ورد الشام

ورد الشام
عزيزي الزائر
هنالك فرق في التصفح كـ زائر والتصفح كــ صديق مسجل مع أننا أتحنا كل أقسام ورد الشام لكي يستفاد بها الجميع الزائرين
كثيرة المنتديات التي يسجل بها البعض ولكن قد يهمل دخولهم وتسجيلهم
هنا في ورد الشام
جرب أن تهتم وسوف نهتم


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ورد الشام

ورد الشام
عزيزي الزائر
هنالك فرق في التصفح كـ زائر والتصفح كــ صديق مسجل مع أننا أتحنا كل أقسام ورد الشام لكي يستفاد بها الجميع الزائرين
كثيرة المنتديات التي يسجل بها البعض ولكن قد يهمل دخولهم وتسجيلهم
هنا في ورد الشام
جرب أن تهتم وسوف نهتم

ورد الشام

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أجتماعي ثقافي أدبي ترفيهي


2 مشترك

    خمسون النبوية الشاملة

    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 21:20


    خمسون النبوية الشاملة (1/10)
    الشيخ محمد بن عبدالله العوشن




    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله
    - صلى الله عليه وسلم -.
     
    وبعد:
    فهذه (الخمسون النبويّة الشاملة) من الأحاديث الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، شاملة لأمور شتّى، فليستْ مقصورة على أحاديث الأحكام، ولا الفضائل، ولا على أمرٍ معيّن من أوامر الشرع، فكلّ حديث منها يتناول جانبًا من الجوانب من الأحكام والآداب، فمنها: أهمية النية، وأثرها في الأعمال، فضل التفقّه في دين الله، خطر الابتداع في الدين، البرّ بالوالدين، العناية بصلاح القلب واجتناب المشتبهات، أهمية حفظ اللسان، حق المسلم، من آداب الاستئذان، فضل الذِّكْر، من آداب الأكل، الغيبة، النصيحة، حرمة دم المسلم وعرضه وماله، التحذير من الفتن، فضل الصحابة، حقّ الكبير، وغير ذلك.
     
    وقد حرصتُ على:
    أن يكون الحديث في الصحيحين، أو أحدهما، ولم أجاوزهما إلّا إذا لم أجد في الباب حديثًا مناسبًا، فألجأ إلى ما صحّ في كتب السنن.
     
    أذكر ترجمةً لراوي الحديث، مُطعّمةً ببعض القصص والأخبار من سيرته، ولو طالتْ الترجمة؛ لما في ذلك من دروسٍ وعبرٍ.
     
    اجتهدت - في شرح الحديث - على نقل كلام أهل العلم، المتقدمين منهم، والمتأخرين، والمعاصرين.
     
    وعلى تَحْلية هذا الشرح بالمأثور عن السلف، من الأقوال والأعمال؛ ليكون دافعًا للتأسي بهم:
    وتشبَّهوا إن لم تكونوا مثلهم خمسون النبوية الشاملة Space

    إنّ التشبّه بالكرام فلاح خمسون النبوية الشاملة Space
     
    ولا أذكر في شواهد الحديث إلا ما صح، فإن كان فيه ضَعْف بيّنته من كلام أهل العلم.
     
    أختم كلّ حديثٍ بذكْرِ ما يُستفاد منه.
     
    وقد شرفتُ بقراءة الشيخ الإمام العلاّمة: عبد الله بن عبدالرحمن الجبرين لأوّل هذا الكتاب، وحال مرضه، ثمّ وفاته - رحمه الله، وجزاه عن المسلمين خيرًا - دون إتمام بقيّته، والتقديم له، كما كان مقرّرًا، فكان من المناسب أن يقوم بذلك أحد طُلاّبه الكِبار، ومن أخصّهم به: فضيلة الشيخ الدكتور: عبد العزيز بن محمد السدحان - جزاه الله خيرًا - فشكر الله للشيخ الإمام عبد الله[1]، ولتلميذه البارّ أبي عمر، وأجزل لهما الأجر والمثوبة.
     
    والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات.


    عدل سابقا من قبل مآآآري في الخميس 22 أغسطس 2013 - 19:45 عدل 1 مرات
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 21:26

    الحديث الأول
    عن عمرَ بن الخطّاب - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنّما الأعمالُ بالنِيّاتِ، وإنّما لِكلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُه إلى اللهِ ورَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلى اللهِ ورَسُولِهِ، ومَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيا يُصِيبُها، أوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُها فَهِجْرَتُه إلى مَا هَاجَرَ إِلَيْه». [أخرجه البخاري ومسلم][2].


    راوي الحديث:
    أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بن نُفيْل القرشي العدوي، فضائله جمّة، ومناقبه كثيرة، بشّره الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالجنة في غير حديث[3]، وعَلِمَ المسلمون والمشركون مكانته بعد رسول الله وأبي بكر، كان إسلامه عزًّا، وهجرته نصرًا، وخلافته رحمة. تولى الخلافة عام 13 للهجرة حتى قُتل - رضي الله عنه - شهيدًا عام 23 للهجرة، وكان قتله الباب الذي كُسر لتدخل الفتن بعده على الأمّة، وبكاه المسلمون: «كأنّما فَقَدُوا أبْكارَ أولادِهم»[4].
    معاني الكلمات:
    1- إنّما: أداة حصر.
    2- هجرته: الهجرة، بمعنى الترك.
    وفي الشرع: ترك ما نهى الله عنه، ومنه الانتقال من دار الكفر إلى دار الإيمان.
    الشــرح:
    أجمع العلماء على عِظَم شأن هذا الحديث، وأنه من الأحاديث التي عليها مدار الدين، فالأعمال لابد في قبولها من شرطين:
    1- الإخلاص.
    2- المتابعة.
    فلا عمل مقبولًا[5] بغير نيّة. ولهذا كثر اهتمام السلف - رحمهم الله - بأعمال القلوب، وأهمها وأدقها الإخلاص.
    وفي الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله».
    وفي صحيح مسلم في أول الناس يقضى يوم القيامة: «رجل استُشْهِدَ...فيقال: كذبتَ، ولكنّك قاتلتَ ليُقال: جريء، فقد قيل: ثم أُمر به فسُحِبَ على وجهه حتى ألقيَ في النار، ورجل تعلّم العلم وعلّمه، وقرأ القرآن...كذبتَ، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأتَ القرآن ليقال قارئ، فقد قيل: ثم أُمر به...حتى ألقي في النار، ورجل وسّع الله عليه...قال: كذبتَ ولكنك فعلتَ ليُقال: هو جواد، فقد قيل: ثم أُمر به...حتى ألقي في النار». فإذا كان هذا حال من بذل نفسه، ومن بذل وقته وعلمه، ومن بذل ماله، فكان مصيرهم النار؛ لأن نيّتهم لم تكن لله، وإنّما للرياء والسمعة، فكيف حال من كان دون ذلك في البذل ونيته لغير الله؟! نسأل الله الإخلاص، والصواب في القول والعمل.
    وفي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يقول الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشّرْك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه».
    ومما ينبغي التنبيه عليه أن بعض الناشئة قد يكون بدأ في حفظ القرآن وطلب العلم بغير نية، فيقال له: لا عليك، استحضر النية الآن، وأنت مأجور على ما مضى لجهلك، وقد جاء عن غير واحد من السلف: طلبنا العلم بغير نية، ثم رزقنا الله النية بعد.
    ما يستفاد من الحديث:
    1- عِظم شأن النية.
    2- أن النية شرط في قبول الأعمال.
    3- النيّة محلّها القلب، ولا يعلمها إلا الله.
     
    •   •    •    •    •
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 21:28

    الحديث الثاني
    عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «بُني الإسلامُ على خمَسٍْ: شَهَادَةِ أن لا إله إلا الله، وأنّ محمدًا عبدُهُ ورَسُولُهُ، وإِقَامَةِ الصّلاةِ وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وحجِّ البيْتِ، وصَوْمِ رَمَضَان» [أخرجه البخاري ومسلم][6].


    راوي الحديث:
    عبد الله بن عمر الخطاب، من علماء الصحابة وفقهائهم، وأحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -[7]. لم يشارك في غزوة بدر، ولا أُحد لصغر سنّه، وشارك في الخندق، وما بعدها.
    اشتهر بالعبادة، والخشية، قال نافع: كان ابن عمر إذا قرأ هذه الآية: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ [الحديد:١٦]؛ يبكي حتى يغلبه البكاء، وقال جابر - رضي الله عنه -: ما منّا أحد أدرك الدنيا إلا مالتْ به ومالَ بها، غير عبد الله بن عمر[8].
    وكان - رضي الله عنه - غاية في الإنفاق في سبيل الله، ما مات حتى أعتق ألف إنسان أو زاد[9]، وله مواقف في الإنكار على الحجاج بن يوسف.
    مات - رضي الله عنه - سنة 73 للهجرة وقيل 74 وقد بلغ خمسًا وثمانين سنة.
    معاني الكلمات:
    1- خمس: أي أركان.
    2- لا إله إلا الله: نفي وإثبات، أي لا معبود بحق إلا الله سبحانه
    الشــرح:
    الإسلام بناء متكامل، يقوم على أركان خمسة، أعظم هذه الأركان الشهادتان، وشهادة أن لا إله إلا الله لها شروط سبعة، هي: العلم، اليقين، الإخلاص، الصدق، المحبة، الانقياد، القبول، جمعها الناظم بقوله:
    علم يقين وإخلاص وصدقك مع خمسون النبوية الشاملة Space
    محبة وانقياد والقبول لها خمسون النبوية الشاملة Space
    وزِيد ثامنها الكفران منك بما خمسون النبوية الشاملة Space
    غير الإله من الأوثان قد ألُها خمسون النبوية الشاملة Space
     
    «وأن محمدًا عبده ورسوله» فهو عبد الله، نَعَتَه ربه بالعبودية في أشرف المواضع وأعلاها: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ[الإسراء:١]، وهو خاتم النبيين والمرسلين وأفضلهم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة».
    وكل من أدرك رسالته ولم يؤمن به - صلى الله عليه وسلم - فهو من الخاسرين: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ[آل عمران:٨٥]، أي: من أهل النار: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» [أخرجه مسلم رقم 240]، والأركان الأربعة الباقية بدنية ومالية، وأعظمها الصلاة «إنّ بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» [أخرجه مسلم رقم 134]. وفي هذا الحديث تقديم ذكر الحج قبل الصوم، وفي رواية أخرى عند مسلم بتقديم الصوم، وهو الترتيب الصحيح لهذه الأركان، وقد جاء في رواية لمسلم أن رجلًا سأل ابن عمر: ألا تغزو فقال: «إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الإسلام بني...» وذكر الحديث.
    ما يستفاد من الحديث:
    1- أنّ أركان الإسلام خمسة على لسان الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
    2- عِظَمُ شأن الشهادتين، فبهما يدخل المرء في الإسلام.
    3- أهميّة الصلاة، فهي أعظم الأركان بعد الشهادتين، وتاركها كافر عند كثير من العلماء.
     
    •   •    •    •    •
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 21:28

    الحديث الثالث
    عن عائشةَ - رضي الله عنها - قالتْ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوُ رَدٌّ» [أخرجه البخاري ومسلم] [10].


    راوي الحديث:
    أمّ المؤمنين الصدّيقة بنت الصدّيق عائشة بنت أبي بكر – رضي الله عنها -، المبرّأة من فوق سبع سماوات وأحبّ أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه[11]، وأعلم نساء الأمة، وأحد السبعة المكثرين من رواية الحديث، مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي ابنة ثماني عشرة سنة، وعاشت بعده أزيد من خمس وأربعين سنة، واحتاج الناس إلى علمها، وانتشر في الآفاق؛ عُرفت مع العلم والعبادة بالجود، بعث لها معاوية - رضي الله عنه - في خلافته بمئة ألف درهم، فما أمستْ حتى فرّقتها، فقالت لها مولاتها: لو اشتريتِ لنا منها بدرهم لحمًا؟ فقالت: ألا قلتِ لي[12]. استأذنها ابن عباس - رضي الله عنهما - في مرض موتها فأذنت له فأثنى عليها خيرًا...فقالت: وددتُ أني كنت نسيًا منسيًّا[13]. توفيتْ - رضي الله عنها - عام 58 للهجرة. وقيل: 57.
    معاني الكلمات:
    1- أحدث: عمل.  وفي رواية أخرى للحديث: «من عمل عملًا...» أخرجه مسلم.
    2- أمرنا: المراد به هنا: شرعنا.
    3- ليس منه: أي ليس له أصل في الشرع.
    4- ردّ: أي مردود باطل.
    الشــرح:
    هذا الحديث أصل من أصول الإسلام، وقاعدة من قواعده العظام، وهو أصل في ردّ كل بدعه في الدين «كما أن حديث: «الأعمال بالنيات ميزان للأعمال في باطنها، فهو ميزان للأعمال في ظاهرها»[14]، وقد حذّر - صلى الله عليه وسلم - من الإحداث في الدين: «... وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» أخرجه أبو داود والترمذي، وأخرج مسلم عن جابر مرفوعًا: «وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة». والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعًا، وإن كان بدعة لغة[15].
    وكما مرّ في شرح الحديث الأول أن كل عمل لابد لقبوله من شرطين: الإخلاص، والمتابعة، فمن أحدث في دين الله ما ليس منه، وزعم أنه أراد بذلك الأجر والدار الآخرة، فيقال له: لكن تخلّف الشرط الآخر للقبول، وهو موافقة هذه الفعل لما شرع الله، وشرعه رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
    وخرج بقوله: «في أمرنا» أمور الدنيا، فكل المحدثات في الدنيا ليست من البدع في الدين.
    والمحدِث في الدين مستدرك على الشرع، والله تعالى يقول: ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:٣]، وهو - أي المحدِث في الدين - زاعمٌ بفعله، لا بقوله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وحاشاه من ذلك - لم يبلّغ الرسالة كاملة.
    وقد سلك صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسلف الأمة نهجه القويم في الكثير من محدثات الأمور، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «اتبعوا ولا تبتدعوا ففد كُفيتم»[16]، وقال - رضي الله عنه -: «إنكم قد أصبحتم اليوم على الفطرة، وإنكم ستحدثون ويُحدث لكم، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالعهد الأول»[17].
    وكل من أحدث في دين الله ما ليس منه فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا.
    ما يستفاد  من الحديث:
    1- حرصه - صلى الله عليه وسلم - على حماية الدين من البدع.
    2- أن كل عمل محدث في الدين باطل مردود على صاحبه.
    3- أن حسن النيّة ليس كافيًا لقبول العمل، بل لابدّ من موافقته الشرع.
    4- أهمية الاتباع وترك الابتداع.
     
