جأتنى مندفعة وهى تبكى بحرقة ... دافعة باب الغرفة بقوة لاجدها امامى . فتاة جميلة ،ممشوقة القوام ، بيضاء اللون ،تحمل ملامح طفولية ..عيناها مليئتان بالدموع .
فوقفت وامسكت بيدها وحاولت تهدئتها بكلمات قليلة .. واجلستها على الكرسى الوحيد بالغرفة . كانت صامتة ليس غير الدموع لغتها. جلست تنتحب وانا اراقبها عن كثب حتى رفعت راسها ونظرت الى بعينين يملاءهما الحزن وقالت : اعتذر عن دخولى بهذه الطريقة لكن مضطرة ارجو ان تسامحيني! ولكن كان لابد ان احضر الان للتحدث معك . انا اسمى (....) وقد اتيت لك من طرف (.فلانة....) وهى التى دلتنى عليك . وفلانة هذه طبعا صديقتي من ايام الدراسة .
فقلت لها : اهلا بك اختي تفضلى . وسكتت برهة من الزمن مطرقة براسها للارض . ثم لاحظت انها بدأت تهداء قليلا . وبادرتنى قائلة : ارجوك ساعديني انا بحاجة لمن يساعدني ن معى مشكلة كبيرة واحتاج لمن يساعدنى ويدلنى على حل لها. فقلت لها بهدوء : اهدأى واحكى لى ماهى مشكلتك؟
فارجعت ظهرها للوراءوهى على الكرسى وبدات تروى قصتها : كنت فى السنة الثانية بالكلية عندما تعرفت اليه ، شاب من نفس الدفعة والتخصص ، لفت نظرى من اول لحظة رايته فيها باادبه وهدوءه ووقاره وقله حديثه واختلاطه مع بقية الشباب بالكلية . وبعد ايام قليلة من بداية العام الدراسي الجديد تعارفنا . تجاذبنا اطراف الحديث ، تكلمنا فى كل شىء يكون كحوار بين زميل وزميلة . ولم تمر ايام قليلة الا وقد اصبحنا مقربين جدا لبعضنا
حتى همس الزملاء من حولنا بعلاقتنا . ولم نهتم لحديثهم وهمسهم . واستمرت علاقتنا على مدار ثلاث سنوات كلها تفاهم وحب وسعادة . كان لايستطيع احدنا ان يبتعد عن الاخر اويتصور انه يمكن ان يعيش من دونه . وكنت سعيدة جدا واحسست انى محظوظة بهذا الشاب الذى يتكلم الجميع عن اخلاقة الطيبة وتفوقة الدراسي.
وفى ايام التخريج من الجامعة ومع نهاية العام الدراسى الاخير. احسست بقلبي ينقبض واننى ساافقده . فاخذت المح له بضرورة اقامة رابط رسمي بيننا ولو خطوبة . واذكر ذلك اليوم جيدا .. جلسنا كالعادة فى نفس المكان الذى نجلس فيه منذ سنوات . وكنت قد صممت على دفعه دفعا لهذه الخطوة التى ستجمعنا للابد والتى ستتوج حبنا الطاهر بالزواج .. والتى سنعلن فيها للجميع عن صدق نوايانا ونقاء حبنا البرىء الجميل .
وبعد ان جلسنا وتبادلنا التحية واجمل عبارات الحب والشوق ، اخبرته بما فى راسى من حديث.
واذا بى اراه ينتفض كالعصفور الجريح ، وينظر الى بحيره وتشتبك اصابع يداه فى توتر شديد .
واندهشت انا لرده فعله المفاجئة لى والتى لم اتوقعها ، فاخذت انظر اليه فى دهشه وتساؤل . واسأل نفسي الف مره ! هل اخطأت ؟ هل اخطأت فيما قلته ؟ مالذى يحدث؟ اننى متاكدة الف مره انه يحبني جدا وانه يتمنى ان يجمعنا بيت واحد وسقف واحد ... وان ليس لديه حبيبة منذ سنوات غيرى . كل هذه الخواطر دارت براسي فى ااقل من الثانية . فنظرت اليه ووجدته صامتا ليس سوى التوتر الذى سيطر عليه . فبادرته قائلة وانا انظر اليه : ماذا بك ؟ هل قلت مايغضبك ؟ سكت برهة من الزمن وراسه بالارض ..
