أحبكِ ..
حتى ترتفعَ السماءُ قلیلاً ..
١
أریدُ أن أحبكِ ، یا سیدتي
كي أستعید عافیتي
وعافیة كلماتي .
وأخْرُجَ من حزام التلوثِ
الذي یلفُّ قلبي .
فالأرضُ بدونكِ
كذبة كبیرهْ ..
وتفاحة فاسدة ...
٢
أرید أن أحبكِ
حتى أدخلَ في دین الیاسمین
وأمارسَ طقوسَ الشعرْ ...
وزرقة البحرْ ...
واخضرار الغاباتْ ...
٣
أریدُ أن أحبكِ
حتى أطمئن ..
أن غاباتِ النخیل في عینیكِ
لا تزال بخیرْ ..
وأعشاش العصافیر بین ن?دیكِ
لا تزال بخیرْ ..
وأسماك الشعر التي تسبح في دمي
لا تزال بخیرْ ...
٤
أریدُ أن أحبكِ ..
حتى أتخلص من یباسي ..
وملوحتي ..
وتكلس أصابعي ..
وأستعید جداولي ،
وسنابلي ،
وفراشاتي الملونة
وأتأكد من قدرتي على الغناء
وقدرتي على البكاءْ ...
٥
أرید أن أحبكِ
حتى أسترجع تفاصیل بیتنا الدمشقي
غرفة .. غرفة ...
بلاطة .. بلاطة ..
حمامة .. حمامة ..
وأتكلم مع خمسینَ صفیحة فلّ
كانت أمي تستعرض?ا كل صباح
كما یستعرض الصانع
لیرات? الذ?بیة ...
٦
أریدُ أن أحبكِ ، یا سیدتي
في زمن ..
أصبحَ فی? الحب معاقاً ..
واللغة معاقة ..
فلا الأشجار قادرة على الوقوف على قدمی?ا
ولا العصافیر قادرة على استعمال أجنحت?ا .
ولا النجوم قادة على التنقلْ
بدون تأشیرات دخولْ ....
٧
أرید أن أحبكِ ..
قبل أن ینقرض آخر غزال من غزلان الحریة ..
وآخر رسالةٍ
من رسائل المحبینْ
وتشنقُ آخر قصیدة
مكتوبة باللغة العربیة ...
٨
أریدُ أن أحیكِ ..
قبل أن یصدر مرسوم فاشستي
بإقفال حدائق الحب ..
وأریدُ أن أتناول فنجاناً من الق?وة معك ..
قبل أن یصادروا البنَّ .. والفناجین
وأرید أن أجلس معك .. لدقیقتین
قبل أن تسحب الشرطة السریة من تحتنا الكراسي ..
وأریدُ أن أعانقكِ ..
قبل أن یلقوا القبض على فمي .. وذراعيّ
وأریدُ أن أبكي بین یدیكِ
قبل أن یفرضوا ضریبة جمركیة
على دموعي ...
٩
أریدُ أن أحبكِ ، یا سیدتي
حتى أمتطي عربة الوقت
وأغیرَ التقاویم
وأعیدَ تسمیة الش?ور والأیام
وأضبطَ ساعات العالم ..
على إیقاع خطواتك
ورائحة عطركِ ..
التي تدخل إلى المق?ى ..
قبل دخولكْ ...
١٠
إني أحبك یا سیدتي
دفاعاً عن حق الفرس ..
في أن تص?ل كما تشاء ..
وحق المرأة .. في أن تختار فارس?ا
كما تشاء ..
وحق السمكة .. في أن تسبح كما تشاء
وحق الشجرة في أن تغیر أوراق?ا
كما تشاء ..
وحق الشعوب في أن تغیر حكام?ا
متى تشاءْ ....
١١
أرید أن أحبكِ ..
حتى أعید إلى بیروتَ ، رأس?ا المقطوع
وإلى بحر?ا ، معطف? الأزرق
وإلى شعرائ?ا .. دفاتر?م المحترقة
أرید أن أعید
لتشایكوفسكي .. بجعت? البیضاء
ولبول ایلوار .. مفاتیح باریس
ولفان كوخ .. ز?رة ( دوار الشمس )
ولأراغون .. ( عیون إلزا )
ولقیس بن الملوح ..
أمشاط لیلى العامری?ْ ....
١٢
أریدك ، أن تكوني حبیبتي
حتى تنتصر القصیدة .
على المسدس الكاتم للصوت .
وینتصر التلامیذْ
على الغازات المسیلة للدموع
وتنتصر الوردة ..
على ?راوة رجل البولیس
وتنتصر المكتبات
على مصانع الأسلحة ...
١٣
أریدُ أن أحبكِ
حتى أستعید الأشیاء التي تشب?ني
والأشجارَ التي كانت تتبعني
والقطط الشامیة التي كانت تخرمشني
والكتابات .. التي كانت تكتبني ..
أریدُ .. أن أفتح كل الجواریرْ
التي كانت أمي تخبئ فی?ا
خاتم زواج?ا ..
وأساور?ا الذ?بیة المبرومة ..
وخصلة من شعري الذ?بي .
بقیت تحتفظ ب?ا ..
منذ یوم ولادتي ..
١٤
كل شيء یا سیدتي
دخل في ( الكوما )
فالأقمار الصناعیة
إنتصرت على قمر الشعراء
والحاسبات الالكترونیة
تفوقت على نشید الإنشادْ ..
وقصائد لوركا .. ومایاكوفسكي ..
وبابلو نیرودا ...
١٥
أریدُ أن أحبكِ ، یا سیدتي ..
قبل أن یصبحَ قلبي ..
قطعة غیار تباعُ في الصیدلیات
فأطباء القلوب في ( كلیفلاندْ )
یصنعون القلوبَ بالجمل?
كما تصنع الأحذیة ....
١٦
السماءُ یا سیدتي ، أصبحت واطئة ..
والغیوم العالیة ..
أصبحت تتسكع على الأسفلت ..
وجم?وریة أفلاطون .
وشریعة حامورابي .
ووصایا الأنبیاء .
وكلام الشعراء .
صارت دون مستوى سطح البحر
لذلك نصحني السحرة ، والمنجمون ،
ومشایخ الطرق الصوفیة ..
أن أحبكِ ..
حتى ترتفع السماءُ قلیلاً ....
نزار قباني