    •   •    •    •    •
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 21:33

    الحديث الرابع
    عن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:«إنّ الحلالَ بَيِّنٌ، وإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، لا يَعْلَمُهُنَّ كَثيرٌ مِنَ النّاسِ، فَمَنِ اتّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ[18]، كالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيه، ألَا وإنّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَى، ألَا وإنّ حِمى الله محَارِمُه، ألَا وإنّ في الجَسَدِ مُضْغَة إذا صَلَحتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلَه، وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كلُّه، ألَا وهيَ القَلْب». [أخرجه  البخاري ومسلم][19].
    راوي الحديث:
    النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري الخزرجي، هو وأبوه وأمّه مِنْ الصحابة، وأمّه: عَمْرَة بنت رواحة أخت عبد الله - رضي الله عنهم - أجمعين. قيل هو أول مولود للأنصار بعد الهجرة، ولّاه معاوية على الكوفة، ثم قضاء دمشق، ثم واليًا على حمص، وكان خطيبًا مفوهًا، قُتل - رضي الله عنه - سنة 65 للهجرة.
    معاني الكلمات:
    1- بيّن: واضح، ظاهر.
    2- مشتبهات: غير واضحة.
    3- استبرأ: طلب البراءة.
    4- عرضه: العرض موضع المدح والذَّم من الإنسان.
    5- الحمى: ما يحميه الملك من المرعى.
    6- يوشك: يقرب.
    7- يرتع: يأكل ويشرب، ولا يكون الرّتع إلا في الوقت الخصب.
    8- مضغة: قطعة من اللحم.
    الشــرح:
    هذا الحديث من أصول الدين، وعليه مدار كثير من الأحاديث، وله تعلق كامل بطعام الناس وشربهم ومكاسبهم، والتأكيد على صلاح القلب.
    «إن الحلال بيّن وإنّ الحرام بيّن»، أي: هناك أمور حلال لا شكّ فيها، وأخرى حرام لا شك فيها، وبينهما أمور مشتبهة.
    «لا يعلمهن كثير من الناس»: فيه دلالة على أن بعض الناس وهم العلماء يعرف حكمها أحيانًا، وقد لا يتبين له هل هي حلال أم حرام، فمن اتقى هذه المشتبهات واجتنبها فقد صان دينه من النقص، وعرضه من الذمِّ والعيب.
    قوله: «ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام»، أي: إما أنه قد يقع في الحرام أحيانًا، وإما أن يعتاد التساهل مرة بعد أخرى، فيتدرّج حتى يقع في الحرام، كما قال بعض السلف: المعاصي بريد الكفر.
    «كالراعي يرعى...»، أي: مثل هذا الذي يقع في الشبهات كمثل من يرعى حول حمى  الملك، وهو الكلأ والمرعى الخصب الذي حماه الملك لنفسه، يوشك ويقرب من يرعى حوله أن يقع في المحظور، وهو حمى الملك! قال ابن حجر: «وفي اختصاص التمثيل بذلك نكتة: وهي أن ملوك العرب كانوا يحمون لمراعي مواشيهم أماكن مختصة يتوعدون من يرعى فيها.. بالعقوبة الشديدة، فمثّل لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بما هو مشهور عندهم[20].
    «ألا»: وهي أداة تنبيه لما بعدها. «حمى الله محارمه»، أي: أن المحرمات هي حمى الله التي لا ينبغي القرب منها مخافة الوقوع فيها.
    قال أهل العلم عن المشتبه: «وما كان هذا سبيله ينبغي اجتنابه لأنه إن كان في نفس الأمر حرامًا فقد برئ من تبعتها، وإن كان حلالًا فقد أُجر على تركها بهذا القصد»[21] وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» رواه أحمد والنسائي والترمذي.
    ومن العجب أن كثيرًا من الناس يحتاط لبدنه، ولا يحتاط لدينه، فتراه ربما ترك بعض ما أحل الله حفاظًا على صحته وبدنه، وفي المقابل يرتع في بعض المشتبهات، بل ربما المحرمات، سواء في المطعومات، أو المعاملات  المالية، وما أحسن ما قاله عبد الله بن شُبرمة (ت144) رحمه الله تعالى: «عجبتُ للناس يحتمون من الطعام مخافة الداء، ولا يحتمون من الذنوب مخافة النار»[22].
    وأعجب من ذلك من لا يكتفي بالوقوع في المشتبهات والمحرمات، بل يدعو غيره إليها ويزيّنها له ، فإن رأى منه ترددًا قال: افعل ولا عليك وعلى مسؤوليتي!! ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [النحل:٢٥]، ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ القِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [العنكبوت:١٣].
    فلنكن لديننا أشد حذرًا منّا لأبداننا، فلو قيل لأحدنا إنّ هذا العمل محرّم، أو من المشتبهات لوجدته يعتذر لنفسه، ويبحث عن من يفتي له بحلّه ، ولو قيل له إنّ الطعام الفلاني من مسببات المرض الفلاني حسب رأي أحد الأطباء، والآخرون من (أهل)[23] التخصص نفسه يخالفونه لوجدته يبادر بأخذ رأي هذا الطبيب، ويدع رأي مخالفيه احتياطًا لنفسه، ولا حرج عليه في ذلك، لكن الحرج كلّه أن لا يكون احتياطه لدينه كاحتياطه لبدنه. وقسْ على ذلك في المعاملات المالية وغيرها.
    ثم ختم بأن: «في الجسد مضغة...»: فصلاح الجسد وفساده متوقف على هذه القطعة الصغيرة من اللحم. فهو ملك البدن والأعضاء جنوده[24] فإن كان القلب سليمًا ظهر أثر ذلك على البدن، وإن كان فاسدًا فسدت الأعضاء. وربما هوّن البعض من أهمية الالتزام بالمظهر الشرعي بقوله: التقوى ها هنا، وهي كلمة حق، يراد بها - أحيانًا - باطل، فلو كان في قلب المستشهد بها تقوى لظهر أثر ذلك عليه.
    ويقال أيضًا: كما أن محل التقوى القلب، فكذلك هو محل الفجور والفسوق.
    فعلينا جميعًا أن نُعنى بصلاح قلوبنا، ونتلمس كل أمر يعين على ذلك، ونجتنب كل ما يفسده. وكما يسارع الواحد منّا إذا شعر بألم حسي في قلبه للنظر في سبب ذلك، وعمل الفحوصات الطبية مهما كان الثمن، فمن باب أولى أن نهتم بصلاحه المعنوي، وهو لا يتطلب منّا مالًا ولا جاهًا، وإنما نية صادقة، وعملًا صادقًا[25].
    وقد عظمت عناية السلف بصلاح قلوبهم، وتطهيرها من الشرك، والرياء، والحسد، والبغض، والكبر، والعُجْب، وغيرها من أمراض القلوب. نسأل الله أن يصلح قلوبنا وأعمالنا. آمين.
    فائده
    قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: «الناس أربعة في الورع، فمنهم ورع عن القليل والكثير، ومنهم ورع عن القليل وإذا أشرف على الكثير لم يتورع عنه ، ومنهم ورع عن الكثير ويدنّس ورعه بالقليل، ومنهم من لا يتورع عن قليل ولا كثير». ( تاريخ بغداد ، 6/196).
    ما يستفاد من الحديث:
    1- أن الحلال ما أحله الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، والحرام ما حرمه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكلاهما بيّن واضح.
    2- توجد بعض الأمور غير الواضحة، يجهل حكمها كثير من الناس.
    3- فيه فضيلة ظاهرة لأهل العلم؛ لأنهم  - بعلمهم - يَعْرِفون حكم هذه المشتبهات.
    4- الحثّ على اجتناب المشتبهات ,ليصون الإنسان دينه وعرضه.
    5- أن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، فمن وقع في الشبهات يقرب أن يقع في الحرام.
    6- أهمية العناية بصلاح القلب، فبصلاحه يصلح عمل المرء، وبفساده يفسد.
    7- أن صلاح الظاهر مرتبط غالبًا بصلاح الباطن.
    8- حرصه - صلى الله عليه وسلم - على تقريب المعاني لأصحابه.
     
    خمسون النبوية الشاملة Alhalal
     
    •   •    •    •    •
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 21:35

    الحديث الخامس
    عنْ عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ العملِ أحَبُّ إلى الله تعالى؟ قال: «الصلاةُ على وَقْتِها»، قلتُ: ثمَّ أيٌّ؟ قالَ: «بِرُّ الوَالِدَيْنِ»، قلتُ: ثمّ أيٌّ؟ قالَ: «الجِهَادُ في سَبِيلِ الله» متفقٌ عليه[26].




     
    راوي الحديث:
    عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي، أبو عبد الرحمن، من السابقين إلى الإسلام، وهاجر الهجرتين إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، وشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزواته كلها. ومن المكثرين من رواية الحديث، ومن علماء الصحابة الكبار. قال - رضي الله عنه -: «والله الذي لا إله غيره ما أُنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمن أُنزلت. ولو أعلم أحدًا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت ُ إليه»[27]، وأخذ من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضعا وسبعين سورة[28].
     
    وفي الحديث: «من سّره أن يقرأ القران غضًّا كما أُنزل فليقرأه على قراءة ابن أمّ عبد»[29]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لَرِجْلُ عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أُحد»[30]، وفضائله - رضي الله عنه - كثيرة.
     
    ومن جميل كلامه: «رُبّ شهوة ورَّثتْ حزنًا طويلًا»، «اطلب قلبك في ثلاثة مواطن: عند سماع القرآن، وفي مجالس الذكر، وفي أوقات الخلوة. فإن لم تجده في هذه المواطن فسلْ الله أن يمنّ عليك بقلبٍ؛ فإنّه لا قلبَ لك»[31]! توفي رحمه الله سنة 32 للهجرة.
     
    معاني الكلمات:
    على وقتها: أي في وقتها. دون تأخير. ثم أي؟: ثم ماذا؟.
     
    الشرح:
    دلّت نصوص الشريعة على تفاضل الأعمال، وهنا ابن مسعود يسأل عن أفضل وأحبّ الأعمال إلى الله فيأتيه الجواب: «الصلاة على وقتها»، أي: في وقتها المحدد: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا[النساء:١٠٣]، فلا تصح قبل دخول الوقت بالإجماع، ولا بعد خروجه على الصحيح.
     
    والصلاة عمود الدين فمن ضيّعها فهو لما سواها أضيع. ولذا عظمت عناية السلف بأدائها في وقتها، وإقامتها على وجهها الصحيح.
     
    قال عدي بن حاتم - رضي الله عنه -: «ما دخل وقت صلاة قط إلا وأنا مشتاق إليها» وقال: «ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء»[32]. وقال سعيد بن المسيب: «ما أذّن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد»!![33]. وقال ابن عيينة: «إن من توقير الصلاة أن تأتي قبل الإقامة»[34]، وقال إبراهيم النخعي: «إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغْسِلْ يدكَ منه»[35]! وكان سعيد بن عبد العزيز إذا فاتته صلاة الجماعة بكى[36](!).
     
    قال الشيخ ابن عثيمين: «حدّثني منْ أثق به أن هذا المسجد[37] كان لا يؤذن لصلاة الفجر إلا وقد تمّ الصف الأول..» [38]!.
     
    ثم: «بِرُّ الوالدين» وهو من أعظم القربات، وجاء الحثّ عليه في القرآن الكريم: ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا[النساء:٣٦]، ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:٢٣]، ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا [الأحقاف:١٥]. فقرن الله جل وعلا بين الأمر بتوحيده وبين برّ الوالدين، وفي المقابل جعل عقوقهما من كبائر الذنوب: «ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر؟ الإشراك بالله، وعقوق الوالدين..»[متفق عليه].
     
    بل أمر بالإحسان إليهما حتى لو كانا مشركيْن، بل ويدعوانه إلى الشرك: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا[لقمان: ١٥]، هذا وهما من دعاة الكفر، فكيف إذا كان مسلميْن، بل ومن دعاة الإسلام؟
     
    وجعل برّهما من أسباب دخول الجنة: «رغِمَ أنف، ثم رغم أنف.. من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أوكليهما فلم يدخل الجنة» [أخرجه مسلم]. وجعل للأمّ حقًّا أعظم. أُمّك.. أُمّك.. أُمّك.. ثم من؟ قال: «أبوك» [متفق عليه].
     
    وحمل رجل أُمّه وراء ظهره وجعل يطوف بالكعبة، ثم قال لابن عمر: أتراني جزيتها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة[39].
     
    وقد ضرب السلف رحمهم الله أروع الأمثلة في برّهم بوالديهم. قال ابن المسيب: «بلغنا أن أبا هريرة لم يكن يحج (يعني حج النفل) حتى ماتت أُمّه لصحبتها» [أخرجه مسلم (11\136) نووي].
     
    وقال الحسن البصري: «تعشّ العشاء مع أُمّك تقرّ به عينها أحبّ إليّ من حجة تحجها تطوعًا»[40].
     
    وقال محمد بن المنكدر: «بات أخي عمر يصلي، وبتُّ أغمزُ رِجْلَ أُمّي، وما أُحبُّ أنّ ليلتي بليلته»[41].
     
    وكان علي الجراعي (ت859) وهو ابن ستين سنة لا يفعل شيئا حتى يشاور والدته,ولا يروح موضعا إلاّ بإذنها[42].
     
    وترك غير واحد من العلماء الرحلة للاستزادة من طلب العلم لأجل الأمّ ولزومها وخدمتها، فبورك لهم في علمهم. كما في ترجمة:محمد بشار (بندار)، وحسن بن عبد الوهاب بن عبد الحكم، وابن عساكر، والذهبي، والشوكاني.
     
    قال الإمام أحمد: «يرحل لطلب العلم إن كان لا يدري كيف يطلّق، وكيف يصلي، وإن كان قد عرف فالمقام عليها (يعني الوالدة) أحبّ إليّ»[43].
     
    قال علي بن إبراهيم بن سلمة (ت345): خرجت إلى الرحلة أحفظ مئة ألف حديث ,وأنا اليوم لا أقوم على حفظ مئة حديث!وأُصبتُ ببصري، وأظن أنني عوقبتُ بكثرة بكاء أُمّي أيام فراقي لها في طلب الحديث[44]! والغالب أنّ من عقّ والديه عقّه أولاده جزاءً وفاقًا.
     
    وفي الأثر: «برّوا آباءكم تبرّكم أبناؤكم»[45]، و«كما تَدِينُ تُدان»[46].
     
    قال ابن الجوزي: «وكان بعض العاقيّن ضرب أباه وسَحَبَه إلى مكان، فقال له الأب: حَسْبُكَ إلى هاهنا سحبتُ أبي»![47] ورأى زيد بن أسلم (ت136) شابًا يخنق شيخًا، وقد اجتمع الناس عليه، وذلك الشيخ والد الشاب!فقال: دَعُوه، فإنّي رأيتُ هذا الشيخ يخنق أباه في هذا الموضع[48]!.
     
    وبِرُّ الوالدين لا يتوقف على حياتهما بل حتى بعد مماتهما، جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله هل بقي من برّ أبويّ شيء أبرّهما به بعد موتهما؟ فقال: «نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما» [أخرجه أبو داود]. وعند مسلم: «إنّ أبرّ البر صلة الرجل أهل ودّ أبيه».
     
    ثم: «الجهاد في سبيل الله»: وهو ذروة سنام الإسلام، وورد في فضله الكثير من الآيات والأحاديث: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ [التوبة: ١١١].
     
    وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ما اغبرّت قدما عبدٍ في سبيل الله فتمسّه النار» [أخرجه البخاري]. و: «الجنة تحت ظلال السيوف» [أخرجه البخاري ومسلم]. و: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه..» [أخرجه مسلم]. والأحاديث كثيرة جدًا.
     
    (ولم يَرِدْ في ثواب الأعمال وفضلها مثل ما ورد فيه.. وهو مشتمل على جميع أنواع العبادات الظاهرة والباطنة)[49]، و(من زعم أن الجهاد شُرع للدفاع فقط فقد أخطأ)[50].
     
    قال النووي[51]: «الصحيح أن الجهاد لم يزلْ فرض كفاية من حين شُرع، وهذه الآية ظاهرة في ذلك لقوله تعالى: ﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:٩٥].
     
    ويكون الجهاد فرض عين في أربعة مواطن، وما عداها فهو فرض كفاية:
    (1) إذا استنفر ولي الأمر المسلمين.
    (2) إذا حضر العدو بلدةً تعيّن على أهلها.
    (3) إذا حضر الصف.
    (4) إذا اُحتيج إلى الإنسان، كأنْ يكون سلاحًا لا يعرفه غيره[52].
     
    ومراتب الجهاد أربع: القلب، واللسان، والمال، والبدن[53].
     
    والجهاد لا يكون إلا بإذن الأبوين. وقد بوّب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه بقوله: باب لا يجاهد إلا بإذن الأبوين، وأورد حديث عبد الله بن عمرو ب قال: قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أُجاهد. قال: لك أبوان؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد»[54]. وعنه قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: جئت أبايعك على الهجرة، وتركت أبويّ يبكيان، فقال: «ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما»[55]. وجاء رجل فقال: أردتُ أن أغزو وجئت أستشيرك؟ فقال: «هل لك من أمّ»؟ قال:نعم، قال: «فالزمها، فإن الجنة تحت رجليها»[56].
     
