ورد الشام

ورد الشام
عزيزي الزائر
هنالك فرق في التصفح كـ زائر والتصفح كــ صديق مسجل مع أننا أتحنا كل أقسام ورد الشام لكي يستفاد بها الجميع الزائرين
كثيرة المنتديات التي يسجل بها البعض ولكن قد يهمل دخولهم وتسجيلهم
هنا في ورد الشام
جرب أن تهتم وسوف نهتم


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ورد الشام

ورد الشام
عزيزي الزائر
هنالك فرق في التصفح كـ زائر والتصفح كــ صديق مسجل مع أننا أتحنا كل أقسام ورد الشام لكي يستفاد بها الجميع الزائرين
كثيرة المنتديات التي يسجل بها البعض ولكن قد يهمل دخولهم وتسجيلهم
هنا في ورد الشام
جرب أن تهتم وسوف نهتم

ورد الشام

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أجتماعي ثقافي أدبي ترفيهي


2 مشترك

    ((( العثمانية ))) للجاحظ


    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    عدد الرسائل : 5243
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:13

    من ذلك أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لما توفي اقتحم الناس عليه في منزل عائشة، فلما نظروا إليه مسجى دخلهم أمر عظيم أذهلهم وحير عامتهم، حتى قالوا: لم يمت، وكيف يموت وهو شهيد علينا ونحن شهداء على الناس؟ وكيف يموت وقد قال الله: {ليظهره على الدين كله} ولم يظهر بعد؟
    وكان عثمان بن عفان وعمر بن الخطاب يرددان هذه الآيات، وتوعدا أصحاب النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: من قال إنه مات. وثاروا في حجرة عائشة وعلى الباب: لم يمت!
    وكان أول من رآه مسجى فأنكر موته عثمان، وقال: إنه والله ما مات، ولكن الله رفعه إليه كما رفع عيسى بن مريم! والله لا نسمع أحدا يقول مات إلا قطعنا لسانه!
    واضطرب الناس وماجوا. وقام عمر في الناس خطيبا فقال: لا أسمعن أحدا يقول إن محمدا مات، وإن محمدا لم يمت، ولكن الله رفعه، أرسل إليه كما أرسل إلى موسى عليه السلام فلبث عند قومه أربعين ليلة، وإني لأرجو أن يقطع الله أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أن محمدا مات!
    فبينما الناس هكذا إذ أقبل أبو بكر، على فرس له من السنح، فسمع مقالة عمر وما يقوله الناس وما خاضوا فيه، فبدأ بالنبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فدخل عليه وهو مسجى، فكشف عن وجهه فقبله، ثم أقبل نحو المنبر وقال: أيها ... الحالف على رسلك! فلما رآه عمر قعد، وقام أبو بكر خطيبا ثم قال: أيها الناس اجلسوا وأنصتوا، ثم حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ثم قال: أيها الناس، إن الله قد نعى نبيكم إلى نفسه وهو حي بين أظهركم ونعاكم إلى أنفسكم، فهو الموت حتى لا يبقى أحد، ألم تعلموا أن الله قال: {إنك ميت وإنهم ميتون}.
    قال عمر: بأبي أنت وأمي! فسكت الناس وأظهروا التسليم، وعرفوا الحق وبكوا، كأنهم لم يكونوا سمعوا بهذه الآية قط.
    ثم تلا: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} ثم تلا: {كل نفس ذائقة الموت} ثم تلا: {كل شئ هالك إلا وجهه} ثم مر في خطبته المشهورة المعروفة. فهذا هذا.
    ثم أقبل على عمر وعثمان فقال: قال الله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} يقول: إنكم شهداء على من تلقون ممن لم يلق النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، كما كان النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] عليكم شهيدا. وقال الله: {ليظهره على الدين كله} وإنما أراد دينه، والله متم نوره ومظهر دينه، فإذا أظهر دينه فقد أظهره.
    فهذا علمه وقدره وفهمه وحاجة الناس إليه.
    ثم الذي كان من مشي المهاجرين والأنصار إليه وكلامهم له، ليقبل الصلاة من العرب ويترك الزكاة، وقالوا: إنهم لو قد صلوا لقد زكوا. قال: والله لو منعوني عقالا مما أعطوه النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لجاهدنهم عليه. فقال له المهاجرون والأنصار: أوليس قد قال النبي عليه السلام: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها حقنوا بها دماءهم وأموالهم" قال أبو بكر: إن فيها "إلا بحقها" قالوا: صدقت. ألا ترى إلى أنه قد علم الجميع ما لم يعلموا، أو صيرهم إلى رأيه بقدر المخالفة له.
    ونقلوا إلينا أن الأنصار قالت: يا خليفة رسول الله، أليس قد قال النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها حجبوا بها دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" قال أبو بكر: فهذا من حقها، والله لو كنت وحدي لجاهدتهم حتى أقتل أو يظهر الله الحق ويزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا.
    ثم مضى نحو أهل الردة يريدهم مغضبا حتى لحقه المهاجرون والأنصار، فمنعوه وكفوه وتقدموا أمامه.
    وهذا خبر نقله أصحاب الأخبار مرجئهم وشيعيهم إلا الروافض، فإنهم لا يطاقون، لأن من يجحد المستفيض الشائع بالأسانيد المختلفة في الدهر المتفاوت، ويوجب على خصمه له تصديق الشاذ الذي لا يعرف ولا يدعيه إلا أهل الغلو من الروافض، ممتنع الجانب، عسير المطلب، لا يطاق ولا يجارى.
    ثم رأينا عليا يروي عنه، ويزكيه ويفضله، ولم نسمعه روى عن علي شيئا ولا زكاه ولا فضله، على أن عليا قد كان عنده فاضلا عاليا، عالما وجيها.
    ثم الذي كان من قول عثمان بن عفان له. وذلك أن عثمان حزن على النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] حزنا لم يحزنه أحد، فأقبل أبو بكر يعزيه للذي يرى به من عظيم ما فدحه وغمره، فقال عثمان: ما آسى على شئ، إنما آسى على أنني لم أسأل النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] عما فيه نجاة هذه الأمة! قال أبو بكر: قد سألت النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] عن ذلك: فقال: "من قبل الكلمة التي عرضتها على عمي فأباها".
    ألا ترى إلى حاجة الجميع إليه واستغنائه عنهم.
    ولو لم يعلم من سعة علمه إلا قوله للمهاجرين والأنصار حين أشاروا عليه بأن يقبل الصلاة وقالوا إنهم لو قد أقاموا الصلاة لآتوا الزكاة. قال أبو بكر: إن تميما إن أذن لها من الإسلام في نقض عروة لم ترض بمثله بكر بن وائل، ولو أعطيت كنانة وألفافها وأحابيشها أمرا لم ترض قيس حتى تزداد، ولئن سمعت قولكم لأنقضن الإسلام عروة عروة.
    وفي مشيهم إليه في تأخير جيش أسامة يشيرون عليه ويقولون ما كتبنا في صدر الكتاب، وفي قوله: "لو بقيت وحدي حتى تأكلني الكلاب ما أخرت جيشا أمر رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بإنفاذه والوحي ينزل عليه". فلئن كان ما وصفنا لا يدل على جودة الرأي وصحة العزم وكثرة العلم، وعلى الشهامة والصرامة، واليمن والبركة، فما في الأرض دليل على فضيلة رجل ونقصه.
    ومما يدل على سعة علمه وأنه كان المفزع دون غيره أن المهاجرين عامة وبني هاشم خاصة، اختلفوا في موضع دفن رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، فقال قائل: خير المدافن البقيع، لأنه كان كثيرا ما يستغفر لأهله. وقال آخرون: خير المواضع موضع مصلاه. وقال آخرون: عند المنبر. قال لهم أبو بكر: إن عندي فيما تختلفون فيه علما. قالوا: فقل يا أبا بكر. قال: سمعت رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] يقول: "ما مات نبي قط إلا دفن حيث يقبض" فخطوا حول فراشه ثم حولوا رأس رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بالفراش في ناحية البيت. فلم نجد الناس احتاجوا مع خبره إلى شاهد، ولم يختلف عليه في ذلك رجلان، ولا أظهر الشك في خبره إنسان واحد قريب ولا بعيد. هذا والمنزل منزل ابنته، وهو في موضع جر منفعة وكما تكون المنفعة، وهي المأثرة العظمى والشرف الأعلى.
    فمن لم يتهم في خبره على هذه الحال ومع هذه العلة حتى قبلت شهادته وحده، لجدير ألا يتقدمه أحد في القدر والعلم والأمانة والصدق.

    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    عدد الرسائل : 5243
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:16

    ومما يدل على أنه كان ثابتا عندهم قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وروايته عنه، وذلك أن عليا قال: كنت إذا سمعت من النبي عليه السلام حديثا ينفعني الله بما شاء منه، فإذا حدثني غيره استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وإن أبا بكر حدثني - وصدق أبو بكر - أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال: "ما من رجل يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين ويستغفر الله إلا غفر له".
    وهذا حديث ما سمعت له براد إلا أهل الغلو من الروافض. وقد قال قوم منهم: إنما كان هذا من علي على التقية للعوام، لطاعة العوام لأبي بكر وعمر. وما في هذا من التقية؟ أن يصدق رجلا على خبره وأن يكذب غيره أو يؤمن غيره. وإن هذا من أخلاق الناس لموجود: أن يزكي بعض بعضا ويفضل. فنرى عليا يحمل عنه ويروي عنه ويزكيه ويفضله، ولم نره صنع بعلي من ذلك شيئا.
    ولقد بلغ من تبطنه لأمر النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لما حاصر أهل الطائف قال عمر لأبي محجن: إنما أنت ثعلب في جحر يوشك أن يخرج! قال أبو محجن: هل هو إلا أن قطعتم حبلات عنب، وفي الماء والتراب ما يعيده. قال عمر: لا تقدر أن تخرج إلى ماء وتراب، ولا تبرح باب جحرك حتى تموت جوعا. قال أبو بكر: يا عمر لا تقل هذا فإن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لم يؤذن له في فتح الطائف. فسأل عمر النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فقال: نعم لم يؤذن لي.
    قالوا: ولم يكن علم ذلك من أمر رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] غير أبي بكر، ولو علمه أحد غيره لكان عمر.
    قالوا: في خطبة النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في شكاته التي توفي فيها والمسلمون شهود، وفي معرفته بالذي أراد النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بكلامه دون جميع الناس، دليل على أنه المخصوص بحسن المعرفة، وفضيلة الدراية.
    وذلك أن أول ما تكلم به النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] على المنبر أن قال: "والذي نفسي بيده، إن لقائم على الحوض الساعة". ثم تشهد فلما قضى تشهده كان أول ما تكلم به أن استغفر للشهداء الذين قتلوا بأحد، ثم قال: "إن عبدا من عباد الله خير بين الدنيا والآخرة فاختار ما عند الله". فبكى أبو بكر. قالوا: فتعجبنا من بكائه. وقال: بأبي أنت وأمي وبآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا. قالوا: فتعجب الناس من كلام أبي بكر وبكائه وقالوا: أخبر النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] عن رجل!
    قالوا: وكان أبو بكر أعلمنا برسول الله.
    ولو لم يكن من صواب رأيه وصحة فراسته، وتوفيق الله إياه إلا توليته خالد بن الوليد حرب مسيلمة وطليحة وأهل الردة، وقد عوتب فيه من كل جانب - وعمر تناوله - وهو يقول: لا أشيم سيفا سله الله على أعدائه.
    ثم اختياره عمر وفراسته فيه، حيث جعل له الأمر من بعده، وعوتب فيه ونوزع في أمره.
    وكذلك قال عبد الله بن مسعود، الذي قال فيه النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد، وكرهت لها ما كره لها ابن أم عبد" قال: أفرس الناس ثلاثة: المرأة التي جاءت على استحياء حين قالت لأبيها في موسى: {يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين} وامرأة العزيز، وأبو بكر في عمر.
    فهل رأيته ضام قوما قط وجامعهم فكان لهم الرأي دونه، وهل عوتب في شئ قط إلا والصواب ما عمل به دون رأي المعاتب له. وهل أشير عليه برأي قط إلا وهو المصيب دون المشيرين عليه؟
    فأي فقه وأي علم أصلح وأي مذهب أحمد مما عددنا وكثرنا.
    ثم أنتم لا تستطيعون أن تخبروا عن علي بن أبي طالب بموقف واحد من هذه الآراء، وكلمة واحدة من هذا الكلام ومن الصواب الذي حكينا عن أبي بكر في حياة النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وعند وفاته، وفي أيام خلافته، حتى كأن عليا ورجلا من عرض المسلمين في ذلك الدهر سواء.
    وما يخيل إلينا إلا أن الذي قطعه عن كثير من ذلك حداثة سنه، وتقديمه للمشيخة على نفسه.
    فإن قالوا: إن عليا قد أشار على عمر بكذا. وقال له يوم كذا وكذا: كذا.
    قلنا: إنا لم نكن في عمر وعلي، ولو قد صرنا إلى الإخبار عنهما تقدمنا بالذي يعرفكم فضيلة عمر، كما حكينا ووصفنا وتقدمنا في الأخبار عن فضيلة أبي بكر.
    ولقد بلغ من صحة فكره وصدق ظنه وقوة حسه أنه كان يظن الأمر فيقع به أو قريبا منه. ولذلك قال عمر: إنك لن تنتفع بعقل المرء حتى تنتفع بظنه.
    فمما يدل على صدق ظن أبي بكر وحس نفسه أن عائشة لما دخلت عليه في شكاته التي قبضه الله إليه فيها، أنشدت عنده شعرا تذكر فيه ما رأت في أبيها. قال أبو بكر: لا تقولي هذا يا بنية. ولكن قولي: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد}، أي بنية إني كنت نحلتك جداد عشرين وسقا من مالي بالعالية، وإنك لم تحوزيه ولم تقبضيه، وإنما هو مال الوارث، وإنما هما أخواك وأختاك، قالت عائشة: إنما هي أسماء! قال: إنه ألقي في روعي أن ذا بطن بنت خارجة [جارية]، فوضعت جارية فسميت أم كلثوم.
    وله مما كان يقع في خلده ويصدق فيه ظنه وتصح فيه فراسته أمور عجيبة.
    ولو قالوا: إن عليا كان من فقهاء أصحاب النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لقد كان ذلك عدلا وقصدا، وحسنا جميلا، كما قال إبراهيم والشعبي: الفقه من أصحاب النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في ستة: في عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت.
    وقد زاد قوم أبا الدرداء وأبا موسى. وقد قال مسروق: انتهى علم أصحاب رسول الله إلى هؤلاء الستة: عمر وعلي وعبد الله وأبي ومعاذ وزيد.
    وقال الشعبي: كانت القضاة أربعة: عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري.
    فلو أنهم كانوا يرضون بقول الفقهاء ورأي التابعين، ولم يسرفوا وقصدوا، كان ذلك قصدا. ولقد تعدوا فيه الحق حتى قالوا: لم يقل قط قولا يمكن أحسن منه، ولا قال قولا قط فرجع عنه، وقد علمنا أن له غير رجعة، لا اثنتين ولا ثلاثا، وأقاويل لا يجوزها أصحاب الفتيا، وما كان إلا كبعض فقهائهم الذين يكثر صوابهم ويقل خطاؤهم، ولم تكن لتجمع جميع هفوات إنسان وأخطاءه حتى تقرأه مجموعا إلا ظننت به العجز. وليس ذلك كذلك، لأنك لو قذفت بجميع ذلك في محاسنه لخفي عليك موضعه، ولصغر خطره وقدره.ا

    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    عدد الرسائل : 5243
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:17

    وإنما حكينا هذا لأنهم جمعوا لعمر وعثمان أمورا أرادوا بها عيبهم ونقصهم، ولعمري إن الخطأ لخطأ حيث وقع، ولكن ربما كان خطأ لا يخرج صاحبه من الحكمة. والخطأ أمر لكل بني آدم فيه حظ ونصيب، وهو أمر لم يسلم منه نبي ولا صديق ولا شهيد ولا أحد من العالمين.
    ومما نقررهم به مما رواه حمال الآثار من رجوعه وما لا يجوز من فتياه، قوله: أجمع رأيي ورأي عمر على عتق أمهات الأولاد، ثم رأيت أن أربهن.
    ونقلوا جميعا أن عمر وعليا اختلفوا في الجد، فقال علي بقول، وقال عمر بقول، ثم رجع عمر إلى قول علي ورجع علي إلى قول عمر.
    ونقلوا جميعا أن زيد بن ثابت قال لعلي وهو يحاجه في المكاتب: أرأيت إن زنى أكنت راجمه، قال: لا. قال: أرأيت إن شهد أتقبل شهادته؟ قال: لا. قال زيد: فهو إذن عبد ما بقي عليه درهم. فسكت علي.
    وزعم أصحاب داود بن أبي هند، عن داود عن الشعبي، أن عليا رجع عن قوله: "في الحرام ثلاث".
    وكلم علي عثمان أن يحجر على عبد الله بن جعفر في شئ كان اشتراه، وقد كان الزبير قال لعبد الله: خذه فأنا شريكك. فقال له عثمان: كيف أحجر على إنسان شريكه الزبير؟ فسكت علي.
    وقال في المكاتب، إذا أدى من ثمنه شيئا: إنه يسترق بحساب ويعتق بحساب.
    وقال في النصرانية تسلم وهي تحت النصراني قال: هو أحق بها ما لم يخرجها من دار الهجرة.
    وقال في رجل قال لامرأته: "اختاري" واختارته، ثم قال: "اختاري" فاختارته، ثم قال الثالثة: "اختاري" فاختارته؟ قال: أفرق بينهما، فإن أنا فعلت كذا وكذا.
    وقال في أعور فقأ عين صحيح، فأراد الصحيح أن يفقأ عين الأعور الذي فقأ؟ قال: لا يفقؤها إلا أن يؤدي نصف الدية.
    وقال في الجد: إنه سادس ستة، وسابع سبعة، وكتب إلى عبد الله بذلك، وقال: قطع الكتاب واجعله سابعا.
    وقال في جارية وثبت عليها امرأة رجل غائب فاقتضت عذرتها بإصبعها، ثم قذفتها لتسقطها من عين بعلها، وكانت خافت أن يتزوجها، فرفع ذلك إليه فقال لبعض بنيه: قل في هذه المسألة. قال: عليها صداق مثلها، قال: لو كلفت الإبل الطحن طحنت! فاشتد تعجب أصحاب عبد الله من هذه المقالة.
    وكان يرى حك أصابع الصبيان إذا سرقوا.
    وكان إذا قطع الرجل قطع القدم وترك العقب ليمشي عليه المقطوع، وليعتمد به. وكان يقطع اليد من أصول الأصابع ويدع الكف.
    وزعم عبد الله بن سلمة وغيره، عن الأعمش، عن الشعبي أو عن غيره، أنه سئل عن رجل قال لامرأته: أنت طالق ألف تطليقة، وله أربع نسوة؟ قال: تبين بثلاث وتقسم الباقية على نسائه.
    ويقال لهم: هل تعلمون أن الله ذكر آدم وهو أول النبيين فقال: {فنسي ولم نجد له عزما}.
    وذكر موسى وقتله النفس. وذكر يونس بن متى فقال: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه}. فالدليل على أن يونس قد كان صنيع وأساء قوله: {سبحانك إني كنت من الظالمين} وقول الله: {فالتقمه الحوت وهو مليم}.
    وذكروا داود وسليمان في قضية واحدة ذهب عنها داود وأصابها سليمان، حيث يقول الله: {وفهمناها سليمان} فلم يكن ذهاب داود بمخرجه من قول الله: {وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب}. وقد كان منه ما قد علمت، حتى أنزل الله عليه الملكين يكنيان عن قصته، ويزيدان وعظه في قصة: {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب}.
    وقد عاتب الله جل ثناؤه نبيه في غير موضع فقال: {عبس وتولى}، وقال: {لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا} وقال: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر}.
    وعاتبه في الاسرى وأخبره أنه قد تقدم أمره في إطلاقهم حتى قال: {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم}.
    وقال الله وهو يريد جمع المأمورين والمنهيين: {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة}.
    فإذا كان الله قد أخبر بما ترى عن المعصومين فلم يتتبع قوم على عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان خطاياهم وهفواتهم، وللعمرية والعثمانية أن يعودوا عليهم بمثل ذلك وأكثر منه؟
    ومن أجهل من رجل زعم أن عليا لم يخط قط ولم يعص قط، ولم يضيع شيئا قط، وقد سمع الله يحكي أمور أنبيائه، ويذكر أحوال رسله؟ ولسنا نحتاج في هذا الباب إلى أكثر من هذا.
    وكيف يقولون: علي فوق الناس كلهم في صواب الرأي، والفقه في الدين، ولا يكون كالرجل من عظماء السلف لضرب يخصه فيهما، ونحن إذا سألنا الفقهاء وأصحاب الآثار والعلماء عن أصحاب القرآن الذين كانوا مخصوصين بحفظه على عهد رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، قالوا: زيد بن ثابت وأبو زيد، وفلان وفلان. ولم يذكروه في باب المخصوصين بحفظ القرآن أيام حياة رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    عدد الرسائل : 5243
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:18

    فإن سألناهم عن أصحاب الحروف والقراءات والوجوه، الذين بقراءتهم يقرأ الناس، وبقدر اختلافهم اختلف الناس، قالوا: زيد بن ثابت وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود. ولم يذكر معهم. لأنا شاهدنا الناس يقولون: هذا في قراءة عبد الله بن مسعود، وهكذا هو في مصحف عبد الله، وهذا في قراءة أبي، وهكذا هو في مصحف أبي، وهذا في قراءة زيد، وهكذا هو في مصحف زيد. ولم نرهم يقولون: هذا في قراءة علي، وهكذا هو في مصحف علي.
    وإن سألناهم عن أصحاب التأويل والتفسير قالوا: عبد الله بن عباس، والحسن، وفلان وفلان. ولم يذكروه في هذا الباب.
    وإن سألناهم عن أصحاب الرواية، والمشهورين بكثرة الإسناد عن رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قالوا: ابن عمر وعبد الله بن عمرو وجابر بن عبد الله وعائشة وأبو هريرة. ولم يذكر معهم في هذا الباب.
    وإن كان الدليل على فقه المتبوع فقه أتباعه فعبد الله بن مسعود وعائشة أفقه منه، لأن أصحاب عبد الله وعائشة أفقه من أصحابه، فكيف صار أفقه خلق الله كلهم. والقصة على ما أنبأناكم ووصفنا لكم.
    على أنه كان فقيها عالما، قد أخذ من كل باب بنصيب، ولا نقول فيه - إذ كنا عثمانية وعمرية - قولكم في عمر وعثمان. أوما تعلم أن الخبر مستفيض بأن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال: "أقرؤكم أبي"؟ فترى أبيا كان أقرأ منه. وقال: "أفرضكم زيد" فترى زيدا كان أفرض منه. وقال: "وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ" فترى معاذا كان عند النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أعلم منه. وقال: "وأقضاكم علي" فينبغي أن يكون علي أقضى منهم. وأنتم لا ترضون أن يكون زيد أفرض منه، ولا أبي أقرأ منه، مع أن" أقضاكم علي" ليس هو في حديث البصريين، فإن كان كما رواه البصريون فهؤلاء النفر أعلم منه. وإن كان كما رواه غيرهم فكل واحد أفقه من الآخرين فيما ذكرته. فهذا هذا.
    فإن صرت إلى أن تسأل الناس عن الاختيار، وجودة الرأي، والقوة في السلطان، والضبط للعدو والعوام/ قالوا: أبو بكر وعمر.
    وإن سألت عن الفتوح قالوا: أبو بكر وعمر وعثمان، لأن أبا بكر رد الإسلام في نصابه برد أهل الردة، وهو الفتح الأكبر، وقتل مسيلمة، وأسر طليحة، وغزا العدو ومنع الحوزة.
    ولأن عمر دون الدواوين، وفرض الأعطية، وجند الأجناد، ومصر الأمصار، وجبى الفئ، وبلغت خيله إفريقية، وأوطأ خيله خراسان وأقصى كرمان، وأزال ملك بني ساسان.
    ولأن عثمان هو الذي افتتح الثغور كلها، افتتح إرمينية، افتتحها حبيب بن مسلمة الفهري وافتتح أذربيجان، افتتحها المغيرة بن شعبة، وقد كان الأشعث معه فيها، وافتتح إفريقية، افتتحها له عبد الله بن سعد بن أبي سرح/ وافتتح سحستان، افتتحها له عبد الله بن سمرة.
    فهذا باب المخصوصين بالفتوح.
    وإن سألت عن الدهاة وأصحاب الإرب والمكايد قالوا: عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومعاوية بن أبي سفيان، ولم نذكر فيهم زيادا لأن زيادا لا صحبة له. فهذا باب الدهاة.
    وروى الناس عن قبيصة بن جابر الأسدي، وكان علامة داهية حكما، أنه قال: "ما رأيت رجلا قط أخوف لله من أبي بكر، ولا أقوى في دين الله من عمر، ولا أصدق حياء من عثمان، ولا أوصل لرحم ولا أعطى من تلاد مال من طلحة، ولا أكثر مخارج في الأمور من معاوية، ولا أحضر جوابا ولا أكثر صوابا من عمرو" ولم نره ذكره.
    ثم الذي كان من أسماء بنت عميس، ومن قولها - وعلي بن أبي طالب شاهد، لما تفاخر عندها بنوها من جعفر وأبي بكر وعلي، قال لها علي: اقضى بينهم - قالت: ما رأيت شابا أطهر من جعفر، ولا رأيت شيخا أفضل من أبي بكر، وإن ثلاثة أنت أخسهم لفضلاء.
    فهذه قضيتها، ولم يرو عن علي في ذلك إنكار.
    فإن قلتم: إن قولها ليس بحجة. قلنا: قد صدقتم لو كان ليس بحجة إلا قولها فقط، ولكن الأمور إذا جاءت من هاهنا وهاهنا كان اجتماعها دليلا على أنه لم يكن عندها مع فضله وصلاحه وسابقته وقرابته ذا رأي.
    ولقد بلغه ذلك عن قريش حتى قام خطيبا معتذرا فقال في خطبته: "حتى قالت قريش: ابن أبي طالب شجاع ولكن لا علم له بالحرب، لله أبوهم! وهل منهم أحد أشد مراسا لها ولا أطول تجربة مني. لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، فها أنا الآن قد ذرفت على الستين، ولكنه لا رأي لمن لا يطاع".
    وقال الأحنف بن قيس لما قدم عبيد الله بن علي بن أبي طالب، وهو قتيل المختار بن أبي عبيد في أيام فتنة ابن مخربة العبدي: ما هذا الذي أنتم فيه؟ قالوا: قدم عبيد الله بن علي يدعو الناس، قال: إن كان لا بد فجنبوها حسنا وأبا حسن، فإنا لم نجد عندهم علما بالحرب، ولا إنالة للمال.
    وقيل لأبي برزة الأسلمي: لم آثرت صاحب الشام على صاحب العراق؟ قال: وجدته أطوى لسره، وأملك لعنان جيشه، وأنظر لما في نفسه.
    وفي قول العباس بن عبد المطلب، وهو حليم قريش - وإذا كان حليم قريش فهو حليم العرب، والحلم اسم جامع للعلم والحزم - وذلك أنه لما قبض عمر وصلى صهيب بالناس دعا العباس عليا فقال: هل أحدثتم شيئا؟ فقال: فاحفظ عني، فإني لم أقدمك في شئ إلا رأيتك مستأخرا، من ذلك أني قلت له ورسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ثقيل: ادخل عليه فسله، فإن يكن هذا الأمر فينا أعلمه الناس، وإن يكن في غيرنا أوصى بنا، فتركت ذلك وقد منيت بدهاة قريش، وقد حيل دوني، فلا يعرضن عليك شئ إلا قلت: لا لا، ولا يا أبتي، تعصر عينيك وتحك قفاك بعد فوت الامر.يم

    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    عدد الرسائل : 5243
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:20

    ففيما ذكرنا دليل أنه كان لا يساوي أبا بكر ولا يجاريه، ولا يدانيه ولا يقاربه. وأنه في طبقة أمثاله طلحة والزبير، وعبد الرحمن وسعد.
    فإن قالوا: فإن عليا كان أزهد فيما تناحر الناس عليه، ولأن أزهد الناس في الدنيا أرغبهم في الآخرة، ولأن أرغبهم في الآخرة أعلمهم بأحوال الآخرة.
    قلنا: قد صدقتم في صفة الزهد، ولكن أبا بكر كان أزهد منه. وسندلكم على ذلك.
    فمن ذلك أن أبا بكر كان ذا مال كثير، ووجه عريض، وتجارة واسعة، فأنفق ذلك في سبيل الخير وعلى أهله، إيثارا لله ولرسوله، وطلب ما عنده حتى لقى [الله] وما كنت تركته يوم مات غير بعير ناضح. وعبد صيقل، مع الخلافة وكثرة الفتوح والغنائم والخرج والصدقة.
    وكان علي بن أبي طالب مقلا مخفقا يعال ولا يعول، فاستفاد الرباع والمزارع، والعيون والنخيل، ومات ذا مال وأوقاف، وما يحسب ماله ووقفه بينبع إلا مثل كل شئ ملكه أبو بكر مذ كان في الدنيا إلى أن فارقها، وتزوج فأكثر، وطلق فأكثر، حتى عابه بذلك معاوية، وجعله طريقا إلى تنقصه، وسبيلا إلى الطعن عليه، فقال وهو يكني عن ذكره ويريده، ليكون أسد لسهمه، وأوقع في قلب من سمعه: "إني والله ما أنا بنُكحة ولا طُلقة".
    والآثار أن عليا رحمة الله عليه استشهد وعنده تسع عشرة سرية مطهَّمة وأربع نسوة عقائل.
    ولا سواء من كان ذا مال فأنفقه، ومن كان مقلا فكسبه.
    ولم يتزوج أبو بكر في خلافته امرأة ولا اتخذ سرية، ولا تفكه بشئ، ولا آثر لذة إن كان له طلقا مباحا.
    ثم الذي كان من أبي بكر في عمالته: أنه كلف بني تيم ومن عنده أياديه ومنته أن يردوا ما أخذ من بيت المال فيه، لكي يجعل عمالته لله. وعلى ذلك احتذى عمر. وقد كان علي يأخذ عمالته، ولم يخبرنا أصحاب الآثار أنه ردها في بيت المال، ولا كلف ذلك بني هاشم في وصية. وهذا ما لا يختلف فيه رجلان من أصحاب الآثار، وحمال الأخبار.
    وقد كان أخذ لقوحا وحبشية لرضاع بعض ولده فرد ذلك في بيت المال.
    ولما بايع الناس أبا بكر غدا على سوقه كما كان يفعل، فقالوا: فلا بد أن نجعل لخليفة رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] شيئا يقيمه، قالوا: برديه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مكانهما، وظهره إذا سافر، ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل خلافته. قال: رضيت. فجمع ذلك كله وحفظه، ثم أمر بني تيم فردوه في بيت المال. فخرج من الدنيا خفيف الظهر، خميص البطن. فلما فعل ذلك قال عمر: رحم الله أبا بكر، لقد شق على من بعده!
    فإن قالوا: أوليس قد كان علي ينضح بيت المال في كل جمعة ويصلي فيه ركعتين؟
    قلنا: إنا لم نكن في ذكر الأمانة والخيانة، لأن أبا بكر وعليا يرتفعان عن هذا الضرب من المديح، وعن هذا الضرب من الثناء، وإنما كنا في ذكر الزهد في المباح، وفي الإيثار والرفض للفضول، لأن بين الرجل يعطي ما له وعليه، وبين من يعطي ما عليه ولا يعطي ما له فرق.
    ومما يدل على فضله أن الله أنزل فيه من القرآن ما لم ينزله في أحد من المهاجرين والأنصار، كل ذلك يخبر عن فضله، ويدل فيه على مكانه منه، ويثني عليه ويزكيه ويعظمه. وليس من أفرد الله فيه الآي، وأفرده بالذكر كمن ذكره في جملة المؤمنين، وجمهور الأنصار والمهاجرين.
    ولا سبيل إلى المعرفة بأن الله عنى بآية كذا وآية كذا فلانا دون غيره إلا بضربين: إما أن يكون اسمه وخاصة نسبه ونعته مسطورا في الآية، كما ذكر فرعون وأبا لهب، وفلانا وفلانا، وكما ذكر آدم ونوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وعليهم.
    أو يكون المراد بالآية وإن لم يذكر اسمه، كما ذكر لقمان، وزيد. [وزيد] مشهور النسب معروف القصة أنه المراد بالآية، وبشهرة القصة والنسبة حتى لا يكون بين أهل ذلك الدهر في ذلك تنازع، ولا بين أصحاب التأويل والأخبار في دهرنا هذا، فيكون كأنه مسمى وإن لم يسم.
    وقد كانت تحدث بين الناس أمور فينزل القرآن عقب ذلك، فيعلم المهاجرون والأنصار من المراد بهذا التنزيل. كالذي كان من شأن عائشة وما قرفت به، حتى أنزل الله لذلك السبب آيا كثيرا، وإن لم يكن الله سمى عائشة ولا من قرفها. وكالذي نزل من القرآن في قصة الغار وهجرة النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وأبي بكر، وهربهما من قريش، ونصرة الله لهما.

