معلومات النشر
اسم الكتاب: عالم ما بعد أمريكا: تغير القوى العالمية
المؤلف: فريد زكريا، أمريكي من أصل مسلم
سنة الصدور: 2010
عدد الصفحات: 288 صفحة
يحاول الكتاب الوصول إلى قراءة متأنية لظاهرة صعود قوى سياسية عظمى مثل: الصين، والهند، والبرازيل، وروسيا، وجنوب إفريقيا، وكينيا وغيرها من الدولوالكيانات السياسية، التي تحاول استغلال ظاهرة تراجع قوة ونفوذ القوى العظمى فيالعالم اليوم؛ وهي الولايات المتحدة الأمريكية.
لا يرى المؤلف بدّاً منالجمع بين القوة الاقتصادية المتنامية لتلك الدول، وما تحاول تطويره من نفوذ سياسيلها، في ظل تنامي قوى سياسية لم تكن بالتأثير ذاته الذي هي عليه اليوم قبل عقد منالآن، ولم يكن متوقعاً لها أن تكون من الدول الكبرى في العالم.
ويجري الكتابعملية مراجعة تاريخية لما حصل في العالم خلال الـ 500 عاماً الأخيرة، من صعودلقوتين عظميين في العالم هما: القارة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، فيمحاولة منه للقول للقراء، هكذا تقوم الدول، وهكذا تموت!.
• الضعفالسياسي:
يقرر الكتاب حقيقة قد تبدو مفاجئة لكثير من صناع القرار،والمراقبين لتطور الأحداث السياسية في العالم، وهي أن التحدي الأخطر الذي يواجهالولايات المتحدة اليوم هو حالة "الضعف السياسي" الذي تمر به، في الوقت الذي تأخذفيه قوى أخرى بالتقوي والتعاظم، وبالتالي فإن الدور المركزي الذي كانت تقوم بهواشنطن آخذ في التلاشي والتراجع.
وقد جاء في تقديم الترجمة العبرية منالكتاب لأفرايم هاليفي، رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي السابق: "كل من يريد التطلعنحو مستقبل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية عليه قراءة هذا الكتاب، لا سيما وأنهيضع خريطة طريق لبناء علاقات دولية لإسرائيل في مرحلة ما بعد أمريكا، ما يحتم عليهااستخلاص الدروس والعبر السياسية والتاريخية".
ويقول المؤلف: هناك رؤية واضحةباتجاه محاولة دول أخرى القيام بعملية استنساخ للتجربة الأمريكية في التطوروالبناء، في ضوء نجاح التجربة الأمريكية في سيادة العالم، وقدرتها على الإمساكبزمام القضايا الدولية فترة طويلة من الزمن.
علماً بأن التنبؤ القائل بأنالولايات المتحدة ستعمل مضطرة في "عالم ما بعد أمريكا" للدخول في شراكات سياسية معقوى صاعدة في المستقبل، في القرن 21، فرضية صحيحة.
لذلك، فهو يوصي بعدد من الخطواتالواجب على صانع القرار الأمريكي القيام بها من الآن، أهمها البدء بإقامة تحالفمتين وحقيقي بين الولايات المتحدة ودول أخرى ناشئة، يشبه إلى حدّ بعيد التحالفالأمريكي الإسرائيلي.
• تحالف الدم الإسرائيلي الأمريكي:
هنابالذات، يتوقف المؤلف عند طبيعة العلاقات الأمريكية مع مختلف دول العالم، فهو يشخصعلاقاتها مع السعودية مثلاً على أنها مقتصرة على التواصل الدبلوماسي والمصالحالمشتركة، في حين أنه يصف العلاقة الأمريكية الإسرائيلية بأنها "تحالف طبيعيوجودي"، تفوق التبادل الدبلوماسي وتغير الإدارات الحاكمة في واشنطن وتلأبيب!.
أكثر من ذلك، فإن المؤلف يصل بالتحالف السياسي والاستراتيجي بينالبلدين إلى صلات جماهيرية وعامة، ليس بوسع الإدارة الأمريكية أياً كانت أن تتخلصمنها، أو أن تخفف من وهجها وقوتها، لا سيما فيما يتعلق بحفظ الولايات المتحدة لأمن "إسرائيل".