    فها هو - صلى الله عليه وسلم - يبيّن لمن سأله عن الجهاد أن يجاهد في والديه، أي في حاجتهما ومصالحهما، فسماه جهادًا، ونِعْم الجهاد هو، بل قدّم - صلى الله عليه وسلم - حاجة الزوجة أحيانًا على الجهاد، فَعَن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يخلونّ رجل بامرأة، ولا تسافرنّ امرأة إلا ومعها محرم»، فقام رجل فقال: يا رسول الله اكتتبتُ في غزوة كذا وكذا وخرجت امرأتي حاجة، قال: «اذهب فاحجج مع امرأتك» [متفق عليه]، واللفظ للبخاري[57].
     
    فلم يأمره - صلى الله عليه وسلم - أن يذهب ليعيد زوجه ثم يلحق بالجهاد، بل أمره أن يلحق ليحج مع امرأته ويترك اكتتابه في تلك الغزوة. هذا والجهاد في الأحاديث السابقة مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكيف لو كان مع غيره؟
     
    وقد أخرج مسلم في صحيحه عن سهل بن حُنيف - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من سأل الله الشهادة بصدق، بلّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه»[58].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- حرص الصحابة ي على السؤال عما ينفعهم؛ ليعملوا به.
    2- فضل أداء الصلاة على وقتها، وأن ذلك من أحبّ الأعمال إلى الله.
    3- عِظَمُ حقّ الوالدين، وأنّ برهما من أفضل الأعمال.
    4- فضل الجهاد في سبيل الله.

    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 21:37

    الحديث السادس
    عن ابن عمر- رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((المسلمُ أخو المسلم لا يَظْلِمُه ولا يُسْلِمُه، ومَنْ كان في حَاجةِ أخيه كانَ اللهُ في حاجته، ومَنْ فرّج عن مسلمٍ كُرْبةً فرّج الله عنه بها كُرْبةً مِنْ كُرُبَاتِ يَومِ القيَامة، ومَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ الله يومَ القِيَامَة)) متفقٌ عليه[1].


    راوي الحديث:
    سبقت ترجمته في الحديث الثاني - رضي الله عنه-. ويضاف إلى ما هناك: ما أخرجه البخاري في صحيحه أنه (ابن عمر) رأى رؤيا فقصّها على أخته حفصة فقصّتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((نِعْم الرَّجل عبد الله لو كان يصلي من الليل))، فكان بعدها لا ينام من الليل إلا القليل[2]! وقال ابن المسيّب: لو شهدتُ لأحدٍ [أنه] من أهل الجنة لشهدت لابن عمر[3].
     
    وكان - رضي الله عنه - ما ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بكى، ولا مرّ على رَبَعهم إلا غمّض عينيه[4].
     
    ومرّ براعٍ فقال له: بعني شاة من الغنم. قال: إني مملوك.قال [مختبرًا له]: قل لسيّدك: أكلها الذئب. قال: فأين الله عز وجل؟! قال ابن عمر: فأين الله! ثم بكى، ثم اشترى الراعي وأعتقه، واشترى الغنم ووهبها له[5].
     
    ولما بُويع يزيد بن معاوية بالخلافة قال: إن كان خيرًا رضينا، وإن كان بلاءً صبرنا[6]. وترجمته- رضي الله عنه - حافلة، فحريّ بطالب العلم أن ينظر فيها.
     
    معاني الكلمات:
    1- لا يظلمه: لا ينقصه في ماله، ولا بدنه، ولا عرضه.
    2- لا يسلمه: لا يتركه لمن يظلمه.             
    3- فرّج: أزال وخفّف[7].
    4- كربة: كل ما يُشغل الإنسان من الهمّ والغمّ.
     
    الشرح:
    يبين هذا الحديث حقيقة الأخوّة، وأن المسلم أخو المسلم، كما قال تعالى: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10].
     
    ((لا يظلمه)) وهو خبر بمعنى الأمر. و((الظلم)) هو النقص. قال تعالى: ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا﴾ [الكهف: 33].
     
    والنقص: ((إما ترك واجب، وإما فعل محرم))[8]. فلا يظلمه بأي صورة كانت.
     
    ((ولا يُسلمه))، أي: ولا يدعه ويسلمه لمن ينقصه شيئًا من حقه، بل ينصره ويدفع عنه الظلم ((انصر أخاك طالمًا أو مظلومًا)) قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالمـًا؟ قال: ((تأخذ فوق يديه))[9].
     
    و((من تركه يجوع ويعرى - وهو قادر على إطعامه وكسوته - فقد أسلمه))[10]، ويدخل فيه ـ وهو أولى ـ من ترك أخاه المسلم بعد تلبّسه ببعض المعاصي وظهور الانحراف عليه، فيُسْلمه للشيطان والنفس الأمّارة بالسوء.
     
    ((ومن كان في حاجة أخيه))، أي: من كان يسعى لمساعدة أخيه وقضاء حاجاته، ((كان الله في حاجته)) فيسهّل الله له حاجاته، ويعينه عليها، والجزاء من جنس العمل.
     
    وفي رواية لمسلم: ((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)).
     
    ((ومن فرّج عن مسلم..))، أي: من أزال أو خفّف عن مسلم ما يكربه من الهمّ والغمّ، كأن يكون في كربة مالية، من ديْن، أو إيجار مسكن، أو تكاليف علاج، أو غيرها من الكربات الحسية، والمعنوية فيساعده في تفريج هذا الضيق، فإن الله يكافئه على هذا العمل بأن يفرّج عنه من كُرب يوم القيامة، ويا لها من كربات، وكربات! جاء في ترجمة عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان أنه كان يشتري أهل البيت (من الأرقّاء)، ثم يأمر بهم فيُكسون ثم يدهنون ويعرضون عليه، فيقول: أنتم أحرار لوجه الله، استعين بكم على غمرات الموت. فخُتم له رحمه الله بخاتمة حسنة فمات وهو يصلي[11]. نسأل الله من فضله.
     
    ((ومن ستر مسلمًا..))، أي: ستر عليه عيبه فلم يُخبر به أحدًا، ولا يعني هذا ترك الإنكار عليه برفق وعلى إنفراد.
     
    ((ومن ذلك أيضًا أن تستر عنه العيب الخَلْقي...كجروحٍ مُؤثّرة في جِلْده، أو برص، أو بهق أو ما أشبه ذلك، وهو يتستر ويحب ألا يطّلع عليه الناس فإنك تستره...فالستر بالنسبة للأعمال السيئة التي يقوم بها الإنسان ينقسم إلى قسمين:..من شخص منهمك في المعاصي مستهتر، فهذا لا نستر عليه. وقسم أخر حصل منه هفوة، فهذا هو الذي نستر عليه))[12].
     
    ومفهوم المخالفة لهذا الحديث أن من لم يكن كذلك مع أخيه المسلم مع القدرة، أنه يكافأ بجنس عمل. وقد قال – صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) [متفق عليه].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- تحريم ظلم المسلم، وخذلانه.
    2- الحث على تعاون المسلمين فيما بينهم.
    3- عِظَم أجر من قام بهذه الأعمال، وما شابهها.
    4- الجزاء من جنس العمل.
     
    •   •   •   •


    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 21:37

    الحديث السابع
    عن معاويةَ بن أبي سُفْيان - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ يُرِدْ الله به خَيْرًا يُفَقِّهُه في الدِّين)) متفقٌ عليه[13].


    راوي الحديث:
    معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب القُرشي الأُموي، أمير المؤمنين، وأحد كتبة الوحي، وأمّه هند بنت عتبة. هو وأبوه وأمه من الصحابة، أسلم عام فتح مكة، ولّاه عمر بلاد الشام بعد موت أخيه يزيد بن أبي سفيان، وبقي واليًا عليها عشرين سنة، ثم تنازل له الحسن بن علي - رضي الله عنهما - عن الخلافة عام 41 للهجرة وسُمّي عام الجماعة. وهو أول ملوك المسلمين، ومؤسس دولة بني أمية. اشتهر بالحِلْم، والدهاء، والكرم. مات - رضي الله عنه - سنة 60 للهجرة.
     
    معاني الكلمات:
    1- يفقهه: الفقه العلم والفهم، وغلب على علم الدين لشرفه.
     
    الشرح:
    ((طلب العلم أفضل الأعمال لمن صحّت نيته))[14]، وفي هذا الحديث الموجز المفيد يبيّن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فضل من طلب العلم. فكل من تراه يطلب العلم الشرعي فقد أراد الله به خيرًا، والنّية أمرها إلى الله.
     
    ((ومفهوم الحديث أن من لم يتفقّه في الدين - أي يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع ـ فقد حُرم الخير))[15].
     
    والآيات والأحاديث الواردة في فضل العلم كثيرة جدًا، منها قوله تعالى: ﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 15]، وقد استنبط العلامة ابن القيم رحمه الله من هذه الآية عشرة أوجه في فضل العلم وأهله[16]، وقوله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]، فلم يأمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بطلب الازدياد من شيء إلا العلم، وقوله تعالى: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر: 9]، وغيرها من الآيات.
     
    ومن الأحاديث قوله – صلى الله عليه وسلم -: ((...ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سّهل الله به طريقًا إلى الجنة..)) [أخرجه مسلم].
     
    وتأمل هذا الحديث العظيم عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما من عبد يخرج يطلب علمًا إلا وضعت له الملائكة أجنحتها، وسُلك به طريق إلى الجنة ، وإنه ليستغفر للعالم من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحر، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، إن العلماء هم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورّثوا دينارًا ولا درهمًا، ولكنهم ورّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظًّ وافر)) [أخرجه أبو داود وابن ماجه والدارمي].
     
    ولذا فضّل العلماء طلب العلم على نوافل العبادات. وفي الحديث: ((فَضْلُ العلم أحبّ إليّ من فضل العبادة، وخير دينكم الورع)) [أخرجه الطبراني وحسنه المنذري، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي] [17].
     
    و((العلم من أفضل الرزق الذي ينتج عن التقوى، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال: 29]
     
    وأحسن ما قيل في تفسير الفرقان أنه ما يحصل للعبد من نور العلم الذي يفرق به بين الحق والباطل))[18].
     
    قال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى -: ((الناس يحتاجون إلى العلم، مثل الخبز والماء؛ لأنّ العلم يُحتاج إليه في كل ساعة، والخبز والماء في كل يوم مرة أو مرتين))[19]. وقد قيل: ((من فاته العلم ماذا أدرك؟ ومن أدرك العلم ماذا فاته؟))[20].
     
    فوائد:
    1- فضل العلم وأهله.
    2- فضل التفقّه في الدين على سائر العلوم.
    3- أنّ من لم يتفقّه في الدين، ولم يحرص على التفقه فيه؛ فإن الله لم يُرد به خيرًا.
     
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 21:39

    الحديث الثامن
    عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البرِّ، وإنّ البِرِّ يَهْدي إلى الجنّة، وإنّ الرّجلَ لَيَصْدُق حتى يُكتب عند الله صدّيقًا، وإنّ الكذِب يَهْدي إلى الفُجُور، وإنّ الفُجورَ يهدي إلى النّار وإنّ الرّجلَ لَيَكْذِب حتى يُكتبَ عند الله كذّابًا)) متفقٌ عليه[21].


    ترجمة الراوي:
    سبقت ترجمته في الحديث الخامس، ويضاف إلى ما هناك: ما أخرجه البخاري عن حذيفة قال: ((ما أعرف أحدًا أقرب سمتًا وهديًا ودَلًّا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من ابن أُمِّ عبد))، يعني: ابن مسعود.
     
    وأخرج مسلم عن أبي موسى قال: قدمت أنا وأخي من اليمن، فمكثنا حينًا ما نرى إلا أن عبد الله بن مسعود رجل من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، لما نرى من دخوله ودخول أُمّه على النبي - صلى الله عليه وسلم - )).
     
    ومنها ما أخرجاه عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود - فبدأ به - ومن أُبيّ بن كعب، ومن سالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل)).
     
    معاني الكلمات:
    1- البرّ: هو الخير، وهو اسم جامع للخيرات كلها.
    2- يهدي: يوصل.
    3- الفجور: أصل الفجر الشق، فالفجور شق ستر الديانة، ويطلق على الميل إلى الفساد، وهو اسم جامع للشر.
     
    الشرح:
    جاء الإسلام بالحثّ على مكارم الأخلاق، واجتناب مساوئها، ومن هذه الأخلاق: الصدق: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119]، وهي خصلة كان العرب في جاهليتهم يحرصون على التمسك بها، ففي حديث أبي سفيان المشهور مع هرقل، وسؤالاته له، وكان أبوسفيان إذْ ذاك مشركاَ، قول أبي سفيان: ((فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليّ (أي من معه من قومه) كذبًا لكذبت عنه))[22].
     
    ولذا لـمّا أُمر - صلى الله عليه وسلم - بالصدع بالدعوة، صعد الصفا ونادى بطون قريش وقال لهم: ((أرأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلًا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيّ؟)) قالوا: نعم، ما جرّبنا عليك إلا صدقًا[23]، فكانت شهادتهم الجماعية له بأنه لا يقول إلا الصدق حجةً عليهم لما قال لهم: ((إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد)). وهذا من حكمته - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة.
     
    ((إن الصدق يهدي إلى البرّ))، أي: الصدق موصل إلى الخير، وبالتالي إلى الجنة وهي الغاية التي يسعى إليها كل مسلم. ومصداق ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [المطففين:٢٢].
     
    ((وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صدّيقًا))، أي: يصدق دائمًا ويتحرّى الصدق حتى يكون صدّيقًا عند الله وعند الناس، وهو اسم مبالغة، وما أعظمها من صفة، أن يُكتب الرجل صدّيقًا عند الله: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ﴾ [الأحزاب:٢٤].
     
    و((الصدق يكون باللسان ويكون بالأركان، فمتى طابق الخبر الواقع فهو صدق باللسان، ومتى طابقت أعمال الجوارح ما في القلوب فهي صدقٌ بالأفعال))[24].
     
    وقد كذّب الله عز وجل المنافقين لأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:١].
     
    وفي المقابل: ((وإن الكذب يهدي إلى الفجور)): والفجور: هو الخروج عن طاعة الله، فالكذب موصل إلى ذلك، وبالتالي إلى النار، جزاءً وفاقًا، والجزاء من جنس العمل.
     
    ((ولا يصح تقسيم من قسّم الكذب من العامة إلى كذب أبيض وكذب أسود.. فالكذب كله أسود))، ((ولكن لاشك أن الكذب تتفاوت مراتبه، وإذا تفاوتت مراتبه تفاوتت عقوباته))[25]، ولم يرخّص الشارع الحكيم في الكذب إلا في أمور ثلاثة، كما في حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعيط قالت: ولم أسمعه ـ يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرخّص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث: تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها)) [أخرجه مسلم].
     
    والكذب من كبائر الذنوب، أخرج البيهقي في ((الشُّعب)) بسند صحيح عن أبي بكر – رضي الله عنه -: ((الكذب يُجانب الإيمان)) وأخرجه مرفوعًا، وقال: الصحيح الموقوف[26]. وجعل الكذب من علامات المنافق: ((..وإذا حدّث كذب)) [متفق عليه].
     
    وفي حديث رؤياه الطويل - صلى الله عليه وسلم - ورؤيا الأنبياء حق -: ((....فإذا رجل جالس ورجل قائم بيده كلّوب من حديد يدخله في شدقه حتى يبلغ قفاه، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك، ويلتمّ شدقه هذا، فيعود فيصنع مثله. قلت: ما هذا؟...قالا:..أما الذي رأيته يُشق شدقه فكذّاب يُحدّث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيُصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة...))[27] [أخرجه البخاري].
     