    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    عدد الرسائل : 5243
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:22

    فكان مما أنزل الله في أبي بكر من تفضيله وتزكيته وإن لم يسمه قوله لجميع المؤمنين: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم}.
    فلا يخلو قوله: {إلا تنصروه} من أحد وجوه: إما أن يكون خاطب به المشركين عامة، أو خص به الخاذلين العادين والباغين، أو يكون خاطب به المؤمنين.
    ولا يجوز أن يكون عنى به المشركين، لأنه لا يجوز في الحكمة وفي المعروف من البيان أن يقول الرجل الحكيم المبين، للعدو المكاشف بعداوته، المظهر لضغنه، الباذل لرأيه وماله، المعاند في فعله: إلا تنصرني فقد نصرني فلان! لأن النصر لا يلتمس من العدو المكاشف، وإنما يلتمس من الولي أو من الخاذل.
    وكيف يقول هذا وإنما غايته الانتصار منه بغيره.
    وفي قول الله عز وجل: {إذ أخرجه الذين كفروا} دليل أن المخاطب بالكلام غير الذين كفروا به وجحدوه وأخرجوه. ولا يجوز أن يكون عنى الخاذلين له من قريش ومشركي مكة إلا والخاذلون قد كانوا هناك معروفين، بائنين من العادين المتوثبين المبادين بالعداوة المظهرين للمحاربة، ولا نعلمهم كانوا ببطن مكة صنفين متمايزين، [و] فريقين متباينين، حتى يكون كل حزب مشهورا بالذي هو عليه من الخذلان والعداوة، وليس بطن من بطون قريش إلا وقد لقى النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] منه أعظم المكروه وإن كانوا في ذلك على طبقات: من مجتهد لا يبقى، ولا يفتر ولا يسأم، ومن رجل مائل معهم بضلعه، مبد معهم لضره، وإن كان لا يبلغ غلو الآخر وتصميمه وقلة إغفاله.
    ولقد كانت خزاعة وثقيف على بعد أنسابها وأرحامها أحسن تقية من قريش في إظهار العداوة، والأرصاد بالمكروه، والثبات على البغي، كالذي بلغك عن الأخنس بن شريق وعروة بن مسعود وبديل بن ورقاء، من ركونهم إلى الصلح وحبهم للسلامة، مع قلة التسرع والتوثب، على أنهم قد أجلبوا وطعنوا، وكفروا وكذبوا، بعد الإفصاح لهم بالحجة، والإبانة لهم عن المحجة.
    ولقد كان أبو لهب على قربه وقرابته شبيها بأبي جهل في الغلظة والقسوة والجفاء، وكثرة التدري وقلة السآمة.
    ولم يكن أبو طالب يوم نزلت هذه الآية حيا مقيما فيكون الله جل ذكره عناه فيمن أطاعه من رهطه بهذا الكلام. على أنه لو كان حيا لقد كان معلوما أنه لم يكن هناك أحد أحسن ذبا، ولا أشد نصرا، ولا أظهر معونة، ولا أشد حماية منه.
    ولم يكن الله ليعرف قوما موضع الخلة في النصرة، والتقصير في المدافعة، إلا وأدنى منازلهم أن يكونوا مقرنين لمن ناوأهم، مضطلعين بدفع من شاقهم.
    ولا نعلم يوم كانت هذه القصة، ونزلت هذه الآية، وبمكة رجل من بني هاشم مطاع متبوع غير العباس بن عبد المطلب. ولا يجوز أن يقول الله للعباس ومن كان في ذراه ممن يسمع له وينفذ لأمره: {إلا تنصروه فقد نصره الله} وقد علم أن العباس وأشباهه من مشيخة بني عبد مناف لا أعوان لهم يومئذ من بني عبد مناف، لأن بني عبد مناف دِنيا على قربهم وقرابتهم، كانوا أشد الخلق على رسول الله، كأبي سفيان بن حرب، وعقبة بن أبي معيط، والحكم بن أبي العاص، وأبي أحيحة، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وفلان وفلان. ولم تكن أمية انمازت في ذلك الدهر من هاشم، وكان يقال للحيين: عبد مناف. [و] كان من أمر عثمان الذي بلغك.
    فقد دل الكلام على أن الله إنما عنى بالآية المؤمنين دون الكافرين، إذ كانت مخاطبة العادي والخاذل على ما وصفنا. وليس أنه أراد تأنيب المؤمنين وتقريع المهاجرين، ولكنه أخبر عن تقصيرهم عن فضيلة أبي بكر إذ ظعنوا وأقام. وليس النقص في الفضل كالنقص في الفرض. فكأنه تعالى وعز قال: لو كنتم صبرتم مع نبيكم ما أقام إلى وقت الإذن، كصبر أبي بكر معه، ولم تخرجوا هاربين جازعين، ولدار نبيكم مهاجرين، كان أشد لصبركم، وأكمل لرغبتكم، وأنم لتقيتكم، وليس أنكم عصيتم في خروجكم، ولكن بعض الصبر والاحتمال أفضل من بعض، وكذلك الطاعة تطوعها وفرضها، كما قد علمتم أن بلالا وخبابا وعمارا حين فضهم المشركون عن دينهم جزع عمار وأعطاهم الرضا، مع انطواء قلبه على الإخلاص، وثلج صدره بالإيمان، ولكن عزمه كان منقوصا عن التمام، من غير أن يكون ذلك عصيانا ولا خلافا. ويدلك على ذلك قول الله: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان}. ولذلك قال النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لعمار: "إن عادوا فعد". يريد بن التوسعة والرخصة والإطلاق، وليس على الأمر والترغيب.
    وكما بلغك عن الرجلين الواردين على مسيلمة، حين قال لأحدهما: أتعلم أني رسول الله؟ قال: نعم. قال: أفتعلم أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، قال: فأمر به فقتل، وقال للآخر: أتعلم أني رسول الله؟ قال: نعم، قال: فتعلم أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، فأمر بتخلية سبيله. فلما بلغ ذلك النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال: أما الأول فمضى على عزمه ويقينه فهنيئا له، وأما الثاني فأخذ برخصة الله فلا تبعة عليه.
    فعلى هذا المثال كان تقصير القوم، لا على وجه الخلاف والمعصية.
    وذلك أن أبا بكر أقام بمكة ما أقام النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وهاجر الناس الأول فالأول، فبعض أتى المدينة، وبعض أتى الحبشة، حين اشتد عليهم البلاء وطال الذل وقل الناصر، وقويت الضغائن، فكان النفر بعد النفر، والرجل بعد الرجل، يستأذن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في الهجرة فيأذن له. وأقام أبو بكر وحيدا لا أنيس له، وذليلا لا ناصر له، وخائفا لا أمان معه، في كل يوم يزدادون عليه قوة ويزداد عنهم ضعفا فإذا بلح وبلغ المجهود، ولم يبق في قواه فضل يستعين به على الصبر، استأذن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في المضي إلى إخوانه واللحاق بهم، فيقول له: "لعل الله أن يجعل لك صاحبا" فيزداد بها أبو بكر قوة، وتحدث له بها همة. وهذه كلمة ما قالها النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لمستأذن قبله، فيعلم أبو بكر عند ذلك أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] إنما عناه، فيشجع من نفسه، ويشد من منته، طمعه في شرف الصحبة، وإكرامه إياه بفضيلة المرافقة.

    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    عدد الرسائل : 5243
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:23

    وقد استأذن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] الناس [قبله] بسنين، فكان أولهم أبو سلمة بن عبد الأسد، وآخرهم عمر بن الخطاب، لقرب حال عمر في الفضل والصبر من حال أبي بكر. فكأنه خاطب المهاجرين، على التعريف لهم بفضيلة صبر أبي بكر على صبرهم، مشحذة لهم على إعطاء الجهد، وترغيبا لهم في غاية الصبر في مستقبل الأمور وحوادث الامتحان. فكأنه قال: إذا لم تستتموا الصبر، ولم تبلغوا غاية الجهد، ولم تصبروا ما أقام، فقد نصرته أنا إذ أخرجته ثاني اثنين.
    والدليل على ما قلنا قول عمر لقريش حين بادأهم العداوة، ونصب لهم الحرب، وأحس من نفسه بالجلد وشدة الشكيمة، وقوة العزيمة: "أما والله أن لو قد صرنا مائة لتركتموها لنا إن تركناها لكم" يعني مكة.
    فلو كان جميع من هاجر إلى الحبشة وأتى المدينة على مثل هذا العزم والاحتمال والدفع، وهم جميع، لكان ذل من أقام ووحشته أقل، ونفوسهم أطيب.
    والدليل على فضيلة مقام أبي بكر على ظعنهم أنهم حيث هاجروا ونزلوا بالنجاشي والأنصار فنزلوا بأكرم منزول به، فكانوا في ذراه آمنين، رافهين وادعين، إلا ما كان من قصة جعفر، وسعاية عمرو، وإحماش النجاشي وتهييجه. فما كان ذاك إلا صدر نهار حتى جعل الله العاقبة للمتقين. وأبو بكر والنبي من الوحدة والقلة، والجفوة والوحشة، وخفة ذات اليد، والسب والإهانة، والخوف بالقدر الذي لا يأتي عليه قول وإن كثر، ولا يبلغه وهم وإن اتسع.
    وهكذا روينا عن الضحاك وقتادة وأبي بكر الهذلي في تأويل هذه الآية: أن الله عاتب جميع المؤمنين بها غير أبي بكر. ولو لم يكن رواية ولم يفسر ذلك صاحب تأويل، لم يجز أن يكون تأويله غير الذي قلنا، للذي شرحنا وفصلنا.
    ولو كانت هذه المخاطبة وقعت على الخاذلين والعادين، أو على الخاذلين دون العادين والمؤمنين، لقد كان لأبي بكر في الآية ما ليس لأحد، فكيف بها إن كانت في المهاجرين. لأن في قوله: {ثاني اثنين} معنى عظيما، وفي قوله: {فأنزل الله سكينته} معنى عظيم.
    فإن قالوا: كل ما عظمتم فعظيم، ولكن بعضه لا يجوز إلا للنبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] دون أبي بكر. وهو قوله: {فأنزل الله سكينته عليه}.
    قيل لهم: استكرهتم التأويل، وصرفتم الكلام عن سننه، وغير تأويلكم أشبه بكلام العرب، وأظهر في بيان الخطباء، ومراجعة الحكماء. وذلك أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] كان هو الرابط الجأش، الثابت الجنان، الساكن النفس، وهو المعزي لأبي بكر، والمسهل عليه شدة حزنه، والمطيب لنفسه، والمسكن لحركة قلبه، للذي رأى وعاين من اكتراثه ومن اضطرابه، وقلة سكينته، وهذه الحال التي فيها قلب النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وخليفته، وأبو بكر على ما وصفنا وفرقنا، هي الفاصلة بين النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وبين خليفته، إذ كان الخليفة قد شارك النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في حضوره واحتماله، وبان منه النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بشدة عزمه وسعة صدره، وسكون قلبه، كالفصل الذي بين الخليفة وولي عهده.
    وكذلك تعجل عمر الهجرة قبل أبي بكر، فكان بذلك أنقص فضلا منه، وتأخر بعد المهاجرين، فكان بذلك أتم فضلا منهم.
    وفي قول الله: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه} دليل على أن السكينة نزلت على صاحبه، وأن الهاء التي في {عليه} مضمر فيها صاحبه. ولا يشبه أن تكون السكينة نزلت على من لم يخل من السكينة وقلة الاضطراب، وعلى المسهل على صاحبه والمطيب لنفسه والمبشر له بالنصر، حين يقول: {لا تحزن إن الله معنا}. وهو كما أخبر أبو معاوية الضرير، عن عبد العزيز بن سياه، عن حبيب بن أبي ثابت: في قول الله: {فأنزل الله سكينته عليه} قال: على أبي بكر، فأما النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فقد كانت السكينة عليه من قبل ذلك.
    فإن قالوا: فكيف وقد قال الله على نسق الكلام: {وأيده بجنود لم تروها}، والمؤيد بالجنود في هذا الموضع لا يجوز أن يكون إلا النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، لأن الجنود الذين عنى الله ملائكته.
    قيل لهم: وما تنكرون أن يكون الله أيد رجلا بالملائكة، بشفاعة النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وبشارته وبحق صحبته، كما أيد الله جميع أهل بدر بالملائكة. وكما زعموا أن الملائكة نزلت في زي الزبير، وليس أن الله حين أيد أبا بكر بالملائكة أنه أراه جبريل وميكائيل، ولكن ليعلمه النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أن بحضرته ملائكة قد أرسلهم الله ليمنعوه من المشركين، ليسكن بذلك روعه، وتهدأ نفسه، وليثق بحضور النصر وتعجيل الدفع.
    وقد علمنا أن الله لم يجعل مع كل مؤمن ملكين يكتبان خيره وشره استذكارا، ولكن المؤمن إذا شعر بمكانهما كان أقطع له عن ركوب الأدناس وأدعى له إلى الاستحياء، وليعلم أن الأمر جد وليس بهزل.
    فكذلك إحضار الملائكة لأبي بكر، ليكون بشارة النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] له بذلك تسكينا لنفسه، وتعجيلا لبعض ما استحق بالاحتمال والمواساة والصبر، من الثواب المعجل دون المؤجل.
    ولقد بلغ من ظهور قصة أبي بكر وصحبته ومرافقته وكونه مع النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في الغار، أن الروافض مع شدة الإقدام والجرأة على تكذيب الناقلين، لم تقدر على دفعه ورده، حتى قال منهم قائلون: إنما أخرجه النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] خوفا من أن يدل عليه ويسعى بأمره إلى أعدائه، لأنه كان حسن من النبي بالهجرة، وعرف ميقاته الذي عزم عليه.
    وكيف يجوز أن يخاطب الله الناس فيقول: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين} والذي به كان النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بائنا قد أبر على الأعداء وأربى على الكفار، لأن النفاق أعظم من التصريح. وهذا ما لا يجوز في عقل، ولا يسنح في فكر، ولا يجوز في التعارف، ولا يليق بالبيان.
    وكيف والله يقول على اتصال اللفظ باللفظ والمعنى بالمعنى، وتركيب الآية الأخرى على الأولى: {وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا}.
    ولا كافر أعظم كفرا، ولا أشد عنودا من ثانيه وصاحبه في الغار، ورفيقه في الطريق، والمعزي لشدة حزنه، إن كان الشأن على ما قالوا وكما وصفوا.
    وإنما المنافقة أن يكون الرجل معتقدا لجحد الرسول وعداوته، ولكن الرسول هو الغالب على داره القاطع لمن بادأه بالعداوة، وناوأه في الفضيلة، فإنما يستبقي نفسه بنفاقه، وبتزميل حقده، وإخفاء ضغنه. فأما رجل مقيم بمكة قليل مفرد، وذليل مطرد، وخائف مشرد، بين استخفاء يعدل الموت، أو هرب يقطع الأحشاء، والذي هرب معه مقهور مخذول، والغالب على داره عدوه، فكيف كان أبو بكر منافقا والحال على ما وصفنا؟
    ولولا كثرة الفساد وما عم الناس من الغلط وفحش الخطأ ما كان لذكر هذا وشبهه معنى.

    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    عدد الرسائل : 5243
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:25

    والأثر المجتمع عليه من أصحاب السير والأشعار والأخبار، أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال لحسان: أما قلت في أبي بكر شيئا؟ فأنشأ يقول:
    إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة * فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
    التالي الثاني المحمود مشهده * وأول الناس منهم صدق الرسلا
    وثاني اثنين في الغار المنيف وقد * طاف العداة به إذ صعد الجبلا
    خير البرية أتقاها وأطهرها * إلا النبي وأوفاها بما حملا
    فجعله تاليا وثانيا وصاحبا.
    وقال أبو محجن:
    وسميت صديقا وكل مهاجر * سواك يسمى باسمه غير منكر
    سبقت إلى الإسلام والله شاهد * وكنت جليسا بالعريش المشهر
    وبالغار إذ سميت بالغار صاحبا * وكنت رفيقا للنبي المطهر
    فجعله سابقا وصديقا وجليسا وصاحبا.
    وقال كعب بن مالك:
    سبقت أخا تيم إلى دين أحمد * وكنت لدى الغيران في الكهف صاحبا
    فجعله سابقا وجعله صاحبا.
    وقال النجاشي:
    غداة أتى بدرا وحر جلادهم * وكان جليسا بالعريش مؤازرا
    فلو لم تكن له مأثرة إلا ما دلت عليه هذه الآية، وإلا شرف هذه الصحبة، وموقع هذه الخاصة، ونبل هذه المرافقة، ومشاهده الثقة، لكان فوق الجميع في المكانة والفضيلة، وفي مرافقة النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
    سمع أهل مكة الهاتف بالليل على قرن الجبل وهو رافع عقيرته، يقول:
    جزى الله رب الناس خير جزائه * خليلي صفاء طردا كل مطرد
    هما نزلا في الصبح ثمت هجرا * وأفلح من أمسى رفيق محمد
    ليهنئ بني كعب مكان فتاتهم * ومقعدها للمؤمنين بمرصد
    وقال الحارث بن هشام:
    رفيقان في المحيا وفي الموت ضمنا * بأكرم مثوى منزل ومكان
    فهذا هذا.
    ثم الذي كان من قصة مسطح بن أثاثة وقضيته، وكان ربيبه وابن خالته وفي مؤونته وتحت جناحه، فلما قرفت عائشة بالذي قرفت به وبلغك، آلى أبو بكر ألا ينظر في وجهه، ولا ينفق عليه ولا يكفله ولا يمون عياله، فلما أنزل الله عذر عائشة وبراءتها، ولم يرض لها بالطهارة والعفة حتى جعلها غافلة، فضلا على أن يكون خطر ذلك على بالها فتنفيه، إيثارا للحلال على الحرام، وأنزل الله على رسوله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في آية يأمر أبا بكر بالصفح عن مسطح، والتجاوز عن ذنبه، وتغمد ما كان منه، وأن يعيده في كنفه وعياله. فقال: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة}. فما ظنك بإمرئ يقول الله له وفيه هذا القول، ويصفه بهذه الصفة حتى يقول: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} فتلاها رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] على أبي بكر، فلما انتهى إلى قوله: "ألا تحبون أن يغفر الله لكم" قال أبو بكر: بلى يا رب! فعفا عنه، فوجبت له المغفرة، وأعاده إلى نعمته، وجعل عياله في حشاه وتحت ظله.
    فمن أعظم قدرا من رجل يفرد الله له الآي فيه معظما لشأنه، ذاكرا لفضله على لسان جبريل ومحمد عليهما السلام. فهذا هذا.
    وقد أجمع أهل التأويل على أن الله عنى بقوله: {والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين} أبا بكر وعبد الرحمن بن أبي بكر وأمه.
    وكان أبو بكر وأهل بيته أهل بيت إسلام: كان هو مسلما، وامرأته مسلمة، وأبواه مسلمان، وبناته مسلمات. وليس في العشرة الذين قال لهم النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] إنهم في الجنة، ولا في قريش قاطبة رجل مؤمن مؤمن الأبوين غير أبي بكر الصديق، ولا في قريش خاصة والمهاجرين عامة صاحب ابن صاحب ابن صاحب غير عبد الله قتيل الطائف، ابن أبي بكر الصديق، ابن أبي قحافة المسلم يوم مكة، والقائل فيه رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لأبي بكر: "فهلا تركت الشيخ في منزله فأتيناه". وله صحبة.
    واجتمع أهل التأويل على أن قوله: {أفمن يمشى مكبا على وجهه أهدى أم من يمشى سويا على صراط مستقيم} نزلت في أبي بكر وأبي جهل. ألا ترى أن أبا جهل رأس الكفر، فلم يقرن به ولم يوضع بإزائه من المسلمين إلا رأس مثله.
    وقال الله: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى} الآية، يعني أبا بكر في إنفاقه المال وعتقه الرقاب ل

    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    عدد الرسائل : 5243
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:27

    والمعذبين، وقوله: {كذب وتولى} يعني أبا جهل، وليس في الأرض صاحب تأويل خالف تأويلنا ولا رد قولنا إن هذه الآية نزلت في أبي بكر.
    وأما قوله: {قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما}. فزعم ابن عباس أن القوم الذين ذكرهم بنو حنيفة، وأبو بكر استنفر إليهم العرب، وضمهم إلى المهاجرين والأنصار، حتى أظفر الله يده وأظهر حكمه.
    وأما غير ابن عباس فزعم أنهم فارس والروم.
    فإن كان [ذلك] كذلك فإن أبا بكر هو المستنفر إلى قتال الروم. وإن كان عمر هو المقاتل لكسرى فإن ذلك راجع إلى أبي بكر بتأسيسه لعمر واختياره له.
    وقد زعم جويبر عن الضحاك في قوله: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} قال: أبو بكر وعمر.
    وقد زعم وكيع عن الفضل بن دلهم عن الحسن في قوله: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} قال: هم والله أبو بكر وأصحابه.
    ومثل هذا كثير، ولم يجئ المجئ الذي يحتج به المنصف والمرشد. ولكن الحجة القاطعة في إجماع المفسرين في الآيات التي ذكرناها قبل في قصة الغار، والنصرة، وفي قصة مسطح، والعفو عنه والإنفاق عليه، وفي قصة عبد الرحمن بن أبي بكر وأبويه ودعائهما له إلى الإسلام ورده عليهما، وقصة أبي بكر وأبي جهل.
    وقالت العثمانية: فإن زعمت الرافضة أن الله أنزل في علي آيا كثيرا، فكان مما أنزل فيه وفي ولده قوله: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}. فأولي الأمر علي وولده. فلعمري لئن كان أصحاب الأخبار قد أطبقوا على أنها نزلت في علي وولده إن طاعتهم لواجبة، وإن كان هذا شيئا تقوله متقول، أو جاء من وجه ضعيف، فهو مع ضعفه شاذ. وليس في ذلك لكم حجة، لأن الحديث قد يحتمله الرجل الواحد الثقة عن مثله، فيكون شاذا، ما لم يكن مستفيضا شائعا قد نقل عن المستفيض الشائع. وقد يكون الحديث يحتمله الرجلان والثلاثة وهم ضعفاء عند أهل الأثر فيكون الحديث ضعيفا لضعف ناقليه، ولا يسمونه شاذا، إذا كان قد جاء من ثلاثة أوجه، وإنما الحجة في المجئ الذي يمتنع فيه العمد والاتفاق. وهذا الجنس من الخبر هو الإجماع.
    وليس يكون الخبر إجماعا من قبل كثرة عدد الناقلين، ولا من قبل عدالة المحدثين، وإنما هو العدد الذي نعلم أنهم لم يتلاقوا ولم يتراسلوا ولا تتفق ألسنتهم على خبر موضوع، مع اختلاف عللهم وأسبابهم، ثم يكون معلوما عند سامع ذلك الخبر من ذلك العدد، أنهم قد نقلوه عن مثلهم في مثل أسبابهم وعللهم.
    فإذا كان معلوما أن فرعه كأصله كان ذلك موجبا لليقين ونافيا لعرو الشك واسترابة التقليد.
    وهو كنحو ما نقلوا من قصة الغار وقصة مسطح.
    فأما ما قالوا وادعوا أن الله عنى بقوله: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} عليا وولده دون جميع المهاجرين، فليس من شكل ما اشترطنا، ولا من فن ما بينا؛ لأن أصحاب التأويل زعموا أنها نزلت في عمال النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وولاته، وفي المسلمين، وفي أصحاب سراياه وأجنادهم كالعلاء بن الحضرمي وأبى موسى الأشعري وعتاب بن أسيد وخالد بن الوليد ومعاذ بن جبل، يأمر الناس بطاعة الأمراء والتسليم لولاة أمورهم.
    حديث عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي قال: حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عن تأويل قول الله: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} فقلت: من أولو الامر؟ فقال: هم أصحاب محمد، قلت: إنهم يزعمون أنه علي، فقال: علي منهم.
    وهذا من أثبت وأحسن ما يروون في تأويل هذه الآية، ومن أحرى ما جمع الفريقين على تقبله والرضا به، إذ قائله العالم المقبول عند الفريقين، والرئيس الذي لا أحد فوقه في عصره عند الروافض.
    وزعم محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح عن ابن عباس، أن الله أنزلها في عبد الله بن حذافة السهمي.
    فإذا كان تأويلها مشهورا بما ذكرنا من الاختلاف، فليس فيها للمتشيع حجة.
    وزعموا أيضا أن الله أنزل في علي: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} يقول: في طاعة علي.
    والكلام في هذا كالكلام فيما قبله. لأن أصحاب الأخبار والتأويل لا يعرفون ذلك.
    والخبر المشهور عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وغيره أن الله أنزلها في ناس من مسلمي أهل الكتاب، كانوا بعد إسلامهم يقيمون السبت، ويعافون الذبيحة، لرسوخ العادة، وغلبة الألف، فأنزل الله فيهم: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} يقول: ادخلوا في جميع الشريعة، {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} وزينته لكم الحكم بألفكم له، ونشوكم كان فيه.
    وزعموا أن الله أنزل: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}.
    قيل لهم: أما ظاهر الكلام فيدل على ما قال أصحاب التأويل، كابن عباس وغيره، حين زعموا أنها نزلت في عبد الله بن سلام ورهط من مشركي أهل الكتاب، وذلك أنهم أتوا النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] عند الظهر فقالوا: يا رسول الله، إن بيوتنا قاصية ولا نجد مسجدا دون هذا المسجد، وإن قومنا لما صدقنا الله ورسوله عادونا وتركوا مخالطتنا، وأقسموا ألا يكلمونا.
    فبينما هم يشكون عداوة قومهم لهم إذ نزلت: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} فلما قرأها النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قالوا: رضينا بولاية الله ورسوله والمؤمنين. وأذن بلال للصلاة، فخرج النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] إلى المسجد وهم معه، والناس من بين راكع وساجد، وقائم وقاعد، فتلا النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: {ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} الآية. فإن تكن هذه الآية كما قال ابن عباس ومجاهد، فليس لعلي فيها ذكر. وإن يكن الأمر ليس على ما قال ابن عباس فليس تأويل الرافضة بأقرب التأويل.
    وقد عرفنا أن تأويل ظاهر هذا الكلام يشبه غير الذي قالوا، وليس لنا أن نجعله كما قالوا إلا بخبر عن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، أو بإجماع من أصحاب التأويل على تفسيره، وذلك أن قوله: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} يدل على العدد الكبير، وأنتم تزعمون أنه عنى عليا وحده، وليس لأحد أن يجعل {الذين} لواحد إلا بخبر يجمع عليه. فإن لم يقدر على ذلك فليس له أن يحول معنى الكلام عن ظاهر لفظه، والذي عليه التعامل والتعارف. ولفظ الجميع معروف من لفظ المفرد. لأن الرافضة تزعم أن سائلا دخل المسجد فسأل الناس وعلي راكع، فلم يعط شيئا، فنزع علي خاتمه فأعطاه، فأنزل الله فيه: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}. وأنت إذا سمعت بتأويل ابن عباس وتأويلهم علمت أن تأويلهم بعيد من لفظ التنزيل، قرب تأويل ابن عباس منه.
    ولو كان الأمر كما قالوا ما كان أحد أعلم به من ابن عباس ولا أشعر به منه.
    وأنتم تزعمون أن عليا كان أزهد من أن يحول عليه الحول وعنده مال راهن يجب عليه فيه الزكاة.
    ولو كان ذلك كذلك ما كان بلغ من قدر صنيع رجل في إعطاء درهم ودرهمين من زكاته الواجبة ما إن يبلغ به إلى هذا القدر الذي ليس فوقه قدر، أو يكون كان علي مشهورا بإعطاء الزكاة وهو يصلي.
    ولو كان هذا هكذا لكان مشهورا مستفيضا. وكيف اتفق له ألا يزكي إلا وهو يصلي؟
    وإن كان تطوع بإعطاء الخاتم على جهة الإيثار والمواساة فليس بمعروف في الكلام أن يكون الرجل إن تصدق بالدرهم والدرهمين متنفلا ومتطوعا أنه معط زكاة، لأن الزكاة عندنا ما وجب إخراجه وكان تطهيرا لسائر ماله، وسببا للنماء والبقاء. إلا أن يحمل الكلام على الشاذ، وعلى أبعد المجاز. وليس هكذا كلام الحكيم يريد أن يدل الأمة على إمامته، ويوجب عليهم طاعته.
    ولا بد في هذه الآية من أحد ضربين: إما أن يكون لفظها يدل على ما قالوا دون ما قال غيرهم، وإما أن تكون قد نزلت في قصة مشهورة لعلي كقصة الغار حين كانت لأبي بكر.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:28

