(لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)
******************
بسم الله الرحمن الرحيم
قد جعل الله في كل عام أوقاتاً عظيمة، نُشرّف فيها أسماعنا بسماع قصة سيدنا إبراهيم،
ونُمتّع عقولنا بفهم الحكم العظيمة التي من أجلها أوجب الله علينا أن نتذكر - في هذه المواطن والأيام -
سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل وزوجه هاجر عليهم السلام أجمعين ... لماذا؟
حكم كثيرة .. وعبر عظيمة .. ومنافع جمّة .. لا نستطيع أن نحيط بها في هذا الوقت القصير .. وإنما الأمر كما يقول الإله العليُّ الكبير:
(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ) (111- يوسف)
ليست روايات وحواديت نسمعها على سبيل التسلية، لكنها عظات عالية، وحكم غالية، وآنات إلهية راقية،
علينا أن نتدبرها ونعيها ونفهمها في هذا الوقت، حتى يكرمنا الله كما أكرمهم، وحتى يعمنا الله بالفضل الكبير الذي عمّهم به
وبالأجر العظيم الذي وعدهم به، وبالثواب الجزيل الذي أدخره لهم المولى عنده.
عبرة واحدة أريد أن أفهمها وآخذها لنفسي، ويفهمها معي إخواني ...
نحن في هذه الأيام كل واحد فينا يحاول أن يعمل لأولاده ما ينفعهم في الدنيا
فالذي يسافر ليحضر لهم ريالات أو دولارات ، والذي يتاجر ليعمل لهم بيوتاً وعمارات .. والذي يجري هنا وهناك ، لماذا كل هذا؟!!!!
هو لا يريد شيئاً لنفسه، لأنه تزوج وسكن وأدَّى ما عليه .. ولكنه يريد أن يعمل لأولاده حاجة تنفعهم في الدنيا
والكل يعتقد تمام الاعتقاد أنَّ من يفعل ذلك هو الناصح في دنياه، الشفوق العطوف على أبنائه وولاياه، السعيد في نظر خلق الله
وكلنا لا يشك في هذا الكلام، وهذا الكلام الصحيح .. لكن الأصح منه أن نتأسى بأنبياء الله ورسل الله، وعلى رأسهم خليل الله عليه السلام
ماذا فعل؟
عاش ثمانين عاماً لم يرزقه الله فيهم بغلام، فلم ييأس من فضل الله، ولم يقنط من رحمة مولاه، بل كان دائماً وأبداً منتظراً لفرج الله ..
(وانتظار الفرج عبادة) كما أخبرنا سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم
يعني الذي أخرّ الله عنه الإنجاب والولد يترقب الفضل، وينتظر الكرم من الله .. وهذا الانتظار عبادة يُثيبه عليها العزيز الغفار ..
عبادة ليس فيها عمل ولا تعب ولا إنفاق .. إلا إنه يحرك قلبه بالحنان والعطف والإشفاق إلى المليك الخلاق
يستمطره الرحمات، وينتظر منه المكرمات، لأنه وحده الذي بيده مقاليد السموات والأرض وهو على كل شيء قدير
أكرمه الله بالولد بعد ثمانين عاماً، ولم يتركه يفرح به لوقت طويل .. بل أمره على الفور بأن يُلقي به في صحراء
ليس فيها زرع ولا ضرع ولا ماء، ولا فيها حتى وحوش، لأن الوحوش لا تسكن إلا المكان الذي فيه قوتهم وفيه شرابهم
وهذا مكان ليس فيه قوت لحي!! ماذا يفعل؟ هل اعترض على أمر الله؟
هل شعر في نفسه بأن هذا الحكم الذي حكم به عليه الله قاس؟ هل ناوأ الله وقال - كما نسمع من عباد الله: لماذا تفعل معي هذا؟
ولماذا حكمت عليّ بهذا الحكم؟ ولم خصّصتني وأمرتني بهذا العمل؟ هل مثل هذا الكلام ينفع من العبد مع سيده ومولاه؟
(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) (القصص68)
فإذا قضى أمراً فعلينا بقوله:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)
(36- الأحزاب)
فكلُّ أمرٍ أمَرَ به الله .. لا يجوز للمؤمن أن يختار بعد أمر الله، ولا يجوز للمؤمن أن يعترض على ما قضاه الله
ولا يجوز للمؤمن أن يُظهر حتى بقلبه أو بنفسه الجزع أو الهلع أو الضيق في الأمر الذي أبرمه الله
ولكن عليه أن يرضى بأمر الله، وأن يُسلّم لقضاء الله، وأن يفوض كل أموره لله
فإذا لم يرضى ماذا يكون له؟ وإذا رضي ماذا يكون له؟
قال صلى الله عليه سلم: (مَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ)
(رواه الترمذي في سننه وابن ماجة والبزار وصاحب الفتح الكبير عن أنس بن مالك)
الذي يرضى عن أمر الله وعن قضاء الله فسيرضيه الله في دنياه ويرضيه الله في أخراه
والذي يسخط لا يعبأ به الله، يمشي في أودية الهموم، أو تقتله الهموم والغموم، أو يهلك مع الهالكين في الأفكار والشواغل الدنيوية،
أو تحرمه هذه الأشياء من المتع النورانية، ومن الهناءة الروحانية عندما يناجي الله
كل هذه الأمور تحدث له وأكثر ولا يهتم به الله لأنه لم يرض بأمر الله لكن المؤمنين ..
(رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (البينة-8)
لأنهم رضوا عن أمر الله وتقدير الله فكان جزاؤهم أن رضي عنهم الله
هذا الرسول رَضِىَ وعلَّم زوجته الرضا .. حتى أنه تركها وليس معها إلا جراب بسيط فيه بضع تمرات وآخر بسيط فيه جرعة ماء
فنظرت إليه وقالت: (يا إبراهيم لمن تتركنا ها هنا؟)
فلم يجبها وآثر الصمت والسكوت فكررت القول يا إبراهيم لمن تتركنا ها هنا؟
فلم يلتفت ولم يرد، فقالت: (أألله أمرك بهذا؟)، قال: نعم،
قالت: (إذاً لا يضيعنا)، لأنها على يقين أن الرزاق هو الله عزَّ وجلَّ.
فالمرأة التي قال لها جيرانها - في وداع زوجها مسافراً: لمن يتركك؟
قالت لهم: زوجي مُذْ عرفته أكَّال، والرزَّاق هو الله ، يذهب الأكال ويبقى الرزاق عزَّ وجلَّ!!! .....
لما اطمأنت ورضيت وسلمت لأمر الله عزَّ وجلَّ فرح إبراهيم ودعا لها الجليل
وقال كما سمعنا جميعاً في محكم التنزيل:
(رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ
فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)
(37- إبراهيم)
دعا وهو راضٍ .. فلباه الله وأجابه الله وزاده الله عزَّ وجلَّ من فضله وكرمه، لأنه راضٍ عن أمر الله، وعن حكم الله عزَّ وجلَّ.
لم يَدعُ لهم في البداية بالأرزاق والأقوات والخيرات والأموال لأنه يعرف أن هذه الأشياء مضمونة،
ويعلم أن هذه الأشياء لو جاءت إلى قوم غير مسلمين فستكون وبالاً عليهم في الدنيا، وطامة عظمى يوم لقاء رب العالمين.
ربما يدعو لهم بالأموال فتأتي الأموال لكن لا يوفقون في كيفية الإنفاق التي ترضي الله
ولا كيفية تحصيلها بحيث لا يتجنبون غضب وسخط الله
فيكون المال في هذا الوقت يميل بهم إلى غضب الله في الدنيا، ويميل بهم إلى جهنم وبئس القرار
لكن المرء العاقل يفعل كما فعل الخليل عليه السلام .. يدعو الله عزَّ وجلَّ لهم بإقامة الصلاة، ويركز عليها،
فأول ما بدأ هذا الدعاء قال فيه: (رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ)
ثم عاد إلى تكراره في آخر الدعاء حيث قال: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي) (40- إبراهيم)
فكرر مرة ثانية دعوة الإقامة لماذا؟ لأنه قانون الله الذي حكم به في كتاب الله عزَّ وجلَّ
فالذي يخاف على أولاده من بعده، ويخشى عليهم أن يتعبوا أو يجوعوا، أو لا يجدوا موضعاً يسكنون فيه،
ولا أموالاً للزواج، ولا عمل يتكسبون منه .... ماذا يفعل يا ربّ؟
لا يوجد هيئة تأمين ومعاشات والتأمين على الحياة .. لكن واهب الحياة وصانع الحياة ومدبر أمور الحياة قال للمؤمنين
الذين يحرصون على أبنائهم بعد انتقالهم من هذه الحياة:
(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ)
ماذا يفعلون يا ربّ؟ (فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا) (9- النساء)
******************
بسم الله الرحمن الرحيم
قد جعل الله في كل عام أوقاتاً عظيمة، نُشرّف فيها أسماعنا بسماع قصة سيدنا إبراهيم،
ونُمتّع عقولنا بفهم الحكم العظيمة التي من أجلها أوجب الله علينا أن نتذكر - في هذه المواطن والأيام -
سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل وزوجه هاجر عليهم السلام أجمعين ... لماذا؟
حكم كثيرة .. وعبر عظيمة .. ومنافع جمّة .. لا نستطيع أن نحيط بها في هذا الوقت القصير .. وإنما الأمر كما يقول الإله العليُّ الكبير:
(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ) (111- يوسف)
ليست روايات وحواديت نسمعها على سبيل التسلية، لكنها عظات عالية، وحكم غالية، وآنات إلهية راقية،
علينا أن نتدبرها ونعيها ونفهمها في هذا الوقت، حتى يكرمنا الله كما أكرمهم، وحتى يعمنا الله بالفضل الكبير الذي عمّهم به
وبالأجر العظيم الذي وعدهم به، وبالثواب الجزيل الذي أدخره لهم المولى عنده.