    فانظر إلى هذا الوعيد الشديد، وليحذر من يفتري الكذب على غيره، وينشر كذبته في الآفاق، ويعظم الإثم إذا كان المفترى عليه من ولاة الأمر من العلماء والحكام؛ ليضعف مكانتهم في النفوس، ولا يخفّف من هذا أن يكون السامعون على علم بأن هذا كذب، وإنما المراد إضحاكهم، وقد جاء الوعيد في ذلك، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ويل للذي يُحدّث فيكذب ليُضحك به القوم، ويلٌ له، ويلٌ له)) [أخرجه أبو داود، والترمذي][28].
     
    وليحذر أيضًا من يسمع بالكذبة ثم ينشرها، ويجعل العهدة على الراوي، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((كفى بالمرء كذبًا أن يحدّث بكل ما سمع)) [أخرجه مسلم في المقدمة].
     
    وقد حفل التاريخ بقصص الصادقين، وعاقبتهم الحميدة، ومن أصحها وأشهرها: قصة الثلاثة الذين خُلفوا في غزوة تبوك، كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع – رضي الله عنهم -.
     
    وفي الحديث قول كعب: ((وعرفتُ أني لن أخرج منه أبدًا بشيء فيه كذب، فأجمعتُ صِدْقه))، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أمّا هذا فقد صدق..))، وفي آخره قول كعب: ((فو الله ما أعلم أحدًا أبلاه الله في صدق الحديث أحسن مما أبلاني، ما تعمّدت منذ ذكرتُ ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومي هذا كذبًا))[29].
     
    وهذا ربعي بن حراش - وهو من التابعين - كان له ابنان عاصيان زمن الحجّاج، فقيل للحجاج: إن أباهما لم يكذب كذبة قطّ، لو أرسلت إليه فسألته عنهما، فأرسل إليه أين ابناك؟ قال: هما في البيت، قال: عفونا عنهما لصدقك[30].
     
    وقال الغازي بن قيس (ت 199): والله ما كذبت كذبة منذ اغتسلت، ولولا أن عمر بن عبد العزيز قاله ما قلتُه[31].
     
    قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: ((الصدق أساس الحسنات وجماعها، والكذب أساس السيئات ونظامها))[32].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- الحثّ على الصدق.
    2- أنه موصل إلى الجنة.
    3- أن من عُرف بكثرة الصدق استحق أن يُكتب صديقًا.
    4- التحذير من الكذب.
    5- أنه موصل إلى النار.
    6- أن من عُرف بكثرة الكذب استحق أن يُكتب كذَّابًا.
     
    •   •   •   •



    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 21:43

    الحديث التاسع
    عن أبي بَكْرَةَ- رضي الله عنه - أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال في خُطْبَتِه يومَ النّحْرِ في حجّة الوَدَاع: ((إنَّ دِمَاءَكُم وأمْوَالَكم وأعْرَاضَكم، حَرامٌ عليكم كَحُرْمَةِ يومِكُم هَذا، في شَهْرِكُم هذا، في بَلَدِكم هذا، ألاَ هلْ بَلّغْت)) متفقٌ عليه[33].


    راوي الحديث:
    أبو بكرة نُفيع بن الحارث الثقفي، من موالي النبي - صلى الله عليه وسلم -، أسلمَ في حصار الطائف، بعد أن تدلّى إلى المسلمين ببكرة. روى عددًا من الأحاديث. سكن البصرة.
     
    قال الحسن البصري: لم ينزل البصرة أفضل من أبي بكْرة وعمران بن حصين. كان من فقهاء الصحابة، وممن اعتزل الفتنة بين عليّ ومعاوية ب. مات سنة51، وقيل 52للهجرة – رضي الله عنه -.
     
    معاني الكلمات:
    1- يوم النحر: يوم العاشر من ذي الحجة، وهو يوم الحج الأكبر.
    2- أعراضكم: العِرْض موضع المدح والذمّ من الإنسان.
    3- بلدكم هذا: مكة.
     
    الشرح:
    جاء الإسلام بحفظ الحقوق الخمس: الدين، والنفس، والعرض، والمال، والنسل، وهذا من عظمة هذا الدين، فهو يأمر بحفظ المسلم المعصوم الدم في حياته، وبعد مماته، في حضوره، وغيبته. وقد أعلن ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أكبر تجمّع بشري في حياته، ألا وهو: ((حجة الوداع)) أمام عشرات الآلاف من الناس، وفدوا إليه من أنحاء الجزيرة العربية.
     
    وقد جاء تحريم ذلك في الكتاب والسنة: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ [الفرقان: ٦٨ – ٦٩]. وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:٩٣]، بل جعل قتل نفس واحدة كقتل الناس جميعًا: ﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾  [المائدة: ٣٢].
     
    وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصبْ دمًا حرامًا)). [أخرجه البخاري].
     
    وأخبر أن: ((أول ما يقضى بين الناس في الدماء)) [أخرجه البخاري ومسلم]، وجعلها من الموبقات: ((أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وقتل النفس..)) [أخرجه البخاري]. و((الدماء المحرّمة أربعة أصناف: دم المسلم، ودم الذّمي، ودم المعاهد، ودم المستأمن، وأشدّها وأعظمها دم المؤمن))[34] وحرّم ماله: ((من اقتطع حقّ امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرّم عليه الجنة)) فقال رجل: يا رسول الله: وإن كان شيئًا يسيرًا؟ فقال: ((وإنْ قضيبًا من أراك)) [أخرجه مسلم].
     
    وقال: ((إنّما أنَا بَشَرٌ، وإنّكم تَخْتصمونَ إليّ، ولعلَّ بعضكم أن يكون ألحنَ بحُجتّه مِنْ بعض، فاقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيتُ له بحقّ أخيه شيئًا فلا يأخذه، فإنّما أقطع له قطعة من النار، فليأخذها أو ليتركها)) [أخرجه البخاري ومسلم].
     
    وحرّم عرضه وجعله من الكبائر: ((إن من أرْبى الرِّبا الاستطالة في عِرْضِ المسلم بغير حق)). [أخرجه أبو داود].
     
    وجعل من اغتاب مسلمًا كأنما أكل من لحمه: قال تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [الحجرات: ١٢]. ولما قالت عائشة- رضي الله عنها - للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ((حسبك من صفيّة كذا وكذا)). قال بعض الرواة: تعني قصيرة، فقال: ((لقد قلتِ كلمة لو مُزجت بماء البحر لمزجته...)) [أخرجه أبو داود].
     
    قال النووي رحمه الله: ((وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة أو أعظمها، وما أعلم شيئًا من الأحاديث يبلغ في الذمّ  لها هذا المبلغ))[35].
     
    وكثير من المسلمين اليوم - للأسف - يستهين بالوقيعة في عرض أخيه المسلم، فتجده شديد الورع في بعض المباحات، وربما سأل عن الطعام، ومصدره، ولكنه لا يتورع عن الأكل من لحم أخيه المسلم!.
     
    قال ابن الجوزي (ت597) - رحمه الله -: ((رأيتُ كثيرًا من الناس يتحرزون من رشاشة نجاسة، ولا يتحاشون من غيبة..)) [36]، وقال ابن القيم (ت751) ـ رحمه الله ـ: ((ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنى والسرقة وشرب الخمر وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه.. وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي بما يقول))[37]!.
     
    ورحم الله امرءًا شُغل بنفسه عن غيره.
     
    ذُكر رجلٌ عند الإمام أحمد فقال: ((في نفسي شغل عن ذكر الناس)) ((وأثنى على رجلٍ، فقيل له: قولكَ فيه خلاف قوله فيك، فتبسّم وقال: ما أعلم إلا خيرًا، هو أعلم وما يقول، تريد أن أقول ما لا أعلم؟ رحم الله سالمًا ـ ابن عبد الله بن عمر ـ زحمتْ راحلته راحلة رجلٍ فقال الرجل لسالم: أراك شيخ سوء. قال: ما أبعدتَ))[38]!.
     
    قال أبو عاصم النبيل الضحّاك بن مخلد: ما اغتبتُ أحدًا منذ عقلت أنّ الغيبة حرام[39]، وورِث هذا الهديَ تلميذُه الإمام البخاري، فكان يقول: ((أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدًا))[40].
     
    فائدة:
    استثنى العلماء بعض الحالات التي تجوز فيها الغيبة، فصّلها الإمام النووي رحمة الله في ((رياض الصالحين)) باب ما يباح من الغيبة، وفي شرحه لصحيح مسلم[41]. وكذا في الأذكار[42].
     
    وقد جمعها الناظم بقوله:
    والقدح ليس بغيبة في ستةٍ خمسون النبوية الشاملة Space

    مُتظلِّمٍ ومعرّفٍ ومحذّر خمسون النبوية الشاملة Space

    ولمظهرٍ فسقًا ومستفتٍ ومن خمسون النبوية الشاملة Space

    طلب الإعانة في إزالة منكر [43]خمسون النبوية الشاملة Space

    ما يستفاد من الحديث:
    1- تحريم دماء المسلمين، وأموالهم، وأعراضهم.
    2- بيانه - صلى الله عليه وسلم - ذلك في هذا المجتمع العظيم.
    3- حرص الإسلام على حفظ الضروريات الخمس وهي: الدين، النفس، العقل، العِرْض، المال.
     
    فائدة:
    للإمام الشوكاني ـ رحمه الله تعالى ـ رسالة نافعة، بعنوان: ((رَفْعُ الرِّيبة فيما يجوز وما لا يجوز من الغيبة)) وهي في الرسائل المُنيريّة (1/48) وفي الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (11/5557).
     
    •   •   •   •



    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 21:44

    الحديث العاشر
    عن ابن مسعود- رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يَدْخُلُ الجنّةَ مَنْ كانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ)). قال رجُلٌ: إنّ الرَّجلَ يُحِبُّ أنْ يكونَ ثَوْبُه حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَة. قال: ((إنّ الله جميلٌ يُحِبُّ الجَمَالِ، الكِبْرُ بَطْرُ الحقِّ وغَمْطُ النّاسِ))، أخرجه مسلم[44].


    راوي الحديث:
    سبقت ترجمته في الحديث الخامس، والحديث الثامن.
     
    معاني الكلمات:
    1- مثقال: وزن.
    2- ذرّة: صِغَار النّمل، وقيل: ما ليس لها وزن، ويُراد بها ما يُرى في شعاع الشمس الداخل في النافذة.
    3- بطر الحق: ردّه وإنكاره ترفّعًا وتجبرًا.
    4- غمط الناس: احتقارهم.
     
    الشرح:
    هذا الحديث فيه وعيد شديد لمن كان في قلبه شيء من الكِبْر، وإن كان يسيرًا. والكبْر خصلة مذمومة، وعاقبته أليمة. قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عُتلّ جوّاظ متكبر)) متفق عليه.
     
    وقال: ((يُحشر المتكبّرون يوم القيامة أمثال الذّر في صور الرجال، يغشاهم الذّل من كل مكان، يُساقون إلى سجن في جهنم يُسمى بُولس تعلوهم نار الأنيار، يُسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال))[45].
     
    فالجزاء من جنس العمل، فكما كان هؤلاء المتكبّرون يَنظرون للناس في الدنيا بازدراءٍ واحتقارٍ كأنّهم الذّرّ، فإنّهم يُحشرون يوم القيامة كأمثال الذّرّ لكن في صُوَرِ الرّجال! ((فالذي في قلبه كِبْر، إما أن يكون كِبْرًا عن الحقّ وكراهة له، فهذا كافر مخلّد في النار، ولا يدخل الجنة، لقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: ٩].
     
    وأما إذا كان كِبْرًا على الخلق وتعاظمًا على الخلق، لكنه لم يستكبر عن عبادة الله، فهذا لا يدخل الجنة دخولًا كاملًا مطلقًا لم يُسبق بعذاب، بل لابدّ من عذاب على ما حصل من كِبْره وعلوائه على الخلق، ثم إذا طُهّر دخل الجنة))[46].
     
    فلما حدّث الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث ظنّ رجل ممّن سمعه أن عناية الرجل بثوبه ونعله من الكبر، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله جميل..)) جميل في ذاته، جميل في أفعاله، جميل في صفاته، كل ما يصدر عن الله عز وجل فإنه جميل ((يُحبّ الجمال)) يحب التجمل، بمعنى: أنه يحبّ أن يتجمل الإنسان في ثيابه، وفي نعله، وفي بدنه[47]. ولكن كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((كلوا واشربوا والبسوا وتصدّقوا في غير إسْراف ولا مخيلة)). وقال ابن عباس: ((كُلْ ما شئت والْبَسْ ما شئت، ما أخطأت اثنان: سرفٌ أوْ مَخِيلةٌ))[48].
     
    كان يزيد بن المهلّب بن أبي صُفرة جوادًا كريمًا، لكن كان فيه كبْر، رآه مُطرِّف بن الشّخّير (ت86) يسحب حُلّته، فقال له: إن هذه مشيه يبغضها الله، قال: أوَ ما تعرفني؟ قال: بلى، أوّلكَ نطفة مَذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل العذِرة.[49]! قال ابن عيينة: من كانت معصيته في الشهوة فارج له، ومن كانت معصيته في الكبر فاخش عليه، فإنّ آدمَ عصى مشتهيًا فغُفر له، وإبليس عصى متكبّرًا فلُعِن[50].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- تحريم الكِبْر، وأنّه من كبائر الذنوب.
    2- فيه مراجعة التلميذ لشيخه.
    3- أن الله يحبّ التجمّل من غير خيلاء، ولا إسراف.



    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 21:49

    الحديث الحادي عشر
    عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه -عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ والجلِيسِ السُّوءِ كحَامِلِ المِسْكِ ونافخِ الكِير، فَحَامِل الِمسْك إمّا أنْ يُحذيك، وإمّا أنْ تَبْتاعَ منه، وإمّا أنْ تجدَ ريحًا طيّبةً، ونافخ الكِير إمّا أنْ يُحرقَ ثيابك، وإمّا أنْ تجِدَ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثةً» أخرجه البخاري، ومسلم


    راوي الحديث:
    أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري، أحد فقهاء الصحابة وعلمائهم، أسلمَ في مكّة، واختُلف: هل هاجر إلى الحبشة، أمْ رجع إلى بلده اليمن؟ ثمّ قدم المدينة، وصادفتْ سفينته سفينة جعفر بن أبي طالب ومَنْ معه في رجوعهم من الحبشة بعد فتح خيبر، ولّاه النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعض أجزاء اليمن. ثم ولّاه عمر على البصرة. وكتب له رسالته المشهورة في القضاء. اشتهر بحسن الصوت جدًّا، حتى قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا أبا موسى لقد أُوتيت مزمارًا من مزامير آل داود»[2].
     
    قال أبو عثمان النّهْدي (من التابعين): ما سمعتُ مزمارًا ولا طنبورًا ولا صنجًا أحسن من صوت أبي موسى الأشعري، إنْ كان ليُصلّي بنا فنَودُّ أنه قرأ البقرة، من حسن صوته[3]. دعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «اللهمَّ اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مُدخلًا كريمًا»[4].
     
    توفي- رضي الله عنه -سنة 44، وقيل42. وقد جاوز عمره الستين.
     
    معاني الكلمات:
    1- المسك: من أنواع الطيب.
    2- الكير: منفاخ الحدّاد.
    3- يُحذيك: يعطيك.
     
    الشــرح:
    يضرب الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأمثال لأصحابه ي- ولمن بعدهم- ليكون ذلك أبلغ في إيضاح المعنى، واستقراره في الذهن. والإنسان لابد له من جليس، فإن كان فطنًا حذرًا اتخذ جليسًا صالحًا، يُعينه إذا ذكر، ويذكّره إذا نسي، ويتفقّده إذا غاب، ويُحبّ له ما يُحبّ لنفسه.
     
    وإن كان المرء غير فطن ولا كيّس اتخذ جليسًا يزيّن له طريق الغواية، ويبعده عن سبيل الهداية، فيندم يوم القيامة على صحبته، ولا ينفع حينها الندم. ﴿يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا﴾ [الفرقان: 28]، هذه الصحبة السيئة التي كانت في الدنيا تنقلب إلى عداوة يوم الحشر.
     