    فإن لم تجدوا إلى واحد من هذين سبيلا فلم يبق إلا أن تزعموا أن الرسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال للناس: إن هذه في علي فاعرفوا له حقه وفضيلته. ولو كان ذلك كذلك ما اختلف فيه أصحاب التأويل، ولا قال فيه ابن عباس الذي قال.
    قالت العثمانية: قد زعمت الروافض أن الله أنزل هذه الآية في علي فاعرفوا له حقه وفضيلته.
    ولو كان ذلك كذلك ما اختلف فيه أصحاب التأويل، ولا قال فيه ابن عباس الذي قال.
    قالت العثمانية: وقد زعمت الروافض أن الله أنزل فيه: {قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب}.
    ولا يجوز أن يقول: {ومن عنده علم الكتاب} وهو يعني عليا إلا وعلي قد كان أشهر من هناك بعلم الكتاب.
    وكيف يكون ذلك وقد توفي النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وهو لم يجمع الكتاب بعد؟ وقد زعم الشعبي أنه لم يجمعه إلى أن مات.
    وكيف يكون من المشتهرين بعلم الكتاب وأنت إذا سألت أصحاب الأخبار والتأويل عن أسماء أصحاب التأويل ذكروا ابن عباس ومن دون ابن عباس بطبقات كالحسن البصري ومجاهد والضحاك وعكرمة، وفلان وفلان وفلان، ولا يذكرونه في هذا الصنف، كما لا يذكرون فيه أبا بكر وعمر وعثمان، لأنهم لم يكونوا بالمشتهرين بالتأويل وحفظ القرآن ومعرفة معانيه، لأن غير ذلك كان أغلب عليهم منه، وقد أخذوا منه بنصيب. ولم يكونوا كمن تجرد لمعرفة التأويل حتى غلب عليه كما غلب على زيد بن ثابت الفرائض، وكما غلب علم التأويل على ابن عباس، وكما غلب كثرة الأسانيد وعدد الآثار على ابن عمر وجابر وعائشة، وكما غلب على أبي وعلى عبد الله القراءات.
    ولو كان للناس أن يقولوا في هذه الآية على الظن وما هو أشبه لكان أولى الناس بها عبد الله بن عباس، لأنه كان أعلم الناس بالقرآن. ولو لم يكن عرفنا فضله فيه بالذي ظهر منه، لعرفنا فضله وإن بطن وغاب عن العيان لقول النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فيه: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل". فكيف وقد ظهر من علمه بمعانيه وغريبه، وإعرابه وقصصه ومحكمه ومتشابهه، وخاصه وعامه، وناسخه ومنسوخه، ومكيه ومدنيه، ما لم نجد عند أحد شطره ولا قريبا منه.
    وقالت العثمانية: إنه لا يعجز أحد أن يعمد إلى كل آية في القرآن فيدعي أنها في أبي بكر وعمر كما ادعيتم ذلك في علي، وإنما الشفاء والبيان في صحة الشهادة، وظهور الحجة.
    وزعمت العثمانية أن من الدليل على فضيلة أبي بكر على علي أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] سماه "الصديق" دونه، وليس بعد اسم النبي اسم أنبه من الصديق، حتى كان لا يقال قال أبو بكر وفعل أبو بكر إلا والصديق متصل به، وحتى ربما قالوا قال الصديق وفعل الصديق، استغناء عن اسمه وكنيته.
    ولقد قال النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "الزبير حواري وابن عمتي، وطلحة حواري" وقال: "عثمان ذو النورين" فلم يقل المسلمون: قال عثمان ذو النورين، وقال الزبير الحواري، وقال ذو النورين، استغناء عن أسمائهما وكناهما.
    فإن كان المسلمون أشاعوا اسم أبي بكر وتركوا أن يشيعوا اسم غير أبي بكر، لفضل رأوه في أبي بكر، فهو الذي قلنا وادعينا. وإن كان ذلك منهم لشئ رأوه في وجه رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وفي صنيعه بأبي بكر، فلا شئ أدل على الفضيلة والمباينة منه.
    ولم يسمه النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] عليا باسم ينسبه به، لأن ذلك لو كان لظهر كما ظهر اسم من ذكرنا. ولا سماه أحد من أصحاب رسول الله باسم بان به كما سمى أصحاب رسول الله أبا بكر خليفة رسول الله.
    ولأبي بكر اسمان يدلان على الفضيلة والمباينة: أحدهما لم يسم به قط إلا نبي أو من يتلوه، والآخر لم يسم به أحد من الناس.
    فأما الاسم الذي لم يسم به إلا نبي فقوله "الصديق" بإجماع من المسلمين على هذا الاسم أنه لأبي بكر دون غيره. وأما الاسم الذي لم يسم به مؤمن قط ولا بعده، فقول جميع الأمة: يا خليفة رسول الله.
    فإن كان الذي نقل إلينا أنه [كان] يكتب في دهر النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "من خليفة رسول الله" ويكتب إليه: "إلى خليفة رسول الله". وكما كان الحسن يحلف بالله أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] هو تولى استخلافه، فلا منزلة أعظم منها قدرا، ولا أرفع منها شأنا.
    وإن كان المسلمون أجمعوا له على ذلك لخاصة رأوها فيه، فكفى به شرفا وقدرا، ومزية وذكرا.
    وإن زعم قوم أن الأسماء التي ارتضاها الرسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وحبا بها أصحابه لا تدل على فضيلة ولا على خاصة كرامة، وجسروا على أن يقولوا إنه ليس في قول النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لحمزة إنه: "أسد الله وأسد رسوله" فضيلة، وليس في قوله: "الزبير حواري" فضيلة - فليس عندنا في ذلك إلا مثل ما لهم في صدور أهل القبلة من الإسقاط والإهانة.
    فإن قالوا: إن اسم الصديق مولد موضوع محدث، أحدثته العثمانية والحشوية.
    قيل لهم، فلعل قولهم: إن حمزة أسد الله وأسد رسوله، وإن جعفرا الطيار في الجنة، وإن الزبير حواري رسول الله، مولد موضوع صنعته الشيعة، وأحدثه أتباع الزبير يوم الجمل. لا فرق بين ذلك.
    وكيف يكون اسم الصديق مولدا محدثا، وأكثر من تكلم به ليسوا بذوي نحلة فيتقدروا له، ولا بذوي معرفة فيعرفوا فضله، ولا ذوي قرابة فيطلبوا السبق به، مع الذي نجده في الأشعار الصحيحة القديمة، وليس بين الأشعار والأخبار فرق إذا جاءت مجئ الحجج.
    وإنما ذكرنا الأشعار مع الأخبار ليعرفوا ظهور أمره، ووجوه دلائله وقهر أسبابه، وليكون آنس للقلوب، وأسكن للنفوس، وأقطع لشغب الخصم، ولجحد المنازع.
    فمما جاء من الأشعار في ذلك قول شريح بن هانئ الحارثي، وكان معمرا وكان شيعيا، وهو يرتجز في بعض حروبه:
    أصبحت ذا بث أقاسي الكبرا * قد عشت بين المشركين أعصرا
    ثمت أدركت الرسول المنذرا * وبعده صديقه وعمرا
    ويوم مهران ويوم تسترا * وباجميراوات والمشقرا
    والجمع من صفينهم والنهرا * هيهات ما أطول هذا عمرا
    ألا ترى أن هذا شريح بن هانئ سمى أبا بكر صديقا على ما لم يزل يسمى به.
    وقال العجاج بن رؤبة، وهو أعرابي ليس بذي نحلة ولا صاحب خصومة، وقد أدرك الجاهلية:
    عَهْدَ نبي ما عفا وما دثر * وعهد عثمان وعهدًا من عمر
    وعَهدَ صديق رأى برا فبر * وعهد إخوان هم كانوا الوزر
    وقال الحارث بن هشام بن المغيرة، حين بلغه وهو بمكة أن الأنصار قد كانوا اجتمعوا وقالوا لقريش في سقيفة بني ساعدة: منا أمير ومنكم أمير:




    • قبض النبي وبويع الصديق *

    في قصيدة له طويلة، وهو التي يقول فيها:




    • وأراد أمرا دونه العيوق *

    وإنما أردنا منها المعنى.
    وقال أبو محجن في ذلك:
    سميت صديقا وكل مهاجر * سواك يسمى باسمه غير منكر
    وقال طريف بن عدي بن حاتم:
    أبيدوا قريشا بالسيوف ليظهروا * معاهد دين الله بعد محمد
    وصديقه التالي المعين بماله * طوي البطن محمود الضريبة مذود
    وأول من صلى وصاحب حنكه * أصاخ لقول الصادق المتطرد
    وبعد قتيل الهرمزان، وباركت * يد الله في ذاك الأديم المقدد
    أقاموا طغاة حائرين عن الهدى * وليس يقوم الدين إلا بمهتد
    فلما تولوا طامن الحق جأشه * وثاب إليهم كل غاو مطرد
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:29

    أما قوله: "وثاب إليهم كل غاو مطرد"، فإن الغاوي مروان ابن الحكم، والمطرد أراد أباه الحكم بن أبي العاص طريد رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
    وقال حسان بن ثابت في ذلك أيضا، وهو يهجو بعض الشعراء:
    لو كنت من هاشم أو من بني أسد * أو عبد شمس أو أصحاب اللوا الصِّيد
    أو في الذؤابة من تيم وقعت بهم * أو من بني جمح الخضر الجلاعيد
    أو من سرارة أقوام أولي حسب * لم تصبح اليوم نكسا مائل العود
    لولا الرسول وروح القدس يحفظه * وأمر ربك حتم غير مردود
    وأنني أحفظ الصديق مجتهدا * وطلحة بن عبيد الله ذا الجود
    أتتكم خيلنا كاللوذ كالحة * تطوي السباسب بالشم المناجيد
    من كل خيفانة طال اللجام بها * وكل مختطف الأقراب كالسِّيد
    وقال طليحة الأسدي في ذلك:
    ندمت على ما كان من قتل ثابت * وعكاشة الغنمي يا أم معبد
    وأعظم من هذين عندي مصيبة * رجوعي عن الإسلام رأي المقيد
    وتركي بلادي والخطوب كثيرة * طريدا وقدما كنت غير مطرد
    فهل يقبل الصديق أني تائب * ومعط بما أحدثت من حدث يدي
    وقال البارقي في ذلك أيضا:
    بكر النعي بخير كندة كلها * بابن الأشج وخاله الصديق!
    هؤلاء الذين ذكرنا: شريح بن هانئ والعجاج بن رؤبة والحارث بن هشام بن المغيرة وطريف بن عدي بن حاتم وحسان بن ثابت وطليحة الأسدي، ومن أشبههم، ليسوا بأصحاب خصومات ولا نظر في الفاضل والمفضول.
    وإنما قدموه وسموه صديقا على ما لم يزل يسمى به. وهذا أكثر من أن نأتي عليه في كتابنا ونستقصيه.
    والعجب من الروافض حين ترى ما قال رشيد الهجري والسيد الحميري ومنصور النمري حجة في أشعارها إذا كان ذلك القول في علي بن أبي طالب. وإذا قال حسان بن ثابت والعجاج والحارث بن هشام وأشباههم ممن ذكرنا في القدم والقدر في أبي بكر وعثمان وعمر وتقديمهم لم يكن حجة.
    وفي قول عبد الله بن عباس لعائشة بعد الجمل في دار بني خلف الخزاعي حين أرسله علي بن أبي طالب إليها: "لم تقولين إنه ليس في الأرض موضع أبغض إلي من موضع أنتم به، ونحن جعلنا أباك صديقا وجعلناك أم المؤمنين" حجة في أن تسميته بالصديق قد كان مستعملا في ذلك الدهر.
    وإذا أحببت أن تعلم قدر هذا الاسم الذي سمى به النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أبا بكر فانظر في كتاب الله. قال الله جل ثناؤه: {واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا. ورفعناه مكانا عليا} وقال: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا} فذكر صديقيته قبل أن يذكر نبوته.
    وقال في كتابه: {ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسول وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون}.
    ولكن انظر كيف نبين للروافض الحجج بالآيات والإجماع ثم انظر أنى يؤفكون، أي يسخرون بهذه الفضيلة له على علي.
    ثم الذي كان من تأمير النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أبا بكر عليه حين ولاه الموسم وبعثه أميرا على الحاج سنة تسع، وبعث عليا يقرأ على الناس آيات من سورة براءة. وكان أبو بكر الإمام وعلي المأموم، وكان أبو بكر الدافع بالموسم، ولم يكن لعلي أن يندفع حتى يدفع أبو بكر. ولا يستطيع خلق من الناس أن يزعم أن سنة تسع دفع بالناس غير أبو بكر، ولا يستطيع أحد أن يزعم أن سنة تسع لم يبعث النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بصدر سورة براءة مع علي بن أبي طالب ليقرأه على الناس إذا فرغ أبو بكر.
    فإن قال قائل: ألا ترى أنه كان لعلي بن أبي طالب في ذلك الموقف من الفضل ما ليس له لخصلتين: إحداهما أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بعث معه بصدر براءة، وقال: "لا يبلغ عني إلا رجل مني". والأخرى فرط الاحتمال وشدة الخطار الذي احتمله علي حين يقوم بالبراءة وقطع العهد وقد وافى الموسم من قبائل العرب ومن الموتورين والناقمين والحنقين، العدد الذي لا يحصى، والقوة التي لا تدفع، فشمر عن ساقيه وأبدى صفحته، ففي هاتين الخصلتين دليل على أن له في ذلك ما ليس لأبي بكر، والمحنة عليه أشد.
    قيل له: إن كان الشأن في شدة الخطار والتغرير والتعرض على ما قلتم، فنصيب أبي بكر في ذلك أوفر، والأمر عليه أخوف، وهو إليه أسرع، لأن أبا بكر كان هو الأمير والوالي والمتبوع، وعلي هو المؤتم والرعية والسامع والمطيع. وبين التابع والمتبوع والآمر والمأمور فرق.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:31

    وأما قولكم: إن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال حين بعث بصدر سورة براءة مع علي بن أبي طالب: "إنه لا يبلغ عني إلا رجل مني" فإنما قال هذا وليس بحضرته أبو بكر ليكون علي قد قدم عليه، لأن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قد كان وجه أبا بكر قبل ذلك، ثم بعث عليا بعده فلحقه في الطريق.
    وقد زعم ناس من العثمانية أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لم يقل ذلك لعلي تفضيلا منه له على غيره في الدين، ولكن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] عامل العرب على مثل ما كان بعضهم يتعرفه من بعض، وكعادتهم في عقد الحلف وحل العقد، فكان السيد منهم إذا عقد لقوم حلفا أو عاهد عهدا لم يحل ذلك العقد غيره، أو رجل من رهطه دنيا كأخ أو ابن أو عم أو ابن عم. فلذلك قال النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ذلك القول.
    ثم الذي كان من تفضيله عليه وعلى الناس جميعا أيام شكاته، حيث أمره أن يؤم الناس ويقوم مقامه في صلاته وعلى منبره، حتى أن عائشة وحفصة أرادتا صرف ذلك عنه لعلل سنذكرها في موضعها إن شاء الله، فقال النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "إليكن عني صواحب يوسف، أبى الله ورسوله إلا أن يصلي أبو بكر".
    ولم يستطع أحد من الناس أن يقول إنه صلى بالناس في تلك الأيام غيره، ولا استطاع أحد أن يقول إن المأمور بالصلاة كان غيره، حتى قالوا بأجمعهم: اختاره رسول الله لديننا فاخترناه لدنيانا. وحتى قالوا: ولاه رسول الله صلاتنا، وزكاتنا تبع لصلاتنا، وهما معظما أمر الدين.
    ولا يستطيع أحد أن يقول: إنه لما تقدم أبو بكر بالناس ليصلي بهم والنبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] مسجى قال له رجل واحد: وما لك تصلي بنا على غير عهد ولا سبب. ولا قال رجل من خلفه مثل ذلك، ولا قال رجل من الأنصار: منا مصل ومنكم مصل، كما قالوا: منا أمير ومنكم أمير.
    فإن كان الناس مع كثرة الخير والشر فيهم تركوا مجاراته ومدافعته في قيامه في مقام رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لتبريزه كان عليهم عند أنفسهم، فكفى بذلك دليلا على الفضل وحجة على الاستحقاق.
    وإن كان رضاهم بذلك وتسليمهم للذي ثبت عندهم من أمر رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وتقديمه إياه، فليس لأحد في ذلك متكلم، ولا لشاغب فيه متعلق، ولا لواقف فيه عذر، والقوم جميع، ومصلاهم واحد، وتقدمه ظاهر.
    ولم تكن صلاة واحدة فيكون خلسة. والقوم كانوا أشد تقديما لذلك المقام من أن يدعوا رجلا لم يقهرهم بسيف، ولم يمتنع عليهم بعشيرة، ولم يفض فيهم الأموال، وليس معه فضل بائن، ولا سبب من من قرابة، ولا أمر من النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
    فإن صاروا إلى الاعتلال بالأحاديث وذكر الآثار قالوا: إنما نحتاج إلى المقابلة بين أفعال علي وأفعال غيره، لو كنا لا نجد له غير الأفعال. فإذا كنا قد وجدنا له من غير الأفعال ما هو أدل على الفضيلة من الأفعال، لم يكن لنا أن نتخطى الأفضل إلى الأنقص في دفع المتغلب وإقامة المستحق عند ظهوره وزوال التقية فيه. لا أنهم قابلوا بين جميع المهاجرين في القرب والبعد، ولا أنهم صنعوا العلم بفضله بعد موت النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. ولكنهم قوم قد كانوا من قبل ذلك بثلاث وعشرين سنة يرى بعضهم بعضا ويعرف بعضهم أمر بعض، يغزون معا ويقيمون معا، ويسمعون من النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] القول بعد القول، ويرون أحوال الرجال عند النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وفي المسلمين وفي أنفسهم، فعلموا بذلك فضل أبي بكر. فلما توفي النبي لم يحتاجوا مع علمهم الأول إلى أن يضعوا علما ثانيا.
    ولو أن رجلا منا شاهد النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وأصحابه سنة واحدة ما خفي عليه من المقدم عنده وعند المسلمين، ومن أشبههم به هديا وعملا، وطريقة وعزما. فما ظنك بالسلف الطيب، والخيار المنتخبين، وأس الإسلام ومرسى قواعده.
    وذلك أن أبا بكر لا يخلو حيث أسلم أن يكون أسلم قبل الناس، أو ثانيا، أو ثالثا. فإن كان إسلامه قبل الناس فقد تبين للثاني تقدمه، وللثالث تقدمهما عليه. فإذا كانوا ثلاثة لم يخف عليهم أيهم أفضل. ثم إن أسلم بعدهم نفر لم يخف أيضا قصة الثلاثة المتقدمين. وكلما أسلم قوم لم يخف عليهم حال الأفضل بالذي يرون عند من أسلم قبلهم. فكانوا كذلك ثلاثا وعشرين سنة.
    فقد أيقنا أن القوم لم يؤتوا في تقديم أبي بكر من الجهل بموضع الفضل، أطاعوا الله في إقامته أم عصوه. وكذلك لو كانوا قدموا غيره ما كانوا إلا متعمدين. وذلك أن الأفعال إنما تدل على ظاهر عدالة الرجل وفضيلته، ولا تدل على باطن طهارته وإخلاصه.
    وقول الرسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في الرجل ومديحه له وإخباره عن فضله ومنزلته، والوحي ينزل عليه صباح مساء، أدل على طهارته وإخلاصه.
    وإذا كان العبد كذلك كانت النفوس إليه أسكن، وكان من التبذل أبعد، مع السلامة من النفاق والدخل في الاعتقاد، لأن الغلط في خبر الرسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ونصه وتبيينه وإقراره للرجل بالفضيلة والاستحقاق، أقل من الغلط فيما بين أقدار الناس، من الموازنة بين أفعالهم وعقولهم، وعلومهم وتجاربهم، وصلاح الناس عليهم، مع كثرة عدد الأفعال المتساوية والمتقاربة، ومع كثرة عدد المتساوين والمتقاربين من الرجال.
    فمما يدل على تفضيل النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] له قوله يوم غدير خم، وهو قابض على يده وقد أشخصه قائما لمن بحضرته: "من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم عاد من عاداه ووال من والاه". وقوله: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي من بعدي". وقوله: "اللهم آتني بأحب الناس إليك يأكل معي من هذا الطير" ثلاثا، كل ذلك يحجبه أنس، طمعا أن يكون أنصاريا، فأبى الله إلا أن يجعله الآكل والآتي والأحب. ومن ذلك أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] حين آخى بين أصحابه فقرن بين الأشكال، وقرد بين الأمثال، جعله أخا من بين جميع أمته وعلية أصحابه.
    قيل لهم: إن الأخبار لا بد فيها من التصادق كما لا بد في درك العقول من التعارف، فإن في عدم التعارف في حجج العقول والتصادق في حجج السمع عدم الإنصاف وبطلان الكلام.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:32

    وليس لكم أن ترفعوا خبرا له ضرب من الإسناد وتوجبون تصديق مثله. لأن كل واحد من الخصمين لا يعجزه دفع المستفيض بلسانه، فضلا عن دفع الشاذ، وإن كان ناقله عدلا في ظاهره، فإذا كان ناقله ذلك كذلك فأولى الأمور بكم وبهم الصدق، وليس كل من أراد الصدق في مثل هذا قدر عليه إلا بالتقدم في كثرة السماع واتساع الرواية.
    وليس لأحد، وإن حسن عقله وصح فكره، أن يقول فيما لا يضاف علمه إلا من طريق الخبر، حتى يكون صاحب خبر وطالب أثر، فإذا صح عقله وكثر سماعه خفت مؤونته على نفسه وعلى خصمه.
    أوما علمتم أن خصومكم، وهم أكثر منكم عددا، وأكثر فقيها ومحدثا، يروون أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال: "ليس أحد أمنّ علينا بصحبته وذات يده من أبي بكر، ولو كنت متخذا من هذه الأمة خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، لكن ودا وإخاء إيمان". فإن كان هذا الحديث كما نقلوا لم يجز أن يكون النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] آخا أحد إلا أن يكون الأخ غير الخليل، ولا نعلم الخليل إلا أخص منزلة وأقرب مودة. مع أن قوله: "ولكن" دليل على أنه قد كان آخاه.
    وأعجب من هذا يروون أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال في شكاته وقبيل وفاته: "إنه لم يكن نبي قبلي فيموت حتى يتخذ من أمته خليلا، وإن خليلي منكم ابن أبي قحافة".
    ويروون أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال: "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر".
    وقد تعلمون أن إسناده عبد الملك، عن ربعي عن حذيفة، والآخر سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن عبد الله.
    ويروون أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] نظر إلى أبي بكر وعمر مقبلين، فقال: "هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، إلا الأنبياء والمرسلين، يا علي لا تخبرهما".
    فزعموا جميعا أن عليا قال: ولو كانا حيين ما حدثتكم.
    ويروون جميعا أن عليا قام في الناس خطيبا فقال: "ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، والثاني عمر، ولو شئت أن أخبركم بالثالث فعلت" فكنى عن ذكر عثمان.
    ويروون أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لما أسس مسجد المدينة جاء بحجر فوضعه، ثم جاء أبو بكر بحجر فوضعه، ثم جاء عمر بحجر فوضعه، ثم جاء عثمان بحجر فوضعه، فسئل النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] عن ذلك فقال: "هؤلاء أمراء الخلافة من بعدي".
    وقالوا: لما قدم المدينة رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] خط لأهل قباء مسجدهم بعنزة فوضع النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] حجرا، ثم قال: يا أبا بكر ضع حجرا إلى جنب حجري، ثم قال: يا عثمان خذ حجرا فضعه إلى جنب عمر، ثم التفت إلى سائر الناس فقال: وضع رجل حجره حيث أحب.
    ويروون أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال يوم الحديبية: "مثل أبي بكر في الملائكة مثل ميكائيل ينزل بالرحمة، ومثله في الأنبياء مثل إبراهيم، ومثل عمر في الملائكة مثل جبريل ينزل بالسخط، وفي الأنبياء مثل موسى" والحديث طويل ولكني اختصرته.
    ويروى أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وضع في كفة الميزان والأمة في الكفة الأخرى، فرجح بهم. ثم أخرج النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ووضع أبو بكر مكانه فرجح بالأمة، ثم أخرج أبو بكر ووضع عمر مكانه فرجح بالأمة، ثم أخرج فرفع الميزان.
    وقالوا: إن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال: "أيها الناس، إن الله بعثني إليكم جميعا فقلتم: كذبت، وقال لي صاحبي: صدقت، فهل أنتم تاركي وصاحبي؟".
    ومما يؤكد هذا قول النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا وقد كان له تردد وكبوة، إلا ما كان من أبي بكر فإنه لم يتلعثم".
    وقالوا: إن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال: "إن أبا بكر لم يسؤني قط، فاعرفوا ذلك له" في كلام طويل.
    فإن كان ما رويتم في فضيلة علي حقا، وما رووا في فضيلة أبي بكر حقا، فأبو بكر خير من علي، وعلي خير من أبي بكر. وهذا هو التناقض، والحق لا يتناقض. وفي هذا دليل أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لم يتكلم بذلك ولا قاله، لأن الخبر إذا خرج مخرج العام في تفضيل أبي بكر، وكذلك في تفضيل علي، فليس له وجه إلا ما قلنا، إلا أن يكون النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قد قال أحد القولين وصحت به الشهادة، ولم يقل الآخر، وإنما ولدته الرجال وصنعته حملة السير. ولا سبيل لنا إلى معرفة ذلك إذا كان الإسناد متساويا، وعند الرجال متقاربا. وليس في هذه الأحاديث كلها حديث يضطر خصمه إلى معرفة صحته، أو يكون النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قد تكلم بكثير من هاتين الروايتين وكان معناه وقصده فيها معروفا عند من كان بحضرته، حتى كان الجميع يعرفون خاصه من عامه. ولكن الناقلين احتملوها عن السلف مجردة بغير تأويل معانيها، فأدوها على اللفظ العام، فصار السامع يتناقض عنده إذا قابل بعضها ببعض، لجهله بأصول مخارجها، وكيف كان موقعها.
    والذي فسرت لك مثل تعرف به سمت الحجة وقصد السبيل.
    وهو كما نقلوا أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال: "ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر" ولم يكن بالنبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] إلى استثناء نفسه حاجة، لمعرفته باستغناء الناس عن ذلك.
    وقد عرفنا بوجه آخر أن حديث أبي ذر كان مخرجه مخرج العام وأنه خاص وإن لم تكن خصوصيته موجودة في لفظ الحديث، لأنك إذا سألت الشيع فقلت: أي الرجلين كان أصدق عند النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: أبو ذر أو علي؟ قالوا بأجمعهم: علي. وإنما ترك النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لعلمه بمعرفة المسلم بذلك من رأيه.
    وكذلك لو سألت العثمانية فقلت: أي الرجلين كان أصدق عند النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: أبو بكر أو أبو ذر؟ قالوا: أبو بكر، كقول الشيع في علي.
    فقد أجمع الصنفان جميعا أن غير أبي ذر أصدق من أبي ذر.
    ومن ذلك قول النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "منا خير فارس في العرب"، قالوا: من هو؟ قال: عكاشة بن محصن.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:34

    وليس بين الأمة تنازع أن زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب الطيار والزبير خير من عكاشة.
    ومن ذلك قول النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "يأتيكم خير ذي يمن، [عليه] مسحة ملك". فأتاهم جرير بن عبد الله.
    فلو كان هذ اللفظ العام عاما في معناه، ولم يكن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] اتكل فيه على معرفة القوم، فترك لذلك الاستثناء والتفسير، لكان واجبا أن يكون جرير خيرا من سعد بن معاذ، ومن حمي الدبر، ومن غسيل الملائكة، ومكلم الذئب. وهذا ما لا يقوله مسلم.
    ومن ذلك قول النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لأبي سفيان بن الحارث: "أبو سفيان خير أهلي" وقد علمنا أن حمزة والعباس وعليا وجعفرا خير من أبي سفيان.
    ومن ذلك قول النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "خير أهل الله عمر بن الخطاب" وقد أجمع المسلمون أن غيره خير منه، لأن الناس إما عمري وإما علوي، فالعلوي يقدم عليا، والعمري يقدم أبا بكر.
    والجملة أنه لم يقل أحد قط: إن عمر خير الناس. فهذا باب قد فرغت [منه]، تعرف به أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قد يتكلم بالكلام المعروف المعنى عند من حضره، فإذا نقلوا الكلام وتركوا المعنى التبس على العابرين وجه المعنى فيه.
    فمن ذلك ما يعرف، كالذي حكينا من حديث أبي ذر وعكاشة بن محصن وجرير، ومنه ما يجهل كحديث علي وأبي بكر.
    وقد نقلوا عن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في رجال كلاما وتفضيلا ما نقل مثله في أبي بكر وعلي اللذين فيهما التنازع.
    من ذلك أنهم نقلوا عن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أنه قال: "كم من ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك". وهذا كلام عظيم إن كان حقا، وليس عندنا فيه إلا أن نرده إلى الله ورسوله.
    وقد قال النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في رجال كلاما لو كان قاله في أبي بكر وعلي لكان أصحابهما سيجعلونه في أول ما يحتجون به في الإمامة والتفضيل مثل قول النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد، وكرهت لها ما كره".
    ومن ذلك قوله: "لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة".
    وقوله في طلحة يوم أحد، حين واتاه السهم فوقى النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فقال حين أصابه السهم: حس! فقال النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "لو قال باسم الله لرفعته الملائكة".
    ومن ذلك دخول عثمان عليه وهو مكشوف الفخذ، فغطاها، فقيل له: يا رسول الله، لم تغطها من أبي بكر وعمر وغطيتها عند دخول عثمان. فقال: "كيف لا أستحي ممن تستحي منه الملائكة".
    وقال: "اهتز العرش لموت سعد بن معاذ".
    فهذا أيضا باب يعرف به أن الرجل ليس يستحق التقديم بالرواية والحديث، إذ كان هؤلاء دون أبي بكر وعلي في الفضل، وقد جاء فيهم ما لم يجئ فيهما.
    ولقد رووا في رجل لم يهاجر، ولم يصحب، ولم يشهد المشاهد، ولم ينفق، ولم يتعرض، ولم يدع إلى الله ورسوله، إلا أنهم زعموا أنه كان يطلب الحنيفية قبل مبعث النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وهو زيد بن عمرو بن نفيل، فزعموا أن النبي قال: "يبعث يوم القيامة أمة وحده".
    وأي شئ أدل على كل فضيلة من قول النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لعمار: "لا تؤذوا عمارا فإنما عمار جلدة ما بين عيني".
    ما أعطت الرافضة الطاعة أبدا، ولا رضوا من الناس بالأنصاف!
    وقد علمنا أن حمزة وجعفرا وعليا كانوا أفضل من سعد بن معاذ، ولم يهتز لموتهم عرش الرحمن، وقتلوا شهداء، ولم تحم لحومهم الدبر، ولا غسلتها الملائكة.
    فالله أعلم بمعاني هذه الأحاديث. ولعل النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال في كل رجل قولا عدلا. وكان ذلك قولا معروفا مفهوما عند الحاضر، ولكنه أدى اللفظ وترك المعنى.
    فإذا كانت الأحاديث في أسلافنا وأئمتنا على ما حكيت لك لا تمنع من معرفة وتدافع ما وصل إلينا منه، كان واجبا أن يكون المفزع في أمرهم إلى الخبر الذي يجئ مجئ الحجة، وترك ما سوى ذلك مما لا يبرئ من سقم ولا يبرد من حيرة. وإنما الخبر الصحيح الذي لا يعتمد بضعف الإسناد، ولا يترك لضعف الأصل، ولا يوقف فيه لكثرة المعارض والمناوئ، كنحو ما روينا من مآثرهم في مقاماتهم ومشاهدهم، وكصنيع على ومؤازرته ببدر، وككون أبي بكر في العريش. وهذا ما لا يتدافع ولا يتناقض، لأن قتل على الأقران ببدر ليس بناقض لكون أبي بكر في العريش، ولأن موقف على بأحد لا يدفع كون أبي بكر في الغار، ولأن صنيع على بخيبر لا يدفع إنفاق أبي بكر الأموال، وعتقه الرقاب.
    فهذا وما أشبهه مما لا تجد له رادا ودافعا، وليس هذا من شكل ما قالوا: أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال: "اقتدوا بالذين من بعدي بأبي بكر وعمر" ونقلهم أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال لعلي: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى". وكما نقلوا أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] آخى بين نفسه وبين علي، وأن النبي قال: "لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا" في أشباه لهذا قد حكيت لك في صدر الكتاب، لتعرف مجرى الكلام في السلف.
    فإن قالوا: فلعل النبي قال: "اقتدوا بالذين من بعدي" وقد كان معلوما في [ذلك] الوقت أن عليا كان مستثنى في هذا القول.
    قيل لهم: ولعله قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه" [و] قد كان معلوما في ذلك الوقت أن أبا بكر كان مستثنى.
    فإن قالوا: الفرق في ذلك أنكم لا تنكرون روايتنا في علي، ونحن ننكر روايتكم في أبي بكر.
    قيل لهم: إن العجز كل العجز أن تعيد على خصمك بشئ لا يعجزه. فإن أبوا إلا جحد الأخبار وتكذيب الآثار والإيجاب على الناس ما لا يوجبون لهم مثله فإن الذين نقلوا أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه" لم ينقلوا معه في الحديث: "اللهم وال من والاه وعاد من عاداه".
    وإنما سمعنا هذه الزيادة من الشيع، ولم نجد له أصلا في الحديث المحمول
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:35

