من طرف waell الأربعاء 27 يناير 2010 - 23:15
دمشق عاصمة الثقافة العربية
الاثنين 26/5/2008
هاني الخير
في الأربعينيات من القرن العشرين ,أحب أحد الشبان من ذوي الثراء,فتاة رقيقة تماثله في الثراء,واتفقا بعد لقاءات بحضور الأهل وبغيابهم,على الزواج في أقرب فرصة سانحة,
ليرزقا بصبيان وبنات يثيرون في العش الزوجي حالة من الفرح الإنساني,وكذلك إثارة الضجة وتحطيم الأشياء الثمينة..
ويبدو أن الشاب المدلل المترف,كان متردداً كالأمير الدانمركي هاملت,فقد تأخر كثيراً وعن حسن نية,في إرسال أهله إلى بيت المحبوبة,لأسباب غير معروفة بالنسبة إليّ,فكانت النتيجة المتوقعة والمؤسفة معاً,أن تقدم للزواج منها أحد الشبان اللبنانيين الذي ينتمي إلى أسرة مرموقة فاحشة الثراء,أي أنه عريس لقطة..كما يقول المثل الشعبي الدمشقي.
وأقيمت الأفراح وحفلات الطرب والليالي الملاح في دمشق لسبعة أيام,ابتهاجاً بهذا الحدث السعيد,بعد ذلك اصطحب العريس السعيد عروسه إلى بيروت.
فكان الشاب المدلل,الذي أشرنا إليه,يجلس فوق المرتفع الصخري,الذي يطل مباشرة على منطقة الربوة بدمشق,في انتظار قدوم حبيبته الهاجرة بسيارتها الحديثة,باعتبار أن طريق الربوة كان يصل دمشق بالعاصمة اللبنانية ,ولابد للقادم أو الراحل ,أن يمر في معظم الأحيان بهذا الطريق الضيق الملتوي,والذي كانت تزينه الأشجار الباسقة يومذاك,ويصفق به أحد فروع نهر بردى.
وظل الشاب المفجوع يتردد بصورة مستمرة ,إذا لم نقل بصورة يومية,إلى هذا المرتفع الصخري,عسى أن يكحل العين المحرومة من النوم بمرأى الحبيبة الغادرة...ولانعرف إذا أسعفه الحظ بمشاهدتها,ولسان حاله ماقاله الشاعر الطبيب ابراهيم ناجي رائد التجارب الوجدانية:
ومضى كلّ إلى غايته
لاتقل شئنا وقل لي الحظ شاء
ومع مرور السنوات.. يستعيد الشاب توازنه النفسي,بعد أن كان في حالة انعدام وزن ,فينقطع عن هذه العادة الرومانسية,التي تشي بمراهقة متوثبة نزقة ممزوجة ببراءة طفولية موجعة,ولكي يرتاح ويطمئن وجدانه يكتب على وجه الصخرة عبارة (اذكريني دائما) ويعود إلى بيته سالماً دون أن يرمي بنفسه المعذبة من أعلى الصخرة,لئلا يكون بهذا التصرف الأرعن قتيل الغرام,وليس شهيداً,كما يذكر شاعرنا الكبير نزار قباني في قصيدته (قارئة الفنجان):
ياولدي.
قد مات شهيداً
من مات على دين المحبوب..
المهم في الأمر أن الشاب لم ينتحر..ولم يلق بنفسه إلى التهلكة ..ولم تفك عظام رقبته من جراء السقطة المرعبة,بل تزوج من فتاة جديدة أنسته ذكرى الحبيبة..وربما مذاق حليب أمه على حد تعبير اللغة الشعبية..
ويبدو أن هذه العبارة..ألهبت خيال ومشاعر بعض زوار الربوة ,فراحوا يتحدثون بهذه القصة العاطفية في جلساتهم وسهراتهم,بعد أن أضافوا إليها نهاية غير سعيدة للعاشق الولهان,ومنهم من زعم أن الحبيبين قد انتحرا معاً في لحظة واحدة بعد أن تشابكت أصابعهما..
كان من المتوقع أن تمحى عبارة (اذكريني دائماً) وتبهت ألوانها وتطمس الحروف,بتأثير العوامل المناخية ومرور الزمن,أكثر من ستين سنة.
وهنا يدخل على ملابسات هذه القصة العديد من أصحاب المقاهي والمنتزهات الشعبية,الذين أعادوا بالتناوب تحبير العبارة,كلما استدعت الضرورة,من أجل استقطاب الناس,بخاصة العشاق الجدد,فتكثر الأرجل وتزدحم هذه الأماكن بهؤلاء الرواد الذين يدفعهم الفضول وتنشيط الذاكرة لقراءة ماخطه العاشق الكبير.
بقي أن نذكر أن الصحافي المخضرم عدنان الخاني,رئيس النشرة الفرنسية في سانا سابقاً يؤكد حقيقة هذه القصة كما ذكرناها,ويعرف أيضاً الأسماء الحقيقية لأبطالها الذين عاشوا بيننا,ثم أضحوا مجرد ذكرى