    ﴿الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا المُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: ٦٧]، «لقد كانوا في الحياة الدنيا يجتمعون على الشر، ويملي بعضهم لبعض في الضلال، فاليوم يتلاومون. واليوم يلقي بعضهم على بعض تبعة الضلال وعاقبة الشر، واليوم ينقلبون إلى خصوم يتلاحون، من حيث كانوا أخلاء يتناجون! «إلا المتقين» فهؤلاء مودتهم باقية، فقد كان اجتماعهم على الهدى، وتناصحهم على الخير، وعاقبتهم إلى النجاة[5]».
     
    وقد عُني السلف رحمهم الله بتوجيه أبنائهم إلى اختيار الجليس الصالح، والتحذير من جليس السوء. قال طاووس بن كيْسَان لابنه: «صاحبْ العقلاء تُنسب إليهم وإن لم تكن منهم، ولا تصاحب الجهال فتُنسب إليهم وإن لم تكن منهم[6].
     
    قال رجل للحسن البصري: كيف نصنع بمجالسة أقوام يحدّثوننا حتى تكاد قلوبنا أن تطير؟ قال: «إنك والله لأن تصحب أقوامًا يخوفونك حتى تدرك أمنًا، خير لك من أن تصحب أقوامًا يؤمنونك حتى تلحقك المخاوف»[7].
     
    قال بعض السلف: لا تصادقنّ فاسقًا ولا تثق إليه، فإن من خان أول مُنْعِمٍ عليه، لا يفي لك[8]. ومن العجب أن تجد الكثير من الشباب لديه عناية كبيرة، وذوق رفيع في اختيار حاجاته الشخصية، لكنه لا يولي جانب اختيار الصديق العناية المطلوبة، فربما راعى بعض الجوانب في هذا الصديق، ويغفل أهم جانب ألا وهو صلاحه من عدمه. ومعظم الذين وقعوا في فتن الشبهات، كالأفكار المنحرفة، وفتن الشهوات كالتدخين والمخدرات والسرقة وغيرها من الفواحش كان جليس السوء هو السبب الأول في وقوعهم فيها.
     
    وتأمل خاتمة أبي طالب وأثر جليس السوء فيها، «لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أميه بن المغير ة، فقال: «أي عمّ، قل لا إله إلا الله، كلمة أحاجّ لك بها عند الله» فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أميه: أترغبُ عن ملّة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرضها عليه، ويعيدانه بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلّمهم: على ملّة عبد المطلب، وأبى أن يقول: «لا إله إلا الله»[9].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- حرصه - صلى الله عليه وسلم - على توجيه أمّته للخير، وضربِ الأمثال لهم.
    2- أهميّة الجليس الصالح، والحثّ على مصاحبته.
    3- الحذر من جليس السوء، والتحذير من مقاربته.
     



    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 21:51

    الحديث الثاني عشر
    عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهما كَثيرٌ مِنَ النّاسِ: الصِّحَّةُ والفَرَاغُ» أخرجه البخاري[10].


    راوي الحديث:
    عبد الله بن العبّاس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي. أبو العباس ابن عمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وُلد قبل الهجرة بثلاث سنوات. ومات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن عباس قد قارب الاحتلام. وهو أحد السبعة المكثرين من الحديث. (مَنْ هم؟).
     
    ومن كبار علماء الصحابة وفقهائهم. دعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «اللهم فقهه في الدين»[11]«اللهم علمه الحكمة» «الكتاب»[12].
     
    وكان ذا همة عالية في طلب العلم، فرزق منه الكثير. مجلًا لمن سبقه في العلم: «ركب زيد بن ثابت فأخذ ابن عباس بركابه، فقال: لا تفعل يا ابن عمّ رسول الله، فقال: هكذا أُمرنا أن نفعل بعلمائنا، فقبّل زيد بن ثابت يده وقال: «هكذا أُمرنا أن نفعل بأهل بيت نبيّنا»[13].
     
    أثنى عليه كبار الصحابة، قال ابن مسعود: «لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عاشره منّا رَجل»[14]، وقال: «نِعْم ترجمان القرآن ابن عباس»[15].
     
    وقال ابن عمر: «هو أعلم الناس بما أنزل الله على محمد»[16]. بل أثنى عليه أعلم الصحابة - بعد الصِّديق - عمر الفاروق فقال: «لقد علم علمًا ما علمناه»[17]. وكان يُدخله مع كبار الصحابة ويُدينه منه. وقد تفرّس الصحابة فيه النبوغ، فأخرج ابن سعد بسند صحيح[18]: «لما مات زيد بن ثابت قال أبو هريرة: مات اليوم حَبْرُ هذه الأمة، ولعلّ الله أن يجعل في ابن عباس خلفًا». وأثنى على علمه كبار التابعين ممّن اخذوا عنه، قال أبو وائل شقيق بن سلمة: «قرأ ابن عباس سورة النور ثم جعل يفسّرها، فقال رجل: لو سمعتْ هذا الدّيْلم لأسلمتْ»[19]. توفي سنة 68بالطائف.
     
    معاني الكلمات:
    1- مغبون: مغلوب.
     
    الشــرح:
    نِعَمُ الله على العبد كثيرة متعددة، وذكر منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث نعمتان: الصحة، والفراغ، وأخبر أن كثيرًًا من الناس مغبون فيهما، أي: مغلوب خاسر، ومفهوم ذلك أن القليل من الناس من يكون رابحًا فيها: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: ١٣].
     
    «قال ابن بطّال: معنى الحديث أن المرء لا يكون فارغًا حتى يكون مكفيًّا صحيح البدن، فمن حصل له ذلك فليحرص على أن لا يُغبن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه، ومن شُكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه، فمن فرّط في ذلك فهو المغبون.
     
    وقال ابن الجوزي: قد يكون الإنسان صحيحًا ولا يكون متفرغًا؛ لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا ولا يكون صحيحًا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملها في معصية الله فهو المغبون؛ لأن الفراغ يعقبه الشغل، والصحة يعقبها السقم..»[20].
     
    وقد أقسم الله جلّ وعلا بالفجر، والضحى، والعصر، والليل، وجعل وقتًا محددًا لعبادات معينة، لا تُقبل قبله، ولا بعده. وبيّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهمية الوقت في عدة أحاديث، منها: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»[21] ، وقال: «لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه»[22].
     
    وقد أدرك السلف الصالح أهمية الوقت في حياتهم فعمروه بما يرضي الله فكانوا مغبوطين، لا مغبونين. ولهم في ذلك أقوال، وحكايات تطول، نسوق شيئًا يسيرًا منها: قال الحسن البصري: «ابن آدم إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك»[23].
     
    اشترى أصحاب الشافعي له جاريه فأقبل على درسه وكتبه ولم يلتفت إليها، فلما أصبحت خرجتْ إلى النّخاس (بائع الجواري) فقالت: حبسوني مع مجنون، فبلغ الشافعي قولها فقال: المجنون من عرف قدر العلم ثم ضيّعه، أو توانى فيه حتى فاته(!)[24]. ومكث أبو عُبيد بن حربويه (ت319) قاضيًا في مصر ثماني عشرة سنة، فقيل له: رأى القاضي النِيل؟ فقال: سمعتُ خرير الماء(!) قال السبكي- لما ذكرها- فللّه درُّ قاضٍ أقام بمصر ثماني عشرة لم يُبصر النيل[25]!
     
    وقرأ الحافظ ابن حجر معجم الطبراني الصغير في مجلس واحد بين صلاتي الظهر والعصر، ويشمل هذا المعجم على ألف وخمسمئة حديث بأسانيدها![26].
     
    وشتّان بين من أنفق وقته في تحصيل طعامه وشرابه، ويستغرق جميع أوقاته، وبين من يستغرق أوقاته في طلب ما جاء عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فأحدهما الْتحقَ بالدوابّ، والآخر بالملائكة[27].
     
    «والغريب أن أغلى شيء عند الإنسان هو الوقت وهو أرخص شيء، قال الله: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ1641;٩-[color=black]١٠٠]...ما يقول: لعلي أتمتع في المال أو أتمتع بالزوجة.. بل يقول: لعلي أعمل صالحًا. مضى عليّ الوقت وما استفدت منه، هو أغلى شيء، لكن هو أرخص شيء عندنا، الآن نمضي أوقاتًا كثيرة بغير فائدة، بل نمضي أوقاتًا كثيرة فيما يضرّ، ولست أتحدث عن رجل واحد، بل عن عموم المسلمين اليوم مع الأسف الشديد أنهم في سهو ولهو وغفلة، ليسوا جادّين في أمور دينهم..»
     
    ولله درُّ الوزير الصالح يحيى بن هبيرة رحمه الله (ت 560) القائل:
    والوقتُ أنفسُ ما عُنيتَ بحفظه خمسون النبوية الشاملة Space
    وأراه أسهل ما عليك يضيع خمسون النبوية الشاملة Space

    ما يستفاد من الحديث:
    1- إرشاده - صلى الله عليه وسلم - أمته لما ينفعهم.
    2- تشبيه الصحة والفراغ برأس المال.
    3- أن كثيرا من الناس لا يحسنون الاستفادة من صحتهم وفراغهم.
    4- الحثّ على أن يكون الإنسان من المغبوطين في صحتهم وفراغهم، لا من المغبونين.



    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 21:53

    الحديث الثالث عشر
    عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: لَمْ يَكُنْ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا. وكَانَ يَقُولُ: «إنَّ مِنْ خِيَارِكُم أحْسَنِكُم أخْلَاقًا» متفقٌ عليه[30].


    راوي الحديث:
    عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل القرشي السهمي. أسلمَ في السنة السابعة قبل أبيه. قيل: لم يكن بينه وبين أبيه إلا إحدى عشرة سنة. وهو من المكثرين من رواية الحديث، شهد له أبو هريرة - رضي الله عنه - بذلك فقال: ما مِنْ أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدٌ أكثر حديثًا عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب[31]، وشهدت له عائشة - رضي الله عنها - بكثرة علمه، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن عروة بن الزبير قال: قالت لي عائشة: يا ابن أختي بلغني أن عبد الله بن عمرو مارٌّ بنا إلى الحجّ، فالْقه فسائله فإنه قد حمل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمًا كثيرًا»[32].
     
    اشتهر- رضي الله عنه -بالاجتهاد في العبادة جدًا، فكان يصوم النهار، ويقوم الليل، فأرشده الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «فصمْ وأفطر، وقُمْ ونَمْ، فإن لعينيك عليك حظًا، وإنّ لنفسك وأهلك عليك حظًا»[33] توفي- رضي الله عنه -سنة (65) وعمره اثنان وسبعون عامًا.
     
    معاني الكلمات:
    1- فاحشًا: الفحش كل ما خرج عن مقداره، ويكون في القول والفعل والصفة.
    2- متفحشًا: صيغة مبالغة، وهو الذي يتعمد ذلك ويكثر منه.
     
    الشــرح:
    في هذا الحديث يخبرنا عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن بعض خُلقه - صلى الله عليه وسلم -: «لم يكن فاحشًا، ولا متفحشًا» فليس الفحش من خُلقه طبعًا ولا كسبًا. وكيف يكون من خُلُقه وقد كان خلقه - صلى الله عليه وسلم - القرآن؟[] كما وصفه ربه جلّ وعلا: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ[القلم: ٤]، بل أخبر خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنسُ بن مالك بمدى سموّ هذا الخلق بقوله: «خدمتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين فما قال لي: أُفِّ، ولا: لمَ صنعت؟ ولا: أَلا صنعت؟»[].
     
    وحثّ - صلى الله عليه وسلم - أمته على التحلّي بحسن الخلق في أحاديث كثيرة وبيّن منزلته يوم القيامة، فمن ذلك: «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلق حسن، فإن الله تعالى يبغض الفاحش البذيء»]، وقال: «إن من أحبكم إليّ أحسنكم أخلاقًا»[]، فمن أراد أن يكون محبوبًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليكن حسن الخُلُق. «وحسن الخلق: اختيار الفضائل، وترك الرذائل»]، ومفهوم الحديث أن من ساء خُلُقه فهو ليس من خيار المسلمين.
     
    قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: حُسْنُ الخُلُق شيء هيّن، وجْهٌ طليق، وكلام ليّن. ولذا عُني السلف رحمهم الله بهذا الجانب، قال الحسن البصري: «إنْ كان الرجل ليخرج في أدب نفسه السنتين ثم السنتين»[]، وقال مخلد بن الحسين: «نحن إلى كثير من الأدب أحوج منّا إلى كثير من الحديث»].
     
    وقال ابن المبارك: «كاد الأدب أن يكون ثلثي الدين»[
     
    لكن حسن الخُلق لا يغني عن القيام بالواجبات وترك المنهيات، بل مكمل لها ومزيّن لصاحبها.
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- كمال خُلقه - صلى الله عليه وسلم -.
    2- الحثّ على التأسي برسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:٢١].
    3- حرص الإسلام على أنْ يتحلى أتباعه بالخُلق الحسن.
    4- أنّ خير المسلمين أحسنهم خلقًا.
    5- أنّ من كان سيء الخلُق لم يكن من خيار المسلمين.
     



    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 21:55

    الحديث الرابع عشر
    عن أبي هريرة - رضي الله عنه -عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهم الله في ظلّه يَوْمَ لا ظلّ إلّا ظلّه: إمَامٌ عَادِلٌ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادةِ الله، ورجُلٌ قَلْبُه مُعَلّقٌ في المسَاجِدِ، ورَجُلانِ تحَابَّا في الله، اجْتمعَا عليه وتَفَرَّقَا عَلَيْه، ورجلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجمَالٍ فقال: إنّي أخافُ الله، ورجلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حَتّى لا تَعْلمَ شِمالُه ما تُنْفِقُ يَمِينُه، ورجلٌ ذَكَرَ الله خَالِيًا ففَاضَتْ عَيْنَاه»، أخرجه البخاري ومسلم[].


    راوي الحديث:
    حافظُ الأمّة عبد الرحمن بن صخر الدوسي. يكنى بأبي هريرة لأنه- قبل قدومه المدينة- كانت له هرّة صغيرة، فكنّوه بأبي هريرة[]، وهو أكثر الصحابة رواية للحديث على الإطلاق، قدم المدينة مسْلمًا عام خيبر سنة 7 للهجرة، ولازم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملازمة تامة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من يبسط رداءه حتى أقضي مقالتي ثم يقبضه فلن ينسى شيئًا سمعه مني» فبسطتُ بُرْدَةً كانت عليَّ، فو الذي بعثه بالحقّ ما نسيتُ شيئًا سمعته منه. متفقٌ عليه.
     
    وجاء رجل إلى زيد بن ثابت يسأله فقال له زيد: عليك بأبي هريرة، فإني بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ندعو الله ونذكره إذ خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جلس إلينا فقال: «عودوا للذي كنتم فيه» قال زيد: فدعوتُ أنا وصاحبي فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤمّن على دعائنا، ودعا أبو هريرة فقال: إني أسألك ما سألك صاحباي، وأسألك علمًا لا ينسى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «آمين» فقلنا: يا رسول الله ونحن نسألك علمًا لا ينسى، فقال: «سبقكم بها الغلام الدوسي»[].
     
    وشهد له الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالحرص على طلب العلم,: «يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: «لقد ظننتُ يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أول منك، لما رأيتُ من حرصك على الحديث» أخرجه البخاري. توفي- رضي الله عنه -سنة 57.
     
    معاني الكلمات:
    1- سبعة: أي سبعة أصناف.
    2- ظله: قيل: ظلّ عرشه، كما في بعض روايات الحديث، وقيل: غير ذلك.
    3- إمام: صاحب الولاية العظمى، ويلتحق به كل من ولي شيئًا من أمور المسلمين فعدل فيه.
    4- معلق في المساجد: محب للصلاة، منتظر لها.
    5- فاضت عيناه: بكى.
     