    .
    روى الأعمش - وكان رافضيا - عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة عن أبيه قال: بعث النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] عليا في سرية واستعمله عليهم، فلما جاء قال: كيف رأيتم صاحبكم؟ قال: فإما شكوته وإما شكاه غيري، وكنت رجلا مكبابا، فرفعت رأسي فإذا النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قد احمر وجهه وهو يقول: "من كنت وليه فعلي وليه".
    فواحدة أن الذي روى هذا الأعمش، وهو ظنين في علي مضعف عند أهل الحجاز. وسعد بن عبيدة ليس هناك.
    وثانية أنه لم يقل من كنت مولاه، وقال: "من كنت وليه" فإذا اختلفت الألفاظ دل ذلك على الوهن. ولم يقل: "اللهم عاد من عاداه ووال من والاه". ونحن نشهد أن من كان النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وليه فسعد بن معاذ وليه. وعلى أنهم قد رووا في شكاية أقوام في تلك الغزاة لعلي كلاما قبيحا.
    ووجه آخر مما يدل في هذا الحديث على الاختلاف والوهن: أنهم نقلوا أن هذا القول في علي كان أن عليا جارى زيد بن حارثة في بعض الأمر، ولاحاه فيه، لأنه أغلظ له فرد عليه زيد مثل مقالته، فقال له علي: تقول هذا القول لمولاك؟ فقال زيد: إنما ولائي لرسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، ولست لي بمولى. فأتى على النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، فشكا إليه زيدا، فقال النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "من كنت مولاه فعلي مولاه". وصدق النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أن عليا مولى زيد، إذ كان النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] مولاه، وكذلك العباس والفضل وعبد الله وقثم وتمام ومعبد.
    وإذا كانوا هؤلاء موالي زيد لأن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] مولاه، فلعلم النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] من ذلك ما ليس لهم جميعا فإنما أراد النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أن يعلم زيدا غلطه في ذلك القول، حين ظن أن ابن عم النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ليس مولاه.
    فإذا كان أمر على وزيد مشهورا عند أصحاب الآثار، فإنما عنى مولى النعمة، وليس في هذا إخبار عن فضل على في الدين.
    ولو كان النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال كما زعمت الروافض: "اللهم عاد من عاداه ووال من والاه" كان هذا القول يدل على أن زيدا قد أتى جرما عظيما، فلم يكن ليتخطى دعاء النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] على من عادى عليا إلى غيره إلا بعد وقوعه به. لأن زيدا هو المشتكى، ومن أجل صنيعه خرج النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] إلى مثل هذا القول الشديد، وهذا الدعاء القاصم، ومن قوله ومذهبه غضب عليه، وعليه نص وإياه عنى.
    وإنما يقول هذا ويجوزه من لا علم له بقدر زيد عند النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. أوما علمت أن زيدا أحد من روى الناس عنه ونقلوا أنه كان أقدم الناس إسلاما. وقد دللنا على فضيلة إسلامه على إسلام علي في صدر كتابنا، في كلام العثمانية.
    وقد بلغ من قدره عند النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وتفضيله إياه أنه لم يكن في سرية قط إلا كان أميرها، ولا أقام ببلاد إلا وهو أميرها.
    ويدلك على ذلك أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أمّره على جعفر الطيار، وعقد له يوم مؤنة، ثم عقد لابنه أسامة على كبار المهاجرين والأنصار، منهم عمر بن الخطاب وسعيد بن زيد وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص. حتى قال رجال من المهاجرين - وكان أشدهم في ذلك عياش بن أبي ربيعة -: يولي علينا هذا الغلام! فغضب عمر ورد عليهم، ثم أتى النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فقال: ألا أعجبك يا رسول الله من رجال يقولون كذا وكذا؟ فمشى النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] إلى المنبر في شكاته التي توفي فيها فقال:
    ما مقالة بلغتني عن بعضكم في أسامة وتأميره، ولئن طعنتم في إمارته لقد طعنتم في إمارة أبيه، وايم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن ابنه لخليق لها، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وابنه لمن أحب الناس إلي.
    فهو الحِبّ وأبو الحب، وهكذا يقال بالمدينة: أسامة الحب.
    ولذلك قال عمر لابنه عبد الله حين زاد في فريضة أسامة على فريضته، فقال له عبد الله: لم فضلته علي ونحن سيان؟ فقال عمر: إن أباه كان أحب إلى النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] من أبيك، وكان هو أحب إلى النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] منك.
    وقالت عائشة عند وفاة النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: لو كان زيد حيا لاستخلفه النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] عليكم.
    هذا وأبوها الخليفة والمجعول إليه الإمامة.
    ومما يدلك على فضيلة أبي بكر ومكانته وخاصته من النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وعظم شأنه عنده، أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [لما] آخى بين المهاجرين والأنصار آخى بينه وبين حمزة، وإليه أوصى حمزة يوم أحد. وقد تعلمون أن حمزة استشهد وهو أجل الناس في صدور المؤمنين، وأعظم في أنفس المهاجرين. وإن امرأ يكون كفئا لحمزة في الإخاء، وحمزة على ما وصفنا، لعظيم الشأن، رفيع المكان.
    ولو لم يعرف من قدره إلا أن ذكره الله باسمه في كتابه، كما ذكر لقمان، ولم يفعل هذا لغيره من هذه الأمة، لقد كان ذلك دليلا على المنزلة والقربة، فكيف يجوز أن يكون في الحديث: "اللهم عاد من عاداه ووال من والاه" وحال زيد وصفته على ما ذكرنا وفسرنا؟ مع أن اللفظ في الحديث لو كان: "اللهم عاد من عاداه ووال من والاه"، لم يكن فيه دلالة تضطر إلى إمامته، وحجة تقهر العقول وتحملها على معرفة خاصته، ولكنه لفظ يدل على الفضل والقدر، وليس بالتفضيل الذي لا بعده، والتقديم الذي لا فوقه.
    وإنما الكلام الذي لا بعده قول النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "ما أحد أمنّ علينا بصحبته من أبي بكر" وقوله: "لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا" وقوله: "أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين".
    فإذا كان هذا الحديث مختلفا في أصله وفي صحة مخرجه، ومختلفا في تأويله وفرعه، والحجة في أصله متدافعة، والحجة في فرعه متكافئة، فكيف يكون جحد على إمامته واستحقاقه وفضيلته على نظرائه.
    ولو كان هذا الحديث مجتمعا على أصله وصحة مخرجه، ثم كان لفظه محتملا لضروب التأويل، ما كان للروافض فيه حجة تقطع الخصم وتظهر المباينة.
    ولو كان هذا الحديث مجتمعا على أصله وصحة مخرجه وكان لا يحتمل من التأويل إلا معنى واحدا، ما اختلفت في تأويله العلماء، ولا اضطربت فيه الفقهاء، ولكان ذلك ظاهرا لكل من صح لبه، وحسن بيانه، ولا سيما إذا كان الحديث ليس مفصحا عن نفسه، ومعربا عن تأويله، إلا عن قصد الرسول وإرادته، لأن يكفيهم مؤونة الرواية والأسباب المشككة. فينبغي على هذا القياس أن يكون علماء العثمانية وفقهاء المرجئة تعرف من ذلك ما تعرف الروافض، ولكنها تجحد ما تعرف وتنكر ما تعلم.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:37

    ولو كان هذا الحديث مجتمعا على أصله ولكنه غامض التأويل، وعويص المعنى، لا يكاد يدركه إلا الراسخ في العلم، البارع في حسن الاستخراج، كان العذر في جهل إمامته وفضيلته على غيره واسعا مبسوطا لأكثر المسلمين، وجل الناقلين، ولكبراء المتكلمين.
    وإنما صارت الروافض إلى إكفار الأنصار والمهاجرين بزعمهم أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] نص على إمامته، ودل على فضيلته، فإنه لا بد للناس في كل عصر من إمام من ولده، لأن ذلك الموضع إذا كان مقنعا ومعلما كان أخف على الناس في المحنة، وأبعد من الخطأ والزلل، ولأن اختيار الله لهم لأنفسهم، لأنه لو كان ذلك لا يكون إلا بالنظر دون النص لم يصلوا إلى إقامته، لكثرة عدد الناس، ولكثرة عدد الفضل، ولما في ذلك من الاشكال عند الموازنة، والشغل عن العدو.
    فإذا كان السبب في الإمامة هو الذي قالوا: فلا بد من حديث لا يحتمل التأويل، ولا يمنع من معرفة صحة أصله وصدق مخرجه.
    فإن قالوا: فإنا سنأتيكم بمثل اللفظ الذي أتيتمونا به حتى لا يكون لفظ أدل على الغاية منه. من ذلك قول النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] عند طائر أتي به فأراد أكله فأحب أن يشركه في أكله أحب الناس إلى الله فقال: "اللهم آتني بأحب عبادك إليك يأكل معي هذا الطائر" ثم قال لأنس: اخرج فانظر من ترى بالباب؟ فخرج فوجد عليا فلم يأذن له، ولم يُعلم النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] مكانه طمعا أن يكون أنصاريا، ففعل النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ذلك ثلاثا، كل ذلك يحجبه أنس، ثم أدخله، فلما طلع قال: "اللهم وال".
    قيل لهم: أما واحدة فإن هذا الحديث ساقط عند أهل الحديث، ولو كان صحيحا عندهم فلم يجئ إلا من قبل أنس فقط، وأنس وحده ليس بحجة، فلم يكن في ذلك مقال ولا متكلم.
    وثانية: إن أولى الناس ألا يحتج بخبر أنس لأنتم معشر الشيع، لأن أنسا عندكم كافر كذاب.
    ولقد بلغ من سوء قولكم فيه أنكم زعمتم أنه كذب على علي، كذبه وبهته بأمر، فدعا الله عليه ثم بصق في وجهه فبرص من قرنه إلى قدمه. وأنتم تكفرونه بعمله للحجاج، وتزعمون أنه ليس في الأرض أكفر بالله ولا أجحد لإمامة علي ولا أنقض لأمره ولا أقتل لشيعته من الحجاج ولا من ولاه، وأن من ولي لهما في طريقهما وحكمهما.
    وأخرى أنه إن كان هذا الحديث كما تقولون وقد صدقتم على أنس، فقد زعم أنس بزعمكم أنه كذب النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في موقف واحد ثلاث مرات، وقد أمسك النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] عن الطعام وهو يشتهيه، فأحب لشهوته له أن يشركه فيه أشبه الناس به، فدعا ربه، وأنه إذ دعا ربه ثلاث مرار كل ذلك يستجيب له، وكل ذلك يراه أنس ويكذب له ويصده عن حاجته، ويمنعه سرعة الاستجابة، وتعجيل قضاء الحاجة، وتسويغه أكل المشتهى من طعامه. كلما دعا دعوة: قال اخرج يا أنس فانظر من بالباب، ثقة منه بربه، واتكالا على الذي عنده له، ويرجع وقد كتمه وحجبه عنه، ومنعه سرور تعجيل الدعاء وأكل شهي الغذاء.
    فإن كان أنس كما تقولون فقد ركب أمرا عظيما، وذهب مذهبا قبيحا. وكيف يصدق على النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] من خلقه بهذا وكذبه في وجهه ثم لا تمنعه الأولى من الثانية، والثانية من الثالثة. هذا والوحي ينزل بأسرع من الطرف بلعن قوم ومدح آخرين.
    وإن امرأ احتملت نفسه وشاع في طبعه أن يواجه النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بالكذب ثلاث مرات في أحب الناس وأوجبهم حقا عليه، لحري ألا يصدق عليه في معظم أمر الدين، مع أن الحديث نفسه هو أضعف حديث عند أصحاب الأثر من أن يحوجنا إلى الإطناب فيه والإخبار عنه.
    ومتى ادعينا ضعف حديث وفساده فاتهمتم رأينا وخفتم ميلنا أو غلطنا، فاعترضوا حمال الحديث وأصحاب الأثر، فإن عندهم الشفاء فيما تنازعنا فيه، والعلم بما التبس علينا منه.
    ولقد أنصف كل الإنصاف من دعاكم إلى المقنع مع قرب داره وقلة جوره. وأصحاب الأثر من شأنهم رواية كل ما صح عندهم، عليهم كان أولهم، مع أن هذا الأمر ليس يعرف من قبل الحديث، وإنما يعرف من الوجه الذي به يقضي على جميع الدين.
    وإنما احتججنا عليكم في أنس بالذي سمعتم، لأنا وجدناكم تكفرونه حتى إذا جرى سبب يؤكد ما تقولون جعلتم كفره إيمانا، وكذبه تصديقا، وعداوته ولاية. ثم لم ترضوا بأن ألحقتموه بالأولياء وأخرجتموه من حدود الأعداء، حتى أقمتم خبره وحده مقام خبر من يكذب آيًا به، أو مقام خبر يمتنع الكذب في مجيئه لاختلاف علل أهله.
    فأما نحن فإنا نرى أنه رجل عظيم الحرمة واجب الحق، إذ كان قد خدم النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] صغيرا واعتصم به كبيرا، وكان من رهط صدق.
    وأما ما حكيتم من ولايته للحجاج فقد ولي للحجاج وصلى خلفه من كان يرى إكفاره فضلا عن من يرى تفسيقه، وفي البراءة منه وفي التقية سعة، وفي الخوف عذر.
    فأما الذي حكيتم من البياض الذي أصابه فإن المؤمن بعرض مصائب ما كان في دار الدنيا. وما كان الذي أصابه في جنب الذي كان فيه أيوب النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]؟ وقد كان شعيب مكفوفا!
    ولو كان على كما يقولون فأراد أنه كان إذا بصق على إنسان فأراد أن يبرص برص، لما كان بينه وبين عيسى بن مريم [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فرق.
    والعجب إن كان كما تزعمون، كيف لم يبصق على أبي موسى فيجذمه، أو على جيش صفين فيهزمه؟ بل كان علي أظهر سلما وأرجح حلما وأشد ورعا وأكثر فقها وأبين فضلا من أن يدعي هذا وشبهه.
    وليس يمدح عليا بما لا يليق به إلا هازل أو جاهل.
    وأما قولكم إن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال: "أنت مني كهارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" وأن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أراد بهذا أن يعلم الناس أن عليا وصيه وخليفته، فإنا سنقول في ذلك، وبالله وحده نستعين.
    نقول: إن خلافة الرجل لا تكون إلا في إحدى منزلتين: إما في حياة المستخلف وإما بعد موته. ولم يقل أحد إن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] استخلف عليا في غزوة من غزواته، في كثرة ما غزا وكثرة ما ولّى.
    قالوا بأجمعهم: إن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] خلفه في غزوة تبوك، واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة، وقال قوم: المستخلف ابن أم مكتوم. وهم إن اختلفوا فلم يختلفوا أن عليا كان مقيما بالمدينة والأمير غيره، والإمام سواه.
    ولولا أن خلفاء النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في غزواته يصاب عليهم بكل مكان، وفي كل سيرة، لقد كتبته لك في كتابي الذي رددت فيه على من صغر قدر الإمامة وزعم أنها غير واجبة، وأنها تصلح في العدد الكثير. وأما غير ذلك من كتبي فلم أنتحل فيه قولي، وجعلت الكتاب هو الذي عبر عن نفسه، وقمت مقام جميع الخصوم، وجعلت نفسي عدلا بينهم. ولو لم أكن على ثقة من ظهور الحق على الباطل لم أستحل كتمانه مع زوال التقية، وصلاح الدهر، وإنصاف القيم.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:38

    ثم رجعنا إلى كلامنا الأول فقلنا: لا بد لخلافة الرجل من إحدى منزلتين: إما في الحياة أو بعد الموت: فأما في الحياة فلا يستطيع أحد أن يقول: إن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] استخلف عليا في حياته. وليس يضع ذلك من علي، لأن أبا بكر وعمر الذين هما عندنا أولى بالأمر منه لم يستخلفهما النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قط في حياته. أو تكون الخلافة بعد الموت، فلا يجوز أيضا أن يكون النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] عنى بقوله: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" الخلافة لعلي بعده، والذي قد علم أن هارون قد مات قبل موسى: لأن هارون وموسى وأمهما ماتوا جميعا في شهر واحد، وكان موسى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] آخرهم موتا. ولذلك قالت بنو إسرائيل لموسى: أنت قتلت هارون.
    فإن قالوا: ومن يقول: إن هارون مات قبل موسى؟
    قيل لهم: إن شئتم فاعترضوا أصحاب التفسير والسيرة، والتمسوا علم ذلك من قبل أصحاب ابن عباس، وإن شئتم فأهل الكتاب يهودهم ونصاراهم الذين ليس لهم في ذلك دفع مضرة ولا اجتلاب منفعة، ولو آثروا أن يجحدوا ما عرفوا، وأن يطبقوا على إنكار ما علموا، وكان ذلك ممكنا في القدرة، سائغا جائزا، لجحدوا أن بني إسرائيل أخذت موسى بقتل هارون تعنتا وبغيا، أو غلطا أو جهلا.
    وهذا مشهور عند أهل الكتاب وأهل التفسير.
    وليس أحد أحق بأن يصيب في الأمثال إذا ضربها، ولا أولى بحسن التشبيه إذا شبه، من خيرة الله وصفوته من رسله، فكيف يجوز أن يقول النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لعلي: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" وهو يريد الخلافة، وهارون لم يكن من موسى خليفة من بعد موته، ولم يكن على خليفة النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في حياته. ففي أي المنزلتين وعلى أية الحالين يكون على خليفة إذ لم يكن استخلفه النبي أيام حياته. بل كيف يجعله من نفسه بمنزلة هارون من موسى وهو يريد الخلافة من بعده، وهارون لم يكن خليفة موسى بعده.
    ولا بد للحديث مع سوء تأويلكم واضطراب حجتكم من ضربين:
    إما أن يكون باطلا لم يتكلم به النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. وإما أن يكون حقا ومعناه غير ما قلتم. وتفسيره غير ما ادعيتم.
    ولو أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أراد أن يجعل عليا خليفة من بعده إذ لم يكن جعله خليفة أيام حياته، لقال: "أنت مني بمنزلة يوشع بن نون إلا أنه لا نبي بعدي" لأن يوشع كان خليفة موسى في بني إسرائيل بعده، وكان نبيا قبل موت موسى وبعده.
    فإن قالوا: إن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لم يقصد إلى الخلافة ولم يرد الإمامة، ولكنه عنى الوزارة.
    قلنا: إن وزارة هارون من موسى لا بد فيها من أحد أمرين:
    إما أن يكون موسى هو جعل له ذلك وهو وزيره على جهة ما يتخذ الإمام وزيرا والملك وزيرا على معنى الاختيار والاستكفاء والثقة.
    أو يكون وزيره على جهة المؤازرة والمكاتفة والتعاون، على أن كل واحد منهما وزبر صاحبه ومعاونه ومكاتفه، إذا غاب عن قومه كان الآخر خليفته، لا على أن موسى الجاعل ذلك له.
    ولا منزلة لهارون من موسى إلا هاتين المنزلتين في جهة الخلافة والوزارة، لأن نبوة هارون لا تكون من قبل موسى، والنبوة لا تكون إلا من قبل الله.
    وليس يخلو قول موسى لهارون: {اخلفني في قومي} عن ضربين: إما أن يكون هو جعله خليفته على جهة الاختيار والاستكفاء والثقة به، وإما أن يكون خليفة على أن يكون كل واحد منهما إذا غاب عن قومه كان الآخر خليفته.
    فإن كانت وزارة هارون وخلافته لموسى إنما كانت منزلتين أنزله فيهما موسى، وليست لهارون من موسى منزلة غيرهما، فقال النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" فكأنما قال: لك خلافتي ووزارتي، فكيف يقول: إلا أنه لا نبي بعدي، والنبوة منزلة من الله لهارون وليست منزلة لهارون من موسى. فإذا كان ذلك كذلك فكيف يستثني الحكيم المرشد الشئ من [غير] شكله؟ وهل يكون بعض من غير كله؟
    وكيف يقول: قد جعلتك خليفتي ووزيرا، إلا أني لم أجعلك نبيا مثلي، ومنزلة النبوة ليست إليه كما كانت منزلة الخلافة والوزارة إليه. وإنما قوله: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" يريد به: إن لك مني مثل الذي كان لهارون من موسى، وهو الخلافة والوزارة. فكيف يقول: "إلا أنه لا نبي بعدي" فيستثني ما لا يملكه ولا يجوز أن يملكه، مما قد ملكه ويجوز أن يملكه من هو دونه من خلفائه ومن خلفاء خلفائه.
    أو يكون هارون كان وزير موسى على جهة المؤازرة والمعاونة، وعلى أن يكون كل واحد منهما وزير صاحبه وخليفته عند الغيبة وحضور الآخر، ليس أنه قد كان خليفة ووزيرا، وإن كان ذلك كذلك فليست لهارون من موسى منزلة من الوزارة والخلافة إلا ولموسى من هارون مثلها. وإذا كان ذلك كذلك فقد صارت خلافتهما ووزارتهما كنبوتهما أو رسالتهما. وإذا كان ذلك كذلك فكيف يجوز أن يقول النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لعلي: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى"، وليست لهارون من موسى منزلة إلا ولموسى مثلها من هارون؟ وكيف يجوز أن يقول النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ذلك لعلي ومنزلة هارون من موسى منزلة النبي من النبي، والشكل من الشكل، والمثل من المثل، وهي منزلة من الله كما أن نبوة موسى منزلة من الله؟
    وكيف يقول: "إلا أنه لا نبي بعدي"، وسبيل النبوة سبيل منزلة هارون من موسى على ما حكيناه من التعاون والتآزر؟
    وإذا كان هذا الحديث لو صح في أصله وأول مخرجه، وسلم من الزيادة والنقصان وجاء مجئ الحجة، لم يقدر القوم على أن يجعلوه دليلا موجبا وشاهدا صادقا على خلافته وإمامته دون غيره، فما ظنك به إن كان قد دخله من الخلل والضعف والاحتمال في الفساد ما يوجب تكذيبه ورده.
    وأقل ما للعثمانية في هذا الحديث أن يساووكم في تأويلكم، وفي ذلك الخلاف بطلان حجتكم.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:40

    وقد زعم ناس من العثمانية أن هذا الحديث باطل من أجل أنه لا يحتمل من التأويل إلا ما حكيت لك، وأن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لا يعلن ولا يظهر غير ما يضمر، ولا يتكلم بالفاسد، ولا يستكره المعاني، ولا يتكلم بالمتعقد، ولا يضرب مثلا ولا يشبه شيئا بشئ إلا وذلك الشئ وفق ما قال: لا يزيد عليه ولا ينقص عنه.
    ووجه آخر: أن هذا الحديث لم يرو إلا عن عامر بن سعد.
    فواحدة إن عامر بن سعد هذا لو كان بالفقه والحديث والفضل معروفا وكان كأمثاله من بني الصحابة كعبد الله بن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن وغيرهم، ما كان ليكون وحده حجة في تأخير أبي بكر عن مقامه. فكيف وهو في غير سبيلهم وطريقهم.
    ولو سمعنا هذا الخبر من سعد وحده ما كان إلا حجة على نفسه، كالحجة على علي في روايته أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال في أبي بكر وعمر: "هذان سيدا كهول أهل الجنة".
    وكيف يروي هذا سعد مع قوله في الإمامة: "ما أنا بقميصي هذا أحق مني بها" وهو يدعو عليا إلى الشورى والمخايرة والمكاثرة بالمحاسن، ويقول: "أعيدوها شورى كما كانت". ويعيب عليا بالاستبداد، ويقول: "كنت سابع سبعة مع النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، ما لنا طعام إلا ورق الشجر، ثم جاءني أعرابي يعلمني دين الله، ما أنا بقميصي هذا بأحق مني بها".
    وإنما فخر بأنه كان سابع سبعة على علي لأن عليا لم يكن فيهم عنده، وكان إما حدثا صغيرا وإما على أمر غير ذلك.
    وسعد من العشرة، ومن الستة، ومن السبعة، والمستجاب الدعوة، وقال له النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "ارم فداك أبي وأمي". ومن كان لهذه الأمور مستحقا لم يجمع بين طلب مخايرة رجل ومكاثرته بالمحاسن وهو مقر أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] جعل خصمه منه بمنزلة هارون من موسى، إلا أن يكون تأويل الحديث عند سعد وعند من شهد سعدا على غير معناكم.
    وحديث عامر على غير ما يروون، وإنما قال: "أنت مني بمنزلة هارون بن موسى، إلا أنه ليس معي نبي" هكذا رووه عن عامر بن سعد على غير معناكم.
    وفي قول النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "هذا خالي أباهي به فليأت كل امرئ بخاله" تفضيل له على كل خال في الأرض، وقد كان علي خال جعدة بن هبيرة، ولم يستثن أحدا.
    فإن قالوا: الدليل على ما قلنا أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لما آخى بين المهاجرين والأنصار آخى بينه وبينه، فلولا أنه كان أشبه الناس به هديا، وعلما وفضلا لم يجعله عدل نفسه دون غيره.
    قيل لهم: أنتم ليس لكم علم بالأثر ولا بالخبر. وكيف يعرف الآثار والأخبار من يكفر الأسلاف، ويبرأ من التابعين، ويجحد كل ما لم يوافق هواه، ويدعي ما وافق هواه وإن كان باطلا، بل لا يرضى حتى يتقول الزور ويولد الباطل.
    وليس شئ أيسر من أن يقول قائل: إن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لما آخى بين أصحابه آخى بين نفسه وبين أبي بكر. ولكن الحق أحق ما خضع له واحتمل ما فيه. وهذه الفقهاء وأصحاب الآثار عرضة لكم، فإن لم يقولوا إن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لما آخى بين المهاجرين والأنصار آخى بين علي وسهل بن حنيف فنحن أولى بجحد المعروف منكم. وقد قال الله: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
    وأنتم لستم أصحاب آثار، فاسألوا أصحاب الآثار إن كنتم لا تعلمون، فإن ذلك أمر مشهور لا خفاء به، ولا دافع له، أعني المؤاخاة بين علي وسهل بن حنيف.
    ولثقة علي به استعمله على المدينة حين خرج عنها. ومن أجل سهل بن حنيف امتنع الزبير وطلحة أن يركبوا عثمان بن حنيف والي علي على البصرة بأكثر مما كانوا ركبوه به. ولذلك السبب صلى أبو أمامة بن سهل بن حنيف بالناس في مسجد الرسول [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وعثمان محاصر، لرأي علي كان في ذلك، ولغلبته على الدار، وأنه كان يطاع بأكثر من طاعة الزبير وطلحة وسعد.
    وإنما آخى النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بينه وبين سهل بن حنيف الأنصاري كما كان آخى بين عثمان بن عفان وأوس بن ثابت. ولذلك قال حسان يحامي دونه وينصره بالكلام والشعر، ويظهر الميل على علي حين قال:
    يا ليت شعري وليت الطير تخبرني * ما كان شأن علي وابن عفانا
    لنسمعن وشيكا في دياركم * الله أكبر يا ثارات عثمانا
    ولذلك قال في كلام له وهو يعتمد رأي علي واختياره: ثكلت أم نزال حرب لقي ابن أبي طالب كفاحا، وسعدت أم نزال رأي لقي ابن أبي طالب سهوا. في كلام كثير، وشعر كثير.
    وكما آخى النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بين أبى الدرداء وسلمان، وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، وبين حذيفة وعمار، وبين حمزة وزيد، وبين أبي بكر وعمر.
    فإن قالوا: فلعل النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] آخى بين علي وبين نفسه، وبين علي وبين سهل بن حنيف، وهذا ما لا يتدافع، كما كان يؤاخى بين الرجل المهاجري وبين الأنصاري، وقبل ذلك ما آخى بين المهاجرين بعضهم في بعض، فكان الرجل منهم تصير المؤاخاة بينه وبين اثنين: مهاجري وأنصاري.
    قلنا لهم: أما واحدة فإنا لم نجد لقولكم إن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] آخى عليا إسنادا يثق به أصحاب الحديث، فضلا عن أن يكون جاء مجئ الحديث. ولو كان النبي عليه السلام حيث آخى بين المهاجرين ولم يرض لعلي إلا بنفسه لفضلِ علي على غيره وأنه أشبه الأمة به وأقربهم حالا من حاله، ثم آثر أن يؤاخي بينه وبين رجل من الأنصار كفعله بغيره من المهاجرين - كان ينبغي له أن يؤاخي بينه وبين أفضل الأنصار؛ إذ كان الذي يمنعه من أن يؤاخي بينه وبين بعض المهاجرين طلب أفضلهم، وكان ينبغي على هذا المذهب أن يؤاخي بينه وبين سعد بن معاذ.
    فإن قالوا: سهل بن حنيف أفضل من سعد ومن حمي الدبر ومن غسيل الملائكة ومن مكلم الذئب ومن غيره، لم يكن هذا منكرا من مكابرتهم وجهلهم.
    فإن قالوا: إنه جائز أن يؤاخى بين غير الأشكال في الفضل، وجائز ألا يؤاخى بين المتساوين والمتقاربين.
    قيل لهم: فلعل أيضا النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لم يؤاخ بين نفسه وبين علي - إن كان آخاه كما زعمتم - من قبل تقارب الحال والمشاكلة في الأفعال. ولعل النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لم يؤاخ عليا رأسا إذا أجاز ألا يؤاخى بين الأشكال، ولا يقارب بين الأمثال. وأدنى ما فيه أن يكون ذلك قد كان جائزا.
    فإن تركوا هذا أجمع وقالوا: كيف يجوز أن يكون أبو بكر هو الإمام وقد كان النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] جعله في جيش أسامة. وما زال يقول في شكاته: "أنفذوا جيش أسامة" يعيد ذلك ويكرره، إلى أن قبضه الله إلى جنته.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:42

    قيل لهم: إن في أمر النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] له أن يقوم مقامه في الصلاة بالمسلمين، وعائشة وحفصة قد اعتونتا ليصرفا ذلك إلى عمر، ويقولان: إن أبا بكر رجل رقيق لا يستطيع أن يقوم مقامك.
    وهو قد ودع المسلمين في حطبته التي خطبها في شكاته حين قال: "إن عبدا من عباد الله خيره الله بين الدنيا والآخرة فاحتار الآخرة". فبكى أبو بكر، فعجب الناس منه وقالوا: قال رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "إن عبدا من عباد الله" قالوا: وكان أبو بكر أعلمنا برسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. هكذا الخبر. ثم جاء جبريل في شكاته فقال: يا محمد، هذا ملك الموت يستأذن عليك ولم يستأذن على آدمي قبلك. قال: ائذن له. فأذن له جبريل حتى وقف بين يدي النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ثم قال: يا محمد، إن الله أرسلني إليك وأمرني أن أطيعك فيما أمرتني به، فإن أمرتني قبض نفسك قبضتها، وإن كرهت ذلك تركتها. قالوا: فسمع النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] يقول: "الرفيق الاعلى" فعلم أنه قد خير [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
    ثم كان عند كل صلاة لا يجد عندها إفاقة يقول: "مروا أبا بكر يصلي بالناس" ويقول: "أبى الله إلا أبا بكر" وفي قوله:" أبى الله أن يصلي إلا أبو بكر" دليل أن ذلك من قبل الوحي، مع قوله لعائشة وحفصة حين أرادتا صرف ذلك إلى عمر: "أنتن صواحبات يوسف، أبى الله ورسوله أن يصلي إلا أبو بكر" بالغلظ. فلو كان الخطب في ذلك صغيرا ما أغلظ النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لهما ولا اشتد عليهما.
    فإن قالوا: وما دعا عائشة إلى صرف هذا الأمر العظيم والمقام الشريف إلى عمر؟
    قيل: فإنه ليس عندنا في ذلك إلا ما اعتذرت هي به لنفسها، فإنها قالت: إني والله ما أردت صرف ذلك على أني لم أعرف شرفه وخطره، ولكني خفت أن يتشاءم المسلمون به، وألا يحبوا رجلا قام مقامه أبدا.
    فأما حديث الربيع بين صبيح عن الحسن فإنه زعم أنها قالت: خفت ألا يطبق حمل الخلافة، وظننت أن الناس سيريدون منه مثل ما تعودوا من النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وعلمت أن أحدا لا يكون كالنبي.
    فإن كان النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] جعله في جيش أسامة فقد استثناه حين اشتكى من جميع الجيش، إذا استخلفه في مقامه وأمره بالصلاة لأمته، لأن من صلى في مقام النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وفي مسجده ومصلاه، في أعياده وسائر أيامه، فقد صلى بجميع الأمة، وتأمر على جميع البرية.
    وإنما أدخلنا فيها صلاة الجمعة والعيدين لأن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] حين قال: "أبى الله ورسوله إلا أن يصلي أبو بكر" لم يستثن صلاة دون صلاة. فإذا كان الكلام عاما والنبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] على يقين من فراق الدنيا، والوحي ينزل عليه، فقد دخل في ذلك صلاة العيد والجمعة، لأن النبي يتكلم كلاما عاما.
    وقد علم الله ورسوله أن الكلام العام يتخذه الناس حجة فيما يدل عليه العام.
    وقد علم الله أن أبا بكر سيصلي بالناس في أعيادهم وسائر صلاتهم، وأنه سيحتج في استحقاق أبي بكر بقول النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "أبى الله ورسوله أن يصلي إلا أبو بكر" فكان ذلك دليلا على أن الله قد أراد ذلك وأوجبه، وعناه وأحبه.
    فهذا دليل على أن أبا بكر لم يخالف أمر الله بتخلفه عن جيش أسامة إن كان أبو بكر ممن كان في ذلك الجيش قبل شكاة النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وأمره له بالصلاة.
    ووجه آخر يدل على ما قلنا. وهو أنا لم نجد أحدا من المسلمين ولا من الأنصار والمهاجرين ذكروا عنه في ذلك الدهر حرفا واحدا من ذكر تخلف أبي بكر، لا عاتبا زاريا، ولا مستفهما مسترشدا، ولا متعجبا ناقما، ولا مصوبا عاذرا. ولم يذكر أحد حديثا - ضعف إسناده أم قوي - أن أحدا احتج لأبي بكر ولا عليه.
    ولا يكون رجل في مثل نباهة أبي بكر وقدره، وفي مثل نباهة ما صار إليه، لأنه لا موضع أولى بشدة الحسد وكثرة الطعن منه، وقد كان منه التخلف الذي لا يخفى موضعه، مع توكيد النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وشدته على ذلك، ثم لا يلجأ في تخلفه إلى حجة ولا أمر من النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، ثم يطبق جميع الخلق في ذلك على السكوت والرضا والاستحسان أكثر مما صاروا إليه.
    هذا وبنو عبد مناف شهود، وخالد بن سعيد قد ترك بيعته ستة أشهر، وقال: أرضيتم معشر بني عبد مناف أن يلي عليكم رجل من تيم؟ وقال أبو سفيان بن حرب مثل ذلك. وقالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير. وقد سمع أبو قحافة رجة وهو بمكة، وهو مكفوف، فقال: ما هذا؟ قالوا: مات النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، قال: فما صنع الناس؟ قالوا: أقاموا ابنك. قال: فرضيت بنو عبد مناف بذلك؟ قالوا: نعم، قال: وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم. قال: فلا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع.
    وفي إطباق الجميع على السكوت على التخلف بعينه، مع قول خالد وأبي سفيان، دليل على أنهم لو وجدوا غميزة أو خلافا أو معصية لم يدعوا الاحتجاج به، والخوض فيه. ولو كانت التقية قطعتهم عن ذلك لقطعتهم عن ذكر الطعن في إمامته، كما قطعتهم عن ذكر الطعن في تخلفه.
    وفي رضا أسامة وتسليمه وسكوته وقناعته حتى لا يحكى عنه في ذلك كلمة واحدة، دليل على ما قلنا.
    فإن قالوا: إن أسامة قد عرف صنيعه في تخلفه ولكنه كان في تقية منه، لأن أبا بكر لو لم يكن هو المطاع في العوام، والمقنع في الدهماء، ما تقدم بني عبد مناف، وكان أسامة لا يستطيع أن يبدي في دهر عمر من ذلك شيئا، لشدة عمر في تعظيم أبي بكر، لأن الطعن في أبي بكر راجع على عمر، وأن رعية عمر هم رعية أبي بكر، وكذلك كان أسامة في دهر عثمان، لأنه نسق واحد وسبيل واحدة.
    قيل لهم: فما منعه أن يتكلم في دهر علي ومع علي يومئذ مائة ألف سيف يطيعه. وهل عندكم في أسامة أكثر من أن تدعوا على ضميره غير ما يدل عليه ظاهر عمله؟ وإن أولى الناس ألا يحتج بأسامة لأنتم، لأن أسامة هو الشاهد لطلحة على علي، حين قال علي: بايعتني ونكثت بيعتي؟ قال طلحة: "بايعتك واللج على قفي"، واستشهد أسامةَ. فقال أسامة: أما السيف على قفاه فلم أره ولكن بايع وهو كاره. في أمور كثيرة تدل على أن أسامة كان عمريا، ليس هذا موضع ذكرها. فهذا هذا.
    وفي إطباقهم جميعا يدعونه خليفة رسول الله من تلقاء أنفسهم، لا مكرهين ولا مقهورين، لم يرفع عليهم سوط ولا شهر سيف، ولا سمعوا وعيدا، ولا رأوا لذلك أثرا، ولا رأوا منه إمرة لبعض العشائر، فيخافون أن يتقوى بهم عليهم، مع كثرة العدد واختلاف الأنساب وتفرق الأهواء، و [في] الذي قبله، دليل على ما قلنا، وحجة على الذي ادعينا.
    ومما يقرب من قولنا قول النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "أنفذوا جيش أسامة" فقد يعلم المستدل أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] إنما قصد بذلك الأمر في خاصته والمطاعين، لأن قوله: "أنفذوا" دليل أنه قد كان هناك من ينفذ أمره، وإليه قصد بالأمر مقنعين غير ساخطين.
    ولو كان الأمر إنما كان لأسامة وأصحابه كان اللفظ على غير هذا.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:45

