظل
    الكعبة، وإذا هو سفيان الثوري فقال رجل: يا أبا عبد الله، ما تقول في الصلاة في
    هذه البلدة? قال: بمئة ألف صلاة. قال: ففي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم?
    قال: بخمسين ألف. قال: ففي بيت المقدس? قال: أربعين ألف صلاة. قال: ففي مسجد
    دمشق? قال: ثلاثين ألف صلاة.
    وعن معاوية بن قرة قال: قال عمر بن الخطاب: من صلى صلاة مكتوبة في مسجد مصر من
    الأمصار كانت له كحجة متقبلة، وإن صلى تطوعاً كانت له كعمرة مبرورة.
    وعن كعب بمعناه، وزاد: فإن أصيب في وجهه ذلك حرم لحمه ودمه على النار أن تطعمه،
    وذنبه على من قتله. في المسجد، فلا تتركوا فيه أحداً حتى أصلي الليلة، ثم إنه
    أتى إلى باب الساعات فاستفتح الباب ففتح له، فدخل من باب الساعات فإذا برجل قائم
    بين باب الساعات وباب الخضراء الذي يلي المقصورة قائماً يصلي، وهو أقرب إلى باب
    الخضراء منه إلى باب الساعات، فقال القوام: ألم آمركم ألا تتركوا أحداً يصلي
    الليلة في المسجد? فقال له بعضهم: يا أمير المؤمنين، هذا الخضر عليه السلام يصلي
    في المسجد كل ليلة.
    خرج واثلة بن الأسقع من باب المسجد الذي يلي باب جيرون فلقي كعب الأحبار فقال
    له: أين تريد? فقال له: واثلة بن الأسقع يريد بيت المقدس، فقال له: تعال حتى
    أريك موضعاً في هذا المسجد، من صلى فيه فكأنما صلى في بيت المقدس قال: فذهب به
    فأراه ما بين الباب الأصفر الذي يخرج منه الوالي إلى الحنية، يعني القنطرة
    الغربية. قال: من صلى فيما بين هذين فكأنما صلى في بيت المقدس.
    قال واثلة: إنه لمجلسي ومجلس قومي. قال: هو ذاك.
    قال أبو زرعة: مسجد دمشق خطه أبو عبيدة بن الجراح وكذلك مسجد حمص. وأما مسجد مصر
    فإنه خطه عمرو بن العاص زمن عمر.
    قال أبو ثوبان: ما ينبغي أن يكون أحد أشد شوقاً إلى الجنة من أهل دمشق، لما يرون
    من حسن مسجدهما.
    لما قدم المهدي يريد بيت المقدس دخل مسجد دمشق ومعه أبو عبيد الله الأشعري
    كاتبه، فقال: يا أبا عبيد الله، سبقتنا بنو أمية بثلاث. قال: وما هن يا أمير
    المؤمنين? قال: بهذا البيت، يعني: المسجد، لا أعلم على ظهر الأرض مثله، وبنبل
    الموالي، فإن لهم موالي ليس لنا مثلهم، وبعمر بن عبد العزيز، لا يكون والله فينا
    مثله أبداً. ثم أتى بيت المقدس فدخل الصخرة فقال: يا أبا عبيد الله وهذه رابعة.
    ولما دخل المأمون مسجد دمشق ومعه أبو إسحاق المعتصم ويحيى بن أكثم قال: ما أعجب
    ما في هذا المسجد? فقال له أبو إسحاق؛ ذهبه وبقاؤه. فإنا نهيئه في قصورنا فلا
    تمضي به العشرون سنة حتى يتغير. قال: ما ذاك أعجبني منه. فقال له يحيى بن أكثم:
    تأليف رخامه، فإني رأيت فيه عقداً ما رأيت مثلها. قال: ما ذاك أعجبني فقالا له:
    ما الذي أعجبك? قال: بنيانه على غير مثال متقدم.
    قال المأمون لقاسم التمار:
    اختر لي اسماً حسناً أسمي به جاريتي هذه. قال: سمها
    مسجد دمشق، فإنه أحسن شيء.
    قال الشافعي: عجائب الدنيا خمسة أشياء: أحدها منارتكم هذه، يعني منارة ذي القرنين،
    والثاني أصحاب الرقيم الذين هم بالروم اثنا عشر رجلاً أو ثلاثة عشر رجلاً،
    والثالث مرآة ببلادة الأندلس معلقة على باب مدينتها الكبيرة، فإذا غاب الرجل من
    بلادهم على مسافة مئة فرسخ في مئة فرسخ فإذا جاء أهله إلى تلك المنارة فقعد
    تحتها ونظر في المرآة يرى صاحبه بمسافة مئة فرسخ، والرابع مسجد دمشق وما يوصف من
    الإنفاق عليه. والخامس الرخام والفسيفساء، فإنه لا يدرى له موضع، فيقال إن
    الرخام كلها معجونة. والدليل على ذلك أنه لو وضعت على النار لذابت.

    صفحة 94+95+96



      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 9 مايو 2024 - 19:32