    الشـرح:
    يُخبر - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث عن سبعة أصناف من الناس لهم مكانة ومنزلة يوم القيامة مرتفعة، وذلك حين: «تُدنى الشمس يوم القيامة من الخلق، حتى تكون منهم كمقدار ميل.. فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حَقْويه، ومنهم من يُلجمه العرق إلجامًا» وأشار رسول - صلى الله عليه وسلم - بيده إلى فيه[]. «فيظلهم الله في ظله، يوم لا ظلّ إلا ظله، جعلنا الله منهم، فأولهم: «إمام عادل» وبدأ به لأن نفعه يتعدّى للآخرين. «وأهم عدل في الإمام أن يحكم بين الناس بشريعة الله.. وأما من حكم بالقوانين الوضعية.. فهو من أشد الولاة جورًا.. وأبعد الناس من أن يظله الله في ظله..»[].
     
    «وشابّ نشأ في طاعة الله» أي: واستمر على ذلك خصّ الشاب لأنه مظنة غلبة الشهوة، وما أحسن حال هذا الشاب في الدنيا والآخرة، وخاصة مع تكاثر الشهوات والشبهات، كما في عصرنا هذا.
     
    «ورجلٌ قلبُه..» وهذا صنف ثالث «شبهه بالشيء المعلق في المسجد كالقناديل مثلًا، إشارة إلى طول الملازمة بقلبه، وإن كان جسمه خارجًا عنه..»[]. «وهذا يدل على قوة صلته بالله عز وجل، لأن الصلاة صلة بين العبد وبين ربه، فإذا أحبها الإنسان وألفاها فهذا يدل على أنه يحب الصلة التي بينه وبين الله..»[].
     
    وانظر إلى مثالٍ لرجلٍ تعلّق قلبُه بالمساجد. قال عديُّ بن حاتِمٍ ت: «ما أقيمت الصّلاة منذ أسلمتُ إلّا وأنا على وضوء»[] وقال: «ما دخل وقت صلاة قط إلا وأنا أشتاق إليها»[] .
     
    «ورجلان تحابّا في الله..»: أي: لم يربط بينهما شيء غير التحابّ في الله، كل منهما رأى من صاحبه من الاستقامة ما جعله يحبّه في الله، جمعهما هذا الحبّ المشروع واستمر عليه حتى الموت. و«عُدّتْ هذه الخصلة واحدة مع أن متعاطيها اثنان لأنّ المحبّة لا تتمّ إلاّ باثنين..»[]، والمحبة في الله فضلها عظيم، وثوابها جزيل، وفي الحديث القدسي: «أين المتحابُّون بجلالي؟ اليوم أُظلّهم في ظلي، يوم لا ظلّ إلا ظلي»[]، وهي من الأمور التي يجد المرء بها حلاوة الإيمان: «ثلاث من كنّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان..وأن يُحبًّ المرء لا يحبه إلا لله..»[].

    «ورجل دعته امرأة..»: أي: إلى الفاحشة، وقد وُصفت هذه المرأة «بأكمل الأوصاف....وهو المنصب الذي يستلزمه الجاه والمال مع الجمال، وقلّ من يجتمع ذلك فيها من النساء»[].
     
    وبيّن المانع له من ارتكاب الفاحشة وهو: «إني أخاف الله» فلم يجعل خوفه من شيء آخر، لا من الفضيحة، ولا من إقامة حدّ، ولا إصابة بمرض، ولا ضعف شهوة، ولا غيرها، ولكن خوفه من الله جلّ وعلا.
     
    «ورجل تصدق..فأخفاها..» فمن شدة إخفائه لتصدقه كأن شماله لا تعلم ما تنفق يمينه. «وهذا ما لم يكن إظهار الصدقة فيه مصلحة وخير، فإذا كان في إظهار الصدقة مصلحة وخير كان إظهارها أولى، لكن إذا لم يكن فيه مصلحة فالإسرار أولى»[] .
     
    والسابع: «رجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه» أي بالدموع، وقيّده بقوله: «خاليًا» فلا يطّلع عليه أحد. والخصال الثلاث الأخيرة تشترك في أنها في السرّ، بين العبد وربّه. وهذه الأصناف السبعة ليست على سبيل الحصر، بل هناك غيرهم، فمنهم: «من أنظر معسرًا أو وضع عنه أظله الله في ظله»[].
     
    تنبيه:
    «ذِكْرُ الرجال في هذا الحديث لا مفهوم له، بل يشترك النساء معهم فيما ذُكر، إلا إذا كان المراد بالإمام العادل الإمامة العظمى، وإلا فيمكن دخول المرأة حيث تكون ذات عيال فتعدل فيهم، وتخرج خصلة ملازمة المسجد لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل...وما عدا ذلك فالمشاركة حاصلة لهنّ، حتى الرجل الذي دعته المرأة فإنه يُتصوًّر في امرأة دعاها ملك جميل مثلًا فامتنعت خوفًا من الله تعالى مع حاجتها..»[].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- الحثّ على العدل، وفضيلة الإمام العادل.
    2- فضل الشابّ- أو الفتاة- الذي ينشأ في طاعة الله.
    3- فضل من أحبّ المساجد للعبادة، ولازم الجماعة.
    4- فضل التحابّ في الله.
    5- فضل العِفّة، واجتناب الفاحشة خوفًا من الله.
    6- فضل صدقة السرّ، والمبالغة في إخفائها.
    7- فضل البكاء عند ذكر الله خاليًا. ويشمل أيضًا الصلاة، وقراءة القرآن ونحوهما.
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 21:56

    الحديث الخامس عشر
    عن أبي ذرٍّ- رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يَرْمِي رَجُلٌ رَجَلًا بالفُسُوقِ، ولَا يَرْمِيهِ بالكُفْرِ إلّا ارْتَدَّتْ عَليْه إنْ لمَْ يَكُنْ صَاحِبُه كَذَلِك» أخرجه البخاري[].


    راوي الحديث:
    جُندب بن جُنادة الغفاري اشتهر بكنيته. من السابقين الأولين إلى الإسلام، وقصة إسلامه أخرجها البخاري ومسلم[]، ثم رجع إلى بلاد قومه فأقام بها بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة لحق به، وقد مضت بدر وأُحد. كان من علماء الصحابة.
     
    أثنى عليه علي- رضي الله عنه -بقوله: «أبو ذر وعاء مُلئ علمًا ثم أُوكي عليه»[ ، اشتهر بالزهد، والصدع بما يراه الحق، وله قصص في ذلك. خرج في آخر حياته إلى الرَّبذة فأقام بها حتى مات عام 32 ت.
     
    معاني الكلمات:
    1- لا يرمي: لا يتّهم، لا يصف.
    2- ارتدّت: رجعت.
     
    الشـرح:
    في هذا الحديث تحذير شديد، ووعيد لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، من رمى الآخرين بالفسق، وأعظم منه الكفر، لأن الموصوف بذلك إن لم يكن محقًّا لهذه التهمة فإنها ترجع على قائلها. ومثله اتهامهم بالعلمنة، والفجور، والانحلال من الدين، أو البدعة، وغيرها من الأوصاف، دون إقامة حجة بيّنة، أو دليل واضح، بل لمجرد اختلاف في الرأي,أو كلام نُسب إليه,لا يُعلم صحته عنه، ولا مراده منه. وأعظم ذلك وأخطره، وأشدّه جُرمًا: رمي العلماء والدعاة بالتبديع والمداهنة، بل والتكفير أخيرًا.
     
    وإذا كان هذا الوعيد فيمن رمى رجلًا واحدًا بذلك فكيف بمن رمى اثنين؟ فكيف بمن رمى ثلاثة؟ فكيف بمن رمى جماعات كثيرة بذلك؟ نسأل الله السلامة.
     
    وينبغي أن يُعلم أن الإنسان أن يخطئ في العفو خير من أن يُخطئ في العقوبة، فإخراجُ رجلٍ مسلم من الإسلام بغير بيّنة قاطعة أعظم جرمًا من إدخال كافر في دائرة الإسلام.
     
    لكن ذلك لا يعني عدم تكفير من استحق هذا الوصف إذا تحققت فيه أسباب الكفر بثبوت الشروط وانتفاء الموانع. كما أنه لا يعني التوقف في تكفير اليهود والنصارى وسائر المشركين؛ لأنّ الله جل وعلا قد حكم فيهم: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ[آل عمران: ٨٥]. وبيّن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلا كان من أصحاب النار» أخرجه مسلم.
     
    وإنك لتعجب من بعض من انشغل بتصنيف الناس، وترك طلب العلم النافع. وربما اغترّ به بعض الناشئة، فرأوا في إسراعه إلى التكفير والتفسيق والتبديع علمًا وصدعًا بالحق!! فالحذر الحذر من مثل هذا الصنف.
     
    وأسوق هنا جُملًا للإمام ابن تيمية تتعلق بهذا الموضوع المهمّ:
    1- «التكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص، فليس كل مخطئ ولا مبتدع ولا جاهل ولا ضالّ يكون كافرًا، بل ولا فاسقًا، بل ولا عاصيًا». [ا].
     
    2- «ليس لأحد أن يكفِّر أحدًا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل عنه بالشك، بل ولا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة».(12/466).
     
    3- «بعض السلف أخطأ في بعض المسائل ولم يُكفَّر».(12/492).
     
    4- «القول قد يكون كُفرًا.. لكن الشخص المعيّن الذي قاله لا يكفر حتى تقوم عليه الحجة..» (23/345).
     
    5- «[الإمام أحمد] كان يكفر الجهمية المنكرين لأسماء الله وصفاته.. وتكفير الجهمية مشهور عن السلف والأئمة. لكن ما كان يكفّر أعيانهم... ومع هذا فالذين كانوا من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية.. ويَدْعون الناس إلى ذلك، ويمتحنونهم ويعاقبونهم إذا لم يجيبوهم، ويكفِّرون من لم يُجبهم..ومع هذا فالإمام أحمد رحمه الله تعالى ترحّم عليهم، واستغفر لهم، لعلمه بأنهم لم يبين لهم أنهم مكذِّبون للرسول، ولا جاحدون لما جاء به، لكن تأولوا فأخطأوا، وقلّدوا من قال لهم ذلك» (23/348 – 349).
     
    6- «..فقد يُقتل [الداعية إلى البدع] لكفِّ ضرره عن الناس، كما يُقتل المحارب، وإن لم يكن في نفس الأمر كافرًا، فليس كل من أُمر بقتله يكون قتله لردّته»
     
    7- «قد يكفِّر الرجل أخاه بالتأويل، ولا يكون واحد منهما كافرًا» (

    ما يستفاد من الحديث:
    1- التحذير من رمي الآخرين بالفسق أو الكفر، ما لم يكونوا مستحقين لذلك.
    2- أن من رمى غيره بالفسق أو الكفر أو غيرهما فهي مردودة عليه، ما لم يكن صاحبه كذلك.
    3- يفهم منه أن من ثبت كفره أو فسقه جاز وصفه بذلك، لكن لا يملك إطلاق الوصف إلا أهل العلم.
     
    كما حرّم الإسلام الاقتتال بين المسلمين، فكذا حرّم تراميهم بالتهم والأوصاف بغير بيّنة.




    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29434
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65554
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف waell الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 22:10

    مااااري
    أكتر من يسلموا إيديكي
    ما بتكفي حتى
    شفتي وين مضيعين وقتنا نحن
    بتمنى كتير التمعن بالأحاديث والمعاني لكل من يدخل بنشد الفائدة
    شكرا مااري
    waell
    waell
    مدير الموقع
    مدير الموقع


    البلد : الشام
    ذكر
    العمر : 64
    صديقة مقربة صديقة مقربة : بنت القدس
    صديقة مقربة صديقة مقربة : لمووووش
    صديقة صديقة : مينيرفا
    إبن عم إبن عم : Dr.abdo
    إبنة عم إبنة عم : ام التوت
    إبنة أخ إبنة أخ : سمورة
    إبنة أخت إبنة أخت : بـ الشام ـــنـت
    أخت أخت : yasmin
    عدد الرسائل : 29434
    العمل/الهواية : بالديكورات واللوحات الشرقية
    تاريخ التسجيل : 27/09/2007
    مستوى النشاط : 65554
    تم شكره : 59
    الجوزاء

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف waell الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 22:10

     خمسون النبوية الشاملة Maryyy10
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 23:17

    خمسون النبوية الشاملة Images?q=tbn:ANd9GcS5mX1kSDOca0Y0bq-UIxIaS2kEQ-mwWISA_wMGGMH8MB4N2E7l
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 10:04

    الحديث السادس عشر
    عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «لَوْ يَعْلَمُ النّاسُ مَا في النِّدَاءِ والصّفِّ الأوّلِ ثُمّ لمْ يَجدُوا إلّا أنْ يَسْتَهِمُوا عَليه لاسْتَهَمُوا، ولوْ يعْلَمونَ ما في التَّهْجِيرِ لاسْتَبقُوا إليه، ولوْ يَعْلَمُونَ ما في العَتَمَةِ والصُّبْحِ لأَتَوْهُما ولوْ حَبْوًا» أخرجه البخاري ومسلم[].


    راوي الحديث:
    سبقتْ ترجمته في الحديث الرابع عشر، ويضاف إليها: ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة – رضي الله عنه -: «كنتُ أدعو أُمّي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يومًا فأسمعتني في رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  ما أكره، فأتيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أُمّ أبي هريرة.
     
    فقال رسول الله صلى عليه وسلم: «اللهم أهدِ أُمّ أبي هريرة» فخرجتُ مستبشرًا بدعوة نبي الله - صلى الله عليه وسلم- ، فلما جئت فصرتُ إلى الباب، فإذا هو مجاف، فسمعتْ أمّي خشف قدميّ، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعتُ خضخضة الماء، قال: فاغتسلتْ ولبستْ درعها، وعجلتْ عن خمارها، ففتحتِ الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
     
    قال: فرجعتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أمّ أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرًا. قال: قلت: يا رسول الله ادعُ الله أن يُحبّبني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ويُحبّبهم إلينا، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «اللهم حبِّبْ عُبَيْدك هذا - يعني: أبا هريرة - وأُمّه إلى عبادك المؤمنين، وحبِّب إليهم المؤمنين» فما خُلق مؤمن يسمع بي ولا يراني، إلا أحبّني»[].
     
    معاني الكلمات:
    1- النداء: الأذان.
    2- يستهموا: يقترعوا.
    3- التهجير: التبكير.
    4- العتمة: صلاة العشاء.
    5- حبوًا: مشيًا على اليدين والركبتين - أوْ زحفًا -.
     
    الشـرح:
    يبين الرسول -صلى الله عليه وسلم-  في هذا الحديث بعض الفضائل المتعلقة بالأذان والصلاة، «لو يعلم الناس ما في النداء والصف  الأول» أي لو يعلمون ما في الأذان، والصف الأول من الأجر العظيم: «ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا..» ثم لم يجدوا حلًا مرضيًا لهم إلا القرعة لفعلوا ذلك.
     
    «ولو يعلمون ما في التهجير..»، وأيضًا لو علموا ما في التبكير إلى الصلاة من الفضل العظيم لاستبقوا إليه، وأيضًا «لو يعلمون ما في العتمة..» أي: صلاة العشاء «والصبح» لأتى إليها الناس ولو زحفًا لعظم ما فيهما من الأجر.
     
    وهما أثقل الصلاة على المنافقين «ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا، ولقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم، ثم آمر رجلًا يؤمّ الناس، ثم آخذ شعلًا من نار فأحرّق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد»[].
     
    وقد ورد في فضل المذكورات في الحديث أحاديث كثيرة منها: ففي الأذان: قوله - صلى الله عليه وسلم- : «المؤذنون أطول الناس أعناقْا يوم القيامة»[.
     