عبرة واحدة أريد أن أفهمها وآخذها لنفسي، ويفهمها معي إخواني ...
نحن في هذه الأيام كل واحد فينا يحاول أن يعمل لأولاده ما ينفعهم في الدنيا
فالذي يسافر ليحضر لهم ريالات أو دولارات ، والذي يتاجر ليعمل لهم بيوتاً وعمارات .. والذي يجري هنا وهناك ، لماذا كل هذا؟!!!!
هو لا يريد شيئاً لنفسه، لأنه تزوج وسكن وأدَّى ما عليه .. ولكنه يريد أن يعمل لأولاده حاجة تنفعهم في الدنيا
والكل يعتقد تمام الاعتقاد أنَّ من يفعل ذلك هو الناصح في دنياه، الشفوق العطوف على أبنائه وولاياه، السعيد في نظر خلق الله
وكلنا لا يشك في هذا الكلام، وهذا الكلام الصحيح .. لكن الأصح منه أن نتأسى بأنبياء الله ورسل الله، وعلى رأسهم خليل الله عليه السلام
ماذا فعل؟
عاش ثمانين عاماً لم يرزقه الله فيهم بغلام، فلم ييأس من فضل الله، ولم يقنط من رحمة مولاه، بل كان دائماً وأبداً منتظراً لفرج الله ..
(وانتظار الفرج عبادة) كما أخبرنا سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم
يعني الذي أخرّ الله عنه الإنجاب والولد يترقب الفضل، وينتظر الكرم من الله .. وهذا الانتظار عبادة يُثيبه عليها العزيز الغفار ..
عبادة ليس فيها عمل ولا تعب ولا إنفاق .. إلا إنه يحرك قلبه بالحنان والعطف والإشفاق إلى المليك الخلاق
يستمطره الرحمات، وينتظر منه المكرمات، لأنه وحده الذي بيده مقاليد السموات والأرض وهو على كل شيء قدير
أكرمه الله بالولد بعد ثمانين عاماً، ولم يتركه يفرح به لوقت طويل .. بل أمره على الفور بأن يُلقي به في صحراء
ليس فيها زرع ولا ضرع ولا ماء، ولا فيها حتى وحوش، لأن الوحوش لا تسكن إلا المكان الذي فيه قوتهم وفيه شرابهم
وهذا مكان ليس فيه قوت لحي!! ماذا يفعل؟ هل اعترض على أمر الله؟
هل شعر في نفسه بأن هذا الحكم الذي حكم به عليه الله قاس؟ هل ناوأ الله وقال - كما نسمع من عباد الله: لماذا تفعل معي هذا؟
ولماذا حكمت عليّ بهذا الحكم؟ ولم خصّصتني وأمرتني بهذا العمل؟ هل مثل هذا الكلام ينفع من العبد مع سيده ومولاه؟
(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) (القصص68)
فإذا قضى أمراً فعلينا بقوله:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)
(36- الأحزاب)
فكلُّ أمرٍ أمَرَ به الله .. لا يجوز للمؤمن أن يختار بعد أمر الله، ولا يجوز للمؤمن أن يعترض على ما قضاه الله
ولا يجوز للمؤمن أن يُظهر حتى بقلبه أو بنفسه الجزع أو الهلع أو الضيق في الأمر الذي أبرمه الله
ولكن عليه أن يرضى بأمر الله، وأن يُسلّم لقضاء الله، وأن يفوض كل أموره لله
فإذا لم يرضى ماذا يكون له؟ وإذا رضي ماذا يكون له؟
قال صلى الله عليه سلم: (مَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ)
(رواه الترمذي في سننه وابن ماجة والبزار وصاحب الفتح الكبير عن أنس بن مالك)
الذي يرضى عن أمر الله وعن قضاء الله فسيرضيه الله في دنياه ويرضيه الله في أخراه
والذي يسخط لا يعبأ به الله، يمشي في أودية الهموم، أو تقتله الهموم والغموم، أو يهلك مع الهالكين في الأفكار والشواغل الدنيوية،
أو تحرمه هذه الأشياء من المتع النورانية، ومن الهناءة الروحانية عندما يناجي الله
كل هذه الأمور تحدث له وأكثر ولا يهتم به الله لأنه لم يرض بأمر الله لكن المؤمنين ..
(رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (البينة-8)
لأنهم رضوا عن أمر الله وتقدير الله فكان جزاؤهم أن رضي عنهم الله
هذا الرسول رَضِىَ وعلَّم زوجته الرضا .. حتى أنه تركها وليس معها إلا جراب بسيط فيه بضع تمرات وآخر بسيط فيه جرعة ماء
فنظرت إليه وقالت: (يا إبراهيم لمن تتركنا ها هنا؟)
فلم يجبها وآثر الصمت والسكوت فكررت القول يا إبراهيم لمن تتركنا ها هنا؟
فلم يلتفت ولم يرد، فقالت: (أألله أمرك بهذا؟)، قال: نعم،
قالت: (إذاً لا يضيعنا)، لأنها على يقين أن الرزاق هو الله عزَّ وجلَّ.
فالمرأة التي قال لها جيرانها - في وداع زوجها مسافراً: لمن يتركك؟
قالت لهم: زوجي مُذْ عرفته أكَّال، والرزَّاق هو الله ، يذهب الأكال ويبقى الرزاق عزَّ وجلَّ!!! .....
لما اطمأنت ورضيت وسلمت لأمر الله عزَّ وجلَّ فرح إبراهيم ودعا لها الجليل
وقال كما سمعنا جميعاً في محكم التنزيل:
(رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ
فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)
(37- إبراهيم)
دعا وهو راضٍ .. فلباه الله وأجابه الله وزاده الله عزَّ وجلَّ من فضله وكرمه، لأنه راضٍ عن أمر الله، وعن حكم الله عزَّ وجلَّ.
لم يَدعُ لهم في البداية بالأرزاق والأقوات والخيرات والأموال لأنه يعرف أن هذه الأشياء مضمونة،
ويعلم أن هذه الأشياء لو جاءت إلى قوم غير مسلمين فستكون وبالاً عليهم في الدنيا، وطامة عظمى يوم لقاء رب العالمين.
ربما يدعو لهم بالأموال فتأتي الأموال لكن لا يوفقون في كيفية الإنفاق التي ترضي الله
ولا كيفية تحصيلها بحيث لا يتجنبون غضب وسخط الله
فيكون المال في هذا الوقت يميل بهم إلى غضب الله في الدنيا، ويميل بهم إلى جهنم وبئس القرار
لكن المرء العاقل يفعل كما فعل الخليل عليه السلام .. يدعو الله عزَّ وجلَّ لهم بإقامة الصلاة، ويركز عليها،
فأول ما بدأ هذا الدعاء قال فيه: (رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ)
ثم عاد إلى تكراره في آخر الدعاء حيث قال: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي) (40- إبراهيم)
فكرر مرة ثانية دعوة الإقامة لماذا؟ لأنه قانون الله الذي حكم به في كتاب الله عزَّ وجلَّ
فالذي يخاف على أولاده من بعده، ويخشى عليهم أن يتعبوا أو يجوعوا، أو لا يجدوا موضعاً يسكنون فيه،
ولا أموالاً للزواج، ولا عمل يتكسبون منه .... ماذا يفعل يا ربّ؟
لا يوجد هيئة تأمين ومعاشات والتأمين على الحياة .. لكن واهب الحياة وصانع الحياة ومدبر أمور الحياة قال للمؤمنين
الذين يحرصون على أبنائهم بعد انتقالهم من هذه الحياة:
(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ)
ماذا يفعلون يا ربّ؟ (فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا) (9- النساء)
.................................
من كتاب: (الخطب الإلهامية_ج6_الحج وعيد الأضحى) لفضيلة الشيخ/ فوزي محمد أبوزيد
رئيس الجمعية العامة للدعوة إلى الله - جمهورية مصر العربية
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً