وكان عثمان بن عفان وعمر بن الخطاب يرددان هذه الآيات، وتوعدا أصحاب النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: من قال إنه مات. وثاروا في حجرة عائشة وعلى الباب: لم يمت!
وكان أول من رآه مسجى فأنكر موته عثمان، وقال: إنه والله ما مات، ولكن الله رفعه إليه كما رفع عيسى بن مريم! والله لا نسمع أحدا يقول مات إلا قطعنا لسانه!
واضطرب الناس وماجوا. وقام عمر في الناس خطيبا فقال: لا أسمعن أحدا يقول إن محمدا مات، وإن محمدا لم يمت، ولكن الله رفعه، أرسل إليه كما أرسل إلى موسى عليه السلام فلبث عند قومه أربعين ليلة، وإني لأرجو أن يقطع الله أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أن محمدا مات!
فبينما الناس هكذا إذ أقبل أبو بكر، على فرس له من السنح، فسمع مقالة عمر وما يقوله الناس وما خاضوا فيه، فبدأ بالنبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فدخل عليه وهو مسجى، فكشف عن وجهه فقبله، ثم أقبل نحو المنبر وقال: أيها ... الحالف على رسلك! فلما رآه عمر قعد، وقام أبو بكر خطيبا ثم قال: أيها الناس اجلسوا وأنصتوا، ثم حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ثم قال: أيها الناس، إن الله قد نعى نبيكم إلى نفسه وهو حي بين أظهركم ونعاكم إلى أنفسكم، فهو الموت حتى لا يبقى أحد، ألم تعلموا أن الله قال: {إنك ميت وإنهم ميتون}.
قال عمر: بأبي أنت وأمي! فسكت الناس وأظهروا التسليم، وعرفوا الحق وبكوا، كأنهم لم يكونوا سمعوا بهذه الآية قط.
ثم تلا: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} ثم تلا: {كل نفس ذائقة الموت} ثم تلا: {كل شئ هالك إلا وجهه} ثم مر في خطبته المشهورة المعروفة. فهذا هذا.
ثم أقبل على عمر وعثمان فقال: قال الله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} يقول: إنكم شهداء على من تلقون ممن لم يلق النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، كما كان النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] عليكم شهيدا. وقال الله: {ليظهره على الدين كله} وإنما أراد دينه، والله متم نوره ومظهر دينه، فإذا أظهر دينه فقد أظهره.
فهذا علمه وقدره وفهمه وحاجة الناس إليه.
ثم الذي كان من مشي المهاجرين والأنصار إليه وكلامهم له، ليقبل الصلاة من العرب ويترك الزكاة، وقالوا: إنهم لو قد صلوا لقد زكوا. قال: والله لو منعوني عقالا مما أعطوه النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لجاهدنهم عليه. فقال له المهاجرون والأنصار: أوليس قد قال النبي عليه السلام: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها حقنوا بها دماءهم وأموالهم" قال أبو بكر: إن فيها "إلا بحقها" قالوا: صدقت. ألا ترى إلى أنه قد علم الجميع ما لم يعلموا، أو صيرهم إلى رأيه بقدر المخالفة له.
ونقلوا إلينا أن الأنصار قالت: يا خليفة رسول الله، أليس قد قال النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها حجبوا بها دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" قال أبو بكر: فهذا من حقها، والله لو كنت وحدي لجاهدتهم حتى أقتل أو يظهر الله الحق ويزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا.
ثم مضى نحو أهل الردة يريدهم مغضبا حتى لحقه المهاجرون والأنصار، فمنعوه وكفوه وتقدموا أمامه.
وهذا خبر نقله أصحاب الأخبار مرجئهم وشيعيهم إلا الروافض، فإنهم لا يطاقون، لأن من يجحد المستفيض الشائع بالأسانيد المختلفة في الدهر المتفاوت، ويوجب على خصمه له تصديق الشاذ الذي لا يعرف ولا يدعيه إلا أهل الغلو من الروافض، ممتنع الجانب، عسير المطلب، لا يطاق ولا يجارى.
ثم رأينا عليا يروي عنه، ويزكيه ويفضله، ولم نسمعه روى عن علي شيئا ولا زكاه ولا فضله، على أن عليا قد كان عنده فاضلا عاليا، عالما وجيها.
ثم الذي كان من قول عثمان بن عفان له. وذلك أن عثمان حزن على النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] حزنا لم يحزنه أحد، فأقبل أبو بكر يعزيه للذي يرى به من عظيم ما فدحه وغمره، فقال عثمان: ما آسى على شئ، إنما آسى على أنني لم أسأل النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] عما فيه نجاة هذه الأمة! قال أبو بكر: قد سألت النبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] عن ذلك: فقال: "من قبل الكلمة التي عرضتها على عمي فأباها".
ألا ترى إلى حاجة الجميع إليه واستغنائه عنهم.
ولو لم يعلم من سعة علمه إلا قوله للمهاجرين والأنصار حين أشاروا عليه بأن يقبل الصلاة وقالوا إنهم لو قد أقاموا الصلاة لآتوا الزكاة. قال أبو بكر: إن تميما إن أذن لها من الإسلام في نقض عروة لم ترض بمثله بكر بن وائل، ولو أعطيت كنانة وألفافها وأحابيشها أمرا لم ترض قيس حتى تزداد، ولئن سمعت قولكم لأنقضن الإسلام عروة عروة.
وفي مشيهم إليه في تأخير جيش أسامة يشيرون عليه ويقولون ما كتبنا في صدر الكتاب، وفي قوله: "لو بقيت وحدي حتى تأكلني الكلاب ما أخرت جيشا أمر رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بإنفاذه والوحي ينزل عليه". فلئن كان ما وصفنا لا يدل على جودة الرأي وصحة العزم وكثرة العلم، وعلى الشهامة والصرامة، واليمن والبركة، فما في الأرض دليل على فضيلة رجل ونقصه.
ومما يدل على سعة علمه وأنه كان المفزع دون غيره أن المهاجرين عامة وبني هاشم خاصة، اختلفوا في موضع دفن رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، فقال قائل: خير المدافن البقيع، لأنه كان كثيرا ما يستغفر لأهله. وقال آخرون: خير المواضع موضع مصلاه. وقال آخرون: عند المنبر. قال لهم أبو بكر: إن عندي فيما تختلفون فيه علما. قالوا: فقل يا أبا بكر. قال: سمعت رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] يقول: "ما مات نبي قط إلا دفن حيث يقبض" فخطوا حول فراشه ثم حولوا رأس رسول الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بالفراش في ناحية البيت. فلم نجد الناس احتاجوا مع خبره إلى شاهد، ولم يختلف عليه في ذلك رجلان، ولا أظهر الشك في خبره إنسان واحد قريب ولا بعيد. هذا والمنزل منزل ابنته، وهو في موضع جر منفعة وكما تكون المنفعة، وهي المأثرة العظمى والشرف الأعلى.
فمن لم يتهم في خبره على هذه الحال ومع هذه العلة حتى قبلت شهادته وحده، لجدير ألا يتقدمه أحد في القدر والعلم والأمانة والصدق.