    فإذا كان ذلك كذلك، فمن أولى بأن يكون من المخاطبين المطاعين من أبي بكر وخليله وصفيه، على ما كتبت لك في كتابي هذا، مع أنا لم نبلغه ولم نستقصه، إما بالخوف منا والكراهة لإطالة الكتاب، وإما بالتقصير منا في معرفة جميع محاسنه.
    ووجه آخر: أنك لو جهدت أن تجد لحديث من زعم أن أبا بكر كان في جيش أسامة أصلا لم تجد، وإنما أتى عامة ذلك من قبل كون عمر في ذلك الجيش، لأن عمر وأبا عبيدة كانا من أول من انتدب في ذلك الجيش.
    ولما كان الناس كثيرا ما يرون عمر يجري مع أبي بكر غلطوا في ذلك في مواضع كثيرة، حتى جر ذلك على أبي بكر فرار عمر يوم أحد، فقال من لا علم له: وفر يوم أحد أبو بكر وعمر. وموقف أبي بكر والنفر من المهاجرين في يوم أحد أشهر من أن يطمس عليه جاحد.
    ومن ذلك أن عمر كان في جيش ذات السلاسل، فألحقوا به أبا بكر.
    فإن أبوا إلا أن يكون قد كان في ذلك الجيش فالجواب على ما قلنا.
    فإن قالوا: قد سمعنا مقالتكم. ولكن ما الدليل على أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أمر أبا بكر بالصلاة بالناس؟
    قلنا لهم: إنه ليس لأنه كان مأمورا بالصلاة فقط، ولكنه صلى بالناس سبع عشرة صلاة إلى أن توفى النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. وذلك أن النبي عليه السلام بدئ يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، ويوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول. وهذا هو السبب عندهم.
    وزعم أصحاب السير والأخبار أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] كان يأمر بلالا بالأذان، فإذا وجد إفاقة خرج يصلي بالناس، وإن اشتد ما به قال: "مروا أبا بكر يصلي بالناس" فكان النبي وأبو بكر يصليان على هذه الصفة.
    فإن أنكروا أن يكون النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أمر أبا بكر أن يصلي و [ادّعوا] أن هذه الأخبار كلها باطل، وأن العلة في هذه الأيام كلها لم تمنع النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] من الصلاة حتى مات.
    قيل لهم: أرأيتم هذا الذي قلتموه وادعيتموه، أشئ استخرجتموه أو سمعتموه؟
    فإن زعموا أنهم سمعوا قلنا لهم: فأتوا بفقيه واحد أو محدث يقول كما تقولون، ويحدث كما تزعمون. وجميع ما يدعى باطل.
    وإن كان إذا اعترضوا المحدثين والناقلين لم يجدوا أحدا إلا وهو يخبر بما قلنا، فالحق أحق أن يتبع. ولا يجوز أن يقولوا: إنا استخرجنا معرفة هذا المعنى، لأن الاستخراج لا يكون إلا من عيان أو خبر.
    أوليس قد كان النبي موضوعا على سريره حين زاغت الشمس يوم الاثنين إلى حين زاغت من يوم الثلاثاء، يصلى الناس عليه وهو على شفير قبره وأبو بكر يصلي بالناس؟
    فإن أتوا بحديث واحد أنه صلى بالناس في غير ذلك الوقت غير أبي بكر فالقول كما قالوا. وإن أتوا بحديث واحد أنه صلى بالناس غير أبي بكر أول صلاة صلاها المسلمون [حين] اختلفوا في تأمير الأمراء واستخلاف الخلفاء عليهم، كما قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فالقول كما قالوا.
    وهل يستطيعون أن يزعموا أنهم قالوا: منا مصل ومنكم مصل؟
    والعجب كيف لم يقولوا: إن عليا لم يزل هو المصلي بالناس والمأمور بالصلاة، فغُصب حقه وظلم مقامه؟
    وكيف يجوز أن يجئ رجل من أرضه وسمائه من غير نسب ولا سبب، حتى ينفذ من أشرف المقامات، بحضرة القرابة والعشيرة، من عم وابن عم، وقريب ونسيب، وجلة المهاجرين والأنصار، والعظماء وعلية قريش، ودهماء العرب، ثم لا يتكلم في ذلك رجل واحد؟ فإنما يقول هذا من لا يعرف قدر ذلك المقام في الصدور، وكيف طبائع قريش وأنفة العرب.
    فإن قالوا: كيف يكون أبو بكر إماما ولم يجتمع المسلمون على إمامته والرضا به؟ وقد قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، وقال سلمان: "كرداذ ونكرداذ". وقال خالد بن سعيد: أرضيتم معشر بني عبد مناف هذا. وقال أبو سفيان بن حرب مثل مقالته، وخرج الزبير بسيفه شادا، فلما رآه عمر قال: دونكم الكلب. وجلس علي [في] منزله واعتل بأنه آلى ألا يبرح حتى يجمع القرآن.
    قيل لهم: ليس الأمر على ما تقولون. ولو كان الأمر على ما تقولون ما كان خلاف هؤلاء ناقضا لأمره. لأن الرجل إذا كان أفضل الناس وأكمله وأنفعه للمسلمين وأرده عليهم، فعليهم إقامته والتسليم له والرضا به، لأن كل ما عددت لك من فضله هم كانوا أعلم به، إذ كانوا يسافرون معا ويقيمون معا، وكانوا أعنى بمعرفة الخير وأسرع إلى العلم به منا ومن أهل دهرنا.
    ولو كان أبو بكر تنتقض إمامته، وكان عليه اعتزال ذلك المقام، بخلاف رجل أو رجلين أو ثلاثة، كان أولى الناس بأن يكون له في الإمامة سبب ولاحق ومتعلق علي بن أبي طالب، لأن سعد بن أبي وقاص كان أحد الشورى وأحد الأكفاء، وقد أباه وقال قولا أبين من قول خالد وأبي سفيان وسلمان، قال: "ما أنا بقميصي هذا أحق مني بها، أعيدوها شورى، أما بالسيف فلا أريدها" وقال لرسل علي حين أرادوه على بيعته: "ثكلت أم لم تلدني، لئن كنت سادس ستة مالنا طعام إلا ورق البشام، وقد جاءني أعراب الأوس تعلمني دين الله؟" في كلام كثير.
    وخالفه طلحة والزبير وهما شريكاه، وأحدهما فارس النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، والآخر وقايته، فقال علي: بايعتماني؟ قال الزبير: ما بايعتك قط، إن كنت على يقين أنك أولى بها فاجعلها شورى بيعة وحق دعواك من باطله.
    وقال طلحة: "بايعت واللج على قفي" حين رقى إليه العساكر وطعنت عليه عائشة واستحلت محاربته. ثم اجتمع على حربه أهل الشام قاطبة، فيهم عبد الله بن عمر [و] وكعب بن مرة البهزي وكان من فضلاء أصحاب النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وهو الذي قال حيث قال النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "ستكون فتنة هذا فيها يومئذ على الحق" وأومأ إلى رجل مقنع، فكشف عن رأسه فإذا هو عثمان، فلما قتل عثمان وهو يكف عن القتال استنصر، فكان يحدث هذا الحديث.
    ومنهم واثلة بن الأسقع الليثي، وله صحبة ونسك، والنعمان بن بشير، ومسلمة بن مخلد، وحبيب بن مسلمة، وذو الكلاع، ومعاوية بن حديج.
    ومن التابعين أبو مسلم الخولاني، وشرحبيل بن السمط، وعمرو بن وافد الغامدي الذي قال [فيه] مكحول: كأنه قد مات ودخل النار وحوسب ثم رد إلى الدنيا، فمعه خوف المجرب.
    ثم خالف عليه خاصة إخوانه ونساك أصحابه وأهل البصائر من جنده وحمدت حتى أكفروه وخلعوا إمامته وولايته.
    وفيهم مع نسكهم وجدهم نفر من أصحاب رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، منهم فروة بن نوفل الأشجعي وحرقوص بن زهير، وفيهم من التابعين مثل رئيسهم عبد الله بن وهب الراسبي وزيد بن حصن الطائي.
    ولقد دعا محمد بن مسلمة إلى عونه، واعترض آخذا بسيفه، ثم كسره وقال: أضرب المسلمين بسيف ضربت به الكافرين؟
    فدعا زيد بن ثابت إلى عونه فأبى وقال: أنت والله تعلم أن لو شحا أسد فاه لألقمته كفي دونك، فأما أن أضرب بسيفي لأؤكد لك ملكا فلا.
    ودعا عبد الله بن عمر فقال حين أراده على بيعته: إني لن أنزع يدي من جماعة وأضعها في فرقة. وكذلك قال حين قيل له بعد ذلك: لو بايعت أخاك عبد الله بن الزبير. قال: إن أخي وضع يده في فرقة، وإني لن أنزع يدي من جماعة وأضعها في فرقة.
    وطعن عليه سعد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعلى طلحة وقال: "فتنة عمياء يخبط أهلها". قال طلحة: ابن عمك كان أعلم بي وبك حين جعلني في الشورى وأخرجك منها. قال: إن ابن عمي خانك وأمنني.
    ودعا إلى بيعته وعونه أسامة بن زيد فقال: إني إذن لمفتون!
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:46

    وأسامة هو الذي كان طلحة استشهده على قوله: "قد بايعت واللج على قفي" فسئل أسامة عن ذلك. فكلمه طلحة بكلام غليظ.
    وقول صهيب أيضا، وسلمة بن سلامة بن وقش. كل هؤلاء السبعة [ما منهم] إلا من شهد بدرا.
    وزعم ابن سيرين والشعبي أنهما قالا: وقعت الفتنة بالمدينة وأصحاب النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أكثر من عشرة آلاف، فقال: فما يعدون من خف فيها عشرين رجلا. فسميا حرب علي وطلحة والزبير وصفين فتنة.
    وكما قال الشعبي: من حدثك أنه شهد الجمل ممن شهد بدرا أكثر من أربعة نفر فكذبه. كان علي وعمار في ناحية، وطلحة والزبير في ناحية.
    وقد تعلمون أنه لم يكن في الأرض عثماني إلا تعلمون أنه منكر لإمامته، وهم أكثر عددا وأكثرهم فقيها ومحدثا. ولقد كان الرجل من أصحاب الآثار يظن به التشيع فيترك ويضعف ويتهم عند أهل العلم، حتى أنه كان يطويه ويستره أكثر مما يستر السوء يكون بجلده.
    فلو كان الفاضل الكامل تنتقض إمامته وتفسد عدالته من قبل خلاف أربعة أو خمسة، لما كان في الأرض أشد انتقاصا من إمامة علي.
    وأما قولكم: إن الأنصار قالت لقريش والمهاجرين: منا أمير ومنكم أمير! فهذا إلى أن يكون حجة عليكم أقرب، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله لو كان أقام عليا وجعله خليفة ووصيا ونص على ذلك بغدير خم، أو في بعض المغازي، ما كان بلغ من حربهم وعنودهم أن يقولوا هذا الكلام والإمام قائم الحجة معروف المكان.
    وكيف جاز أن يلغوا ذكره حتى لا يذكرونه في شئ من مخاطباتهم ومنازعاتهم إلا والقوم لم يكن عندهم فيه عهد ولا سبب. فهذه حجة قاطعة.
    وأخرى: الذي رأينا من قلة مبالاتهم من أقامه المهاجرون كائنا من كان، لأن قولهم: منا أمير ومنكم أمير، قول قوم كأنهم قالوا: لا بد لنا معشر الأنصار من أمير على حال، وأنتم بعد أعلم بشأنكم فأمروا عليكم من بدا لكم. وليس في هذا طعن على خاصة أبي بكر، كما أنه ليس فيه تأكيد لإمامته دون غيره.
    وهذا قول كان من نفر من الأنصار في سقيفة بني ساعدة، قبل أن يقوم فيهم أبو بكر خطيبا وواعظا، ومبينا ومحتجا. فلا يستطيع أحد أن يقول: إن أحدا منهم رد على أبي بكر خاصة كلمة واحدة. فليس في قولهم: منا أمير ومنكم أمير، خلاف على أبي بكر، وإن كان خلافا فإنما هو على الجميع.
    وإن كان هذا الكلام منهم حجة ما كان إلا على من زعم أن الإمامة غير واجبة، أما على من زعم أنها لأبي بكر دون علي فإنها غير لازمة.
    ولعمري لو كان القوم حيث قالوا: منا أمير ومنكم أمير قالوا: ولا يكون أميركم إلا علي أو فلان أو فلان، أو قالوا: الرأي لكم أن تجعلوا أميركم عليا أو فلانا أو فلانا، كان في ذلك ما يتعلق به متعلق ويشغب به شاغب. وهذا ما لا يحتج به عالم، لأن الحجة فيها للرافضة ألزم، وعليها أوكد.
    أما قولهم أن سلمان قال ما قال، فإنما سلمان رجل من عرض المسلمين، لا يصلح أن يكون خليفة، ولا يجوز أن يكون في الشورى ومع الأكفاء، فتنتقض به مريرة أو تبرم به، لأسباب:
    منها أنه ليس من المهاجرين، ولا ممن شهد بدرا ولا أحدا، ولا لقي في الله ما لقي نظراؤه عند الناس كبلال وصهيب وخباب وعمار، ولا كان من الذين آووا ونصروا، وذكروا في القرآن وقدموا.
    وكان حديث الإسلام قليل المشاهد، وإنما أسلم حين انحسرت الشدة وانكشف عنهم معظم الكربة، ولكنه كان من الصالحين ومن الفضلاء المخلصين، وكان عند النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وجيها، وعند خلفائه مقربا، وقد قال النبي فيه قولا حسنا، ولكنه ليس من الأكفاء في الإمامة وموضع الشورى والخلافة، فيكون قوله حجة تنتقض به الإمامة، وطعنه عليه يصرف الخلافة.
    ثم آخر: أنا قد وجدناه ولي لعمر بن الخطاب على المدائن، يقيم له الحدود ويجبي له الخراج، ويدعو له على المنبر، ويؤكد له خلافته، وينفذ أمره، مطيعا غير مكره، ومخلى غير مقصور، فولايته لعمر دليل على تصويب أبي بكر، ومطيع عمر أذعن لأبي بكر، ومعظم عمر أشد تعظيما لأبي بكر.
    ولقد كان يخرج آذن عمر والناس ببابه فيجعله في الفوج الأول. حتى روي عن أبي سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو في ذلك كلام مشهور: من ذلك أنهم كانوا بباب عمر في جلة من قريش والعرب، مثل عيينة بن حصن وغيره، إذ خرج آذن عمر فقال: أين بلال؟ أين سلمان؟ أين صهيب؟ أين عمار؟ ادخلوا. فتغيرت وجوههم واستبان الجزع فيهم، فأقبل عليهم سهيل بن عمرو واعظا ومعربا ومذكرا، فقال: دعوا ودعينا، فأسرعوا وأبطأنا [ولئن حسدتموهم] على باب عمر لما أعد الله لهم في الجنة أعظم.
    فما في الأرض عاقل يظن أنه يأذن لسلمان قبل أبي سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو، ويوليه بلاد كسرى وآل كسرى، وسلمان عنده ظنين في بيعة أبي بكر وناقم عليه.
    وقد بارك عمر أبا بكر في خالد بن سعيد بن العاص، حين عقد له على أجناد الشام، لكلمته التي كانت في بيعة أبي بكر، حتى عزله.
    فكيف يحتمل لسلمان الطعن والخلاف ثم لا يرضى له إلا بالولاية على بلاد كسرى، وسلمان لا يجري عند عمر مجرى خالد ولا قريبا؟
    ففي هذا دليل على أن سلمان لم يقل: "كرداذ ونكرداذ". وإن كانت هذه الكلمة حقا كانت ترجمتها بالعربية: صنعتم ولم تصنعوا، يقول: قد أقمتم فاضلا مجزيا ولو كان غيره كان أفضل منه.
    وأخرى فلو كان سلمان كان عنده أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] كان قد استخلف عليا ونصبه إماما وجعله وصيا لم يقل: صنعتم ولم تصنعوا، إلا أن قوله: "صنعتم" تثبيت لإمامته، فكأنه قال: هو إمام، لو كان غيره كان خيرا لكم منه. وليس على هذا بني القول.
    ولو احتج بهذا القول الزيدية كان أشبه من أن يحتج به الطاعن في إمامة أبي بكر حين قال: ارتد الناس كلهم عن الإسلام بإنكارهم إمامة علي والتسليم لمن أنكر، ما خلا أربعة نفر: سلمان والمقداد وأبو ذر وبلال. ثم زعموا أن حذيفة وعمارا تابا بعد عمر.
    ولئن كان بلال كما قالوا من الطعن والخلاف على أبي بكر وعمر، لقد شاركهما حيث ولي لهما دمشق، لأن عمر كان ولى بلالا دمشق، فكان أنفذ لامره من أبي عبيدة.
    وكيف يكون بلال طاعنا على أبي بكر وعمر حتى قد شهر بذلك من بين الخلق وعمر يوليه، ويقربه ويدنيه، ويقدم إذنه، ويلحق عطاءه بعطاء عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد، ويقول: "بلال سيدنا ومولى سيدنا" ومرة يقول: "أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا".
    ولا يجوز هذا القول من عمر من يجوز طعن بلال على أبي بكر، إلا جاهل بعمر، جاهل بأمر السلطان، وعز الخلافة.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:48

    فأما ذكرهم المقداد، فما علمنا ولا علم أصحاب الآثار أنه نطق في خلافة أبي بكر وفي نقضها، وفي خلافة علي وتوكيدها، بحرف قط، ولا وقف في ذلك موقفا، ولا قام في إنكاره [أ] و تثبيته مقاما، وما ندري بأي سبب ادعوه، إلا أن يكونوا ذهبوا إلى أن عليا رحمة الله عليه ربما كانت له الحاجة إلى النبي عليه السلام، فيكبر النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ويعظمه عن مواجهته بها، فيكلف ذلك المقداد.
    من ذلك حديث هشام بن عروة عن أبيه في الرجل إذا دنا من المرأة فأمذى ولم يمسها، فاستحيا علي أن يسأل النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] عن هذا من أجل ابنته، فقدم المقداد فسأله، فقال النبي عليه السلام: "يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ". وغير ذلك.
    والأغلب علينا أن المقداد لم يزل متنكرا لعلي، لأن المقداد حين خطب ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب إلى النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، بعث النبي إليها عليا بذلك يخبرها، وأنه قد رضيه لها، فكره علي ذلك، فرجع إلى النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وقال: رأيتها كارهة، فأرسل النبي إليها رسولا فقالت: أولم أخبر عليا أنني قد رضيت لنفسي بما رضي به النبي؟ فقام النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "يا علي قم فانظر من عن يمينك وعن شمالك. واعلم أنه ليس لك فضل على أسودهم وأحمرهم إلا بالدين". فهذا قد روي. والله أعلم.
    ولم يرو عن المقداد الطعن على أبي بكر في خلافته ليؤكد بذلك لعلي شيئا.
    وأقل ما ينبغي للمتكلم أن يعرف فروق الأمور، فإنه إذا عرف ذلك لم يتعلق من الأسباب إلا بأمتنها. فأما تجريد الباطل وكثرة الدعوى بلا سبب، فهذا جهد العاجز.
    ولربما تعلقوا بالسبب الضعيف، كالذي وجدوا لعمار بن ياسر من عداوة عثمان، وصنيع عثمان به، فلما كان عثمان عندهم في طريق عمر وأبي بكر وفي حيزهما جعلوا طعن عمار عليه طعنا عليهما، واحتجاج عمار لعلي احتجاجا عليهما.
    ولو اجتهدت أن تصيب لعمار موقفا واحدا أو كلمة طاعنة على أبي بكر وعمر وعثمان، فضلا عليهما قبل إحداثه وقبل أن يجرى بينهما ما جرى، ما قدرت عليه.
    وهل كان لعمر وال أنفذ لطاعته من عمار؟ ولقد رفع عليه جرير بن عبد الله، فجمع بينهما طمعا في ظهور حجته، والضرح عن نفسه، فلما لم يجد ذلك عنده قال: ما عندنا خير لك يا أبا اليقظان.
    ومن أجل ضعف عمار في الولاية وقوة المغيرة حين شكاهما أهل الكوفة قال عمر: "أعضل بي أهل الكوفة، إن وليت عليهم تقيا ضعفوه، وإن وليت عليهم قويا فجروه".
    فإذا كان عمار يخطب على منبر الكوفة بتوكيد إمامة عمر، ويأمر الناس بطاعته، ويقيم الحدود والأحكام بأمره، ويفتح الفتوح بتأميره، فيرى القتل والسبي وإحلال الفروج، غير مكره بوعيد ولا مقصور بإيقاع، فأي دليل أدل مما حكيناه.
    ولو أن طاعنا طعن في طاعة سهل بن حنيف وعثمان بن حنيف وأبي أيوب الأنصاري وأبي مسعود البدري، لعلي، هل كان عندكم في دفع ذلك إلا مثل ما عندنا من الدفع عن طاعة سلمان وبلال وعمار وأقل منه.
    فأما أبو ذر فزعم أصحاب الآثار أنه كان يعظم عمر بن الخطاب تعظيما ما عظمه أحد قط. فمن ذلك أن عمر صافحه يوما فعصر يده وكان أيدا، فصاح: يا قفل الفتنة! ومسح من وجهه العرق بباطن راحته، وعمر موعوك وهو يقول: بأبي رحضاؤك لو قدمت صرنا هكذا - وشبك بين أصابعه - أوجعتني! فخلاه وقال: ما هذا؟ فقال سمعت النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] يقول: "لن تزالوا بخير ما كان هذا بين أظهركم".
    وقال عمر لشاب: غفر الله لك! فقام إليه أبو ذر فقال: استغفر لي! وهو حديث فيه أمور كثيرة.
    ولو لم يجئ عن أبي ذر من هذا قليل ولا كثير لكان حكمه الرضا والتسليم، إذ لم نر منه طعنا ولا رأينا له متوعدا.
    ولو اعترضتم مائة من أصحاب النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فقلتم: إنهم كانوا طعانين على أبي بكر مؤكدين لخلافة علي، ما كان عندنا في أمرهم حديث قائم ولا خبر شاهد، أكثر من أن حكم الممسك عن الطعن والخلاف هو الرضا والتسليم.
    ولقد ينبغي لنا ولكم أن نتفكر في معنى كلمة سلمان فقد أكثرتم فيها، حيث قال صنعتم ولم تصنعوا، ومعنى هذا الكلام: إنكم قد أقمتم مجزيا وتركتم من هو أجزأ منه، فيجب أن نعرف الخلل الذي لم يسده أبو بكر ... التي لم يبلغها، والموضع الذي عجز عنه، ما هو؟ وأي ضرب هو؟ إلا أن امتحن بما لم يمتحن به أحد قبله، ولا يمتحن به أحد بعده، من قيامه في مقام رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، في عقب الذي تعود المسلمون من طريقته، وتعرفوا من سيرته في نفسه وفي أمته، ثلاثا وعشرين سنة - وهي السيرة التي لا تحتاج إلى الأخبار عن فضلها، والإطناب في تشريفها - فلم يغادر ولم ينحرف ولم يتغير، ولم يؤثر ولم يضعف.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:49

    وقد علمنا أن الذي عظم صغير ما كان من أمر عثمان، وشنع عظيم ما كان منه من الضعف وغير ذلك، الذي كان من إفراط جلد عمر، وشدة رأيه وشكيمته، ويقظته وخشونته، وثبات عزمه، وحمله نفسه على مذهب صاحبيه قبله. ولذلك قال عن ثلاث: "ما قتل عثمان غير عمر". فالفصل الذي بين النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وأبي بكر أكبر وأظهر من فصل ما بين عمر وعثمان. ولذلك قال عمر بن عبد العزيز: "ليس لله ستر أكثف ولا أسبغ من ستره على الصديق حين لم يتكشف إذ قام يعقب النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]".
    وقد تعلمون أن لو كان النبي غائبا عن المدينة في غزاة أو حجة، وارتدت العرب وانتقضت العهود وظهر النفاق وماج الناس، فوثب رجل من عرض أصحابه، فلم يزل باللين والشدة، والكف والإقدام، والبطش والحيلة، حتى رده في نصابه، وأعاده كأحسن عادته، ببذل النفس فما دونها، لقد كان صنع صنيعا عظيما، وفعل فعلا كبيرا.
    فكيف برجل قام بأمر الإسلام، وقد هتكت أستاره وتقطعت أطنابه ومرجت عهوده، منفرد بالرأي غير مستعين عليه، ولا مستوحش إلى غيره، بل خالفه الجميع في صوابه وما أوجده الرأي، ودل عليه النظر من عزمه، وقد أبى إلا صرامة وبصيرة وثقة، والنبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قد مات غير مخوف ولا متوقع قدومه، فرد أهل الردة قاطبة ما بين أعلى الحيرة إلى شحر عمان إلى أقاصي اليمن، وقمع النفاق بالمدينة وما حولها، وقتل مسيلمة واستفتح اليمامة، وأسر طليحة، ثم أوطأ خيله الشام، وجند الأجناد، ومنع الحوزة، ووطأ الأمر، وقتل العدو بكل مكان. ثم لم يستأثر بدرهم، ولم يكنز دينارا، ولم يخلف درهما، ولم يتفكه بغنيمة، وجعل عمالته مردودة على بيت مال المسلمين، ولذلك قال عمر: "رحم الله أبا بكر لقد شق على من بعده".
    فما الشئ الذي لو كان علي هو القيم به كان أجزأ منه، وبلغ منه ما لم يبلغه. وكيف يكون علي أجزأ منه ولم تغلق الفتوح إلا في زمانه، ولم تكن الفتن إلا على رأسه، ولم تخرج الخوارج إلا عليه. وهذا باب الكلام فيه على علي، ولكنا إذا فعلنا ذلك فقد دخلنا في الذي عبنا.
    مع أنك لو طفت في الآفاق تطلب لكرداذ ونكرداذ إسنادا. ولكنا قد روينا أن سلمان قال: "أصبتم الحق وأخطأتم المعدن" فنرى أنه إن كان قال هذا القول فإنما ذهب إلى أن الأمر لو كان في بيت النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وعلى التوارث الأقرب فالأقرب، كان أجدر ألا يطمع فيه ذؤبان العرب ودهاة العجم، على غابر الأيام، وتطاول الدهور.
    وسلمان رجل فارسي، وهذا كان شاهد كسرى، فتوهم أن حكم الكتاب والسنة كحكم تدبير السر والقائمين بالملك، فإنما تكلم على عادته وتربيته.
    ولعمري لقد كان في قوم قد ساسوا الناس سياسة ورتبوهم ترتيبا، يقطع عن الطمع في الملك بآيين: لم يجعلوا للصانع أن ينتقل عن صناعته إلى الكتابة، ولم يجعلوا للكاتب أن ينتقل من كتابته إلى القيادة، ولم يجعلوا لأبنائهم إلا مثل ما كان لآبائهم، ليعودوا الناس عادة يستوحشون معها إلى الخروج منها.
    وإنما حسن هذا في ملكهم إذ كان بالرأي والغلبة، ولم يكن لأهله أمثل من التدبير والحكم، لم يكن شأنهم الأخذ بالكتاب والسنة. وسبيل الإمامة غير سبيل الملك.
    فإن كان سلمان إلى هذا المعنى ذهب، وإياه عنى، فإنما قوله حجة للعباسية لا للعلوية.
    وسنخبر عن مقالة العباسية ووجوه احتجاجهم بعد فراغنا من مقالة العثمانية، بغاية ما يمكن من الاستقصاء، وإنصاف البعض من بعض، لتكون أنت المختار لنفسك بعقلك، والأقاويل ظاهرة مجلية لذهنك. فلئن أعجزك الاختيار الأرجح بعد الكفاية إنك عن استنباطه وتخليصه أعجز.
    وقد ذكر هشيم، عن العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي قال: قال سلمان حين بويع: "أصبتم حين بايعتم وحيد الناس، وأخطأتم حين عزلتموها عن أهل بيت نبيكم، ولو وضعتموها فيهم لأكلتم رغدا".
    وهذا حكم من سلمان أن أبا بكر خير من علي ومن جميع الناس، والناس على خير الناس أصلح منهم على من دونهم.
    وأخرى: أن سلمان حين قال: "كرداذ" كما زعمتم، لو لم يكن عندكم عظيم القدر نبيل الرأي، قدوة عند الاختلاف، لم تسمعوا قوله بهذا المكان، حتى صار مثل طعنه وخلافه، ينقض إمامة الأئمة، وتتخذونه على خصمائكم حجة.
    وإن كان سلمان على ما قد وصفتم، وبالمكان الذي وصفتم من الحكمة والبيان، فما دعاه إلى أن يكلم العرب والاعراب بالفارسية، وهو عربي اللسان فصيح الكلام، وهو يعلم أنه لم يكن بحضرة المدينة فرس ولا من يتكلم بالفارسية ولا من يفهمها. وهو إنما أراد الاحتجاج عليهم والاعذار إليهم، وأن يقضي حق إمامة علي ويقوم بشأنه.
    وقد ينبغي لمن بلغ من صدق نيته وفرط اجتماع لبه وشدة عزيمته أن يتكلم في دار التقية لا في دار العلانية، حتى خاطر بنفسه وبكل شئ يهوله، ومن شأنه أن يفهم الحجة، ويوضح الموعظة، ويبين عن موضع المظلمة، وإلا فسكوته أحسن من الفارسية.
    وكيف فهمت معناه العرب وهي لا تعرف من الفارسية قليلا ولا كثيرا، ولم يكن للنبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ترجمان يعبر عنه للفرس فيكون ذلك الترجمان كان حاضرا لكلامه، فيفسر للناس معناه.
    وكيف نقلت عنه الصحابة إلى التابعين وكل من كان بحضرة القوم حين بايعوا أبا بكر لا يفهمون الفارسية، ويكون سلمان حين تكلم بها استرابوا عندها فسألوه عنها ففسرها. ولو كان ذلك كذلك لحكاه الذين نقلوا الحديث، فكان ذلك أحب إلى الروافض، لأنهم إنما نقلوه ليعرفوا من كان الطاعن على أبي بكر. والطعن كلما كثرت فيه المراجعة والمناقضة، وطال سببه، وعرف علمه، كان أدل على الشهرة والاستفاضة، وأن الأمر كان حقا معروفا.
    فواحدة أن الأمر لو كان كذلك لكانت الروافض أسرع الناس إلى حكايته، لتستشهده على الدعوى، ولتقوي به الحديث، وتشد به الحجة.
    وثانية: أن الناقلين أنفسهم كانوا سيحكونه، إذ كانوا إنما حكوا نفس الكلمة ليعرفوا أنه قد كان هناك خلاف، ويدلونا على أن سلمان كان ممن خالف، وممن له هذا القدر الرفيع الذي يحتج بخلافه.
    وأخرى: أن ذلك لو كان قاله سلمان، وهو طعن على أبي بكر، كان مشهورا عند عمر وعثمان وأبي عبيدة وسعد وعبد الرحمن، وهؤلاء عندكم شيع أبي بكر. فكيف أطبقوا على ترك التكلم على سلمان، والدار دارهم والحكم حكمهم، ومعهم الرغبة والرهبة، مع أن الجرأة على سلمان أيسر وأسلم مغبة من الجرأة على أبي بكر. وقد أطبقت على طاعته الأمة خلا أربعة نفر: أحدهم سلمان، وليس سلمان معروفا بالنجدة وشدة الشكيمة، ولا وراءه ظهر يمنعه، فكيف لم يزجره عن ذلك زاجر، ولم يدفعه عن ذلك دافع، ولم يناظره مناظر، ولم يتعجب منه متعجب، ولم يرفع ذلك رجل إلى أبي بكر كما رفعوا إليه قول خالد بن سعيد.
    فإن قلت: إن أبا بكر كان مداريا يتسع صدره لأكثر من هذا، كما اتسع صدره فلم يعاتب خالدا ولا أراده على بيعته. كيف سلم على حدة حكم، فأين جد عمر وحده وقلة احتماله، واعتقاده لمثل هذا؟ وكيف [سلم] طلحة مع شدة بأوه وصرامته.
    ولا نعلم شيئا مما ادعوه أظهر باطلا ولا أفسد معنى من قوله "كرداذ ونكرداذ".
    و
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:51

