دكتور جيكل ومستر هايد !!!!
كان مستر اترسون المحامى يسير مع صديقه وابن عمه مستر انفليد فى احد شوارع لندن عصر يوم الاحد .. وكان هذان الصديقان قد اعتادا ان يقومان بهذه النزهة الاسبوعية فى ايام الاحاد
كانا يسيران صامتين لا يتكلمان الا نادرا .. ولكن فى تلك المرة توقف مستر انفليد عن السير .. واشار بعصاه الى بيت غريب الشكل .. جداره الخلفى مصمت وخال من النوافذ .. وليس فيه سوى باب صغير تعلوه القذارة .. ويبدو انه قد مر عليه سنوات طويلة دون ان يقوم احد بطلائه او حتى بفتحه .. وقال مستر انفليد ..
ان هذا الباب يذكرنى بحادث غريب وقع فى هذا المكان .. فمنذ مده كنت اسير ليلا بالقرب من هنا .. ورايت رجلا قصير القامة ذا وجه قبيح يجرى وراء فتاة صغيرة .. يتراوح عمرها مابين ثمان وعشر سنوات .. وقام الرجل ذوو الوجه القبيح بإالقاء الفتاة على الارض .. واخذ يركلها بقدميه بقسوة بالغة .. وكانت الفتاة تصيح وتبكى .. وكان بعض الناس قد تجمعوا على صراخ الفتاة .. ومنهم اهل هذه الفتاة واحد الاطباء.. وعندما فحص الطبيب الفتاة وجد ان اصاباتها لم تكن بالغة ولا خطيرة ..ومع ذلك فقد قررنا جميعا بان يقوم الرجل القبيح بتعويض الفتاة واهلها عما لحقهم من ضرر .. وفرضنا عليه ان يدفع مائة جنيه الى اسرة الفتاة
وطلب منا الرجل القبيح ان نصحبه الى هذا المكان .. ودخل من هذا الباب وعاد ومعه عشرة جنيهات وشيكا بالمبلغ المطلوب .. وكان هذا الشيك مفاجأة كبرى .. فقد كان يحمل اسم رجل مشهور ومحبوب فى مدينة لندن ..
لذلك فقد عنفت الرجل لانه قدم شيكا يحمل اسم رجل اخر..ولكن الرجل القبيح طلب منا ان نحتفظ به اسيرا حتى صباح اليوم التالى .. وسيذهب معنا البنك ليصرف الشيك ويعطى الفتاة حقها فى التعويض .. وقبلنا هذا الحل وظللنا ساهريين حتى الصباح .. وتوجهنا معه الى البنك فإذا به يصرف الشيك بكل سهولة .. وقد اندهشت لذلك لان الرجل القبيح كان شريرا .. بينما كان الرجل الذى يحمل الشيك توقيعه رجلا فاضلا ومعروفا باعماله الخيرة
وهنا سال مستر اترسون المحامى صديقه مستر انفليد :
- هل تذكر اسم هذا الرجل الشرير وكيف كانت ملامحه ؟
اجاب مستر انفليد :
- نعم كان اسمه هايد اما ملامحه القبيحة.. فقد كانت تحمل كل معانى الشر وارجوك الا تذكرنى بها ..
اضطرب ذهن مستر اترسون لدى سماعه هذا الاسم .. وعندما عاد الى منزله فتح خزانة بمكتبه واخرج منها ظرفا كان يتضمن الوصية التى حررها صديقه الدكتور هنرى جيكل وقرأ الوصية بامعان اكثر من مرة وهو لا يصدق الكلمات القليلة المكتوبة فيها..كانت الوصية تقول ان الدكتور جيكل يوصى بجميع امواله وممتلكاته الى رجل اسمه .. ادوارد هايد .. وذلك فى حالة وفاة الدكتور جيكل او فى حالة اختفائه مدة تزيد عن ثلاثة شهوور..
واخذ مستر اترسون يتسائل بينه وبين نفسه: لماذا حررالدكتور جيكل الوصية لهذا الرجل الشرير؟..
وهل يتعرض الدكتور جيكل الى خطر او تهديد من جانب هذاالرجل؟
اليس من الواجب فى مثل هذا الوقت ان يتحرى الامر ويبذل كل ما فى وسعه لانقاذ صديقه الدكتور جيكل؟
لم يضيع مستر اترسون الكثير من الوقت وتوجه على الفور الى بيت الدكتور لانيون ..وهو صديق مشترك لكل من .. مستر اترسون و .. الدكتور جيكل .. وحكى له كل ما يعرفه من تفاصيل هذا الامر الغريب.. ولكن الدكتور لانيون قال انه لا يعرف من هو هذا الشخص الذى يدعى ادوارد هايد.. وقال ايضا ان صلة الصداقة قد انقطعت بينه وبين الدكتور جيكل منذ عدة سنوات ... ولم يقابله الا مرات قليلة .. وانه لاحظ ان الدكتور جيكل لم يعد يتصرف كطبيب عاقل .. بل ويبدو انه قد اصيب بالجنون وفقد عقله..