    قال العلماء: والحكمة في طول أعناقهم - والله أعلم - حتى لا يلجمهم العرق. ومنها: «لا يسمع مدى صوت المؤذّن جنّ ولا إنس ولا شيء إلا شهدَ له يوم القيامة»[، ولذا قال عمر - رضي الله عنه -: «لو كنت أطيق الأذان مع الخليفا (الخلافة) لأذّنت»[. وقال لرجل: من مؤذنكم اليوم؟ قال: موالينا وعبيدنا. فقال: إن ذلك بكم لنقص كبير].
     
    وذكر البخاري في صحيحه تعليقًا: «أن أقوامًا اختلفوا في الأذان فأقرعَ بينهم سعد»[. يعني ابن أبي وقاص وذلك يوم القادسية. «والصف الأول» وقد أخبر -صلى الله عليه وسلم -  بأن «خير صفوف الرجال أولها»[].
     
    قال العلماء: في الحضّ على الصف الأول المسارعة إلى خلاص الذمة، والسبق لدخول المسجد، والقرب من الإمام، واستماع قراءته، والتعلم منه، والفتح عليه، والتبليغ عنه، والسلامة من اختراق المارة بين يديه، وسلامة البال من رؤية من يكون قدامه، وسلامة موضع سجوده من أذيال المصلين»[].
     
    وسبق في شرح الحديث الخامس ذكر بعض القصص عن السلف في حرصهم على المبادرة إلى الصف الأول.
     
    «لاستهموا»، أي: اقترعوا، وفي رواية عند مسلم: «لكانت قرعة».
     
    «ولو يعلمون ما في التهجير»: قيل: المراد الإتيان إلى صلاة الظهر أول وقتها، لأنه مشتق من الهاجرة وهي شدة الحرّ. وقيل: المراد التبكير إلى الصلاة مطلقًا.
     
    «لاستبقوا إليه» ولم يقل: لاستهموا؛ لأن الاقتراع يكون حيث الاختيار، أما والأمر ميسر للجميع فهنا المبادرة «فاستبقوا الخيرات».
     
    «ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا» أي كما يحبوا الصغير، ولكن غُيّبَ الأجر في هذه الأعمال ليشتدّ الحرص عليها.
     
    ومن العجب أن تجد من حرص الكثير من الناس على أمور الدنيا والسعي لها ما لا تجده منهم عند طلب أمور الآخرة، فالمنبّه يُضبط على وقت الدوام، أمّا صلاة الفجر فعند الاستيقاظ، والله غفور رحيم. وهو جل وعلا كذلك، وأيضًا: شديد العقاب. قال أبو حازم سلمة بن دينار رحمه الله: «عجبًا لقوم يعملون لدار يرحلون عنها كل يوم مرحلة ويدعون أن يعملوا لدارٍ يرحلون إليها كل يوم مرحلة»[1].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- فضل الأذان، وعِظَمُ أجر المؤذّن.
    2- فضل الصف الأول، والترغيب فيه.
    3- الحثّ على التبكير إلى الصلاة.
    4- فضل صلاة العشاء، وصلاة الفجر.
    5- مشروعية القرعة.
    6- تغييب الأجر على بعض الأعمال دليل على عظيم أجرها، وترغيبًا للمبادرة إليها.
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 10:05

    الحديث السابع عشر

    عن جابرِ بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلى مَا مَاتَ عَليْه». أخرجه مسلم [12].


    راوي الحديث:
    جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري، أحد السبعة المكثرين من الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -. شهد وأبوه بيعة العقبة الثانية. وتغيّب عن غزوة أُحد طاعةً لأبيه؛ لأجل أخواته. زاره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  في بيته فلمّا أراد الانصراف نادته زوج جابر: يا رسول الله صلّ عليّ وعلى زوجي، فقال: «صلى الله عليك وعلى زوجك»[13]، وأضافَ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-  والمسلمين يوم الخندق وهم ألف.
     
    أصبح مفتي المدينة في زمانه بعد وفاة ابن عمر. رحل من المدينة إلى الشام مسيرة شهر إلى عبد الله بن أُنيس ليسأله عن حديث واحد![14]. مات في المدينة سنة 78، وهو ابن أربع وتسعين سنة ت.
     
    معاني الكلمات:
    1- كلّ عبد: كل مكلَّف، حرًا كان أو عبدًا، رجلًا أو امرأة.
    2- على ما مات عليه: أي على الحالة التي مات عليها.
     
    الشرح:
    يبيّن - صلى الله عليه وسلم -  في الحديث أن كل إنسان يُبعث يوم القيامة على الحالة التي مات عليها، كما في قصة الرجل الذي سقط من ناقته في حجة الوداع فقال -صلى الله عليه وسلم- : «اغسلوه بماء وسدر وكفّنوه في ثوبين، ولا تُمِسوه طيبًا، ولا تخمّروا رأسه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيًا»[15] الله أكبر! ما أعظم هذه الهيئة في ذلك اليوم العظيم.
     
    وكذا من مات مجاهدًا في سبيل الله «لا يُكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يُكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب، اللون لون دم، والريح ريح مسك»[16] (يُكلم: يجرح. يثعب: يجري متفجرًا.
     
    ومثله من مات وهو يصلّي، أو يقرأ القرآن، أو غيرهما من العبادات يبعث يوم القيامة على هذه الهيئة الشريفة التي تشرئبُّ لها الأعناق.
     
    وفي المقابل - ولا سواء - من مات وهو متلبّس بمعصية، يُبعث يوم القيامة كحاله يوم مات! وأيّ خزي في ذلك اليوم أعظم من حال من يكون كذلك. نسأل الله حسن الخاتمة.
     
    قال ابن كثير رحمه الله تعالى: «الذنوب والمعاصي تخذل صاحبها عند الموت مع خذلان الشيطان له فيجتمع عليه الخذلان مع ضعف الإيمان فيقع في سوء الخاتمة.. وسوء الخاتمة لا يقع فيها من صلح ظاهره وباطنه مع الله»[17].
     
    والحديث فيه حثّ للمسلم على أن يكون في كل أحواله على هيئة ترضي الله، حتى إذا بغتة الموت بُعث على حال حسنة. قال بعض السلف: «كلّ أمرٍ كرهتَ الموت لأجله فدعه، ثم لا يضرّك متى متّ»[18].
     
    وأختم بذكر قصتين إحداهما في ذكر خاتمة حسنة، والأخرى بضدّها:
    أما الأولى: فقد جاء في ترجمته الإمام الكبير أبي زُرعة الرازي عبيد الله ابن عبد الكريم (ت264).. وكان في السَّوق (الاحتضار) وعنده أبو حاتم ومحمد بن مسلم والمنذر بن شاذان وجماعة من العلماء، فذكروا حديث التلقين وقوله -صلى الله عليه وسلم- : «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله» قال: فاستحيوا من أبي زرعة وهابوه أن يلقّنوه، فقالوا: تعالوا نذكر الحديث. فقال محمد ابن مسلم: حدثنا الضحاك بن مخلد عن عبد المجيد بن جعفر عن صالح، وجعل يقول ولم يجاوز، وقال أبو حاتم: حدثنا بُندار حدثنا أبو عاصم عن عبد المجيد بن جعفر عن صالح، ولم يجاوز، والباقون سكتوا، فقال أبو زرعة - وهو في السَّوْق -: حدثنا بُندار حدثنا أبو عاصم، حدثنا عبد المجيد بن جعفر عن صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة الحضرمي عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة» وتوفي رحمه الله[19]!
     
    نسأل الله الكريم من فضله، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها.
     
    أما التي بضدّها: فهي لشخص عشق غلامًا اسمه أسْلَم، وتمكن حُبّه من قلبه، حتى لزم الفراش بسببه، وتمنّع الآخر عليه...حتى اشتد الأمر بالعاشق، وقد طمع أن يزوره محبوبه، فلم يَحْدُثْ، حتى ظهرت عليه دلائل الموت فجعل يقول في تلك الحال:
    أسلمُ يا راحة العليل خمسون النبوية الشاملة Space
    رفقًا على الهائم النحيل خمسون النبوية الشاملة Space
    وصْلُكَ أشْهى إلى فُؤادِي خمسون النبوية الشاملة Space
    مِنْ رَحْمَةِ الخَالِقِ الجَليل! خمسون النبوية الشاملة Space
    فقال له مَنْ عنده: اتق الله ما هذه العظيمة؟
    فقال: قد كان ما كان، فخرج عنه فما توسّط الطريق حتى سمع الصياح عليه[20].
    نعوذ بالله من سوء الخاتمة.
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- الحثّ على حسن العمل.
    2- الابتعاد عن ما نهى الله عنه.
    3- الموت يأتي فجأة، فالعاقل من استعدّ له.
    4- يُبعث العبد على الحال التي مات عليها، إن خيرًا، وإن شرًا.
     



    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 10:05

    حديث الثامن عشر
    عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنّما الشَّدِيدُ الذّي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضِب» متفقٌ عليه[].


    راوي الحديث:
    سبقت ترجمته - رضي الله عنه - في الحديث الرابع عشر، وزيادة عليها في الحديث السادس عشر.
     
    معاني الكلمات:
    1- الشديد: القوي.
    2- الصُّرَعَة: الذي يصرع الناس كثيرًا.
     
    الشــرح:
    يبيّن - صلى الله عليه وسلم-  في هذا الحديث المفهوم الصحيح للرجل الشديد، أنه الذي يملك نفسه عند الغضب«لأن هذه هي القوة الحقيقية، قوة داخلية معنوية يتغلب بها الإنسان على الشيطان، لأن الشيطان هو الذي يلقي الجمرة في قلبك من أجل أن تغضب[]» وقد أثنى الله جل وعلا على من يكظم غيظه: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134] ، وقال تعالى ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُو ﴾ [الشورى: 43]. ولما طلب رجل الوصية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم-  قال له: «لا تغضب» فردد مرارًا قال: «لا تغضب»[]. وهذا من جوامع كلامه - صلى الله عليه وسلم- ، فالإنسان إذا غضب ربّما اعتدى على غيره، وربما أتلف ماله، وربما طلّق زوجه، بل وربما قتل، أو تلفّظ بالكفر. ولهذا عدّه الإمام ابن القيم رحمه الله أحد أركان الكفر الأربعة: الكبْر، والحسد، والغضب، والشهوة. فالغضب مثل السّبُع إذا أفلته صاحبه بدأ بأكله[].
     
    وأخبر - صلى الله عليه وسلم-  بالأجر العظيم لمن كظم غيظه مع قدرته على إنفاذه فقال: «من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفِّذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يُخيّره من أي الحور العين شاء»[]، وسيرته -صلى الله عليه وسلم-  معطّرة بقصص حلمه وإعراضه عن الجاهلين. منها قصة ذي الخويصرة لما قال: يا رسول الله اعدل، فقال - صلى الله عليه وسلم- : «ويلك، من يعدل إذا لم أعدل» فاستأذنه عمر في قتله، فقال: «لا» الحديث. متفق عليه. وكذا في سيرة أصحابه ي وسيرة السلف الصالح.
     
    ولما قال عُيينة بن حصن لعمر بن الخطاب: هِيْ يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى همّ به فقال له الحرّ بن قيس: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم- ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199] ، وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافًا عند كتاب الله[].
     
    وفي ترجمة سبرة بن فاتك الأسدي ت أن رجلًا سبّه فكظم غيظه متحرجًا من جوابه حتى بكى من الغيظ[]!
    وليس حليمًا من تُقبَّل كفّه 

    فيرضى ولكنْ من تُعضّ فيحلم خمسون النبوية الشاملة Space
     
    ويكون الغضب محمودًا بل مطلوبًا في حالة واحدة: إذا كان لأمر الله تعالى.قالت عائشة ل: «ما انتقم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  لنفسه إلاّ أن تُنتهك حرمة الله فينتقم لله بها»[].
     
    وعلاج الغضب يكون بأمور منها:
    1- ما أرشدنا إليه ربنا جل وعلا بقوله تعالى ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [فصلت: 36]. وما أرشدنا إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم-  لذاك الرجل الذي غضب حتى احمرّ وجهه وانتفخت أوداجه: «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد»[].
     
    2- ترويض النفس على كبح جماح الغضب، كما قال -صلى الله عليه وسلم- : «إنما العلم بالتعلّم، والحلم بالتحلّم»[].
     
    3- تغيير الهيئة: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلاّ فليضطجع»[]. وقد فعل ذلك الصحابي الجليل أبو ذر ت لما أغضبه رجل فجلس ثم اضطجع، فلما سئل عن ذلك ذكر هذا الحديث[].
     
    4- السكوت، قال -صلى الله عليه وسلم- : «إذا غضب أحدكم فليسكت» قالها مرتين[].
     
    5- ورُوي أنه يتوضأ، «إن الغضب من الشيطان، والشيطان خُلق من النار، وإنما تُطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ»[].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- بيانه -صلى الله عليه وسلم-  لمعنى القوة الحقيقية.
    2- ذمّ الغضب، والتحذير منه.
    3- الحثّ على الحِلْم.
     
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 10:06

    الحديث التاسع عشر

    عن عثمانَ بن عفّان – رضى الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :«خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَه» أخرجه البخاري[].


    راوي الحديث:
    أمير المؤمنين عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أُمية بن عبد شمس القرشي الأُموي، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وثالث الخلفاء الراشدين. من السابقين الأولين للإسلام. وُلد بعد عام الفيل بست سنين. تزوج رقية بنت الرسول -صلى الله عليه وسلم - ، وهاجرا معًا إلى الحبشة، ومرضتْ ل قبل غزوة بدر، فتخلّف عن الغزوة ليمرِّضها. وضربَ له الرسول - صلى الله عليه وسلم-  بسهمه وأجره. ولما ماتت زوجُه رقيّة أيام بدر، زوّجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم-  بابنته الأخرى أم كلثوم؛ فلذا عُرف بـ: ذي النورين.
     
    كان من الأسخياء، جهّز جيش العسرة، واشترى بئر أرومة. كان شديد الحياء، حتى قال -صلى الله عليه وسلم- : «ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة»[]. تولى الخلافة عام 23 بعد مقتل عمر. وجمع المسلمين على مصحف واحد.
     
    شهد له النبي -صلى الله عليه وسلم-  بالجنة في عدة أحاديث. ابتلي ببعض الخارجين عليه، وحاصروا داره. ورفض ت أن تسيل قطرة دم واحدة من أجله. حتى تمكن البُغاة من الدخول عليه وقتلِه فمات شهيدًا.
     
    وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم-  قد أخبره بأنه سيبتلى ويُقتل مظلومًا. كما في حديث أبي موسى: «..ائذن له وبشّره بالجنة على بلوى ستُصيبه»[]، وقال له: «إن الله مقمِّصك قميصًا (يعني الخلافة) فإذا أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه»[].
     
    وعن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  ذكر فتنة فقال: «يُقتل هذا فيها مظلومًا» يعني عثمان[]، وقُتل – رضي الله عنه-  وهو يقرأ القرآن، فكانت أول قطرة من دمه وقعت على قوله تعالى: ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾ [البقرة: 138][]، وانتقم الله له من قتلته.
     
    قال ابن كثير: «وقد أقسم بعض السلف بالله أنه ما مات أحد من قتلة عثمان إلا مقتولًا»[] وكان قتله في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين. وهو ابن اثنتين وثمانين سنة ت.
     
    شرح الحديث:
    القرآن كلام الله عز وجلّ وعلا منه بدأ وإليه يعود. و«من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف ولكن: ألفٌ حرف، ولام حرف، وميم حرف»[].
     
    وقال -صلى الله عليه وسلم- : «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه»[]، وقال: «يُقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها»[].
     
    والعجب من إعراض كثير من الناس عن قراءة القرآن فالبعض لا يقرؤه إلا في كل جمعة، والبعض أكثر من ذلك، بل ربما اكتفى بالقراءة فيه من رمضان إلى رمضان، نعوذ بالله من الخسران. قال الله تعالى على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - : ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورً ﴾ [الفرقان: 30].
     
    وهجر القرآن نوعان: عدم العمل بما فيه من أحكام، والآخر عدم قراءته. وقد عظمت عناية السلف بتعلم القرآن وتعليمه لأبنائهم.
     