    أما ما ذكرتم من ترك خالد بيعة أبي بكر ثلاثة أشهر، فإن الذين نقلوا هذا هم الذين نقلوا أن خالدا يوم توفي النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] كان على صدقات اليمن، فقدم بعد أن بايع الناس أبا بكر، فلما دخل المدينة استقبله عثمان وعلي، فقال لهما: أرضيتم معشر بني عبد مناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم؟ فلم يذكر لنا أنهما ردا عليه قولا، ولا أظهرا قبوله. ثم جلس عن بيعته لا يسأله ذاك أبو بكر ولا يدعو إليه، فبينما هو كذلك إذ مر أبو بكر بدار خالد مظهرا لبعض الأمر، وخالد في داره. فسلم عليه أبو بكر فقال له خالد: أتحب أن أبايعك؟ قال: أحب أن تدخل في صالح ما دخل فيه المسلمون. قال له خالد: موعدك العشية، فأتاه وهو على المنبر فبايعه.
    ففي هذا وجوه من الكلام:
    منه أن خالدا لم يطعن في إمامة أبي بكر من جهة الجزء والكفاية والكمال والفضل، ولا من طريق ما تفسد به الإمامة وتنتقض به الخلافة؛ وإنما ذكر الحسب وطرائق الجاهلية. وهذا الأمر إن كان مقصورا في قوم دون قوم، فليس هو في بني عبد مناف عامة. وإن كان ليس [مقصورا] في قوم، وليس لقول خالد معنى، فإن كان مقصورا في عبد مناف للشرف أو للقرابة، فالعباس أولى بذلك من علي وجميع عبد مناف.
    ولو أراد عليا لم يقل: أرضيتم بني عبد مناف؟ لأن عثمان وعليا منافيان، بل كان يقول: أرضيتم معشر العترة، أو معشر بني هاشم ومعشر بني عبد المطلب. مع أنه لو قال ذلك لكان للعباس في ذلك القول من السبب ما ليس لعلي، لأن هذا الأمر إن صلح أن يخرج من رهط النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] دنيا، ومن أقرب الناس إليه، إلى أقصى بني عبد مناف، لصلح أن يخرج إلى أقصى بنى كلاب. فإذا كان ذلك كذلك فتيم وعبد مناف سواء.
    ومما يدلك على أن خالدا لم يقل شيئا، أن هذا الأمر إن كان إنما يستحق بالعلم والعمل والجزء والغناء فليس لذكر عبد مناف معنى.
    وإن كان هذا الأمر لأفضل قريش كائنا من كان فلم يقل خالد شيئا، وليس لذكر عبد مناف معنى.
    وإن يكن هذا الأمر في أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله فلم يصنع خالد شيئا.
    وإن يكن هذا الأمر لرجل بعينه قد نصبه النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ودل عليه فلم يصنع خالد شيئا، لأنه كان ينبغي له أن يسير بالمنصوص أو بالمدلول عليه.
    أو يكون هذا الأمر لا يصاب إلا من طريق الوراثة. فإن كان ذلك كذلك فلم يصنع خالد شيئا، لأن صاحب الوراثة أظهر أمرا وأشهر موضعا من أن يحتاج إلى كلمة ليست بأن تدل عليه بأقرب منها من أن تدل على خالد نفسه.
    ووجه آخر: أنه قصد بكلامه إلى عثمان وعلي جميعا، ليهزهما معا. لأن هذا اللفظ الأغلب على ظاهره حب العصبية، والمحاماة على الأحساب، وترك التخاير بالأفعال، والتفاضل بالجزء والكمال.
    ولعله أراد عثمان دون علي، أو لعله أراد نفسه والتذكير بها والتنبيه عليها، فإنه كان أشرف من عثمان وأقدم إسلاما منه، وكان من مهاجرة الحبشة، وكان ذا قدر عظيم، وهو ابن أبي أحيحة. وكان أبو أحيحة إذا اعتم بمكة لم يعتم بها أحد، إكبارا لقدره وتفضيلا لحاله.
    وكان عثمان لائحا ... سعيد بن العاصي.
    وظاهر كلام خالد وقع على عبد مناف جملة، وهو يرى أنه في السر منهم. فإن كنتم أردتم أن تخبروا عن خلاف خالد على أبي بكر وجلوسه عنه، فلقد كان ذلك حتى راجع من تلقاء نفسه، وثاب إليه عازب رأيه، فأناب إلى خطته، ودخل في صالح ما دخل فيه غيره. وما كان تخلفه عن بيعته إلا ريثما ذهبت عنه حميته، وانجاب عن ... وتيقظ من نومه.
    وما ذلك بأعجب من اجتماع الأنصار وقوله للمهاجرين الأولين: "منا أمير ومنكم أمير"، والدار دارهم، والمهاجرون ضيفانهم ونزول فيهم. وهم أول الناس والعدد والصلاح والرأي، فكانوا مجلبين جادين مجدين، فما هو إلا أن هجم عليه الصديق وقام فيهم مرشدا ومحتجا، [حتى] استبدلوا بالخلاف طاعة، وبالضجة إطراقا، وبالأنفة خضوعا، وبالطيش حلما، وأنصتوا معا واستمعوا معا.
    وكأن السائل إنما أراد تعريفنا أنه كان من خالد خلاف. فقد كان ذلك ثم رجع إلى نفسه وعرف موضع خطئه، غير مرغوب ولا مرهوب.
    وإن كان إنما أراد أن يجعل هذا وشبهه حجة في إمامة على فليس لعلي رحمة الله عليه في ذلك من الحجة على إمامته قليل ولا كثير، إذ لم يذكروه في شئ من أمورهم، لا في يسير أمرهم ولا عسيره. ولو ذكروه ما كان لذكرهم دليل على أنه أولى بالإمامة من أبي بكر، مهما عددنا عليك من خصاله التي لا يفي بها علي ولا غيره.
    وإنما كان يكون هذا الإدخال حجة لو قلنا: إن أحدا لم يخالف أبا بكر.
    ورضى الجميع وسكونهم وصوابهم لم يكن ليتهيأ أبدا، حتى لا ينطق أحد بحرف واحد لا جاهل ولا عالم، ولا عصي ولا حاسد.
    وكيف يتفق إطباقهم على سكون واحد والناس من بين حاسد وراض، وعصي وتقي، وحليم وسخيف، وغالط ومصيب، وعاقل وأحمق؟
    وإذا كان النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] مع رجاحته على جميع الخلق لم يسلم على أمته [من] المستجيبين له، فضلا على جاحديه والمنكرين له، كان أبو بكر أجدر ألا يسلم من رعيته.
    ولقد قام رجل إلى النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فقال: والله يا محمد ما عدلت في الرعية، ولا قسمت بالسوية. وقال الله: {ومنهم من يلمزك في الصدقات} وقال: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات}.
    وقال عباس بن مرداس:
    أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع
    فما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس من المجمع
    في شعر له طويل.
    وقال أبو حذيفة بن عتبة يوم بدر: يقتل أبناءنا وأعمامنا وينهانا عن عشيرته، والله لئن أدركته لألجمنه بالسيف!
    وخالفوا عليه في يوم الحديبية في نحر الهدي، وحيث قالوا: "لا نعطي الدنية" مرة بعد مرة. في أمور كثيرة.
    فليس في طعن الطاعن دلالة إذا كان المطعون عليه كاملا فاضلا.
    وإجماع الناس كلهم على الصواب أمر لا ينال، ولكن إذا كانت الأمة قد أطبقت على طاعة رجل على غير الرغبة والرهبة، ثم لم يكن اغترارا ولا إغفالا، فليس في شذوذ رجل ولا رجلين دلالة على انتقاض أمره وفساد شأنه.
    وليس يحتج بهذا وشبهه إلا رجل جاهل بطبائع الناس وعللهم، ولو كان هذا وشبهه ناقضا لإمامة أبي بكر، كانت إمامة علي أنقض وأفسد، لأن الدنيا انكفت بأهلها عليه وماجت بساكنيها ... من ولايته، وتداعت من أقطارها، تريد محاربته، حتى لقد نازعه فيها من ليس في مثل حاله ولا شرف موضعه، ولا في فضيلة دينه فناهضه الحرب، ونازله القتال ... بيعته، والتج عليه الخلاف من أهل طاعته، وموضع الجد في عسكره، فرد بأسه في أصحابه، وصرف كيده إلى جنده، وجلس خلي الذرع، رضي البال، [في] عجب الفاتن وسرور المخادع، وعز المصيب، وبأو الأريب. ثم بعث رسولا قد اختاره بالحكم عليه وله، وبعث خصمه رسولا قد اختاره بالحكم عليه وله. فكان رسوله المخدوع، ورسول خصمه المخادع. ثم رجعت الأمور إلى خصمه، وانتزعت منه ومن ولده مرة بالبطش، ومرة بالحيلة.
    ثم كان يرى من خلاف أصحابه واضطراب جنده وتبديل أصحابه مثل ما يرى خصمه من طاعة خاصته، ونصرة جنده، وثبات عهد أصحابه. فلم يكن ذلك عارا عندنا ولا عندكم على علي، ولا دليلا على نقص رأيه وضعف حزمه، وسعة علمه وكثرة فضله، وقد أصابه من الخلاف والتعذر وانتشار الأمر واضطراب الحبل وظفر الأعداء وشماتة الحساد، ما قد رأيتم. ثم قد جئتم تشبثون بطعن سلمان، وقول أبي سفيان، وقعود خالد، كأنكم لم تعرفوا ما عند خصومكم، غرارة ونقصا.
    وأعجب من هذا أنكم مرة تزعمون أن الذي حمل بني أمية على صرف الإمامة عن علي الضغن الذي في نفوسها، والأحقاد التي في صدورها، لقتل علي أبناءها وإخوتها وأعمامها. ومرة تعتلون وتحتجون في نقض إمامة أبي بكر بطعن عظيمي بني أمية في إمامته كعلي، كخالد بن سعيد وأبي سفيان بن حرب. وإذا شئتم كانا لكم، وإذا شئتم كانا عليكم.
    وأما ما ذكرتم من قول أبي بكر: "ما كانت بيعتي إلا فلتة"، وقول عمر: "ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة وقى الله شرها" فإن الأمر على هذا واضح، والحجة فيه قائمة.
    وهو أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لما توفي كان الناس على طبقات:
    من رجل مؤمن عالم، ناصح لله ورسوله.
    ومن رجل مطاع ليس له علم بالإمامة، وما السبب الذي به تنعقد من السبب الذي به تنحل.
    ومن رجل مكانه في قريش أشرف من مكان أبي بكر، وليست غايته صلاح المسلمين، إنما غايته أن يكون الإمام من أقرب القبائل إليه، ليزداد هو وقومه بذلك شرفا وفخرا.
    ومن رجل له قرابة فهو يرى أنها تغنيه عن العلم والعمل.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:52

    ومن رجل شديد في بأسه، ضعيف في دينه، مخف في ذات يده، بعيد الهمة حامل في هدوء الناس وأمنهم، فهو لا يألو إضرام الفتنة، وتهييج السفلة، يرى أن في الهيج ظهور نجدته، وخروجه من الخمول إلى النباهة، ومن الإقلال إلى الإكثار.
    ومن رجل دخل في الإسلام مع من دخل في دين الله، دخل من الأفواج. لا يعرف حقيقته، ولا يستريح به إلى الثقة.
    ومن رجل أخافه السيف، واتقى الذل والقتل بإسلامه ونفاقه، كمنافقي المدينة ومن حولها من أهل القرى والبادية، يعضون على المسلمين الأنامل بالغيظ، وهم البطانة لا يألون خبالا، يترقبون الدوائر، وينفرجون إلى الأراجيف، ويستريحون إلى الأماني.
    ومن رجل صاحب سلم، يدين لمن غلب، لا يدفع مبطلا ولا يعين محقا. يرى أن صلاح خاصته هو صلاح العامة.
    ثم الذي كان من وثوب الأنصار، وهم أهل العدد وأصحاب الدار والأموال، على أمر لو تابعهم المهاجرون عليه حتى يكون من كل فرقة أمير، لفتحت بذلك بابا من الفساد لا يقوى أحد على سده، ولكان الذي يقع بين الأوس والخزرج في الأمر أشد مما كان يخاف منها ومن قريش، لأن القرابة كلما كانت أمس، والجوار أقرب، كانت العداوة على قدر ذلك.
    ولو أن الأنصار حين أتاهم أبو بكر فأظهروا الشقاق والخلاف ... عن الحق وجهلوه، ما كان لهم دون البوار مانع، ولكان غير مأمون وثوب من بالمدينة ومن حولها من المنافقين وأشباههم، من الحشو والطغام، ولكان غير مأمون أن ينضم إليهم من حول المدينة من المرتدين، ممن بدل إسلامه ساعة بلغته وفاة النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. ولو صاروا إلى ذلك لكانوا أقوى من المهاجرين والأنصار، إذ كانوا جميعا نشرا وقلوبهم شتى، وبأسهم بينهم. ولكان غير مأمون عند ذلك أن يغزوهم مسيلمة في أهل اليمامة قاطبة مع من حولها من أهل البادية. ثم كان غير مأمون أن يستمد بجميع أهل الردة ممن نكث ونصب العداوة.
    وجميع ما قلنا إنه كان غير مأمون، لم نقله إلا بأسباب قد كانت هناك قائمة معروفة، فما عسى نقمه المهاجرون والأنصار على ما وصفنا ونزلنا.
    فقد صدق أبو بكر وصدق عمر أن تلك البيعة كانت فلتة وأعجوبة وغريبة، إذ سلمت على كل ما وصفنا من أسباب الهلكة، وهي سربخ، وليس دونها ستر ولا رد. فكانت بيعته يمنا وبركة أنقذ الله بها من الهلكة، وجمع بها من الشتات، ورد بها الإسلام في نصابه، بعد تخلعه واضطرابه. فأماتت السخيمة، وأودعت القلوب السلامة، وجمعتها على الألفة.
    وهذه مكرمة وعطية، ولا يجوز أن يحبو بها خالق العباد إلا نبيا أو خليفة نبي.
    فأما قوله: "ما كانت بيعتي إلا فلتة وقى الله شرها"، فقول امرئ عالم بالعواقب، عالم بأسباب الفتن، شديد الشفقة منها، حامد لربه على السلامة منها.
    أوما علمت أن أبا بكر بينا هو يخطب على المهاجرين في مسجد النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، والنبي مسجى، وهو يحتج عليهم ويعرفهم سرفهم، واعتداءهم في قولهم: "إن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لم يمت"، وقد خاف أن يصير بهم الإفراط في التعظيم والغلو في الحب، أن يضارعوا مذهب النصارى، وخاف أن يكون آخر أمرهم أشد من أوله. وكان أشد الأمور عليه في ذلك أن مثل عمر وعبد الرحمن وعثمان، هم الذين كانوا خرجوا إلى ما لا ينبغي من القول، فبدرهم بالخطبة محتجا عليهم ومعرفا لهم مواضع غلطهم، ونحس إفراطهم، فحين تبين لهم خطؤهم وسلموا لاحتجاجه عليهم، أتاه آت فقال: إن الأنصار قد اجتمعت إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، يقولون: منا أمير ومنكم أمير، فراعه ذلك، وصور له الحزم كل مخوف، فعلم أن الداء الذي عنه نطقوا أشد علاجا من الداء الذي نطق عنه عمر وعثمان وعبد الرحمن، والنفر من المهاجرين الذين قالوا: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله لم يمت، وعلم أن إبراء كل سقم أهون من إبراء سقم الحمية والطمع في الملك، ولا سيما إذا شابهما سوء تأويل، وضافرهما الحس بالقوة. وهذا لهو الداء العضال والداهية العقام.
    فلما انتهى إليه أمرهم، وعرف جميع ما عليه طبائعهم وعللهم، وطبائع أتباعهم، لم يكن شئ أهم إليه من البدار إليهم قبل أن يستفحل الشر، ويتمكن العزم. فمر حثيثا وتبعه عمر، ولحقه أبو عبيدة في نفر من قريش، فيمر بالناس حلقا عزين، وهم يبكون ويتحدثون، فيقبل عليهم فيقول: أنتم جلوس تفركون أعينكم وفي الإسلام العسا البدار، وقيل البوار.
    فلو لم يتداركهم بحيطته ويقظته وصدق حسه، وأبطأ عنهم ريثما كانوا يتطارحون الرأي، ويستثيرون دفين الحسد حتى يتمكن ذلك الحسد، وتتمثل لهم صورة الظفر، فلو هجم عليهم أبو بكر في ضعف من بالمدينة من قريش، لم يكن في طاقتهم دفعهم، والدار دارهم، والبلاد بلادهم، والبادية باديتهم، ومن فيها تبع لهم، فكان من صنيع الله أن كان هو الذائد والقائم، والحارس، والعاطف والمداوي، ولم يكلهم الله إلى نظرهم واختيارهم، فيكون ذلك فسادهم وهلكتهم.
    فإن قالوا: فما معنى قول أبو بكر للأنصار حين أتاهم: "إن هذا الأمر ليس بخلسة، قد علمتم معشر قريش [أنا] أكرم العرب أحسابا، وأيقنها أنسابا، وأنّا عترة النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وأصله، والبيضة التي تفقأت عنه"؟
    فلم يذكر أبو بكر قريشا وأحسابها وعترة النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] والبيضة التي تفقأت عنه، إلا وهو يرى أن له عليهم بهذا من الفضل ما ليس لهم، ومن السبب إلى الخلافة ما ليس لهم. فقد ينبغي أن يكون لبني هاشم على هذا القياس من الفضل والسبب ما ليس لبني تيم.
    قلنا لهم: إن أبا بكر لم يقل هذا القول وهو يريد معنى مذهبكم فيه، مع أنكم قد قطعتم الكلام لأنه قال: "فإنه لم يكن فينا -فكان يوبخ به- وإنا نحن المهاجرون وأنتم الأنصار، وإن الله لم يذكرنا وإياكم في شئ من القرآن إلا بدأ بذكرنا قبلكم، فمنا الأمراء ومنكم الوزراء".
    فلم يقل أبو بكر: "قد علمتم يا معشر قريش أنا أكرم العرب أحسابا وأيقنها أنسابا، وأنا عترة النبي وأصله"، وهو يريد أن يخبر أن الرياسة في الدين تستحق لغير الدين، والخلافة أعظم رياسات الدين، فعلى حسب ذلك تحتاج إلى العمل الصالح.
    ولكن أبا بكر خطب على قوم كانوا يرون للحسب قدرا، وللقرابة سببا، فأتاهم من مأتاهم وأخذهم من أقرب مآخذهم، واحتج عليهم بالذي هو عندهم، ليكون أقطع للشغب، وأسرع للقبول. وليس في كل المواضع تفسير لحجة أمثل من إظهار الجملة، وتعريف الناس الغاية، وحملهم على أدق الحجج وأصوبها. ولربما أخفى الإمام كثيرا مما يريد بالناس عنهم، للذي ... من بعضهم عن فضله، وضيق صدورهم عن سعة فضله. بل يعلم أنه لو أطلعهم طلع إرادته، والذي عزم عليه من صلاحهم، كانوا أسرع إلى طلب بغضه من عدوهم.
    وقد دل أبو بكر على مذهبه في الأحساب في أول خطبة خطبها على المهاجرين والأنصار، حين قال في كلامه:
    " وعليكم بتقوى الله، فإن أكيس الكيس التقوى، وأحمق الحمق الفجور، وإني متبع ولست بمبتدع، فإن أحسنت فأعينوني، وإن زغت فقوموني، أيها الناس إنه لم يدع الجهاد قوم قط إلا ضربهم الله بذل، ولم تشع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم بالبلاء، أيها الناس اتبعوا كتاب الله، واقبلوا النصيحة، فإن الله يقبل التوبة، ويعفو عن السيئة، واحذروا الخطايا التي لكل بني آدم منها نصيب، ولكن خيرهم من اتقى الله، واتقوا يوما لا ينفع فيه حميم ولا شفيع يطاع".
    ألا تراه ذكر جميع بني آدم ثم قال: "ولكن خيرهم أتقاهم"، كما قال الله: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ثم قال: "اتقوا يوما لا ينفع فيه حميم ولا شفيع"، فقد أخبر عن نفسه ومذهبه في ذلك المقام بغاية ما يتكلم به أصحاب التسوية. فكأن أبا بكر إنما قال: فإن كان هذا الأمر معشر الأنصار إنما يستحق بالحسب ويستوجب بالقرابة، فقريش أكرم منكم حسبا وأقرب منكم قرابة، وإن كان إنما يستحق بالفضل في الدين فالسابقون الأولون من المهاجرين المقدمون عليكم في جميع القرآن أولى به منكم. لأن أبا بكر ذكر في صدر كلامه الحسب والقرابة، وفي عجزه فضل المهاجرين على الأنصار. فلما أبصر القوم وجه الحجة، وقررهم بما لم يزل عليه قبل ذلك طبائعهم، لحقوا بالطاعة وأعطوا المقادة.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:53

    وكيف يكون كبار الأنصار أفضل من كبار المهاجرين، وقد سبقهم المهاجرون وأسلموا قبلهم بالسنين قبل السنين، والأنصار بعد على دين آبائهم، وعبادة أصنامهم. ثم الذي لقي المهاجرون في الله ببطن مكة -والأنصار وادعون في بيوتهم رافهون في ديارهم ناعم بالهم خلي سربهم لذيذ عيشهم- ثم هاجروا إلى دارهم، فكانوا معا في العبادة والجهاد، إلا ما فضلوا به من وحشة الاغتراب، وفراق الدار والأحباب. فللمهاجرين مثل ما للأنصار، وقد بانوا بسابقتهم. وإنما قدموا في القرآن لتقدمهم في الإسلام.
    وكما أن المهاجرين الأولين ليسوا كغيرهم من المهاجرين، وكما أن من أسلم بعد الفتح ليس كمن أسلم قبله، فكذلك ليس من أسلم والناس كلهم كفار غيره، كمن أسلم وقد أسلم الناس قبله.
    وأنت إذا تأملت قول الصديق للأنصار: "إن هذا الأمر ليس بخلسة" علمت أنه كان ثابت الجنان، رابط الجأش، واثقا بالحجة، عارفا بمواضع الإمامة، وإنما كانت غايته تقريرهم بفضيلة المهاجرين، لأنهم إذا صاروا إلى ذلك فلا حاجة به إلى ذكر نفسه وتعريفهم فضله، لأن تبريزه كان بينا على المهاجرين، وفضله كان ظاهرا على السابقين.
    والدليل على ذلك أن خوض الأنصار وكلامها لم يكن إلا فيما بين جملة الأنصار وجملة المهاجرين، قالوا: منا أمير ومنكم أمير. فما هو إلا أن قررهم بفضيلة المهاجرين فلم يكن لهم بعد ذلك متكلم، حتى أطبقوا جميعا على بيعته هم والمهاجرون من بين جميع المهاجرين - فلا يستطيع أحد أن يدعي أن إنسانا قال من الأنصار: فإن كان لا بد أن يكون منكم الأمراء فليكن فلان، فإنه أفضل وأحق بقرابة أو بعمل - فسكتوا معا سكتة واحدة، وسلموا معا تسليما واحدا.
    ولو أن الأنصار كانوا قد سلموا للمهاجرين في البدء فلم يفارقوا ولم يتمادوا، وكانوا كالمهاجرين في إطباقهم على أن الإمام منهم، ما كان ليظهر للناس من شهامة أبي بكر وصرامته واجتماع نفسه وقوة منته، وجلد رأيه، وقلة حيرته وتضجعه مثل الذي ظهر لهم. وإنما يعرف العاقل فضل العاقل في مضايق الأمور، وساعة الجولة، والعجلة والحيرة، وظهور الفتنة، وموجان السفلة، واضطراب العلية، واختلاط الخاصة بالعامة.
    فهل أعضل به داء فلم يسد ثغره، أم هل نجم بلاء فلم يتول قمعه؟
    وزعمت العثمانية أن أحدا لا ينال الرياسة في الدين بغير الدين. ولو جاز أن يعطي الله رجلا عطية ويفضله على غيره لنسبه، وعملهما سواء في دار الدنيا، جاز أن يفضله عليه في الآخرة.
    وليس ذلك كالمعافى والمبتلى، لأن العافية والبلاء، والشكر والصبر، والثواب على الطاعة بهما والعقاب على المعصية فيهما، إذا وازنت بين عواجل أمورهما وأواجلها من كل وجوهها، رأيتهما سواء لا فضل بينهما.
    وكذلك شأن المملوك والمالك، والفقير والغني، والمبتلى والمعافى.
    فإن كان القريب القرابة والبعيد القرابة سبيلهما في النقص والفضل، والصبر والشكر، والثواب والعقاب، وجميع حلاتهما في العاجل والآجل، كالمعافى والمبتلى، والمالك والمملوك، والفقير والغنى، فليس بين القريب والبعيد فرق، وليس لقرابته فضيلة على غيره، ولا ينفعه شئ إلا كما نفعت المعافى والغني في ظاهر أمرهما، وما يقع العيان عليه منهما، وهما في الغنى والمصلحة، والنظر والصنع، سواء.
    وليس على هذا بنى القوم أمرهم في القرابة، لأنهم زعموا أن القرابة سبب للرياسة في الدين، ولو قالوا إنها سبب للقدر والنباهة في الدنيا كان ذلك وجها، كما ترى من فضل حال المنيع الرهط، الجميل الرواء، والمعافى في بدنه الكثير المال، على الذليل الرهط الذميم في روائه، المبتلى في بدنه، القليل ذات اليد، وهما في مغيب أمرهما. وفيما لا يقع العيان عليه من شأنهما، سواء في صنع الله وفضله وعائدته.
    [وإنما] كان لنا أن نزعم أن القرابة تنفع في الدين والحسب فتكون سببا إلى الرياسة فيهما، أن لو كنا رأينا من عظم قدر القرابة ونبل من أجله نال الرياسة الكبرى بالحسب. فإذا رأينا النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لم يستحق ذلك الموضع البائن العالي إلا بالفضل دون المركب كان من مت بقرابته أجدر ألا ينال الرياسة إلا بالفضل دون المركب، لأن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لو كان نال ذلك بالهاشمية كان هو ورجل من عرض بني هاشم سواء.
    ولو كان ناله بعبد المطلب لكان ولد عبد المطلب لصلبه أقرب إليه.
    وقد نعلم أن ذلك لو كان لشخص بالهاشمية أو بالمطلبية لكان لعلي في ذلك ما ليس لأحد، لأنه ابن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، وأمه فاطمة ابنة أسد بن هاشم.
    فلما وجدنا الأمر كما ذكرنا، علمنا أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لم يصيره مستحقا لأعظم الرياسات وأشرف المقامات إلا بالعمل، إذ كنا قد وجدنا من يساويه في الهاشمية لا يستحق مثل ماله.
    وزعمت العثمانية أن لها في التسوية بين القريب والبعيد حججا كثيرة، قد عرفتها وسمعتها من أهلها.
    ولكن كتابي هذا لم يوضع إلا في الإمامة، ولربما ذكرت من المقالة والملة والنحلة التي تعرض في الإمامة صدرا، طلبا للتمام وتعريفا لوجوه الإمامة وما دخل فيها.
    والكلام في التسوية كلام يدخل في باب التعديل والتجوير، وهو باب يشتد الكلام فيه ويغمض، فإن أخبرنا عن فرعه ولم نخبر عن أصله لم ينتفع القارئ به، وصار وبالا عليه.
    وقد زعم ناس من العثمانية أن الله بفضله ومنه كفى أكثر الناس مؤونة الروية، وتكلف غامض الكلام في التسوية، فأخبرهم في كتابه بأبين الكلام وأوضحه عن معاني التسوية، وما يجوز في عدله وحكمته. فقال وهو يريد أن يعلم الناس أنهم لا ينتفعون بصلاح آبائهم، ولا يضرهم فساد رهطهم فقال: {وإبراهيم الذي وفي. ألا تزر وازرة وزر أخرى. وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}.
    فإذا كان كون الإنسان ابن نبي وابن خليفة نبي أو ابن عم نبي ليس من سعيه، فقد أخبر أنه لا شئ له في ذلك حين قال: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} فالسعي معروف، والكون من رهط دون رهط ليس من سعي المرء في شئ، ولذلك قال النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لقرابته حين جمعهم: "يا عباس بن عبد المطلب، ويا صفية بنت عبد المطلب، ويا فلان ويا فلان، إني لا أغني عنكم من الله شيئا".
    ولو أن إنسانا من القرابة إذا هو عصى وعصى غيره بمثل معصيته غفر الله [له] لقرابته، ولم يغفر للآخر، وكان إذا أطاع وأطاع غيره بمثل طاعته أعطاه الله أكثر مما يعطي الآخر، لكانا إذا استويا فلم يطيعا جميعا ولم يعصيا، فكانا إما طفلين وإما مجنونين وإما نائمين، وإما ساهيين، أعطى القريب وفضله، ولم يعط الآخر شيئا ولم يسو بينه وبين من لم يطع ولم يعص، كما لم يطع القريب ولم يعص، لم يكن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ليقول لعمه وعمته: إني لا أغني عنكم من الله شيئا.
    ولذلك قال النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم".
    ولذلك قال النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: الناس كلهم سواء كأسنان المشط. والمرء كثير بأخيه. ولا خير لك في صحبة من لا يرى لك مثل ما يرى لنفسه".
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:54