وهكذا عاد مستر اترسون الى بيته وذهنه اكثر اضطرابا .. واصبح الحل الوحيد امامه ان يبحث الامر بنفسه وان يعرف كل شيىء عن هذا الرجل القبيح الشرير ادوارد هايد .. الذى جعل الدكتور جيكل يوصى له بكل امواله ..
وظل مستر اترسون يراقب الباب الموجود فى الجدار الخلفى .. لبيت الدكتور جيكل عدة ايام
.. الى ان شاهد هذا الرجل القصير القامة ذا الوجه القبيح وهو يتسلل الى الباب فى احدى الليالى .. وعندئذ تقدم اليه ووضع يده على كتفه وقال اعتقد انك المستر هايد .. وانا صديق للدكتور هنرى جيكل .. واريد ان ادخل معك الى هذا البيت لنقابل صديقنا الدكتور جيكل .. فهل تسمح لى بذلك ؟....
اندهش الرجل القبيح ولكنه قال بثبات انك لن تجد الدكتور جيكل الان .. ودخل من الباب واغلقه وراءه.. وعندئذ توجه مستر اترسون الى المدخل الامامى الرئيسى لبيت الدكتور جيكل .. وقال للخادم بول انه يريد ان يقابل سيده لامر هام .. وابلغه الخادم بان الدكتور جيكل ليس موجودا الان بالبيت .. فسال الخادم عن حقيقة العلاقة بين الدكتور جيكل والمستر هايد؟... وقال الخادم ان المستر هايد يحضر وينصرفمن الباب الخلفى للبيت .. وان الدكتور جيكل امره وامر جميع الخدم بان نلبى كل طلباته
مر نحو اسبوعين قبل ان يتمكن مستر اترسون من مقابلة صديقه الدكتور جيكل .. وعندما تمت المقابلة ابدى مستر اترسون استياءه من هذا الشخص الشرير المدعو هايد .. وطلب من الدكتور جيكل ان يعيد النظر فى الوصية التى كتبها ... ولكن الدكتور جيكل اصر على التمسك بهذه الوصية .. وطلب من صديقه المحامى ان يقوم بتنفيذها اذا مات او اختفى .. بل وطلب منه ان يكون مستر هايد محل عطفه ورعايته ... واعترف له دكتور جيكل انه يعرف بان مستر هايد شخص شرير بالفعل .. ولكن هناك اسبابا تدعوه لان يتنازل له عن كل امواله وممتلكاته .... وانه سيحاول من جانبه التخلص من مستر هايد فى الوقت المناسب .. وعندئذ ستصبح الوصية بلا قيمة ,, وسيستبدلها بوصية اخرى .. وفى النهاية طلب الدكتور جيكل من صديقه مستر اترسون الا يتدخل فى هذاالموضوع.. الذى يعتبره الدكتور جيكل من اخص خصوصياته ..
وبعد نحو عام حدثت فى لندن جريمة بشعة ...
فقد عثر على السير دانفروز كارو قتيلا .. وشهدت خادمة صغيرة بانها كانت تطل من النافذة مساء يوم الجريمة .. ورات الرجل النبيل حين كان يعبر الشارع .. وحين تقابل مع رجل قصير القامة له وجه قبيح .. ويبدو ان الرجل النبيل قد سال الرجل الاخر عن شيىء ما ...
فاذا بالرجل القصير يرفع عصاه ويهوى بها على راسالرجل النبيل... فتهاوى على الارض ثم انهال عليه القبيح بالضرب... حتى انكسرت العصا التى كان يستعملها من شدة الضربات التى كان يوجهها للقتيل .. وقد عثر مع القتيل على خطاب كان موجها الى المستر اترسون المحامى .. وعندما تدخل المستر اترسون فى الامر لاحظ ان الاوصاف التى ذكرتها الخادمة تنطبق تماما على الرجل الشرير القبيح الوجه .. المدعو مستر هايد .. ولاحظ ان الجزء المكسور من العصا .. التى وجدت بجوار جثة القتيل .. هو فى حقيقة الامر جزء من عصا ثمينة .. كان قد اهداها من قبل الى صديقه الدكتور جيكل ... وعندئذ قام على الفور بابلاغ الشرطة .. باعتقاده بان القاتل هو المستر هايد !!...
وكان لابد ان يذهب الستر اترسون الى صديقه الدكتور جيكل ... ليبحث معه مشكلة تورط مستر هايد فى جريمة القتل .. ولم يستقبله الدكتور جيكل فى مكتبه او فى غرفة الاستقبال بالمبنى الرئيسى للبيت .. وتمت المقابلة فى غرفة الابحاث الخاصة بالدكتور والتى تقع فى الجانب الخفى من البيت .. وكانت نوافذ الحجرة متربة ومغلقة بقضبان حديدية .. وتحتوى الحجرة على قطع من الاثاث ودواليب كثيرة ومرأة كبيرة .. وكان الدكتور جيكل جالسا على احد المقاعد ويبدو كما لو كان مريضا.. خائر القوى لدرجة انه لم يستطع القيام من مقعده ليستقبل الضيف..
بدأ مستر اترسون حديثه عن مستر هايد.. وعن الجريمة البشعة التى ارتكبها.. وعن مدى امكانية الزج باسم الدكتور جيكل فى تلك القضية .. باعتباره صديقا للمستر هايد .. وان هذا الامر سيؤثر فى سمعة الدكتور جيكل الطيبة فى المجتمع
وبصوت واهن خفيض قال الدكتور جيكل .. انه قطع كل علاقة بينه وبين مستر هايد.. وانه وبالرغم من ذلك واثق تماما بان مستر هايد لن يذكر اسمه فى تلك القضية اذا تم القبض عليه .. وانه تلقى خطابا منه يفيده فيه بانه رحل واختفى .. وقدم هذا الخطاب الى مستر اترسون باعتباره المحامى الذى يشرف على مصالحه القانونية ..
وعاد مستر اترسون واخذ يقرأ الخطاب بقدر كبير من الاهتمام .. وعرض الخطاب على مساعده مستر جيست ... الذى يعمل فى مكتبه والذى فحص الخطاب جيدا .. وقال فى النهاية بانه يشك فى الخط الذى كتب به هذا الخطاب ..
وفى تلك اللحظة وصل خطاب قصير من الدكتور جيكل يدعو فيه مستر اترسون الى العشاء معه .. وما ان راى مستر جيست هذا الخطاب .. حتى قال لمستر اترسون انه يشك فى ان خط دكتور جيكل يكاد يكون متماثلا مع الخط الذى كتب به الخطاب المرسل من مستر هايد .. وبالرغم من ان تماثل الخطين ليس متماثلا تماما .. الا انه يشك فى ان الذى كتب الخطابين شخص واحد ...!
اقتنع مستر اترسون بكل ما استنتجه مساعده من قراءة الخطابين .. وبالتالى فقد ازدادت حيرته ودهشته .. وطلب من مساعده ان يحتفظ بهذا الامر سرا من اسرار المكتب.. فوعده مساعده بذلك..
واخذ مستر اترسون يفكر فى كيفية تفسير هذا اللغز .. وهل قام صديقه الدكتور جيكل بكتابة الخطاب الموقع باسم مستر هايد لمحاولة مساعدة هذا الشخص الشرير على الافلات من العدالة ..
وبعد اختفاء مستر هايد على هذا النحو عاد الدكتور جيكل الى ممارسة حياته العادية الطبيعية .. وبدأ فى استقبال مرضاه من جديد بعد ان كاد ان يغلق العيادة .. وكان يبدو سعيدا للغاية وهو يستقبل اصدقاءه ويدعوهم الى العشاء والمسامرة ..
ولكن هذه الحالة لم تستمر سوى نحو شهرين ثم انقطع الدكتور جيكل عن مقابلة الناس .. ولزم حجرة الابحاث فى بيته لا يبرحها اطلاقا .. بل ورفض ان يقابل مستر اترسون الذى حاول مقابلته عدة مرات للاطمئنان على احواله .. وعندئذ اضطر مستر اترسون مرة اخرى الى التوجه الى صديقهما المشترك الدكتور لانيون ..
كان الدكتور لانيون مريضا ومكتئبا.. عندما تمت المقابلة وما ان فتح مستر اترسون موضوع الحالة الغريبة التى طرأت على حياة الدكتورجيكل .. حتى صاح الدكتور لانيون بغضب طالبا منه السكوت وعدم الاستمرار فى اى حديث يخص الدكتور جيكل من قريب او بعيد .. وابلغه بانه قطع كل علاقة تربطه بالدكتور جيكل.. الذى يبدو وكانه فقد عقله .. وبالتالى فقد ازدادت حيرة وشكوك مستر اترسون .. فى امر صديقيه الحميمين دكتور جيكل ومستر لانيون...
ولم يمض وقت طويل حتى توفى الدكتور لانيون ..واسرع مستر اترسون بفتح وصيته التى كان يحتفظ بها فى مكتبه .. وكانت الوصية محفوظة بداخل ظرف مغلق كتب عليه.. "سرى جدا .. خاص بالمستر اترسون المحامى وحده " .. وبداخل هذا الظرف وجد ظرفا اخر مغلقا بالشمع الاحمر ومكتوب عليه .." لا يفتح الا بعد موت الدكتور جيكل او بعد اختفائه الى الابد " !
اندهش مستر اترسون لان هذه الكلمات شديدة الشبه بما جاء فى وصية الدكتور جيكل بشأن الموت او الاختفاء الى الابد .. ولكن لماذا قرر الدكتور لانيون الا تفتح وصيته الا بعد موت الدكتور جيكل او اختفائه ؟.. وماذا كتب يا ترى فى تلك الوصية ؟...
وبطبيعة الحال لم يجسر مستر اترسون على فتح الظرف المغلق لان الوقت لم يحن بعد
لذا وجب عليه الانتظار رغما عن حيرته وعشرات الاسئلة التى ارهقت عقله ...
يتبع .......
روبرت لويس ستيفينسون