اعاد النظر الى واشار بيده الى طالبا منى ان اصمت . واذا بى اراه يقف ويبتعد من غير ان ينطق اى كلمة !
ودارت بى الدنيا ... وماعدت افهم شيئا ، ولم استطع اللحاق به .. فظللت مسمرة بالمقعد لااقوى على الحركة .
مرت دقائق ، اوساعات ، لاادرى ؟ وانا بذلك المقعد ، استرجع شريط ذكريات ثلاث سنوات للوراء .. كيف كنا ناكل سويا ، ونشرب سويا ، ونقراء سويا ، ونراجع دروسنا سويا ، كنا كيان واحد وروح واحدة فى جسدين .
وبعد فترة من الزمن قمت اجرر اقدامى للمنزل .. لم اتصل به ولم يتصل بى ... اغلقت نفسي بين جدران الحيره ايام كثيرة كنت مسجونة بغرفتى .
وفى صباح يوم رن هاتفي ... واذا بى ارى اتصاله .. دق قلبى بقوة بداخل ضلوعي . ترددت قبل ان اجيب بصوت مبحوح منكسر . واذا بى اسمع صوته ياتينى ضعيفا واهنا يطلب مقابلتي.
فاسرعت بتبديل ثيابى بسرعة وخرجت من سجني الصغير . ذهبت لمقابلته لاراه وقد اتى رث الثياب .. شاحب اللون .. وقد ربى لحيته . كان منظره يرثى له . واحسست بالخوف وانا انظر اليه بهذه الهيئة الرثه .
جلس ...وجلست انا .. واخذ يتحدث ، ويتحدث ، ولم افهم شيئا من حديثه غير جملتين فقط ... وهى : انا اسف لا استطيع الزواج بك .
لم اصدق اذناى ... لم اصدق مااسمعه .. دارت بى الدنيا واحسست ان الارض انشقت امامي .. او تمنيت ان تنشق امامي فى تلك اللحظة .
تمنيت ان ارجع بسنينى للوراء لاعود طفلة صغيرة ليس فى حياتها غير اللعب واللهو والجرى .
تسمرت عيناى .. احسست بدوار وغصة تسد حلقي .... واحسست بكل ألم الدنيا .. وكل حزن الدنيا .. بكل غدر الدنيا والاقدار . ووجدت نفسى كالمشلولة وانا احاول ان اتحدث ، ان اتحرك ، ان انطق ، ان افهم ، واستجمعت كل قواى لانطق كلمة واحدة فقط ... الاتحبني؟؟؟ الاتحبني؟؟؟ .
كل هذه السنين وانا اعيش وهم ؟
وماكدت انطق هذه الكلمات حتى رايت دمعة تنزل على وجهه .. لاول مره اراه يبكى ... فذادت حيرتي اكثر !
ولم تمر ثوان اذا بى اراه يمد الى يدا ترتجف ليسلمني مظروفا ابيض . فمددت يدى واخذته . وما ان تسلمته منه حتى رايته يدير ظهره مبتعدا فى طريق لا اعرف له نهاية . وفى لحظات رايته وقد اختفى عن ناظرى .
وجلست وفتحت المظروف وقد كان بداخله رسالة .. قرأتها وياليتنى ماقرأتها .
بداها بسرد قصتنا .. ومدى حبه لى وصدق عاطفتة طيلة الاعوام الماضية . وانه سيموت على حبي انا .. ولن يتزوج ابدا ابدا .
وبحروف بدماء قلبه كتب جملة واحدة فقط
سامحيني حبيبتي فانا لقيط ! لااب لى ولا ام .. ولااسرة ولااهل ولاحسب ولانسب . فمن سيرضى بى ؟؟ اى اسرة ستقبل بى ؟ اى اسرة ستقبل ان يزوجونى ابنتهم ؟؟؟
سامحينى حبيبتي .. ماكان من حقى ان احلم ، واحب ... وابنى الامال العريضة فى ان اعيش ككل البشر وان اتزوج وانجب الاطفال ليكون لى اسرة ككل الناس .
سامحيني حبيبتي فحبى لك انسانى من اكون طيلة السنوات الماضية ! انسانى من انا ؟
انسانى واقعي المرير .
ارجوك سامحيني حبيبتي .. فانا انسان بلا هوية .
غير منقول
من مدونة الصديقة
انجل