    ولذلك قال حين بلغه أن عيينة قال: أنا ابن الأشياخ، أنا عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو، قال النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "أشرف الناس يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم".
    ولذلك أخذ وبرة من جنب بعير يوم حنين فقال: "والذي نفسي بيده ما أنا بهذا أحق من رجل من المسلمين".
    وقد قال الله: {واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون}"، فلم يستثن من جميع النفوس نفسا واحدة، لا ابن نبي ولا ابن عمه.
    وقال الله: {يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا}. والمولى كلمة واقعة على جميع، فمنه ابن عم المرء، ومنه خليفته، ومنه مولاه من فوق، ومنه مولاه من تحت، ومنه مولاه الذي ملكه قبل عتقه. فإذا قال الله: {يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا} فقد دخل فيه ابن العم وغيره، ولم يستثن الأنبياء دون المسلمين.
    وقال: {يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم} وقال: {يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا} ثم قال: {إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور}.
    فمن اغتر بعد هذا بالقرابة واتكل على غير العمل الصالح فقد رد تأديب الله وتعليمه.
    ثم الذي رأينا من قصة ابن آدم حين قرب من أخيه قربانا فتقبل من أخيه ولم يتقبل منه، فقتله حسدا له وبغيا عليه. وكيف لم تنفعه قرابته من آدم حيث لعنه الله وبرئ منه، وجعله من أصحاب النار، ثم قال: {وذلك جزاء الظالمين}. لكي لا يتكل أحد ظالم بعده على قرابته، ولا يغتر بأن يكون ابن نبي، ولذلك أرسل الكلام على مخرج العموم. ولم يخرجه ذلك المخرج إلا وذلك إرادته.
    فإن قالوا: إنه لم يكن لصلبه، ولو كان لصلبه لنفعه ذلك عنده.
    قلنا: إنه ليس لأحد سمع الله يقول: {واتل عليهم نبأ ابني آدم} أن يجعلهما من عرض بني آدم بعد سبعين قرنا إلا بحجة.
    وإن لم تكن له في ذلك حجة فليس له أن يزيل معنى ابن عن أصله، لأن الأصل المستعمل الموضوع أن يكون الابن للصلب، فإنما جاز أن يقال لابن الابن على التشبيه بالابن، [و] على الحمل عليه.
    وكذلك الابن الذي هو على التبني والتربية، لأن رجلا لو قال: أتاني فلان بن فلان، لم يكن لأحد أن يقول: إنه لم يعن ابنه وربيبه، إلا بحجة، وإلا فالكلام موضوع على أصله وعلى المستعمل المعروف منه.
    ثم صنيع الله بابن نوح. وهو كما علمت من أعظم الأنبياء قدرا ومنزلة ومكانا، حين عصى فيمن عصى، كيف غرقه فيمن غرق ممن لا قرابة له ولا ولادة.
    فإن قالوا: إنه لم يكن ابنه، لأن الله قال: {إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح}، وذكر امرأة نوح وامرأة لوط فقال: {كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا}.
    قيل لهم: إنه ليس لنا أن ندع قول الله: {ونادى نوح ابنه} إلى تأويل مختلف فيه. ولقولة الخيانة مخارج غير تأويلكم، وقد تفجر المرأة بعد أن صح منها لبعلها ولد كبير. وفي قوله: {فلم يغنيا عنهما من الله شيئا} دليل أن محبتهما كان الصفح عن خيانتهما، وأن محبتهما لم تغن عنهما شيئا.
    ولا يشبه قولكم [في] نساء الأنبياء الذي نعرف من حسن اختيار الله لهم من طيب المناكح وطهارة المداخل. وهذا معنى طبائع الناس. لم يكن الله ليترك امرأة نبي تصير إلى تهجينه والتصغير بقدره، لأن الرسالة منظفة مصفاة، لا تحمل الأقذاء، ولا تعلق بها الأدناس، ولا يطوق المبطلين عليها الاعتماد.
    وفي قول الله لإبراهيم، وهو شجرة الرسالة وخليل رب العزة، حين يقول له: {إني جاعلك للناس إماما} قال إبراهيم إما مستقيما وإما طالبا: {ومن ذريتي} قال: {لا ينال عهدي الظالمين}.
    وأخبر أن عهد إمامته وخلافته لا ينال الظالم وإن كان من خير خلق الله.
    ففي هذا دليل أن الرياسة في الدين لا تنال بغير الدين.
    وقال الله: {ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون} ألا ترى أن الذرية وإن كانت كلها ذرية ومكانها من القرابة سواء، فمنها ولي ومنها عدو.
    فإن تركوا هذا جانبا وقالوا: كيف تزعمون أن أبا بكر كان يرى التسوية، وكان لا يرى أن الفروسية أصل للإمامة والقرابة شعبة عن الخلافة، ولم يكن في الأرض رجل أبعد من هذا المذهب من خاصته وخليفته وصنيعته، والمحتذي على مثاله، عمر بن الخطاب، لأنه فضل القرشيات من نساء النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] على غيرهن، وفضل العرب في العطاء على الموالي. وقال: "زوجوا الأكفاء" وكان أشد منه في أمر المناكح.
    قيل لهم: إنه لم يكن على ظهر الأرض رجل كان أبعد مما قلتم من عمر، ولا [ظهر] منه خلاف ما ادعيتم مثل الذي ظهر منه.
    والدليل على غلطكم وخطأ قولكم، أن عمر لما فرض الأعطية ودون الدواوين وقام إليه أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام، فقالا: يا أمير المؤمنين، أديوان كديوان بني الأصفر، إنك إن فعلت ذلك اتكل الناس على الديوان وتركوا التجارات والمعاش! فقال عمر: قد كثر الفئ والمسلمون.
    ففرض للمهاجرين ومواليهم، وللأنصار ومواليهم، ممن شهد بدرا في ستة آلاف ستة آلاف، فكان عطاء عمر وعلي وعبد الرحمن وطلحة والزبير وأبي عبيدة بن الجراح، وعطاء بلال وسالم مولى أبي حذيفة وجميع الموالي سواء.
    ثم فرض على قدر الفضل والغناء والسابقة، على قدر بعد الدار وقربها من المهاجر، ففرض لأهل اليمن في السبعمائة إلى الألف، وهم أبعد خلق الله منه ومن مضر أرحاما ونسبا، وإنما أرغبهم وزادهم لبعد دارهم من المهاجر، وكانوا أهل قرى ومزارع، فتركوا مطنبهم رغبة في الهجرة.
    وفرض لمضر وبَليٍّ وكلب وطيء في الثلثمائة إلى الأربعمائة، فتسويته بين مضر وطيء دليل على ما قلنا.
    وفرض لربيعة في خمسين ومائتين وقال: إنما هاجروا من أطناب بيوتهم. وربيعة أمس به وبمضر من بلي وطيء.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:55

    وفرض لأشراف الأعاجم: لدهقان نهر الملك، وهو فيروز بن يزدجرد، ولابن النخيرخان ولخالد وجميل ابني بصبهرى دهقان الفلوجة، ولبسطام بن نرسي دهقان بابل، وجفينة العبادي، ورفيل في ألفين ألفين.
    وفرض للبوسحتان والهرمزان ولسياه وخش وأمقلاس في ألفين وخمسمائة، وهو أقصى شئ أخذه عربي قط، فقيل له في ذلك، فقال: قوم أعاجم أشراف، أحببت أن أتألف بهم غيرهم.
    وفرض لسوى هؤلاء النفر من العجم من الحاشية والعوام ممن سُبي وأسر وخرج في الصلح مع رئيسه وقائده، في أقل مما فرض للأعراب وحاشية العرب وعوامهم، فقيل له في ذلك فقال: إن الأعرابي إلا يقاتل عن دينه قاتل عن رهطه وشقه وناحيته، وإن لم يكن ذا بصيرة في دينه قاتل محاماة عن حسبه وأصحابه، وقد أمنت تحوله إلى عدوه، فأقل ما عنده إذا لم يبل أن يكثر السواد ويكثف الجيش، وهو على حال أفقه في الدين وأفهم للتأويل، والعجمي ليس بذى بصيرة في الإسلام ولا يقاتل عن داره ولا يحامي عن حسبه ولا يدافع عن رهطه، وغير مأمون عليه التحول إلى أصحابه فيدل على العورة، وهو أجدر ألا يفهم تنزيلا ولا تأويلا.
    وحمل قوما في البحر وآخرين في البر، ففضل على قدر المؤونة، وأعطى على قدر المشقة.
    فهكذا كانت عطاياه، وهكذا كان تدبيره فيما نقلت العلماء وروت الفقهاء، ولا يشك في ذلك صاحب خبر، ولا يدفعه صاحب أثر.
    فأما ما ذكروا من تهجينه أمر العجم، وتعظيمه أمر العرب، فإنما كان ذلك لأنه لما ندب الناس إلى قتال كسرى والأساورة تثاقلت عن ذلك العرب والأعراب وجميع المهاجرين والأنصار، هيبة لناحية كسرى والفرس، وخفوا لغزو الروم ونشطوا له، حتى انتدب أبو عبيد الثقفي أول من انتدب، فلذلك عقد على كبار المهاجرين الأولين والأنصار والبدريين، فلم يكن له هم إلا تصغير أمرهم وتهجين شأنهم والحط من أقدارهم ليرد ذلك من نفوس العرب.
    وهكذا ينبغي أن يكون تدبير المدبر.
    أوما علمت أن المغيرة بن شعبة لما سمع قيس بن مكشوح يقول حين عاين الفرس: وما رأيت كاليوم حديدا ولا عديدا! وهذا يوم القادسية، وقد كان قيس شهد قبل القادسية حروب الروم، وقيس يومئذ على الخيل، والمغيرة على الرجالة، فأقبل عليه المغيرة منتهرا له وهو يقول: إنما هذا زبد من زبد الشيطان!
    وقد كان المغيرة قد عاين مثل الذي عاين قيس، ولكن التدبير كان غير الذي ذهب إليه قيس.
    ومن الدليل على ما وصفنا من تدبير عمر، تركه الاستخفاف بأقدار العجم وإظهار احتقارهم والإزراء بهم، بعد جلولاء.
    فمن ذلك أنه لما أتي بسيف كسرى وقبائه ومنطقته ألبسه سراقة بن مالك بن جعشم، ثم قال له: أدبر، ثم قال له: أقبل، فلما أقبل عليه عمر وعنده الناس، فقال: أما والله لرب يوم لو كان هذا من كسرى وآل كسرى لكان شرفا لك ولقومك. في أمور كثيرة من هذا الضرب لم يكن عمر لينطق بحرف منها وحربهم مخوفة ونفوس العرب لهم هائبة.
    وهكذا تدبير الخلفاء ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ولو كانوا إذا لم يفهموا عن الأئمة لم يعترضوا عليهم ولم يخطئوهم ولم يجهلوهم كان أيسر.
    ولا أعلم في الأرض جيلا أجهل بهذا وشبهه ممن ينتحل اسم الكلام وينصب نفسه للخصومات، ثم الروافض خاصة، ليس يعرفون من أمر الإمام إلا أنه يعلم ما يكون قبل أن يكون.
    ومن الدليل على ما وصفنا به عمر، قوله لسعد بن أبي وقاص حيث وجهه إلى القادسية وأوصاه، قال: يا سعد سعد بن وهيب، إن الله عز وجل إذا أحب عبدا حببه إلى الناس، فاعتبر منزلتك من الله بمنزلتك أن يقال خال رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، فإن الناس في ذات الله سواء.
    فأي قول أجمع وأدل، وأي فعل أشبه بالذي حكينا عنه من التسوية، من هذه الأقاويل والأفاعيل.
    وكان سعد خال النبي، ولذلك قال النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وقد أخذ بيده: "هذا خالي أباهي به فليأت كل امرئ بخاله".
    وفي قول عمر في المناكح: "ليس شئ من خصال الجاهلية إلا وقد تركته، ألا إني لست أبالي إلى من نكحت، وإلى من أنكحت" فإن شئت أن نقول: وأي أمر هو أوجب على العاقل المسلم الحر من ألا يبالي إلى من نكح وأنكح؟
    قلت: وإن قلت إن هذا الكلام من عمر يدل على بقية عصبية فيه، فما تبرأ إليك منه حين جعله من خصال الجاهلية إلا وهو آب له وناه عنه، وزار عليه. وفي قوله هذا دليل على أنه قد اكترث لبقية عادة الجاهلية، وأنه راغب عنهما كما رغب عن أكبر منهما.
    وفي قوله لعبد الله بن عمر حين فرض له في ألفين وفرض لأسامة في ألفين وخمسمائة، وابنه قرشي وأسامة مولى، حين قال له عبد الله: أتفضل علي أسامة في العطاء وأنا وهو سيان؟ قال: إن أسامة كان أحب إلى رسول الله منك، وكان أبوه أحب إلى رسول الله من أبيك.
    ألا ترى أنه يدور مع الدين حيثما دار؟
    وفي قول عبد الله بن عمر لأبيه:" تفضل على أسامة في العطاء وأنا وهو سيان" دليل على أن القوم كانوا لا يعرفون إلا الدين والسابقة، والغناء عن المسلمين.
    وفي وصيته عند وفاته أن يصلي عليه صهيب، وفي أمره إياه بالصلاة بالناس في مقامه إلى أن يختار المسلمون رجلا، دليل على ما قلنا.
    وصهيب مولى لعبد الله بن جدعان.
    والدليل على أن صهيبا رجل من العجم قول رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "بلال سابق الحبشة، وسلمان سابق فارس، وصهيب سابق الروم". وهذا حديث لم يختلف فيه فقيهان.
    وفي خروج آذنه وحاجبه يوما إلى الناس، وقريش والعرب جلوس ببابه ينتظرون إذنه، فيهم أبو سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو وحكيم بن حزام والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن، فنادى بأعلى صوته: أين عمار؟ أين بلال؟ أين صهيب؟ أين سلمان؟ فينهضون مكرمين ومفضلين، وعلى الناس مقدمين، وتلك الجلة وتلك السادة جلوس لا ينطقون ولا ينكرون، فلما كثر ذلك عليهم تمعرت وجوههم وامتقعت ألوانهم، فأبصرهم سهيل فعرف ما قد أصابهم ونزل بهم، وكان حليما خطيبا فقال: لم تتمعر وجوهكم وتتغير ألوانكم، ولا ترجعون باللائمة على أنفسكم؟ دعينا ودعوا، فأبطأنا وأسرعوا، ولئن حسدتموهم على باب عمر للذي أعد الله لهم في الجنة أفضل!
    ثم الدليل الذي ليس فوقه دليل، قوله وعنده أصحاب الشورى وكبار المهاجرين وجلة الأنصار وعلية العرب، وهو موف على قبره ينتظر خروج نفسه: "لو كان سالم حيا ما تخالجني فيه الشك". وسالم مولى امرأة من الأنصار، وكان حليفا لأبي حذيفة بن عتبة بمكة. فلذلك كان يقال: مولى أبي حذيفة، لأن حليف الرجل مولاه.
    فإن كان هذا لا يدل على التباعد من الحمية والأعرابية والعصبية، ولا يدل على التسوية. فما عندنا ولا عند أحد شئ يدل على شئ! وإذا كان هذا مذهبه وقوله في الخلافة فما ظنك به فيما دون الخلافة؟
    وهذا باب إن استقصيناه كثر وشغل الكتاب. وفيما قلنا مقنع لمن كان الحق له مقنعا، والصواب له مألفا.
    فهل يقدر أحد أن يحكي عن علي مثل الذي حكينا عن عمر في التسوية أو شطره؟
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:56

    إن أكبر ما رأينا في أيديكم عنه قوله: "إنني قرأت ما بين دفتي المصحف فلم أجد فيه لبني إسماعيل على بني إسحاق فضلا".
    فهذا قول إن قاله علي فليس فيه دليل أنه أراد به الطعن على عمر وإظهار خلافه، لأن عليا قد ملك أكثر الأرض خمس حجج، فلو كان رأيه في خلاف عمر على ما تصفون، وكان عمر عنده لا يرى التسوية في العطاء، لقد كان غير دواوين عمر، وبدل أعطيته وفروضه وحولها إلى الحق عنده، أو نطق فيها بحرف، أو أظهر ذلك في هيئته إن لم ينطق به خطيبا ومحتجا.
    وكيف يكون ذلك ولا أحد أعلم بصواب ما دبر عمر في ذلك من علي؟
    وكيف يكون عمر لا يرى التسوية وقد صنع صنيعا لو قام مقامه أشد الناس سعيا - ما لم يجر عن الحق ويعدل عن السداد - ما كان عنده ولا في طاقته أكثر منه.
    والعجب أنكم تزعمون أن عليا كان يرى التسوية، وأن عمر صاحب حمية، فأنتم تروون أن أكثر احتجاجه إنما كان بذكر قرابته وأمتن أسبابه ومصاهرته، مع أن القرابة هي التي أخرجتكم إلى هذا الإفراط كله، فأنتم تحبون بني هاشم وتفضلونهم للقرابة، وتوجبون لهم الإمامة للقرابة، ثم تزعمون أن عليا كان يرى أن ولد إسماعيل وإسحاق سواء، وكان يرى أن العرب والعجم سواء.
    وكيف غضبتم على عمر لأنه فضل قريشا على العرب، والعرب على العجم، ولم تغضبوا على أنفسكم حين فضلتم بني عبد المطلب على بني هاشم، وفضلتم بني هاشم على بني عبد شمس؟
    ففضلوا أيضا بني عبد شمس على سائر قصي، وسائر قصي على سائر كعب، وسائر كعب على سائر قريش، وكذلك سائر قريش على سائر مضر، وكذلك سائر مضر على ربيعة، وربيعة على ولد إسحاق، وولد إسحاق على ولد قحطان.
    وإن شئتم ففضلوا ربيعة على اليمن، واليمن على العجم. وإذا أنتم قد دخلتم في كل ما عبتم.
    فأما أن تفضلوا من شئتم على من شئتم - وإن كان من لم تفضلوا في القياس كمن فضلتم - فليس ذلك لكم، لأن القياس قد اعترض دون مشيئتكم وقضى عليكم.
    ولو أن قائلا قال: أنا أزعم أن الناس كلهم بعد بني عبد المطلب لصلبه سواء، كما قلتم إن الناس كلهم بعد بني هاشم سواء، ما كان الذي قال أمس بالرسول وأولى بالحكم. فإن قلتم: فمن أين كان له أن يقف على جد عبد المطلب وليس بينه وبين هاشم إلا أب؟ فيقال لكم: وكيف كان لكم أن تقفوا على جد هاشم وبين هاشم وعبد مناف أب واحد؟ وكيف كان لكم أن تقطعوا التفضيل وحق القرابة من لدن هاشم، وهاشم وعبد شمس أخوان لأم وأب؟ ولذلك قال الشاعر:
    عبد شمس كان يتلو هاشما * وهما بعد لأم وأب
    فاجعلوه يتلو هاشما في حق القرابة واستحقاق الإمامة. وإذ جاز عندكم أن تتخطى الإمامة العم إلى ابن العم كان [ذلك] في الأخ للأم وللأب.
    ثم زعمتم أن الدليل على أن عمر صاحب عصبية وحمية، رده لسلمان حين خطب إليه ابنته، وسلمان كان أعقل من أن يخطب إلى أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.
    قلنا: جوابنا في هذا في خطبته إلى علي، وإن كان علي أشرف موضعا. مع أن القائم عن سلمان أنه كان يقول: قال لي النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "يا سلمان لا تبغض العرب فتبغضني". وكان يقول: "أمرنا أن نأتم بكم ولا نؤمكم، وأمرنا أن نزوجكم ولا نتزوج منكم".
    فليس في الأرض متعرب وصاحب عصبية إلا وأكبر ما يحتج به في المناكح حديث سلمان.
    وقد تمنع الأشراف عقائل نسائها لأسباب غير التحريم، لا يكون ذلك عيبا عليهم في آدابهم، ولا نقصا في أديانهم.
    وفي قول علي يوم الجمل حين رأى عبد الرحمن بن عتاب صريعا: "شفيت نفسي وجدعت أنفي، قتلت الصناديد من بني عبد مناف [وأفلتني الأعيار] من بني جمح!" فقال له رجل: لشد ما جزعت عليه يا أمير المؤمنين! قال: "إنه قد قامت عني وعنه نسوة لم يقمن عنك" دليل أنه قد كان يرى للأمهات قدرا كثيرا، وللمناكح خطرا عظيما.
    وفي كراهته أن يتزوج المقداد ضباعة بنت الزبير، حتى كان من النبي إليه الذي كان، دليل على شدة تدبيره.
    وإنما ينبغي أن يقضي بين أصحاب محمد من قد عرف أمورهم في جميع متقلبهم، لأنه غير مأمون على المتكلم إذا قل سماعه أن يخرجه الجهل [إلى] استصغار بعضهم أو تضليله والبراءة منه، فيهلك هلاك الدنيا والآخرة.
    وإن أغنى الناس أن يكون أصحاب محمد خصومه لأنتم معشر أصحاب النظر والمتكلمين.
    والذين نحلوا عمر العصبية رجلان: رافضي أحب أن يمقّته إلى العجم والموالي، ومتعرب عرف أن عمر عند الناس قدوة، فنحله ذلك ليكون له حجة. فاعرف ذلك.
    وأما ما ذكروا من أن الزبير خرج شادا بسيفه يوم السقيفة، فإن كانوا صادقين فإن هذا لهو الطيش والتسرع إلى الفتنة. وتهييج الناس على إظهار السلاح.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:58

    وإنما أتى أبو بكر الأنصار واعظا ومحتجا، ومسكنا ومصلحا بألين الكلام وأحسن الهدي، لم يحمل سوطا ولا سيفا، ولم يظهر معازة ولا أراد المغالبة. فما وجه خروج الزبير بسيفه شادا نحوه؟ بل كان أشبه الأمور بالزبير وأولاها به، والذي يجب علينا أن نظنه به، أن يقوم محتجا ومصلحا. فإذا أبان عن حجته وأعذر في موعظته فلم ير ذلك ناجعا ولا مقبولا، ورأى شيئا يجوز به حمل السيف والشد به، كان من وراء ذلك.
    وكيف علمتم أن الزبير إنما سل سيفه ليؤكد لعلي إمامته أو ليوطئ له خلافته؟ ولعله إنما أراد الأمر لنفسه دون غيره. ولعله إنما غضب لصرف الأمر من خاله وكبيره وشيخه العباس بن عبد المطلب. فكيف علمتم أنه إنما أراد صرفها عن أبي بكر خاصة؟ وكيف يشد على رجل لم يقل بايعوني ولا أظهر الحرص عليها، وإنما كره أن يبقى الناس نشرا، وعلم أن على الأنصار أن يسمعوا للمهاجرين. وقد قال للناس: "بايعوا أي هذين شئتم" يعني أبا عبيدة وعمر. إلا أن يكون الزبير قال: ولم كنت أنت المحتج على الأنصار والمعرف لهم فضل المهاجرين عليهم دون علي!
    ويقال لهم عند ذلك: أما بادي الرأي والذي لا نشك فيه نحن ولا أحد ممن خالفنا، فالذي كان من مناصبة الزبير لعلي ومحاربته له دون الإمامة، وزعمه أنه أفضل منه وأولى بها منه، ولو جعلها شورى لفرعه وبرز عليه.
    ثم الذي لا يشك الناس فيه من طاعته لعمر، وإنما عمر شعبة من شعب أبي بكر. ولقد بلغ من تعظيمه لعمر وطاعته له وإكباره لقدره، أنه محا نفسه من الديوان لما قتل عمر تسلبا عليه ورفعا لقدره أن يلي منه من الإعطاء والمنع أحد كما كان يليه منه عمر. كما محا نفسه من الديوان حكيم بن حزام لما توفى النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. وكذلك محا نفسه من الديوان عبد الله بن الزبير حين قتل عثمان.
    ولقد بلغ من طاعته لعمر أنه بعثه مددا لعمرو بن العاص، فجعل عمرا الأمير عليه ينفذ لأمره ويصلي بصلاته.
    والذي يدلك على انبتاته في هوى أبي بكر، وانقطاعه إليه بمودته الخاصة التي كانت بين أبي بكر وبينه، وذلك أن عبد الله بن مسعود أوصى إليه حين مات. وعبد الله عمري محض، وهو القائل في عثمان حين برز على الشورى: "ما ألونا أن جعلناها [في أعلا] نا ذا فوق". فإذا كان هذا قوله في عثمان وعلي، فما ظنك به في أبي بكر وعمر.
    ثم أوصى إليه عثمان بن عفان [و] هو أصل العمرية والعثمانية، والمباينة لعلي وشيعته عندهم. وأوصى إليه عبد الرحمن بن عوف، وهو المختار لعثمان على علي، وصاحب أبي بكر، والدافع بالموسم في خلافة أبي بكر من بين جميع المهاجرين.
    هذا مع أسباب الزبير الواشجة بأبي بكر: فمن ذلك إسلامه على يديه، واحتماله مؤونته في مصاهرته، حيث رغب إليه في تزويج ابنته أسماء ذات النطاقين، فولدت عبد الله - وعبد الله كنيته أبو خبيب - وعروة وغيرهما. وكان عبد الله أول مولود ولد في الهجرة، فسماه الزبير باسم جده أبي بكر، لأن اسم أبي بكر عبد الله ولقبه عتيق، وإنما لقب بعتيق لعتق وجهه ودقة محاسنه. ثم كني [ابن] الزبير بأبي بكر بكنية جده. فكان عبد الله بن الزبير يكنى أبا بكر تيمنا منهم بكنيته وتبركا باسمه.
    وقالت عائشة رضي الله عنها: ألا تكنيني يا رسول الله؟ قال: "بلى، اكتني بابنك" يعني عبد الله بن الزبير. فكانت عائشة تكنى بأم عبد الله. ولذلك كانت تقول: قال ابني، وفعل ابني، وكادوا يوم الجمل أن يقتلوا ابني.
    فيقال للرافضة: أما العيان والوجود فهو الذي خبرناكم به. وأما ما ادعيتم من [أن] الزبير سل سيفا ليؤكد إمامة علي فقد ينبغي أن تأتوا على ذلك ببرهان. فأما معاداة الزبير له ومحاربته إياه وفخره عليه، فهذا ما لا يدفع عنه، ولقد فخر عليه حين دعاه إلى الشورى وأبى ذلك علي فقال: أسلمت بالغا مدركا وأسلمت ناشئا طفلا، وكنت أول من سل سيفا في الإسلام ببطن مكة وأنت مستخف في الشعب يكفلك الرجال ويمونك الأقارب من هاشم، وكنت فارسا وكنت راجلا، وكنت شجاعا وكنت بطلا. ولئن كنت تزعم [أنك ابن عمه] إني لابن عمته. وأنا عابر البحر يوم الحبشة، وفي هيئتي نزلت الملائكة. وأنا حواري رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وفارسه.
    خبرني بهذا الكلام أبو زفر، عن ضراب أن الزبير كان احتج به.
    وخبرني جماعة من العثمانية عن محمد بن عائشة، أن الزبير كان احتج به، وقد سقط عني بعضه لطول العهد بسماعه.
    وقالت العثمانية: العجب أن الروافض ربما احتجت علينا بأن الزبير سل سيفه ومضى قدما في تأكيد بيعة علي وخلع سواه، ونقص من أبي بكر.
    فيقال لهم: فما منعكم أن تقولوا لما مات النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وجحد السلف إمامة علي: كفر الناس خلا خمسة نفر أولهم الزبير في نفسه وفضيلته على غيره، وأكبر ما كان منه من سل السيف والشد به، وهذا موقف لم يقفه بلال ولا أبو ذر. وأنتم على ثقة أن ذلك كان، وأن السيف لم يحمل إلا لنصرة علي دون العباس وجميع بني عبد مناف وما ولد قصي.
    وكيف لم يكن أدنى منازل الزبير أن يكون قد كان مؤمنا وليا إلى أن جحد إمامة علي بعد مقتل عثمان، فيكون سبيله شبيها بسبيل حذيفة وعمار، لأنهما كانا عندكم كافرين حتى تابا في زمن عثمان، فكان يكون الزبير مؤمنا إلى أن كفر عند مقتل عثمان.
    وإنما صار حذيفة وعمار عند الرافضة وليين لأنهما قالا بزعمهم: والله ما دخل عثمان حفرته إلا كافرا، وإنه لحيفة على الصراط يوم القيامة، يتأذى به أهل الجمع.
    فإن كانوا إنما صاروا إلى توليهما بعد إكفارهما من أجل تصديق هذا الحديث فإن الذين رووه هم الذي رووا أنهما قالا: والله ما دخل عثمان حفرته إلا كافرا، وإنه لجيفة على الصراط يتأذى به أهل الجمع؛ وإنه لا يلي هذا الأمر بعد عمر إلا كل أصفر أبتر. فإن كانا قد تابا بقولهما الأول لقد ارتدا بقولهما الثاني حين قالا: وإنه لا يلي هذا الأمر من بعد عمر إلا كل أصفر أبتر.
    ولو لم يكن ذلك كذلك بل كانا مرتدين فتابا فتوليتموهما عند توبتهما وعاديتموهما قبل ذلك على طاعتهما لعمر، فما بالكم لم تقولوا مثل ذلك في الزبير أنه لم يزل مؤمنا حتى جحد إمامة علي بعد؟ مع أن سل الزبير سيفه، وعدوه نحو أبي بكر وأصحابه، وقول عمر: "دونكم الكلب" حتى أخذ سيفه وخطر، إنما هو حديث وجدناه في بعض السيرة، وليس من الأخبار المستفيضة، وليس مما يحققه أصحاب الحديث.
    وإن قالوا: فما قول أبي بكر في خطبته التي خطب بها في أول خلافته: "وليتكم ولست بخيركم"؟ وهل يخلو هذا القول من الصدق والكذب. فإن كان صدقا فهو خلاف قولكم في تفضيله على جميع أئمتكم، والرجل كان أعلم بنفسه وبأهل دهره، وإن كان كاذبا فأي كذب أقبح من كذب إمام على منبر جماعة؟ ومن أحق بألا يليهم ويحمل إمامة دينهم ودنياهم ممن يكذب على منبر الرسول من غير أن يكرهه أحد أو يريده عليه، أو يكون في تقية كخائف السوط والسيف؟ بل ما يدعوه إلى الكذب، والكذب مقبح في العقل مقبح في الدين، ولم يكن هناك رهبة تسوقه ولا رغبة تقوده؟ على أن كذب الرعية أسخف وأقبح، وهو لا يخلو من أن يكون صادقا فلا يسعه أن يتقدم من هو خير منه وقد مكنه تقديمه، أو يكون كاذبا فالقول فيه على ما قلنا.
    قلنا: إن العثمانية تذكر لذلك وجوها:
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 14:59