    قال ابن أبي حاتم: «لم يدعني أبي أطلب الحديث حتى قرأت القرآن»[]، وسأل الميموني الإمام أحمد: أيّما أحبّ إليك: أبدأ ابني بالقرآن، أو بالحديث؟ قال له: لا، بالقرآن، القرآن»[].
     
    ولما مات ابن المبارك رآه رجل في المنام فقال: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي برحلتي في الحديث، عليك بالقرآن، عليك بالقرآن»[].
     
    «وتكرار القراءة للقرآن يفتح أفاقًا من المعرفة لطالب العلم، فقد ذكر عبّاس بن عبد الدايم المصري الكناني عن شيخ ضرير أنّه أوصاهم بوصايا، منها:...أكثر من قراءة القرآن، ولا تتركه، فإنّه يتيسّر لك الذي تطلبه على مقدار ما تقرأ، قال: فرأيت ذلك وجرّبته كثيرًا، فكنت إذا قرأت تيسّر لي من سماع الحديث وكتابته الكثير، وإذا لم أقرأ لم يتيسّر لي »[].
     
    و: «أهل القرآن هم أهل الله وخاصّته»[]. ولذا كان عمر بن عبد العزيز لا يستعمل على الأعمال إلا أهل القرآن، فإنْ لم يكن عندهم خير فغيرهم أولى أن لا يكون عنده خير[].
     
    قال ابن القيّم: «فما أشدّها من حَسْرة وأعظمها من غَبْنَة على من أفنى أوقاته في طلبِ العلم ثم يخرج من الدنيا وما فهم حقائق القرآن، ولا باشرَ قلبُه أسرَارَه ومعانيه فالله المستعان»[]، فإذا كان ابن القيم يقول هذا عمن أفنى أوقاته في طلب العلم وانشغل به عن تدبر القرآن وفهم حقائقه، فما القول فيمن انشغل بقراءة الصحف والمجلات المبتذلة، يمضي الساعات كل يوم في تصفحها، وليس لكلام الله عز وجلّ من وقته نصيب، وكذا من أحرق وقته بمتابعة الفضائيات، والشبكة العنكبوتية، وهلمّ جرًا..
     
    وتجد البعض من هذا الصنف يتأثر بما يشاهده ويقرأه ويسمعه تأثرًا شديدًا، حتى ربّما بكى مِنْ أحداث مُسْلسَلة أو فلم أو قصة! ولكن هذا التأثر لا يكون عند قراءة كتاب الله! قال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24].


    لكن كما قال بعض السلف - قد قيل له: إن قومًا يجدون قلوبهم في القصائد، ولا يجدونها في القرآن؟ - فقال: إنّ القرآن عزيز، ويريد عقلًا عزيزًا، وهؤلاء عقولهم فيها ضعف[].
     
    وصدق ذو النورين عثمان ت لما قال: «لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من كلام ربّنا»[].
     
    وينبغي لمن وفّقه الله لتعلّم كتابه الكريم أن يُعنى بأمور منها:
    1- المراجعة المستمرة لما حَفِظَه: «تعاهدوا القرآن فو الذي نفسي بيده لهو أشدّ تفصِّيًا من الإبل في عُقُلها»[].
    2- العمل بما فيه، من اتباع أوامره واجتناب نواهيه.
    3- التحلي بسمت أهل القرآن، والتأدب بآدابهم.
    4- تعليم القرآن لغيره، حتى يجمع الفضْلَيْن: تعلم القرآن وتعليمه، وهو من أفضل القربات، حتى أن الإمام سفيان الثوري لما سئل عن الجهاد وإقراء القرآن، رجّح الثاني، واستدل بحديث عثمان[].
     
    وليتذكر كل منّا قوله - صلى الله عليه وسلم- : «إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين»[]. قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: «وبه نعرف فضيلة الحِلَق الموجودة الآن في كثير من البلاد، ولله الحمد...فمن أسهم فيها بشيء فله أجر، ومن أدخل أولاده فيها فله أجر، ومن تبرّع، وعلّم فيها فله أجر، كلهم داخلون في قوله: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه»[].
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- فضل تعلم القرآن وتعليمه.
    2- من تعلّم القرآن وعلّمه فهو من خير هذه الأمة.




    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 10:09

    الحديث  العشرون

    عن عمّار بن ياسر -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «إنَّ الرَّجُلَ لينْصَرِفُ ومَا كُتِبَ له إلّا عُشْرُ صَلَاتِه، تُسْعُها، ثُمْنُها، سُبْعُها، سُدُسُها، خُمُسُها، رُبُعها، ثلُثها، نِصْفُها» أخرجه أبو داود[].


    ترجمة الراوي:
    عمار بن ياسر بن عامر بن مالك أبو اليقظان العنْسي. كان وأُمُّه من السابقين إلى الإسلام، ثم أسلم أبوه. قيل: لم يُسلم أبوا أحد من السابقين المهاجرين سوى عمار وأبو بكر[].
     
    وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم-  يمرُّ بعمّار وأمّه وأبيه وهم يعذّّبون فيقول: «صبرًا يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة»[، «واتفقوا على أنه نزل فيه: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [النحل: 107][]. شهد المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، ثم شهد معركة اليمامة ضد المرتدين فقُطعت أُذُنه بها.
     
    عيّنه عمر واليًا على الكوفة. من فضائله: ما أخرجه النسائي وابن ماجه عن علي -كرم الله وجهه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «مُلئَ عمّار إيمانًا إلى مُشَاشِه»[]، ومنها: «جاء عمار بن ياسر يستأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم-  فقال: «ائذنوا له مرحبًا بالطيّب المطيّب»[].
     
    توفي ت مقتولًا في معركة صفين عام 37للهجرة. وله ثلاث وتسعوَن سنة. وقد تواتر عنه -صلى الله عليه وسلم-  قوله: «ويْحَ عمّار تقتله الفئة الباغية»[].
     
    معاني الكلمات:
    1- لينصرف: أي من صلاته.
    2- عشر صلاته: أي عُشر الأجر.
     
    الشرح:
    الصلاة عمود الإسلام، والخشوع هو لبّ الصلاة. وفي هذا الحديث يبيّن -صلى الله عليه وسلم-  كيف أن الرجل - وكذا المرأة - ينصرف من صلاته ولم يُكتب له من الثواب إلا عُشر صلاته، أو أكثر من ذلك، أو ربما أقل، بل قد ينصرف ولم يكتب له منها شيء. فتبرأ ذمته بذلك، فلا يُطالب بإعادتها على الراجح من قولي العلماء، لكن لا ثواب له بتلك الصلاة[].
     
    أخرج البخاري عن شقيق (ابن سلمة) أن حذيفة – رضي الله عنه- رأى رجلًا لا يُتم ركوعه ولا سجوده، فلما قضى صلاته دعاه حذيفة فقال له: ما صليتَ، قال (شقيق): وأحسبه قال: ولو متَّ متّ على غير الفطرة التي فطر الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- [].
     
    بل جعل - صلى الله عليه وسلم-  «أسوأُ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته» قالوا: يا رسول الله: وكيف يسرق من صلاته؟ قال: «لا يُتمُّ ركوعها ولا سجودها». أخرجه أحمد.
     
    وجعل هذه الصلاة غير مُجزية: «لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود» أخرجه الأربعة.
     
    وقد مدح الله عز وجل الخاشعين في صلاتهم: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1-2]، وصحّ عنه -صلى الله عليه وسلم-  أنه قال: «أول ما يُحاسب به العبد الصلاة»[].
     
    وهاك بعضًا من أخبار الخاشعين:
    فهذا سيّد الخاشعين وإمام المتقين -صلى الله عليه وسلم-  يقول عنه عبد الله بن الشّخّير  ت: «أتيتُ النبي -صلى الله عليه وسلم-  وهو يصلي ولجوفه أزيزٌ كأزيزِ المِرْجَل من البكاء»[]. وصاحبه الصّديق قالت عنه ابنته عائشة - رضي الله عنها - تخاطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  وهو في مرض موته -: «إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يُسمع الناس من البكاء»[].
     
    وقال عبد الله بن شدّاد: «سمعتُ نشيجَ عمر وأنا في آخر الصفوف فقرأ: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [يوسف: 86][]،  «وكان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود»[]، وحتى أثناء حصار الحَجّاج له، يقول ابن المنكدر: «لو رأيتَ ابن الزبير يصلّي تحت ظلّ شجرة كأنه غصن من أغصانها، ويجيئه المنجنيق من ها هنا وها هنا، فما يَلتفتُ إليه»[].
     
    «وكان أبو صالح ذَكْوان السَّمَّان إذا أمَّ قومه لا يُجيز الصلاة من الرقّة»[]، وسعيد بن عبد العزيز الدمشقي إذا دخل صلاة الجماعة بكى، فقال له رجل: ما هذا البكاء الذي يعرض لك في الصلاة؟ فقال: يا ابن أخي، وما سؤالك عن ذلك؟ فقال: لعل الله أن ينفعني به، فقال: ما قمتُ إلى صلاة إلاّ مُثّلتْ لي جهنم[]. إلى غير ذلك من أخبار الخاشعين.
     
    ومن تأمل صلاة كثير من المسلمين اليوم - هداهم الله - لا يجد فيها إلا الاسم فقط، «وعجبًا لابن آدم كيف يلعب به الشيطان وهو واقف بين يدي الله عز وجل يناجي الله ويتقرّب إليه بكلامه وبالثناء عليه وبالدعاء ثم كأنّه ملحوقٌ في صلاته، كأنّ عَدوًّا لاحقٌ له فتراه يهرب من الصلاة.
     
    أنت لو وقفتَ بين يدي ملك من ملوك الدنيا يناجيك ويخاطبك لو بقيت معه ساعتين تكلمه لوجدتَ ذلك سهلًا.. فكيف وأنت تناجي ربّك الذي خلقك ورزقك وأمدّك وأعدك تناجيه وتهرب هذا الهروب»!؟[].
     
    قال الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى -: «للعبد بين يدي الله موقفان: موقف بين يديه في الصلاة وموقف بين يديه يوم لقائه، فمن قام بحق الموقف الأول هُوّن عليه الموقف الآخر، ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفه حقُه شُدّد عليه ذلك الموقف..»[].
     
    فعلينا جميعًا أن نسعى لإقامة الصلاة وأدائها كما ينبغي. وأُحيل القارئ الكريم إلى ثلاث رسائل نافعة في هذا الباب: الأولى: الخشوع في الصلاة، أوْ الذلّة والانكسار، للإمام ابن رجب، الثانية: 33سببًا للخشوع في الصلاة، للشيخ محمد المنجد، والثالثة: كيف تخشعين في صلاتك؟ للدكتورة رقية المحارب.
     
    ما يستفاد من الحديث:
    1- عظم شأن الصلاة.
    2- تفاوت أجور المصلين بحسب خشوعهم فيها.
    3- الحثّ على تحصيل الثواب الأكبر من الصلاة.
     
    مآآآري
    مآآآري
    المشرفة العامة
    المشرفة العامة


    البلد : سوريا
    انثى
    العمر : 41
    عدد الرسائل : 8386
    العمل/الهواية : مهندسه زراعيه
    تاريخ التسجيل : 22/11/2012
    مستوى النشاط : 23902
    تم شكره : 33
    الاسد

    خمسون النبوية الشاملة Empty رد: خمسون النبوية الشاملة

    مُساهمة من طرف مآآآري الخميس 22 أغسطس 2013 - 10:15

    الحديث الحادي والعشرون
    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انْظُرُوا إلى مَنْ هو أسْفَلَ مِنْكُم، ولا تَنْظُروا إلى مَنْ هو فَوْقَكُم، فهو أجْدَرُ أنْ لا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ الله» أخرجه مسلم، والبخاري بنحوه[].




    راوي الحديث:
    سبق التعريف به في الحديث الرابع عشر، والحديث السادس عشر.
     
    معاني الكلمات:
    أسفل منكم: أي: دونكم في أمور الدنيا.
    أجدر: أحقّ.
    تزدروا: تحتقروا.
     
    الشـرح:
    هذا الحديث من الأحاديث الجامعة للخيرات، ففيه توجيهه صلى الله عليه وسلم وإرشاده بالنظر إلى من هو دون الإنسان في الأمور الدنيوية، وفي المقابل نهيه عن النظر إلى من هو فوقه في حظوظ الدنيا، ثم بيّن العلّة بأن ذلك خشية أن لا يحتقر ويستصغر ما أنعم الله به عليه. فـ: «يا لها من وصية نافعة، وكلمة شافية وافية، فهذا يدل على الحثّ على شكر الله بالاعتراف بنعمه والتحدّث بها، والاستعانة بها على طاعة المنْعِم، وفعلِ جميع الأسباب المعينة على الشكر.
     
    وقد أرشد صلى الله عليه وسلم إلى هذا الدواء العجيب والسبب القوي لشكر نعم الله، وهو أن يلحظ العبد من هو دونه في العقل والنسب والمال وأصناف النعم، فمتى استدام هذا النظر اضطره إلى كثرة شكر ربه والثناء عليه. فإنه لا يزال يرى خلقًا كثيرًا دونه بدرجات في هذه الأوصاف.. فيحمد الله على ذلك حمدًا كثيرًا، ويقول: الحمد لله الذي أنعم عليّ وفضّلني على كثير ممن خلق تفضيلًا. ينظرُ إلى خلقٍ كثيرٍ ممن سُلبوا عقولهم، فيحمد ربه على كمال العقل. ويشاهد عالمًا كثيرًا ليس لهم قوت مدّخر، ولا مساكن يأوون إليها، وهو مطمئن في مسكنه، موسّع عليه رزقه. ويرى خلقًا كثيرًا قد ابتلوا بأنواع الأمراض، وأصناف الأسقام وهو معافى من ذلك.. ويتأمل أناسًا كثيرين قد استولى عليهم الهمّ، وملكهم الحزن والوساوس، وضيق الصدر، ثم ينظر إلى عافيته من هذا الدواء، ومنّه الله عليه براحة القلب، حتى ربما كان فقيرًا يفوق بهذه النعمة ـ نعمة القناعة وراحة القلب ـ كثيرًا من الأغنياء.
     
    ثم من ابتلي بشيء من هذه الأمور يجد عالمًا كثيرًا أعظم منه وأشدّ مصيبة، فيحمد الله على وجود العافية وعلى تخفيف البلاء، فإنه ما من مكروه إلا ويوجد مكروه أعظم منه. فمن وفّق للاهتداء بهذا الهدي الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل شكره في قوة ونمو، ولم تزل نعم الله عليه تترى وتتوالى. ومن عكس القضية فارتفع نظره فصار ينظر إلى من هو فوقه في العافية والمال والرزق وتوابع ذلك، فإنه لا بدّ أن يزدري نعمة الله، ويفقد شكره، ومتى فقد الشكر ترحّلتْ عنه النعم، وتسابقت إليه النقم. وامتحن بالغم الملازم والحزن الدائم، والتسخط لما هو فيه من الخير.
     
    واعلم أن من تفكّر في كثرة نعم الله... استحى من ربّه أن يستعين بشيء من نعمه على ما لا يحبّه ويرضاه، وأوجب له الحياء من ربّه الذي هو من أفضل شعب الإيمان، فاستحى من ربّه أن يراه حيث نهاه، أو يفقده حيث أمره»[].
     
    ما يستفاد من  الحديث:
    1- عنايته صلى الله عليه وسلم بتوجيه أمّته إلى ما فيه صلاح دينها ودنياها.
    2- حثّ الشارع على أن ينظر الإنسان إلى من هو دونه لا إلى من هو فوقه، وذلك في الأمور الدنيوية.
    3- وعلّل ذلك: حتى لا يحتقر الإنسان ويستصغر ما أنعم الله به عليه.
    4- يُفْهَمُ من الحديث أن ما يتعلق بأمور الدين أن ينظر الإنسان إلى من فوقه حتى يكون دافعًا له على بذل المزيد واستباق الخيرات.
     

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 2 مايو 2024 - 14:06