ويطرح على ذلك مثالاً حياً ما زال موجوداً في الذاكرةالإسرائيلية بقوله: "لعل نتائج الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف 2006، شهدتنهاية غير حاسمة بالنسبة لإسرائيل ضد حزب الله، رغم ضراوة الحرب وشدة المواجهات،ولكن ما الذي جعل الحياة في إسرائيل، والاقتصاد الإسرائيلي يخرج قوياً من هذه الحربدون أن يتأثر..." ويتساءل المؤلف "أليس هو الداعم الأمريكي؟".
• تهديد الأمن الأمريكي:
يقدم الكتابقراءة مستقبلية لطبيعة القوة الأمريكية في السنوات القادمة بقوله: شهد القرنالعشرون نهاية للنظام النازي، وأفولاً للحكم الشيوعي، في الوقت الذي ما زالت فيهالقوة الأمريكية هي الأولى على مستوى العالم، لا سيما من الناحيةالاقتصادية.
إلا أنه من الناحية الأمنية والعسكرية يتوقف الكاتب قائلاً: "لابد للولايات المتحدة من تقوية نفوذها العالمي في هذه الآونة، في ضوء بروز تهديداتمن دول معادية، وقوى إرهابية تتربص لها، الأمر الذي يتطلب منها أن تكيف قدراتها،وتقولب إمكانياتها العسكرية بما يتلاءم مع هذه التهديدات الجديدة عليها، خاصة فيضوء التغيرات التي سيشهدها القرن 21 من النواحي العسكرية واللوجستيةالمتوقعة".
أكثر من ذلك، يطالب المؤلف الولايات المتحدة بعدم التوجه نحوحروب مستقبلية أو مواجهات عسكرية لوحدها، تحت أي ظرف من الظروف، وإنما عليها العملالدائم لبناء تحالفات واسعة النطاق على مستوى العالم، لأنها بحاجة فعلية لها، ولاتستطيع القيام بعمليات عسكرية متوقعة لوحدها دون شراكة مع الآخرين.
ويطرحالمؤلف نموذجاً يعتبره ناجحاً في إيجاد الشراكات العالمية مع أمريكا، وهو ما يحصلفي أفغانستان، بقوله: "لقد حظي الغزو الأمريكي لأفغانستان بدعم دولي من الأممالمتحدة، والمجتمع الدولي عموماً، والجهد العسكري المبذول اليوم منذ تسع سنوات يشملجنوداً مشاركين من: بريطانيا، وكندا، وبولندا، وفرنسا. وعلى صعيد الدعم المادي، فقدتقدم البنك الدولي، والوكالة الأمريكية للتنمية، وحكومات عالمية أخرى، بمساعداتفاقت مليارات الدولارات، لإعادة ترميم البنية التحتية لأفغانستان بعدالحرب".
ومع ذلك، يصل الكاتب إلى قناعة مخالفة لكثير من التوجهات الأمريكيةبقوله: بعد هذه المرحلة الزمنية، وهذا الدعم الدولي، نصل إلى خلاصة مفادها أن الحربعلى أفغانستان كانت فاشلة، لأن الحكومة الحالية بزعامة حامد كرزاي لا تسيطر إلا علىثلث الأراضي الأفغانية، فيما تبدي حركة طالبان مظاهر انتعاش مقلقة لواشنطن، إلىجانب حليفها تنظيم القاعدة الذي بات يشكل التهديد الأكثر خطورة على الولاياتالمتحدة خلال القرن 21
ومع ذلك، يتريث المؤلف في "نعي" الدور الأمريكيمرحلياً على مستوى العالم، بوصف الولايات المتحدة على أنها "رئيسة مجلس إدارةالعالم"!.