    فمنها: أن الحسن كان يقول: "والله أعلم أنه كان خيرهم، ولكن المؤمن يهضم نفسه". فزعم الحسن أنه إنما تهضم نفسه ووضع منها لأن الخلف المشفق كثيرا ما يزرى على نفسه ويعيب عليها ويستبطئها، ويظهر المقت لها والخوف عليها. فهذا كان مذهب الحسن.
    وأما قتادة فزعم أنه قوله: "وليتكم ولست بخيركم" إنما أراد في الحسب، ليعلمهم أنه إذ يليهم بالحسب فإنما وليهم بالسابقة. لأنهم قد كانوا أكثروا من قولهم: أرضيتم معشر بني عبد مناف أن تلي عليكم تيم؟ وأراد في أول مقام قامه أن يعلمهم [أن] ذلك المقام لا ينال بأن يكون صاحبه خير الناس حسبا ومركبا، إنما ينال بأن يكون خير الناس علما وعملا.
    وأما غيرهما فزعم أن من عادة الخائفين الوجلين المشفقين أن يقول الرجل منهم: كل أحد خير مني؟ ثم يبكي على تضييعه، ويستعظم صغير ذنوبه كأنه ليس في الأرض مذنب سواه، وأكثر ما يقول ذلك عند ذكر بعض ذنوبه أو عند بعض ما يعارضه به الشيطان والإنسان، من تزكيته وتقريظه وإظهار تفضيله لنفسه وإحسانه، والعجب بحاله. لأنه ليس بعد أن يرى العبد أن ذنبه من قبل ربه مذهب هو أعظم من استكبار الطاعة واستصغار المعصية. فعند ذلك يعارضه المؤمن بتقريع نفسه وتأنيبها، وتوقيفها على ما فرط منها، وتذكيرها مساويها، واستعظام كل ما كان من تقصيرها وإساءتها، واستصغار كل ما كان من عظيم إحسانها وطاعتها، فيقول: كل أحد خير مني. وما أشبه من الكلام.
    وهذا الضرب من اللفظ، إذا كان على هذا الوجه فليس في مجرى الكذب وقول الزور، وإن كان القائل: "كل أحد خير مني" خيرا من كل أحد.
    فكأن أبا بكر لما خطب الناس وقام مقام رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وسلم عليه المهاجرون والأنصار وعلية قريش وسادة العرب قياما على أقدامهم، وصفوفا على مراتبهم، يقولون: السلام عليك يا خليفة رسول الله، وألقيت إليه أزمة الأمور، وأعطوه المقادة، وأسمحت نفوسهم له بالطاعة وقد صرفوها عن القرابة وعن أهل الشرف، رأى بسطة عيشه من عز الخلافة وبأو الإمامة، ما لا يعرف قدره غيره، ولا تأتي الصفة على كنهه، وللشيطان هناك مداخل ومخاتل، ودس وتحريك وطمع، ليس يقوى بشري على دفع تلك الفتنة، وتسكين تلك الحركة، والنهوض بتلك المحنة، إلا بغاية الزري على النفس والهضم لها، والبخس والتخون منها، وتناسي ذكر جميع محاسنها، واجتلاب ذكر جميع مساويها. فبالحري إذا صنع ذلك أن يرد من غربه وطوائع نفسه، وحركة همته، وانتشار عزمه، وانتقاض مرته.
    وهذه حال لا يمتحن بها إلا الخلفاء، ولا يختبر بها إلا الأئمة الهدّى، لأن معهم من قوة المنن ومن فضول الأحلام، وشدة الورع وكثرة العلم، وثبات النفس، والمعرفة بما أداه الطائع، وإماتة الشهوات، وقمع ... ما يقام به موريه مكايد الشيطان وتعظيم الإنسان، وعز السلطان. والنفس لا تسمح بإعطاء ما عليها حتى تمنعها ما لها.
    وإن كان قول أبي بكر: "وليتكم ولست بخيركم" إنما أراد به مداواة قلبه والزري على نفسه، فليس بكذب وإن كان خيرهم، إذ كان إنما أراد إصلاح قلبه، وعلاج دائه، والبعد من تقرير القوم بنقصهم عن فضله، والفخر عليهم بتبريزه. فإنما أراد أن يكون سبيله سبيل من يظهر التعلم إذا علم، وسبيل من يتواضع إذا عظم. فجمع بذلك حسن الأدب، والبعد من التزكية. والتحبب إلى المستمع، والتواضع لربه، والمداواة لقلبه، والظفر بعدوه، وإحراز دينه.
    وقد يكون إخلاص ظاهر لفظه على شئ ومعناه غيره، فلا يكون ذلك كذبا، لمعرفة القائل بفهم المستمع عنه. وهذا باب كثيرا ما يستعمله العرب.
    يقول الرجل لامرأته: ألقيت حبلك على غاربك! وهو يعني طلاقها وليس هناك حبل ألقي على غارب.
    ويقول: ما لي في هذا الأمر ناقة ولا جمل! وليس ذلك يريد. ولست منها في عير ولا نفير! وليس ذلك يريد.
    وقال عمر في الصداق ما بلغكم، فلما احتجت عليه المرأة بقول الله: {وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا} قال: كل أحد أفقه من عمر.
    وهذا القول ينبغي أن يكون على قياسكم هذا كذبا. ولا نعلم أحدا رواه عن عمر إلا على التفضيل له. ووجهه قائم معروف.
    فإن قالوا: ما معنى قول أبي بكر: "بايعوا أي هذين شئتم"، يعني عمرو وأبا عبيدة.
    قيل لهم: إن أبا بكر إنما قال هذا الكلام للأنصار ومن حضر بعد أن قرر الأنصار بفضل المهاجرين عليهم، وأن الأمراء منهم. فعلم عند ذلك أنه بائن عند الأنصار من جميع المهاجرين كما بان عند المهاجرين، ولكنه كان سائسا رفيقا، فكره أن يقول بايعوني، ليكونوا هم الذين يطلبون منه ذلك ويريدونه عليه، ويظهرون حب تقديمه، لتكون النفوس بطاعته أسمح، وفيها أرغب، ولمذهبه أحمد، ولأن ذلك عندهم أبعد من الاستبداد عليهم، والافتيات بالأمر دونهم، والحرص على التأمر عليهم. ولذلك مشى في الناس بعد بيعته ثلاثا يقول: هل من مستقيل فيقال؟
    وقد قال في خطبته بعد البيعة:
    وقد كانت بيعتي فلتة، وخشيت الفتنة، وايم الله ما حرصت عليها يوما ولا ليلة، ولا سألتها الله في سر ولا علانية، وما لي فيها راحة، وقد قلدت أمرا عظيما ما لي به طاقة، ولوددت أن أقوى الناس عليها مكاني.
    ألا ترى زهده فيها، وقلة حرصه عليها، وكيف يخبر أنه لو لم يخش الفتنة ما قبلها، ولود أن أقوى الناس عليها مكانه؟
    وقوله: "لوددت أن أقوى الناس عليها مكاني" يقول: وددت أنه لو كان في الناس من هو أقوى عليها مني. ليس أنه يرى أن في الأرض يومئذ رجلا هو أقوى عليها منه.
    ومثل هذا في كلام العرب كثير.
    وقال الراجز وذكر إبله فقال، إذا كانت عليها مغارضها:




    • يشربن حتى تنقض المغارض *
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 15:01

    يقول: يشربن حتى لو [كانت عليها مغارضها] سمعت لها نقيضا. والبعير لا يورد وعليه غرضه وبطانة.
    ثم رجعنا إلى الحديث الأول.
    فكأن أبا بكر حين قال: "بايعوا أي هذين شئتم" علم أن عمر وأبا عبيدة لا يستجيزان تقدمه والتأمر عليه، كما بلغنا من قول عمر في أبي بكر، يوم جمع المهاجرين والأنصار يستشيرهم في غزو الروم حيث خالفوه وأبى أبو بكر إلا إنفاذ ذلك الجيش والتعريف لهم بالحجة فيه، حين يقول: "الحمد لله الذي يخص بالخير من يشاء من خلقه. والله ما استبقنا إلى شئ من الخير إلا سبقنا إليه، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم".
    وقال أيضا يوم السقيفة حين قال أبو بكر: بايعوا أي هذين شئتم: "والله لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلى من أن أتقدم أبا بكر".
    وقال: "والله لأن أضجع فأذبح كما يذبح الجمل أحب إلى من أن أتقدم أبا بكر".
    ولقد بلغ من تعظيمه له وتقديمه إياه أنه قال حين سئل عن الكلالة: "والله إني لأستحي الله أن أرى خلاف رأي أبي بكر".
    وأنت لم تجد أبا عبيدة تقدمه في موقف قط، وقد وجدت أبا بكر قد تقدم أبا عبيدة في مواقف كثيرة، في حياة رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وبعد وفاته، كما حكينا لك قبل هذا. ولم نجد ذكر أبي بكر وعمر في موضع قط إلا وأبو بكر المقدم عليه، مع مقامات لأبي بكر شريفة ليس لعمر فيها ذكر.
    فبين أن يكون أبو بكر يأمرهم بذلك أمرا أو يطلب إليهم طلبا، وبين أن يجعله إليهم فيكونوا الطالبين له والراغبين إليه، وليكون ذلك من تلقائهم وطيب أنفسهم، فرق عظيم.
    وأية بيعة أثبت من بيعة عقدها عمر والنبي يقول: "ضرب بالحق على لسانه" و "الشيطان يفرق من حسه" و "اللهم أعز الإسلام بعمر"؟ وأية بيعة أثبت من بيعة عقدها أبو عبيدة والنبي يقول: "لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح".
    وأية بيعة أثبت من بيعة عقدها عبد الرحمن بن عوف وقد سماه رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] "الأمين". فإذا كان أمين رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في أمته، والفاروق الذي فرق الله به بين الحق والباطل، حيث قال: "لا يعبد الله سرا بعد اليوم" قد عقدا بيعته وأكدا أمره، فما عسى أن يبلغ قول قائل؟ ولو كان ذلك عن مواطأة من أبي بكر لأبي عبيدة كما واطأ معاوية عمرو بن العاص، ما استعمل عليه خالد بن الوليد أميرا أيام حياته حتى عزله عمر بن الخطاب، ولكان كما صنع معاوية بعمرو حين أطعمه مصر.
    وأية بيعة أثبت من بيعة عقدها عبد الله بن مسعود، والنبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] يقول: "رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد، وكرهت لها ما كره ابن أم عبد". فإذا رضي ابن أم عبد بيعة رجل فقد رضيها النبي عليه السلام، إذ كان النبي قد قال: "رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد، وكرهت لها ما كره ابن أم عبد".
    ولقد بلغ من تقديمه لأبي بكر وعمر وعثمان أنه قال عند اختيار الناس لعثمان: "ما ألونا أن جعلناها في أعلانا ذا فوق".
    ولقد بلغ من تعظيمه لعمر وتقديمه له، أنه قال: "لقد خشيت الله في حب عمر". وقال: "ما صلينا ظاهرين حتى أسلم عمر". وقال بعد موت عمر: "إن عمر كان للإسلام حصنا حصينا يدخل الناس فيه ولا يخرجون منه، فلما مات انثلم ذلك الحصن فصار الناس يخرجون منه ولا يدخلون فيه". وقال: "إذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر".
    فإذا كان عمر وعثمان من أتباع أبي بكر وشيعته وأوليائه، وهذا قوله فيهما وتفضيله لهما، فما ظنك به في أبي بكر؟
    ولو أن رجلا واحدا من نحو من ذكرنا عقد لعلي إمامة، أو نطق فيه بكلمة، لأكلت الشيع والروافض هذه الأمة فضلا عن أن تحتج يرضاه واختياره. فهذا هذا.
    ثم الذي نقلوا إلينا من تثبيت علي بيعة أبي بكر. وذلك أنهم قالوا: لما بويع أبو بكر وبايعه علي وبنو هاشم، قام أبو بكر فطاف في الناس ثلاثا يقول: "أيها الناس، قد أقلتكم بيعتي"! قالوا: يقول علي من بين الناس: "والله لا نقيلك ولا نستقيلك، قدمك رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] تصلى بالناس فمن ذا يؤخرك؟".
    ثم الذي نقله الناس عن علي حين قال على منبره: "ألا إن خير هذه الأمة أبو بكر، والثاني عمر، ولو شئت أن أخبركم بالثالث فعلت".
    ونقلوا جميعا أن عليا قال: بينا أنا يوما عند رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] إذ أقبل أبو بكر وعمر فقال النبي: "هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، ما خلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما بالذي قلت يا علي". قالوا: قال علي: لولا أنهما قد ماتا ما حدثتكم.
    قال الشعبي: قال علي: "إن أبا بكر كان أواها منيبا، وإن عمر ناصح الله فنصحه الله".
    ونقلوا أن عليا قال - ودخل على عمر وقد مات وهو مسجى - فقال: رحمك الله يا عمر! والله ما أحد أحب إلى أن ألقى الله بمثل صحيفته من هذا المسجى صاحب السرير!
    وبلغه أن رجلا تناول أبا بكر وعمر، فقال للرجل: لو سمعت منك الذي بلغني لألقيت أكثرك شعرا.
    وقال: لو أتيت برجل يشتمهما لجلدته حد المفتري.
    ثم الذي نقله جميع أصحاب الآثار أنه قال: كنت إذا سمعت من النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] حديثا نفعني الله بما شاء منه، فإذا حدثني غيره عنه استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وإن أبا بكر حدثني - وصدق أبو بكر - حدثني أن النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال: "ما من رجل يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين ويستغفر الله إلا غفر له".
    ألا ترى كيف أورده بالتصديق وقلة التهمة، وأقامه مقام التقليد ورفع الاسترابة.
    فهذا مذهب علي فيهما وتعظيمه لهما.
    ثم الذي كان من تزويجه أم كلثوم بنت فاطمة بنت رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، من عمر بن الخطاب، طائعا راغبا، وعمر يقول: إني سمعت رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] يقول: "إنه ليس سبب ولا نسب إلا منقطع إلا نسبي". قال علي: إنها والله ما بلغت يا أمير المؤمنين. قال: إني والله ما أريدها لذاك! فأرسلها إليه فنظر إليها قبل أن يتزوجها، ثم زوجها إياه، فولدت منه زيد بن عمر، وهو قتيل سودان مروان، فلما أتى النعي أم كلثوم كمدت عليه حزنا حتى ماتت، وقالت: واحربها! قتل أبوها علي بن أبي طالب، وقتل زوجها عمر بن الخطاب، وقتل ولدها زيد بن عمر.
    ثم تسمية علي أولاده بأسمائهم، كما يتبرك الرجل بأسماء أئمته وقادته، حين سمى بعمر وعثمان وأبي بكر، فأعقب عمر ولم يعقب أبو بكر وعثمان.
    ثم الذي كان من قبوله ولاية عمر حين استخلفه على المدينة، ومضى عمر معسكرا يريد جيش مهران بعد وقعة قس الناطف، فأتاه علي إلى معسكره فأشار عليه فيمن أشار بأن الرأي أن يرجع إلى المدينة ولا يلقاهم بنفسه وحده، بل يكون للمسلمين فيئة. فرجع عمر.
    وإنما أراد عمر بذلك تحريك الناس ليجدوا ويعزموا.
    فإن قالوا: هذا كله باطل، أو قالوا: إن هذا الذي حكيتموه وإن كان حقا فإنما كان على التقية. فقد قلنا في ذلك أجمع بالذي يكتفى به.
    والعجب أنهم يوجبون على الناس تصديقهم أن سلمان قال: "كرداذ ونكرداذ" وأن الزبير خرج شادا بسيفه ليؤكد إمامة علي، وأن الأنصار إنما خالفت على المهاجرين نقضا من استبداد أبي بكر، وأن أبا سفيان بن حرب وخالد بن سعيد إنما قالا: "أرضيتم معشر بني عبد مناف أن يلي عليكم تيم"، نصرة لعلي دون جميع بني عبد مناف، فإن الله رد عليه الشمس، وإن النبي قال: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى"، وجعل إليه طلاق نسائه، وأنه قسم النار، وصاحب العرض، والقائم على الحوض. فيوجبون علينا أن نصدقهم في هذا، ولا يوجبون على أنفسهم لحمال الآثار أن عليا قال في الخلية والبرية، والبائنة، والبتة، وطلاق الحرج، وأمرك بيدك، والحرام، أنها كثلاث تطليقات، ويوجبون على طلاب الحديث أن عليا كان لا يرى الطلاق إلا طلاق السنة.
    وهذا أمر ما سمعنا به قط عن علي إلا منهم.
    وليس بأعجب من استشهاد خصومهم العيان والاجماع وما عليه الوجود، واستشهادهم القصد والضمير والغيب، وجعلهم له يوازن الظاهر والشائع.
    وذلك أن القائل إذا قال: أسلم أبو بكر كهلا وأسلم علي طفلا. قالوا: كان علي وهو ابن سبع سنين أرجح عقلا من أبي بكر وهو ابن إحدى وأربعين سنة. فتركوا العيان وعارضوا الشاهد بالغائب.
    وإن قال قائل: إن أبا بكر كان مع النبي في الغار وقد نطق به القرآن وثبته الاجماع. قالوا: فإن عليا أباته النبي على فراشه.
    وإن قلت: إن النبي سمى أبا بكر بالصديق تفضيلا له ولم يجعل له اسما يفضله به. قالوا: بلى، قد كان النبي سماه الصديق الأكبر، ولكن الناس منعوه ذلك وظلموه، حين لم يسيروه ويشيعوه.
    وإن قلت: إن النبي اشتكى أياما وليالي، كل ذلك يأمر أبا بكر بالصلاة، وهو حاضر ولا يأمره، قالوا: لأن عليا كان مشغولا بتمريضه.
    وإن قلت: إن الناس لما افتتنوا بعد موت النبي وعظموا شأنه حتى دعاهم الإفراط إلى أن قالوا: لم يمت، ولكنه يغيب مثل ما غاب موسى عن قومه. فكان أبو بكر هو المتكلم والمحتج والمحامي حتى عرفهم الحق وتنبهوا من الوسنة. قالوا: لأن عليا قد كان اشتد حزنه حتى قطعه عن الاحتجاج والتعريف.
    فإن قلت: حين أظهروا الفرقة والدار دارهم، لو تركهم أبو بكر ولم يعرفهم فضل المهاجرين عليهم، لكان في ذلك أشد الفتنة وأكبر الفساد، فعاجلهم وتجرد للاحتجاج عليهم، حين كان كل إنسان همه هم نفسه، وعلي بمعزل حتى كأنه كان غائبا. قالوا: لأن عليا قد كان عرف حسد قريش وبغيها عليه، وطاعتها وحبها لأبي بكر، فلم يكن ليقدح في غير مقدح، أو ينفخ في غير فحم.
    فإن قلنا: إن إظهار علي الرضا بالشورى دليل على طاعة عمر. قالوا: إنما ذلك للتقية.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 15:02

    فإن قيل: فلم رضي بعبد الرحمن مختارا وعبد الرحمن عنده من عدوه، وأدنى منازله أن يكون كان مخوفا عنده، وأدنى من ذلك أن يكون الغلط غير مأمون عليه.
    قلنا: وهلا أظهر من الخلاف شيئا يسير إلينا، وهلا نطق بحرف واحد بقدر ما يتخذه الناس بعد حجة، ولم يكن بلغ أقصى خلافهم فيرى وعيدا أو إيقاعا.
    فإن قلت: إن عليا قال لأسماء بنت عميس - وهي يومئذ امرأته - حين تفاخر ولدها من أبي بكر وجعفر وعلي عندها: اقضي بين ولدك. فقالت: ما رأيت شابا كان أطهر من جعفر، ولا رأيت شيخا كان أفضل من أبي بكر، وإن ثلاثة أنت أخسهم لفضلاء! فلم ينكر ولم يحتج، ولم يفرق ولم يتعجب، والكلام يؤثر والقضية تظهر.
    قالوا: إن فضله أظهر في الناس من أن يحتاج إلى الاحتجاج، وإنما قالت ذلك مازحة، كما تمزح المرأة مع زوجها وتحرش به.
    فإن قلت: إن عليا قد بايع أبا بكر وأعطاه صفقته طائعا غير مكره، والحكم السابق من الله ورسوله أن المدعى عليه إذا أقر ولم ينكر، ولم ير الوالي أثر جنون ولا إكراها، أن إقراره جائز عليه، فكذلك علي إذا كان قد بايع وليس على رأسه سيف ولا سوط، فحكمه حكم الراضي المسلم.
    قالوا: قد كان هناك إكراه ظاهر، ولكن الناس تكاتموه وأخفوه فيما بيننا وبينهم، إذ كان الجمهور الأكبر معهم.
    فإن قلت: قد صدقناكم في قولكم إنه قد كان في تقية من أبي بكر وعمر وعثمان، رأيتم أيام سلطان نفسه ومعه مائة ألف سيف تطيعه وأهل الأرض كلهم رعيته ما خلا الشام، لم كان يظهر تزكية أبي بكر وعمر على منبره وفي مجلسه؟
    قالوا: للتقية من رعيته، إذ كان أكثرهم على هواهم وطاعتهم.
    قلنا: قد عرفنا أن تركه لعنهم والبراءة منهم والإخبار عن استبدادهم وظلمهم على التقية، فما حمله على تزكيتهم والأخبار عن محاسنهم، والرواية الحسنة فيهم، وقد كان له في السكوت سعة، وعن الكلام مندوحة؟ ولقد تعدى في مديح أبي بكر وعمر حتى قال لابن طلحة: "إني لأرجو أن أكون أنا وأبوك ممن قال الله: {إخوانا على سرر متقابلين}".
    وإن قلنا: إن في تسميته بنيه بأسمائهم دليل على تعظيمه لهم.
    قالوا: لأنه قد كان علم أن شيعته سيحتاجون في آخر الزمان إلى الترحم على أبي بكر وعمر وعثمان، تقية من شيعتهم، فسمى بنيه بأسمائهم، حتى يكون ذلك الترحم واقعا عليهم. ولأن ينصب لهم من إذا قصدوا إليه بالترحم أصابوا الحق ولم يحتاجوا إلى الإلطاط.
    وإن قلنا: إنه زوج عمر غير مكره، ولا شئ أدل على الخاصة والصفاء من المشاركة والمصاهرة.
    قالوا: قد كان هناك توعد وتخوف، وقد قال بعضهم: إن هذا باطل وإن عليا لم يزوج عمر قط. ونبئت عن بعضهم أنه قال: قد كان ذلك على التقية، ولكن الله صانها فأخفاها ورفعها.
    فقيل له: فخبرنا عن التي رأوها في منزل عمر وعلى فراشه، وولدت منه زيدا، ما هي، وأي شئ كانت؟
    قال: شيطانة في صورة امرأة.
    وإن قلت لهم: كيف زعمتم أنه كان أشد أهل الأرض قلبا، وأنتم تزعمون أنه كان يتقي كل شئ، حتى ليسلم حرمته إلى كافر من غير أن يشهر عليه سيف أو يضرب بسوط. وقد رأينا من هو في دون حاله في النجدة والشجاعة، والحمية والبصيرة، يمتنع حتى يقتل في دون هذا. وقد تعلمون أنه لم يُكْلم ولم يخدش، فضلا على أن يجرح ويقتل، في جميع المقامات التي زعمتم أنه إنما استجاز واستحل من التقية.
    وأعجب من جميع هذا أنا رأيناكم تزعمون أن أبا بكر وعثمان كانا من أجبن البرية وأبعده من حمية، وقد رأينا صنيع أبي بكر في الردة كيف نهض بالقليل في محاربة الكثير، وكيف أشاروا عليه بأن يستعين بجيش أسامة حتى إذا رد الردة أعاد الجيش إلى حاله. وكيف قال لهم حين قالوا له: إنا قد أمنا غزو الروم إيانا في يومنا هذا، ولسنا نأمن مع ارتداد جميع العرب أن نغزى في عقر دارنا! قال: لو بقيت حتى يأكلني الكلاب وحدي ما أخرت جيشا أمر رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بإنفاذه.
    ثم رأينا عثمان، وهو عندكم أضعف من أبي بكر وأجبن، قد كان محاصرا معطشا مخذولا قد قهره عدوه، والسيوف تلمع على بابه، وقد أفضوا إلى داره، وتسلقوا عليه من خوختة، وهم يريدون نفسه أو خلع الخلافة من عنقه، فصبر حتى قتل كريما محتسبا وهو يقول: "لا أنزع قميصا قمصنيه الله!" وهو يرى الجد وليس معه أمان من قبله.
    وقد يزعمون أن عليا قد كان يعلم أنه لا يقتل ولا يموت حتى يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، ومع ذا يزعمون أن الله قد كان أسر إليه علم كل ما يحدث في هذه الأمة من الفتن والهيج. وهذا لا يشبه اتخاذه أبا موسى حكما عليه وله، مع غباء أبي موسى وعداوته كانت له، ولا سيما إذا قرنه بعمرو بن العاص. وما ظنك برأي عمرو، وقد كان فيه معونة.
    ففي جميع ما قلنا دليل على أن القوم إما أن يكونوا مالكين لأهوائهم.
    فإن قالوا: ما الدليل على إسلام أبي بكر فضلا على تقديمه وتفضيله ومباينته؟ ومن أين لكم أن تزعموا أنه قد كان مسلما وأنتم وخصومكم مجمعون على أنه قد كان كافرا، ثم ادعيتم أنه قد أسلم بعد كفره وأنكر ذلك خصومكم، فليس لكم أن ترجعوا عما اجتمعتم عليه إلا بإجماع منكم يوازنه. وقد ينبغي أن تطرحوا موضع الفرقة وتقضوا بموضع الجماعة، وقد جامعتمونا أن عليا لم يزل مؤمنا.
    قيل لهم: إنا لو كنا عرفنا أنه قد كان مرة كافرا من قبل خبر أصحابنا ومجامعة خصومهم لهم، وكان علم ذلك لا يصاب إلا بمجامعتهم لأصحابنا، لقد كان الذي قلتم واجبا وقياسا صحيحا. ولكنا عرفنا أنه قد كان كافرا بقدر من الخبر قد يكذب مثله، وبه ثبت عندنا أنه قد كان في الدنيا، فضلا على أن يكون كان له فعل يسمى كفرا وإيمانا. وإنما الحجة في المجئ الذي لا يكذب مثله، ثم لا نلتفت بعد ذلك إلى موافق ولا إلى مخالف، ولا إلى عقل ولا إلى نظر. ثم نظرنا فإذا الوجه الذي منه علمنا أنه قد كان في الدنيا، منه علمنا أنه قد كان مرة كافرا، و [هو] الوجه الذي منه علمنا أنه قد أسلم بعد كفره. ولو أنا عرفنا كفره بنا وبخصومنا، لما عرفنا إيمانه إلا بنا وبهم.
    محمد منسى
    محمد منسى
    أسرة ورد الشام
    أسرة ورد الشام


    البلد : مصــــــــــــــــر
    ذكر
    العمر : 45
    صديقة مقربة صديقة مقربة : مــآآآري
    صديقة مقربة صديقة مقربة : سما فكري
    عدد الرسائل : 5243
    العمل/الهواية : الشعر * الشطرنج * كرة القدم
    تاريخ التسجيل : 09/06/2009
    مستوى النشاط : 23907
    تم شكره : 24
    القوس

    (((  العثمانية   )))  للجاحظ - صفحة 2 Empty رد: ((( العثمانية ))) للجاحظ

    مُساهمة من طرف محمد منسى السبت 11 مايو 2013 - 15:05

    ووجه آخر من الجواب: أنكم قد جامعتمونا على أنه قد كان يشهد الشهادة، ويأكل الذبيحة، ويظهر الإسلام، في حيث النفاق مستخف وثوب الإسلام داج، والكفر ذليل والإسلام عزيز، [ثم] ادعيتم بعد أن أقررتم أنه قد كان يظهر الإسلام في دار الإسلام، أنه كان مستسرا بالكفر، وأنه كان من المؤلفة قلوبهم.
    فالواجب بالقياس أن يحكم له بالإسلام على ظاهر ما اجتمعنا عليه من جملته. ولا ندع موضع الإجماع إلى قولكم وحدكم: إنه قد كان إسلامه على نفاق، لأن الجماعة لا تنزل إلى فرقة، ولأن الحجة لا تترك إلا بحجة.
    فإن قالوا: فإن أبا بكر لم يشهد قط الشهادة، ولا صلى [إلى] القبلة.
    قلنا: ما تقولون في رجل رأيناه كافرا في دار الكفر، ثم رأيناه بعد ذلك في دار الإسلام وفي زي أهله، وحكم الإسلام غال، ومعلوم أن من عادة أهله قتل من كفر، كيف يكون حكم ذلك الرجل؟
    فإن قالوا: ولكنا نقف في مغيبه.
    قلنا: اجعلوا أبا بكر ذلك الرجل.
    فإن قالوا: فإن أبا بكر لم يزل يظهر الكفر في دار الإسلام، كما كان يظهر الكفر في دار الكفر.
    قلنا: لا بد لكفره من وجهين: إما أن يكون كان يظهره على عهد وذمة فلذلك لم تقتلوه، أو يكون كان على غير عهد وذمة.
    فإن ادعوا أن كفره كان على عهد وذمة كما جعل الله ورسوله للنصارى ولليهود، خرجوا إلى ما لا نحتاج مع فحشه إلى الكلام فيه. وإن زعموا أنه كان على غير عهد وذمة وحكم الإسلام ظاهر، فما أشبه هذا القول بالقول الأول.
    ويقال لهم: خبرونا عن أبي بكر، هل يخلو من أن يكون لم يقل قط في دار الإسلام: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أو يكون قد قال ذلك مرة واحدة؟
    فإن زعموا أنه قد قالها مرة واحدة ثم تركها، قيل لهم: فقد أقررتم وجامعتم خصومكم على أنه قد شهد الشهادة، فليس لكم أن تخرجوه إلى نفاق أو إلى ترك، إلا لمجامعة خصومكم لكم، إذ كانت الفرقة لا تنقض الجماعة.
    فإن قالوا: فإنه لم يقل لا إله إلا الله محمد رسول الله مرة قط من دهره، لا على نفاق ولا على غيره، بل كان يظهر عبادة الأصنام، ثم مع ذلك سلم على حكم الكتاب والسنة، وعلى حكم الدار. فليس عندنا في ذلك إلا إسقاطه وتحريم كلامه وإمضاء حكم مثله فيه.
    بل قد ثبت إسلامه بعد الوجوه التي ذكرتها بوجوه:
    منها أن الله أثنى على عباده الصالحين، فخص بتفضيله السابقين والمهاجرين الأولين. وقد اجتمعت الأمة أنه من المهاجرين الأولين مع فضيلة هجرته، إذ كانت هجرته وهجرة رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] معا. فهذا وجه.
    ثم الذي رأينا من ذكر الله وثنائه على أهل بدر. وقد أجمع المسلمون أنه كان ممن شهد بدرا، مع ما فضل من الكون في العريش، ولا موضع أدل على الخاصة من ذلك الموضع في ذلك الموقف، مع ما شهد به من مستجيبيه وعتقائه ومواليه، ولقد بلغ من قدر من شهد بدرا أن عامة الفقهاء تحدث: "أن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم" فلذلك كان الحسن يقول: إن طلحة والزبير وعليا في الجنة معا وإن لم يكونوا كانوا في الدنيا، لأنهم عتقاء الله من النار، ولم يكن الله ليعتق عبدا ثم يعيده في رقه. ولذلك كان الحسن وحوشب وهاشم الأوقص وبكر ابن أخت عبد الواحد يقولون إذا ذكروا يوم الجمل: "هلكت الأتباع ونجت القادة". فهذا هذا.
    ثم الذي كان من ذكر الله وحسن ثنائه على من بايع تحت الشجرة.
    وأي شئ أعجب من اجتماع السلف مهاجريها وأنصاريها خلا أربعة نفر على تقديم رجل في مقام رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ليقضي في أبشارهم وأشعارهم، وفروجهم وأموالهم، ويحمل أماناتهم، ويدعونه خليفة رسول الله، حتى تترك الشريف المطاع ذا السابقة والقدم وتولي مكانه الخامل القليل المقصر، فلا يراد ولا يدافع، ولا يراجع ولا يستفهم، وهو المعروف عندهم بجحد الرسول وعبادة الأوثان، وليس بذي عشيرة منيعة.
    ولا يستطيع أحد أن يزعم أنه قد كان واطأ العشائر ليصرفوا إليه عونهم على أن يؤثرهم ويفضلهم، ولو كان ذلك لظهر علمه ولم يخف أثره. ومثل هذا لا يستطاع كتمانه وستره وتزميله.
    وكيف وقد سوى بين الرفيع والوضيع، والذليل [و] المنيع؟ فلم يؤثر قريبا ولم يول نسيبا.
    ولو استعان بطلحة وولاه وفضله لقد كان لذلك موضعا، وللولاية والتقديم أهلا، بل صنع ضد ما يصنعه أصحاب الميل والأثرة، والعصبية والمواطأة.
    ولو كان قريب القرابة لجاز لقائل أن يقول: إنما قدم لقرابته.
    ولو كان عصبية لقالوا: إنما استحق بوراثته.
    ولو كان منيع الرهط لقالوا: إنما قدم لكثرة قبيلته.

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت 23 نوفمبر 2024 - 20:31