وأنت تعد فطورك فكر بغيرك
[لا تنس قوت الحمام]
وأنت تخوض حروبك فكر بغيرك
[لا تنس من يطلبون السلام]
وأنت تسدد فاتورة الماء فكر بغيرك
[لا تنس من يرضعون الغمام]
وأنت تعود إلى البيت، بيتك، فكر بغيرك
[لا تنس شعب الخيام]
وأنت تنام وتحصي الكواكب، فكر بغيرك
[ثمة من لم يجد حيزاً للمنام]
وأنت تحرر نفسك بالاستعارات، فكر بغيرك
[من فقدوا حقهم في الكلام]
وأنت تفكر بالآخرين البعيدين، فكر بنفسك
[قل: ليتني شمعة في الظلام]
الآن … في المنفى
الآن، في المنفي … نعم في البيت،
في الستين من عمر سريع
يوقدون الشمع لك
فافرح بأقصي ما استطعت من الهدوء،
لأن موتاً طائشاً ضل الطريق إليك
من فرط الزحام … وأجَّلك
قمرٌ فضوليٌّ على الأطلال،
يضحك كالغبيّ
فلا تصدق أنه يدنو لكي يستقبلك
هو في وظيفته القديمة، مثل آذارَ
الجديد … أعاد للأشجار أسماء الحنين
وأهملك
فلتحتفل مع أصدقائك بانكسار الكأس.
في الستين لن تجد الغد الباقي
لتحمله علي كتف النشيد… ويحملك
قل للحياة، كما يليق بشاعر متمرس:
سيري ببطء كالإناث الواثقات بسحرهن
وكيدهن. لكل واحدة نداءٌ ما خفيٌ :
هَيتَ لك / ما أجملك!
سيري ببطء، يا حياة، لكي أراك
بكامل النقصان حولي كم نسيتك في
خضمِّك باحثاً عني وعنك. وكلما أدركت
سراً منك قلت بقسوة: ما أجهلَك!
قل للغياب: نقصتني
وأنا حضرتَ … لأكملَك!
حين تطيل التأمل
حين تطيل التأمل في وردةٍ
جرَحَت حائطاً، وتقول لنفسكَ:
لي أملٌ في الشفاء من الرمل /
يخضر قلبُكَ…
حين ترافق أنثى إلى السيرك
ذات نهار جميل كأيقونة …
وتحلًّ كضيف على رقصة الخيل /
يحمر قلبُكَ…
حين تعُدُّ النجوم وتخطئ بعد
الثلاثة عشر، وتنعس كالطفل
في زرقة الليل /
يبيض قلبُكَ…
حين تسير ولا تجد الحلم
يمشي أمامك كالظل /
يصفر قلبُكَ…
إن مشيت على شارع
إن مشيت علي شارع لا يؤدي إلي هاوية
قل لمن يجمعون القمامة: شكراً!
إن رجعت إلي البيت، حياً، كما ترجع القافية
بلا خللٍ، قل لنفسك: شكراً!
إن توقعت شيئاً وخانك حدسك، فاذهب غداً
لتري أين كنت وقل للفراشة: شكراً!
إن صرخت بكل قواك، ورد عليك الصدى
(من هناك؟) فقل للهوية: شكراً!
إن نظرت إلي وردة دون أن توجعك
وفرحت بها، قل لقلبك: شكراً!
محمود درويش