بدرية البشر
الأربعاء ١٠ يوليو ٢٠١٣
لا تـسـتـطـيع أن تـمشي في جو ماطر مـن دون أن تبـتل إلا إذا جلست في منزلك، لكن مطر الثورات والديموقراطيات الناشئة سـيبللـك حتـى لو جلـسـت في مـنزلـك، وبمجـرد أن تفتح التلفزيون، فمن يسـتطيع أن يـمـنع النـاس من مـشاهدة التلفزيون أو يقرر عنهم ماذا يــسـمـعون ويشاهدون؟ لكن أسوأ ما في الأمر أنك تعيش سنة عاصفة وماطرة من تجربة ديموقراطية عربية ومعظمنا لا يفهم بعدُ ماذا تعني هذه الديموقراطية؟ وكيف تكون؟ وكيف تتحقق؟ فقد كان «الإخوان» مثلاً في مصر يستشهدون بتجربة نجاح الحزب الإسلامي في تركيا، لكن حين زارهم أردوغان رئيس الحزب وشرح لهم أن تجربة تركيا العلمانية هي التي سمحت بفوز حزب إسلامي، وعليهم أن يقلدوهم في هذا، غضبوا منه وقالوا له: «اسكت ساكت».
من قواعد الديموقراطية أنها ليست برنامجاً تصلح للجميع مشاهدته، وعليك بكل بساطة أن تغير القناة إلى قناة «ديسكوفري» أو «ناشيونال جيوغرافيك» إن كنت من أصحاب العقول الضيقة أو القلوب الضعيفة أو الأمزجة الساخنة، كما عليك أيضاً أن تتذكر حين يزورك والداك أن تترك الحديث في السياسة عند مدخل الباب، كي لا ينزلق الحديث إلى صراخ بينك وبين إخوتك فتخرب بهجة والديك بزيارتك، فاليوم صار أفراد العائلة يجتمعون وهم منقسمون، فمنهم من هو مع مرسي ومنهم من هو ضده. أما في «تويتر» فأنت محظوظ إن كنت ممن لا يدخله، فمناصرو مرسي جعلوا من يختلف معهم صنيعة اليهود والنصارى.
هل هـذه أعراض طبيعـية؟ نـعم هـي أعراض طبيعية عند شعوب تفتح جرحـاً أو دُمّـَلاً أو شـأنـاً له عـلاقة بالديـموقـراطـية، التي هي مفهوم «المـسؤولية الفردية» في مجتمع اعتاد أن يفكر بعقل جمعي ويرى أن الخروج عن الجماعة عار أو مجازفة، وإنْ حاول الفهـم فهـو لا يســتمـع إلا إلـى تفـسير جـماعتـه، وبعـضـهم يرفضـها تماماً، وآخـر يرفض المصطلح ويضع بديلاً عنه، أو يقصر الشرعية على حزب يتفق مع مفهومه عن الإسلام.
لم نعد بمنجى مما يحدث حولنا، فعلى رغم أن الحوادث ليست هي ذاتها، إلا أن التحولات والتغيّرات تظهر واضحة في العقل الخليجي بفعل عواصف الثورات، إما بإنتاج مزيد من التعصب، أو بإنتاج حوار ديموقراطي يفتح الباب على مصراعيه لكل قول، فصار المستمع من شدته يمسح ما كتبه أمس ويكتب شيئاً غيره، لكنه بالتأكيد يتقدم في الفهم ليصل إلى أهم قيمة ديموقراطية، وهي التعايش السلمي والقبول بكل أطياف المجتمع وتياراته.
الديموقراطية لا تصلح إلا لعقل مستقل، يستخدم حقه تحت طائل المسؤولية الفردية لا تحت مسؤولية هذا الشيخ أو ذاك، أو كي يبيع صوته لمن يشتريه منه، ففي أول تجربة انتخابية أجريت لمجالس البلديات، لدينا دخل شاب إلى المركز الانتخابي ومعه «قائمة مزكاة» يتداولها الناس، وحين سُئل ماذا لو أن شيخه هذا كان مخطئاً؟ رد الشاب: «ذنبي في رقبته». هذه الذهنية لم تبلغ بعدُ سن الرشد الانتخابي، لـكن الـحل ليـس في حجب انتخابات مجالس البلدية، بل التدرج في تربية ديموقراطية تقدمها المدرسة والجامعة ويعززها المنزل. من دون عمل المؤسسات التعليمية لا يتحقق وعي ديموقراطي، وخير لك أن يتعلم ولدك الديموقراطية في المدرسة بدلاً من أن يعلمه إياها التلفزيون. ومن دون هذه التربية السليمة لن نجد في المراكز الانتخابية غير هذا الشاب الذي يطالب بحقه الانتخابي ثم يسأل شيخه عمن يجوز له انتخابه؟ فهكذا سنكون -كما يقول المثل-: «لا طبنا ولا غدا الشر»، وبالمصري: «تيتي تيتي زي ما رحتي زي ما جيتي».
balbishr@gmail.com