• استخدام صندوق النقد الدولي:
يرىالكتاب أن الولايات المتحدة تمسك بين يديها بجملة من المفاتيح الاقتصادية والسياسيةلإدارة هذا العالم، ومن بينها صندوق النقد الدولي، ويؤكد أنه شهد تراجعاً مريعاً فيقيمته الجوهرية، وتأثيره البالغ على سياسات الدول، في ضوء استغناء عدد من البلدانعن "مساعداته" السياسية المعروفة.
ومن ذلك: فإن السعودية تدعم لبنان مالياً،وفنزويلا تساعد الأرجنتين، دون الحاجة لمساعدات الصندوق، بمعنى دون الحاجة للدعمالأمريكي.
• تبعات الأزمة العالمية:
يعود الكتاب فيحديثه عن "الكارثة" التي حلت بالاقتصاد الأمريكي خلال سنة 2008، بقوله: "إن التدهورالاقتصادي الذي حلّ بالولايات المتحدة الأمريكية، هو الأكثر فظاعة منذ أزمة سنة 1929، وأدى إلى ضياع ما يقرب من 40 تريليون دولار، يعود في حقيقة الأمر إلى سببواحد وهو النجاح"!.
كيف ذلك؟
يحاول المؤلف أن يؤسس لنظريته هذه،بإعطاء لمحة عن نجاحات الاقتصاد الأمريكي في العقود الأخيرة، وهي نجاحات منقطعةالنظير للاقتصاد الأمريكي، للدرجة التي فاق فيها توقعات أكبر خبراء الاقتصاد فيالعالم، فقد تنامى الاقتصاد الأمريكي خلال عقد من الزمن بصورة جعلته أقوى اقتصادعلى مستوى العالم، وتضاعف من 31 تريليون دولار في سنة 1999 إلى 62 تريليون دولارسنة 2008!.
في المقابل، يحذر الكتاب من التبعات السياسية والعسكرية للأزمةالاقتصادية الأمريكية بقوله: في الوقت الذي باتت الولايات المتحدة تبدو منهكة فياقتصادها، ومتراجعة في حجم إسهاماتها في الاقتصاد العالمي، فقد دفع ذلك بدول لأنتتجرأ عليها، وهو ما حصل مع الهند حين دخلت في مواجهة حادة في الدوحة مع المندوبالأمريكي، وحين اقتحمت القوات الروسية الأراضي الجورجية، فيما استضافت الصينالألعاب الأولمبية الأعلى ثمناً في تاريخ العالم، بتكلفة قدرها 40 ملياردولار!
فيما العودة إلى عقد واحد من الزمن ترينا أن أياً من هذه الدولالثلاثة لم تكن لتقدم على ما قامت به قبل الأزمة الاقتصادية الأمريكية.
مثالآخر يبين حجم التراجع الأمريكي، فقد عرف العقد الأخير من القرن العشرين تقدماًأمريكياً ملحوظاً باتجاه مناطق وأراض كانت "محتكرة" طوال مئات من السنين للنفوذالروسي، الأمر الذي جعل موسكو تخضع لهذا المنطق الأمريكي في حينه، لأنها كانتمحتاجة لواشنطن لأسباب مادية واقتصادية.
لكن شهر شباط/ فبراير من سنة 2009،شهد قراراً غير مسبوق لجمهورية قيرغيزستان الموالية لروسيا، وبموجبه تم إغلاقالقاعدة العسكرية الأمريكية التابعة لسلاح الجو، وهي القاعدة التي شكلت التموينالكافي للعمليات العسكرية الأمريكية في قلب الأراضي الأفغانية، وتكتسب هذه القاعدةالعسكرية أهمية قصوى في ضوء إغلاق نظيرتها في أوزبكستان سنة 2005.
يشيرالمؤلف إلى أن السبب الجوهري لإغلاق هذه القواعد العسكرية الأمريكية، يتمثل في أزمةالمال والسيولة النقدية، حيث إن الولايات المتحدة تدفع ما قيمته 55 مليون دولارسنوياً لاستئجار أراضي تلك القواعد، فيما أبدت تفهماً مبدئياً لدفع 100 مليون دولارفي وقت لاحق.
• خلاف المصالح:
في المقابل، فإن روسياالتي تبدي رفضاً كاملاً لتواجد عسكري أمريكي فيما تعتبره "ساحتها الخلفية"، قدمتعرضاً مغرياً لقيرغيزستان بقيمة 2.3 مليار دولار، من ضمنها إلغاء ديون مستحقةقيمتها 180 مليون دولار، و150 مليون دولار مساعدات نقدية، واستثمار بقيمة 2 ملياردولار لبناء محطة نووية في تلك المنطقة، بشراكة قيرغيزستان بنسبة 40%!.
نموذج آخر على تحديات أمنية أمريكية متوقعة خلال القرن الحالي يتمثلفي الهند، ففي حين أن نيودلهي مدينة لواشنطن بدين كبير نظراً لمساعدتها في بناءقدراتها النووية، ومنحها الشرعية لذلك، إلا أن هناك خلافات حادة بين البلدين فيقضايا أمنية واستراتيجية في غاية الخطورة والحساسية.
ويشرح الكتاب أنهبالرغم من الضغوط الأمريكية الهائلة إلا أن الهند لا ترى في إيران تهديداً جدياًكما تراه الولايات المتحدة، فقد صوتت الهند مرة واحدة في اجتماع مجلس الوكالةالدولية للطاقة الذرية إلى جانب أمريكا، لكنها في الوقت ذاته تحتفظ بعلاقات وثيقةوصلات واسعة مع إيران، بما في ذلك إجراء تدريبات مشتركة، ومناوراتثنائية.
ومن جانب آخر، يضيف المؤلف: ترى الهند في إيران شريكاً تجارياًمهماً، وترفض عزلها تحت أي ظرف من الظروف، مشيراً إلى حادثة طريفة تصلح لأن تكوننموذجاً يشير إلى تطلعات الهند من إيران، على النحو التالي: في نيسان/ أبريل 2008،طلب طاقم طائرة الرئيس الإيراني من محطة تزويد الوقود الهندية كمية لإمداد الطائرةبها، فقط ليس أكثر، خلال عودته من زيارة إلى سيريلانكا، إلا أن الهند لم تفوت هذهالفرصة لدعوة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للنزول في أحد مطاراتها، وتحويلها إلىزيارة رسمية استغرقت ست ساعات، وهو ما أثار غضب واشنطن في حينه.
يقدم الكتابأخيراً نموذجاً لما بات يعرف بـ"الدراسات المستقبلية" عبر استشراف مستفيض لمفاصلقوة الولايات المتحدة، وفي المقابل، نقاط ضعفها التي يمكن أن تؤتى من قبلها،وبالتالي تقدم "الوصفة السحرية" لقوى صاعدة متنامية ربما تتسيد العالم خلال العقودالقريبة القادمة!.
• نبذة عن المؤلف:
فريد زكريا، محررالطبعة الدولية من المجلة الدورية "النيوزويك"، وأحد المقدمين الأكثر شهرةً فيالولايات المتحدة الأمريكية عبر شاشة الـسي إن إن، ويشارك دوماً في مؤتمرات وأيامدراسية عالمية، يكتب مقالات دورية في مجالات دولية، كتابه السابق كان بعنوان: مستقبل الحرية. وله إسهامات سياسية واجتماعية وفكرية داخل الولايات المتحدة بصورةملحوظة وبارزة.
المؤلف أمريكي من أصل هندي مسلم، ولد في بومباي لعائلةمسلمة، والده كان باحثاً سياسياً بارزاً، وعضواً في البرلمان الهندي فور نيل الهندلاستقلالها سنة 1947، عن حزب "المهاتما غاندي"، فيما والدته "فاطمة" كانت محررةالمجلة الأشهر في تاريخ الهند "صنداي تايمز".
ونتيجة نشأة زكريا الراقية هذهفقد تلقى تعليمه في الجامعات الأمريكية، حيث حصل على الشهادة الجامعية الأولى منجامعة "ويل"، وشهادة الدكتوراه من جامعة هارفارد، وتتلمذ على يد كبار المفكرينالأمريكيين أمثال: ستانلي هوفمان وصموئيل هنتغتون